المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جند الساء برواية ابن بطوطة



شيزر منيب علوان
18/02/2007, 07:08 PM
كتب رشيد الخيون (r_alkhayoun@hotmail.com) في صحيفة الشرق الأوسط

ما أكثر عوائد أهل العراق, من جعل الشموع على كرب النخيل, ساحة في مياه دجلة, بمناسبة عيد خضر الياس, إلى ترك حفنة من الشعير على شواطئ الأنهار في ليالي الجمع طعاماً لفرس المهدي المنتظر (غاب 260). جرت تلك العوائد بهدوء وألفة, بعيداً عن التفسير العلمي أو الفقهي, وعن تشاكل السياسة وأضواء الإعلام. كان ذلك قبل ظهور الجماعات المهدوية المسلحة, والادعاء بالمهدي, وكان آخرها "جند السماء". لكن الحقيقة:


وكلٌ يدعي وصلاً بليلى **********وليلى لا تقر لهم بذاكا


ولا غرابة, فالشأن عراقي, لا إيراني صفوي! فقبل سبعة قرون, شاهد ابن بطوطة (توفي 779هـ) بالحلة, مركز الفرات الأوسط, في زمن السلطان المغولي بهادر خان (بين 716-736هـ) جماعة حالها حال "جند السماء", التي حسب الرواية الرسمية كان رئيسها ضياء عبد الزهرة الكرعاوي فناناً, وتحول إلى نيابة المهدي المنتظر, وحيث دائر المكان نفسه, وقد أعلمتنا الأخبار أن أغلب الجماعة الأخيرة انحدر من الحلة. قال ابن بطوطة: (من عاداتهم أن يخرج في كل ليلة مائة رجل من أهل المدينة عليهم السلاح, وبأديهم سيوف مشهورة, فيأتون أمير المدينة بعد صلاة العصر, يأخذون منه فرساً مُسرجاً مُلجماً أو بغلة كذلك, وضربون الطبول والأنفار والبوقات أمام تلك الدابة, ويتقدمها خمسون منهم, ويتبعهم مثلهم, ويمشي آخرون عن يمينها وشمالها... ويقولون: باسم الله يا صاحب الزمان! باسم الله اخرج, قد ظهر الفساد وكثر الظلم, وهذا أوان خروجك) (الرحلة).


اختفت تللك الجماعات بعد إعادة العقل العراقي مكانته وتحول الحلة إلى حاضرة ثقافية, وظل يتداول أمر ظهور المهدي كتقليد شعبي, نسوة يتركون الشعير لرسه, أو قارئ حسيني, مثل الذي حذرنا من على المنبر بظهور الإمام هذا العام (1967) بدلالة الحرب والهزيمة. حينها لم يشغلنا التحذير بقدر ما كانت تجذبنا أقاويله الجذابة ضد نظرتي النشوء والارتقاء ورأس المال, ومن دون أن يدري فتح عيوننا عليهما, نحن تلاميذ المدرسة المتوسطة. كان هذا قبل تحول حفنات الشعير, وتمني الظهور إلى مفرقعات حارقة.


على أية حال, لم يفكر طاعمو فرس الإمام, ولا سادن باب سرداب الغيبة, ولا قارئ المنبر بتهيئة قاعدة مسلحة للمهدي! على خلفية أنها أمر إلهي, يفوق قدرات البشر, مثل غيابه. لا يشيدها "جيش المهدي", ولا حزب "الولاء" جماعة محمود الصرخي, وهو المهندس المدني, ولا "أنصار المهدي" جماعة أحمد الحسن, المهندس المدني أيضاً, وهو اليماني وصي الإمام ورسوله! شعارهم نجمة خماسية في وسطها رسمة سيف ذي الفقار, أُحيطت بعبارة: "أنصار الإمام المهدي مكن الله له في الأرض". وأكد الأخير لقائه بالإمام, وتقدم بطلب, منشور في موقعهم "المهديون", لمناظرة آية الله علي السستاني, وإنه سيقدم للأخير سؤالاً واحداً يجمع فيه علوم المتقدمين والمتأخرين!


وكانت عقيدة حركة "جند الإمام", التي انشقت من حزب "الدعوة" التهيئة للظهور سلمياً. يقول أحد كوادرها, وهو أكاديمي! عضو في البرلمان العراقي: "حركة اسلامية ترتكز على عقيدة الإمام المهدي المتظر... من خلال إيجاد مناصرين للإمام, وإيجاد مؤسسات وأطر ينجز من خلالها الإمام مهمته" (الخريطة السياسية للمعارضة العراقية). وأخيراً ظهرت جماعة "جند السماء" آواخر الشهر المنصرم, التي كثر القتل فيها, إلا أنها في كل الأحوال وظفت عقيدة الانتظار. ومن العراق اقتبست إيران الشعار بعد الثورة (1979): "مهدي بيا", أي : "يا مهدي تعال"!


عادت تللك الجماعات بهيئات مسلحة أيضاً, وكأن الزمن لا حراك فيه. فأول ما ظهرت مؤخراً فكرة تأسيس جيش للمهدي العام (1996) بمدينة الثورة, شرقي بغداد, قبل أن تفرض عليها تسمية الصدر بسبع سنوات, بزعامة الشيخ عبد الزهرة البديري. أعلن أنه التقى الإمام, في المنام, وكلفه بتأسيس جيشه. وكان المدبر لأمر الجيش شخصاً يكنى أبا المهيمن. واجتمع لهما خلق لا يستهان بعددهم, وهم من مقلدي الصدر الثاني, وقرروا غعلان "الصيحة" بالظهور. بعدها اعتقل "اليماني" مبعوث الصدر النفترض, ومريده أبو المهيمن وأعدما. وبتجربة الشيخ البديري أسس مقتدى الصدر جيش المهدي الحالي, وبأتباع من مدينة الثورة نفسها.


روى قصة البديري أحد خلصاء الصدر (اغتيل 1999) الشيخ عباس المياحي, في كتابه "السفير الخامس" (2001). ومن المعلوم كان عدد سفراء المهدي التقليديين أربعة, توفي آخرهم علي بن محمد الشمري فس (326 وقيل 329). وهاهو صاحب الكتاب جعل شيخه الصدر – بعد ألف ومائة عام – سفيراً خامساً. وحسب الكتاب ولد الصدر ساجداً ,وفي كيس, نظيفاً من الدماء. ومن يقرأ ولادة الإمام الثاني عشر في "بحار الأنوار" للمجلسي (توفي 1111) يجده وُلد "ساجداً يتلقى الأرض بمساجده...نظيفاً منظفاً".


ومما لا ريب فيه, يساعد النكوص في السياسة والمعاش والثقافة على تغييب الوعي, حتى تنفلت الوهميات من عقالها. هذا ما لعبته الحوادث الجسام بأهل العراق: المظالم والحروب والحصار. ثم إعلان الحملة الإيمانية على غفلة الزمان, التي قطعت رؤوس نساء بالفؤوس, على مشهد من الناس, وسنت قانون غسل العار. عاش الناس الانفصام, لعقود من الزمن, بين ذلة الواقع ورخص الأرواح وبذاخة الهتاف "الشعب العراقي العظيم"! بين شحة الطعام والدواء زبذاخة رئاسة الدولة (65 قصراً منيفاً). أما الآن في رأس الدولة من يدعم ويمارس اللامعقولات. لأنها الطريق الأسهل إلى الزعامة. إذن ما وجه العتب على الرعية البائسة!


وما يزيد الطين بلة, والخطر شدة, أن الجماعات المهدوية أخذت تتمرد, وتفرخ جماعات, لا تلجمها زعامة أو قيادة. ولنا في ما حدث بمحافظة العمارة دليل. لما أصدر قائد جيش المهدي, وملهم التيار الصدري أمراً بوقف القتال مع الشرطة, رد فرعه هناك بالأهزوجة: (السيد جندي بجيش المهدي وسرحناه)! ولغير العراقيين: "سُرح من الخدمة ولم يعد قائداً!" أقول: من زمن ابن بطوطة إلى اليوم, الحكمة والمنطق مع من! مع العلماء الحافظين لقدسية عقيدة المهدي, بقولهم إنه ربانية, والسياسة مدنية حتى ظهوره؟ أم مع الذين حشروها في ما نرى ونسمع من مهازل ومظالم؟


إن عقيدة دولة مؤملة من عالم الغيب, ستفرش الأرض عدلاً وقسطاً, ويفترض تآخي الصقور والحمائم فيها, أترى مناخها مناسباً لأمير العصابة التي شهدها ابن بطوطة, وأمراء عصابات اليوم, التي تدعي التهيئة والتحضير لها؟ من هنا كم تبدو الأكذوبة هائلة! للموضوع صلة.

شيزر منيب علوان
20/02/2007, 07:05 PM
........................