المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصهيونية 001



عبد الكريم الحسني
05/08/2009, 04:07 AM
لقد نشأ النزاع بين العرب واليهود بسبب الصدام التاريخي بين الحركتين القوميتين اللتين تأصلت جذور الكره بين اتباعهما منذ ان ارتبط اغنياء يهود اوروبا بالمشاريع الامبريالية الراسمالية. الحركة الصهيونية بما توفر لها من روافد الدعم من الحضارة الغربية حيث الفكر العلماني الذي ادى الى انشاء الدولة القومية في اوروبا، والتفسير البروتستانتي الحرفي للعهد القديم الذي وجدته الصهيونية كرافد اخر يضمن تحالف قطاع كبير من المسيحية مع فكرة الوطن القومي لليهود حتى قبل وجود الحركة الصهيونية نفسها رسميا على المسرح الأوروبي، فاتفق جميع هؤلاء على ترحيل اليهود الى فلسطين، وصار الهدف اخراج اليهود المكروهين من اوروبا وجعل فلسطين وطنا قوميا لهم.

من ناحية اخرى، كانت هناك حركة القومية العربية التي تضرب في عمق منطقة تلونت بالتراث العربي الاسلامي على مدى اكثر من الف وخمسمائة عام خضعت فيها فلسطين وغيرها للحكم الاسلامي، كما ان سكانها من العرب الكنعانيين وغيرهم كانوا دائما موجودين فيها قبل قدوم العبرانيون من بلاد الرافدين وقبل وصول قوم موسى من مصر.

الصهيونية، من طرف، كانت تسعى لإقامة دولة لليهود، لكي يستطيعوا لأول مرة ان يقرروا مصيرهم منذ ما يزيد على الفي عام، فاستغلت مصالح الغرب الاستعماري الذي كان يسعى الى مد نفوذه واندفعت غير عابئة بما قد يحدث لسكان فلسطين من العرب بعد ان انهارت دولتهم الاسلامية بانتهاء دولة بني العباس على يد الاتراك العثمانيين ثم ضعف الخلافة العثمانية ثم زوالها على يد الغرب الاستعماري الذي وجد من الصهيونية حليفا طبيعيا بسبب التقاء المصالح وضمان التبعية الصهيونية. لهذا تشجع الصهاينة وكونوا دولتهم وفقا للنموذج الاوروبي، وبه ضمنوا المساندة الغربية الدائمة على حساب العرب.

لا شك بان اقامة دولة اسرائيل على ارض فلسطين وطرد اهلها عام 1948م، يعتبر صدمة قوية زلزلت الوجود العربي واصابت الثقافة العربية القومية بصدمة عنيفة لم تفق منها حتى كتابة هذه السطور. وسيبقى بلا مبالغة زلزال انشاء اسرائيل يُهاتف كل الاجيال العربية والاسلامية مهما تباعدت مواقف الانظمة والزعماء، ومهما دأبت محاولة تجاهل ما حدث في فلسطين من قبل البعض، سواء عن عمد أو بتفضيل المصالح الشخصية والاقليمية على المصالح القومية والدينية.

إن اغتصاب فلسطين صراع يكون العرب فيه او لا يكونون.. انه قضية أمة مهما ساءت العلاقات بين الانظمة العربية. وستظل فلسطين قضية العرب المركزية الاولى بل وستبقى قضية المسلمين بطريقة او بأخرى حتى قيام الساعة.. فإن سقطت بعد الاماني أو الاحلام في زمن من الازمان، ستظل القدس عاصمة فلسطين، وعاصمة المسلمين، وعاصمة السماء.

إن الصراع العربي الصهيوني سيظل وسيبقى صراعا حتى وان قال عنه البعض بانه قد تراجع الى ان اضحى صراع فلسطيني اسرائيلي أو راح يسقط الى درء اسفل لكي يصبح صراعا فلسطينيا فلسطينيا بسبب سوء ادارة الانظمة العربية لهذا الصراع، هذا، أو بسبب خلافات هذه الانظمة بالاضافة الى تفضيلها الحصول على الامان لحفظ كراسي الحكم بالانصياع الى سماع نصائح الدول الاجنبية التي تعتمد عليها هذه الانظمة لاستمرار وجودها. فمهما وصلت التسميات أو تسرب بعض الياس لاسباب كثيرة لحظية او لمدة طويلة، فإن الصراع العربي الصهيوني باق جمرا متوهجا وان غطته طبقة ناعمة من الرماد الخفيف، وسيظل بركانا غاضبا على استعداد ان يثور ويقذف الحمم في اي زمن قادم، وقد رأينا ان النار لم تخمد منذ ان صار لليهود دولة في فلسطين.