فتحي الحمود
11/05/2010, 04:38 AM
أسلوب إسقاط الخلافة الإسلامية :
(1 - 3 )
إعداد العميد المتقاعد فتحي الحمود - الأردن
مقدمة مهمة للغاية :
جميع المعلومات الواردة في هذه المقالة منقولة من كتب ومواقع الكترونية تاريخية ( وجدتها بطريق الصدفة خلال التحضير لمقالتي الطويلة التي كانت تتناول الصراع العربي - الصهيوني مابين الأعوام (1798- 2010 ) , لا يتحمل الكاتب مسؤوليتها لما تحمله بين طياتها من معلومات وتحليلات بالغة التعقيد والأهمية, والخطورة ...وأتمنى على كل من يملك حقيقة التصويب أن يتلطف علي بتصويبه موثقا فالأمانة العلمية تقتضي ذكر المصادر ...إلا أنني لم أستطع عمل ذلك لكثرتها وتشابكها ...!!!
*****************
*****************
في أوراقي المبعثرة هنا وهناك رموز عربية وإسلامية -أكن لها إحتراما شديدا -...إلا أن الأمانة التاريخية تقتضي ذكرها كما هي لغايات التوثيق ولا هدف لي غير ذلك . ولقد ذكرت في مناسبات سابقة أنني من أشد المطالبين بإعادة كتابة التاريخ كما هو بدون تحريف ...والحكم عليها للتاريخ نفسه الذي لا يجامل ولا يرحم ولا ينسى ...!!!!
فلا يعقل أن أقوم بإرتكاب تزوير جديد للتاريخ مجاملة لأحد ... ومن يعتقد أنه مظلوم فيما سأسرد من وقائع مرحب بتوضيحه الموثق ... وسأعتذر منه في نفس المكان ...!!!
مشكلتنا أن تاريخنا كتبه " مستشرقون " كما حلا لهم وكما وجودوه يصب في صالح دولهم الإستعمارية ...
وهذا لا يعيبهم ...ولكنه يعيبنا نحن أصحاب التاريخ إذا ما بقينا صامتين ... لا نبحث عن الحقيقة الموجودة في الكتب وعلى المواقع الإلكترونية وهي بالآلاف .
**************************
**************************
لا ريب أن الأسلوب الذي أتخذ في إسقاط السلطان عبد الحميد(1), هو أسلوب لم يعرفه النظام الإسلامي في تاريخه كله وهو من صنع المؤامرة الصهيونية التلمودية التي استطاعت أن تحمى وتحرك هذا الخداع عن طريق قوة عسكرية تتحرك هاتفة بإسم السلطان خدعة ثم تكون في نفس الوقت متآمرة عليه لخدمة هدف غامض على كل الذين قاموا به، ولا يعرفه إلا القليل وهو إعادة اليهود إلى فلسطين.
كذلك فإن ما قام به أتاتورك لم يكن نصراً عسكرياً أو سياسياً وإنما كان هناك إشارة بقبول التوجيه الغربي... وتوقيع ملحق معاهدة" لوزان"(2), وهو الذى فتح الطريق إلى كل شئ، وبه حلت جميع المشاكل، وانسحبت كل الجيوش، وتحقق ما يسمى النصر والاستقلال. وكتبت على أثر ذلك آلاف الكتب في تمجيد البطل الذى لم يكن إلا عميلا من عملاء الخيانة لحسابه الصهيونية العالمية، والنفوذ الغربي، والشيوعية أيضا فإن الشيوعيين هم أول من عاونه لقاء موقفه من عداء الإسلام.
*****************************************
*****************************************
الأمير عبدالقادر الجزائري في بلاد الشام:
قبل عام 1860 كان المتصرف العثماني يقيم في جبل لبنان بينما يشرف على جميع لبنان وسورية، وإثر ما عرف في التاريخ اللبناني بفتنة الجبل تدخل الأمير عبدالقادر للتوسط لدى الدولة العثمانية لصالح ثورة يوسف بك كرم الماروني في (1859 ـ 1860 م) التي ثارت على داود باشا أول متصرف عثماني على الجبل اللبناني، وطالبت بالحكم المحلي لموارنة الجبل، ثم دعت إلى التدخل الفرنسي بصوت مطرانها "طوبيا عون" .
وحين أفرزت تلك الفتنة غضباً عارماً في دمشق والشام على المسيحيين الذين راسلوا وجلبوا المستعمر الأجنبي الفرنسي إلى ديار المسلمين، قام الأمير عبد القادر باعتراف العديد من قادة تلك الفترة بحماية وإنقاذ حوالي 12000 مسيحي ويهودي احتموا بالأمير من غضب جماعات ثائرة، وقد حمل مع أتباعه السلاح من أجل ذلك.
وهو ما دفع العديد من ملوك وقادة تلك الفترة ورجالات الدين إلى منح الأمير أوسمة شرف عرفانا لإنقاذ أرواح عدد من رعاياهم بمن فيهم قناصلة روسيا وفرنسا واليونان وأمريكا وقد انتهت تلك الفتنة بالتدخل الاجنبي الفرنسي، وبعد تلك الخدمة الجليلة للتاج الفرنسي تهاطلت على الأمير الأوسمة والنياشين من عدد كبير من رؤساء الدول الأوربية، وعلى الخصوص من نابليون الثالث الذي وشحه وسام الشرف الفرنسي الأول، ونتيجة لذلك أخذت تنتشر في أوربا التآليف التي مجدت الجانب الإنساني للأمير وتسامحه.
وهناك نص ماسوني موثق كتبه الدكتور" انطوان عاصي " رئيس معهد الطقوس في المحفل الاكبر اللبناني الموحد راداًّ فيه على بديعة الحسني حفيدة الأمير الجزائري والتي أنكرت ماسونية الأمير لإثبات ماسونية الجزائري ناقلاً فيه عن مصادر معروفة وموجودة.
يقول الدكتور عاصي: "في الأحداث الدامية التي وقعت في دمشق في تموز من العام 1860م بين المحمديين والمسيحيين, كلف عبد القادر بمهمات إنقاذية، ووضع تحت حمايته آلاف المسيحيين الذين لقوا الحماية تحت لوائه.
هذه البادرة قدرها نابليون الثالث وقلد الامير وسام الشرف الفرنسي وارسلت من بعدها المحافل الماسونية كتابات شكر وتقدير له أهمها محفل هنري الرابع الذي أخذ المبادرة.
وفي 16 تشرين الأول 1860م اعترفت الماسونية في عدة رسائل له بناحيته الانسانية والأخلاقية واقترحت عليه في هذه الرسائل أن يكون عضوا في الماسونية دون أن يكون عضوا مكرسا بعد, إذ أن النظام الماسوني يسمح بتكريس هكذا رجال عظماء دون أن يكونوا مكرسين، وأرسلت له ما يسمى بالجوهرة أو الرمز المعدني عرفانا منها إليه ولم يكن وقتها في الجزائر الدولة المسلمة أكثر من ثلاثين مكرسا ماسونيا.
وفي العام 1861م رد الأمير عبد القادر الحسني الجزائري على محفل هنري الرابع الباريسي بقوله: "لم ألمس في المبادئ الماسونية ما يتعارض وشريعة القرآن الكريم والسنة والفقه الإسلامي" عندها طلب منه محفل هنري الرابع الإجابة على ثلاث أسئلة وهي أسئلة تقليدية للانتساب إلى الماسونية:
- ماهي واجبات الإنسان تجاه الله؟
- ماهي واجباته تجاه الإنسانية؟
- كيف ينظر إلى خلود النفس والمساواة والإخاء والحرية؟
*************************************
*************************************
كان جواب الأمير بمثابة أطروحة فلسفية تفوق هذه الأسئلة بتعاليم صوفية وفلسفة إسلامية أدهشت السائلين .
كان وصول المارشال الفرنسي كأستاذ أعظم لهذا المحفل وخلافاته مع الأمير قد أخرت تكريسه هنا كان لابد من حضوره شخصيا ففي 18 حزيران 1864م وباسم محفل الأهرام في الاسكندرية والذي كان عاملا تحت لواء الشرق الأكبر الفرنسي والممثل في محفل هنري الرابع تكرس الأمير عبد القادر الجزائري وأعطي امتيازا قل نظيره في ذلك الوقت أنه منحت له في جلسة واحدة الدرجات الأولى الثلاث.
وصدر عن محفل هنري الرابع في باريس جلسة عمومية أعطي بموجبها إذنا للأمير أن ينشئ محافل ماسونية ذات الطابع العربي في جميع الأقطار العربية.
عام 1865م وخلال وجوده في فرنسا عقد الأمير اجتماعات مع الماسونية الفرنسية في مدينة Amboise واعترف أمام أساتذة الماسونية في هذا المذهب أنه: "هناك بعض المصاعب التي ستواجهها الحركية في الشرق العربي نظرا للانتماءات الذهبية رغم أن مباءها هي من أجل المبادئ السامية والأخلاقية".
وبعد عودته إلى سوريا أصبح عضوا فخريا في محفل سوريا الذي كان ينتمى إلى الشرق الدمشقي ونظرا للمفهوم العلماني الماسوني المؤمن ولمفهوم الماسونية كحركة رمزية ولدت في الغرب المسيحي وتواجدها في الشرق الإسلامي.
حجب الأمير عبد القادر بعضا من نشاطاته الماسونيه وبقي في الظل. بهذا المفهوم تصرف الأمير بمعنى أن الماسونية ليست نسخة عن هذا العالم. لقد فهم الأمير أنه لا يجوز كشف أسرار النظام الكوني أمام أهل العماء.
********************************
********************************
رئيس معهد الطقوس في المحفل الاكبر اللبناني الموحد الدكتور أنطوان عاصي , وفي هذا النص التفصيلي الاستثنائي يفسر لنا كثيرا من الأسرار التي أحاطت بشخصية الأمير عبدالقادر في تلك المرحلة:
"بعد أحداث سنة 1860م في جبل لبنان صارت دمشق عاصمة ولاية سورية في الدولة العثمانية، وخلال حقبة تسلط جمعية الاتحاد والترقي على الدولة العثمانية كانت الجمعية تعين الولاة والمتصرفين من الماسونيين أنفسهم، فعُين مخلص باشا الماسوني والياً على دمشق، والذي بدأ بنشر الماسونية بسرعة وجرأة عاليتين.
وكان الأمير عبدالقادر قد إنتقل الى الشام قبل ذلك بأربع سنين، فقرَّبه " مخلص باشا" من أجل علاقته بالقنصلية الفرنسية، واطلاعه على المحافل الماسونية الفرنسية.
ومع أن الأمير لم يكن في ذلك الوقت عضوا في المحافل الماسونية، إلاَّ أن مخلص باشا ألقى إليه مقاليد نشر المبادئ الماسونية في الشام، وقد أشار إلى ذلك مؤرخ الماسونية (شاهين مكاريوس في كتابه المقتطف).
يقول شاهين مكاريوس الماسوني في كتابه فضائل الماسونية: "إن الأمير عبد القادر الجزائري سمع كثيراً عن الجمعية الماسونية ومالها من صحيح المبادئ، فتاقت نفسه إلى الإنضمام إليها واغتنم فرصة مروره بالإسكندرية أثناء عودته من الحجاز سنة 1864م فانتظم في سلكها في 18 حزيران بمحفل الأهرام التابع للشرق السامي الفرنساوي، ووافت مشاربه من كل الوجوه، فأحبها وأحب أهلها، ومال إليها وإليهم كثيراً، وكان لا يخفي نفسه، وطالما جاهر بأنه من أعضائها".
وفي عهد" راشد باشا" الماسوني أيضا الذي عُيِّن والياً سنة 1865م دخلت الأفكار الماسونية حيز التنفيذ، فتعاون مع الأمير عبدالقادر بعد رجوعه من مصر بهذا الخصوص فأسَّسا محفل سوريا أو الجمعية الماسونية، وكانت هذه الجمعية تتستر تحت اسم "لجنة الإصلاح".
يقول" جرجي زيدان" الماسوني في كتابه "تاريخ الماسونية العام" ص 200: "إن الماسونية دخلت دمشق بمساعي الأمير عبد القادر الجزائري، وإن أول محفل تأسس فيها هو محفل "سوريا" بشرق دمشق، فثبت بمساعي الأخوة وتنشيطهم" وكان الإعلام قد صنع هالةً على اسم الأمير عبدالقادر فانخدع أكثر الناس بالماسونية، بل وأقبلت الطبقة الراقية في سوريا للإنخراط في " السلك الماسوني".
يقول شاهين مكاريوس في المقتطف -الجزء الثامن- ص469 عن نفسه أنه: "زار في دمشق جمعية ماسونية باسم محفل سورية، فدخل فرأى فيها أكثر وجوه دمشق ومعتبريها من كل الطوائف تقريباً، وعند زيارته لدمشق في شهر أيلول عام 1881م قيل له أن الجمعية الماسونية أعظمها نجاحا وأوفرها أعضاء, وأكثرها إجتماعاً, و أن أعضاءها موصوفون بنبذ التعصب وأن جماعة من أهل دمشق وأكابر قومها منظمون فيها".
وممن ذكرهم مكاريوس من فضلاء دمشق ومن مشائخ الصوفية آنذاك أصحاب الفضيلة والسيادة محمود أفندي الحمزاوي مفتي المدينة والشيخ سليم أفندي العطار ومحمد أفندي المنيني والشيخ مسلم أفندي الكزبري ومحمد أفندي الطنطاوي ومحمد أفندي الخاني وغيرهم من السادات والأعلام الأشراف، كما ذكر مكاريوس أنه تشرف بمقابلة الأمير عبد القادر الجزائري هناك.
وقد كان الأمير عبد القادر خلال وجوده في الشام دائما ما يفزع إلى القنصلية الفرنسية عند تعذّر بعض مهامه، بل وكذلك في شئونه الخاصة كما مرَّ بنا، فقد كانت هناك علاقة وطيدة بينه وبين الدولة الفرنسية الإستعمارية.
فقد تمت وساطة فرنسية لدى الباب العالي للسماح للأمير عبدالقادر بالإقامة في الشام.
أثناء إقامته في منفاه في سوريا كان الأمير عبد القادر كثيراً ما يتدخل لانقاذ المسيحيين "العملاء لفرنسا والجواسيس لها ضد المسلمين".
************************
************************
مرحلة العمالة السافرة :
لقد تدرج التحول بالأمير حتى وصل إلى مرحلة العمالة السافرة، فكان عاملا من عوامل تمزيق الدولة الإسلامية، وأدى به طمعه بالحكم إلى أمور لم تكن تليق بتاريخه النضالي السابق، فمن ذلك أنه بعد إجبار الدولة العثمانية على توقيع معاهدة مع روسيا بسبب هزيمتها كانت المعاهدة تتضمن إنشاء كيانات قومية في كل الولايات العثمانية، ونتيجة لذلك سافر أحمد الصلح من بيروت عام 1877م إلى صيدا والجبل ودمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية وحوران وجبل الدروز يرافقه محمد الأمين وأحمد عباس الأزهري، ومن خلال هذه الجولة عقدت عدة اجتماعات سرية بعضها في مصيف الأمير عبد القادر في دمر قرب دمشق، وبعضها في دار مفتي مدينة دمشق ونقيب أشرافها حسن تقي الدين الحصيني .
ويذكر المؤرخ محمد جابر آل صفا أسماء ممثلي الجبل في الإجتماعات السرية وهم: محمد الأمين (شيعي) وعلي عسيران والشيخ علي الحر الجبعي (شيعي) وشبيب باشا الأسعد الوائلي (شيعي) تاريخ جبل عامل ص 208.
ويقول: "وكان هذا المؤتمر أول مؤتمر يشترك فيه الشيعيون للنظر في استقلال البلاد الشامية وفصلها عن جسم الدولة العثمانية، وقرر المؤتمرون اختيار عبد القادر الجزائري أميراً على سوريا" عن عادل الصلح .
وفي هذه المرحلة من حياته يتحول الامير عبدالقادر المجاهد إلى مخذِّلٍ عن الجهاد وموالٍ للاستعمار، يقول الأستاذ التميمي عن هذه الفترة:
"إننا لانعرف ولا وثيقة واحدة صادرة عن الأمير تشجع الحركات الانتفاضية في بلاده الجزائر، أو على الأقل مساندته المعنوية لعدد من الزعماء الجزائريين , بل إن الأمير ذهب لاحترام وعده إلى حد التنكر لابنه محي الدين الذي تحول سراً إلى الجزائر لانقاذ البلاد من فرنسا سنة 1870م".
كما لجأ إليه" فردينان ديليسبس" للتوسط من أجل إقناع العثمانيين بمشروع قناة السويس والذي جلب الاستعمار الانجليزي فيما بعد، ولذلك فقد كان الأمير عبدالقادر في طليعة المدعوين في الحفل الاسطوري الذي صنعه الخديوي اسماعيل في عام 1869م احتفالا بافتتاح القناة.
كما قام بإنشاء مصرف دولي كان يموّل الطريق التي تربط ما بين دمشق وبيروت، ومن خلاله قام باستقبال أسرة آل روتشيلد اليهودية العالمية المُريبة "صانعة الملوك" وكذلك أسرة آل ديلي شيبس لذلك الغرض.
وحين قامت الدولة العثمانية بإلغاء نظام أهل الذمة 1857م، بحيث يتساوى المسلم بغيره، ممَّا ولَّد غضباً عارماً لدى المسلمين الذين رأوا أن في ذلك انتهاكاً صارخاً لقوانين الشريعة الاسلامية مع ما فيه من تحويل كثير من المسلمين إلى عاطلين عن العمل في مقابل توظيف غير المسلمين، وقامت عناصر منها بالشغب بسبب تلك التحولات، تدخّل الأمير عبدالقادر لصالح ذلك النظام الجديد.
************************
************************
مجاهرته بالماسونية :
بدأ الأمير بعد ذلك بالمجاهرة الفجة بالماسونية، بل بالفرنسماسونية بشكل خاص، يقول الأمير:
"إنني أعتبر منظمة البنائيين الأحرار كأول مؤسسة في العالم , وفي رأيي أن كل رجل لا يجاهر بالعقيدة البنائية الماسونية يعد رجلاً ناقصاً وأؤمل يوماً أن أرى فيه انتشار مبادئ الفرنسماسونية في العالم، ويومئذ فإن كل شعوب العالم ستعيش في سلام وأخوة".
والنصوص في ذلك عنه كثيرة، إذ تحتفظ الدوائر العلمية الشرقية والغربية بكثير من رسائل الأمير إلى كثير من المتنفذين والمسئولين المتعلقة بتكريس الماسونيين الجدد، وافتتاح محافل ماسونية جديدة، وما إلى ذلك من المهام الماسونية المناطة به.
************************
************************
وفاته :
وافاه الأجل بدمشق في منتصف ليلة 19 رجب 1300هـ - 24 مايو 1883م عن عمر يناهز 76 عامًا، وقد دفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية بدمشق، وبعد استقلال الجزائر طلبت الحكومة الجزائرية من الحكومة السورية نقل جثمانه إلى الجزائر، فتمَّ ذلك في عام 1965م.
******************************
******************************
(1) . بين يدينا وثيقة تاريخية هامة بخط السلطان عبد الحميد الثاني، تتضمن رسالة كان قد وجهها السلطان بعد خلعه إلى شيخه الشاذلي محمود أبي الشامات، وفيها سر خلعه عن الخلافة، نشرها المرحوم سعيد الأفغاني في مجلة العربي الكويتية في عددها الصادر في شوال 1392 الموافق كانون أول 1972 وأعاد نشر مضمونها الأستاذ رفيق النتشة في كتابه (السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين) والدكتور موفق بني المرجه في كتابه القيم (صحوة الرجل المريض) والباحث محمد علي شاهين في كتابه (قضايا القرن العشرين) وننقلها من مجلدات العربي المحفوظة من مكتبة مراجع أمانة عمان الكبرى، أما الترجمة العربية للرسالة فقد قام بها الشيخ أحمد القاسمي الدمشقي، وإليك الرسالة المترجمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين.
أرفع عريضتي هذه إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية، إلى مفيض الروح والحياة، وإلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندي أبي الشامات، وأقبل يديه المباركتين راجيا دعواته الصالحة. بعد تقديم احترامي أعرض أني تلقيت كتابكم المؤرخ في 22 مايس من السنة الحالية، وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين.
سيدي : إنني بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلا ونهارا، وأعرض أنني مازلت محتاجا لدعواتكم القلبية بصورة دائمة.
بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ:
إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما، سوى أنني _ بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم _ اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة. إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة (فلسطين)، ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف، وأخيرًا وعدوا بتقديم 150 مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبا، فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضا، وأجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي: (إنكم لو دفعتم ملء الأرض ذهبا - فضلا عن 150 مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبًا فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي، لقد خدمت الملة الإسلامية والمحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلم أسود صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين، لهذا لن أقبل تكليفكم بوجه قطعي أيضا). وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي، وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى (سلانيك) فقبلت بهذا التكليف الأخير. هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين… وقد كان بعد ذلك ما كان، ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال، وأعتقد أن ما عرضته كاف في هذا الموضوع الهام، وبه أختم رسالتي هذه. ألثم يديكم المباركتين، وأرجو واسترحم أن تتفضلوا بقبول احترامي بسلامي على جميع الإخوان والأصدقاء.
يا أستاذي المعظم لقد أطلت عليكم التحية، ولكن دفعني لهذه الإطالة أن نحيط سماحتكم علما، ونحيط جماعتكم بذلك علما أيضا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في 22 أيلول 1329
خادم المسلمين
عبد الحميد بن عبد المجيد
******************************
******************************
(2) . مؤتمر لوزان Conference of Lausanne كان مؤتمراً انعقد في لوزان, سويسرا, في 1922–1923 للتفاوض على معاهدة جديدة مع تركيا, التي, رفضت تحت حكم كمال باشا, الاعتراف بمعاهدة سيفر.
بعد إلغاء السلطنة بعشرين يوما لم تكن توجد سوى حكومة تركية واحدة هي حكومة أنقرة؛ فدعاها الحلفاء على مؤتمر الصلح في لوزان في (20 ربيع الأول 1340هـ= 20 نوفمبر 1922م) لإعادة النظر في معاهدة سيفر؛ فتشكل وفد تركي برئاسة عصمت إينونو وعضوية رضا نور والحاخام ناحوم (حاخام اسطنبول الأعلى)، وحدثت منازعات حامية في بداية المفاوضات بين وزير الخارجية البريطاني اللورد كيرزون وعصمت إينونو، حيث أصرت بريطانيا على إلغاء السلطنة بإعلان الإلتزام بالعلمانية وإلغاء الخلافة وطرد الخليفة وأسرته من البلاد والإبقاء على الموصل بعيدة عن تركيا، وكانت هذه هي الشروط الإنجليزية لإعطاء تركيا الاستقلال.
وفشلت الجولة الأولى من المفاوضات، ثم دعيت الوفود مرة أخرى إلى لوزان للبحث من جديد في بنود معاهدة سيفر، ووافق الأتراك على الشروط الإنجليزية؛ فألغيت السلطنة في (20 ربيع الأول 1342هـ = 30 نوفمبر 1923م) وأعلنت الجمهورية، واختير أتاتورك رئيسا لها.
المؤتمر استمر 11 أسبوعاً. واستمع الحاضرون إلى خطب من بنيتو موسوليني من إيطاليا وريمون پوانكاريه من فرنسا. وفي نهايته, قبلت تركيا بالشروط السياسية و"حرية المضايق", والتي كانت هماً رئيسياً لبريطانيا. مسألة وضع الموصل تم تأجيلها, حيث أن كرزون رفض التراجع عن موقف بريطانيا المصر على كونها جزءاً من العراق. إلا أن الوفد الفرنسي, لم يحقق أيا من أهدافه وفي 30 يناير 1923 أصدر بياناً بأنه لا يعتبر مسودة المعاهدة أكثر من "أساس للحوار". الأتراك لذلك رفضوا التوقيع على المعاهدة. وفي 4 فبراير 1923, كرزون قام بزيارة أخيرة لتركيا لاقناعها بالتوقيع, وعندما رفضوا التوقيع فض وزير الخارجية البريطاني المفاوضات وغادر في ذات الليلة على قطار الشرق السريع.
معاهدة لوزان تم التوقيع عليها في 24 يوليو 1923.
وعادت السيادة التركية على ما يقرب من كل الأراضي التي تشمل تركيا الحالية، وألغيت الامتيازات الأجنبية، وتقررت عدم مطالبة تركيا بالأملاك السابقة، وهي السياسة التي سارت عليها تركيا منذ ذلك الوقت، وتقرر تدويل بوغازي البوسفور والدردنيل، ونزع سلاح الأراضي الممتدة على جانبيهما.
فتحي الحمود - الأردن
fathi.hmoud@gmail.com
(1 - 3 )
إعداد العميد المتقاعد فتحي الحمود - الأردن
مقدمة مهمة للغاية :
جميع المعلومات الواردة في هذه المقالة منقولة من كتب ومواقع الكترونية تاريخية ( وجدتها بطريق الصدفة خلال التحضير لمقالتي الطويلة التي كانت تتناول الصراع العربي - الصهيوني مابين الأعوام (1798- 2010 ) , لا يتحمل الكاتب مسؤوليتها لما تحمله بين طياتها من معلومات وتحليلات بالغة التعقيد والأهمية, والخطورة ...وأتمنى على كل من يملك حقيقة التصويب أن يتلطف علي بتصويبه موثقا فالأمانة العلمية تقتضي ذكر المصادر ...إلا أنني لم أستطع عمل ذلك لكثرتها وتشابكها ...!!!
*****************
*****************
في أوراقي المبعثرة هنا وهناك رموز عربية وإسلامية -أكن لها إحتراما شديدا -...إلا أن الأمانة التاريخية تقتضي ذكرها كما هي لغايات التوثيق ولا هدف لي غير ذلك . ولقد ذكرت في مناسبات سابقة أنني من أشد المطالبين بإعادة كتابة التاريخ كما هو بدون تحريف ...والحكم عليها للتاريخ نفسه الذي لا يجامل ولا يرحم ولا ينسى ...!!!!
فلا يعقل أن أقوم بإرتكاب تزوير جديد للتاريخ مجاملة لأحد ... ومن يعتقد أنه مظلوم فيما سأسرد من وقائع مرحب بتوضيحه الموثق ... وسأعتذر منه في نفس المكان ...!!!
مشكلتنا أن تاريخنا كتبه " مستشرقون " كما حلا لهم وكما وجودوه يصب في صالح دولهم الإستعمارية ...
وهذا لا يعيبهم ...ولكنه يعيبنا نحن أصحاب التاريخ إذا ما بقينا صامتين ... لا نبحث عن الحقيقة الموجودة في الكتب وعلى المواقع الإلكترونية وهي بالآلاف .
**************************
**************************
لا ريب أن الأسلوب الذي أتخذ في إسقاط السلطان عبد الحميد(1), هو أسلوب لم يعرفه النظام الإسلامي في تاريخه كله وهو من صنع المؤامرة الصهيونية التلمودية التي استطاعت أن تحمى وتحرك هذا الخداع عن طريق قوة عسكرية تتحرك هاتفة بإسم السلطان خدعة ثم تكون في نفس الوقت متآمرة عليه لخدمة هدف غامض على كل الذين قاموا به، ولا يعرفه إلا القليل وهو إعادة اليهود إلى فلسطين.
كذلك فإن ما قام به أتاتورك لم يكن نصراً عسكرياً أو سياسياً وإنما كان هناك إشارة بقبول التوجيه الغربي... وتوقيع ملحق معاهدة" لوزان"(2), وهو الذى فتح الطريق إلى كل شئ، وبه حلت جميع المشاكل، وانسحبت كل الجيوش، وتحقق ما يسمى النصر والاستقلال. وكتبت على أثر ذلك آلاف الكتب في تمجيد البطل الذى لم يكن إلا عميلا من عملاء الخيانة لحسابه الصهيونية العالمية، والنفوذ الغربي، والشيوعية أيضا فإن الشيوعيين هم أول من عاونه لقاء موقفه من عداء الإسلام.
*****************************************
*****************************************
الأمير عبدالقادر الجزائري في بلاد الشام:
قبل عام 1860 كان المتصرف العثماني يقيم في جبل لبنان بينما يشرف على جميع لبنان وسورية، وإثر ما عرف في التاريخ اللبناني بفتنة الجبل تدخل الأمير عبدالقادر للتوسط لدى الدولة العثمانية لصالح ثورة يوسف بك كرم الماروني في (1859 ـ 1860 م) التي ثارت على داود باشا أول متصرف عثماني على الجبل اللبناني، وطالبت بالحكم المحلي لموارنة الجبل، ثم دعت إلى التدخل الفرنسي بصوت مطرانها "طوبيا عون" .
وحين أفرزت تلك الفتنة غضباً عارماً في دمشق والشام على المسيحيين الذين راسلوا وجلبوا المستعمر الأجنبي الفرنسي إلى ديار المسلمين، قام الأمير عبد القادر باعتراف العديد من قادة تلك الفترة بحماية وإنقاذ حوالي 12000 مسيحي ويهودي احتموا بالأمير من غضب جماعات ثائرة، وقد حمل مع أتباعه السلاح من أجل ذلك.
وهو ما دفع العديد من ملوك وقادة تلك الفترة ورجالات الدين إلى منح الأمير أوسمة شرف عرفانا لإنقاذ أرواح عدد من رعاياهم بمن فيهم قناصلة روسيا وفرنسا واليونان وأمريكا وقد انتهت تلك الفتنة بالتدخل الاجنبي الفرنسي، وبعد تلك الخدمة الجليلة للتاج الفرنسي تهاطلت على الأمير الأوسمة والنياشين من عدد كبير من رؤساء الدول الأوربية، وعلى الخصوص من نابليون الثالث الذي وشحه وسام الشرف الفرنسي الأول، ونتيجة لذلك أخذت تنتشر في أوربا التآليف التي مجدت الجانب الإنساني للأمير وتسامحه.
وهناك نص ماسوني موثق كتبه الدكتور" انطوان عاصي " رئيس معهد الطقوس في المحفل الاكبر اللبناني الموحد راداًّ فيه على بديعة الحسني حفيدة الأمير الجزائري والتي أنكرت ماسونية الأمير لإثبات ماسونية الجزائري ناقلاً فيه عن مصادر معروفة وموجودة.
يقول الدكتور عاصي: "في الأحداث الدامية التي وقعت في دمشق في تموز من العام 1860م بين المحمديين والمسيحيين, كلف عبد القادر بمهمات إنقاذية، ووضع تحت حمايته آلاف المسيحيين الذين لقوا الحماية تحت لوائه.
هذه البادرة قدرها نابليون الثالث وقلد الامير وسام الشرف الفرنسي وارسلت من بعدها المحافل الماسونية كتابات شكر وتقدير له أهمها محفل هنري الرابع الذي أخذ المبادرة.
وفي 16 تشرين الأول 1860م اعترفت الماسونية في عدة رسائل له بناحيته الانسانية والأخلاقية واقترحت عليه في هذه الرسائل أن يكون عضوا في الماسونية دون أن يكون عضوا مكرسا بعد, إذ أن النظام الماسوني يسمح بتكريس هكذا رجال عظماء دون أن يكونوا مكرسين، وأرسلت له ما يسمى بالجوهرة أو الرمز المعدني عرفانا منها إليه ولم يكن وقتها في الجزائر الدولة المسلمة أكثر من ثلاثين مكرسا ماسونيا.
وفي العام 1861م رد الأمير عبد القادر الحسني الجزائري على محفل هنري الرابع الباريسي بقوله: "لم ألمس في المبادئ الماسونية ما يتعارض وشريعة القرآن الكريم والسنة والفقه الإسلامي" عندها طلب منه محفل هنري الرابع الإجابة على ثلاث أسئلة وهي أسئلة تقليدية للانتساب إلى الماسونية:
- ماهي واجبات الإنسان تجاه الله؟
- ماهي واجباته تجاه الإنسانية؟
- كيف ينظر إلى خلود النفس والمساواة والإخاء والحرية؟
*************************************
*************************************
كان جواب الأمير بمثابة أطروحة فلسفية تفوق هذه الأسئلة بتعاليم صوفية وفلسفة إسلامية أدهشت السائلين .
كان وصول المارشال الفرنسي كأستاذ أعظم لهذا المحفل وخلافاته مع الأمير قد أخرت تكريسه هنا كان لابد من حضوره شخصيا ففي 18 حزيران 1864م وباسم محفل الأهرام في الاسكندرية والذي كان عاملا تحت لواء الشرق الأكبر الفرنسي والممثل في محفل هنري الرابع تكرس الأمير عبد القادر الجزائري وأعطي امتيازا قل نظيره في ذلك الوقت أنه منحت له في جلسة واحدة الدرجات الأولى الثلاث.
وصدر عن محفل هنري الرابع في باريس جلسة عمومية أعطي بموجبها إذنا للأمير أن ينشئ محافل ماسونية ذات الطابع العربي في جميع الأقطار العربية.
عام 1865م وخلال وجوده في فرنسا عقد الأمير اجتماعات مع الماسونية الفرنسية في مدينة Amboise واعترف أمام أساتذة الماسونية في هذا المذهب أنه: "هناك بعض المصاعب التي ستواجهها الحركية في الشرق العربي نظرا للانتماءات الذهبية رغم أن مباءها هي من أجل المبادئ السامية والأخلاقية".
وبعد عودته إلى سوريا أصبح عضوا فخريا في محفل سوريا الذي كان ينتمى إلى الشرق الدمشقي ونظرا للمفهوم العلماني الماسوني المؤمن ولمفهوم الماسونية كحركة رمزية ولدت في الغرب المسيحي وتواجدها في الشرق الإسلامي.
حجب الأمير عبد القادر بعضا من نشاطاته الماسونيه وبقي في الظل. بهذا المفهوم تصرف الأمير بمعنى أن الماسونية ليست نسخة عن هذا العالم. لقد فهم الأمير أنه لا يجوز كشف أسرار النظام الكوني أمام أهل العماء.
********************************
********************************
رئيس معهد الطقوس في المحفل الاكبر اللبناني الموحد الدكتور أنطوان عاصي , وفي هذا النص التفصيلي الاستثنائي يفسر لنا كثيرا من الأسرار التي أحاطت بشخصية الأمير عبدالقادر في تلك المرحلة:
"بعد أحداث سنة 1860م في جبل لبنان صارت دمشق عاصمة ولاية سورية في الدولة العثمانية، وخلال حقبة تسلط جمعية الاتحاد والترقي على الدولة العثمانية كانت الجمعية تعين الولاة والمتصرفين من الماسونيين أنفسهم، فعُين مخلص باشا الماسوني والياً على دمشق، والذي بدأ بنشر الماسونية بسرعة وجرأة عاليتين.
وكان الأمير عبدالقادر قد إنتقل الى الشام قبل ذلك بأربع سنين، فقرَّبه " مخلص باشا" من أجل علاقته بالقنصلية الفرنسية، واطلاعه على المحافل الماسونية الفرنسية.
ومع أن الأمير لم يكن في ذلك الوقت عضوا في المحافل الماسونية، إلاَّ أن مخلص باشا ألقى إليه مقاليد نشر المبادئ الماسونية في الشام، وقد أشار إلى ذلك مؤرخ الماسونية (شاهين مكاريوس في كتابه المقتطف).
يقول شاهين مكاريوس الماسوني في كتابه فضائل الماسونية: "إن الأمير عبد القادر الجزائري سمع كثيراً عن الجمعية الماسونية ومالها من صحيح المبادئ، فتاقت نفسه إلى الإنضمام إليها واغتنم فرصة مروره بالإسكندرية أثناء عودته من الحجاز سنة 1864م فانتظم في سلكها في 18 حزيران بمحفل الأهرام التابع للشرق السامي الفرنساوي، ووافت مشاربه من كل الوجوه، فأحبها وأحب أهلها، ومال إليها وإليهم كثيراً، وكان لا يخفي نفسه، وطالما جاهر بأنه من أعضائها".
وفي عهد" راشد باشا" الماسوني أيضا الذي عُيِّن والياً سنة 1865م دخلت الأفكار الماسونية حيز التنفيذ، فتعاون مع الأمير عبدالقادر بعد رجوعه من مصر بهذا الخصوص فأسَّسا محفل سوريا أو الجمعية الماسونية، وكانت هذه الجمعية تتستر تحت اسم "لجنة الإصلاح".
يقول" جرجي زيدان" الماسوني في كتابه "تاريخ الماسونية العام" ص 200: "إن الماسونية دخلت دمشق بمساعي الأمير عبد القادر الجزائري، وإن أول محفل تأسس فيها هو محفل "سوريا" بشرق دمشق، فثبت بمساعي الأخوة وتنشيطهم" وكان الإعلام قد صنع هالةً على اسم الأمير عبدالقادر فانخدع أكثر الناس بالماسونية، بل وأقبلت الطبقة الراقية في سوريا للإنخراط في " السلك الماسوني".
يقول شاهين مكاريوس في المقتطف -الجزء الثامن- ص469 عن نفسه أنه: "زار في دمشق جمعية ماسونية باسم محفل سورية، فدخل فرأى فيها أكثر وجوه دمشق ومعتبريها من كل الطوائف تقريباً، وعند زيارته لدمشق في شهر أيلول عام 1881م قيل له أن الجمعية الماسونية أعظمها نجاحا وأوفرها أعضاء, وأكثرها إجتماعاً, و أن أعضاءها موصوفون بنبذ التعصب وأن جماعة من أهل دمشق وأكابر قومها منظمون فيها".
وممن ذكرهم مكاريوس من فضلاء دمشق ومن مشائخ الصوفية آنذاك أصحاب الفضيلة والسيادة محمود أفندي الحمزاوي مفتي المدينة والشيخ سليم أفندي العطار ومحمد أفندي المنيني والشيخ مسلم أفندي الكزبري ومحمد أفندي الطنطاوي ومحمد أفندي الخاني وغيرهم من السادات والأعلام الأشراف، كما ذكر مكاريوس أنه تشرف بمقابلة الأمير عبد القادر الجزائري هناك.
وقد كان الأمير عبد القادر خلال وجوده في الشام دائما ما يفزع إلى القنصلية الفرنسية عند تعذّر بعض مهامه، بل وكذلك في شئونه الخاصة كما مرَّ بنا، فقد كانت هناك علاقة وطيدة بينه وبين الدولة الفرنسية الإستعمارية.
فقد تمت وساطة فرنسية لدى الباب العالي للسماح للأمير عبدالقادر بالإقامة في الشام.
أثناء إقامته في منفاه في سوريا كان الأمير عبد القادر كثيراً ما يتدخل لانقاذ المسيحيين "العملاء لفرنسا والجواسيس لها ضد المسلمين".
************************
************************
مرحلة العمالة السافرة :
لقد تدرج التحول بالأمير حتى وصل إلى مرحلة العمالة السافرة، فكان عاملا من عوامل تمزيق الدولة الإسلامية، وأدى به طمعه بالحكم إلى أمور لم تكن تليق بتاريخه النضالي السابق، فمن ذلك أنه بعد إجبار الدولة العثمانية على توقيع معاهدة مع روسيا بسبب هزيمتها كانت المعاهدة تتضمن إنشاء كيانات قومية في كل الولايات العثمانية، ونتيجة لذلك سافر أحمد الصلح من بيروت عام 1877م إلى صيدا والجبل ودمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية وحوران وجبل الدروز يرافقه محمد الأمين وأحمد عباس الأزهري، ومن خلال هذه الجولة عقدت عدة اجتماعات سرية بعضها في مصيف الأمير عبد القادر في دمر قرب دمشق، وبعضها في دار مفتي مدينة دمشق ونقيب أشرافها حسن تقي الدين الحصيني .
ويذكر المؤرخ محمد جابر آل صفا أسماء ممثلي الجبل في الإجتماعات السرية وهم: محمد الأمين (شيعي) وعلي عسيران والشيخ علي الحر الجبعي (شيعي) وشبيب باشا الأسعد الوائلي (شيعي) تاريخ جبل عامل ص 208.
ويقول: "وكان هذا المؤتمر أول مؤتمر يشترك فيه الشيعيون للنظر في استقلال البلاد الشامية وفصلها عن جسم الدولة العثمانية، وقرر المؤتمرون اختيار عبد القادر الجزائري أميراً على سوريا" عن عادل الصلح .
وفي هذه المرحلة من حياته يتحول الامير عبدالقادر المجاهد إلى مخذِّلٍ عن الجهاد وموالٍ للاستعمار، يقول الأستاذ التميمي عن هذه الفترة:
"إننا لانعرف ولا وثيقة واحدة صادرة عن الأمير تشجع الحركات الانتفاضية في بلاده الجزائر، أو على الأقل مساندته المعنوية لعدد من الزعماء الجزائريين , بل إن الأمير ذهب لاحترام وعده إلى حد التنكر لابنه محي الدين الذي تحول سراً إلى الجزائر لانقاذ البلاد من فرنسا سنة 1870م".
كما لجأ إليه" فردينان ديليسبس" للتوسط من أجل إقناع العثمانيين بمشروع قناة السويس والذي جلب الاستعمار الانجليزي فيما بعد، ولذلك فقد كان الأمير عبدالقادر في طليعة المدعوين في الحفل الاسطوري الذي صنعه الخديوي اسماعيل في عام 1869م احتفالا بافتتاح القناة.
كما قام بإنشاء مصرف دولي كان يموّل الطريق التي تربط ما بين دمشق وبيروت، ومن خلاله قام باستقبال أسرة آل روتشيلد اليهودية العالمية المُريبة "صانعة الملوك" وكذلك أسرة آل ديلي شيبس لذلك الغرض.
وحين قامت الدولة العثمانية بإلغاء نظام أهل الذمة 1857م، بحيث يتساوى المسلم بغيره، ممَّا ولَّد غضباً عارماً لدى المسلمين الذين رأوا أن في ذلك انتهاكاً صارخاً لقوانين الشريعة الاسلامية مع ما فيه من تحويل كثير من المسلمين إلى عاطلين عن العمل في مقابل توظيف غير المسلمين، وقامت عناصر منها بالشغب بسبب تلك التحولات، تدخّل الأمير عبدالقادر لصالح ذلك النظام الجديد.
************************
************************
مجاهرته بالماسونية :
بدأ الأمير بعد ذلك بالمجاهرة الفجة بالماسونية، بل بالفرنسماسونية بشكل خاص، يقول الأمير:
"إنني أعتبر منظمة البنائيين الأحرار كأول مؤسسة في العالم , وفي رأيي أن كل رجل لا يجاهر بالعقيدة البنائية الماسونية يعد رجلاً ناقصاً وأؤمل يوماً أن أرى فيه انتشار مبادئ الفرنسماسونية في العالم، ويومئذ فإن كل شعوب العالم ستعيش في سلام وأخوة".
والنصوص في ذلك عنه كثيرة، إذ تحتفظ الدوائر العلمية الشرقية والغربية بكثير من رسائل الأمير إلى كثير من المتنفذين والمسئولين المتعلقة بتكريس الماسونيين الجدد، وافتتاح محافل ماسونية جديدة، وما إلى ذلك من المهام الماسونية المناطة به.
************************
************************
وفاته :
وافاه الأجل بدمشق في منتصف ليلة 19 رجب 1300هـ - 24 مايو 1883م عن عمر يناهز 76 عامًا، وقد دفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية بدمشق، وبعد استقلال الجزائر طلبت الحكومة الجزائرية من الحكومة السورية نقل جثمانه إلى الجزائر، فتمَّ ذلك في عام 1965م.
******************************
******************************
(1) . بين يدينا وثيقة تاريخية هامة بخط السلطان عبد الحميد الثاني، تتضمن رسالة كان قد وجهها السلطان بعد خلعه إلى شيخه الشاذلي محمود أبي الشامات، وفيها سر خلعه عن الخلافة، نشرها المرحوم سعيد الأفغاني في مجلة العربي الكويتية في عددها الصادر في شوال 1392 الموافق كانون أول 1972 وأعاد نشر مضمونها الأستاذ رفيق النتشة في كتابه (السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين) والدكتور موفق بني المرجه في كتابه القيم (صحوة الرجل المريض) والباحث محمد علي شاهين في كتابه (قضايا القرن العشرين) وننقلها من مجلدات العربي المحفوظة من مكتبة مراجع أمانة عمان الكبرى، أما الترجمة العربية للرسالة فقد قام بها الشيخ أحمد القاسمي الدمشقي، وإليك الرسالة المترجمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين.
أرفع عريضتي هذه إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية، إلى مفيض الروح والحياة، وإلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندي أبي الشامات، وأقبل يديه المباركتين راجيا دعواته الصالحة. بعد تقديم احترامي أعرض أني تلقيت كتابكم المؤرخ في 22 مايس من السنة الحالية، وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين.
سيدي : إنني بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلا ونهارا، وأعرض أنني مازلت محتاجا لدعواتكم القلبية بصورة دائمة.
بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ:
إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما، سوى أنني _ بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم _ اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة. إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة (فلسطين)، ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف، وأخيرًا وعدوا بتقديم 150 مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبا، فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضا، وأجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي: (إنكم لو دفعتم ملء الأرض ذهبا - فضلا عن 150 مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبًا فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي، لقد خدمت الملة الإسلامية والمحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلم أسود صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين، لهذا لن أقبل تكليفكم بوجه قطعي أيضا). وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي، وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى (سلانيك) فقبلت بهذا التكليف الأخير. هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين… وقد كان بعد ذلك ما كان، ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال، وأعتقد أن ما عرضته كاف في هذا الموضوع الهام، وبه أختم رسالتي هذه. ألثم يديكم المباركتين، وأرجو واسترحم أن تتفضلوا بقبول احترامي بسلامي على جميع الإخوان والأصدقاء.
يا أستاذي المعظم لقد أطلت عليكم التحية، ولكن دفعني لهذه الإطالة أن نحيط سماحتكم علما، ونحيط جماعتكم بذلك علما أيضا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في 22 أيلول 1329
خادم المسلمين
عبد الحميد بن عبد المجيد
******************************
******************************
(2) . مؤتمر لوزان Conference of Lausanne كان مؤتمراً انعقد في لوزان, سويسرا, في 1922–1923 للتفاوض على معاهدة جديدة مع تركيا, التي, رفضت تحت حكم كمال باشا, الاعتراف بمعاهدة سيفر.
بعد إلغاء السلطنة بعشرين يوما لم تكن توجد سوى حكومة تركية واحدة هي حكومة أنقرة؛ فدعاها الحلفاء على مؤتمر الصلح في لوزان في (20 ربيع الأول 1340هـ= 20 نوفمبر 1922م) لإعادة النظر في معاهدة سيفر؛ فتشكل وفد تركي برئاسة عصمت إينونو وعضوية رضا نور والحاخام ناحوم (حاخام اسطنبول الأعلى)، وحدثت منازعات حامية في بداية المفاوضات بين وزير الخارجية البريطاني اللورد كيرزون وعصمت إينونو، حيث أصرت بريطانيا على إلغاء السلطنة بإعلان الإلتزام بالعلمانية وإلغاء الخلافة وطرد الخليفة وأسرته من البلاد والإبقاء على الموصل بعيدة عن تركيا، وكانت هذه هي الشروط الإنجليزية لإعطاء تركيا الاستقلال.
وفشلت الجولة الأولى من المفاوضات، ثم دعيت الوفود مرة أخرى إلى لوزان للبحث من جديد في بنود معاهدة سيفر، ووافق الأتراك على الشروط الإنجليزية؛ فألغيت السلطنة في (20 ربيع الأول 1342هـ = 30 نوفمبر 1923م) وأعلنت الجمهورية، واختير أتاتورك رئيسا لها.
المؤتمر استمر 11 أسبوعاً. واستمع الحاضرون إلى خطب من بنيتو موسوليني من إيطاليا وريمون پوانكاريه من فرنسا. وفي نهايته, قبلت تركيا بالشروط السياسية و"حرية المضايق", والتي كانت هماً رئيسياً لبريطانيا. مسألة وضع الموصل تم تأجيلها, حيث أن كرزون رفض التراجع عن موقف بريطانيا المصر على كونها جزءاً من العراق. إلا أن الوفد الفرنسي, لم يحقق أيا من أهدافه وفي 30 يناير 1923 أصدر بياناً بأنه لا يعتبر مسودة المعاهدة أكثر من "أساس للحوار". الأتراك لذلك رفضوا التوقيع على المعاهدة. وفي 4 فبراير 1923, كرزون قام بزيارة أخيرة لتركيا لاقناعها بالتوقيع, وعندما رفضوا التوقيع فض وزير الخارجية البريطاني المفاوضات وغادر في ذات الليلة على قطار الشرق السريع.
معاهدة لوزان تم التوقيع عليها في 24 يوليو 1923.
وعادت السيادة التركية على ما يقرب من كل الأراضي التي تشمل تركيا الحالية، وألغيت الامتيازات الأجنبية، وتقررت عدم مطالبة تركيا بالأملاك السابقة، وهي السياسة التي سارت عليها تركيا منذ ذلك الوقت، وتقرر تدويل بوغازي البوسفور والدردنيل، ونزع سلاح الأراضي الممتدة على جانبيهما.
فتحي الحمود - الأردن
fathi.hmoud@gmail.com