المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصالح الشركات النفطية والضغوطات المختلفة ، حال السودان (يتبع)



محمد ختاوي
04/12/2009, 12:46 AM
مصالح الشركات النفطية والضغوطات المختلفة ، حال السودان (يتبع)
كنا قد تطرقنا فيما سبق لموضوع "النزاعات الجيوسياسية والمصالح الغربية في إفريقيا"، وأخذنا حال السودان. لعله كتب الكثير عن النفط وفوائده في المناطق المنتجة، ولا سيما منطقة الخليج. ولكن،لم يكتب الكثيرعن الثروات النفطية التي ألهمها الله للسودان بحيث غير مجرى السياسة والاقتصاد في المنطقة وأعطاها بعدا استراتيجيا صار يجلب أطماع الغربيين واتجاه مصالحهم نحو هذه المصادر بشتى الطرق والأساليب. وإن لم تستطع لتلبية أطماعهم، فكل الوسائل متاحة لخلق بؤر التوتر واللاستقرار بذريعة "حقوق الإنسان"، والاعتناء بمشاكل "الأقليات"، و"حوار الأديان"، و"حماية الفقراء" ، إلى غير ذلك من المبررات التي لا معنى لها سوى الإصرار على حماية مصالح الأقوياء في هذا الكون.
إذن، تعتبر صراعات العالم كلها اليوم باتجاه واحد، وهو ما يحقق لأقوياء هذا الكون مصالحه أو ما يسعى إليه على كل الأصعدة عبر مختلف الأشكال والطرق والأساليب وصولا إلى التأثير في منعطفات العصر الجذرية.
ويهم المجموعة التي تضغط لعزل الخرطوم عن العالم أساسا منظمات وجمعيات مسيحية تعمل في الجنوب السوداني وتنطلق في دعوتها، كما تقول، من جملة مواقف "إنسانية" و"أخلاقية"، وقد عبرت عنها بتقارير سنوية تحدد رؤيتها للحرب وتروي قصصا عما تشاهده هناك، خاصة بعض المصادر التي تتحدث عن استخدام الخرطوم ميليشيات خاصة من "المرحلين"، لاسيما في منطقة دارفور التي أثارت الجدل وروجت لها كل الأخبار عبر العالم.
الأمر الثاني والأهم، هو دور الشركات النفطية في استمرار الحرب. فتلك المنظمات تتهم الشركات العاملة في السودان بالتواطؤ مع الحكومة لإتباع سياسة الأرض المحروقة حيث حقول النفط في الجنوب. وتقول أن "القوات الحكومية تنفذ سياسة واضحة بمهاجمة هذه المناطق وخصوصا في أعالي النيل وبحر الغزال والإغارة عليها بالطائرات و تهجيرسكانها لضمان وصول شركات التنقيب عن النفط إليها". وقد نشرت صحف غربية عدة تحقيقات طويلة لمراسلين لها في الجنوب السوداني تتضمن وصفا لمشاهد حية عن نزوح وشهادات لسكان عن غارات صاروا يعرفون هدفها. وبالنسبة إلى منتقدي الشركات النفطية، "فإن استمرار هذه الشركات في العمل مع الحكومة السودانية يمثل تمويلا لحربها على الجنوبيين وغطاء لهذه السياسات" حسب اعتقادهم. ومع أن نشاط الشركات الغربية كان محدودا، فإن شركة " تاليسمان" الكندية باتت تمثل الشر كله. ومنطق هؤلاء أن على الإدارة الأمريكية أن تفرض عقوبات عليها (وعلى غيرها إذا وجدت حالات مثلها) تتمثل في إخراجها من سوق الأسهم في نيويورك لأن واجب الولايات المتحدة أن تمنع هذه الشركات من تحقيق أرباح في أسواقها.
أما مجموعة الضغط التي تمثل مصالح شركات النفط الأمريكية، فتدافع عن عمل زميلتها الكندية وغيرها من منطلق أن التنقيب عن النفط لم يغير مسار الحرب أو الأسلوب الذي تتبعه الخرطوم فيها، وأنه إذا كان أدى إلى شيء فإلى تحسين ظروف المعيشة في مناطق التنقيب والمساهمة في بناء عيادات ومراكز مساعدة إضافية إلى مساعدة السودان في الاستفادة من ثرواته. وترى أن إخراج "تاليسمان " من بورصة نيويورك سيشكل سابقة تضر بهذه السوق. ومع تلاحق المعلومات عن حجم الثروة السودانية، لا ترى الشركات الأمريكية سببا للبقاء خارج السوق الجديدة وتركها للصين، والهند، وماليزيا، وغيرها.
منطقة دارفور وأزمتها:
لم يكن يخفي على أحد ما يُروّج له وسائل الإعلام من أخبار عن منطقة دارفور المحاذية لتشاد عن تمرد لبعض القبائل هناك ومآسي تلك الشعوب العشائرية والتناحر المستمر بين الموالين للسلطة والمعارضين المتمردين عنها. ولا يمكن فهم سبب المسار الراهن والاضطرابات المتواجدة في تلك المنطقة العربية – الإفريقية إلا بالنظر في " كلمة السر" التي قد تفسر كل هذه النزاعات والمواجهات اللامتناهية، وهي الثروات النفطية والمصادر الأخرى. وهذا هو بيت القصيد.
والجدير بالذكر أن هذه المنطقة المتنازع عليها تبلغ مساحتها ما يساوي مساحة فرنسا، ويبلغ تعداد سكانها 6 ملايين نسمة، ونسبة المسلمين منهم تبلغ 99 % . ودارفور يسكنها قبائل من أصول عربية تعمل في الزراعة، وقبائل من أصول إفريقية تعمل في الرعي. وكان يحدث النزاع بين الزراع والرعاة على المرعى والكلأ وتتنازع القبائل بعضها مع البعض تستطيع أي حكومة أن تقضى عليه بصفة عادية كما يقع ذلك في أي بلد عربي أو إفريقي آخر، لولا أن هذه المنطقة لا تخلو من رائحة النفط واليورانيوم في شمال دارفور.
وحسب ما أوردته بعض المعلومات الصادرة عن مجلة " نفساني " تقول أن " السودان اكتشف فيها مؤخرا كميات هائلة من النفط، ومثلها من اليورانيوم في شمال دارفور، فلو استقر السودان المسلم لحل الأمن والرخاء والسخاء بالمنطقة كلها، ولأصبحت السودان ملجأ للمسلمين والعرب أجمعين، ولهذا، لم يرد أعداء الإسلام لهذه المنطقة أن تنعم بالإستقرار، أن لا تعتمد على نفسها. فماذا يفعلون ؟ يشعلون النزاعات في أنحاء البلاد ليصلوا بالأمر إلى تقسيم هذه الأرض إلى أربع دويلات ... دولة في الغرب (تسمى دارفور)، ودولة في الشرق، ودولة في الجنوب، ودولة في الشمال "، تقول المجلة.
ويضيف نفس المصدر أن نسبة المسلمين في الجنوب حوالي 16% ، ونسبة النصارى 17%، أي أن الفارق 1% فقط، والباقي من السكان وثنيون... فأي تقرير مصير ينادون به ’ السر في هذا أنهم يأملون في نجاح حركات التنصير في ضم 5% من السكان على النصرانية خلال الثلاث سنوات القادمة، وعلى هذا الأساس سترتفع نسبتهم إلى 23%... في حين لم تتحرك جامعة الدول العربية، ولا منظمة المؤتمر الإسلامي "، تختم نفس المجلة.
كل ما في الأمر هو أن الصين هي التي تسيطر حاليا على صناعة النفط في السودان. وعلى الرغم من انسحاب شركات النفط الغربية، بعد خلافهـا مع الحكومـة المركزيـة، فإنها فشلت فـي حملات سحب الاستثمارات من أجل إضعاف الحكومـة أو دفعها لتغييـر إستراتيجيتها المناهضـة للغرب، وبهذا تركت المجال مفتوحا أمام الشركـات الآسيوية، وخاصة الصينية والهندية منها. وعليه فإن الصراع في دارفور يمثل نقطة تحول حاسمة بالنسبة للصين، بصفتهـا القوة الصاعدة بامتياز، لا سيما في إفريقيا حيث بسطت قدميها بقوة وبدون منازع غربي... ذّلك ما لم يسمح للغرب من ابتلاعه.
يذكر أن المؤسسة العامة للنفط والغاز الطبيعي التي تهيمن عليها الحكومة الهندية شرعت هي الأخرى في إنتاج النفط في السودان بالتعاون مع بعض الشركات الحكومية الصينية. وهي تعمل في بناء خطوط أنابيب في السودان بعد أن دخلت في مفاوضات تهدف لبناء مصفاة للنفط أيضا. وقال وزير الطاقة والتعدين في السودان في لقاء صحفي: " لقد جاء الآسيويون إلى السودان في وقت حرج ولقد بدأنا في إرساء علاقات استراتيجية جيدة معهم ".
الاضطرابات الدامية في دارفور، وتجدد الحرب بين الشمال والجنوب، وتدخل الجيران الإقليميين في الشؤون الداخلية، ومنها التشاد على الخصوص، مدعومة من قبل القوات الفرنسية، كل هذا يمثل فعلا أسوأ تهديد لاستقرار السودان، علما أن كل الرهان الحقيقي، يدور حول سيطرة الخرطوم على ثرواته النفطية، على خلفية المنافسة الشديدة بين الصين والغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
وقد حذر الخبراء من السيناريو التالي: " إذا كانت المواجهة حتمية بين الطرفين المتنازعين، في هذه الحالة يجب أن تستأنف الحرب بين الشمال والجنوب، وستكون البداية من أبيي (Abyei)، وهي مدينة تقع في وسط السودان في منطقة تلامس العرب المسلمين في الشمال، والسكان الأفارقة في الجنوب، من الإحيائيين أو المسيحيين ".
وكـان التحدي الكبير في هذه المنطقة من السودان، يتمثل في وجود حقل "هجلج" الذي ينتج لوحده 250.000 برميل يوميا من النفط الخام، أي نصف إنتاج البلد.
ويستغل الحقل من طرف " كونسورسيوم الشركات النفطية (Consortium) التي تسيطر عليها الصين، وقد جلب الحقل منذ بدء تشغيله، 1,8 مليار دولار. والجدير بالذكر أن اتفاقية السلام الموقعة عام 2005 بين الخرطوم والجيش الشعبي لتحرير السودان، والتي أقرت من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، وضعت حدا للأعمال العدائية بعد التوقيع على اتفاق لتقاسم السلطة، من ضمن النقاط الأساسية التي تم الاتفاق عليها، بعدما استغرق القتال بين الطرفين لمدة عقدين كاملين.
تسوية نزاع الجنوب والتوترات المحتملة في المستقبل:
تنص الاتفاقية على إنشاء إدارة مستقلة في الجنوب، والمشاركة في الحكومة المركزية في الخرطوم من خلال الحركة السياسية لتحرير السودان، الجناح السياسي للجيش الشعبي لتحرير السودان (SPLA)، وكذلك تنظيم استفتاء في عام 2011، لتقرير مصير الجنوب في الاستقلال عن السودان. والاتفاق المذكور آنفا، نص على إنشاء لجنة تحكيم من أجل تسوية وضع مدينة أبيي النفطية نهائيا.
وأعلنت بعض المصادر الصحفية، أن هناك عدة أسباب لاندلاع العنف مرة أخرى في منطقة أبيي (التي تزخر بالنفط) ، منها على وجه الخصوص، التدخلات المباشرة لأطراف دولية على مسرح العمليات، مثل الصين، منذ بداية استغلال الحقل النفطي من طرف "كونسورسيوم الشركات الصينية ".
ولكن، حسب بعض الملاحظين السياسيين والخبراء الاقتصاديين، ثمة احتمال آخر، وهو أن الرئيس السوداني عمر البشير، يسعى بكل ما أوتى من قوة، ليجعل من هذا "الحدث" الأمن الراصخ الذي يعطي الفرصة لجميع سكان الجنوب التصويت بكل دمقراطية لمصلحة البقاء مع السودان أو الاستقلال عنه.
وتضيف مجلة " العصر" في هذا الشأن أن المنافسة الدبلوماسية والاقتصادية، بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، من جهة، وبين الصين والهند، والبلدان الآسيوية الأخرى، الباحثة عن مصادر الطاقة والمواد الخام، من جهة أخرى، وتحديدا النفط، فإن السودان سيشهد أزمات متجددة وكثيرة في المنظور القريب، سيكون عنوانها " النفط " فقط ولا شيء آخر يسمى "أزمة دارفور" أو"الجنوب"او غيرها، إذ أن كل شيء لا يخلو من رائحة النفط في هذه المنطقة التي تجرأت الحكومة السودانية بكل استقلالية للتصرف في شؤونها بدون استثمارات غربية !!.
كل ما في الأمر أخيرا، هو أنه بعد مضي حوالي عقدين كاملين من انتهاء الحرب الباردة، فإن إفريقيا ما زالت تجذب من جديد اهتمام الدول الكبرى وأطماعها المتنامية، وتنظر الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، والهند لإفريقيا، على أنها خزان المواد الأولية للطاقة لم يتم استغلالها. وتنشط الولايات المتحدة الأمريكية، بصورة رئيسية في خليج غينيا، وهي تتوجس خيفة من نشاط الصين الواسع في إفريقيا عموما والسودان خصوصا، مع انعدام الثقة بينهما بسبب اختلاف رؤيتهما السياسية. ولأن بكين، بالنسبة للدول الإفريقية، تعتبر الشريك التجاري الأمثل لها، الذي لا يفرض أية شروط أساسية محددة لمتعامليه، بل يؤمن لها دعمه دبلوماسيا حقيقيا، ولا تهمّها إلا التجارة في هذه المنطقة الغنية بدون مزيج مع الضغوط السياسية.
ومن جهة أخرى، نذكر ما صرح به نائب وزير الخارجية الصيني في لقاء صحفي في شأن قضية دارفور والحكومة السودانية قائلا : " التجارة هي التجارة، إننا نحاول فصل السياسة عن الأعمال التجارية كما نعتقد بأن الوضع في السودان يعتبر شأنا داخليا ونحن لسنا في موقف يمكننا من فرض ضغوط عليهم ". مما جعل هذا التغلغل الصيني والهندي في القارة الإفريقية خاصة يشكل هاجسا مقلقا للحكومة الأمريكية التي تسعى إلى بسط قدميها هناك عن طريق خلق نزاع يسمى مشكلة " دارفور "أو "الجنوب".
د.محمد ختاوي

محمد ختاوي
04/12/2009, 11:35 AM
كنا قد تطرقنا فيما سبق لموضوع "النزاعات الجيوسياسية والمصالح الغربية في إفريقيا"، وأخذنا حال السودان. لعله كتب الكثير عن النفط وفوائده في المناطق المنتجة، ولا سيما منطقة الخليج. ولكن،لم يكتب الكثيرعن الثروات النفطية التي ألهمها الله للسودان بحيث غير مجرى السياسة والاقتصاد في المنطقة وأعطاها بعدا استراتيجيا صار يجلب أطماع الغربيين واتجاه مصالحهم نحو هذه المصادر بشتى الطرق والأساليب. وإن لم تستطع لتلبية أطماعهم، فكل الوسائل متاحة لخلق بؤر التوتر واللاستقرار بذريعة "حقوق الإنسان"، والاعتناء بمشاكل "الأقليات"، و"حوار الأديان"، و"حماية الفقراء" ، إلى غير ذلك من المبررات التي لا معنى لها سوى الإصرار على حماية مصالح الأقوياء في هذا الكون.
إذن، تعتبر صراعات العالم كلها اليوم باتجاه واحد، وهو ما يحقق لأقوياء هذا الكون مصالحه أو ما يسعى إليه على كل الأصعدة عبر مختلف الأشكال والطرق والأساليب وصولا إلى التأثير في منعطفات العصر الجذرية.
ويهم المجموعة التي تضغط لعزل الخرطوم عن العالم أساسا منظمات وجمعيات مسيحية تعمل في الجنوب السوداني وتنطلق في دعوتها، كما تقول، من جملة مواقف "إنسانية" و"أخلاقية"، وقد عبرت عنها بتقارير سنوية تحدد رؤيتها للحرب وتروي قصصا عما تشاهده هناك، خاصة بعض المصادر التي تتحدث عن استخدام الخرطوم ميليشيات خاصة من "المرحلين"، لاسيما في منطقة دارفور التي أثارت الجدل وروجت لها كل الأخبار عبر العالم.
الأمر الثاني والأهم، هو دور الشركات النفطية في استمرار الحرب. فتلك المنظمات تتهم الشركات العاملة في السودان بالتواطؤ مع الحكومة لإتباع سياسة الأرض المحروقة حيث حقول النفط في الجنوب. وتقول أن "القوات الحكومية تنفذ سياسة واضحة بمهاجمة هذه المناطق وخصوصا في أعالي النيل وبحر الغزال والإغارة عليها بالطائرات و تهجيرسكانها لضمان وصول شركات التنقيب عن النفط إليها". وقد نشرت صحف غربية عدة تحقيقات طويلة لمراسلين لها في الجنوب السوداني تتضمن وصفا لمشاهد حية عن نزوح وشهادات لسكان عن غارات صاروا يعرفون هدفها. وبالنسبة إلى منتقدي الشركات النفطية، "فإن استمرار هذه الشركات في العمل مع الحكومة السودانية يمثل تمويلا لحربها على الجنوبيين وغطاء لهذه السياسات" حسب اعتقادهم. ومع أن نشاط الشركات الغربية كان محدودا، فإن شركة " تاليسمان" الكندية باتت تمثل الشر كله. ومنطق هؤلاء أن على الإدارة الأمريكية أن تفرض عقوبات عليها (وعلى غيرها إذا وجدت حالات مثلها) تتمثل في إخراجها من سوق الأسهم في نيويورك لأن واجب الولايات المتحدة أن تمنع هذه الشركات من تحقيق أرباح في أسواقها.
أما مجموعة الضغط التي تمثل مصالح شركات النفط الأمريكية، فتدافع عن عمل زميلتها الكندية وغيرها من منطلق أن التنقيب عن النفط لم يغير مسار الحرب أو الأسلوب الذي تتبعه الخرطوم فيها، وأنه إذا كان أدى إلى شيء فإلى تحسين ظروف المعيشة في مناطق التنقيب والمساهمة في بناء عيادات ومراكز مساعدة إضافية إلى مساعدة السودان في الاستفادة من ثرواته. وترى أن إخراج "تاليسمان " من بورصة نيويورك سيشكل سابقة تضر بهذه السوق. ومع تلاحق المعلومات عن حجم الثروة السودانية، لا ترى الشركات الأمريكية سببا للبقاء خارج السوق الجديدة وتركها للصين، والهند، وماليزيا، وغيرها.
منطقة دارفور وأزمتها:
لم يكن يخفي على أحد ما يُروّج له وسائل الإعلام من أخبار عن منطقة دارفور المحاذية لتشاد عن تمرد لبعض القبائل هناك ومآسي تلك الشعوب العشائرية والتناحر المستمر بين الموالين للسلطة والمعارضين المتمردين عنها. ولا يمكن فهم سبب المسار الراهن والاضطرابات المتواجدة في تلك المنطقة العربية – الإفريقية إلا بالنظر في " كلمة السر" التي قد تفسر كل هذه النزاعات والمواجهات اللامتناهية، وهي الثروات النفطية والمصادر الأخرى. وهذا هو بيت القصيد.
والجدير بالذكر أن هذه المنطقة المتنازع عليها تبلغ مساحتها ما يساوي مساحة فرنسا، ويبلغ تعداد سكانها 6 ملايين نسمة، ونسبة المسلمين منهم تبلغ 99 % . ودارفور يسكنها قبائل من أصول عربية تعمل في الزراعة، وقبائل من أصول إفريقية تعمل في الرعي. وكان يحدث النزاع بين الزراع والرعاة على المرعى والكلأ وتتنازع القبائل بعضها مع البعض تستطيع أي حكومة أن تقضى عليه بصفة عادية كما يقع ذلك في أي بلد عربي أو إفريقي آخر، لولا أن هذه المنطقة لا تخلو من رائحة النفط واليورانيوم في شمال دارفور.
وحسب ما أوردته بعض المعلومات الصادرة عن مجلة " نفساني " تقول أن " السودان اكتشف فيها مؤخرا كميات هائلة من النفط، ومثلها من اليورانيوم في شمال دارفور، فلو استقر السودان المسلم لحل الأمن والرخاء والسخاء بالمنطقة كلها، ولأصبحت السودان ملجأ للمسلمين والعرب أجمعين، ولهذا، لم يرد أعداء الإسلام لهذه المنطقة أن تنعم بالإستقرار، أن لا تعتمد على نفسها. فماذا يفعلون ؟ يشعلون النزاعات في أنحاء البلاد ليصلوا بالأمر إلى تقسيم هذه الأرض إلى أربع دويلات ... دولة في الغرب (تسمى دارفور)، ودولة في الشرق، ودولة في الجنوب، ودولة في الشمال "، تقول المجلة.
ويضيف نفس المصدر أن نسبة المسلمين في الجنوب حوالي 16% ، ونسبة النصارى 17%، أي أن الفارق 1% فقط، والباقي من السكان وثنيون... فأي تقرير مصير ينادون به ’ السر في هذا أنهم يأملون في نجاح حركات التنصير في ضم 5% من السكان على النصرانية خلال الثلاث سنوات القادمة، وعلى هذا الأساس سترتفع نسبتهم إلى 23%... في حين لم تتحرك جامعة الدول العربية، ولا منظمة المؤتمر الإسلامي "، تختم نفس المجلة.
كل ما في الأمر هو أن الصين هي التي تسيطر حاليا على صناعة النفط في السودان. وعلى الرغم من انسحاب شركات النفط الغربية، بعد خلافهـا مع الحكومـة المركزيـة، فإنها فشلت فـي حملات سحب الاستثمارات من أجل إضعاف الحكومـة أو دفعها لتغييـر إستراتيجيتها المناهضـة للغرب، وبهذا تركت المجال مفتوحا أمام الشركـات الآسيوية، وخاصة الصينية والهندية منها. وعليه فإن الصراع في دارفور يمثل نقطة تحول حاسمة بالنسبة للصين، بصفتهـا القوة الصاعدة بامتياز، لا سيما في إفريقيا حيث بسطت قدميها بقوة وبدون منازع غربي... ذّلك ما لم يسمح للغرب من ابتلاعه.
يذكر أن المؤسسة العامة للنفط والغاز الطبيعي التي تهيمن عليها الحكومة الهندية شرعت هي الأخرى في إنتاج النفط في السودان بالتعاون مع بعض الشركات الحكومية الصينية. وهي تعمل في بناء خطوط أنابيب في السودان بعد أن دخلت في مفاوضات تهدف لبناء مصفاة للنفط أيضا. وقال وزير الطاقة والتعدين في السودان في لقاء صحفي: " لقد جاء الآسيويون إلى السودان في وقت حرج ولقد بدأنا في إرساء علاقات استراتيجية جيدة معهم ".
الاضطرابات الدامية في دارفور، وتجدد الحرب بين الشمال والجنوب، وتدخل الجيران الإقليميين في الشؤون الداخلية، ومنها التشاد على الخصوص، مدعومة من قبل القوات الفرنسية، كل هذا يمثل فعلا أسوأ تهديد لاستقرار السودان، علما أن كل الرهان الحقيقي، يدور حول سيطرة الخرطوم على ثرواته النفطية، على خلفية المنافسة الشديدة بين الصين والغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
وقد حذر الخبراء من السيناريو التالي: " إذا كانت المواجهة حتمية بين الطرفين المتنازعين، في هذه الحالة يجب أن تستأنف الحرب بين الشمال والجنوب، وستكون البداية من أبيي (Abyei)، وهي مدينة تقع في وسط السودان في منطقة تلامس العرب المسلمين في الشمال، والسكان الأفارقة في الجنوب، من الإحيائيين أو المسيحيين ".
وكـان التحدي الكبير في هذه المنطقة من السودان، يتمثل في وجود حقل "هجلج" الذي ينتج لوحده 250.000 برميل يوميا من النفط الخام، أي نصف إنتاج البلد.
ويستغل الحقل من طرف " كونسورسيوم الشركات النفطية (Consortium) التي تسيطر عليها الصين، وقد جلب الحقل منذ بدء تشغيله، 1,8 مليار دولار. والجدير بالذكر أن اتفاقية السلام الموقعة عام 2005 بين الخرطوم والجيش الشعبي لتحرير السودان، والتي أقرت من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، وضعت حدا للأعمال العدائية بعد التوقيع على اتفاق لتقاسم السلطة، من ضمن النقاط الأساسية التي تم الاتفاق عليها، بعدما استغرق القتال بين الطرفين لمدة عقدين كاملين.
تسوية نزاع الجنوب والتوترات المحتملة في المستقبل:
تنص الاتفاقية على إنشاء إدارة مستقلة في الجنوب، والمشاركة في الحكومة المركزية في الخرطوم من خلال الحركة السياسية لتحرير السودان، الجناح السياسي للجيش الشعبي لتحرير السودان (SPLA)، وكذلك تنظيم استفتاء في عام 2011، لتقرير مصير الجنوب في الاستقلال عن السودان. والاتفاق المذكور آنفا، نص على إنشاء لجنة تحكيم من أجل تسوية وضع مدينة أبيي النفطية نهائيا.
وأعلنت بعض المصادر الصحفية، أن هناك عدة أسباب لاندلاع العنف مرة أخرى في منطقة أبيي (التي تزخر بالنفط) ، منها على وجه الخصوص، التدخلات المباشرة لأطراف دولية على مسرح العمليات، مثل الصين، منذ بداية استغلال الحقل النفطي من طرف "كونسورسيوم الشركات الصينية ".
ولكن، حسب بعض الملاحظين السياسيين والخبراء الاقتصاديين، ثمة احتمال آخر، وهو أن الرئيس السوداني عمر البشير، يسعى بكل ما أوتى من قوة، ليجعل من هذا "الحدث" الأمن الراصخ الذي يعطي الفرصة لجميع سكان الجنوب التصويت بكل دمقراطية لمصلحة البقاء مع السودان أو الاستقلال عنه.
وتضيف مجلة " العصر" في هذا الشأن أن المنافسة الدبلوماسية والاقتصادية، بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، من جهة، وبين الصين والهند، والبلدان الآسيوية الأخرى، الباحثة عن مصادر الطاقة والمواد الخام، من جهة أخرى، وتحديدا النفط، فإن السودان سيشهد أزمات متجددة وكثيرة في المنظور القريب، سيكون عنوانها " النفط " فقط ولا شيء آخر يسمى "أزمة دارفور" أو"الجنوب"او غيرها، إذ أن كل شيء لا يخلو من رائحة النفط في هذه المنطقة التي تجرأت الحكومة السودانية بكل استقلالية للتصرف في شؤونها بدون استثمارات غربية !!.
كل ما في الأمر أخيرا، هو أنه بعد مضي حوالي عقدين كاملين من انتهاء الحرب الباردة، فإن إفريقيا ما زالت تجذب من جديد اهتمام الدول الكبرى وأطماعها المتنامية، وتنظر الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، والهند لإفريقيا، على أنها خزان المواد الأولية للطاقة لم يتم استغلالها. وتنشط الولايات المتحدة الأمريكية، بصورة رئيسية في خليج غينيا، وهي تتوجس خيفة من نشاط الصين الواسع في إفريقيا عموما والسودان خصوصا، مع انعدام الثقة بينهما بسبب اختلاف رؤيتهما السياسية. ولأن بكين، بالنسبة للدول الإفريقية، تعتبر الشريك التجاري الأمثل لها، الذي لا يفرض أية شروط أساسية محددة لمتعامليه، بل يؤمن لها دعمه دبلوماسيا حقيقيا، ولا تهمّها إلا التجارة في هذه المنطقة الغنية بدون مزيج مع الضغوط السياسية.
ومن جهة أخرى، نذكر ما صرح به نائب وزير الخارجية الصيني في لقاء صحفي في شأن قضية دارفور والحكومة السودانية قائلا : " التجارة هي التجارة، إننا نحاول فصل السياسة عن الأعمال التجارية كما نعتقد بأن الوضع في السودان يعتبر شأنا داخليا ونحن لسنا في موقف يمكننا من فرض ضغوط عليهم ". مما جعل هذا التغلغل الصيني والهندي في القارة الإفريقية خاصة يشكل هاجسا مقلقا للحكومة الأمريكية التي تسعى إلى بسط قدميها هناك عن طريق خلق نزاع يسمى مشكلة " دارفور "أو "الجنوب".
د.محمد ختاوي