المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شوق ما بعده شوق



محمود عباس مسعود
15/11/2009, 05:05 PM
لقد أوقدتْ أنفاسُ الصباح الجبارة شعلة في قلبي
فأحسستُ بشوق ما بعده شوق
واختلجَ في صدري إيمانٌ لا يقف عند حد
وشعرتُ بفرح لا يضارعه ابتهاج
وبأمل يفوق الرغبات بزوغاً وتحليقاً.
وتذوقتُ طعمَ حبٍ يتغلغل إلى صميم أعماقي
فاشتعلتْ نيرانُ الوجد والتهبَ الحنينُ في غابة روحي.
لقد امتلأتْ حياتي وغمرَ الإلهامُ قلبي
فتلاشتْ الرؤى الواحدة بعد الأخرى
وذابتْ كل الأصوات في بحر السكون.
أما شكوكي فأضحتْ أقلَّ ثباتاً من الظِلال،
ومخاوفي أوهى من نسيج الأحلام،
وهموم العيش ولـّت كما تتلاشى الفقاعات الصغيرة.
وألغاز الحياة ومولدات القلق التي تبعث في النفس الحيرة والإرتباك
كلها تبخرت واندثرت.
صحيح أنني لم أتمكن من تحليلها أو حلها
لكنها صارت في خبر كان على أية حال.
لقد أصبحتْ شيئاً من الماضي
إذ بدّدت النسائم شملها فذهبت ولن تعود.
وبانت معاني الحياة بكل جلاء
واضحة كانبلاج الفجر.
ها هو سرّ الطبيعة يتجلى في شمس الصباح المشرقة
في السكينة الناطقة،
في الورود الغضة،
في فرح الحياة المتعاظم
في قلبي الخفاق
أشعر بما يعصى على النطق
وأعرف ما يفوق حدود التخمين.
أما غيوم الصباح المعرّقة بألوان الورد
وقمم الجبال التي طبعت على جبينها أشعة الشمس قبلات دافئة
والنهر الوحيد في انسيابه
وأصوات السواقي البعيدة
والضباب الذي يرتفع من المروج الخضراء
إذ تخترقه أشعة الشمس المطلة من الأفق الشرقي
كلها تمتزج وتذوب أمام عينيّ ثم تتوارى عن الأنظار
فتلتصق اليابسة بالمياه إذ تتحد الأرض بالسماء
وتفقد الأجزاء فرديتها
لتصبح الطبيعة كلاً لا يتجزأ
فتكتمل الحياة
وتنقضي أيام الإنتظار.
إنني أتنفس نفحات الصباح
وأشعر بوحدتي مع روح العالم.
لم أعد أحيا حياتي الفردية
بل حياة كل ما هو حيٌ في الوجود.
إنني أكثر من ذات صغيرة
لأنني امتزجتُ في الذات الكلية.
لقد عثرتُ على منابت ومنابع كياني في حمرة الأفق الشرقي
أنا الذات الحقة.. أنا الروح
لقد عثرتُ على شعلتي القدسية في أنفاس الصباح العاطرة.
وإن فقدتُ ذاتي لفصلٍ قصير
لكنني أجدها ثانية وقد تجددت وانتعشت في حياة الجميع.
لا أنظر إلى الأمام ولا أتطلع للخلف،
فهوّة الزمن السحيقة هي لا شيء بالنسبة لي.
فأنا أذرع الأفقَ من قطبٍ إلى آخر
متنقلاً بسرعة الفكر.
أضم العالم بأسره إلى صدري
وأحس بنبضه.. بحركته.. بسكونه..
متردداً مع كل دقة من دقات قلبي.
أحسّ بشيء يدغدغ مشاعري فأتساءل:
أهو سكون الوجود أم نبضه؟
أهو البرق الخاطف أم السلام الذي يبعثه في النفوس ضياءُ البدر؟
أيجوز أن أكون أكثر حرية من أمواج الأثير؟!
هذا ما لا أعرفه، إنما في أعماق روحي..
في داخلي.. من حولي.. ومن فوقي
أحس بنهر عرضه عرض العالم يتدفق من كياني..
إنه نهر الحياة والمحبة.
ويا له من نهر صامت.. ساجٍ.. أبدي.. نقي.. كامل.. لا انتهاء له.
قد لا أستطيع قياس منعرجاته أو تتبع انعطافاته،
لكنني أدرك أن هدفه ثابت وأنه منطلق نحو غايته المباركة.
في نقاء ذلك النهر تحيا كل العواطف
وفي صمته تصدح كل الأنغام...
وأحس أنني محمولٌ على صدره
مثلما أشعر أنني واحد مع مصدره ومصبّه..
بدءاً من منابع الخليقة
وانتهاءً بمحيط الحب الكوني.
ــ إدموند هومز
ت: محمود مسعود