المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النهر جرحه الظمأ قصيدة للشاعر الدكتور محمد سالمان قراءة وتحليل الدكتورنادرعبدالخالق



د. نادر عبدالخالق
19/01/2010, 10:21 PM
النص والتطبيق
(1)
النهر جرحه الظمأ
قصيدة للشاعر الدكتور محمد سالمان
قراءة وتحليل الدكتور نادرعبدالخالق
ياعنترة
الخيل تمشى فى رحاب الأرض بحثا عن كلأ
وحدائق الأعناب حول بيوتنا يأكلها الصدأ
والنهر يخبو من رياح الحزن جرحه الظمأ
والصبح ياللصبح .... ولــى وانطفأ ...
والخيل تعلم والفوارس أننى ذعت النبأ
وعلى الملأ –
صرنا ( سبأ ) .. !!
ياعنترة ..
لغتى تعرى لحمها للطير، ينفض غزلها
وقصيدتى أبدا أحاول نظمها
أمشى على أشلائها ..
أمشى ويلفظنى القصيدُ
ويفر من أرضى الشهيد
وتبدل الغيث الجديد
غيث تغلف بالحداد، والدموع، وبالهموم، وبالحديد
هى خلعت أثوابها غاصت ، وفاحت بالصديد
عشقت من النفط العفونة
واستحمت بالرياح
ويلفنا صمت ترنم بالنواح
والفرح مكسور الجناح
يهفو على دمع الرماح
واليوم أعلنها وراح...
زالت من الذكرى ومن حلو الجراح
ياعبلتى
ياكعبتى
سقط الوشاح
ياعنترة
أبدا أسائل من أنا..؟!
وأقلب الأيام عن فجر السنا
لكننا ...
فى كل صبح نلقى حتفنا
ويردنا...
أف لنا .. أف لنا
أف لنا ...
ياعنترة ...!!!

1- العنوان :
" النهر جرحه الظمأ " : تركيب عنوانى تحققت فيه مجموعة متناقضات لغوية تفتح أمام النص نشاطا متعددا من التأويل والتحليل لأنماط الصورة، من ذلك التركيب الدلالى للجملة، ومدى المراوغة التى تشيع فى الصورالجزئية، التى تتشكل منها الصورة الكلية، ولعل أول مايصادفنا فى هذا التركيب الدلالة النحوية، والأسلوب الخبرى الذى سيطرعلى العلاقات الحسية والمعنوية للصورة والفكرة .
فالجملة مبتدأ وخبر، تقوم على استعارة الصفة والانتقال من المعنوى إلى الحسى بطريق مباشر، يفرز كناية عامة تقوم مقام التمثيل النفسى والشعورى للنص وصاحبه، والنتيجة أن (النهر) برمزيته علاقة خارجية تم تقريبها وتحويل مجراها اللغوى بواسطة التمييز الاستعارى، حتى أصبحت علاقة نفسية حسية تشعر بما يشعر به (الظمآن)، والصورة الزمنية المباشرة المتضمنة معنى الماضى فى ( جرحه) والصفة التى قامت على وجود الضمير تقيد المعنى، وتنتج صورة أخرى مباشرة لرمزية الزمن بصفته خيالا، لإسناده إلى فاعل غير حقيقى .
والتحليل اللغوى التقديرى للجملة يفرض تأويلا أخر يقوم على أن الجملة خبرا لمبتدأ محذوف تقديره (هذا) ولاسم الإشارة معنى الدلالة التى تجيز له توصيف الفعل والحركة والزمن كتمثيل استقلالى يجيزعدة معانى تتفاوت لكنها تبقى بعدا مناورا للتحليل المباشر،هذا التوصيف يجعل من الدلالة الرمزية حقيقة وأهمية يجب الانتباه إليها لتضمنها معنى المسؤلية الشخصية، مما يؤدى إلى وجود علاقة تشخيصية بين (النهر) الرمز والمشير بصفته حقيقة خرجت من عمق الخيال الذهنى،إلى الوجود الفعلى المباشر، الذى يقوم بعملية النقل والتمثيل لإشكالية الواقع التى تختبىء خلف (النهر) ورمزيته الاستعارية .
وهذا يقتضى القراءة النفسية، للفاعل الضمنى بعيدا عن الفاعل النحوى فى سياق الصورة، والوقوف عند كلمة (الظمأ) يوحى بدلالات نفسية ومعنوية شديدة الاضطراب، لأنها تفسر كثيرا من صورة الشاعر الحقيقى، الذى يختبىء فيه الإنسان المعاصر، وكما (النهر) توقفت دلالته عند حدود الرمز، وكما أن السياق التصويرى للجملة اكتفى بالدلالة اللغوية النحوية، فإن الصورة النفسية فى معاناة الإنسان ووجوده قد لخصتها موضوعيا ونفسيا حقيقة (الظمأ) وهى منسوبة إلى (النهر) رمزيا .
وتلك نسبة لاتقف عند حدودها الأولى، بقدر ماهى ممتدة، تشمل حقيقة المعاناة التى تكتنف حياتنا، ومن يتأمل حقيقة الصورة الافتتاحية فى النص ، وكذلك الصورة النهائية، يدرك عملية التواصل، التى شاعت فى الصورة بفضل جدلية العنوان، وبفضل الرمزية والدلالة المعنوية، التى أنتجت حوارا بين النص والواقع والشاعر والإنسان .
هذا الحوار النفسى الداخلى، يتعاظم فى فضاء الصورة عندما ندرك أن النتيجة الحقيقية (للظمأ) هى ترجمة لواقعنا وحاضرنا الذى، يقوم (النهر) و(الجرح) بالتعبير عن صورته، ومن يقف على عملية التحليل النفسية التى تأتى بواسطة الرمز واللغة والتى يمكن تعيينها كما يلى:
النهر = الإنسان ..
والإنسان= الشاعر ..
والنتيجة الحوارية للصورة والفكرة = حقيقة نفسية قامت على تداعيات الصورة الرمزية التى هى أصل الفكرة اللغوية، وجدلية التعبير الوجدانى لدى الشاعر، الذى اجتهد فى بناء الصورة الكلية للعنوان، حتى أصبح سمة عامة تسمح ببناء العلاقات والرؤى، التى يمكن أن نطلق عليها اختصارات النص، فى دلالة الصورة الأولى الموجودة فى العنوان .
الظمأ ـــــ النتيجة = دلالة تصويرية تظل كما هى وتدفع الخيال أن يدرك كثيرا من مركبات الواقع، وأن يترجم كثيرا من الرؤية الفلسفية التى يريد الشاعر إزاعتها ونشرها بواسطة الصور الجزئية التى تكون منها النص، بناء على صورة وفكرة وحقيقة (الظمأ)، الذى تفاقم دوره الوظيفى،وتعدى بواسطة التشبيه إلى معادل موضوعى ينتج الجراح، ويصيب النهر يطريقة رمزية فى عرضها، لكنها فى مضمونها فلسفة نفسية موضوعية، تعمد الشاعر بنائها وتقديمها فى هذا العرض المتعدى .
جرحه = ترجمة تقريبية وتفسير يحظى بالتحليل الفكرى المزدوج من الشاعر لعمق الموقف الإنسانى المعاصر، على المستوى اللغوى المباشر، وعلى مستويات البحث عن حوار الفعل والفاعل، وتلك إشكاليات يمكن تأويلها بحال خاص جدا من أحوال الوجود المعاصر للإنسان الذى ينوب عنه الشاعر، ويقف فى محيط التعبير الرمزى لهذا الوجود الذى يشبه النهر الفاقد للرى، ويشبه الحرمان عندما يكون أصل وليس استثناء، ويمكن قراءة العنوان بهذه الطريقة، النهر هو ( الإنسان ) والظمأ هو ( الواقع المعاصر) ، والجرح ( النتيجة المباشرى لهذا الاعتداء .
والمتأمل فى حقيقة الكلمة يجد أنها فى غير إسنادها الحقيقى وهذا يجعلها أكثرعمقا ودلالة فى أداء وظيفتها اللغوية، وصورتها الموضوعية، وفى النهاية فإن الجانب التحليلى الاستعارى للنص المصغر فى العنوان، يقدم الجوانب النفسية واللغوية والرمزية والفلسفية، التى يود الشاعر تقديمها، وهى فى حقيقة الأمر تقف على مركبات الفكرة التعبيرية لدى الشاعر الدكتور محمد سالمان، وهى تعتمد على استدعاء الموروث الأدبى، وتستدعى الرمز، ويكون الخيال هو المركب النفسى الذى يترجم الرؤية الفلسفية من خلال مجموعة الصور التى تساعد فى بناء الرؤية والفكرة والموضوع .
2- النص :
يقول الشاعر فى الصورة الافتتاحية للنص مستدعيا الموروث البطولى كمعادل موضوعى، يظل مرادفا للمعنى والإشكالية، ويظل خلفية نفسية ورمزية، يتشكل منها البعد الفلسفى التعبيرى، الذى يكشف عن تطور الفكرة والصورة لدى الشاعر، ويقدم الملامح التكونية للتركيب اللغوى، الذى انفردت به الصورة، يقول الشاعر الدكتور محمد سالمان مفتتحا النص :
ياعنترة
الخيل تمشى فى رحاب الأرض بحثا عن كلأ
وحدائق الأعناب حول بيوتنا يأكلها الصدأ
والنهر يخبو من رياح الحزن جرحه الظمأ
والصبح ياللصبح .... ولــى وانطفأ ...
والخيل تعلم والفوارس أننى ذعت النبأ
وعلى الملأ –
صرنا ( سبأ ) .. !!
ياعنترة ..
إن الصورة هنا تقدم لنا فكرا انفعاليا يحاول الشاعر من خلاله استقطاب الوجدان الشعورى للإنسان المعاصر، كما يطرح لنا عمقا موضوعيا وفكريا يقوم بتمثيل الضمير النفسى له مباشرة، وهذا يجعلنا نواجه ثقافة وفلسفة ثابتة تتكون منها الصورة، ويتمثلها الفضاء النصى، واعتقد أن هذا التصرف يسمح للشاعر أن يقدم العديد من المتناقضات الفكرية والإنسانية المعاصرة، التى تتآزر مع منطق التعبير لدى النص وصاحبه، وقد بدأ الشاعر قصيدته باستدعاء معادلا تراثيا زاخرا بالتأويل والرمز، يسمح له بحشد الموضوع بالعديد من المتناقضات والإشكاليات النفسية والموضوعية، على اعتبارأن هناك مواجهة بين حالين وزمنين وعصرين، والتعبير من هذا المنطلق يبدو سهلا، ويبدو فى حالة من الانتصار للفكرة الرئيسية، وهذا غير صحيح، لأن الفكرة النقدية الاجتماعية التى تقوم عليها الصورة، أعمق بكثير من الصورة التراثية، التى تظل صامتة، لايمكن استنطاقها إلا من خلال العرض والمواجهة للفكرتين المتقابلتين .
وهنا تنقسم الصورة إلى قسمين الأول : اللغوى الذى يفرض تركيبا صوتيا خاصا وبناء أسلوبيا يثتأثر بالتركيبة الإنشائية فى عموم الصورة وتركيبها، الثانى: الموضوعى ويتمثل فى الصورة المناهضة للواقع، والتى تصدرها عنترة برمزيته التعبيرية المتضمنة معنى الحرية والعروبة والبطولة والفداء، على مستوى الرمز والنفس والفكر .
واعتقد أن هذه الفضاءات التى قامت على إثرها القضية التعبيرية فى هذه القصيدة، تفسر كثيرا من إشكاليات العنوان ورمزيته، مما يؤكد مقولة أن النص تفسير للعنوان، وأن العنوان صورة مكثفة جدا للنص، ويمكن الاعتقاد أيضا فى عملية الشحن النفسى للصورة، وإسهامات بعث الماضى وتحويله بالصورة التعبيرية إلى إسقاط دلالى مباشر يبحث فى أصل الفكرة، التى أتاحت طريقة التعبير لها أن تضيف الحاضر مقرونا بالماضى، مع التباين فى العلاقات والدلالات بين الصورتين الماضى والحاضر، وتمثيل المعترك النفسى للحقيقة التى يحاول الشاعر استدعائها .
القسم الأول: اللغوى وبناء الأسلوب الإنشائى،وهو( ما لايحتمل الصدق أوالكذب لذاته) وقد تمثل فى عملية التوظيف الدلالى للاستدعاء النفسى والتوسل بهذه الصورة، إلى فض طبقات التناقض الإنسانى،على مستوى الفرد والجماعة، وعلى مستوى النقد الاجتماعى، وجاء فى صورة النداء، وهو أسلوب إنشائى طلبى يفسر كثيرا من التركيبة اللغوية، وإسنادها إلى مجموعة من القيم التعبيرية، ذات الدلالة الصوتية التى لها القدرة الفائقة فى اقتحام المشهد التعبيرى التراثى، والقيام بعمليات تقريب زمنية وموضوعية، ذات دلالة فى تصوير التناقض، فى الشخصية المعاصرة عند مقابلتها بالمنادى، كرمز ثابت فى فضاء التقابل النفسى الشعورى، وتمثل هذا النداء فى حضور مناهض للواقع حنما تعين فى نداء عنترة : (ياعنترة) واستعمال الأداة ( يا ) لايقف عند حدود خاصة للصوت، حيث تتعدى الوظيفة إلى نداء القريب والبعيد، مما يعنى احتمال التشخيص بواسطة النداء، كحقيقة تبدو ثابتة فى ضمير الصورة، ويلاحظ دوران النداء حول وظيفة صوتية تكرارية، تظل معادلا موضوعيا، يفرزواقعا وحسرة، ضمنية فى تكوينها، لكنها من خلال المواجهة تبدو شاخصة بفضل التقريب والتجريب، الذى شاع فى ضمير النص والصورة، ومن هنا فإن النداء فى عموميته دعوة للتواصل مع الماضى والحاضر، وهو صوت لايقف مده عند الخصوصية النفسية للمنادى، بل يمتد إلى تأسيس عدة فضاءات رمزية وموضوعية، تنشأ صورا جزئية، تظل فى حالة تواصل مع النص والحاضر والماضى .
والملاحظ فى تركيب الجملة الشعرية، أنها قامت على بناء واستقطاب الجملة الفعلية كفضاء زمنى ثابت، يقوم على استدعاء الزمن المضارع وينتهى بحضورالزمن الماضى، وذلك لتأكيد حقيقة واقعية تتصل بالحاضرالذى يعالجه وينقده، من ذلك قوله بدلالة الفعل المضارع كصورة زمنية وحقيقة موضوعية : الخيل تمشى = ( كلأ ) = صورة افتقارية رمزية تبحث فى تحقيق المواجهة بين الذات والمنقول التراثى فى صورته ودلالته، التى تبدو استهلالا لتأكيد كوامن النقص، وتدنى الحال النفسية،على مستوى الشخصية، والحاضرالإنسانى، ولاشك أن توظيف الخيل كدلالة وفضاء عام يرمزإلى الماضى، فى هذه الصورة لايتفق مع منطق الدلالة الحاضرة لمخرجات الصورة، بقدر ماهو إشارة واضحة إلى جملة الفروقات التى يمكن أن تستحضرها الصورة الموضوعية.
يأكلها الصدأ = ( حدائق الأعناب ) صورة انحرافية تقوم على حقيقة الافتقار العام الذى ينبعث من أصل الفكرة، ويتداخل مع قضية الشاعر، وكأنه تقارب نظرى لغوى للحركة السياقية للحوار الداخلى.
والنهر يخبو = ( رياح الحزن ) والدلالة هنا صورة ينحسر فيها الواقع متمثلا فى رمزية النهر، وتجاوز التعبير من مرحلة إلى أخرى، على مستوى الصورة.
والخيل تعلم = ( النبأ ) صورة ومجاز، يترجم حال الإنسان الذى يأتى الخيل بديلا عنه،وفضاء تمثيليا مواز للفكرة من بدايتها التراثية، حتى نهاية التكرار للنداء.
والمتأمل يجد أن صيغة المضارع ( تمشى – يأكل – يخبو – تعلم ) = يفعل، وهذا ينقل حدث المضارع فى الزمن الحاضر المستمر، استنادا إلى دلالة الصيغة الصرفية والاشتقاقية للفعل، ويتوافق هذا مع سياق المشهد من ناحية الجمع اللغوى، التى تتجسد فى المسند إليه، وتفاوته بين كونه اسم جنس ( الخيل) واسم مكان ( الحديقة) وصورة بصرية رمزية فى مفهوم ( الصبح) وصورة طبيعية فى دلالة ( النهر) ، وبين الفعل والفاعل على مستوى الصورة، تجد تداخلا سياقيا للمفهوم المجازى الذى قامت عليه الفكرة، فى تواصل وتتابع غير منقطع، رغم عدم اتحاد الفعل مع دلالة الفاعل، وانحسار التأويل فى الكناية المباشرة، دون الأخذ فى الاعتبار حقيقة كل هذا الحضور الإنسانى من وراء عملية التمثيل التى أفرزت كل هذا التناقض الفكرى بين حقيقة النص، وحقيقة الواقع الذى يقوم عليه هذا النص، تأمل معى الفاعل وحضوره المتوازى مع حضور الفعل رمزيا ونفسيا ودلاليا وبعدا فلسفيا ( الخيل – الصدأ – النهر – الخيل ) رغم اختلاف وتفاوت الرمز البلاغى والاشتقاقى، وخلو الصورة من التضاد الذى يكسب المعنى كثافة وعمقا .
وعلى مستوى الزمن الماضى نجد الأفعال ( جرحه – ولى – انطفأ – ذعت – صرنا) تقوم بتمثيل الواقع بطريق المجاز، الذى يتمحور داخل هذه الكلمات بصفتها صورا وأفعالا وقعت وانتهى حدثها، خاصة أنها منسوية إلى مجموعة فاعلين ليسو من أصل إسنادى حقيقي، بل هى من استنتاجات المتخيل الشعرى، والذى يتعلق بالشاعر، بصفته المنتج لهذه الصورالموضوعية، ولو تأملنا الفاعل فى هذه الأفعال لوجدناه مكون من الكنايات الرمزية والنفسية، ( فالجرح) فاعله الظمأ، و( ولى) فاعله الصبح وكذلك انطفأ، و(ذعت) الفاعل هوالشاعرالمكنى بالضمير، وقد اتضحت الرؤية التضادية هنا فى هذه الصور المجازية، مما جعلها تنتج أفكارا وتأويلات مختلفة لأصل الفكرة النقدية الموضوعية فى سياق الصورة، ويلاحظ أن الصورة قد تنوع مدها بين زمنية ومكانية وبصرية وحسية ومعنوية، وهذا التنوع أدى إلى وجود معادل موضوعى قائم بذاته فى سياق النص وفضاء الموضوع، وهو النقد النفسى وجلد الذات بواسطة هذه الصور الاستدعائية التراثية والربط بينها وبين دلالة الصورة الحاضرة التى تقوم مقام الحاضر الذى يتصدره الشاعر فى قوله: ( ذعت النبأ ) ، ويختتم الشاعرالصورة الافتتاحية بنفس النداء الذى افتتح الصورة، مما يعنى أن هناك إصرارا على مكاشفة النفس، خاصة أن الصورة جمعت بين دلالة الحال وعمق الماضى فى صراع متواصل، قدم له الشاعر بنهاية ومصير محتوم حينما استدعى الرمز الدينى المتجسد فى قوله: ( صرنا سبأ ) بما له من دلالة تتفق مع الصورة الموضوعية، التى بنى عليها الشاعر فكرته، ذات الإشكالية النفسية والاجتماعية والسياسية .
القسم الثانى : ويتمثل فى الدلالة الموضوعية التى حاول الشاعر من خلالها استشراف الواقع،عن طريق المواجهة النفسية التى عقدها، بين زمنين أحدهما متعلق بالماضى واستدعاء الموروث البطولى، والأخر هو الزمن الجديد الذى يرمز إلى الواقع وحالاته المختلفة، وهنا تبدو قضية جديدة فى سياق النص الشعرى، هذه القضية أرى أنها أساس التجربة التى انطلق من خلالها الشاعر، لأنها تتعلق بنظرية المعرفة وقلق الشاعر الوجودى، وحسرته وانفعاله بالموروث، الذى يحاول ترجمته رمزيا وفكريا وبعث الحاضر من خلاله، وتلك مسألة انشغل بها الشعراء منذ مطلع فجر النهضة الأدبية وانطلاق حركة الإحياء على يد البارودى، وظلت ممتدة حتى عصرنا هذا خاصة عند شعراء الثورة والحرية والالتزام بالوطنية، وأصبحت سمة تتميز بها القصيدة المعاصرة، التى يبحث أصحابها عن مرفىء جديد، يعبرون من خلاله إلى واقع أخر غير الذى يصطدمون به فى عالمهم المعاصر .
وهنا يصبح التوازن النفسى بين الصورة التى تعتبرآلة ووسيلة تنفيذ، وبين نظم التفكير التى يفرضها النص، دافعا أمام القارىء للبحث فى عملية الاستدعاء والتوظيف للموروث، ومدى الملائمة بينه وبين الترجمة التى عمد إليها الشاعر، واعتقد أن هذا التوازن يفرض وجودا لعملية نقدية تقوم على مواجهة الأصوات الحركية، التى استدعتها الفكرة بناء على إشكالية القضية وانفعال الصورة، وهذه الأصوات تقوم هنا على جدلية افترضها الشاعر مسبقا، وهى التى نبهت لها فى مفتتح الصورة والتى تتعلق بالمواجهة والتحليل بالصورة المقابلة .
ويمكن تعيين هذه الأصوات فى الصورة التراثية التى كانت محورا للفكرة والصورة معا، وكذلك الصوت الواقعى المناهض للضمير النفسى، والذى خلص منه الشاعرإلى إقرار حالةعامة، تتعلق بتضمين النص مجموعة من التحولات النفسية والاجتماعية ذات الواقع الانحرافى، ويمكن ترجمتها بالصور الحالية للضمير المعاصر .
الصورة التراثية :
وتنقسم إلى قسمين الأول الصورة التحررية، والتى يحاول الشاعر فيها ربط التجربة الشعرية بالقوة والانفعال المباشر وقد تجسد ذلك فى المعادل الموضوعى الرمزى " عنترة "، ثانيا : الصورة الرمزية الدينية، التى يؤكد الشاعر فيها حقيقة واقعية تمثيلية، لتقرير مصير ورؤية استشرافية للعصر الذى يمثله ويقف محاورا له، وتعينت فى استحضار المعادل الرمزى " سبأ " الذى يطوى فى ضميره صورة انتقامية، وهى من صور التعبير القرآنى،التى استعارها الشاعر لمواجهة النص والواقع، تأكيدا لحقيقة يود إزاعتها والتنبيه لأهميتها، وتكون من فلسفات التعبير لديه،بالإضافة إلى الصورة اللغوية التعبيرية، التى نتج عنها إيقاعا صوتيا ولفظيا جعل النص ينفرد بخصوصية التمثيل النفسى والرمزى، أدى إلى وجود فلسفة اعتبارية تقوم على ربط الشعر بالتميز والبطولة والتحرر والتفوق النفسى والاجتماعى .
الصورة التحررية
عنترة : يمثل عنترة ملحمة قصصية وسيرة بطولية على المستوى الشخصى الفردى الذى كان يمثله، حتى أصبح رمزا للحرية والفداء والحب، ويتفق الخيال العربى الوجدانى على رمزية عنترة كصورة فردية للفروسية والبطولة والحرية ومقاومة العبودية، ويتفق كذلك على استبعاد هذه الصورة من المخيلة الدينية، وهذا لاينفى حضور الرمز الدينى فى الشخصية فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة "، وهذا الحضور المتعدى للشخصية، يجعل منه فضاءً وحركة تنفعل بها التجربة، انفعالا يقربها من الشمولية التى ترجمها الشاعر، ويجعلها ترتبط بمعادلة النص وصورتيه الدينية والتراثية .
وقد نسج الشاعر تجربته قياسا على هذا التأويل، فجاء بصوره الجزئية لتكون امتدادا لهذه الفكرة وتلك الترجمة، فرأينا صورة " الخيل " ورأينا صورة " حدائق الأعناب "، وصورة " النهر " وصورة " الصبح " وكلها صورا جزئية، ترتبط بالصورة الكلية عنترة ارتباطا نفسيا، يقوم على استحضار الجزئيات من العموميات استحضارا منطقيا ودلاليا، يفسر كثيرا من منهجية الصورة لدى الشاعر محمد سالمان، فـ " الخيل ، والحدائق ، والنهر، والصبح " رموزا خرجت من حقيقتها، إلى تقديم وظائف مساعدة استثنائية، حتى تمهد لحضور الصورة الحقيقية التى يود الشاعر رسمها ونسج خيوطها مباشرة، وهى حقيقة الصورة النهائية لوقائع " سبأ "، وهذا يفتح أمام النص مدخلا مهما من مداخل التكثيف الشعورى، الذى يتيح أمام الفكرة ترجمة وبناء للصورة والقضية والإشكالية، التى يود النص تضمينها ونشر محتواها فى الوجدان .
الصورة الرمزية الدينية
سبأ : تعد الصورة الدينية عامة من الصور الجاهزة التى يحاول الشعراء استدعاء مخيلتها لتقديم بعدا وحالا تقريريا ليس فيه مناورة أو خفاء، والمعادل الموضوعى التصويرى هنا، قائم على استدعاء سبأ كمكان وحالة من حالات التحول البشرى، على المستوى الدينى والعقائدى، وتلك من الصور الاستعارية الحقيقية، التى استند فيها الشاعر إلى بعدها القرآنى، ودلالتها الرمزية فى محاولة إقناع المتلقى بالنتيجة، التى يرمى إليها، وذلك يعد قصدا واضحا فى عملية الاعتماد على الصورة المنتقاة ذات التوظيف العميق، بهدف معرفى ينتج العلاقات، التى تقوم بتوصيل الجانب المنهجى الرمزى للنص، ومن ثم فتح طاقات من التعبيرالداخلى، وبناء الحوارالمستقل، الذى يفسر كثيرا من فكرالنص وتأويلات الشاعر، وغير خاف الوجه الرمزى الانتقامى الذى يود الشاعر التحذير منه، عن طريق سبأ المدينة والمكان، التى كانت روضة غناء وحضارة عامرة فى الزمن البعيد، ثم مالبثت أن تحولت إلى تراث وذكرى ومثل غابر، والتمثيل بهذا المنطلق الفكرى، يحتاج إلى استحضار جهود تعبيرية مكثفة جدا، حتى يتحقق المقابل الموازى للمواجهة، واعتقد أن دلالة الصور الجزئية السابقة قد تجمعت حول بؤرة واحدة وهى توصيف الحاضر، بواسطة استدعاء التراث الشعبى، والأدبى والدينى، وتحويله إلى فضاء يسيطرعلى عموم النص، والمتأمل فى قول الشاعر: " وعلى الملأ صرنا سبأ ياعنترة .. " يجد أن هذه المقابلة، بين رمزية الخراب والدمار، وبين النداء فى عنترة، قد لايتوافق ضمنيا أو تتابعيا، على اعتبار أن الصورة، تتناص من زاوية واحدة وهى زاوية الحرية والبطولة، وهذا لاتحققه رمزية سبأ الدينية، لكن على أية حال يظل استحضار المعادل الموضوعى التراثى بعدا فكريا تقوم عليه الأفكار التى تمد النص بالجانب المعرفى الذى يعول عليه الشعراء كثيرا، والذى يعد سمة من سمات القصيدة المعاصرة، فى تحولاتها وتواصلها فى وظيفتها التى تقوم بها .
الصورة التفسيرية :
الصورة التفسيرية : هى الصورة التى تتكون من مجموعة من العلاقات والأفكار الجزئية التى تساعد فى فهم الصورة الكلية وفهم النص، ويعتمد الشاعر فيها على المخيلة الشخصية والبعد الثقافى الأخلاقى الإنسانى الذى يستند إلى أفكار جمالية ومعرفية وفلسفية، وهذه الصورة سمة من سمات القصيدة عند الشاعر محمد سالمان، حيث يرتبط التعبير لديه بإطلاق القضية والإشكالية ثم ينتقل إلى عملية تفسير لهذا التكوين، وتكون الصورة الجزئية هى وسيلته فى التفسير، وهذا يجعل النص يقوم بترجمة نفسه وقراءة ذاته، فى محاولة لبناء الحوار الداخلى للنص .
من ذلك يقول الشاعر الدكتور محمد سالمان مسترسلا فى بناء الصورة الموضوعية، التى يحاول من خلالها أن يقدم مظاهر تحول الواقع من حالته إلى حقيقة واضحة فى الذهن عن طريق الموروث الدينى " سبأ " وهنا تتحول الفكرة إلى محاولة بناء مجموعة من الصور والأفكار، التى تقدم تفصيلات وتفسيرات الصورة الكلية،عن طريق مجموعة صور تنتظمها مخيلة الشاعر، وتتلقاها الفكرة التوضيحية المعرفية للنص:
لغتى تعرى لحمها للطير، ينفض غزلها
وقصيدتى أبدا أحاول نظمها
أمشى على أشلائها ..
أمشى ويلفظنى القصيدُ
ويفر من أرضى الشهيد
وتبدل الغيث الجديد
غيث تغلف بالحداد، والدموع، وبالهموم، وبالحديد
فى الصورة الجزئية الموضوعية السابقة، يقوم النص بعملية تفسير دقيقة متخذا من الشرح وسيلة لفك شفرات الواقع الاجتماعى، وهنا تتم عملية التفسير للصورة الكلية الأولى، وتصبح الحقيقة دلالات وعلاقات يتواصل الشاعر من خلالها مع الواقع والقضية،ويتحول النص إلى فضاء عاما يتكون من صور تقود الفكرة الأصلية، إلى بناء متكامل من التعبير، وهنا تبدو عملية التفسير أكثرتوظيفا ووضوحا لدى الشاعر، وعملية التحليل للصورة الجزئية الأولى تؤكد ذلك والتى حاول فيها تصوير المنحى التعبيرى تصويرا تركيبيا دلاليا ليفرز من ذاته ونفسه حالة من السلبية التى لا تخرج عن حقيقته الداخلية يقول :
لغتى تعرى لحمها للطير، ينفض غزلها
والمتامل يجد أن اللغة كوظيفة ودلالة وبعد تعبيرى لم تقم ببناء علاقة تعبيرية أصلية بقدر ماهى نتيجة أرسلها الشاعر ليجعل منها تواصلا بين الصورة السابقة والصورة اللاحقة، والتحليل التفسيرى يؤيد ذلك، فاللغة وتشبيهها بالطير الذى تعرى ، ليست على حقيقتها التصويرية البيانية، والتشبيه يؤكد انحراف الدلالة والمعنى، ويؤكد كذلك عملية التفاعل الرمزى التى انطلق منها الشاعر معبرا عن ألمه وتدنى أماله فى الفكر والتعبير، وإذا تأملت الفعل ( تعرى ) والفعل (ينفض) ستجد أن الدلالة الاستمرارية لحالة الفعل المضارع هى نفس الدلالة التى يحاول الشاعر الوقوف عندها، وبناء الصورة تلو الصورة، معتمدا على ذاته ونفسه وشاعريته، خاصة إذا حاولنا الوقوف عند إسناد الفعل المضارع ، والذى سنجده متواصلا مع غير حقيقته، وهذا التصرف يتيح تواصلا مع النص وخلق تراكيب تصويرية موضوعية تسير على نفس المنهج الموضوعى التعبيرى والنقدى الاجتماعى، والنفسى الإنسانى كحالة من التمييز بين الفعل والدلالة والتعبير الذى يتحول من تلقائه إلى رؤية فلسفية هى التعبير بالصورة الجزئية التى تتواصل مع عدة علاقات تكون فى النهاية صورة كلية تتشكل منها القضية والفكرة من ذلك قوله: ( وقصيدتى أبدا أحاول نظمها / أمشى على أشلائها .. / أمشى ويلفظنى القصيدُ ) والأفعال أحاول – وأمشى – وأمشى – ويلفظنى، هى تفسير وتعبيردلالى متواصل مع أصل الفكرة والصورة الكلية، التى تم تفسيرها فى قوله: ( نظمها – أشلائها – القصيد ) مما يجعلها حالة خاصة يتقيد بها الشاعر، ويقوم بعملية إسقاط وتمثيل لواقعه وحياته العامة والخاصة، على المستوى النفسى،وينتقل الشاعر إلى صورة أخرى يسير فيها على نفس الطريقة فى التعبير يقول : ( ويفر من أرضى الشهيد / وتبدل الغيث الجديد / غيث تغلف بالحداد، والدموع، وبالهموم، وبالحديد) وهنا ينتقل التعبير من الخاص إلى العام، من الشاعر والذات إلى الإنسان فى عمومه، وتتمظهر العملية التفسيرية فى رمزية ( الشهيد ) و( الغيث ) والعلاقة بين الصورتين متباعدة تقوم على مجازية الفعل وجدلية التشبيه فالأفعال ( يفر – تبدل – تغلف) صورا تتواجه مع الشهيد والغيث، وتفرز ( الحداد – والدموع – والهموم –والحديد)، وهى تقف عند حدود الرغبات المكبوتة،التى تتعين من الصورة المضادة لهذه الأفعال،وهى الصورة التى ينشدها الشاعر، وهى أيضا تسير فى نفس الاتجاه الذى يؤسس له منذ البداية، وهو المواجهة الموضوعية للفكرة والصورة والقضية.
وينتقل النص إلى مرحلة أخرى من التعبير والأداء التفسيرى للصورة والقضية، وينتقل الرمز من مرحلة العموم والمباشرة، إلى مرحلة التخصيص والتعيين، وتلك مرحلة أخرى من مراحل التعبير لدى الشاعر والتى يعتمد فيها على تأسيس جديد يبدو جزئيا، لكنه فى مجمله تأسيس يقوم على الموضوعية الكلية المتواصلة مع منطق النص، ومده بالطاقات والشحنات التعبيرية، التى تفرز صورا جديدة ومظاهر تناقضية مع المنطق والواقع وما بينهما من إشكاليات تبدو فى تعبير النص عموما يقول الشاعر الدكتور محمد سالمان :
هى خلعت أثوابها غاصت ، وفاحت بالصديد
عشقت من النفط العفونة
واستحمت بالرياح
ويلفنا صمت ترنم بالنواح
والفرح مكسور الجناح
يهفو على دمع الرماح
واليوم أعلنها وراح...
زالت من الذكرى ومن حلو الجراح
ياعبلتى
ياكعبتى
سقط الوشاح
إن الصورة الكلية تنطلق فى هذا المقطع من مفهوم البحث فى الوجود ومظاهره، والصورة الجزئية تفسر ذلك، وهنا يبدو العامل التقنى للشعر،هوالتفسيرلمظاهر ورؤى فلسفية عديدة، تبدوعامة فى تأويلها لكنها خاصة فى رمزيتها وشخصنتها، حيث قامت على التقريب من خلال الضمير المباشر، الذى تبدأ عملية التفسير من عنده،لتتحول بعد ذلك إلى أصوات مناهضة، تمهد للحضور والانفعال الرمزى المباشر الذى تتفضى به الصورة، وتأخذ بعدا تركيبيا يتماهى ليصبح صورة عامة، تتواصل مع تركيبها الأول .
والمتأمل فى النص يمكنه القراءة على اعتبار المتغير الدلالى نتيجة وحقيقة تؤكدها الصورة الشعرية الموضوعية :
هـى ــــ ضمير نحوى وصوت حوارى ورمز موضوعى، جاء به الشاعر ليستقطب عدة تفسيرات يتشكل منها الواقع، وليربط السابق باللاحق( عنترة – عبلة) وحرص الشاعرعلى تفسير الصورة، كان مدعاة لديه لأن يستعمل الصورة بدقائقها وتفاصيلها التى تتعارض مع منطقية الواقع التى يحاول الشاعر الانطلاق منها، كمبتدأ تصويرى يتفق مع تأييد العلاقة النحوية التى تمده بالدلالة والموضوعية، وعلى الرغم من ذلك فلم يغادر الشاعر هذه المنطقة الدلالية العرفية التى تبدو منعطفا أخلاقيا، يستلهم أخلاقيات وانحرافات عامة، لذا فإن التفسير التصويرى يبدأ مباشرة بقوله :( خلعت أثوابها غاصت / وفاحت بالصديد
عشقت من النفط العفونة / واستحمت بالرياح ) والنظر إلى الأفعال ( خلعت – غاصت – فاحت –عشقت – استحمت ) فضلا عن كونها متواصلة مع ما بعدها تواصلا دلاليا تأكيديا فإنها رموزا تشرح موضوعية التعبير لدى الشاعر لأن التأويل يجعلها هكذا :
هى ـــ خلعت = أثوابها + تأويل صريح
هى ـــ غاصت= تأويل مفقود يؤول بالرمزالمتعدى+ استدعاء صورا أخرى
هى ـــ فاحت = الصديد + تأويل مباشر يسمح بتنوع الدلالة ورمزية التأثير
هى ـــ عشقت= العفونة + تأويلات أخرى من رمزية النفط، يمكن تأكيدها بـ ( من) التى للتبعيض، والتى تضيف عدة علاقات عشقية أخرى لم يفصح عنها السرد النصى .
هى ـــ استحمت = الرياح / دلالة انحرافية لاتفتح للتأويل غير مجال الرمز.
وعلى ذلك فـ (هى) صورة ابتدائية أصلية تحلق فى أجواء النص وفضاء الصورة، وتفسر كثيرا من مركبات الفعل الرمزى، والتى سيترجمها النص الموضوعى بالموروث التراثى ( عبلة) فى أشكال تعبيرية مختلفة تتعلق بالبعد النفسى والعاطفى والوجودى، والخبر هنا متعلق بالصور الاستنتاجية التى قدمها الشاعر فى الأفعال السابقة وزمنيتها الماضية، وكأن الحدث خرج من حيز التكوين إلى فضاء الواقع وأصبح دلالة تخضع للتأويل والتفسير، ولاتخضع للمعالجة.
وصورة أخرى من صور الخبر واشتقاقاته التصويرية الانفعالية وهى الصورة العامة التى جعلها الشاعر مردودا وحقيقة تقوم على تحقيق التأثيرات وسريانها فى ضمير الواقع والحياة، حيث جاءت الدلالة فى عدة علاقات متنوعة منها العلاقة الزمنية للفعل المضارع فى يلفنا / يهفو / ... و الفعل الماضى فى أعلن/ وزال / والختام الصوتى بالعلاقة الإنشائية لأسلوب النداء، فى تعدده الرمزى الموضوعى المتفاوت، من حيث الصوت العاطفى، والصوت التراثى والشعبى، ومن ثم الخلوص بنتيجة حتمية تتعانق مع الصورة الافتتاحية وهى جملة (سقط الوشاح) برمزيتها المتضمنة معنى الحقيقة التى بنى عليها الشاعر الفضاء الخارجى للصورة ومعطياتها النفسية والاجتماعية، خاصة أن العملية الإسنادية الموضوعية تتفاعل مع تقديم صورة خارجية هى صورة الصمت وصورة الفرح المكسور، وغيرها من صورالنتيجة والدلالة المترتبة على تقاليد الواقع النفسى والاجتماعى، والأخلاقى والبطولى إلى أخره .
ويختتم الشاعر قصيدته بصورة استفهامية مباشرة يبحث فيها عن نفسه وحقيقته، ويبحث عن مضمون الحياة التى يفتقدها كل يوم يقول :
ياعنترة
أبدا أسائل من أنا..؟!
وأقلب الأيام عن فجر السنا
لكننا ...
فى كل صبح نلقى حتفنا
ويردنا...
أف لنا .. أف لنا
أف لنا ...
ياعنترة ...!!!
واهم ما يمكن ملاحظته فى هذه الصورة هو التكرار للصوت والصورة والموضوع، فى صياغة زمنية لاتبعد عن صيغة التعددية النفسية، فالنداء الذى يشيع فى الفضاء منذ البداية بخصوصيته وانفعاله، فى ظل فقدان الهوية البطولية، يؤكد أن التكرار شامل للصورة الخارجية والداخلية، ويحتوى الصوت المناهض للحقيقة، وأعقب النداء استدراك زمنى حدثى ينهى الصورة إلى الواقع النفسى والرمزى، الذى انفعل به الشاعر ويجعل من حضور الصوت البطولى واقعا ضمنيا يمكن ملاحظته فى المواجهة التى صاغها الموقف المتضجر فى مقابل الحضور الحكائى لعنترة
تمت
الدكتور نادرعبدالخالق