المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نحن نعمل ضدنا



كاظم فنجان الحمامي
24/08/2009, 09:59 PM
نحن نعمل ضدنا


نشر في جريدة الزمان الدولية بعددها 3380 في 24/8/2009


كاظم فنجان الحمامي

هل هو غباء ؟, أم تخلف ؟, أم قلة معرفة ؟. أم ماذا ؟. لا اعرف بالضبط, كيف أفسر إصرار التشكيلات الحكومية العراقية, منذ ثمانينات القرن الماضي, وتعنتها بفرض الحصار الجائر على طواقم سفن قطاعنا البحري الخاص, وإصدارها تشريعات ظالمة, تقضي بمنع تزويدهم بالجواز البحري, وبالتالي حرمانهم من العمل في عرض البحر أسوة بأقرانهم من شعوب أقطار كوكب الأرض.
هل تصدقون إذا علمتم إن العراقيين وحدهم, في هذا الكون الفسيح, غير مسموح لهم بالعمل في بحار الله الواسعة. وهل تعلمون إنّ إجراءات المنع تعني فقدانهم آلاف الفرص السانحة للحصول على الموارد المالية الكبيرة, وتعني مضايقة ذوي المهارات والكفاءات البحرية العالية, الذين لم يرتبطوا بالمؤسسات الحكومية, وحرمانهم من تحقيق الأرباح والمكاسب المتاحة, وحرمانهم من تحسين أوضاع عوائلهم الفقيرة, وتعني أيضا وقوف الدولة, من حيث تدري أو لا تدري, إلى جانب أعداء العراق, الذين تبنوا منذ زمن بعيد, حملات إعلامية وسياسية مسعورة, تستهدف حرمان بلد الحضارات من إطلالته البحرية على العالم. فقد صرحت تلك الدول في أكثر من محفل على إن العراق ليس بلدا بحريا بالمعنى الصريح, بدليل عدم صلاحية موارده البشرية للعمل في الأعمال البحرية الحرة خارج العراق. على الرغم من وجود أكثر من مليون عراقي, ممن يمتلكون الخبرة والمهارة للقيام بشتى الأعمال والنشاطات البحرية التخصصية, ولديهم الرغبة الصادقة في الالتحاق بالسفن والتنقل عبر البحار والمحيطات, ففي البصرة وضواحيها مئات الآلاف من البحارة, الذين توارثوا المهن البحرية عن أجدادهم. لكنهم يتكدسون, للأسف الشديد, في الطوابير الطويلة, التي مازالت تنظر الفرج. والمضحك المبكي إنهم حرموا من العمل حتى على السفن العراقية التابعة للقطاع الخاص, ما اضطر السفن العراقية غير الحكومية إلى تشغيل الهنود والبورميين والجامايكيين والإيرانيين وغيرهم. بسبب حرمان العراقيين من الحصول على الجواز البحري الذي يفتح لهم بوابات الرزق الحلال والربح الوفير, في الفضاءات البحرية الفسيحة. الأمر الذي اضطرهم إلى التحايل على التشريعات العراقية, فوجدوا ضالتهم في سفارات وقنصليات بعض الأقطار, التي كانت أبوابها مفتوحة دوما, لمنح الجوازات البحرية للراغبين, وبصرف النظر عن تبعيتهم لبلدان أخرى, مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة. وهكذا حصل العراقيون على جوازات من سيراليون, ومنروفيا, وليبيريا, واريتريا, وجزر المالديف, وبنما, والصومال, وغيرها. وكانت تلك الجوازات, بمثابة الجسر الذي عبروا من خلاله إلى الموانئ العالمية, وتزايدت أعدادهم خلال تسعينات القرن الماضي, وأثبتوا جدارة منقطعة النظير, وسجلوا نجاحات باهرة في الميادين البحرية المفتوحة.
اُعتمدت صيغة الجوازات البحرية لأول مرة في العالم عام 1958. وهو العام الذي تبنت فيه منظمة العمل الدولية اتفاقية عالمية لتسهيل انتقال طواقم السفن من ميناء إلى آخر, وتبسيط مرورهم عبر المنافذ البحرية الدولية, ومن دون حاجة إلى تأشيرات الدخول. ولم يصادق العراق على هذه الاتفاقية إلا بعد مرور (26) عاما على شيوعها دوليا, وذلك بالقانون رقم (86) لسنة 1986. والذي منـح بموجبه مديـر الجوازات في العراق صلاحية إصدار الجواز البحري, وتجديده, وتمديده. بيد ان هذا القانون حصر صرف الجواز البحري بالعاملين في المؤسسات الحكومية فقط. ومنع صرفه للعاملين في القطاع البحري الخاص. فهم غير مشمولين بهذا القانون بتاتا. والعجيب بالأمر ان منظمة العمل الدولية أدخلت تعديلات جذرية على الاتفاقية, ثم استبدلتها باتفاقية جديدة, أعلن عنها خلال انعقاد الدورة (91) لمؤتمر العمل الدولي في جنيف. وتمت المصادقة عليها رسميا, وهي تحمل الرقم (185) لسنة 2003. ودخلت حيز التنفيذ الفعلي في التاسع من شباط (فبراير) عام 2005، ولم يصادق عليها العراق لحد الآن, وربما لا تعلم مديرية الجوازات بأحكامها الملزمة التطبيق. فهل يتطلب الأمر انتظار مرور (26) عاما أخرى حتى يصادق العراق عليها ؟, والى متى يبقى بحارتنا في محطات الانتظار ؟.