المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للكلمة أبراجها



أحمد الرجواني
13/08/2009, 07:44 PM
يسعدني أن أقدم لقراء جمهورية واتا المناضلة كاتبا متمكنا له عدد من المؤلفات المهمة خاصة في الرواية، كما له مجموعة قصصية بعنوان " شرخ الجدار"، ويكتب أساسا في صنف من الرواية غير معروف لدى القراء وهو ما يسميه عبد الغني سيدي حيدة ب " الرواية الأطروحة"
"للكلمة أبراجها" عمود كان الكاتب ينشر من خلاله أفكاره النيرة على صفحات أشهر الجرائد المغربية، وبعد تقاعده من وزارة الإتصال التي كان يعمل بها رئيسا لمصلحة الشؤون القانونية، ومندوبا جهويا لجهة مكناس تافيلالت، أصبح ينشره بجريدة وطنية شهرية: "البيئة".
تستطيع أيها القارئ الكريم ان تلاحظ أن الكاتب دائما يوجه الخطاب إليك، وكانه يحاورك على مائدة في مقهى توجد في أي مكان من العالم، يقرأ طالعك بحسرة تارة، بنبرة المفكر الفيلسوف تارة، بأسلوب الشاعر، بخيلاء المبدع، بقرب الصديق الحميم تارات أخرى، ولعلك تستغور مكامن الإنسان فيك بكل الحضارة التي تعشقك أو تعشقها أنت، أو عبر سيرة البداوة فيك متقلبا بين سهول الأرض ومحيطاتها، بين جبالها ووديانها، بين مغاراتها ونقائش الجدود فيها، وقد تثمر محاولاته لتؤكد أنك لا يمكن أن تعيش دون أن تسأل العالم عن أسراره، ونفسك عن هوية وجودها، لك مع الكاتب المبدع عبد الغني سيدي حيدة فرصة كبيرة لتعرف من أنت، ولأتركك في محاولة للتعرف عليه وعلى نفسك من خلال أطروحاته، فقد صدق عندما أوجد للكلمة أبراجها.
للكلمة ابراجها
عبد الغني سيدي حيدة
(كاتب صحفي وباحث)
جربت أن تكون طفلا فضوليا، فتى مشاغبا، ثم رجلا مخاتلا حين أقبرت في أناك السفلية كل مقومات الحكمة وتجارب النساء والرجال.
ما الذي تبدل في ركام تجاربك! لا تخاتل ، فالتجارب لم تكن يوما مجرد ركام إذا عرفت كيف تزيح عنها الغبار.
فكم من مرة أفسدت طعام يومك بإضافة بيضة فاسدة.
تروي الذاكرة الشعبية أن رجلا صالحا من أهل القرى، كان يطلق عليه أهل جواره" المجذوب" نزل ذات يوم صيف قائظ إلى سوق المدينة. ما إن توقفت به قدماه أمام قروية تعرض بضاعتها من بيض ودجاج حتى شرع يصرخ بأعلى صوته وهو يلوح بيده في جميع الاتجاهات " تأملوا يا أهل العقل والحصافة كيف يطفو الفاسد إلى الأعلى ويهبط الصالح إلى القاع " .
ـ " ماذا تقصد أيها التافه " صرخ في وجهه أحد أتباع الوالي الذي صادف تواجده بالسوق ذلك اليوم.
ـ " جربت كل الوسائل فما وجدت خيرا من الماء لفرز الفاسد من الصالح" . أجاب المجذوب.
ـ " يبدو أن رأسك هو الفاسد أيها المجنون،انت لا تقصد الا الوالي وحاشيته وقد رايتهما بالسوق " ، صاح الرجل في وجه المجذوب ، ثم جره إلى حيث كان يجلس الوالي متهما إياه بالتحريض على العصيان.
قال الوالي :
-" ما ردك على ما تتهم به أولي الأمر بهذه الديار، وأناس السوق جميعهم يشهدون على أقوالك؟ "
أجاب المجذوب :
-" ما كنت أتحدث إلا عن البيض الفاسد، وما كان قصدي إلا أن أعلم رواد هذا السوق من ولايتكم السعيدة كيف يميزون بين فاسد البيض والصالح منه " .
قاطعه الذي ساقه نحو الوالي :
-" ما رأينا عنده من بيض يا مولاي " .
قال المجذوب :
-" إنه في آنية مليئة بالماء أمام القروية، بائعة البيض والدجاج، التي كنت أتحدث جهارا قربها ".
عاد الوالي يصيح في وجه المجذوب ، بعدما جيء بالقروية :
-" أرنا الآن كيف تعرف البيض الفاسد من الصالح " .
وشرع المجذوب يكسر البيض الطافي على الماء، في آنية القروية ، بيضة تلو الأخرى. وكانت كلها فاسدة.
وأومأ الوالي لأحد أتباعه بأن يكسر ما تبقى من البيض الراسي في قاع الآنية، وكان كله بيضا صالحا.
وأسقط في يد الوالي وحاشيته.
صاحت القروية :
" من منكم يؤدي ثمن البيض الذي كسرتموه " .
قال الوالي :
" الفاسد منه أم الصالح؟ ".
أجابت المرأة :
" ما عهدت رواد هذا السوق أهل دراية يميزون بين فاسد البيض والصالح منه. ثم إن هذا البيض هو من نفس الدجاجات التي اقتنيتها بدوري من هذا السوق نفسه. أريد ثمن البيض كله وإلا رفعت تظلمي إلى الوالي".
وانتشر الخبر كالحريق في السوق "ان الوالي لا يعرف كيف يميز بين فاسد البيض وصالحه ، فما ادراك بما هو اعظم ".
وعندما التفت الوالي نحو المجذوب كان هذا الأخير قد توارى عن الأنظار.
قال الوالي ، وقد استوعب الدرس :
" أين يقيم هذا الرجل!؟ ".
اشار احدهم الى برج باعلى جبل يطل على السوق . قال :
" هناك يا مولاي " .
تساء ل الوالي :
" اليس له اسم " .
اجابه احد اعوانه :
" هو برج النور يا مولاي .


:book:عبد الغني سيدي حيدة