المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العنوان بحث ودراسة مجموعة مرارة المشمش لعطيات أبوالعينين أنموذجا دكتور نادر عبدالخالق



د. نادر عبدالخالق
11/11/2009, 01:53 PM
(1)

العنوان
بحث ودراسة
مجموعة مرارة المشمش
للدكتورة عطيات أبو العينين
انموذجا


الدكتور نادر أحمد عبد الخالق

العنوان:
يمثل العنوان عتبة دقيقة لاتقبل المرور أو التجاوز ،دون توضيح الدلالة ، ودون بيان أهمية هذه الدلالة ، ومدى مرجعيتها داخل النص ، ولأن النص ينقسم إلى صورتين ، الأولى خارجية : تشمل العتبات الأساسية والمساعدة وتشمل الموضوع والفكرة التى يتشكل منها النص فى مجموعه ، وتكون أكثر أهمية عندما تتناول الحدث ودلالته على المستوى الخارجى الذى يفرض وجود علاقات متشابكة مع الواقع ،ويصبح تمثيله للعالم الخارجى أكثرأهمية ،وفائدة للنص والقارىء والكاتب .
والثانية الصورة الداخلية :التى تشمل عناصر النص الأدبى أيا كان نوعه وجنسه ،وهنا فى مجال القصة القصيرة تحتوى الصورة الداخلية الشخصية ، والزمان والمكان ، واللغة ، والوقوف على العلاقات التى يفرضها الواقع الداخلى للنص .
فإن العنوان كعتبة وفاصلة سردية يخضع لأحكام الصورة الخارجية ، من كونه أول ما يواجه القارىء ، وأول ما يجعل الذاكرة النفسية والاجتماعية لديه تنفعل وتبحث عن مدلول ومرجعية ، يستقر بها هذا العنوان فى مخيلته ، وهذا يجعل من القارىء شريكا أساسيا للكاتب ، من حيث المعاناة التى يتعرض لها كل منهما وليس من شك فى أن العنوان كصورة ودلالة وفضاء خارجيا ، يتشكل أول ما يتشكل من اللغة التى تقوم على المرجعية اللفظية ، هذه اللغة تعتمد على قوانين وقواعد النحو بداية ، ثم تدرك فعالياتها بمعرفة المكنون البيانى البلاغى ، الذى يحدد الصفة الشعورية ،والصفة النفسية ، ليس للموضوع فحسب وإنما للكاتب أيضا، وللحياة التى يمثلها .

لذا فإن دراسة الصياغة لها من الأهمية ما يجعلها فى صدارة البحث ، وذلك راجع إلى عملية الربط المباشرة للصورة الخارجية ، وراجع إلى ثقافة الكاتب ،ومدى تمثيله للقضايا والمشكلات ، وما سينتج عن طرحه الأدبى ، الذى يلقى به ثنايا الواقع .
ودائما ما تبحث صيغة العنوان عن الدلالة النحوية التى تبحث هىالأخرى عن مكمل ، ودائما ما يبحث القارىء المعول عليه الفهم والإدراك عن ذلك المكمل ، وغالبا ما يكون تقديريا ، على مستوى النحو والبلاغة . ولذلك دلالة تتعلق الواقع الباطنى للنص ، والصورة التى يمثلها العنوان ، وتلك أقصى درجات الوعى بالمكنون ، خاصة إذا كان التركيب العنوانى كلمة ، أو شيئا مراوغا ، أو رمزا ، كما كان يفعل الكتاب الرمزيين ، أو ما يفعله الأن الكتاب الذين يبحثون عن المرجعية التجارية التى تروج للمنتج ، بصفته خاضعا لمقاييس العر ض التجارى ، الذى يجذب القارىء .
من هنا يمكن النظر للعنوان على أنه :
أولا :عتبة سردية خارجية تبحث عن تأويل متعدد .
ثانيا : صيغة نحوية تعتمد على غياب إحدى مكوناتها .
ثالثا : صورة خاصة جدا يتعين فيها النص كاملا .
رابعا : عملية مشتركة الدلالة بين القارىء والكاتب .

وقراءة العنوان فى مجموعة " مرارة المشمش " للدكتورة عطيات أبو العينين هى مجال التطبيق ، لما تحتويه على متناقضات وتأويلات متعددة ، على مستوى العتبات ، وعلى مستوى الموضوع ، الذى يسير فى اتجاهت كثيرة ، ويطوف فى أماكن تبدو متباعدة فكريا ، لكنها تعبير عن حياة ، وتجربة جاءت بها الكاتبة ،لتؤكد خاصية نفسية ، وأهمية اجتماعية ، يمكنها أن تكشف عن نفسها أولا ، وتكشف عن ملابسات عصرها ، من وجهة نظرها ،أو ما يتراءى لها .

أولا العتبة السردية التى توضح الصورة الخارجية للنص والكاتب:
والقراءة الأولى : للصورة العنوانية كنص موازيا خارجيا وعتبة سردية ، تعد مدخلا وعلامة وتأثيرا يظل ملازما للقارىء من البداية حتى النهاية ، بصفته أول ما يقابل القارىء فى العمل الأدبى كما اتفقنا ، لا تقف على مدلول، أدبى بقدر ماتعطى ، إشارة إلى استعارة رمزية ، تفرض عمقا وبحثا ، ذو طبيعة انحرافية ، حيث النسبة التى تجمع بين الدال والمدلول :
المرارة = الدال
المشمش = مدلول
والجمع بينهما يقف على أن الصورة المستعارة ، هى صورة تركيبية بالدرجة الأولى حيث الجمع بين اللون الأصفر ، لون المشمش المعروف لنا جميعا ، وهى صورة حسية ، وصورة أخرى تتعلق بمذاق المرارة ، على المستوى حاسة التذوق ، وصورة أخرى بعيدة ، لكنها تفرض وجودا من نوع خاص ، وهى المعنى الاستعارى ، للمرارة العضو فى الجسد ، عندما يكون محلا للذكر ، وبعدا نفسيا ، يفرض حالة من الرهبة والخوف .
من هنا فإننا أمام مجموعة علاقات لا تقف عند حدود هذا المعنى الخارجى القريب فقط بل تتعداه إلى عملية قبول هذه التركيبة ، ومدى جدية الاستعارة ، وأحقية التوظيف ، أو عدم قبول هذه التركيبة .
و الحقيقة أن ذلك يرجع إلى ذات الكاتبة ، التى أنشأت هذه الصورة الكلية المركبة ، وبنت عليها مجموعة العلاقات الداخلية والخارجية، واقامت حدودا وفواصل سردية ، هى تفسير لهذه المرارة ، وتأويل لباطنها اولا، وتحليل لمرجعية المشمش كلون وغذاء يقبل عليه الإنسان ومن ثم الخروج بدلالة تقف على هذه المرجعية التى تتحول من تلقاء نفسها إلى مجال الأدب بواسطة الفن القصصى .
وأرى ان نقف على مجموعة العلاقات التى تشكل على اساسها النص المصور داخل العنوان:
العلاقة الأولى الخارجية : التنفير والتحذير ، وهوفعل غير مقبول ، مما يجعل المشاركة إيجابية ، تبحث عن السبب الذى يكمن خلف هذه العلاقة المتناقضة
العلاقة الثانية الداخلية : وهى استعارة التركيب للنص الأدبى ، والذى يعكس مدى انفعال عطيات أبو العينين بالتجربة ومدى تطبيقها ،وتحويلها نصا أدبيا قصصيا ، مع يقينها بعكس النتيجة التى يطرحها العنوان مجردا من الرمز والاستعارة .

ثانيا الصيغة النحوية ودلالة التركيب
ومعالجة العنوان عند عطيات أبو العينين كصورة خارجية فى ضوء البنية النحوية التركيبية ، يقف على حقيقة تتعلق بعمق النص وصاحبته ، حيث تدل القراءة النحوية القريبة ،على أن هناك دالين اثنين ، لا توجد بينهما علاقة فى الضمير الخارجى ، أو التقريب التصويرى ، إلا فى البنية النحوية فقط ولولا وجود العلاقة التى نشأت من وجود المضاف والمضاف إليه ،وما أحدثه من توحد فى التركيب ، ( حتى أصبحت المرارة هى المشمش ، وأصبح المشمش هوالمرارة نفسه ونتج عن ذلك معاناة نفسية وجدانية لغلبة المعادل النفسى على الصورة ومن ثم الركون إلى الصور المعنوية وغلبتها على الصور الحسية ) لفقدت الصورة من قيمتها كثيرا ، حيث أدى وجود هذه العلاقة إلى تعدد الفائدة وانصهار الدال والمدلول فى بعضهما البعض ( المرارة والمشمش) واصبحت الصورة واحدة .
وعملية الاستدعاء التى يمكن أن تقف على حقيقة العنوان هى تقدير المحذوف من النص العنوان ، والذى سيقف على عمق الصورة عند الكاتبة والنص ، وهوهنا المبتدأ وتقديره هذه مرارة المشمش ، والمبتأ المقدر باسم الإشارة هنا يشير إلى عمق هذه المرارة ويضيف لها حضورا وبعدا معنويا ، يقف فى وجه المتلقى أولا بعد أن صدرته الكاتبة مباشرة ، وقد استحضرت فيه مجموعة معادلات بصرية لونية ،وحسية يمكنها أن تصير وتتحول إلى معادل موضوعى مرضى ، خاصة أن الصورة العميقة القابعة خلف التركيب هى الصورة التذوقية ، التى تقرب بين الطعم والمذاق والإحساس بالألم ، الذى يأتى غالبا نتيجة لمرض محس .
كذلك العملية التصويرية التى يتشكل منها النص العنوان لا يمكن أن تغفل البنية التى يتحرك فيها المبتدأ والخبر وإنابة كل منهما عن الأخر ، واهمية التردد داخل نطاق كل منهما نيابة عن الأخر المراوغ ،تبعا للنص ومراوغة صفته فيصبح التركيب المقدر " مرارة المشمش تتكرر " وتجدد ، تتغلغل .... إلى آخره . وهذا التركيب المقدر ستجد صداه داخل المجموعة ، حيث يتعدى مسألة العمق النصى ، إلى ذات الكاتبة ، فيتجلى فى أفكارها ،وشخصياتها ، وقضاياها وتصبح المشكلات النصية الموضوعية الخارجية والداخلية هى ترجمة حقيقية ، لهذا التجدد وهذا التكرار وكذلك التغلغل ، ولا تكون الكاتبة بمنأى عن ذلك ، حيث تصبح هى الأخرى إحدى إفرازات مرارة المشمش .
أضف إلى أن الصيغة التى أضيفت لنص العنوان ، جاءت فى بنية الفعل المضارع ، الذى يجعل من التأثير حالة مسترة لها فعالياتها وصورها التى تتجدد مع تجدد المواقف ، مما يجعل القضية نفسية ذاتية أولا ، متعدية إلى الحياة والواقع ثانيا ، وتصبح مرارة المشمش ليست فى ذاتها فقط بل متعدية هى الاخرى إلى كل من له صلة بالمشمش كطعام ولون ومذاق ورائحة


ثالثا : صورة خاصة يتعين فيها النص كاملا
وتتعين هذه الصورة من رؤية الكاتبة للنص ،ومدى فهمها لعملية التمثيل الحقيقية التى قامت بها وأعطتها اولوية خاصة ، فاستندت إلى مجموعة صور وأفكار رربما تكون رمزية وربما تكون حقيقية وربما تكون من بنات أفكارها وخيالها وربما تكون صورة لها هى على المستوى الشخصى وربما تكون كل ذلك بأكمله ، والتأويل الأخير هو الأقرب إلى تلك العملية التحليلية ، ويمكن رؤية الفواصل الداخلية ،و الموضوعات والأفكار ، ومطابقتها ،والوقوف على تلك القضية المهمة فى مدى علاقة النص بصاحبه ، وهى علاقة لا يمكن تجاوزها بأى حال من الأحوال .

رابعا :عملية مشتركة الدلالة بين الكاتب والقارىء
وقد تحققت تلك العملية منذ الوهلة الأولى والإطلالة الأولى للعنوان ، فلا يمكن أن ينكر أحد وجود الصورة التى تنتج عن المرارة عامة ، وأن نسبة هذه الصورة إلى المشمش بما يمثله فى الضمير والوجدان من أنه منتجا طارئا وليس له مكوثا وديمومة ، يجعل من العملية الانحرافية ، مجالا لفتح باب التأويل ،ومعرفة اعماقه ومدلولاته ، وانعكاس ذلك على الموضوع والعناصر الداخلية التى تصورها الصورة الداخلية ، يقف على كثير من الملامح التى قام عليها النص ، من يمكن ترتيب الفواصل الداخلية وقرائتها حسب منطوق الصورة والواقع ،


الدكتور
نادر أحمد عبدالخالق