المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحرية - انواعها - اثرها في نمو المجتمع



محمد خطاب سويدان
31/08/2009, 03:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
حرية الإنسان
منذ أن بعث الله رسول الله صلي الله عليه وسلم رسولا كانت حرية الإنسان مبدأ من مبادئ رسالة الإسلام ، فالخروج من عبادة الأوثان والأشخاص إلي عبادة الله الواحد القهار هو جوهر الحرية والخطوة الأولي لوضع حرية الإنسان علي الأرض موضعها الصحيح ، فهو تخليص الإنسان من كل الطواغيت وقيودها منذ اللحظة التي ينطق فيها الإنسان كلمة لا اله إلا الله فهو يسلم أمره لله ، ويتبع أوامر الله ويسير علي هداه ويكون عبدا لله وحده وينبذ ما دون ذلك .
ولا اله إلا الله تعني إن الإنسان لا يعبد إلا الله ولا يسلم قياده إلا لله فلا عبودية إلا لله وحده.
ولقد جاء الإسلام ليضمن الحرية للإنسان ، جاء ليطلق حريات الإنسان ويحميها من العبث والإكراه سواء كان ذلك في الحرية الدينية و السياسية والفكرية ،لان الحرية دعامة لما سنه الإسلام من عقائد ، ولأنها احدي مقومات الشخصية الرئيسة وأساس بناء المجتمع الإنساني السليم ، فهناك :
1- حرية العقيدة
2- حرية التفكير والرأي
3- الحرية السياسية
4- الحرية الدينية
5- الحرية المدنية
حرية العقيدة :
يقول تعالي ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) البقرة 256 ، وهذا يعني إن الإسلام لا يجبر أحدا علي اعتناق الإسلام ، والتاريخ يثبت لنا ان الفاتحين الأوائل لم يجبروا أحدا علي دخول الإسلام ، بل انتشر الإسلام بين الناس لسماحته وعدالته والصور المشرقة الطاهرة التي ظهر بها الفاتحون الأولون .
كما حافظ المسلمون الفاتحون علي دور العبادة في الأمصار المفتوحة وضمنوا لهم حرية ممارسة العبادة ، رغم ان البلاد تحت الحكم الإسلامي ، وكان لأهل البلاد من غير المسلمين محاكم تحكم بينهم بحسب شرائعهم ، وكان أن أعفوهم من القتال مقابل الجزية التي فرضت عليهم . والقران الكريم يدعو إلي معاملة أهل الكتاب بالحسنى لقوله تعالي ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ، إلا الذين ظلموا منهم ) العنكبوت 46 .
ولقد وصل اليهود والنصارى إلي مراتب عليا في الدولة الإسلامية ولم يقف اختلاف الدين إمام ذلك كله .
حرية التفكير والرأي :
لقد أولي الإسلام حرية التفكير والتعبير عن الرأي قيمة كبيرة ، فالعقل هو ما تميز به الإنسان عن سائر المخلوقات ، والقران الكريم جعل إعمال العقل والتفكير طريق للإيمان ، وكأنما التفكير فريضة إسلامية والآيات الكريمة بهذا الخصوص كثيرة في القران الكريم منها قوله تعالي ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فاحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) البقرة 161
وقوله تعالي ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار )آل عمران 190 – 191
فالتفكر أدي إلي إدراك إن للكون والإنسان والحياة خالقا وان الإنسان لاشك راجع إلي ربه ومحاسب علي ما فعل فكان الاستغفار والتوبة .
وإذا كان الإسلام قد أطلق حرية التفكير فانه من الطبيعي ان يتبعها بحرية التعبير عن هذا الفكر بشتى أنواع التعبير ، أي سواء كان التعبير باللسان أو بالقلم وهو ما يسمي في عصرنا الحالي بحرية الرأي ،وتقدم الإنسانية وتطورها متوقف تماما علي أساس حرية والرأي والفكر ، وباحترام الإسلام الكامل لحرية الرأي والفكر ، قدم لنا الإسلام هذا التراث الرائع والضخم من إبداعات قام بها المفكرون والفقهاء والمفسرون والعلماء والفلاسفة في كل جوانب الحياة ، فكان لدينا علم الحديث هذا العلم الرائع والضخم والذي بني عليه علم الجرح والتعديل ،فكانت التراجم للرجال والأماكن ، وكذلك كتب تاريخ الصحابة والتابعين ، ودونت أحداث التاريخ الإسلامي الرائع ، كما تنوعت التفاسير بحسب المفسر فكان التفسير اللغوي منها تفسير الزمخشري والتفسير بالرأي واغلب ذلك كان عند المعتزلة ، والتفسير الذي جمع ذلك كله أي التفسير بالرأي والمأثور واللغوي مثل تفسير القرطبي ،وهكذا التراث الضخم الرائع الذي لم يوجد مثله في التاريخ البشري ، وكان هذا التراث والعلم الذي تركه لنا أجدادنا هو الأساس في النهضة الأوربية ، حتى أن بعض الكتاب والمفكرين الأوربيين تمنوا إن لو انتصر المسلمون في معركة بلاط الشهداء (معركة شارل مارتل ) لان ذلك أخر تقدم أوربا أكثر من مائتي عام .ولم يدع علماء المسلمين علما إلا وطرقوه وأبدعوا فيه وأضافوا إليه الكثير مثل الفلسفة اليونانية والعلوم والرياضيات والطب فكان من علماء المسلمين ابن سيناء وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية ألصغري وأجزم والكبرى أيضا ، وهذا ابو حامد الغزالي يحلق عاليا في كتابه إحياء علوم الدين ، وكذلك رواة الحديث الشريف وعلي رأسهم البخاري رحمه الله ،والكثير الكثير في كل العلوم الإنسانية والدينية وغيرها من فروع العلوم .
لم يكفر أجدادنا الأوائل بعضهم بعضا وان اختلفوا في الرأي والفتوى في مسألة من المسائل ، ولا زالت القاعدة التي وضعها الشافعي رحمه الله ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ) قاعدة تطرق أسماع المفكرين في كل زمان ومكان ، لا كما يحدث الآن من البعض من شتائم وسباب وتكفير ، وإخراج من الملة . وقد أمرنا رسول الله ان نعمل العقل ولا نتبع سبيل المفسد ين وان تكون للواحد منا شخصيته فقال صلي الله عليه وسلم (لا تكونوا إمعة ، تقولون إن أحسن الناس أحسنا وان ظلموا ظلمنا ، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وان أساءوا فلا تظلموا ).وسئل رسول الله صلي الله عليه وسلم أي الجهاد أفضل قال: كلمة حق عند سلطان جائر ) رواه الترمذي
ولقد عرف المسلمون الأوائل لأنفسهم هذا الحق فلم يتنازلوا عنه وعرف الحكام لهم هذا الحق فلم يمنعوهم عنه ، فحين وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب في الناس ويقول لهم اسمعوا وأطيعوا ،قام له أعرابي رادا عليه لا سمع ولا طاعة فيقول عمر برفق ولين لماذا يرحمك الله ، إلي آخر القصة .
والإسلام يحترم الرأي والرأي المعارض في أمور الدنيا مما لا نص فيه ولا يحارب حرية الرأي ولا يكبته إلا إذا كان ذلك في أمور تهدم الدين وتدمر الحياة.
الحرية السياسية والمدنية :
الحرية السياسية في الإسلام مكفولة للفرد وبالتالي هي مكفولة للجماعة ، والقاعدة الإسلامية هي الإقرار بحق كل فرد في أن يبدي راية في سياسة الأمور العامة مادام لا يخرج عن طاعة الله ولا يسعي في الأرض فسادا ، وهذا الأمر موجود كنتيجة طبيعية لتقرير الإسلام لقاعدة الشورى ، والإسلام حث علي ممارسة الشورى وأمر بالعمل بها ، والرسول الكريم صلي الله عليه وسلم سار علي هذا النهج فكان يشاور أصحابه والناس من حوله في الأمور التي ليس بها نص ، ولقد سار الخلفاء علي هذا النهج من بعده وكانت الشورى عصب الحريات الرئيس ، وبهذا كان الإسلام يعمل علي التنشئة السياسية للأفراد.كذلك من حق أي شخص أن ينتقد السلطة الحاكمة ويخطئها ي إطار الحق العام بل ويقاضيها ، كما أن هناك حرية الكلمة والكتابة وبالمعني العصري حرية القلم ، فلا يجوز تكميم الأفواه وكسر الأقلام التي لها رأي مخالف لرأي السلطة الحاكمة وهو ما ندعوه بحرية الصحافة ، بل هي مفروض فيها أنها جزء من السلطة المعارض .
والحرية المدنية تعني حرية الإنسان بالبيع والشراء وإبرام العقود والصفقات السفر والإقامة والتملك والتعليم .
وهكذا كان للإنسان حريته في المعتقد والتعبير والرأي ، فأبدع وقدم الكثير للإنسانية ، فالإنسان بغير الحرية عاجز مكبل لا يقدم لحياته شيئا ، بل هو كم مهمل لا فائدة منه بعد أن فقد إنسانيته بفقدان حريته ووضعت الأغلال في عنقه .
ولذلك كانت الحرية الفكرية هي أول الطريق إلي التطور والتقدم ومنافسة الشعوب الاخري علي الصدارة .