المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على النشر



د. طلال الجعفري
16/09/2009, 01:42 PM
* كتبت: ســناء صـليحـة
.... بغض النظر عن الاحصائيات التي ترصد حال الكتاب ومعدلات القراءة في مصر والعالم العربي ــ من قبيل أن معدل القراءة لايزيد علي نصف كتاب سنويا‏,‏ أو عدد الكتب المترجمة من أو إلي اللغة العربية أو‏...‏ والتي كثيرا ما يود المرء أن يدرجها تحت عنوان صدق أو لا تصدق أو علي أحسن تقدير المضحكات المبكيات‏,‏ إلا أن مايحدث علي أرض الواقع يشير لعدد من الحقائق التي لايمكن تجاهلها ولابد من محاولة تفسيرها‏.‏ ولعل أهم هذه الظواهر الزيادة المفاجئة والملحوظة في عدد دور النشر خلال الثلاث سنوات الماضية وتعدد مقاهي القراء وإقبال رأس المال الخاص علي افتتاح هذه النوعية من المكتبات التي تحول البعض منها لبديل عملي مقبول لفكرة الصالون الثقافي التقليدي‏..‏ هذه الظواهر وكل ما يتصل بها بات يطرح سؤالا حقيقيا لابد أن نسعي للوصول للاجابة عليه‏..‏ فهل هذا الازدهار حقيقي‏,‏ وهل هو نتاج لوعي ثقافي وارهاصة تشي بتغيير ايجابي‏,‏ أم أن الأمر مجرد مجموعة من المشروعات التجارية المرهونة بآليات السوق والعرض والطلب‏,‏ وكم المنح المقدمة من جهات أجنبية؟
وإذا كان الأمر كذلك فإلي أي مدي يمكن أن تتأثر سوق الكتاب والنشر في مصر بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية؟‏!‏ أسئة واستفسارات حول صناعة النشر‏,‏ والمشاركة في المعارض الدولية وتأثير قوانين الملكية الفكرية‏,‏ وقضايا تزوير الكتب حملتها وحملها الزميلان محمد هزاع ووفاء نبيل لعدد من المتخصصين في هذا المجال ونقدمها في ملف كامل‏,‏ في محاولة لاكتشاف ما يدور في كواليس صناعة الكتاب والنشر‏..‏
وفي البداية وافق د‏.‏ شعبان خليفة أستاذ علم المكتبات ورئيس لجنة الاعلام والنشر بالمجلس الأعلي للثقافة علي ظاهرة الزيادة الملحوظة في عدد من دور النشر في مصر خلال الثلاث سنوات الماضية‏,‏ مشيرا إلي أنه بات لدينا‏450‏ ناشرا رسميا مقابل ألف ناشر‏,‏ وصفهم بأنهم ناشرو الصدفة أو الكتاب الواحد‏,‏ وأرجع ظهورهم إلي أن هيئة المعونة الأمريكية رصدت مائة مليون دولار لتزويد المكتبات المدرسية في المرحلة الأولي والاعدادية بالكتب الثقافية‏.‏
وأشار إلي أن عدد المكتبات في المرحلة الابتدائية حوالي‏18‏ ألف مكتبة‏.‏ وبالتالي تكونت دور نشر صغيرة بهدف الحصول علي جزء من هذه المعونة‏,‏ كما أنشأت بعض دور النشر الكبري دور نشر صغيرة بأسماء مختلفة لنفس الغرض‏,‏ حيث إن المعونة تشترط أن يتم توزيعها علي عدد كبير من دور النشر‏.‏ وأضاف د‏.‏ خليفة أن زيادة عدد الجوائز الدولية والاقليمية والمحلية شجع أيضا علي ظهور دور نشر دقيقة التخصص‏,‏ وأنه من المتوقع مع بدء ضخ الجزء الثاني من المعونة ظهور المزيد من دور النشر وسوق جديدة تقدم كتبا تناسب الأوجه التي حددتها المعونة‏(!!).‏
وعن ظاهرة انتشار مقاهي الكتب قال إنها مرادفة لمقاهي الانترنت‏,‏ وهي وإن كانت ظاهريا تبدو مستعارة من أمريكا‏,‏ إلا أنها في الواقع امتداد مستحدث لظاهرة التقرية‏(‏ استعارة الكتاب من البائع ثم إعادته إليه بعد قراءته بمقابل مادي زهيد‏)‏ التي ابتدعها قديما بائعو الكتب علي الأرصفة‏..‏ ويضيف‏:‏ ان هذه المقاهي تمثل منفذا جديدا لتسويق الكتاب وتقريب الناس إليه وهي ظاهرة ايجابية‏..‏
ويفجر د‏.‏ خليفة مفاجأة من العيار الثقيل عندما يقرر أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي أثرت علي كل القطاعات فأل حسن للكتاب وانها ــ علي حد تعبيره ــ تخدم الكتاب إذا انخفضت أسعار الورق‏(‏ العنصر الأساسي في تكلفة الكتاب‏)‏ بنسبة‏40%,‏ وبالتالي فإن سعر الكتاب يمكن أن ينخفض بنسبة‏25%.‏ ويري أن الأزمة الاقتصادية لن تؤثر في عملية الترجمة‏,‏ أو تسبب مشاكل بالنسبة لحقوق الملكية الفكرية لأن الدول النامية معفاة من الدفع طبقا لاتفاقية برن واتفاقيات اليونسكو‏(‏ وهذه قضية سوف نعرض لها بالتفصيل في وقت لاحق‏).‏
ويحدد د‏.‏ شعبان خليفة أهم مشكلات الكتاب والنشر في مصر في عدة نقاط أهمها كثرة عدد الناشرين وقلة الانتاج وظهور فئة ناشري الصدفة أو بير السلم‏,‏ وغياب شبكة توزيع وتسويق الكتاب‏,‏ وتخلي دور النشر الحكومية عن نشر الكتب الموسوعية ومنافستها لدور النشر الخاصة في نشر قوائم يمكن لأي دار أن تقوم بنشرها‏,‏ وأخيرا يطالب د‏.‏ شعبان خليفة دور النشر الحكومية بأن تدعم النشر الثقيل‏(‏ المعاجم والموسوعات والكتب السنوية‏)‏ التي تمثل عبئا علي الناشر وعلي جيب القارئ في مرحلة تالية‏..‏
وإذا كانت هذه هي الرؤية والتحليل الأكاديمي لما يدور علي أرض الواقع في عالم النشر فماذا يقول الناشرون والكتاب وعلم الاقتصاد؟‏!
** منشور بصحيفة "الأهرام" المصرية 29 مارس 2009