المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 《آخا》قصة مترجمة عن الصينية



يوسف محمد فرغلى
09/05/2010, 07:21 PM
"آخا"

تأليف / جو زى تشينج
ترجمة/ يوسف فرغلى
فى تلك السنة فى الأجازة الشتوية ،ولأننى كنت أريد أن أتعافى من المرض ،ذهبت الى فيلا لدى أقربائى التى تقع فى احدى القرى الريفية . عندما تدخل هذه القرية ستجد أمامك وعلى جهة اليسار بحيرة ذات مياه زرقاء داكنة ، وتحتضن الضفة المقابلة لها تلا شديد الخضرة ،وكانت صورة التل تظهر بصورة معكوسة فى الماء حيث ظهرت أكثر تألقا ووضوحا . كان سطح الماء نقيا مثل الزجاج فعندما تهب الرياح على سطح الماء تترك بعض الأثر القليل على صفحة الماء ،مثل الفتيات الصغيرات عندما يقطبن جبينهن ، وبعد مضى لحظة من الوقت يعود سطح الماء أملس مجددا .كانت موجات المد فى البحيرة قد كونت مرفئا صغيرا حيث انسابت المياه بهدوء وببطء أمام باب الفيلا . كان أمام باب الفيلا جسر حجرى صغير ، وفى الجانب المقابل من الجسر كانت الحقول الخضراء تمتد على مرمى البصر ،وعلى طول ذلك الجانب من شاطئ البحيرة وقفت أشجار الخوخ والصفصاف المتراصة ، وعندما يأتى الربيع تبدو هذة الغابة كضرب من الأحلام الوردية المفعمة بالحياة . كانت الفيلا من الخارج محاطة بأعواد البامبو القصيرة المتشابكة و خارج هذا السياج كان هناك ممر صغير ، أما من الداخل فكانت الفيلا عبارة عن مبنى مبنى بأتجاه الجنوب وفى الخلف كان هناك الجبل يبدو وكأنه منحنيا على المنزل ، وفى الجهة الغربية كانت هناك ثلاث غرف كنت أعيش فى احداها ، أما الحديقة فكانت مقسمة الى قطعتين من المروج الخضراء حيث تناثرت بعض الأحجار فى مقدمتها ، أما فى المساحات المفتوحة الأخرى فإما انتشر بها أحواض النباتات أو زرع بها بعض الأزهار . كان هناك أيضا بجانب سور الحديقة شجرة كبيرة بها بعض الأغصان الجافة المتعرجة حيث كان بعض من هذه الأغصان مائلا لدرجة أنه كان قريبا من ملامسة سطح ماء البحيرة .
تتكون عائلة قريبى وى جون منه هو وزوجته وابنة واحدة . كانت الأبنة تدرس خارج البلدة . كانت قد عادت لتوها الى المنزل داعية معها ثلاثة من أصدقائها - حيث عادت لتقضى الأجازة الشتوية – كان اثنين منهم من أقربائها وكانت الأخرى صديقة لها . كانوا جميعا يعيشون بغرفتين بالدور العلوى وكان وى جون وزوجته أيضا يعيشون فى الطابق العلوى ، أما قاعة الضيوف قكانت تقع فى منتصف الطابق الأرضى والتى عادة ماتكون خالية من الزوار ، أما الغرفة الغربية فكانت غرفة الطعام و الغرفة الشرقية كانت مكتبة وى جون حيث كنا نجلس عادة ونتحدث ونشرب الشاى ونقرأ الصحف ، بعد تناول الطعام عادة ما أكون بمفردى فأذهب الى المكتبة وأستريح قليلا .
فى اليوم التالى لوصولى قالت لى الأنسة وى أن والدتها تريد أن تبحث لهم عن خادمة جيدة ، وقال آجى الذى يعمل فى المزرعة أن لديه ابنة عم مستعدة للقيام بهذا بالعمل ، فطلبت منه والدتها أن يحضرها غدا لتراها وبدت الأنسة وى سعيدة جدا أما أنا فلم أكترث كثيرا .
كان هناك مطبخ صغير يقع بين الطابق العلوى والأرضى ، كنت أنزل فى غرفة بالجهة الشرقية من المنزل حيث كان بإمكانى أن أنظر من النافذة و أرى الداخل والخارج من والى المطبخ ، وفى هذا اليوم بعد أن تناولت الغذاء نظرت من النافذة بالمصادفة فرأيت تلك الخادمة الغريبة . كانت تحمل وعائين من الماء متجهة صوب المطبخ وكانت زوجة وى جون تمشى أمامها لتدلها على الطريق ولم أدر ما الذى كانت تقوله لها كان شعر رأسها مسترسلا غير مرتب مثل حشائش الشتاء الجافة . كانت ترتدى سترة مبطنة بالقطن ذات حواف سوداء، وسروال ذو طبقطين وكانت الحواف السوداء للسترة قد تخللها بعض الصفره وكانت السترة طويلة بحث وصلت الى ركبتيها وكان السروال طويلا أيضا حيث كان يتخبط فى كعبى قدميها . وكانت قدميها غير مربوطتين . وكانت ترتدى حذاء أسود ذو رأس مدبب وكان يتدلى خلف قدميها رباط من نفس اللون . اعتقدت انه ربما هذه هى الخادمة التى أحضرها أجى ، ثم جلست أقرأ كتابا . بعد الغذاء قالت لى الأنسة وى أن الخادمة قد وصلت وتدعى " آخا "
فقلت:" اسم جميل يبدو أنه شائع فقط فى هذه الأنحاء القروية . هل تستطيع القيام بالعمل ؟"-
قالت :" لا تنظر الى الأسم فهى شديدة الذكاء. "-
- قلت :" أوه" . وأكملت قراءة الجريدة التى كانت فى يدى . بعد ذلك كنت أرى آخا كل يوم تحمل وعاء الماء جيئة وذهابا طوال اليوم ، وبدت عيناها كأنها تنظر الى الأمام مباشرة ، ومر يومان بسرعة البرق .
قالت لى الأنسة وى فجأة ، لا تنظر الى ذلك الجانب الريفى البسيط من آخا فإن لها طموح عال ونفس أبية فيالها من فتاة مسكينة . فقد تناقشنا أنا وأمى حول امكانية أن أعطيها بعض السراويل والسترات القطنية التى كنت أرتديها فى البيت فى العام الماضى فأنا أكره تلك الملابس الزاهية الألوان ومن الأفضل أن أعطيهم اليها . لم توافق والدتى فى بادئ الأمر متحججة بأن آخا لم تمض معنا سوى بضعة أيام ولكنها اقتنعت ووافقت فى النهاية . أخذت اليوم كل من السروال والسترة القطنية وجعلتها ترتديهم فناسبتها الملابس تماما ، وعلمناها أيضا كيف تصنع الأحذية القماشية وكانت ذكية جدا فقد أتقنت العمل بمجرد أن تعلمته ، وقالت لى انها بعد أن تتلقى أجرا عن عملها هنا ستذهب لشراء ملابس جديدة . وسأنتظر بضعة أيام قبل أن أناقش هذا الأمرمع والدتى .
- قلت معقبا :" يالها من فتاة متحمسة ، فلا عجب أن شعر راسها أشعث وغير مرتب والسبب هو تعليمكم اياها مثل هذه الأشياء ،حسنا تابعوا تعليمها حتى ستخشى فى النهاية من أن تعود الى قريتها الريفية الصغيرة " ضحك الجميع بعد هذه الجملة .
مر الوقت سريعا وانتهت الأجازة الشتوية ولكن بسبب بعض الأمور العسكرية فى مقاطعة جاجيانج أجلت الدراسة لفترة من الوقت ،ومن ثم فقد أصبح من دواعى سرورى أن أعيش بضعة أيام أخرى فى تلك الفيلا ، فى ذلك الوقت كانت آخا قد تغيرت تغيرا جذريا . فقد كانت ترتدى سترة وسروالا قطنيين ذات لون أزرق ضارب الى الخضرة منقوشين بالورود ، وترتدى حذاءا ذو لون أزرق فاتح ، حيث كانت مقدمته مزينة بكرتين من الزغب نصفهما أبيض ونصفهما أزرق واعتقدت أنه ربما ساعدتها الأنسة وى وصديقاتها فى تزيين الحذاء على هذا النحو ، وكما تقول الحكمة " الناس دائما ماتحب ارتداء الملابس والخيل عادة ماتسرج " وكان ارتداء آخا لهذه الملابس ينم عن بعض الفقر والمسكنة فقد استرسل شعرها وكان غير مرتب ، كان شعر مقدم رأسها مقصوصا وممشطا بطريقة مناسبة . كانت ذات وجه صغير مدور مثل أزهار شجرة الخوخ فى بداية تفتحها وجهها لايعلوه اية ابتسامة ولكنه يشع بإشراقة يوم ربيعى غامضة . كان هذا فى تقديرى أشبه بالمعجزة فأنا الأن أنظر اليها كل يوم وأراقبها ، وأحسست وأنا أراقبها انه خرجت من بطن ذلك الجبل عينان كعينى القطة ، تلك العينين النقيتين هما أغرب شيئ وقعت عليه عينى فى حياتى كلها . أعتقد اننا أمضينا معا فى تلك الفيلا مدة طويلة حتى ألف بعضنا بعضا وأصبحت لدى رغبة شديدة فى التحدث معها ولو حتى جملة واحدة فى اى كلام عابر ، جملة واحدة فقط كانت تكفى ولكن كيف عساى أن أجد الفرصة المناسبة للتحدث معها ؟ وظللت هكذا عابسا طوال اليوم.
وعندما كانت الليله السابقة لعيد البدر الأول تناولت الطعام وجلست داخل غرفتى قليلا وشعرت ببعض الملل ومن ثم تمشيت حتى حجرة المكتب وتناولت الجريدة وشرعت فى قراءتها مرة أخرى قراءة متأنية وفجأة سمعت صوت مقبض الباب وهو يفتح ودلفت آخا الى الحجرة . كانت تمسك بيدها ثلاث أو أربع أقلام رصاص ملونة ، وبطريقة غير متوقعة اقتربت منى ووقفت أمامى مباشرة ، ضحكت بهدوء قائلة
- " ياسيد باى ، هل تعرف أين هى البرايه ؟" قالت ذلك وهى ترينى أقلام الرصاص وقفت تلقائيا وأجبت بسرعة - " هناك " أشرت بإصبعى الى عمود فى الجهة الجنوبية ولكننى أدركت بسرعة أن هذا وحده لا يكفى ، فأرشدتها بنفسى الى ذلك العمود . فى تلك اللحظة عندما ناولتى احدى الأقلام بصمت كنت كمن أصابته صاعقة من السماء ، فقلت مترددا " أنا .....أنا ....." . تناولت القلم ووضعته داخل البراية وأخذت أبرى . فكرت فى أن أعطيه اليها لتكمل المهمة ولكننى فى النهاية كنت قد انتهيت من برى هذا القلم وأعطيته لها ، تناولت القلم ولكنها لم تنظر اليه وظلت محدقة بى ،فأصبت بالإرتباك . فى تلك اللحظة تدافعت الأفكار فى عقلى ولم أدر ماذا أقول وتاهت منى الكلمات . فى النهاية قطبت جبينى وقلت مغمغما
- " لقد انتهيت من برى هذا القلم " وأسرعت بالخروج من الغرفه بخطوات سريعة وعدت الى مكانى السابق أتابع قراءة الجريدة . ولكن وعندما أخفضت رأسى أنظر فى الجريدة كانت عينى ماتزال مرفوعة تنظر اليها ومن ثم بادرتها سائلا بهدوء " هل تسطيعين برى الأقلام الأخرى . لم تلتفت برأسها الى الوراء فقط خرجت منها آهة مكتومة ولم تتفوه باية كلمة ، نظرت الى منظرها من الخلف قليلا وأخفضت رأسى مواصلا قراءة الجريدة ،وعندما رفعت رأسى أنظر للمرة الثانية كانت تهم بمغادرت الغرفه فى صمت وبدت عيناها كأنها تنظر للأمام مباشرة . أردت أن أسئلها سؤلا أخر ولكننى فى النهاية لم أقل شيئا . نحيت الجريدة جانبا وهببت واقفا وسرت بضع خطوات حتى وصلت الى غرفتى الخاصة . عادة ماكنت أفكر فيما حدث ذلك اليوم ولكننى لا أجد تفسيرا لما حدث .
فى صباح اليوم التالى عندما رأيتها تسير متجة الى المطبخ ، اقسم أن عيناى لم تفرقها لحظة واحدة ! فما أجمل ظلها ، سارت الى المطبخ فى خطوات رشيقة متناسقة متوازنة خفيفة مثل هرة صغيرة جميلة . كانت تحمل وعائين من الماء واحد فى كل يد ، بل وذكرتنى بتلك الفتاة فى السيرك التى تمشى على ذلك الحبل الرفيع مفعمة بالحيوية والنشاط . كل هذا يرجع الى خصرها ، لقد كان خصرها مرن جدا أو بكلمات أخرى ، فخصرها مرن لدرجة أن رؤيته يجعلنى سعيدا مثل تناول حلوى حلوى سوجو الدبقة ، ولم يقتصر الأمر على خصرها فقط . وصفتها مذكراتى التى كتبتها جيدا ، تقول مذكراتى "....تموجات وجنتيها أجمل من سُحب الشفق الوردية ، بل وأكثر سحرا وجمالا من انعكاس صورة القمر على صفحة الماء ، مكونة هالة كبيرة من الجمال الأخاذ بل ان هاتين الوجنتين بحق يخلبا الألباب . "
كانت ذات وجنتين بيضاويتين تعلوهما بعض الحمرة مخضليين نديين مثل حجر اليشم ، حتى يكادا من فرط نعومتهما أن ينضحا الماء اذا قرصتهما . تقول مذكراتى " حتى اننى أوشكت أن اذهب وأقرصهما !"
لديها عينان كعينى طائر السنونو ، تنظر اليهما فكأنك تغوص فى مياه الأنهار الربيعية الدافئة . أما ابتسامتها فهى أكثر شيئ أتذكره فهى أشبه بزهرة جميلة تطوف بعقلى ألم اقل من قبل أن وجهها مثل أزهار شجرة الخوخ فى بداية تفتحها ، ولكن عندما يعلو وجهها ابتسامة يكون وجهها مثل أشجار شجرة الخوخ فى أوج تفتحها وازدهارها ، وبدا وجهها كدفيئة مليئة بالأزهار حتى ليكاد العسل يقطر منها ، لم يكن شعرها غزيرا ولكنه كان شديد السواد وبه بعض اللمعان ناعم أملس مثل الحرير النقى ، فقط من المؤسف انه لم يتسن لى أن أتنسم بعض من عطرها الذى تضعه .
آه ، لقد وقفت عدة مرات أمام النافذة أنظر اليها جُل ماحصلت عليه قليل جدا ، لكن هذا كله لايقارن بمقابلة ليلة الأمس ، على الرغم انها كانت بضع دقائق فقط، اننى حقا أرثى لحالى هذه .
بعد الغذاء ذهب وى جون كعادته ليأخذ قيلولة الظهيرة ولم يكن فى غرفة المكتب سواى أنا والأنسة وى وثلاثة من أصدقائها .فمهدت للحديث عن آخا برغبة خفية فقلت
- " كيف عرفتم ان لديها عزة نفس وطموح عاليين ؟"
أجابت الأنسة تساى " ذلك اليوم عندما علمناها كيف تصنع الأحذية القماشية ، وعندما رأيتها بهذا الذكاء والمهارة سألتها لماذا لم تذهب الى المدرسة ؟ فاعتلى وجهها بعد سؤالى هذا نظرة حزن عميق ....."
- أجابت الأنسة وى ضاحكة " نعم ، ثم بكت بعد ذلك ، ليس ذلك فحسب بل أذرفت فتاة حمقاء الدموع تعاطفا معها . "
اغتاظت الأنسة هوانج الجالسة فى الجانب المقابل فقامت ودفعتها الى الوراء ، فأسرعت الآنسة تساى بالوقوف بينهما قائلة
-" السيد يقول كلاما جادا توقفوا عن هذه الألاعيب ودعونى أكمل كلامى "
- " سأكمل عنك " قاطعتها الآنسة وى قائلة :" لقد قالت أن والدها مازال على قيد الحياة ولكن والدتها توفيت ، وتزوجت رجلا يبلغ تقريبا الثلاثين من العمر ،ذو عقل ريفى ووجه ممتلئ بالبثور ! وهو جار السيدة لى لقد رأيته سابقا ..."
- " حسنا سأكمل من هنا " تابعت الأنسة تساى قائلة :" ان زوجها هذا لا يعاملها جيدا فهو يهوى المقامرة ، فغضبت منه مرة من المرات وذهبت لتعيش فى بيت والدها ولم تعد منذ قرابة السنة أو أكثر .
سألت قائلا :" كم تبلغ من العمر الأن ؟"
أجابت الأنسة تساى: " سبعة عشر أو ربما ثمانية عشر عاما ، لقد تزوجت السنة الماضية وستعود بعد بضعة أشهر الى منزلها "
- " لا ، ثمانية عشر عاما . أنا أعرف ذلك " قالت الأنسة وى مصححة .
- " أوه ، ولم لم تنصحوها بالطلاق اذن ؟"
- " وكيف لم ننصحها بذلك " أجابت الأنسة وى " لقد قالت انها ستذهب فى اليوم الثامن عشر من هذا الشهر لحضور زفاف ابن عمها وسوف تناقش مع والدها هذا الموضوع "
قلت ضاحكا :" كل هذا بسبب تعليمكم اياها مثل هذه الأشياء الجيدة انكم بالتأكيد تستحقون العقوبة " وضحكوا هم أيضا بعد هذه الجملة .
وفى صباح اليوم التاسع عشر كنت بداخل غرفتى أقرأ كتابا ، ثم سمعت لغطا وجلبة بالخارج على غير العادة ، فأسرعت بالخروج من الغرفة لمعرفة ما يحدث . رأيت اثنين من القرويين يقفان خارج البوابة ويريدان الدخول ولكن آجى كان يسد عليهما الطريق ، وأخذا يتوسلان اليه ولكنه لم يوافق على ادخالهما ، فى هذه اللحظة خرج وى جون ومشى الى منتصف الحديقة وقال لهما
- " عودا من حيث جئتما ولا تقلقا فهى عندى الأن ، أسرعا بالعودة ولا تتسببا فى كل هذه الضجة "
أخذ الرجلان يحدقان فى بعضهما البعض ولم يتفوها بأية كلمة ولم يجدا بد من أن يعودا أدراجهما . سألت وى جون عن الأمر فقال
- " آخا هذه ! لقد تسببت بإزعاجنا "
اعتقدت انه كعادته لا يحب التطرق الى الأحاديث التى تخص النساء أو الرجال ، وأخذ يطمئن على ابنته ومن ثم نطرقنا للحديث عن أمور أخرى .
بعد أن تناولنا الطعام أسرعت بسؤال الأنسة وى عما حدث ، فقالت
- " لقد أَخبرت أمى كل شيئ ، اذهب واسئلها "
اعتقدت أن هذا الأمر محرج قليلا ،ولكننى ذهبت الى الغرفة الشرقية لأسأل زوجة وى جون . كانت تراقب السيدة لى وهى ترص الأطباق وعندما رأتنى بادرتنى سائلة وهى تضحك
- " ما الذى ستستفيده من سؤالك عن هذه الأشياء ؟ لقد عادت بالأمس الى بيت زوجها بل واستعارت ملابس آجوى لترتديها ، لقد بدت جميلة جدا فى تلك الملابس . ولا عجب فى أن يراها زوجها وبعض أصدقائه على هذه الحال ، فأجبرها أن تأتى معه وقضت معه ليلة كاملة ، وفى صباح هذا اليوم خدعت زوجها قائلة انها ستأتى الى هنا لتأخذ بعض متعلقاتها فصدقها زوجها وأرسل رجلين معها ، وما ان وصلت الى بوابة الفيلا حتى استنجدت بآجى لكى يمنع هذين الرجلين من الدخول وجاءت الى وركعت أمامى وبكت متضرعة وقالت بشكل قاطع انها لا تريد العودة الى بيت زوجها . فقل لى أنت ما الذى يتوجب على فعله ؟ لذلك فقد كان على أولا أن أدع هذين الرجلين الذين جاءا برفقتها يعودا أدراجهما ثم سنرى بعد ذلك . لحسن الحظ فما هى الا أيام قليلة وتبدأ الدراسة ،عندئذ سأعيدها الى والدها ، آه ما أغرب الناس هذه الأيام كلما مر عليهم الزمن ازدادوا خبثا ودهاءا ، فمن كان يتصور أن فتاة ريفية بسيطة ستثير كل هذه الضجة ؟! "
قاطعتها السيدة لى قائلة " ولكنه ليس كذلك ، ياسيدتى أنت لا تعرفين ماوراء هذا الأمر لقد جاء أقرباء لى أمس الأول لقدقالو لى هذا ، اننى أعرف أنه لا ينبغى على أن أقول هذا الكلام ياإلهى سامحنى ، ياسيدتى لماذا تعتقدين انها لا تريد العودة الى بيت زوجها وتريد العيش فى بيت أمها هل يبدوا هذا منطقيا ؟ مع العلم أنه لايوجد فى بيت أمها سوى أبيها العجوز ، تخيلى زوجها البوهيمى هذا ! يقسو عليها ويقيد حريتها "
-" ياإلهى ، أحقا ما تقولين ؟" أجابت زوجة وى جون فى دهشة واضحة .
- " لقد أكدوا لى هذا ، لقد كنت أريد أن أخبرك منذ فترة بهذا الأمر ولكننى كنت أشك فى أن ماقالوه صحيحا ولكن بعد أن رأيت شكلها اليوم تأكدت تماما من صحة ما أخبرونى به . ياسيدتى لك أن تتخيلى الى أى مدى تغير عالمنا الذى نعيش فيه !"
قلت مقاطعا :" لايجدر بالأمر أن يصل الى هذا النحو "
- " وكيف لك أن تعرف ذلك " تنهدت زوجة وى جون قائلة " لحن الحظ فما هى إلا بضعة أيام وسأحثها على العودة بسرعة الى والدها ، وأيضا كيلا تجلب النحس إلينا ، ومن الأن وصاعدا لن نناقش امرها "
جاء إخطار يفيد ببدء الدراسة وقررت أن أغادر فى اليوم الثامن والعشرين من هذا الشهر ، وفجأة فى مساء اليوم السادس والعشرين لم تعد آخا تأتى الى المطبخ لتملأ الماء . جاءت الأنسة وى الى مسرعة وقالت بصوت منخفض " لقد كلفت أمى آجى بتوصيل آخا الى بيتها ،لقد كنت حينها فى الطابق العلوى ولم أدر بهذا كله . أومئت ايماءة قصيرة ولم أقل شيئا ، لقد كنت كمثل الذى يأكل كل يوم ثلاث وجبات ثم فجأة منعت عنه الطعام ، ولم أشارك شعورى هذا مع أى شخص . أعتقدت أن أمامها طريق مظلمة ولا يوجد أى شيئ يدل على أن ذهابها هذه المرة سيعود عليها بالفائدة ! فى تلك الليلة لم أنم جيدا ، وأخذت أحلم أحلاما متواصلة ، وعندما استيقظت كنت كمن أصابه الدوار ، وظللت هكذا مصابا بالدوار حتى أشرق صباح اليوم الثامن والعشرين . توجهت ببطء الى كل من وى جون وزوجته لأودعهم ، وشددوا على لكى أأتى لزيارتهم فى الربيع القادم ، لم أكترث كثيرا ، وعندما خطوت خارج باب الفيلا شعرت برغبة فى العودة وإلقاء نظرة على ذلك المطبخ ولكن كان هناك العديد من الناس يودعونى عند الباب فكيف لى أن ألتفت الى الوراء ؟
عندما وصلت الى المدرسة رحت أستفسر عن أحوالها ،وعلمت أن صديقى القديم لو قد وصل قبلى . لم أكترث بتوضيب الأمتعة ورحت أبحث عنه ، ورحت أقص عليه قصة آخا بالتفصيل من البداية الى النهاية . لقد كان رجلا ذا أخلاق حميدة ، وعندما أحكى له كان تارة يقطب جبينه وتارة أخرى يتنهد وتارة أخرى يشد على قبضتيه ، وعندما سمع انها تبلغ فقط ثمانية عشر عاما هب واقفا وقال :
- " للأسف فأنا متزوج منذ فترة مدة طويلة وإلا لكنت قد ذهبت وفكرت فى طريقة للزواج منها "
- " من الجيد أن تتزوجها ، فنحن الأن لا نعرف من سيظفر بها فى النهاية "
نظرنا الى بعضنا البعض فى صمت قليلا ، ثم فجأة ضرب لو بيده على المنضدة قائلا :
- " لقد وجدته ، ألم يفشل صديقنا وانج السنة الماضية فى تجربته العاطفية ، وهو الأن ليس لديه مكان ليعيش فيه فلم لا نكون حلقة الوصل بينهما ؟ "
وعندما كنت على وشك الرد عليه ، كان قد خرج ،و عاد بعد قليل ومعه وانج . دخل من الباب وصاح قائلا :
- " لقد تحدثت معه ولكنه لا يصدقنى ويريد أن يسالك أنت "
- فقلت :" ماقاله صحيح ، أما هى فلا بأس بها ولكن الأمر فقط يتعلق بزوجها ، فكيف لنا أن نذهب ونتم هذا الأمر "
- صاح لو قائلا :" فالنفكر فى خطة ما "
- " أى خطة ؟ "
- قال وانغ ضاحكا :" حسنا كفا عن المزاح وإلا تجاهلتكما وخرجت من هنا حالا "
لقد كنا نتناول موضوع آخا بالنقاش كل يوم تقريبا ، ولكن أى منا لم يتطرق الى " التفكير فى خطة".
جاءت عطلة الربيع فى غمضة عين ، وعندما عدت ثانية الى فيلا عائلة وى جون ، كانت مياه البحيرة ماتزال صافية وكل من أشجار التين والصفصاف على جانبيها فى منظر يخلب الألبلب ، ولكننى كنت فقط أتذكر آخا ولم أعرف كيف هى الأن ، فى ذلك الوقت كانت الأنسة وى قد عادت من المدرسة منذ يومين ، سألتها خلسة فقالت :" ياللغرابة ! لقد قال لى آجى أنها فى منتصف شهر فبراير جاءت الى أمى مستجدية قائلة أن زوجها قد تخلى عنها ولم يعد يريدها أن تعود الى منزله مرة أخرى ، ولكنه لن يدعها تذهب هكذا بلا مقابل ، فطلب من والدها أن يعطيه ثمانون يوانا وشدد عليه فى ذلك وأخبره أنه يريد أن يتزوج بإمرأة أخرى ، ولكن آخا قالت من أين لوالدها بكل هذا المال ؟ وراحت تستعطف أمى ، يالها من مسكينة آخا ! وأنت تعرف طباع والدتى فهى ذلك النوع من النساء المحافظات ، فقامت بتوبيخ آخا وتعنيفها ولم تعطها أية نقود . لقد قلت لآجى أنه عندما ينزل المدينة أن يسلمها خطابا منى ، لقد فكرت أنه بإمكانى مساعدتها بخمسة يوانات وأعتقد أنك ايضا تستطيع مساعدتها قليلا ، لقد أخبرت آجى أن يقول لها هذا عندما يصل اليها ، ولكن من المؤسف حقا أنها ربما لن تعود للعمل هنا ثانية ! "
- " سأساعدها بعشرة يوانات ، قولى ذلك لآجى "
وعندما رأيت آجى يأخذ استراحته رحت أسأله عن آخا ، فقال :
- " مازال والدها يبحث هنا وهناك عن مسكن لها ولكنه يخشى أن يكون الأمر مستحيلا ، فثمانون يوانا كالمحيط الواسع "
نهضت واقفا على الفور ولم أشعر برغبة فى أن استكمل سؤاله عن آخا .
بعد مرور يومين عاد آجى من المدينة وأخبرنا قائلا :
- " لقد رأيت آخا اليوم ، يالها من فتاة لقد كانت ترتدى على أحسن مايكون بل وكانت ترتدى تنورة ، وتزوجت أحد ملاك الأراضى ! يقال انها هى التى اختارته فى بداية هذا العام ! "
وعلى الفور أدركت أن كل شيئ إنتهى الى ذلك الحد ! أخذت فقط أحدق بعينين زائغتين فى وجه آجى ، ويبدو أننى كنت أبحث فى وجهه على أثار من ظل آخا ، هاه ، ما الذى يتوجب على قوله بعد ذلك ؟
أتمنى من إله القدر أن يحميها الى الأبد !
فى اليوم التالى تحججت مغادرا تلك الفيلا ، ولم أتمنى أن أرى تلك البحيرة ثانية ولا ذلك الجبل ، بل وأكثر ماكنت أتمناه هو ألا أرى ذلك المطبخ الصغير ثانية .
-------------------------------------
هوامش:
# كاتب المقال هو الكاتب جو زى تشينج ، سنة (1926)
# " كانت قدميها غير مربوطتين " كانت النساء فى الصين القديمة عادة مايربطن أقدامهن منذ الصغر بقماش من نوع معين حتى تصبح القدم صغيرة ، وحتى وقت كتابة هذا المقال كان مازال هناك بعض النساء فى الريف يربطن أقدامهن . (المترجم )
# " عيد البدر الأول " عيد تقليدى صينى يكون فى اليوم الخامس عشر من الشهر القمرى الأول ، حيث يصادف أول بدر فى السنه .
# " ستثير كل هذه الضجة " حرفيا " ستثير هذا الأمر المزلزل "
# آجوى هى نفسها الأنسة وى ابنة وى جون
# السيدة لى هى احدى المربيات - الخادمات - بالمنزل وأكبرهم عمرا