المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة: دوخة.



عبد الحميد الغرباوي
22/01/2007, 10:14 PM
دوخة
لا بد أن أكون في الموعد المحدد..
وضعتُ أربعة كتب في كيس من بلاستيك..
النظارات الشمسية في الجيب الأمامي الصغير من المعطف.
علبة السجائر في مكانها المخصص لها صحبة الولاعة.
حمالة مفاتيح: مفتاح باب الدار، مفتاح درج المكتب، و مفتاح قديم ! ..نسيت تماما أي الأقفال كان يفتح...
المسألة على كل حال لا تدعو إلى القلق على سلامة عقلي، ما دام الأمر شائعا بين معظم الناس. هناك دائما مفتاح بين المفاتيح غير صالح للاستعمال..
و لم أنس، طبعا، البطاقة الوطنية..
فالواحد منا مهدد في كل وقت و حين، بمن يشك في انتمائه..معرض لمن يقطع عليه الطريق، و يطلب منه دليلا يثبت أنه ابن هذا الوطن..
تصور، عليك أن تثبت أنك أنت هو (أنت) و ليس شخصا آخر غير ذاتك..
أن تثبت أن المبتسم في الصورة الصغيرة، إلى جانب الرقم الذي يتقدمه حرف لاتيني، هو أنت..
و أنت الآن عابسٌ..
لماذا يبتسم الوجه المتعب،
وجهك،
وجهي،
و هذه الوجوه العابسة..
( أفترض أن وجوهكم أنتم أيضا متعبة)..
كل الوجوه متعبة،..
لماذا نبتسم كلما تأهبت يد مصور للضغط على زر آلة التصوير؟
أنت مثلا،.ز
أتلبية لطلبه ؟
أم فرحا؟
سخرية؟
أم لأن كثرة الهم و الغم تضحك؟..
أم خوفا من أن يقال عنك " إنك ساخط، و غاضب، و لست راضيا، و لست قانعا بما قسم الله لك، و إنك عنصر خطير على العباد و البلاد، و إنك قنبلة موقوتة لا تنتظر سوى اللحظة المواتية للانفجار.." ؟..
على فكرة، علينا أن ننتبه إلى ملامح و قسمات الوجه، فالملامح و القسمات تفضح، تفصح عما في الداخل..
على كل واحد منا أن يضع على وجهه قناعا كاتما لصوت الضمير و القلب..
و حرصت على أن أحمل معي نظاراتي الشمسية، و علبة السجائر و الولاعة، و البطاقة، ثم نزلت السلم درجتين ، درجتين..
فتحت الباب و خرجت..
تقدمت خطوات مبتعدا عن الدار. و أنا أترك الزقاق ورائي، ساءلت نفسي:
" هل أغلقت الباب؟.. ماذا لو تسلل إلى الدار غريب؟.. حيوان غير مرغوب فيه؟..شخص حقود، يدخل المطبخ، مثلا، يفتح قنينة الغاز، و يهيئ كل الأسباب المؤدية لانفجار هائل يهز أركان الدار، بل يهزني أنا قبل الدار؟.."
عدت أدراجي. وقفت أمام الباب. أنفاسي متقطعة. كان الباب مغلقا.
من أغلقه !؟..
إذا لم أكن أنا، فمن الشخص الذي أغلقه؟..
ألا يكون داخل الدار؟
بحثت عن المفاتيح في جيبي.. وجدتها، فتحت، صعدت السلم دون تركيز أو تفكير..
كان الأجدر أن أصعد السلم دون إحداث ضجيج، حتى إذا كان هناك غريب، فاجأته بحضوري، و بادرت إلى الهجوم عليه..فأحسن وسيلة للدفاع هي الهجوم..
لم أفكر في الأمر..
فتشت الغرف، غرفة، غرفة.. المطبخ و أيضا المرحاض..
كان كل شيء ساكنا.. الصمت كان سيد المكان..
عدت.ُ
نزلت السلم درجتين، درجتين. فتحت الباب. خرجت. جدبت الباب مغلقا إياه، متأكدا هذه المرة من إغلاقه.
أمامي ربع ساعة. مدة زمنية كافية لأبرهن، كعادتي دائما، عن تقديري و احترامي للوقت.
اجتزت ساحة الجيارين. ساحة الجيارين، فضاء واسع، وسخ.. هي ملتقىً للصباغين حين يفترشون أرضه، عارضين أدوات العمل أمامهم في انتظار من ينشد خدماتهم من الزبائن. و هي، أيضا، و في جزء منها، موقف لحراسة السيارات الرابضة، يستغله أبناء الحي من الشباب العاطل في كسب القليل من المال بالتناوب، فلكل مجموعة يوم معلوم.
دخلت ساحة الجزارين، و ما إن توسطتها حتى علت أصوات خشنة، مبحوحة، فوق كل الأصوات التي تعج بها الساحة..
" الموس في يدو.."*
" حضي راسك آ بنادم"*
اهتز قلبي.
من أين خرج كل هذا الخلق؟..
أين كان مختبئا؟..
ما أن اندلعت المعركة، حتى أصبحت الساحة مكتظة..
أحسست بنفسي في دوامة تدور..
اختنقت..
عشرات الأجساد تعمل على عصري. تضغط على صدري و ظهري.. صراخ.. نداءات استغاثة.. أذرع ترتفع، و أذرع تنزل..دفعا و ضربا.. و أصوات تناشد الأطراف المتشابكة بلعن الشيطان الرجيم، و تجنب إراقة دماء من أجل بنت ساقطة..
علق أحدهم ساخرا:
" ساقطة في الامتحان، أم ساقطة من فوق؟.."
الأمواج البشرية تضرب، تتدافع في كل الاتجاهات. و أنا وسطها عالق لا حول لي و لا قوة..
خوفي كان كبيرا..
ماذا لو أصابتني لكمة طائشة؟.. أو طعنة سكين؟..
لا يد لي في ما يحدث، فقط هي ساحة الجزارين. ساحة السكاكين و اللحوم و الدماء.. و أيضا ، ساحة الفتوة، و الطيش، و الزهو، و الانتشاء بقوة الجسد، و أنا وجدت نفسي محشورا في أحداثها و بشرها..
و بجهد جهيد، تمكنت من النفاذ بجلدي من العصارة البشرية و أنا أشبه ديكا منتوفا..
لكن المحير في الأمر، عندما خرجت من الدار، و تأكدت من إغلاقه تمام الإغلاق، هل كانت الساعة تطوق معصمي؟ و النظارات الشمسية، هل كانت في الجيب الأمامي للمعطف؟ و الكيس البلاستيكي، هل كنت فعلا أحمله؟..
ــــــــ
*السكين في يده
* انتبه لنفسك( احذر) يا بني آدم

صبيحة شبر
23/01/2007, 12:18 AM
المبدع العزيز عبد الحميد
الحيرة تسيطر علينا ( والدوخة) تهيمن على النفوس
فنتساءل هل اغلقنا الباب جيدا ام نسينا ونعود لنتأكد مع اننا قد قطعنا
شوطا كبيرا من المسير
كيف يثبت الانسان انه هو وليس اخر
كيف يثبت انه بريء وليس مذنب
تساؤلات يطرحها بطل القصة على نفسه
وكلنا يمكن ان نكون ذلك البطل

بديعة بنمراح
24/01/2007, 01:43 PM
المبدع القدير عبد الحميد
قرأت نصك بتؤدة تمعنت فيه جيدا ، اكتشفت أن البطل هو أنا وأنت والآخر أيضا.
كلنا تائهون لاندري إن كنا على صواب ام لا! أحيانا لانعرف أنفسنا ، نتوه في دوامة الحياة الغريبة عنا . والأقنعة التي كثيرا ما نراها تخفي الوجوه والحقيقة . صراعات أحيانا من أجل لا شيء ، لكننا لا نصارع من أجل الحق و العدل وضد الظلم والتسلط. أرجو أن تعفر لي هذا الهذيان. أسجل إعجابي الشديد بنصك . تحياتي.

عبلة محمد زقزوق
24/01/2007, 03:21 PM
قد نتوه ونفقد الذاكرة للحظات ولكن الأدهى والأمر عندما نتوه وسط صحبة من الغوغاء ... فيسقط منا الوقت ويضيع ويفتقدنا المكان ، فَنْحن ؛ ونسرع الخطى بالمسير ... فنكتشف أن هويتنا ضاعت وفقدنا مالم تستطع ذاكرتنا ان تفقده وتُمحيه .
تقديري لعظيم المعنى والسرد القصصي لأخينا الأديب المبدع ـ عبد الحميد

عبد الحميد الغرباوي
24/01/2007, 10:38 PM
الكاتبة صبيحة شبر بنت بلدي

هي نفس الدوخة التي تصيبني أحيانا كلما حللت بمدينة الرباط..
من أي شارع أو درب أو جهة أبدأ؟
و بأي من الأصدقاء و الصديقات الأدباء و الأديبات أتصل معلنا قدومي، و طالبا النجدة كي لا أقضي نهاري تائها.
أمسيت ( و في الواقع الكل ، هنا، أمسى) واحدة منهم و منهن، صديقة أعتز بصداقتها..
سعدت بوقوفك عند " دوخة" و قاك الله منها و من كل أنواع التيه أو التيهان.
مودتي.

عبد الحميد الغرباوي
24/01/2007, 10:44 PM
الرقيقة بديعة بنمراح

و لابد أن تكوني رقيقة، فإحساس المبدع لا يخطئ إلا في ما نذر، و لا عجب في ذلك، فأنت أيضا ، كما صبيحة شبر مكتوية بنار الكلمة النقية الباذخة إبداعا.
أسعدني وقوفك، هنا، طويلا متأملة ، متمعنة في دوختي...
أسجل باعتزاز إعجابك بالنص.
لك مني خالص المودة.

عبد الحميد الغرباوي
24/01/2007, 10:54 PM
الأخت الكاتبة عبلة

...و رغم ذلك، فارتباطنا العضوي، الروحي (نحن المبدعين و المبدعات) بالمكان:الأرض ـ الوطن ـ البيئة، هو ارتباط يسري في الروح ، في كويرات الدم الحمراء و البيضاء، ارتباط إنساني. أولئك الذين يقلقون راحتنا، أو يوقعوننا في مطبات، أزمات، هم اولا و قبل كل شيء أبناء هذا الوطن (الصغير) و (الكبير)، نتاج واقع لنا كلنا يد في صالحه و طالحه..
وظيفتنا (نحن) أن نسجل وقائع بحس إبداعي زاخر بالفن و المتخيل (أعني القصة القصيرة) بعيدا عن الخاطرة، أو المقالة أو الخبر المجرد أو الاحتجاج الغاضب الذي يعمي الأفئدة قبل الأبصار، عن التحليل الموضوعي الرزين. يجب إعطاء كل ذي حق حقه.
سلم يراعك، أختاه.

طارق الطوزي
12/04/2007, 01:47 PM
توقف أول خارج النص

قد يحتاج كلّ منّا إلى مرشد لحالة، الحياة بمقتضياتها الذكورية اللجوجة تكوّن هاجس القلق و الخوف، فتتواصل قهريا مع المحلل النفسي الذي يدعى في رعونة العارف الرئي بأنك في حال مرضي، تجهد كي تكون نقيّا فتقلد صمت العالمين ...
القاص يتوقف بثرثرة في ما بعد أو ما قبل المعرفي ليكتشف الحال، هل القلق و الخوف المفرط حال مرضي ؟ أم هو أمانة نقل الواقع الراهن.
إن استنطاق القاص لمثل هذه الحالات هو عمل تفكيكي و تحليلي لبنية ثقافة ما؛ لأنّ الهاجس بمثابة مكبّر لحالة ثقافية مستعصية موجودة فعلا. لا نراها نحن لأننا في نطاق الرغبة بالحياة ننعم بالصمت المطبق، لكن الغريق يرى سلوكيا و نفسيا كلّ شيء و لو كان ضعيفا واهيا فينا.

طارق الطوزي
12/04/2007, 01:47 PM
توقف أول خارج النص

قد يحتاج كلّ منّا إلى مرشد لحالة، الحياة بمقتضياتها الذكورية اللجوجة تكوّن هاجس القلق و الخوف، فتتواصل قهريا مع المحلل النفسي الذي يدعى في رعونة العارف الرئي بأنك في حال مرضي، تجهد كي تكون نقيّا فتقلد صمت العالمين ...
القاص يتوقف بثرثرة في ما بعد أو ما قبل المعرفي ليكتشف الحال، هل القلق و الخوف المفرط حال مرضي ؟ أم هو أمانة نقل الواقع الراهن.
إن استنطاق القاص لمثل هذه الحالات هو عمل تفكيكي و تحليلي لبنية ثقافة ما؛ لأنّ الهاجس بمثابة مكبّر لحالة ثقافية مستعصية موجودة فعلا. لا نراها نحن لأننا في نطاق الرغبة بالحياة ننعم بالصمت المطبق، لكن الغريق يرى سلوكيا و نفسيا كلّ شيء و لو كان ضعيفا واهيا فينا.

طارق الطوزي
14/04/2007, 12:13 AM
توقف ثان في التوزيع الشكلي للنص

من الضروري محاولة تدخل المبدع في ضمان توزيع النص وفقا لخياره التأليفي حين الكتابة، فالنص من خلال شكله حضوره على المادة قائل بليغ ...
بمعاينة توزيع فقرات أو إيهام الفقرات [ المركبات أو الكلمات المستقلة ] نلاحظ عدم إنتظام مربك، الفقرات تمتد لتنحدر في قسوة نحو العمق، لتبقى في إنحباسيتها، لتمد ثم تنكسر، هكذا في حلقة من القيامة و الإنهيار الفجائي، ليس هذا رسما لحالة القلب، إنما مقام اللاتوازن.
ربما، لكن ثمّة تكسر في الفقرات الممتدة، ثمة تفكيك إلى عناصر جزئية صغيرة، مكونات ضئيلة، وهي تقنية ممتازة إعتمدها المؤلف كمؤشر على انقطاع شرودي أو تأمل هذائي ...
الملاحظ كذلك حضور لخواتم الفقرات أو إيهام الفقرات على علامة الترقيم - .. - و التي قد تحمل مدلولا إنسيابيا تائها أو صمت ما و في كلتا الحالتين يخدم النص في تأكيد شعور الضياع.
لكن الأهم هو إنغلاق متعدد على الإستفهام، ربما قد يتبادر إلى الذهن أنه مؤشر على اللااستقرار على اللاتوازن، لكنّه بالنسبة لي يحمل دلالة على اللانتماء، فالسؤال المكرر ينافر مع السكونية العقائدية.

عبد الحميد الغرباوي
14/04/2007, 02:11 PM
إن استنطاق القاص لمثل هذه الحالات هو عمل تفكيكي و تحليلي لبنية ثقافة ما؛ لأنّ الهاجس بمثابة مكبّر لحالة ثقافية مستعصية موجودة فعلا. لا نراها نحن لأننا في نطاق الرغبة بالحياة ننعم بالصمت المطبق، لكن الغريق يرى سلوكيا و نفسيا كلّ شيء و لو كان ضعيفا واهيا فينا.
طارق الطوزي
أخي طارق،
مزيدا من العطاء الأدبي، قصة و نقدا.
مودتي

حسام الدين نوالي
06/06/2007, 09:10 PM
زيف البطولة.

عبر تصور سردي كثيف من الداخل إلى الخارج إلى الخلف إلى المصاحب تؤسسه ضمائر المتكلم والغائب والمخاطب ينقلنا سارد ال "دوخة" إلى مجتمع كثيف، متعدد، لكنه يحيا داخل دوائر خاصة مثل جُزر لا يربطها شيء.
يبدأ النص من خط انتظار نفتحه على الموعد و تفصيلاته و نقيده بزمن وإجبار بِـ "لابدّ"، ثم نجد أنفسنا بعد صمت إلى تفاصيل أخرى، (الصمت يمنحه الترقيم وبياض العودة للسطر)، لكن في تفاصيل صغيرة ندخل عالما حقيقيا، عالم الدوخة، عالم يبدأ بإضاءات السارد:
هناك أربعة كتب في كيس بلاستيكي، أوالثقافة كلها -لكل الجهات – داخل مغلّف خانق، وربما معتم. فيما النظارات لا تحمي الأعين من شعاع قادم من فوق،.. وعلى عكس الكتب والنظارات فإن السجائر والولاعة وحدهما في المكان اللائق، المكان المخصص لهما.
هنا "بطل" يخرج ويحمل كتبا، يمنحنا انطباعا بكل مؤهلات الانفتاح، وللانفتاح منزلقات الذات والهوية، فيما البطل لا يحمي عينيه من الشمس، والأكيد أننا نرى نفس الشيء سواء بالنظارات أو بغيرها، فارق وحيد فقط، أننا بالنظارات نحتمي، لكن لا نلبث أن نجد بطلا مهووسا بالمفاتيح، يغلق كل شيء، حتى "المجهول" يوصده بمفتاح (أو مغلاق) قديم، وربما تاريخي..، بطل منغلق يوهمنا ب "لاتقوقعه"، يوهمنا بالكتب، بالأربعة، بالموعد، بالنظارات والهوية "البطاقة الوطنية".. في حين أنه ذاتي حتى النخاع ، ومهووس بذاته، ورافض للمغايرة..
فمرة يؤمن أن الإنتماء"امتلاك البطاقة" غير ذي شأن مقارنة مع "ذاتية ما" في الغالب "صورية"، إذ ينبغي أن تثبت أنك "أنت هو أنت..."، ومرة يسحب الصفة نفسها على الخلق كله " ( أفترض أن وجوهكم أنتم أيضا متعبة...
كل الوجوه متعبة،..)
لماذا؟
لأن كل مغايرة، كل اختلاف يقلقه، ويقلق انفراده، ويقلق ذاتيته وبالتالي يقلق هويته؛ والواقع أنها هوية موهومة، ذلك أن هذه الأخيرة لا تتأسس إلا عبر اختلاف، "فما يختلف عن الاختلاف هو الهوية، والاختلاف يكون ذاته والهوية معا" –كما يقول هيجل-.
لذا فبطل القصة مرتبك، لا يثبت على حال في خط غير ثابت طيلة القصة من الدار إلى الخارج، إلى الدار مرة أخرى، إلى الخارج في النهاية، لكن هذه المرة من غير ساعة (لا ضوابط) ومن غير كتب (لا ثقافة)، بل والأدهى برأس دائخ.
وإذا كان المنزل مقابلا للهوية، والذات، والأنا، فإن الخارج يغدو رديفا للأخر المختلف، ولكل ما يحيط بالأنا، وبين هذا وذاك بطل لا يثبت داخل المنزل ولا يثبت خارج المنزل، وإن كان من سلّم حضاري سيركبه فإنما سيكون باتجاه الأسفل لأن أية حضارة لا تنبني إلى على أساس الانفتاح والتلاقح الثقافي لكن عبر مصفاة تقي الذات من "شمس الحضارة الأخرى" التي وإن تُمتع بإضاءتها واشتعالها فإنها بالمقابل قد تؤلم العين والجلد، وضربة الشمس ترمي لدوخة ما...
في النص، يركب البطل السلم ثلاث مرات، مرتين باتجاه الأسفل، بل وأيضا بسرعة أكبر "درجتين ..درجتين.."، ليصل إلى عالم لا يدركه ولا يتفاعل معه إلا سلبيا، عالم "يتدافع في كل الاتجاهات. و "هو" وسطه عالق لا حول له و لا قوة"... لكن الأخطر أنه عين وع ولو بشكل أولي أن هذا العالم لا ينتمي إليه، وأنه لم يُخلق من أجله، يذكر في الأخير أنه كان "متأكد من إغلاق الباب تمام الإغلاق"، ما يعني أن العودة للمنزل "للذات وللهوية" سيغدو مسألة تحتاج لعمل، العمل الذي لم يتجشمه السارد ليُعيد بطله إلى منزله، بل تركه هناك.. وحيدا في وسط عنيف خانق مثل "عصارة بشرية"، وهو بالكاد سيفهم أنه أضاع كل شيء: الساعة والكيس والكتب... ولم يصل بعد إلى ما خرج من أجله في البدء.
إن بطل هذه القصة يشبه العديد من أبطال قصص السيد "عبد الحميد"، أبطال سلبيون، غير فاعلين، تائهون في وسط حضاري متماوج وجدوا أنفسهم داخله غير مؤهلين بما أسسوه من وعي زائف للدخول إلى عالم سمته المثاقفة من جهة والبقاء للأقوى من جهة أخرى،.. قصص تحكي عن بطولات زائفة، ما أحوجنا للكشف عنها.

عبد الحميد الغرباوي
09/06/2007, 12:01 AM
إن بطل هذه القصة يشبه العديد من أبطال قصص السيد "عبد الحميد"، أبطال سلبيون، غير فاعلين، تائهون في وسط حضاري متماوج وجدوا أنفسهم داخله غير مؤهلين بما أسسوه من وعي زائف للدخول إلى عالم سمته المثاقفة من جهة والبقاء للأقوى من جهة أخرى،.. قصص تحكي عن بطولات زائفة، ما أحوجنا للكشف عنها.
حسام الدين نوالي
أخي حسام،
أقرأ ما تقدمه من طروحات و تحاليل باهتمام شديد، و أشد على يديك محييا فيك روح الاجتهاد و البحث الأدبيين..فقط أدعوك إلى أن تكون حاضرا معنا ، و ألا تغيب مدة طويلة..
مودتي

سعيد أبو نعسة
09/06/2007, 01:02 AM
أخي الكريم عبد الحميد الغرباوي
وقفت طويلا أمام هذه المنمنمات المشغولة بدقة حائرا في أمري هل أتبع البطل وهو يتنقل في المكان المتحرر من الزمان أم أغوص في تحليل الشخصيات و ما تصنعه من أحداث أم أرتحل إلى ما وراء الكلمات من دلالات و رموز .
وجبة دسمة شهية يلتهمها القارئ صارخا : هل من مزيد ؟
دمت مبدعا

جبران الشداني
13/06/2007, 05:02 PM
المبدع عبد الحميد الغرباوي

المفتاح الزائد الذي لا يصلح لشيء ،قد يكون مناسبا جدا
لفتح ابواب وجود غير واضح ، ذلك الوجود الذي نشك فيه بكل شيء
لان مررنا منه و لم نمر..
هل هو مساحة الذاكرة الغائبة ،؟ هل هو فقط ذلك الحلم الذي تحقق
خارج المكان ؟ ام انه نحن...نحن كذوات لا تتوقف عن الارتياب في انتمائها
لعالم منطقي و مفروض

سعيد جدا بالقراءة لك

مودتي

عبد الحميد الغرباوي
13/06/2007, 11:16 PM
وقفت طويلا أمام هذه المنمنمات المشغولة بدقة حائرا في أمري هل أتبع البطل وهو يتنقل في المكان المتحرر من الزمان أم أغوص في تحليل الشخصيات و ما تصنعه من أحداث أم أرتحل إلى ما وراء الكلمات من دلالات و رموز .
وجبة دسمة شهية يلتهمها القارئ صارخا : هل من مزيد ؟
دمت مبدعا/ سعيد أبو نعسة
العزيز سعيد،
و أنا بدوري أصرخ:هل من مزيد؟... و أرجو ألا تغيب عنا كثيرا...
الأعضاء في حاجة ماسة إلى قراءاتك الذكية لأعمالهم.
مودتي

علي ابريك
14/06/2007, 12:05 AM
أخي الرائع الغرباوي ..
نظل لا نفهم .. لانعقل شيئا ..!!
ذلك عندما نكتشف أننا لا زلنا لم نتحرك بعيدا عن المكان ..!!
قصة حبكتها تؤكد أننا في بحث دائم عن كل شيء نفعله كل يوم ..
وكأننا ننسخ الأمس الذي نسيناه اليوم ..!!
رائع ..

حسام الدين نوالي
14/06/2007, 02:47 PM
أخي حسام،
أقرأ ما تقدمه من طروحات و تحاليل باهتمام شديد، و أشد على يديك محييا فيك روح الاجتهاد و البحث الأدبيين..فقط أدعوك إلى أن تكون حاضرا معنا ، و ألا تغيب مدة طويلة..
مودتي

العزيزعبدالحميد..
ليس في الأمر غياب.. هو أشبه بظل يختاره محارب أصبعه على الزناد.. وذا قلبه يفيض حبا بالوطن والأحباب.
وهذه تحية إليك وإلى كل المبدعين في هذا الصرح.
أعانقكم واحدا واحدا.

عبد الحميد الغرباوي
10/08/2007, 05:16 PM
المبدع عبد الحميد الغرباوي
المفتاح الزائد الذي لا يصلح لشيء ،قد يكون مناسبا جدا
لفتح ابواب وجود غير واضح ، ذلك الوجود الذي نشك فيه بكل شيء
لان مررنا منه و لم نمر..
هل هو مساحة الذاكرة الغائبة ،؟ هل هو فقط ذلك الحلم الذي تحقق
خارج المكان ؟ ام انه نحن...نحن كذوات لا تتوقف عن الارتياب في انتمائها
لعالم منطقي و مفروض
سعيد جدا بالقراءة لك
مودتي
و هذا تعليق آخر يفرض علي الواجب أن أتقدم باعتذاري للكاتب جبران، فأنا أشعر بخجل شديد، كيف لم أنتبه إلى هذا التفاعل الجميل ، النبيل؟...
مودتي أخي جبران

عبد الحميد الغرباوي
10/08/2007, 05:19 PM
أخي الرائع الغرباوي ..
نظل لا نفهم .. لانعقل شيئا ..!!
ذلك عندما نكتشف أننا لا زلنا لم نتحرك بعيدا عن المكان ..!!
قصة حبكتها تؤكد أننا في بحث دائم عن كل شيء نفعله كل يوم ..
وكأننا ننسخ الأمس الذي نسيناه اليوم ..!!
رائع ..
أخي بريك،
أعذرني إن أنا لم أعقب على تعليقك إلا الآن...لست أدري السبب، ربما كثرة الأشغال، ربما شيء آخر ما عدت أتذكره الآن..
سعدت بملاحظاتك و انطباعاتك..
مودتي

ليلى رابح
23/10/2007, 02:50 PM
هي بالفعل دوخة
دوخة كبرى

توتر اللغة واضح ، و في اندماج عجيب ينقل الكاتب اليك باسلوب مميز هذا التوتر فتتخيل المشهد و كأنك بطله فلا تفتأ تتأكد من وضعك للأشياء المذكورة في مكانها و لا تستغرب أبدا من المفتاح الزائد الذي كلنا نحمله و قد يكون مفتاح الهروب من هذه الدوخة و الذي نرجئ استخدامه الى حين أو اننا قد لا نحسن استخدامه ، و لا نعي لما يستخدم أصلا ، لكنه يبقى معنا املا أو ذكرى أو سلوى تعيننا على تحمل هذا الواقع المدّوخ .
و يستميت البطل في حمل كل الاشياء التي لا بد له أن يحملها أو هو مجبول على حملها و كأنه يحمل هذا العالم بأركانه الأربعة في الكتب الأربعة و لا يضع نظارته الشمسية على عينيه بل في جيب معطفه ، ربما لأنها لن تجدي نفعا و لن تغطي اشعة الشمس التي زيده دوخة ز هو مع ذلك يحملها . لكن العجيب ان السجائر و الولاعة لها مكان خاص أو في كل منا مكان خاص او ذروة خاصة مستعدة للاندلاع و الاشتعال كما الولاعة أو هي لا تعدو كونها مجرد سحابات تعلو كما دخان السجائر المتطاير بعد ثورة مزيفة .
بطاقة الهوية و اجبارية حملها و الفرق البائن بين صورة حاملها العابس و صورة صاحبها المبتسم و أزمة الهوية ولعبة إنكار الذات أو إثباتها ........ الشك طريق اليقين و منه التأكد من خلو البيت من غريب و احكام إغلاقه دعوة للتأكد من نقاء الذات و إحكام اغلاق ثغراتها فالمجتمع لا يرحم و قد يطالك موس الجزارين و تتوه في زحمة مناحراتهم من أجل ساقطة لم تسقط سهوا في الدوخة الا لتسقطك عميقا في حلقات الدوخة . لنصرخ في النهاية كفانا تيها و خوفا و شكا .

نص ممتع يفتح الذهن على الكثير من التساؤلا ت على دواخل النفس و ما ينعكس عليها .

المبدع الاستاذ الغرباوي
ود يمتد لمدادك الفياض

عبد الحميد الغرباوي
23/10/2007, 09:47 PM
الفاضلة ليلى، أحييك على هذه القراءة المتأنية و التي غاصت عميقا في النص.
مزيدا من التفاعل مع نصوص الأعضاء.
مودتي

عبد الحميد الغرباوي
26/10/2007, 01:05 AM
الأديبة ليلى رابح،
تحية و سلام لكل الأقلام المبدعة في الجزائر الشقيقة.
قراءتك للنص، أضافت له بعدا آخر جديدا..
خالص المودة.

سعدية اسلايلي
17/12/2007, 07:23 PM
دوخة، دوختان، ثلاث.....نص محبوك بشكل يذكر حبكة الأحداث المتسارعة حولنا حتى الدوخة.
تفاعلت مع ضياع النص حتى راودتني الرغبة في التخلص من قصاصات فوضاي الداخلية على شكل دوخة أخرى...
تحياتي

عبد الحميد الغرباوي
17/12/2007, 09:20 PM
دوخة، دوختان، ثلاث.....نص محبوك بشكل يذكر حبكة الأحداث المتسارعة حولنا حتى الدوخة.
تفاعلت مع ضياع النص حتى راودتني الرغبة في التخلص من قصاصات فوضاي الداخلية على شكل دوخة أخرى...
تحياتي
أشد على يديك أختي سعدية.
متابعتي لإبداعك القصصي متواصلة...
عرفت مؤخرا و صدفة أنك روائية أيضا، و لك إصدارات...
مودتي