المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : Zionism, Judaism and the Promised Land



عمرو زكريا خليل
04/12/2006, 02:29 PM
الصهيونية ـ النازية.. بين حرية البحث وتحريمه!!
أكرم عطالله*

في انتخابات الليكود الداخلية التي جرت في صيف 84 وحصل خلالها أرئيل شارون على أصوات عالية تنبأ معلق ألماني في ألمانيا الغربية حينذاك بقدومه إلى الحكم وحذر من وصول الرجل الأكثر عدوانية بين قادة الحزب اليميني وعلق قائلاً: "إن الوضع في إسرائيل يشبه الحال أيام جمهورية فيمار"1، وهي الجمهورية التي سبقت وصول هتلر إلى السلطة.

ترى ما الذي دفع ذلك الألماني إلى تشبيه إسرائيل في تلك المرحلة بجمهورية فيمار؟ وهل هي المصادفة البحتة مقارنة مجيء أرئيل شارون وصعود هتلر للسلطة؟

و أخيراً تحققت نبوءة المعلق بعد أكثر من عقد ونصف من التأخير ووصل شارون إلى رأس الهرم الإسرائيلي بأغلبية لم يسبق لها مثيل من حيث النسبة، وفي ذروة الأحداث التي تشهدها الأراضي الفلسطينية كانت الصور المؤلمة التي تعرضها شاشات التلفزة وتتناقلها وسائل الإعلام من ضحايا العنف الإسرائيلي والذي يقف خلفه الرجل ذو التاريخ الدموي تعيدنا إلى أكثر من نصف قرن حيث النازية في ذروة مشروعها لإبادة البشر، والذي ألحق كارثة بالإنسانية فلا يكون الاستنتاج إلا أن من يعيد إنتاج الكارثة في فلسطين بهذه العنصرية ضد الآخر ما هو إلا أحد تلامذة هتلر.

في ذروة الأحداث كانت مؤسستان فكريتان دوليتان تجهزان لعقد مؤتمر لإعادة النظر في تاريخ الصهيونية، وهما السويسرية "حقيقة" والأميركية "معهد الأبحاث التاريخية"، وكان المؤتمر سيعقد في بيروت بين 31 مارس و4 أبريل الماضي، ومن المفترض أن يشارك فيه باحثون ونشطاء ومفكرون لإعادة نبش تاريخ الحركة الصهيونية والبحث في الموضوع الذي تمارس إسرائيل والمنظمات الصهيونية على أساسه إرهابا فكرياً ضد الآخرين أو أي محاولة بحثية وهو موضوع المحرقة.


لم تتعرض أي من حقب التاريخ لهذا الجيتو الذي تفرضه إسرائيل والمنظمات الصهيونية حول تلك المرحلة التي شهدت كارثة إنسانية على أيدي النازيين فلا يمكن الحجر على التاريخ بهذه البساطة وإلا توقف علماء التاريخ عن دراسة الأبحاث العلمية التي تتوصل أحياناً إلى نتائج تتعاكس تماماً مع نتائج سابقة توصل إليها آخرون سبقوهم.

التاريخ الإنساني هو سلسلة تجارب البشرية على امتداد القرون الماضية وهو ملك البشرية بتراثها الثقافي والحضاري وليس ملكاً أو حكراً على طائفة أو طبقة أو أمة من الأمم، وهو مادة حية للدارسة والبحث العلمي بشكل دائم ومن أحد أهم مميزاته أن هذا العلم يمتلك من الرؤى المتعددة والمتناقضة أحياناً ما لا يملكه أي علم آخر.

فقد اكتشف علماء التاريخ في القرنين الأخيرين خصوصاً أن هناك ضرورة لإعادة صياغة التاريخ القديم بشكل مختلف عما وصلنا خاصة أن الحفريات الأثرية كانت تعطي وجهات نظر أخرى عما كتب عن نفس الأحداث من التاريخ، وأدركوا أن التاريخ القديم لم يكتبه عامة الشعب بل كانت طبقة مقربة من الملوك والأباطرة على قدر من التعليم لم يسمح للعامة تحصيله مكلفة بتأريخ الأحداث فكتبت التاريخ من وجهه نظر واحدة ـ نظر الحكام ـ !.

ومن هنا كانت الثورة في علوم التاريخ باعتبار أن البحث الدائم أحد أهم روافد هذا العلم الذي يختزل تراث البشرية الذي شهد مآسٍ وكوارث لا حصر لها.

خلال التحضير للمؤتمر المذكور قامت ثلاث منظمات يهودية بالتحرك ضد المؤتمر وإدانته وهي: المؤتمر اليهودي العالمي وعصبة مكافحة الافتراء اليهودية ومركز سيمون ديزنتال وقد مارست تلك المنظمات الضغوط على لبنان بالاشتراك مع حكومة الولايات المتحدة وحكومات أجنبية وعربية أخرى لمنع المؤتمر، فأعلن رئيس الحكومة اللبنانية في 22 آذار تجاوباً مع الضغوط بأن مؤتمر المراجعة التاريخية والصهيونية لن ينعقد.2

تقف إسرائيل والمنظمات اليهودية بكل قوتها ضد حرية البحث والتعبير لمرحلة من أشد مراحل التاريخ بؤساً في الحرب العالمية الثانية والمذابح التي ارتكبها النازيون ضد الإنسانية فالمفكر والباحث الفرنسي روجيه جارودي مؤلف كتاب "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" تعرض للملاحقة القانونية والاتهام باللاسامية لمجرد اقترابه من هذا الموضوع، وصودرت رسالة دكتوراة في سويسرا عن الموضوع نفسه، ولوحق الباحث يورجان جراف وسجن 11 شهراً وهرب إلى إيران لأنه طالب بإعادة النظر فيه 3. والأمثلة كثيرة حيث لم يسلم المؤرخون والمراجعون من الحملات اليهودية ودفعوا مقابل موقفهم هذا أثماناً غالية كما دفع من قبلهم كل من بحث عن الحقيقة فتعرضوا للاغتيال وللطرد من العمل في مراكز أبحاثهم وجامعاتهم ولدفع غرامات مجحفة وحملات تشهير وحصار اجتماعي واضطهاد سياسي مريع لأنهم تجرأوا على المس بالأساطير الصهيونية التي تبرر لإسرائيل سياساتها العدوانية ضد دول المنطقة.

الموقف الصهيوني هذا يثير العديد من الأسئلة التي تضع إسرائيل والمنظمات الصهيونية في قفص الاتهام أكثر مما تبقيها في موقع الضحية التي تستدعي العطف والرعاية، فهل يملك أحد وضع فيتو على التاريخ؟ ولماذا تفرض إسرائيل البحث في مسألة تبدو من الطبيعي أن استمرار البحث فيها هو تذكير العالم بشكل دائم لظلم تعرض له يهود أوروبا في الحرب العالمية الثانية؟ أليس هذا في صالح يهود العالم وإسرائيل؟؟ كما تبدو المصلحة الفلسطينية من الأبحاث التي يقدمها بعض الباحثين الإسرائيليين من المؤرخين الجدد الذين يقدمون ما هو جديد في نكبة الشعب الفلسطيني في سياق حرب 48 بما تمثله من نقد جدي يكذب الرواية الإسرائيلية التقليدية المتداولة، مثال ذلك البحث الذي قدمه الباحث ثيودور كاتس إلى جامعة حيفا لنيل درجة الماجستير حيث وقفت المؤسسة الإسرائيلية موقف الند للباحث وما تعرض له من ملاحقات اضطر على إثرها لسحب المادة البحثية التي كشف خلالها عن مجازر خروج العرب من قرى سفح الكرمل، تحديداً مذبحة الطنطورة، والمهم أن الباحث اعتمد على المصادر والوثائق الإسرائيلية4.

لا أحد ينكر المحرقة التي حدثت وقامت بها النازية ولن تكون نتيجة أي بحث علمي خارج هذا السياق بغض النظر عن الأرقام، وهذا ما يدركه جيداً اليهود الذين يقفون بصلابة أمام المحاولات البحثية، فلماذا يعارض اليهود طرح الإشكالية على بساط البحث العلمي للتدقيق في المعلومات؟ ولماذا منع الباحثون من الوصول وحرية العمل والتفكير والتدقيق؟ ولماذا يقف التاريخ عند رواية واحدة لحدث ما؟ أليس في ذلك سابقة خطيرة؟ فهل التاريخ ملك لأحد؟ ألم يشكل هتلر كارثة للإنسانية جمعاء؟ ومن هنا فإن الموقف الذي يريد أن يفرض على العالم رؤيته للكارثة يبدو مشبوهاً لأن هناك ما يخشاه حين تفتح ملفات التاريخ، وهذا ما أكدته بعض المعلومات القليلة جداً التي تسربت سواء عن موقف الحركة الصهيونية تجاه مشروع هتلر أو ما تسرب عن العلاقة بين الحركة الصهيونية والحزب النازي أو المقارنة بين ممارسات الرايخ الثالث وتنفيذ المشروع الإسرائيلي من خلال تهجير الشعب الفلسطيني ومحاولات إبادته كما كتب البروفيسور الإسرائيلي يعقوب تالمون: "طرد العرب من أراضيهم الأصلية إنما يذكر إلى حد كبير بما كان الفاشست يفعلونة".

الرؤية الإسرائيلية لتلك المرحلة الهامة من التاريخ كما تريد أن يراها الآخرون تقدم على بعض المسلمات التي يجب أن يؤخذ بها دون تشكيك وهي تقدم كالتالي:

أولاً: أن العداء للسامية مسألة أبدية كانت المحرقة أحد نتائجها.

ثانياً: أن هتلر كان يستهدف اليهود فقط على الرغم من أن ضحايا الحرب العالمية الثانية بلغوا 50 مليوناً من كل الأمم.

ثالثاً: أن النازيين قتلوا وأحرقوا ستة ملايين يهودي في الهولوكوست.

رابعاً: أن المحرقة هددت وجود العنصر اليهودي في العالم وكادت أن تقضي عليه.

هذه الرواية التي لا ينبغي التشكيك فيها، وتتهم إسرائيل كل من يطعن بأي من بنود الرواية بالعداء للسامية وبالملاحقة التي تختلف أشكالها، وأمام ذلك لابد "من الشعور بالتعاطف الشديد مع إسرائيل الناجية من براثن الإبادة، حيث أن هذا الشعب المضطهد لألفي عام ومهدد طوال القرون الماضية من حقه أن يستقر أخيراً على بقعة أرض بأمان وأن يتولى الضمير العالمي رعاية تلك الدولة وحمايتها للتكفير عن عذاب القرون الماضية وآخرها المحرقة، وبالتالي الوقوف إلى جانبها وتبرير قيامها على حساب الشعب الفلسطيني وكيانه وأرضه، وتبرير سياستها العدوانية تجاه العرب".

انطلاقاً من ذلك فإن الرواية التقليدية ذات الوجه الأوحد التي ينبغي التصديق والإيمان بها بتفاصيلها هي البقرات المقدسة التي ساهمت في صياغة العقل الإسرائيلي، والرأي العالمي الذي وصل إلى هذه النتيجة الداعمة للدولة التي تشكلت كنتاج لذلك التاريخ الحافل بمطاردة العنصر اليهودي، وإن أي تشكيك في نصوص الرواية يعتبر ذبح للبقرات المقدسة التي قامت عليها دولة إسرائيل الأمر الذي يجعل من البحث عن نصوص تهدف إلى أن تقدم وجهاً آخر للتاريخ هو جريمة ينبغي ملاحقتها، ربما خوفاً من كشف بعض الأسرار التي تدين تاريخ الحركة الصهيونية، بل ينبغي أن يحبس التاريخ أنفاسه ويتوقف عند النص المعمم ذو الوجه الواحد دون رتوش أو إضافات وإخفاء ملفات القضية في صناديق وإيداعها في مخازن التاريخ ليعلوها الغبار.

تميز الدين اليهودي دون الأديان الأخرى بانغلاقه، باعتباره الوحيد الخاص ببني إسرائيل "تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب"5. في حين أن الديانتين المسيحية والإسلامية سمحت بالتبشير للأمم الأخرى، واعتبر من أهم أنشطتها، وهذا ما ميز العقل اليهودي من البداية ليعتبر الجيتو المظهر الوحيد لحياة الأقليات اليهودية بين المجتمعات. هذا النظام الذي فرض نفسه على حياة اليهود حمل من العنصرية ما لم يحمله أي عقل آخر في رؤيته للشعوب والأقوام الأخرى على اعتبار تحريم الاختلاط بها استناداً للنصوص الأولى التي اعتبرت اليهود شعب الله المختار.

وانطلقت فرضيات اليهود بأن العداء العنصري والكراهية أحد الصفات النظرية للبشر فكل شعب يكره الشعب الآخر لكن جميع الشعوب تكره اليهود لذا فإن اليهودي في كل مكان وزمان هدف للاضطهادات، فالعداء للسامية خالد طالما بقى اليهود وسط الشعوب الأخرى، وقد أشار هرتزل في كتابه "الدولة اليهودية" إلى أن العداء للسامية سيزول منذ البدء بتحقيق فكرة إنشاء الدولة اليهودية6 لذلك فقد استخدم الآباء الروحيون للحركة الصهيونية فكرة العداء للسامية كبداية للمشروع الصهيوني وحافزه الرئيس.

واقع الأمر أن تربية اليهود على الاعتقاد بالتفوق (الشعب الذي سيرث جميع الأمم) ووضعهم في درجة أعلى من الشعوب الأخرى شجع الممارسات الأولى للعداء للسامية، وقد اكتشف زعماء الحركة الصهيونية أهمية تلك الممارسات لتحقيق أغراضهم، وفي أحيان كثيرة كانوا يحتاجون إلى تسعير شعور العداء بين الشعوب الأخرى، كما يؤكد اليهودي كرتسمر أن تفوق اليهود الروحي والمعنوي على جميع الشعوب المحيطة "شئ جلي للعيان"7.

في القرنين الأخيرين كانت أوروبا قد قطعت شوطاً كبيراً باتجاه التحرر الإنساني والمفاهيم الاجتماعية بما شهدته بعد عصر النهضة والثورات التحررية في بعض بلدانها كالثورة الفرنسية وثورة كرمويل في بريطانيا بما أحدثته من انقلابات ثورية ضد المفاهيم القديمة التي سادت أوروبا في القرون الماضية، وما كان للثورة الصناعية من تأثير على البنى الاجتماعية وطبيعة العلاقات الاقتصادية وتأثيرات الإصلاح الديني بحيث أن المرسوم الذي وقعه ملكي أسبانيا فرديناند وايزابيلا عام 1412 والقاضي بنفي اليهود غير المعمدين8 أصبح جزءاً من الماضي، وكنتاج لتلك التطورات انبعثت الحركة الأوروبية لتحرير اليهود.

فلم يمارس نظام الإنعزال المفروض بقوة القانون في إنجلترا منذ عودة اليهود إليها أثناء حكم أوليفر كرمويل، أو في أمريكا الشمالية حيث تحرر اليهود رسمياً منذ دستور 1778 الذي نص على أن الدين ليس شرطاً لشغل المناصب في الدولة، وأزال بيان حقوق الإنسان الذي أصدرته الثورة الفرنسية أي أساس للعنصرية، وبقدوم 1831 اعترف باليهودية رسمياً في فرنسا إلى جانب المسيحية كديانات في الدولة9، ثم كان التحرر في الولايات الألمانية وبدأ نظام الجيتو في أوروبا يشهد بواكير خلخلته.

وكتب جابوتنسكي شعاره المعروف في ثلاثينيات القرن الماضي عند شعوره بضائقة تراجع الجيتو "إذا لم نقض على المنفى فإنه سيقضى علينا10"، حيث بدأ خطر الفناء يتهدد الجاليات اليهودية سواء بعمليات الاضطهاد التي وقعت في أوروبا هنا وهناك التي ستدفع اليهود بالتخلي عن يهوديتهم أو بالحريات التي منحت للجاليات اليهودية، وهذا هو الأخطر، التي ستدفعهم للاندماج في المجتمعات وما بدا له من تفسخ روحي وجسدي وبداية الخروج من الجيتوات.

لهذا فإن العداء للسامية كان المنقذ الوحيد من الهاجس الذي بدأ يتهدد الجاليات اليهودية ليعترف "ثيودور هرتسل" مؤسس الحركة الصهيونية: "إن معاداة السامية هي قوة ضخمة واعية بين الجماهير لن تؤذي اليهود، أنا أعتبرها حركة مفيدة بالنسبة للشخصية اليهودية"11 وقد بدأت الصهيونية بالتقاط أبسط الحوادث ضد اليهود وتهويلها لكي تدفع بهم للتكتل والانعزال والحفاظ على عقلية الجيتو واستقلالها وتغذيتها للانتصار على بعض آراء مثقفي الغرب من اليهود التي لم تأبه للتحرر اليهودي ولم تعتبره مهدداً لها، بحيث أصبح العداء للسامية هدفاً بذاته ووسيلة من أهم وسائل الصهيونية لتحقيق هدفها، وبدا أن السامية في خدمة الصهيونية ما دعا الصحفي الفرنسي بيير دمرون لوصف العلاقة بين "الصهيونية والعداء للسامية بأنها متبادلة أشبه بالعلاقة بين اللص والدركي"12.

وكانت قضية دريفوس، التي ينبغي التوقف قليلاً عندها، أحد أبرز الأحداث التي كان لها دور في صياغة النظرية الصهيونية السياسية واحد الأمثلة التي تم تهويلها للتدليل على مدى العداء للسامية الذي تكنه الشعوب الأخرى لليهود ولتضع الحل الوحيد لتلك الحالة وهو خروج اليهود من أوروبا وتجميعهم في وطن خاص بهم، وهو ما نشره هرتسل بعد القضية بعامين عام 1894 عندما قامت عاملة نظافة تعمل في السفارة الألمانية في باريس بتسليم محتويات سلة مهملات إلى نائب مدير المكتب الفرنسي لمكافحة التجسس واكتشف الأخير أنها احتوت على خمس وثائق كان رجل مجهول يرغب في بيعها للسفارة الألمانية، وعند مقارنة الخطوط ثارت الشكوك بين أربعة أو خمسة ضباط، ثم تمت المقارنة بين الخطوط فوجد أن خط أحدهم وهو الكابتن اليهودي"ألفريد دريفوس" يماثل خط المذكرة ـ ليلاحظ القارئ أن الشبهات دارت في البداية بين خمسة ضباط بمن فيهم فرنسيين وليس باتجاه الضابط اليهودي وحده ـ وتم القبض عليه وتجريده من رتبته العسكرية وسجنه مدى الحياة، وهنا يجب الملاحظة، أيضاً، أنه لم يقبض على دريفوس بسبب صلاته مع الألمان أو بسبب أن جده كان يهودياً بل بسبب التماثل الخاطئ مع خط المجهول.

وفي عام 1896 سلمت سلة أخرى تدين متهم آخر غير دريفوس فسلمت الدولة التحقيق إلى نفس الضابط نائب مدير المكتب الفرنسي الميجور هنري الذي بدأ يدافع عن خطأه ويزيف الأدلة ضد دريفوس فانتقلت القضية للصحف وانقسم المجتمع الفرنسي الذي لم يكن يهتم بالموضوع في البداية انقساماً حاداً13 وفي 1898 برئ دريفوس من التهمة لكن الجيش رفض الاعتراف بذنوبه فأصدرت محكمة عسكرية ثانية حكماً على دريفوس بالسجن لعشرة أعوام ثم عفي عنه.

وفي تلك القضية الهامة في تاريخ الحركة الصهيونية يتضح أنه قبض على دريفوس ليس لأنه يهودي بل لأنه خائن "للتدقيق للاعتقاد بخيانته" وهذا الأمر لم يغضب الفرنسيين وحدهم بل أغضب الجالية اليهودية نفسها، ومن الطبيعي أن يغضب الفرنسيون عند اكتشاف خيانة فرنسا، ومن الطبيعي أيضاً أن يكون الغضب أشد عندما يكون هذا الخائن من أحد الأقليات، فليس للأمر علاقة بكراهية اليهود أو معاداة السامية بل إن بعض اليهود كانوا أكثر غضباً من المسيحيين، وكان اثنان من كبار الصحفيين اليهود هما: "ايزور سنجر" و"جوزيف أرون"14 يقودان حملة تتعارض مع تفكير هرتسل في الوقت الذي نشرت فيه أنباء الخيانة فإنهما شعرا بأن الخائن يستحق الإعدام في حال ثبوت أدانته على الرغم من أن الإعدام لم يكن عقوبة الخيانة أو التجسس في ذلك الوقت، فاعتقد "أرون" أنه يجب أن يعدم رمياً بالرصاص أما "سنجر" فاعتقد أنه يجب تطبيق القانون الموسوي القاسي والذي يقضي بالرجم حتى الموت، وأن يقوم حاخام فرنسا بإلقاء أول حجر"15، فأي معاداة للسامية يمكن تصديقها حين ينقسم شعب بأكمله يتعاطف نصفه مع الجالية اليهودية؟؟.

رغم تلك الإشارات التي تستبعد إثباتات جدية تدلل على نزعة العداء للسامية في قضية دريفوس إلا أن الحركة الصهيونية استطاعت وبنجاح استغلالها بأبرز صورها لتأكيد كراهية الشعب الفرنسي وبالتالي الشعوب الأخرى لليهود بهدف تحقيق الفكرة التي سيطرت على مؤسسي الحركة الصهيونية بإخراج اليهود من المجتمعات الأوربية قبل اندماجهم فيها لتكتب صحيفة الأرشيف اليهودي بعد نهاية قضية دريفوس بثماني سنوات عام 1906 "مهما كانت قضية دريفوس فإنها انتهت بالنسبة لليهود لكن نتائجها جعلتنا نحبها أكثر فأكثر وإذا كان من الممكن تسميتها فنقول إنها بلدنا العزيز"16، وباعتبار أن ظاهرة العداء للسامية التي ينفخ فيها مؤسسو الحركة الصهيونية لتعيد أحلامهم فتزداد الرغبة لديهم برؤية الشعوب وهي تضطهد اليهود لا أن تسمح لهم بالمساواة والاحترام ليبدي هرتسل انزعاجه حينما يرى تياراً كبيراً من مثقفي الغرب لا يؤيده ولا الجاليات اليهودية تقف خلفه حين كانت الأخبار تتوارد بأن كتابه "الدولة اليهودية" لم يحقق من المبيعات ما كان يطمح إليه وأن أفكاره لم تلق ذلك الرواج الذي اعتقده؛ ليكتب في وقت من أوقات الضغط إن الشعب اليهودي لم يتألم بما فيه الكفاية وينبغي أن يكون مهاناً ومذبوحاً لكي يكون ناضجاً من أجل الفكرة"17، هنا يتمنى هرتسل بصراحة أن يشتد القمع والذبح والإهانة "لاحظ هذا التمني لو صدر عن غير هرتسل لوصفه اليهود بأنه من أشد أعداء السامية" لنا أن نصفه نحن باللاسامية في هذه اللحظة بالذات ولكنه لم يبتعد عن صديقه "بنسكر" الذي يكتب "إن الحكومات المضطهدة ـ بكسر الهاء ـ ستساعدنا"18.

لكن في بداية القرن تشهد أوروبا عمليات انحسار في مشاعر العداء للسامية وبالتحديد فرنسا التي كما أسلفنا بأن قضية درايفوس نفسها لولا أنه تم استغلالها بحذق من قبل هرتسل وإلا ما شعر يهود فرنسا بكراهية تجاههم، وبالرغم من ذلك الاستغلال إلا أنها بعد عشر سنوات أصبحت جزءاً من الماضي ولا نستبعد أن الشعب الفرنسي بعد الضجة التي أثارتها القضية أصبح ودوداً أكثر تجاه الجالية اليهودية للتكفير عن ظلم أثارته الزوبعة الصهيونية، وبدا هذا الانحسار ملموساً لتكون الحركة الصهيونية جهزت سلاحها السري بوثيقة "بروتوكولات حكماء صهيون" التي كانت تتداول في أوروبا نهاية العقد الثاني للقرن 19، ومضمون تلك الوثيقة عبارة عن خطة استراتيجية للسيطرة على العالم ووضعه تحت تصرف اليهود، وقراءة الوثيقة كفيلة بأن تشعر قارئها بالكراهية الشديدة تجاه اليهود، ولا تترك تلك البروتوكولات أمة من الأمم إلا وتستفزها ضدهم وتدعوها لاحتقارهم والعمل بكل الوسائل لاضطهادهم.

لم يترك الزعماء اليهود أي فرصة لاستغلال الأحداث البسيطة لتأجيج الدول ضد اليهود لتنفيذ رغبات بنسكر، بل ذهب أحد الزعماء أبعد من ذلك في أحلامه بأن وصلت رغباته بأن يلبس ثوب عدو السامية وباعتراف دون خجل يقول بن غوريون رئيس الوزراء الأول لدولة إسرائيل: "أنا لا أخجل من أن أعترف بأنه لو كانت سلطتي تعادل رغباتي لاخترت عدداً من الشباب المخلص لقضيتنا وأمرتهم بالتنكر والتظاهر بأنهم من غير اليهود وملاحقة اليهود بطرق العداء للسامية الفظة" ـ لاحظ طرق العداء العادية لا تؤدي الهدف يريد قمعاً وحشياً لليهود ـ ويكمل بن غوريون: "عند ذلك ستفوق نتائج الهجرة إلى إسرائيل بعشرة آلاف النتائج التي يحصل عليها مبعوثونا الذين يلقون منذ عشرات السنين مواعظهم أمام الصم.19

لهذا فقد كانت معاداة السامية التي كان لليهود دوراً فاعلاً في تهييجها بل والمساهمة في صناعتها الانتصار الأبرز للحركة الصهيونية التي كانت تنظر إلى كل هزيمة للسامية على أنها هزيمة لها، وهذا ما يراه المجتمع الإسرائيلي، ففي دراسة مقارنة أجريت قبل خمس سنوات حول النظرة اللاسامية عند الإسرائيليين أجرته الدكتورة شلوميت ليفي من مركز فيدل ساسون للدراسات اللاسامية في جامعة تل أبيب كان نتائجه مدهشة20 بحيث دللت على أن ثلث الإسرائيليين يعتقدون أن اليهود أنفسهم هم المذنبون بوجود اللاسامية في أوساط الغوييم وأن 43% مازالوا يرون في الصفات والسلوك اليهودي عاملاً بارزاً في اللاسامية وأن 21% ينسبون اللاسامية لسياسة إسرائيل وأن 50% يعتقدون أن سلوك اليهود يبرر اللاسامية، ومع نشاط الحركة الصهيونية وتبني بريطانيا العلني لمشروعها بعد عقدين على إقراره في مؤتمر بازل وذلك من خلال وعد بلفور ازدادت الهجرة نسبياً إلى فلسطين لكن تلك الزيادة لم ترضِ قادة المشروع خلال الخمسة عشر عاماً بعد بلفور، وبدا أن أفكار الصهيونية مقضي عليها بالموت البطيء، لكن استيلاء هتلر على السلطة كان حبل النجاة للحركة الصهيونية، وقد قدم عوناً لا يقدر بثمن، فما صاحب ذلك من مذابح يهودية ودعاية واسعة معادية للسامية أدى إلى بعث الصهيونية حيث كتب الصحفي الألماني "هانز هايني": "إن الصهاينة لم يعتبروا انتصار النازيين في ألمانيا كارثة قومية بل اعتبروه إمكانية تاريخية لتحقيق المساعي الصهيونية"21 . ـ لاحظ هنا أول قاسم مشترك بين أحلام الصهيونية ووصول هتلر للحكم فلولا نتائج انتخابات 32 في ألمانيا والتي أسفرت عن فوز الحزب النازي ربما لن يتحقق مشروع الدولة اليهودية أو على الأقل لن يكتب له النجاح كما هو عليه الآن "دولة إسرائيل" وبذلك فإن هتلر كان أحد أهم منفذي المشروع الصهيوني وبذلك فإن بكاء اليهود على المحرقة وممارسات هتلر يبدو مكشوفاً أمام باحثي التاريخ!

وأمام هذا التناقض الظاهري كتبت مجلة دير شبيغل الألمانية بعد مرور أكثر من عقدين على مذابح هتلر في ديسمبر 66 قائلة: "لقد أدى انتصار الألمان المعادين للسامية إلى بعث بهجة غير عادية في نفوس الصهاينة، فقد رأوا فوراً في هذا الانتصار هزيمة ليهود الغرب المثقفين الذين لم يكترثوا إطلاقا بالصهيونية وفضلوا التطور بين الشعوب الأخرى"22.

وقد تمثل هذا القاسم بالانتصار المشترك لهتلر وآباء المشروع الصهيوني، انتصار هتلر على السامية وانتصار الحركة الصهيونية على الموقف اللامبالي من اليهود في التصور القومي العنصري المشترك عبر عنه النشيد الذي كان ينشده أولاد الذوات اليهود البولونيين متبخترين ببزاتهم الرسمية الداكنة قاذفين واجهات المكتبات اليهودية اليسارية بالحجارة "ألمانيا لهتلر وبريطانيا لموسوليني وفلسطين لنا"23 ورفعت بعض الشخصيات النازية المعادية للسامية أصواتها معلنة إعجابها بالحل الجيد الذي تقترحه الحركة الصهيونية ومن هنا كان لابد من التعاون بين الحركة الصهيونية والنازية التي ستنقل المشروع الصهيوني إلى ذروته.

لا ندعي معرفتنا الكاملة بذلك التعاون القذر وكيف لنا أن نعرف في ظل هذا الإرهاب الفكري والحجر العلمي والبحثي والاتهام باللاسامية وما تعرض له الباحثون وإصرار إسرائيل على إخفاء ملفات ذلك التعاون الذي يعتبر طبيعياً بين حركتين بينهما ما هو مشترك؛ ولأن الصهيونية رأت في النازية الجسر الذي سيوصلها إلى مشروعها، وهذا التعاون الذي تريد المنظمات اليهودية التي تعارض مؤتمرات مراجعة تاريخ الصهيونية له أن يبقى في مخازن التاريخ لأنه يفضحها ويكذب روايتها وينفي مسلماتها باعتبار أن العداء للسامية يعد وسيلة بين ترسانة الوسائل التي تكثر إسرائيل من استعمالها في صراعها ضد الدول العربية والشعب الفلسطيني وأحد أبرز وسائلها لإسباغ شرعية لوجودها ودعوة دائمة للتعاطف معها والسكوت على ممارساتها اللاإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني ونكبته.

المشكلة الأبرز في هذا السياق هي التجاوب العالمي مع إسرائيل بالتطاول على التاريخ وحبسه في صناديق وتزويره بحيث تقدم إسرائيل روايتها المتناقضة لمساره الطبيعي في مخالفة لكل أعراف التاريخ، فمن غير المعقول أن يقبل العالم بإغلاق ملف من أهم الملفات التي تمثلت في كارثة إنسانية كان لليهود نصيب فيها كالكثير من الشعوب، وليس من المقبول أن تبقى وثائق تلك المرحلة حبيسة للأبد لمجرد أن إسرائيل ترغب بذلك.

وحتى اليوم يجوس عملاء إسرائيل وأجهزة مخابراتها كل أنحاء العالم للبحث عن وثائق تدل على تعاونهم الإجرامي مع النازيين لإعدامها ـ فالرواية حققت نتائج مذهلة ينبغي ألا يتم خدشها ـ إلا أنهم لم يستطيعوا إبادتها بالكامل ولم يستطيعوا أيضاً منع بعض التسريبات في جدار الرواية الذي تشقق، هذه التسريبات التي يفترض بها أن تكون الدافع الرئيس لملاحقة بقية الوقائع لأنها تشكل الخيط الذي يجب متابعته، فبالتأكيد ما خفي أعظم بكثير يستحق البحث عن حقيقته.

ما كشف عن ذلك التعاون الإجرامي شكل ثروة هامة لبعض المهتمين من الباحثين في التاريخ النازي وخصومه الذين تتهمهم إسرائيل باللاسامية لأنها ترى نفسها جزءاً من القضية، ففي عام 55 تفجرت الفضيحة بعدما أجبر الرئيس السابق للجنة اليهودية الخاصة بإنقاذ اليهود المجرمين تحت ضغط الحقائق أن يعترف بأنه كان على علاقة مباشرة مع القادة النازيين الذين أبادوا نصف مليون يهودي مجري وكان كاستنر يعلم سلفاً عن خطط الإبادة لكنه التزم الصمت حسب زعمه لإنقاذ حياة الصهاينة النشيطين (حوالي 100 ألف يهودي مقابل 500 ألف يهودي تمت إبادتهم ...!) وقد أثبتت الوقائع في قضية كاستنر أن المنظمات الصهيونية العالمية قامت في الفترة بين 44 ـ 45 بتزويد القوات الهتلرية بالمواد العسكرية وكذلك قدمت المنظمة الصهيونية مساعداتها للنازيين في إجراء مفاوضات بشأن الاستسلام لجيوش الدول الغربية وأكثر من ذلك فقد فضحت هذه القضية تعاون القيادات اليهودية مع النازيين الذين قاموا بإبادة النصف مليون يهودي وإحباط حركة المقاومة24.

لم يكن التعاون بين الحركة الصهيونية والقيادة النازية على المستوى السياسي فقط بل كان لأجهزة الأمن النازية دور مباشر في احتضان ومساعدة الحركة الصهيونية، وقد كشف "مكسيم رود نسون" الاتفاق على الترحيل بين الوكالة اليهودية والرايخ من أجل تسهيل هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين، وقد ساعد قائد المخابرات الهتلرية لشئون اليهود "فون مبلونشين" نشاط المنظمات الصهيونية الرامي إلى إنشاء معسكرات إعادة التربية التي كان الشاب اليهودي يعد فيها للاستخدام التالي في فلسطين، وقد كان العميل رايهرت من مكتب المعلومات الألماني في فلسطين على اتصال مستمر مع أحد الشخصيات القيادية لمنظمة صهيونية رسمية، وكشفت وأكدت أطروحة الدكتور "فرنكل" من جامعة القدس العبرية العلاقات بين الرايخ الثالث والحركة الصهيونية في ألمانيا وبالتحديد أجهزتها الأمنية فأعادت الأطروحة نشر نشرة البوليس السري النازي التي ترقى إلى صيف 1938 وجاء فيها: "رغماً عن مرسوم حل التنظيمات اليهودية ينبغي السماح لأعضاء حركة بيتار "حركة الشبيبة اليمينية التي انضمت لحزب حيروت ومن ثم الليكود" بالاجتماع سرياً وبارتداء البزات الرسمية لحركتهم لأن هذه الحركة تنشر الروح القومية الاشتراكية وسط الشبيبة اليهودية الألمانية"25.

ولم يكن التعاون النازي الصهيوني محصوراً في ألمانيا أو جهة صهيونية واحدة بل تعددت أشكال التعاون الصهيوني النازي وتعددت أماكنه فقد اعترف "ناتان يليين" المتورط بالسعي إلى اتصالات مع الألمان لحساب حركة "ليحي" التي تزعمها "يائير شتيرن" الذي أعدمه البريطانيون قبل قيام إسرائيل في كتابه عصابة شيترن 1940-1948 بالاتصال بين حركة ليحي وألمانيا النازية وذلك خلال المفاوضات الألمانية الصهيونية التي جرت عام 1942 ـ 1948 في هنغاريا26.

لم يتوقف التعاون الصهيوني النازي عند الحالة الرسمية فقد بل تجاوز ذلك بحيث أن الآلاف من اليهود الألمان خدموا في الجيش النازي، هذا ما كشف النقاب عنه في مغامرة بحثية شاب يهودي أمريكي، نشرت الديلي تلغراف قبل 5 سنوات هذا الخبر في صفحتها الأولى ثم أعادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية نشر التفاصيل27 وتبين من البحث أن هتلر كان يعرف أن ثمة 77 ضابطاً كبيراً من أصل يهودي في جيشه وذلك بفضل وثيقة أعدها الجيش الألماني في كانون ثاني 44 من أجل أن يوافق هتلر عليهم وكانوا كلهم برتبة كولونيل فما فوق وإثنان يحملان رتبة جنرال، وقد تبين للباحث أن تلك القائمة لم تكن كاملة فهناك 60 ضابطاً كبيراً كان من الممكن إضافتهم.

ومن بين الضباط من أصل يهودي الذين كانوا معروفين قبل البحث "إرهارد ميلش" نائب قائد سلاح الجو، الضابط الكبير الآخر في لقائمة هو "هلموت فيلبرغ" الذي خطط لقصف لندن، واكتشف الباحث أنه وجد على الأقل 17 ضابطاً من أصل يهودي حصلوا على أوسمة بطولة رفيعة جداً في الجيش النازي ومنح النازيون أيضاً ميداليات للجنود اليهود المتفوقين.

ينهي ريغ بحثه بجملة هامة هي خلاصة أي بحث في التاريخ السري الأسود للحركة الصهيونية قائلاً: "حتى أبناء المجتمع اليهودي يخشون التطرق إلى هذا الموضوع ذلك لأن الموضوع يناقض كل ما علموه ويعلمونه حول الكارثة" وبالتالي يجب أن يبقى التاريخ الأسود طي الكتمان برفض أي مؤتمر وملاحقة الباحثين واتهامهم باللاسامية ويبقى الهرم مقلوباً.

وقد اعترف حاييم لنداو لصحيفة معاريف أن الوكالة اليهودية كانت تعلم عن إبادة اليهود عام 1942 وبالرغم من أن أبعاد هذه الإبادة لم تكن معلومة إلا أنها كانت معروفة لقيادة الوكالة اليهودية وللأوساط اليهودية في الولايات المتحدة، هذا ما يضع الحركة الصهيونية موضع الإدانة وينفي عنها صفة الضحية التي تريد أن تبقيها باعتبار أن الضحية "إسرائيل" نتاج الكارثة التي كادت تقضي على عنصر اليهود، فالتعاون بين الحركتين ينفي ذلك، وقد تجاوز "حاييم وايزمن" القائد الصهيوني البارز اللاساميين في رؤيتهم وإبادتهم لليهود حين أجاب ببرود عن سؤال اللجنة الملكية عن إمكانية نقل 6 مليون يهودي من أوروبا الغربية إلى فلسطين لإنقاذهم من الإرهاب الهتلري: " لا.. سيزول كبار السن .. فهم مجرد غبار اقتصادي معنوي لهذا العالم الكبير وسيبقى الفرع فقط"28.

حققت النازية نتائج مذهلة لصالح المشروع الصهيوني في سنواتها الأربع الأخيرة ما لم تحققه كل النشاطات الصهيونية لنصف قرن منذ قضية دريفوس من استغلال الأحداث وتهويلها وتثوير الشعوب ضد اليهود وبروتوكولات حكماء صهيون وشراء الأراضي والتحالف مع بريطانيا والدعوات التحريضية القومية والدينية لليهود للهجرة إلى فلسطين، كل ذلك كان متواضعاً أمام إنجاز المذابح الهتلرية ـ المحرقة "الهولوكوست" التي ساهمت الحركة الصهيونية بنفسها فيها والتي وضعت المشروع الصهيوني في ذروته.

وبعد الحرب ظهرت في أوروبا مشكلة النازحين سواء اليهود منهم أو غير اليهود (و كان عدد غير اليهود أكثر كثيراً من اليهود ) كنتيجة لعدوان هتلر وسياسة إبادة البشر بالجملة، ومنذ بداية الأمر أعطت الحركة الصهيونية بالذات طابعاً درامياً لهذه المسألة بالرغم من أن وضع النازحين اليهود لم يكن أسوأ من وضع النازحين من القوميات الأخرى إلا أن ضوضاء لاحد لها أثيرت حول موضوع النازحين اليهود بالذات وكان هناك خطط لحل هذه المشكلة عرضها الرئيس الأمريكي روز فلت الذي اقترح خلق ظروف ملائمة لليهود النازحين داخل البلدان الأوربية والولايات المتحدة للعودة للحياة الطبيعية لليهود 29. إلا أن كل الحلول رفضت من جانب المنظمات الصهيونية فلم تكن المنظمات الصهيونية يهمها عودة الحياة الطبيعية لليهود، وهنا يلاحظ استمرار المشروع النازي ضد اليهود باستمرار معاناتهم على أيدي المنظمة الصهيونية التي سعت دوائرها إلى تعقيد عودة اليهود لحياتهم العادية بل لجعل وضع اللاجئين اليهود في أوروبا أكثر سوءاً بهدف إجبارهم على الرحيل لفلسطين إكمالا لمشروع هرتسل وإن كان على حساب الحياة الإنسانية لليهود.

وكان للمنظمات الصهيونية دور في إحباط كل الجهود المبذولة لهجرة يهود أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو إعطائهم حق الإقامة في بلدان أخرى، وبدون خجل اقترح الحاخام "كلاوزنر" في أحد تقاريره إلى المجلس اليهودي الأمريكي "توفير تيار" مستمر من اليهود النازحين إلى فلسطين وذلك بإيقاف تزويدهم بالمواد الغذائية وتجويعهم"30. ـ لاحظ أن تلك الدعوة استمرار بإبادة اليهود ليس بغرف الغاز بل بالتجويع ! عذاب إنساني لليهود تختلف فيه الوسيلة فقط ليس على يد هتلر بل على يد من وصفهم البروفيسور"يسيعياهو ليبوفيتش" اليودونازيين ووصل الأمر بذلك الحاخام إلى دعوة المنظمة الصهيونية الهاغاناة إلى تخويف اليهود.

لقد شكل الهدف المشترك بين النازية والحركة الصهيونية وهو إخراج اليهود من أوروبا قواسم مشتركة تجاوزت العلاقة السابقة التي كانت قائمة والتي ذكرنا بعض ما رشح من أسرارها، لكن هذه القواسم تجاوزت ذلك بحيث اكتُشف أن هناك توافقاً تعدى الأهداف المشتركة لدرجة الاتفاق في المفاهيم ومن ثم الممارسات التي كادت تكون متماثلة وذلك لتشابه الأساس النظري، ففي النصف الأول من القرن المنصرم كانت الحركة الصهيونية تخطط للاستيلاء على فلسطين وتحويلها إلى دولة يهودية وذلك بطرد أهلها خارج وطنهم، فمراجعة مؤتمرات الحركة الصهيونية قبل قيام الدولة يجد فيها القارئ ما يثير انطباعات عنصرية ونوايا إجرامية تمت ترجمتها عملياً عند قيام الدولة حين أقدمت على ترحيل الجزء الأكبر من أهل فلسطين خارج وطنهم، فقد أكدت النوايا والممارسات أنها لم تكن أقل من تلك التي وصمت الحركة النازية.

وقد عبر "إسرائيل شاحاك" رئيس رابطة حقوق الإنسان في إسرائيل عن ذلك التشابه حين كتب: "ألمانيا التي بدأت فيها الجريمة ضد اليهود والتي كنت أحد ضحاياها بدأت في ترحيل منظم بدم بارد ثم تحول بشكل طبيعي إلى إبادة، هذه التجربة فكرت فيها ملياً وأوصلتني إلى نتيجة أجد من واجبي أن أطرحها بشكل علني، وأعتقد أن الطرد المنظم لشعب بأكمله "يقصد الشعب الفلسطيني" هو شكل من أشكال النازية، وهؤلاء يستحقون بلا تحفظ إسم النازيين اليهود وهم جديرون بالمقارنة بالألمان النازيين"31.

فترحيل الشعب الفلسطيني من فلسطين، هذا المسلسل المستمر الذي لم يفارق العقل الصهيوني، فقد تم نقاش فكرة الترانسفير في مؤتمر عقد قبل عدة أشهر "مؤتمر ميزان المناعة والأمن القومي في إسرائيل" وقد تداول المؤتمرون الترانسفير كحل لأحد مشاكل دولة إسرائيل، فإن تلك الرغبة الدائمة في ترحيل شعب فلسطين تكمن في فكرة أن تكون فلسطين يهودية، وهذه الرغبة تمثلت في وحدانية النازية منذ البداية في إرادتها المعلنة في تنقية ألمانيا أولاً ثم أوروبا من الوجود اليهودي.

وقد رفع النازيون ـ والحركة الصهيونية ومن ثم دولة إسرائيل ـ العنصر والجنس فوق كل شيء، فقد كان من المحتم أن ينشأ بينهم جسر مشترك على الرغم من أن نظرية الجنس والعنصر الخاص هي التي استغلها النازيون كأساس أيديولوجي لإبادة اليهود، إلا أن اليهود ما زالوا يعتبرون أن اليهودي مختلف ومميز عن باقي الشعوب وأن هناك دم يهودي خاص يجب ألا يختلط مع باقي الشعوب على الرغم من أن العلم أثبت انتفاء الفوارق بين الشعوب وأن الدم ينقسم من حيث تركيبه الكيماوي إلى عدة فصائل لا علاقة لها باختلاف السمات العنصرية والسلالية، وقد أدى هذا التصور العنصري إلى اتخاذ الكنيست الإسرائيلي منذ السنوات الأولى لإقامة الدولة قانون يعتبر أن اليهودي هو من يولد لأم يهودية ويدين باليهودية، وقد اعترف حاييم كوهين عضو المحكمة العليا في إسرائيل سابقاً بأن "سخرية القدر شاءت أن تكون المعايير البيولوجية والعنصرية التي روجها النازيون والتي استوحيت منها قوانين نورمبرج المخزية هي نفسها الأساس لتحديد المواطنة رسمياً داخل إسرائيل".

فلقد كانت المادة الرابعة من برنامج الحزب النازي تقرر بأن المواطن هو فقط من ينتمي إلى الجنس الألماني وتجري في عروقه الدماء الألمانية، فقد اعتقد النازيون أن العنصر النازي فوق جميع العناصر وأن الدماء الألمانية يجب أن تبقى نقية بحيث لا تختلط مع باقي الشعوب، وهذا الاعتقاد ساد لدى مفكري الحركة الصهيونية الأوائل، فماكس نورداو الذي شارك هرتزل في تأسيس الحركة قال عن اليهود المندمجين الذين تخلو عن الديانة اليهودية "إننا نأسف على شئ واحد فقط هو أن الدم اليهودي يجري في عروقهم"، ولا تزال مسألة نقاء الدم اليهودي أحد أهم المبادئ التي تحكم العقل اليهودي حيث يتم تصنيف المواطنين اليهود منهم وفق ذلك، وازدادت المسالة وضوحاً في العقد الأخير إثر تدفق الهجرة من دول الاتحاد السوفيتي سابقاً حيث المهاجرين الروس يرفض دفنهم في مقابر اليهود بسبب الشك بيهودية الدماء التي تجري في عروقهم، ولعلنا نذكر المظاهرات الشهيرة التي قام بها يهود الفلاشا بعد أن تم إلقاء الدم الذي تبرعوا به إلى المجاري، وتعبر هذه القضية عن نفسها في العقد الأخير بالصراع بين حزب المهاجرين الروس "إسرائيل بعليا" وحزب شاس الديني على وزارة الداخلية، إذ تقف حركة شاس عقبة أمام تجنيس الكثير من المهاجرين الروس على أساس عنصري لعدم التأكد من نقاء دمائهم.

هكذا تبدو الصهيونية بتاريخها الحافل بما يجب أن يتم كشف النقاب عنه خدمة للتاريخ الإنساني فإن أي مراجعة بحثية محايدة لن تخرج عن إطار المعطيات التي تتحدث عن نفسها في إدانة واضحة لهذا التاريخ الأسود الذي بدأ منذ أكثر من قرن مفتعلاً قضية أساءت للشعوب الأوروبية أولاً وجعلتها أحد ضحاياها باتهامها باللاسامية وضمن خطة هدفها النهائي احتلال وطن واقتلاع شعب و إقامة كيان على أنقاض حضارة وثقافة الشعب الفلسطيني في عملية تطهير عرقي لا تشبهها إلا تلك الحملة التي قامت بها الحركة النازية في أربعينيات القرن الماضي.

وحيث أن الحركة النازية كانت مخالفة لنواميس الطبيعة فقد كانت مرحلة شاذة في التاريخ الإنساني لذلك رفضتها البشرية وقضت عليها وتعلمت من تلك التجربة المريرة التي كلفتها غالياً، ولأن إفرازات الحركة الصهيونية "والدولة التي أقامتها" بقيمها ومبادئها ليست بعيدة عن مبادئ الحركة النازية "عدم الاختلاط وتلويث العنصر السامي وكراهية الآخر والتطهير العرقي والمذابح المستمرة منذ نصف قرن ولم تتوقف" فإن هذا يؤكد أن التاريخ والحضارة الإنسانية وإن تجاهلت لنصف قرن تلك الممارسات فلن تستطيع أن تفعل ذلك للأبد، ولأن تلك النزعات مخالفة لخلاصات التجربة الإنسانية وقوانين الطبيعة فإنها لن تدوم كما يعبر عن ذلك المؤرخ أرنولد توبيني: "إن الناس يصلون إلى الوعي بحقيقة أن إسرائيل ليست الدولة الصغيرة المهانة المفتقرة إلى الحماية وهم يبدأون في إدراك أن إسرائيل دولة عنيدة متكبرة ذات تطلعات صارخة تمثل خطورة على السلام العالمي".

لهذا فإن مؤتمر مراجعة تاريخ الصهيونية كان من الضروري أن يعقد لتعرية هذا المشروع الذي ما زلنا ندفع ثمن إقامته، وإن مؤتمراً كهذا يسلط الضوء على حقائق تصر المؤسسات اليهودية على إخفائها لهو خدمة كبيرة لصالح مشروع التحرر الوطني الفلسطيني الذي يقاتل دولة ذات تاريخ وماضي وحاضر بهذا السلوك الإجرامي الخطير ويحقق استفادة هامة للمشروع العربي أيضاً أحد ضحايا المشروع الصهيوني بالإضافة إلى تبرئة الشعوب الأوروبية مما لحق بها من ظلم وتشويه.

لذلك يبدو مستغرباً سلوك بعض المثقفين العرب الذين ثاروا مع المنظمات الصهيونية ضد عقد المؤتمر المذكور ولا نفهم مبررات هذا الموقف الذي لا يخدم المصالح الفلسطينية والعربية، فما هي المصلحة في استمرار إخفاء ما يدين الحركة الصهيونية وبالتالي إسرائيل بسلوكها وممارساتها؟ ثم كيف نفهم أن يقف بعض المثقفين العرب ضد حرية البحث العلمي التاريخي؟ قد نفهم أن تقف المنظمات الصهيونية ودولة إسرائيل هذا الموقف ضد البحث وحريته خدمة لمصالحها لكن أن يرفض مثقف حرية البحث...!!

هذا الموقف رد عليه مدير معهد المراجعة التاريخية في الولايات المتحدة "مارك وبر" في رسالة مفتوحة إلى المثقفين العرب الأربعة عشر جاء فيها:

"لم يكن مفاجئاً أن يمتدح السفير الإسرائيلي في فرنسا بيانكم هذا علناً.. إن دعوتكم لحظر لقاء مسالم منظم من جهات خاصة غير رسمية يضم باحثين وكتاب وعلماء لقاء قانوني... دعوتكم هذه تشكل ضربة لقضية الحرية والسلام والعدالة" وجاء أيضاً "لقد بررتم دعوتكم لممارسة الرقابة بالادعاء بأن مؤتمرنا سيكون معادياً للسامية وإنه لاتهام فخرٍ إذا أخذنا بعين الاعتبار مدى استعداد المدافعين عن الدولة الصهيونية لقذف هذا النعت الرخيص على أولئك الذين يعادون سياسات إسرائيل الإجرامية.

وبعد أن عرض "مارك وبر" بعض الشخصيات العالمية من الباحثين والمفكرين الذين سيحضرون المؤتمر ويقدمون مداخلاتهم ومنهم الباحث "روجيه جارودي" والمؤرخ الفلسطيني "عيسى نخلة" مؤلف الموسوعة عن المشكلة الفلسطينية وغيرهم من الشخصيات التي تنال احتراماً و إعجاباً في العالم العربي تساءل مدير معهد المراجعة قائلاً: "فهل رأيكم أن كل هؤلاء الأشخاص لا يجوز أن يسمح لهم بالتكلم في أي مكان؟ وهل دعوتكم لممارسة الرقابة على الفكر مقصورة على لبنان أم أننا يجب أن نتوقع منكم دعوات لحظر أي لقاءات مماثلة في فرنسا وكندا والولايات المتحدة والدول الأخرى؟ وانسجاماً مع دعوتكم لحظر مؤتمر المراجعة التاريخية والصهيونية في بيروت هل يجب أن نتوقع منكم أن تدعموا الرقابة على كتب ومجلات ونشرات المؤرخين والمراجعين؟"

وبقسوة مريرة خاطبهم قائلا:ً "عوضاً عن المصادقة على بيان يخدم إسرائيل والمصالح الصهيونية عليكم أن تقفوا إلى جانب ضحايا الاضطهاد والتعصب".

الهوامش

1 مجموعة كتاب إسرائيليين، شارون هذا الرجل وحياته، مؤسسة الأبحاث العربية الطبعة الأولى 1984 ص 7.
2 صحيفة الحياة الجديدة 28/4/2001 في رسالة وجهها مارك وبر مدير معهد المراجعة التاريخية لأربعة عشر شخصية ثقافية عربية وقفت ضد عقد المؤتمر.
3 صحيفة الوطن السعودية 4/4/2001 العدد 187.
4 مجلة الكرمل الثقافية عدد 63 ربيع 2000 ص 14 قام الكاتب بجمع عدد من وثائق لواء اسكندروني الذي أشرف على المذبحة وبمناقشتها وأعادت مجلة الكرمل نشر الفصل الرابع من البحث المذكور الذي تضمن تلك الوثائق.
5 التوارة سفر الخروج 19/6.
6 ثيودور هرتسل الدولة اليهودية دار الزهراء للنشر ترجمة 1994 ص 50.
7 مجموعة كتاب سوفييت، الجوهر الرجعي للصهيونية، دار التقدم، موسكو للترجمة العربية.
8 ول ديورانت، قصة الحضارة- ترجمة د.عبد الحميد يونس- الجزء الثاني من المجلد السادس – الإصلاح الديني ص 93.
9 ديزمونر ستيوارت، ثيودور هرتسل، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ص 26.
10 شبتاي طيفيت، الترانسفير في الفكر اليهودي، إصدارات م.ت.ف الإعلام الموحد الطبعة الأولى 1989 ص 7.
11 ديزموند ستيوارت سبق ذكره ص 194.
12 مقال بقلم كوروف – الجوهر الرجعي للصهيونية سبق ذكره ص 69.
13 ديزموند ستيوارت سبق ذكره ص 194.
14 نفس المصدر .
15 نفس المصدر .
16 د. شاكر نوري الحركة الصهيونية في فرنسا دار الشئون الثقافية العامة بغداد الطبعة الأولى 76 ص 65.
17 ايلان هاليفي المسألة اليهودية ص 206.
18 المصدر السابق ص 205.
19 الجوهر الرجعي للصهيونية ص 69.
20 هارتس 25/12/96 مقال بقلم الياهو سلبتر.
21 الجوهر الرجعي للصهيونية ص 75.
22 نفس المصدر ص 72.
23 ايلان هاليفي سبق ذكره ص205
24 الجوهر الرجعي للصهيونية ص74.
25 ايلان هاليفي ص 207.
26 أكرم عطالله مجلة صوت الوطن العدد 69 ص36.
27 مودي كرايتمان يديعوت احرونوت 3/12/96.
28 الجوهر الرجعي للصهيونية ص 74.
29 نفس المصدر .
30 نفس المصدر ص 80.
31 إسرائيل شاحاك – الترانسفير في الفكر اليهودي إصدارات م.ت.ف الإعلام الموحد ص23

عمرو زكريا خليل
01/02/2007, 07:08 PM
[align=left]Commentary: Zionism, Judaism and the Promised Land
By Carl Shames (09-26-06)

I greatly appreciate the forum you have provided for airing viewpoints on a very contentious set of issues, and the effort you made in a recent editorial with regard to anti-Semitism. Nevertheless, difficult problems remain that must be brought to light. Before I go further: My own background is a left-wing, non-Zionist Jew.
A number of years ago, the majority of nations in the world voted to call Zionism a form of racism. While Jews and Israel accused them all of anti-Semitism, it’s important to understand the thinking here. Zionism is founded on the idea that Jews, pursuant to a covenant with God, have an entitlement to a particular piece of real estate, known in terms of religious eschatology as Zion, or the Promised Land, and in mundane terms as Israel. Greater Israel encompasses much or all of the land also known as Palestine. Unique among nations and peoples of the world, a religious belief has been translated into modern political-economic terms.

The founding of a Jewish state was based upon two historical experiences of the Jewish people: this alleged covenant with God, and the Holocaust. At the time, it was said that a “people without a land” were being given a “land without people.” It’s not hard to see that, from the point of view of the non-Jewish people already inhabiting this land, there are a few problems here. Firstly, does a claim of a covenant with God have legal status in the modern world? Secondly, if Jews as a people are deserving of a homeland due to the Holocaust, why not carve one out of a choice piece of German real estate? This could have been done legally following the war when Germany was dismembered and occupied, forcing Germans to leave their villages and cities, rather than Palestinians.

We all know deep in our hearts why this didn’t happen: You don’t ask white people to do this. You’d never say that a certain state of Germany was a “land without people,” even in light of the crimes these very people may have committed. Therefore, the very founding of the state of Israel is based on two notions which have racism at their core: 1) Jews have some sort of covenant with God not enjoyed by others; 2) white, European Jews are more “people” than darker skinned Arabs. Germans, despite their crimes, could never be forced to evacuate their land because they are white. Rather than force Germans to pay the price of the Holocaust, Palestinians were made to pay. When push comes to shove, Israel will invoke these foundations as justification for its existence and policies.

In other words, Israel, and the great majority of Jews who support it, do not and cannot distinguish between the history and needs of Jews, Zionism and the political state of Israel, and in fact, freely mix the three together. It is nonsensical to speak of a non-Zionist who is a supporter of the state of Israel, since this state is fully an outcome of Zionist ambitions and based on Zionist precepts. (The fact that the United States and Great Britain, in pushing for the founding of Israel, had many other motivations having nothing to do with the well-being of the Jewish people, is another issue altogether). Therefore, asking non-Jews, and in particular Arabs, to distinguish between Jews, Zionism and the policies of the state of Israel, is asking them to have more sophistication and show greater discernment on this issue than many Jews have themselves.

While there was an outcry about the anti-Semitism of the Arab author of the original controversial commentary in the Daily Planet, nothing was said about the racism inherent in the position of the Jewish author. In addition to what I’ve outlined above, again, a position agreed upon by UN representatives of a majority of the world’s nations, there is the racism inherent in the whole notion of “terrorists.” We all know they’re swarthy, dark-skinned people, unlike reasonable Caucasians who wear suits and uniforms while they commit their mayhem. Reducing and dismissing legitimate aspirations and resistance of occupied and suppressed peoples as “terrorism” is racism pure and simple, being simply an update for earlier appelations such as “savages.” The Jewish author indulged in this quite freely as do most Jews who support the existence of an apartheid state and its aggressive policies.


Carl Shames is a Berkeley resident.

]