المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـمنحـوس / رواية من المجتمع العراقي تنقصها الصراحة / ح. 3



الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
25/01/2010, 01:06 AM
المنحوس / الحلقة 3
يرجى الأطلاع على الحلقات السابقة قبل قراءة هذه الحلقة
شـعـر الأستاذ بسـذاجة الشيخ , وان سبب تغييره لمجرى حديثه ناجم عن خوفه من توجيه اي نقد لسياسة الحكومة لتصديها للمعارضين و قمعها للمظاهرات,... حيث ان اي نقد من شخص للسلطة هو خط احمرغير مسموح به, وكل من يرفع صوته مندداً بأعمال الحكومة في تلك الآونة يعتبر شيوعياً او هداماً !!.. وليس من احد يخشى الشيوعية مثل شيوخ القبائل, وبخاصة الأقطاعيين (اي الذين يملكون مساحات واسعة من الأراضي), حيث ان من اهم شعارات الأحزاب الأشتراكية, هي توزيع الأراضي الزراعية المملوكة لكل شيخ قبيلة على افراد قبيلته, وبذلك يتحرر الفلاح من سطوة شيخ القبيلة !
حـدس الأستاذ السبب الحقيقي لرغبة الشيخ بالسفر الى بغداد,.. حيث انها ناجمة عن رغبته لأبعاد ابنه امحيسن عن القرية وعدم السماح له بأكمال دراسة المرحلة الثانوية في مركز اللواء (المحافظة), حتى يبعده عن زميلته جميله التي تعلق بها, لا لشيئ الا لكونها ابنة فراش المدرسة الذي لا يمت بصلة من بعيد او قريب مع اي شخص من القبيلة !
ابتسم الأستاذ مدير مدرسة امحيسن المتوسطة ساخراً من مخطط الشيخ , وقال له :
.. سافر يا محفوظ,.. السلطة في بغداد ما زالت قوية, وكافة قوى الأمن في بغداد ستكون بخدمتك, قأنت من ابرز شيوخ اللوا ( المحافظة), والحكومة تعرف انك من انصارها, ولا تهمك الشعارات المستوردة, ..ولا ادري لماذا التردد والخوف من السفر؟!
بلع الشيخ هذه الأهانة ,.. ولم يتمكن من الرد الفوري على الأستاذ امام الفلاحين الذين يصغون بكل انتباه لآقوال الأستاذ , ودب عندهم الأمل بتفجر الأوضاع في بغداد والتي فد ينجم عنها الفرج مما يعانونه من اضطهاد وطمساً لحقوقهم ,.. ولقد سمع البعض منهم من محطة صوت العرب (آنذاك) , عما يجري في بغداد على يد القوى الوطنية بمختلف اطيافها والمطالبة بتطبيق الأصلاح الزراعي, لكي يتخلص الفلاح من هيمنه الشيوخ !
تشجع احد الفلاحين الشباب واستأذن من شيخه ليطلب من الأستاذ ان يقص عليهم ما يعرفه عن القوى الوطنية العراقية التي وقفت بوجه المستعمروظلم الحكومات السابقة التي نصبها لكي تنهب خيرات البلد وترك الوطن كما هو يعـوم بمستنقع التخلف !
انبهر الأستاذ من وجود مثل هذا الشاب الجريئ, وابتسم له, ثم استرسل بالحديث وقال:
ظهرت تنظيمات وطنية في كافة ارجاء العراق, قبل وبعد ثورة العشرين,.. مطالبة بأصلاحات عديدة وفق المبادئ العربية الأصيلة, والأبتعاد عن ما هو مرتبط او مستورد من أقطاراستعمارية تضمرالهيمنة على العراق , فالوطن مازال زاخراً بالمفكرين الذين ناضلوا من اجل وطنهم ولم يرتضوا بالأنتماء الى الأجنبي ,... بالرغم من تعاطفهم مع النظريات الأشتراكية العالمية, الا انهم فضلوا تطبيق ما يتماشى مع عروبة الوطن ودينه واعراقه المختلفة من دون تسلط طائفة معينة على عموم الوطن , ... بل الدين لله والوطن للجميع, ولا يمكن للقوى الوطتية ان تلدغ من جحر مرتين,.. فقد خاضت تجربة مريرة عندما تعاون الشريف حسين بن علي شريف مكة المكرمة مع الأنكلنر, للخروج من الهيمنة العثمانية واعلانة الثورة العربية !
فقد صار جلياً ما تمخض من هيمنه الدولة العثمانية واهمالها لأي اصلاح في اي مرفق من مرافق الحياة, وظل العراق في الحظيظ بالرغم من امتلاكه لكل مقومات التقدم !
وبأيجاز, فأن الأستعانة بأية قوة خارجية مهما تقمصت بشعارات الخير, ستهيمن على كافة مرافق الوطن وستكون اشد وبالاً على الأمن القومي والتقدم الحضاري,. فأن اي مستعمر جديد سوف يستعين بالفئات النفعية لتزداد غناً ونفوذا, تاركة الوطن يرزخ تحت شعاراتها الواهية, وترك ابناء الوطن الواحد يتقاتلون فيما بينهم وعدوهم في الداخل وفي الخارج يسكب الزيت على النار ويزرع الفتنه وهم عنه غافلون!!
تململ الشيخ قليلاً وتخوف من فتح شهية الفلاحين لطرح مزيداً من الأسـئلة, ..وما ان نهض حتى قام الجميع وفقاً للعادات القروية, ثم نهض الأستاذ وصافح الشيخ مرحباً بزيارته, و طالباً منه تكرارها في اي وقت يشاء,.. وهكذا حيا الأستاذ بقية الحضور مع تكرار عبارات الوداع ,..وبالمثل ودع الجميع ضيفهم بكل عبارات المجاملة.
*****
شاع خبر ظهور نتائج المدارس المتوسطه," البكالوريا ", ..فهرع الطلاب نحو مدرسة القرية لمعرفة متائجهم, وكان من ضمنهم امحيسن,..فقد اسرع عندما شاهد حبيبته جميلة, المتجهة مع زميلاتها نحو المدرسة, فحياها بطريقته الخاصة وردت تخيته بأبتسامة !
دخل امحيسن الى بهو المدرسة لافتاً له الأنظار, وزج نفسه بين الصفوف المحتشدة حول لوحة الأعلانات لمشاهدة نتيجته ونتيجة جميله, وقد تم له ذلك بصعوبة,.. ثم توجه نحو المكان الذي اعتادت جميله الوقوف به, .. وبشرها بنجاحها,.. وعلت البسمة ثغرها وزاد تألقها, وهي بالملابس القروية المزركشة وكأنها باقة من الزهور الهولندية!...ثم
تصمت قليلاً, وتقول وانت يا امحيسن ؟ .. انشا.. الله..الأول !
و اجابها بكل اعتزاز, .. طبعاً,....درجاتي بكل الدروس عاليه!
لم تظهر الفرحة على امحيسن, وعلت وجهه الكآبة, ..ولم تبهره النتيجة, حيث سيفترق عن الحبيبة بعد اقل من شهر, فهو على علم برغبة والده بأكمال الثانوية في بغداد , وبهذا سيتحقق للشيخ مأرباً آخراً, حيث ستضعف العلاقة العاطفية بين امحيسن وجميله عندما تبهره بنات بغداد الجميلات,.. فالشيخ لا يعترف بشيئ اسمه الحب,.. ويعتبر العلاقة بين المرأة والرجل هي جنسية لأنجاب الأطفال وتلبية حاجيات البيت , ويستطيع كل فرد من ازالة صورة اجمل امرأة بوضع صورة اخرى عليها !
ساد الصمت بين الحبيبين, والطلبة مشغولون بمعرفة نتيجة كل منهم , ..وجميله تقرأ ما يدور في مخيلة امحيسن,..وراحت تبدي قلقها لما يخبأه الزمن لها, وقالت للحبيب:
" فرحتنا لا طعم لها, فبعد اقل من شهر ستتركني وحيدة, وانت ستنعم بالحياة في بغداد, ومن يدري,..فربما ستقطفك مني واحدة من حسناوات الحضر !!
ساحت دموع جميله على خدودها المياسة بصمت, ..وحاول امحيسن السيطرة على الموقف حتى لا يلفت انظار الطلبة نحوهم ويـبعـد عنهما الفضيحة ويزيد الطين بلًه !
راجت اخبار حب جميله ومحيسن في جميع ارجاء القرية, وأزدادت وضوحاً لدى اي طالب عندما رأى هذا المشهد الرومانسي الذي لم يألفه طلبة القرية !!
حاول امحيسن السيطرة على الموقف, وراح يهدأ من روعها, ويزيل عنها الشكوك, ثم
سحبها بعيداً عن جمهور الطلبة, وقال لها:
" سوف اطلب من والدك موافقتة لأكمال دراستك الثانوية في قضاء الشطرة او بمركز اللوا(المحافظة), "مدينة الناصرية".
لم توافق جميلة على فكرته, وقالت له :
" من المستحيل ان يوافق الوالد على هذا المقترح , فهو يحسب الف حساب لأقوال الناس
فهل من المعقول ان ترسل فتاة بمثل سني للدراسة والعيش بمدينة اخرى بمفردها من دون ان يرافقها محرم او ان تعيش عند واحدمن أقاربها ! ".
تفتق ذهن امحيسن, واقترح عليها نقل وظيفة والدها الى اي مدرسة ابتدائية في الشطرة او الناصرية,..فوظيفته بسيطة ومن السهلة الحصول على شاغر!
تدرك جميله في الحال ضحالة وظيفة والدها, وتحمر وجناتها خجلاً,..ويدرك امحيسن خطأه, واعتذر منها عن هذه الهفوة الغير متعمدة,..الا انها لم تقبل اعتذاره, ..فتنظر اليه بشذر وألم وتغادر المنطقة من دون وداع وتنسحب الى الخلف حتى تقترب من زميلاتها الواقفات على مقربة منها ,..وبسرعة تنسجم معهن بالكلام المفعم بالتورية والألغاز من اجل التعرف على ما دار بين الحبيبين في المحطة الأخيرة لقطار الحب.
*****
في مساء ذلك اليوم, يدخل امحيسن الى المضيف, ويتوجه نحو مكان جلوس والده الشيخ ويقبل يده, ثم يجلس على بعد قليل منه, ..فيرحب الشيخ بالقادم, ويستفسرمنه عن نتيجة الأمتحان, ..فيفرح الشيخ من علامات دروسه العالية .
يأمر الشيخ ولده بالذهاب الى مركز القضاء والأتصال بعمه التاجر في بغداد لمعرفة الوثائق الللازمة لدخول الثانوية المركزية في العاصمة.
لم يوافق امحيسن على مقترح والده الهادف الى ابعاده عن جميلة,.. ويبين رغبته في اكمال دراسته في مدينة الشطرة.
يحتدم الجدل بين الوالد وابنه بصوت خافت, لكي لا يلفت لهما الأنظار,... ويصر امحيسن على موقفه,..ويقول :
" انا لا ارغب البعد عن القرية,..يا محفوظ,..وافضل ترك الدراسة عن البعد عنكم !!
يبتسم الشيخ ليخفف من حدة الموقف ويقول لولده بسخرية مؤطرة بلهجة الدلال او ما
يسمى (بالدلع), لمحبوبه امحيسن ويقول:
" انت ما تكدر البعد عن الكريه لو..(سكوت), ..انا لا اريد ان تعصي امري يا اوليدي",
ابتعد عن التصرفات الصبيانية, امامك زمن طويل لتحقق طموحك, واخرج من ذهنك احلام المراهقة ,..أنت لسه,..أصغير!!
****
فهم امحيسن ما يعنيه والده,... وان التعند سينقل غضب الشيخ على والد جميله, ولذا ذعن للواقع, وبدأ يتهيئ للرحيل,.. او قل البعد عن الحبيبه !
وفي يوم الرحيل, ...تجمع الأقرباء والمحبين لتوديع امحيسن, ..وتخلل ذلك الموقف زغاريد النساء وقرع الطبول,..وامحيسن مثل (الأطرش بالزفه),..فهو لم يهتم بكل الذين من حوله, وزاغت عيونه عن كل ما حوله ليبحث عن قلبه الذي انتزع منه قسراً,...ومن ثم وقعت عينه على وجه جميله المشرق, ويحيها ببسمة, فترد له التحية, فيشعر امحيسن بنشوة ازالت عنه الهموم وراح يمشط تضاريس جسمها المكتنزحيوية وكأنه يراها لأول مرة,.. فقد بانت اكثر نضوجاً, وكم تمنى في تلك اللحظة ان يضمها الى صدره لثواني,.. وصار لا يخشى لومة لائم ,... وليكن من بعده الطوفان !!
تبادل امحيسن وجميله الخواطر فيما بينهما من على بعد, وتراقصت الأفكار في ذهن هذه القروية التي احست بظلم العرف المهيمن على محيطها الضيق وطرحت سؤالاً:
" لماذا يفارقها الحبيب؟ ولم لا يسمح له بالزواج منها,... فما ذنبها ان كان والدها فراشاً وابوه شيخ القريه؟. ..لقد ورث المشيخه من والده, والنظام آنذاك هو الذي صان الطبقات
في المجتمع الواحد,.. وحتى الدين لا يسمح بالتمييز بين المسلمين,....كما نص على ذلك القرآن الكريم, (اكرمكم عند الله اتقاكم), ولم يرد اي نص في الكتب السماوية اوالوضعيه ما يمنع من زواج الأحباب بسبب اختلاف طبقاتهم او دينهم اوعرقهم او لون بشرتهم! "
تتوجه ام جمبله بصحبة ابنتها لتوديع امحيسن,..وتتبادلان معه عبارات الوداع ويحيهم هو بكل لطف وادب, ويهنأ الأم بنجاح ابنتها,..وتخرج كيس الحلوى (الحامض حلو), وترشه فوق رأس امحيسن مع ( هلاهل) زغاريد النسوه المحيطات بالحبيبين.
يمعن امحيسن النظر بوجه جميله,..فتبادله الحسرات المفعمة بالأمل, ويخترق شعاع كيوبيد من عيون جميله ليخترق شغاف قلب امحيسن المضطرب اصلاً, وكاد لسانه ان ينطق ما اختلج بفؤاده من تراكمات الحب,.. والتي لا يحسها الا من اكتوى بالعشق !!
تكلم امحيسن مع جميله بأمورعديد خلال ثواني معدودة,مضمونها يحتاج الى عشرات الصفحات لشرحها!!
حان وقت الرحيل, ويستأذن امحيسن المحيطين به, بمشاعر مكللة بالحزن, ويودع الجميع فرداً..فرداً,..ويغادر جسده المكان, ويبقى شعاع الحب المقدس على ارتباط وثيق مع جميله, وتجف الكلمات وتنهمر الدموع الخافته,.. ملوحاً كل منهما يده بالوداع !
تتحرك السيارة ببطئ لمغادرة المكان, ويكاد امحيسن يصرخ طالباً توقفها,..ولكن هيهات ان يمنع ما هو مقدر, ..فتلوح جميله بيدها ,... ويتبادل النظرات معها, وتمزق الحسرات قلبه الصغير المفعم بالحب العذري والحنين الصادق الذي زقه من جميله ليعوض ما افتقده من حنان امه بعد وفاتها... وهو مازال صبياً.
يتردد الأنسان بعض الشيئ في اللحظات الحاسمه التي تغير مجرى حياته الى الأبد,.. فيأكله الندم بمرور الزمن, على تلك الفرصة التي كانت بين يديه ولم يجرأ على تنفيذها
والفرص لا تتكرر,.. و قد تستبدل
الا انها لا تعوض فرصة العمر !!
يتبع في الحلقة 4

تسنيم زيتون
25/01/2010, 02:15 PM
نعم سيدي
لاادري اشعر بها قصة حقيقة..؟؟
ربما اسلوبك او انها اقرب للواقع
انتظر الجزء4 لنرى ما سيجري بـ امحيسن
شعرت بحزنه وحزن جميلة ...%
مودتي..

ملاحظة : مجرد رأي ان تقوم سيدي بوضع كل الاجزاء في موضوع واحد ليتسنى لغيري القراءة ولك كامل الحرية

الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
26/01/2010, 04:15 AM
ابنتي تـسنيم زيتون
انها قصة عشت معظم حلقاتها وامتنعت عن ذكر الكثير من الحقائق عن شخصيات الرواية احتراماً لعوائلهم وعدم رغبتي بنشر اي غسيل قذر, وقد حدثت مجريات القصة في منتصف الأربيعينات ,..وانني بصدد تنقيحها لأني دخيل على عالم الأدب, ولا بًد لي من وقت لذلك وسوف احاول تلبية طلبك ,
وكما يقال باللهجة العراقية
غال والطلب رخيص