المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المنحوس / رواية واقعية من المجتمع العراقي تنقصها الصراحة / ح 4



الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
26/01/2010, 10:08 PM
الـمـنـحـوس / الحلقة 4



المـمنـحـوس / رواية واقعية من المجتمع العراقي تنقصها الصراحة / الحلقة 4

يرجى أسـتذكار الحلقات السابقة قبل قراءة هذه الحلقة!


تصل السيارة المقلة لأمحيسن الى (محطة قطار ناحية اور), في محافظة ذي قار. مخترقة الآثار القديمة التي امتازت بها مدينة اور والتي كانت من اشهرالمدن السومرية قبل ستة قرون,..وما زالت تحتضن اثار حضارة سـومر وأكد القديمة,... ومن الجدير بالذكر ان هذه المنطقة هي التي سـكنها النبي ابراهيم عليه الســلام.
تتوقف سيارة الشيخ بالقرب من بناية مدير المحطة ,.. ويترجل الشيخ ويتوجه نحو الأدارة , فيهب المدير مرحباً بالضيف الكبير, عضو مجلس النواب, وتستمر المجاملات لحين سماع صفارة القطار الصاعد من البصرة الى بغداد, ..فيعم الهرج بين المسافرين ويقتربون من سكة القطاراستعدادا للصعود حين توقفه في المحطة لفترة وجيزة.
يتوجه مدير المحطة مصطحباً الشيخ وابنه وحارسه نحو مكان توقف القطار, ومن ثم
يصعد امحيسن وحارسه القطارويتوجهان نحومقصورة خاصة (درجة اولى),. ..وبعد لحظات نسمع صفارة القطار,..معلناً تحركه, ويبدأ القطار بالتحرك ببطئ, على وقع انغام معينة ناتجة عن احتكاك عجلات القطار بالسكة, وكأنها انغام موســيقى كلاسيكية,.. لها وقع ممتع على من تعود السفر بالقطار!
يلوح مدير المحطة والشيخ مودعان امحيسن وحارسه, الى ان يبتعد القطار رويداً رويداً, وبعد دقائق , يعود امحيسن ومرافقه للجلوس في هدوء يشبه هدوء المقابر!
وهكذا امضى امحيسن تلك الليلة على مضض, حالماً حتى الصباح بالحبيبه جميله !!
وفي صباح اليوم التالي, يصل القطار الى محطة غربي بغداد بجانب الكرخ, وتسمع اصوات المستقبلين والحمالين وسائقي التكسيات,.. وهم ينادون بأسماء احياء وضواحي بغداد, ..كاظميه,..,.. اعظميه,..كراده جوه,..كراده بره,..وهكذا !
وما ان يتوقف القطار تماماً , يهبط امحيسن وحارسه, .. ويتقدم احد سواق التاكسي نحوهما ويعرض خدماته, وبعد الأستفسار عن جهة المكان يتم الأتفاق, ويحمل السائق عفشهما الى سيارته خارج المحطة, ويتوجه بهم الى بيت عم امحيسن الواقع في منطقة الوزيرية مخترقة شوارع بغداد مثل شارع الرشيد وباب المعظم مروراً بقاعة الملك فيصل الثاني ولغاية البلاط الملكي آنذاك, ثم الدخول في شارع الزهاوي , وما ان تتوقف
سيارة الأجرة امام دار عَم امحيسن,.. حتى يهرع جميع من في الدار لأستقبال الشيخ الصغير وفق عاداتهم, وينهون تلك الليلة بأجترار الذكريات الى ان حان وقت النوم.

في صباح اليوم التالي سجل امحيسن بالثانوية المركزية الواقعة بالقرب من مجلس الأمة آنذاك, .. وتعلم استخدام سيارات النقل (الأمانه) , ..واشد ما كان يلفت نظره, بنات بغداد السافرات, او المرتديات للعباءة البغدادية من دون غطاء الوجه الموسـوم بـ (البوشيه),..فيركز نظره على فتاة تصعد الباص مترنحة في مشيتها بغنج لم يرى مثله
في قريته وهي معطرة بروائح زكية أنعشته, ولم يستطع الأستمرار في التركيز, وينظر الى الطيورعلى اغصان الشجر واعمدة الهاتف والكهرباء وعلى الأرصفة وفي الساحات العامة ,.. ويسـتغرب من عـدم ان يمسها احد !
غمرت تلك المشاهد امحيسن بالفرح المفعم بالألم والغضب, وعلى شفته بسمة,..ثم راح يتذكر بنات قريته,..واصيب بتعب مباغت , وبدأ يطرد الهم مستعيناً ببعض الآيات القرآنية وابيات من الشعر اخذ يرددها بصمت , فهدأ من روعه بعض الشيئ, وتمنى ان يعم التطورالذي شاهده في بغداد كافة مدن وقرى العراق !
وصل امحيسن الى مدرسة الكرخ الثانوية, وتوجه نحو البهوالرئيس, واطلع على جدول الدروس, ثم توجه الى صفه, وبعد لحظات يدخل مدرس المادة ويقف جميع الطلبة لتحيته ويرد تحيتهم ببسمة , ثم يبدأ بشرح الموضوع والكل مصغي بأجلال واحترام لـه, ومن اهم الأمور التي لفتت نظر أمحيسن هـي قيافة وهندام المدرس وتمكنه من سـرد المادة العلمية, واصغاء الطلبة وتدوينهم لـكل ما ينطق به اويكتبه اويرسمه على السبورة, ويستمر الدرس وفق الوقت المخصص, ثم يرن جرس انتهاء الحصة.
*****
وفي مساء احد الأيام يتجول امحيسن برفقة زميل له في مركز مدينة بغداد, المسمى
" باب الشرجي", ..ويتناولان المرطبات في احد المحلات الشهيرة, ..وكان مبهوراً بكل ما يشاهده, وخاصة الأعلانلت عن الأفلام السينمائية الحديثة, .. ويلفت نظرة فلم يعرض بسينما غازي (كانت من اجمل السينمات في بغداد, وتقع في منطقة الباب الشرجي, وقد شيد مكانها حديقة عامة يتصدرها جدارية نصب الحرية ليرمز لثورة 14 تموز 1958), عنوانه ( عنتر وعبله), ..ويعجب به اشد الأعجاب, ويطلب من زميله مصاحبته للسينما, حيث لم يسبق ان دخلها,.... فطاوعه صديقه, وحقق رغبة امحيسن,..وبعد مشاهدة الفلم, ذهل امحيسن وسرح في خياله, فهو لم يشاهد اي فلم سينمائي, .. وهكذا ازداد ايمانه في ضرورة نشر التعليم والتطور في كل جوانب الحياة, وبناء المدارس والسينمات في كل مدينة وقرية بكافة انحاء العراق! .. فهذه خير طريقة لتثقيف الفلاحين وابنائهم, وتعليمهم الشجاعة والبطولة الظافرة,.. والشعر الحماسي والخلق العربي الأصيل !
خرج امحيسن وهو يردد ابياتاً من الشعر الذي ردده عنتر وهو يغازل حبيبته عبله:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فمضيت اعتنق الرماح لأنها
خطرت كأسمر قد ك المتقوم
وودت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المبتسم

خرج امحيسن من السنما وهو بعالم آخر, وراح وزميله يتسكع في المنطقة المجاورة للسينما , ثم عرجا الى منطقة سيارات الأجرة, لتقلهم الى باب المعظم,.. وهكذا اخترقت بهما السيارة شوارع بغداد المضاءة, لتزيدها بهاءاً ورونقاً ملفتاً للنظر, .. وراح يقارن ذلك بالظلام الدامس في قريته بعد آذان العشاء , وراح يكلم نفسه ويقول:
كم نحن متأخرون ,..ومن المسؤل ؟...ثم نام تلك الليلة وهو اكثر تفائلا بالمستقبل.
******
في بداية العام الدراسي الجديد, يصل القرية في منتصف النهار, شاب وسيم من اهالي الكاظمية, عين معلماً في المدرسة الأبتدائية في القرية, اسمه "جميل ", لم تكن له سابق معرفة لا بالمنطقة ولا بهذه القرية النائية , فقد صدر تعيينه وفق النظام المتبع في وزارة المعارف آنذاك ,حيث لا بد للخريج من الألتزام بالأمرالوزاري الصادر له للعمل مدة سنتين في المناطق النائية, ولا يجوز النقل منها قبل اكمال المدة, الا بشروط معينة.
المعلم جميل سليل عائلة دينية معروفة في مدينة الكاظمية, قرب بغداد,.... وهو مؤمن برسالته الأجتماعية, وغير مكترث بالمتاعب التي قد يواجهها في هذا المحيط القروي الضيق, والعيش مع الفلاحين والتكيف مع عاداتهم الأجتماعية المختلفة كثيراً عن ما هو في بغداد او المدن الكبيرة, وترك الأمر للقدر وما يخبأه من امور مع ابناء القرية.
استقبل الفراش ( والد جميله), المعلم الجديد,.... وقاده الى ادارة المدرسة, ورحب به المدير, وامر الفراش بتقديم الشاي للضيف,....واستلم منه امر التعيين والوثائق الذاتية,ثم
سرد جميل سيرة حياته للمدير وقال:
" انني جميل مظلوم, العمر 20 سنة, خريج دار المعلمين الأبتدائية في الأعظمية, بدرجة جيد. وصدر امر تعييتي في مدرستكم , وانشاء الله اكون عند حسن ظنكم".
رحب المدير بالمعلم جميل, وطلب منه الجلوس بالقرب منه, وتمنى له التوفيق في عمله الجديد,... وعدم التعرض لأي ظلم انشاء الله !!
طلب المدير من الفراش مساعدة المعلم جميل, ومرافقته لغاية, ( الكوخ),.. في احد البساتين خلف المدرسة,.. والذي يعتبر داراً للضيافة !!
توجه المعلم جميل وهو في غاية التعب, بصحبة الفراش "والد جميله", حاملاً شنطة وعفش المعلم الضيف,.. الى ان وصلا الى الكوخ, ..وبعد ان استقر المقام بالمعلم جميل, شكر الفراش, وقدم له بعض المال , ولم يرضى الفراش استلام اي مبلغ.
وبعد آذان الظهر, بساعة, عاد الفراش ثانية بصحبة ابنته جميله وهي ترفع على رأسها (صينيه), فيها بعض الصحون من المأكولات القروية, كوجبة غداء للضيف الجديد, وما
ان وصل, حتى نادى على المعلم,.....فخرج المعلم وقد تفاجأ بالفراش مع صبية في غاية الجمال تحمل على رأسها صينية, وتقف على بعد من الكوخ , وبعد خروج المعلم, وتبادلهما التحية , يتناول الفراش الصينية من على رأس الصبية ويسلمها للمعلم !
تناول الأستاذ جميل الصينية وأمعن النظر بجمال الصبية الفطري, وصمت مبهوراً للحظات, ثم قدم الشكر للصبية فأنتابها الخجل ,.. ولم تتجاوب مع اعجابه بها,.... بالرغم من كونها صبية مكتنزة بالأنوثة المتفجرة , الا ان هيمنة زميلها امحيسن على مشاعرها العاطفية لم يترك المجال لدخول اي طارق جديد للقلب المتعلق بالحبيب الأوِلِ !!
كرر المعلم النظر لجسم جميله المتناسق, ولفت نظره صدرها الذي كاد ان يمزق ثوبها, وتذكر المرحوم نزار القباني وهو يقول:

نهداك ما خلقا للثم الثوب,.. لكن للفم
تـذ كر جميل العرف الأجتماعي وعادات القرية, وعاد الى وعيه, وقد قرأ في الروايات الأجنبية المترجمة, عن سعادة المرأة عند اطراء جمالها بأسلوب مهذب,..ويقابل بالشكر,
الا ان ذلك غير جائز هنا,..ومن المحتمل ان يقابل بالشتيمه او السلاح الأبيض, ..لذا آثر
جميل السكوت وعدم التمادي في امورقد تؤدي الى انهيار المعبد على من فيه,....وترك العنان لعيونه تخاطب هذه الشابة, وتثني على جمالها من دون ان يشك الفراش,..حيث ان
للعيون لغة خاصة, لا يتقنها الا الذين وهبهم الله مواهباً خاصة, او قل احاسيس كهربائية او الكترونية تنتقل بين قلبين بأقل من لحظة واحدة,..... وهاهي امامه شابة تطابق كل ما فيها مع فتاة احلامه,.... وتسائل مع نفسه عن سر هذا الجمال الذي ترعرع في مثل هذه البيئة التي لا تحتوي على ابسط قواعد الصحة العامة, الا ان كل شيئ فيها ينمو طبيعياً !.
تشعر جميله بتمادي المعلم بنظراته التي ضربت مشاعرها, فأعتراها الخجل, وتودع المعلم وتترك والدها مع المعلم وتتوجه نحو دارها.
وبعد تناول الغداء, يستفسر المعلم من الفراش عن طبيعة الحياة في القرية, و يسرد والد جميله حياته وكل امور القرية بأسهاب, وخاصة عن ابنته جميله,.. وعلاقتها بأبن الشيخ, واستحالة موافقة الشيخ على استمرار مثل هذه العلاقة.
انبهر المعلم مما سمع, وزاد من احترامه لهذا الأنسان الكريم و الأبي, وراح يشجعه على اكمال دراسة ابنته, وابدى استعداده لتقديم العون لأجتيازها امتحان الكالوريا.
يتبع في الحلقة / 5

تسنيم زيتون
26/01/2010, 10:24 PM
الـمـنـحـوس / الحلقة 4
المـمنـحـوس / رواية واقعية من المجتمع العراقي تنقصها الصراحة / الحلقة 4
يرجى أسـتذكار الحلقات السابقة قبل قراءة هذه الحلقة!
تصل السيارة المقلة لأمحيسن الى (محطة قطار ناحية اور), في محافظة ذي قار. مخترقة الآثار القديمة التي امتازت بها مدينة اور والتي كانت من اشهرالمدن السومرية قبل ستة قرون,..وما زالت تحتضن اثار حضارة سـومر وأكد القديمة,... ومن الجدير بالذكر ان هذه المنطقة هي التي سـكنها النبي ابراهيم عليه الســلام.
تتوقف سيارة الشيخ بالقرب من بناية مدير المحطة ,.. ويترجل الشيخ ويتوجه نحو الأدارة , فيهب المدير مرحباً بالضيف الكبير, عضو مجلس النواب, وتستمر المجاملات لحين سماع صفارة القطار الصاعد من البصرة الى بغداد, ..فيعم الهرج بين المسافرين ويقتربون من سكة القطاراستعدادا للصعود حين توقفه في المحطة لفترة وجيزة.
يتوجه مدير المحطة مصطحباً الشيخ وابنه وحارسه نحو مكان توقف القطار, ومن ثم
يصعد امحيسن وحارسه القطارويتوجهان نحومقصورة خاصة (درجة اولى),. ..وبعد لحظات نسمع صفارة القطار,..معلناً تحركه, ويبدأ القطار بالتحرك ببطئ, على وقع انغام معينة ناتجة عن احتكاك عجلات القطار بالسكة, وكأنها انغام موســيقى كلاسيكية,.. لها وقع ممتع على من تعود السفر بالقطار!
يلوح مدير المحطة والشيخ مودعان امحيسن وحارسه, الى ان يبتعد القطار رويداً رويداً, وبعد دقائق , يعود امحيسن ومرافقه للجلوس في هدوء يشبه هدوء المقابر!
وهكذا امضى امحيسن تلك الليلة على مضض, حالماً حتى الصباح بالحبيبه جميله !!
وفي صباح اليوم التالي, يصل القطار الى محطة غربي بغداد بجانب الكرخ, وتسمع اصوات المستقبلين والحمالين وسائقي التكسيات,.. وهم ينادون بأسماء احياء وضواحي بغداد, ..كاظميه,..,.. اعظميه,..كراده جوه,..كراده بره,..وهكذا !
وما ان يتوقف القطار تماماً , يهبط امحيسن وحارسه, .. ويتقدم احد سواق التاكسي نحوهما ويعرض خدماته, وبعد الأستفسار عن جهة المكان يتم الأتفاق, ويحمل السائق عفشهما الى سيارته خارج المحطة, ويتوجه بهم الى بيت عم امحيسن الواقع في منطقة الوزيرية مخترقة شوارع بغداد مثل شارع الرشيد وباب المعظم مروراً بقاعة الملك فيصل الثاني ولغاية البلاط الملكي آنذاك, ثم الدخول في شارع الزهاوي , وما ان تتوقف
سيارة الأجرة امام دار عَم امحيسن,.. حتى يهرع جميع من في الدار لأستقبال الشيخ الصغير وفق عاداتهم, وينهون تلك الليلة بأجترار الذكريات الى ان حان وقت النوم.
في صباح اليوم التالي سجل امحيسن بالثانوية المركزية الواقعة بالقرب من مجلس الأمة آنذاك, .. وتعلم استخدام سيارات النقل (الأمانه) , ..واشد ما كان يلفت نظره, بنات بغداد السافرات, او المرتديات للعباءة البغدادية من دون غطاء الوجه الموسـوم بـ (البوشيه),..فيركز نظره على فتاة تصعد الباص مترنحة في مشيتها بغنج لم يرى مثله
في قريته وهي معطرة بروائح زكية أنعشته, ولم يستطع الأستمرار في التركيز, وينظر الى الطيورعلى اغصان الشجر واعمدة الهاتف والكهرباء وعلى الأرصفة وفي الساحات العامة ,.. ويسـتغرب من عـدم ان يمسها احد !
غمرت تلك المشاهد امحيسن بالفرح المفعم بالألم والغضب, وعلى شفته بسمة,..ثم راح يتذكر بنات قريته,..واصيب بتعب مباغت , وبدأ يطرد الهم مستعيناً ببعض الآيات القرآنية وابيات من الشعر اخذ يرددها بصمت , فهدأ من روعه بعض الشيئ, وتمنى ان يعم التطورالذي شاهده في بغداد كافة مدن وقرى العراق !
وصل امحيسن الى مدرسة الكرخ الثانوية, وتوجه نحو البهوالرئيس, واطلع على جدول الدروس, ثم توجه الى صفه, وبعد لحظات يدخل مدرس المادة ويقف جميع الطلبة لتحيته ويرد تحيتهم ببسمة , ثم يبدأ بشرح الموضوع والكل مصغي بأجلال واحترام لـه, ومن اهم الأمور التي لفتت نظر أمحيسن هـي قيافة وهندام المدرس وتمكنه من سـرد المادة العلمية, واصغاء الطلبة وتدوينهم لـكل ما ينطق به اويكتبه اويرسمه على السبورة, ويستمر الدرس وفق الوقت المخصص, ثم يرن جرس انتهاء الحصة.
*****
وفي مساء احد الأيام يتجول امحيسن برفقة زميل له في مركز مدينة بغداد, المسمى
" باب الشرجي", ..ويتناولان المرطبات في احد المحلات الشهيرة, ..وكان مبهوراً بكل ما يشاهده, وخاصة الأعلانلت عن الأفلام السينمائية الحديثة, .. ويلفت نظرة فلم يعرض بسينما غازي (كانت من اجمل السينمات في بغداد, وتقع في منطقة الباب الشرجي, وقد شيد مكانها حديقة عامة يتصدرها جدارية نصب الحرية ليرمز لثورة 14 تموز 1958), عنوانه ( عنتر وعبله), ..ويعجب به اشد الأعجاب, ويطلب من زميله مصاحبته للسينما, حيث لم يسبق ان دخلها,.... فطاوعه صديقه, وحقق رغبة امحيسن,..وبعد مشاهدة الفلم, ذهل امحيسن وسرح في خياله, فهو لم يشاهد اي فلم سينمائي, .. وهكذا ازداد ايمانه في ضرورة نشر التعليم والتطور في كل جوانب الحياة, وبناء المدارس والسينمات في كل مدينة وقرية بكافة انحاء العراق! .. فهذه خير طريقة لتثقيف الفلاحين وابنائهم, وتعليمهم الشجاعة والبطولة الظافرة,.. والشعر الحماسي والخلق العربي الأصيل !
خرج امحيسن وهو يردد ابياتاً من الشعر الذي ردده عنتر وهو يغازل حبيبته عبله:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فمضيت اعتنق الرماح لأنها
خطرت كأسمر قد ك المتقوم
وودت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المبتسم
خرج امحيسن من السنما وهو بعالم آخر, وراح وزميله يتسكع في المنطقة المجاورة للسينما , ثم عرجا الى منطقة سيارات الأجرة, لتقلهم الى باب المعظم,.. وهكذا اخترقت بهما السيارة شوارع بغداد المضاءة, لتزيدها بهاءاً ورونقاً ملفتاً للنظر, .. وراح يقارن ذلك بالظلام الدامس في قريته بعد آذان العشاء , وراح يكلم نفسه ويقول:
كم نحن متأخرون ,..ومن المسؤل ؟...ثم نام تلك الليلة وهو اكثر تفائلا بالمستقبل.
******
في بداية العام الدراسي الجديد, يصل القرية في منتصف النهار, شاب وسيم من اهالي الكاظمية, عين معلماً في المدرسة الأبتدائية في القرية, اسمه "جميل ", لم تكن له سابق معرفة لا بالمنطقة ولا بهذه القرية النائية , فقد صدر تعيينه وفق النظام المتبع في وزارة المعارف آنذاك ,حيث لا بد للخريج من الألتزام بالأمرالوزاري الصادر له للعمل مدة سنتين في المناطق النائية, ولا يجوز النقل منها قبل اكمال المدة, الا بشروط معينة.
المعلم جميل سليل عائلة دينية معروفة في مدينة الكاظمية, قرب بغداد,.... وهو مؤمن برسالته الأجتماعية, وغير مكترث بالمتاعب التي قد يواجهها في هذا المحيط القروي الضيق, والعيش مع الفلاحين والتكيف مع عاداتهم الأجتماعية المختلفة كثيراً عن ما هو في بغداد او المدن الكبيرة, وترك الأمر للقدر وما يخبأه من امور مع ابناء القرية.
استقبل الفراش ( والد جميله), المعلم الجديد,.... وقاده الى ادارة المدرسة, ورحب به المدير, وامر الفراش بتقديم الشاي للضيف,....واستلم منه امر التعيين والوثائق الذاتية,ثم
سرد جميل سيرة حياته للمدير وقال:
" انني جميل مظلوم, العمر 20 سنة, خريج دار المعلمين الأبتدائية في الأعظمية, بدرجة جيد. وصدر امر تعييتي في مدرستكم , وانشاء الله اكون عند حسن ظنكم".
رحب المدير بالمعلم جميل, وطلب منه الجلوس بالقرب منه, وتمنى له التوفيق في عمله الجديد,... وعدم التعرض لأي ظلم انشاء الله !!
طلب المدير من الفراش مساعدة المعلم جميل, ومرافقته لغاية, ( الكوخ),.. في احد البساتين خلف المدرسة,.. والذي يعتبر داراً للضيافة !!
توجه المعلم جميل وهو في غاية التعب, بصحبة الفراش "والد جميله", حاملاً شنطة وعفش المعلم الضيف,.. الى ان وصلا الى الكوخ, ..وبعد ان استقر المقام بالمعلم جميل, شكر الفراش, وقدم له بعض المال , ولم يرضى الفراش استلام اي مبلغ.
وبعد آذان الظهر, بساعة, عاد الفراش ثانية بصحبة ابنته جميله وهي ترفع على رأسها (صينيه), فيها بعض الصحون من المأكولات القروية, كوجبة غداء للضيف الجديد, وما
ان وصل, حتى نادى على المعلم,.....فخرج المعلم وقد تفاجأ بالفراش مع صبية في غاية الجمال تحمل على رأسها صينية, وتقف على بعد من الكوخ , وبعد خروج المعلم, وتبادلهما التحية , يتناول الفراش الصينية من على رأس الصبية ويسلمها للمعلم !
تناول الأستاذ جميل الصينية وأمعن النظر بجمال الصبية الفطري, وصمت مبهوراً للحظات, ثم قدم الشكر للصبية فأنتابها الخجل ,.. ولم تتجاوب مع اعجابه بها,.... بالرغم من كونها صبية مكتنزة بالأنوثة المتفجرة , الا ان هيمنة زميلها امحيسن على مشاعرها العاطفية لم يترك المجال لدخول اي طارق جديد للقلب المتعلق بالحبيب الأوِلِ !!
كرر المعلم النظر لجسم جميله المتناسق, ولفت نظره صدرها الذي كاد ان يمزق ثوبها, وتذكر المرحوم نزار القباني وهو يقول:
نهداك ما خلقا للثم الثوب,.. لكن للفم
تـذ كر جميل العرف الأجتماعي وعادات القرية, وعاد الى وعيه, وقد قرأ في الروايات الأجنبية المترجمة, عن سعادة المرأة عند اطراء جمالها بأسلوب مهذب,..ويقابل بالشكر,
الا ان ذلك غير جائز هنا,..ومن المحتمل ان يقابل بالشتيمه او السلاح الأبيض, ..لذا آثر
جميل السكوت وعدم التمادي في امورقد تؤدي الى انهيار المعبد على من فيه,....وترك العنان لعيونه تخاطب هذه الشابة, وتثني على جمالها من دون ان يشك الفراش,..حيث ان
للعيون لغة خاصة, لا يتقنها الا الذين وهبهم الله مواهباً خاصة, او قل احاسيس كهربائية او الكترونية تنتقل بين قلبين بأقل من لحظة واحدة,..... وهاهي امامه شابة تطابق كل ما فيها مع فتاة احلامه,.... وتسائل مع نفسه عن سر هذا الجمال الذي ترعرع في مثل هذه البيئة التي لا تحتوي على ابسط قواعد الصحة العامة, الا ان كل شيئ فيها ينمو طبيعياً !.
تشعر جميله بتمادي المعلم بنظراته التي ضربت مشاعرها, فأعتراها الخجل, وتودع المعلم وتترك والدها مع المعلم وتتوجه نحو دارها.
وبعد تناول الغداء, يستفسر المعلم من الفراش عن طبيعة الحياة في القرية, و يسرد والد جميله حياته وكل امور القرية بأسهاب, وخاصة عن ابنته جميله,.. وعلاقتها بأبن الشيخ, واستحالة موافقة الشيخ على استمرار مثل هذه العلاقة.
انبهر المعلم مما سمع, وزاد من احترامه لهذا الأنسان الكريم و الأبي, وراح يشجعه على اكمال دراسة ابنته, وابدى استعداده لتقديم العون لأجتيازها امتحان الكالوريا.
يتبع في الحلقة / 5


بعيدا عن نزار قباني ههههه
جميل ( التتمة ......التتمة)

مساء النور

فدى المصري
28/01/2010, 06:58 PM
تسجيل متابعة لهذه القصة الواقعية الشيقة بأسلوبها


اين الحلقة الخامسة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

تحياتي