المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطائف في رحلة الرسول الى الطائف



راجي محمود صبارنة
13/05/2010, 02:09 PM
ورقة عمل
اللطائف
في
رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم
الى
الطائف
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128
جامعه الفقير الى المنان
راجي رحمة الله
الداعية / راجي محمود الصبارنة
اوقاف الخليل
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله النبي الامي الامين الذي علم العلماء وبلغ امر رب الارض والسماء وهدى الناس للحق بعدما كانو جهلاء انزل الله عليه القران الكريم معجزته الخالدة التي تحدى بها رب العالمين الثقلين من ان ياتوا بسورة من مثله فقال سبحانة ({قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }الإسراء88
وايده بالحكمة والسنة فقال صلى الله عليه وسلم ([ 1594 ] وحدثني عن مالك انه بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه)
موطا الامام مالك كتاب القدر
وقال صلى الله عليه وسلم (4604ـ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، ثنا أبو عمرو بن كثير بن دينار، عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن المقدام بن معد يكرب،
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "ألا إنِّي أوتيت الكتاب ومثله معه، لايوشك رجلٌ شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلالٍ فأحلوه وما وجدتم فيه من حرامٍ فحرموه، ألا لا يحلُّ لكم الحمار الأهليُّ، ولا كلُّ ذي نابٍ من السبع، ولا لقطة معاهدٍ إلاَّ أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقومٍ فعليهم أن يقروه، فإِن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه".) سنن ابي داوود
ان ماقام به الرسول صلى الله عليه وسلم خلال 23 عام تعجز أي امة ان تقوم به وان الحضاره التي وضع اسسها لم تبلغ أي حضارة ما بلغت بل وما زات وستبقى وان طرأ في زمن من الازمان بعض الضعف الا انها لا تلبث وان تعود لانها حضارة القران وحضارة بناها الرسول صلى اله عليه وسلم
اين هي الحضارات التي كانت تتغنى بامجادها وما بقي منه الا الاطلال عبرة للعابرين لانهم بنوها للدنيا والدنيا تتغير تغي الازمان والقرون فتدفن الامم والحضارات : ( فقال عز وجل ({قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ }آل عمران137
وقال سبحانه ({وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }يوسف109
وقوله سبحانه ({وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }النحل36
وقوله ({أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا }محمد10
ايات كثيرة بينت زوال الامم التي بنيت على ضلال فكانت نتيجتها الزوال
اما الاسلام الذي وصلنا بتضحيات الحبيب واخلاقه ومن معه من الصحابة الابرار الذبن عرفوا الله اكثر من انفسهم فالتزموا بهذا الدين قالبا وقلبا ليؤكد ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعرف الفشل قط والا لما وصلنا هذا الدين وان الفشل ليكمن فيمن دعي الى هذا الدين وابى الدخول فيه وان الفشل الحقيقي هو ترك اوامر الله واوامر نبيه الكريم كما بينه رب العزة جل وعلا ({وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46
فما دامت الامة ملتزمة بكتاب ربها متعقبة اثر نبيها مانها لن تعرف الهزيمة ولن تعرف الفشل باذن الله تعالى وان ما تعيشه امة الاسلام هذا الزمان من الضنك وفقد القدرة والموارد وسيطرة عدوها عليها ليؤكد بعد الامة الاسلامية عن الالتزام الحقيقي بهذا الدين كما قال سبحانه وتعالى ({وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }هود113
وهذا ما حذر منه الله عز وجل نبيه وامته فقال (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً{73} وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً{74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً{75} وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً{76} سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً{77}
ولا يمكن لنا ان نحكم على الامور قبل نهايتها لان الحكم على أي امر قبل نهايته استباق للنتائج التي قد تكون جلية او خفية لا يدركها الا الراسخون في العلم المتبصرون لمعاني الامور كما قال سبحانه ({وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء83
فالامور يحكم عليها بخواتيمها ان جاز لنا التعبير لان الاسلام من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يحقق الانتصار تلو الانتصار ويعلوا مجده مع توال الازمان فسقطت امام الاسلام الامبراطريات واذعن الملوك والحكام ساجدين اما عظمة الدين واخلاقه وتشريعه وقوانينه واحكامه
واقر العالم بصدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى اعداؤه ولكن الاختلاف سنة في الارض والصراع بين الحق والباطل قائم حتى قيام الساعة وما على الدعاة والمسلمين الا التمسك والثبات ومجاهدة الذين يمنعون وصول دين الرحمة لمن هم دونهم وما عليه الا العمل بالاسباب ماستطاعوا الى ذلك سبيلا حتى اذا استنفذوها لم يستنفذوا يقينهم وايمانهم بقدرة الله فياتيهم النصر كما قال سبحانه ({حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }يوسف110
وقوله سبحانه ({أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ }البقرة214
هذه سنة الله سبحانه وتعالى واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين نسال الله ان يثبت قلوبنا على دينه وينصرنا به وان يجعلنا ممن قالوا في قول الله ({وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }آل عمران147
اخوكم الفقير الى الله راجي محمود الصبارنة
حرر في ‏الثلاثاء‏، 11‏ أيار‏، 2010
الموافق ‏الثلاثاء‏، 28‏ جمادى الأولى‏، 1431
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده المعبود كامل الصفات الواسع لا تحده حدود والصلاة والسلام على عبده المحمود, جمله بالاخلاق والصفات,وميزه بين سائر العبيد, صلوات الله وسلامه عليه صلاة لا يكل منها الذاكرونه ولايسأم منها العابدون, صلاة دائمة دوام الليل والنهار, ودوام ما صلى عليه الحامدون الأبرار, ودوام ما ناحت على الايك الطيور .
وبعد :
بعد تلك المشادة في الحديث وعلو الجدل في موضوع هام من مواضيع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بين الشيخ محمد حسان وعمرو خالد بشان رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم الى الطائف والتساؤل المطروح من قبل الاخوة الاكارم في دائرة اوقاف خليل الرحمن احببت ان لا يكون ردي مجرد سطور انما اردت منه ان يكون بحثا اتطرق فيه لعدة جوانب من هذه الرحلة الكريمة لعلها تكون في ميزان حسناتي يوم القيامة ولعل الكثير ممن يحب ان يحصل على الاجابة ان يجد ما يشفي ظماه ويملا يقينه بان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفشل في حياته بل كانت حياته القصيرة مرجعا لكل من اراد صلاح دينه ودنياه معا وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل تركت فيكم ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابد كتاب الله وسنتي عضو عليها بالنواجذ )
هل فشل الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلته الى الطائف ام انها كانت رحلة التغيير والنجاح الحقيقي
لكي نبدا بالاجابة عن هذا الموضوع لا بد لي من دراسةالرحلة دراسة مستفيضة الغرض منه بيان الحقائق ليتسنى المضطلع عليه معرفتها والاقرار بنتيجتها التي لاترام ولا ينكرها العلماء والعوام ولمعرفة ذلك لا بد من معرفة عدة امور وعوامل النصر فيها وهي :
منها :
1- معنى الفشل في اللغة العربية بمجردها الثلاثي الاحرف
الرد على من قال بضعف الرسول وفشله
2- موقع الطائف وسبب تسميتها بهذا الاسم
3- حال الرسول قبل الرحلة الى الطائف
4-السبب الذي دفع الرسول صلى الله عليه وسلم للرحلة
5--الطريق التي سلكها الرسول الى الطائف
6-السبب الذي جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يختار الطائف
7-الشخوص الذين قابلهم الرسول في الطائف
8-ردة الفعل على دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم
9--شخصية عداس
10-لقاء الرسول مع عداس
11-اسلام عداس
12-عودة الرسول صلى الله عليه وسلم الى مكة
13-دخول الرسول تحت حماية مطعم بن عدي
14- حادثة الاسراء والمعراج
راجي رحمة الله المنان
راجي محمود الصبارنة
الفشل :-
معنى الفشل لغة
ورد في القران الكريم كلمة الفشل اربع مرات وهي :
{إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
آل عمران122
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }آل عمران152
{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }الأنفال43
{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46
وفي الحديث والاثر كذلك
أخبرنا الحكم بن المبارك ثنا غسان هو بن مضر عن سعيد بن يزيد قال سمعت عكرمة يقول : ما لكم لا تسألوني أفشلتم قال حسين سليم أسد : إسناده صحيح
حدثنا أحمد بن زهير التستري ثنا محمد بن بشار ثنا وهب بن جرير حدثني أبي قال سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله عن عقبة بن عامر قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات فقال : ( اني فرطكم على الحوض و ان عرضه ما بين أيله الى الجحفة و اني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي و لكني أخشى عليكم
الدنيا أن تتنافسوا فيها فتفشلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم ) فكان آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد
قال شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي
-
وقوله جل وعز ولا تنازعوا فتفشلوا آية 46
- قال أبو إسحاق يقال يفشل فشلا إذا هاب أن يتقدم جبن
لفشلتهم لجبنتم ولتنازعتم أي لاختلفتم في حربهم
والفشل كما ورد في صحيح البخاري جزء 3 حديث 1104
وقال الله تعالى { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } / الأنفال 46
قال قتادة الريح الحرب
[ ش ( تفشلوا ) من الفشل وهو الفزع والجبن والضعف . ( ريحكم ) قوتكم
وورد في صحيح البخاري جزء 4حديث 1484
( حتى إذا فشلتم ) أي إلى أن اختلفتم في ترك أماكنكم وعصيتم أمر قائدكم ونزلتم لجمع الغنيمة عندها أصابكم الفشل فجبنتم وضعفتم
وفي صحيح البخاري كذلك جزء 4 حديث 1488
حدثنا محمد بن يوسف عن ابن عيينة عن عمرو عن جابر رضي الله عنه قال
: نزلت هذه الآية فينا { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } . بني سلمة وبني الحارثة وما أحب أنها لم تنزل والله يقول { والله وليهما }
[ 4282 ]
[ ش أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل الأنصار رضي الله عنهم رقم 2505
( همت ) من هم بالأمر إذا عزم على القيام به ولم يفعله . ( طائفتان ) جماعتان هما بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس . ( أن تفشلا ) تجبنا وتضعفا عن القتال . ( ما أحب . . ) أي نزولها محبب إلي لما ذكر فيها
وفي صحيح البخاري جزء 4حديث 1660
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال قال عمرو سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول
: فينا نزلت { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما } . قال نحن طائفتان بنو حارثة وبنو سلمة وما نحب - وقال سفيان مرة وما يسرني - أنها لم تنزل لقول الله { والله وليهما }
[ ر 3825 ]
[ ش ( طائفتان ) جماعتان . ( أن تفشلا ) أن تقعا في الفشل وهو الجبن والخور حين هموا بالرجوع مع ابن سلول إذ رجع بجماعته ولكن الله تعالى عصمهم من الوقع فيما وقع فيه المنافقون . ( وما نحب . . ) أي كان نزولها أحب إلينا من عدم نزولها رغم ما فيها من العتاب لنا لأنه ذكر فيها أن الله تعالى يتولانا
وذكر في المستدرك جزء 2 صفحة 324
3163 - أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا سليمان بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عتيبة عن ابن عباس أنه قال : ما نصر النبي صلى الله عليه و سلم في موطن كما نصر يوم أحد قال فانكرنا ذلك فقال ابن عباس : بيني و بين من أنكر ذلك كتاب الله عز و جل يقول في يوم أحد : { و لقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه } يقول ابن عباس : و الحس القتل حتى إذا فشلتم و تنازعتم في الأمر و عصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا و منكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم و لقد عفا عنكم و الله ذو فضل على المؤمنين
و إنما عنى بهذا الرماة أن النبي صلى الله عليه و سلم أقامهم في موضع ثم قال : احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا و إن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا فلما غنم رسول الله صلى الله عليه و سلم و أباحوا عسكر المشركين انكشف الرماة جميعا فدخلوا في العسكر ينتهبون و قد التقت صفوف أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فهم هكذا و شبك بين أصابع يديه و التبسوا فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخل الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فضرب بعضهم بعضا و التبسوا و قتل من المسلمين ناس كثير و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة و جال المسلمون جولة نحو الجبل و لم يبلغوا حيث يقول الناس الغاب إنما كان تحت المهراس و صاح الشيطان : قتل محمد فلم يشكوا فيه أنه حق فما زلنا كذلك ما نشك أنه قد قتل حتى طلع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين السعدين فعرفناه بتكفأه إذا مشى قال : ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا قال : فرقي نحونا و هو يقول : اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبيهم قال و يقول مرة أخرى : اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا حتى انتهى إلينا قال فمكث ساعة فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل أعل هبل أعل هبل يعني آلهته أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر : يا رسول الله ألا أجيبه ؟ قال : بلى فلما قال أعل هبل قال عمر : الله أعلى و أجل فقال أبو سفيان : يا ابن الخطاب إنه يوم الصمت فعاد فقال : أين ابن كبشة أين ابن قحافة أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا أبو بكر و ها أنا ذا عمر فقال أبو سفيان : يوم بيوم بدر الأيام دول و الحرب سجال فقال عمر : لا سواء قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار قال : إنكم لتزعمون ذلك لقد خبنا إذا و خسرنا ثم قال أبو سفيان : أما أنكم سوف تجدون في قتلاكم مثلة و لم يكن ذلك عن رأي سراتنا ثم أدركته حمية الجاهلية فقال : أما أنه إذا كان ذلك لم نكرهه
هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه
تعليق الذهبي قي التلخيص صحيح
( جاء عند أبي نعيم في الطب النبوي قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إياكم والبطنة في الطعام والشراب فإنها مفسدة للجسم مورثة للفشل مكسلة عن الصلاة وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح . راجع : كشف الخفاء 1 / 286 والمقاصد الحسنة ص 124
وجاء في كتاب التعاريف جزء 1 صفحة 557
الفشل ضعف مع جبن والفشيل الجبان الضعيف القلب
ولما كان التنازع من شأنه أن ينشأ عن اختلاف الآراء وهو أمر مرتكز في الفطرة بسط القرآن القول فيه ببيان سيئ آثاره فجاء بالتفريع بالفاء في قوله ( فتفشلوا وتذهب ريحكم ) فحذرهم أمرين معلوما سوء مغبتهما : وهما الفشل وذهاب الريح
- صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام
-
انحطاط القوة وقد تقدم آنفا عند قوله ( ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ) وهو هنا مراد به حقيقة الفشل في خصوص القتال ومدافعة العدو ويصح أن يكون تمثيلا لحال المتقاعس عن القتال بحال من خارت قوته وفشلت أعضاؤه في انعدام إقدامه على العمل . وإنما كان التنازع مفضيا إلى الفشل لأنه يثير التغاضب ويزيل التعاون بين القوم ويحدث فيهم أن يتربص بعضهم ببعض الدوائر فيحدث في نفوسهم الاشتغال باتقاء بعضهم بعضا وتوقع عدم إلقاء النصير عند مآزق القتال فيصرف الأمة عن التوجه إلى شغل واحد فيما فيه نفع جميعهم ويصرف الجيش عن الإقدام على أعدائهم فيتمكن منهم العدو كما قال في سورة آل عمران ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم )
والريح حقيقتها تحرك الهواء وتموجه واستعيرت هنا للغلبة وأحسب أن وجه الشبه في هذه الاستعارة هو أن الريح لا يمانع جريها ولا عملها شيء فشبه بها الغلب والحكم
ثم أمرهم الله بشيء يعم نفعه المرء في نفسه وفي علاقته مع أصحابه ويسهل عليهم الأمور الأربعة التي أمروا بها آنفا في قوله ( فاثبتوا واذكروا الله كثيرا ) وفي قوله ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا ) الآية : ألا وهو الصبر فقال ( واصبروا ) لأن الصبر هو تحمل المكروه وما شديد على النفس وتلك المأمورات كلها تحتاج إلى تحمل المكاره فالصبر يجمع تحمل الشدائد والمصاعب ولذلك كان قوله ( واصبروا ) بمنزلة التذييل
وقوله ( إن الله مع الصابرين ) إيماء إلى منفعة للصبر إلهية وهي إعانة الله لمن صبر امتثالا لأمره وهذا مشاهد في تصرفات الحياة كلها
وجملة ( إن الله مع الصابرين ) قائمة مقام التعليل للأمر لأن حرف التأكيد في مثل هذا قائم مقام فاء التفريع كما تقدم في مواضع
( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط ) جملة ( ولا تكونوا ) معطوفة على ( ولا تنازعوا ) عطف نهي على نهي . ويصح أن تكون معطوفة على جملة ( فاثبتوا ) عطف نهي على أمر إكمالا لأسباب النجاح والفوز عند اللقاء : بأن يتلبسوا بما يدنيهم من النصر وأن يتجنبوا ما يفسد إخلاصهم في الجهاد
وجيء في نهيهم عن البطر والرثاء بطريقة النهي عن التشبه بالمشركين إدماجا للتشنيع بالمشركين وأحوالهم وتكريها للمسلمين تلك الأحوال لأن الأحوال الذميمة تتضح مذمتها وتنكشف مزيد الانكشاف إذا كانت من أحوال قوم مذمومين عند أخرين وذلك أبلغ في النهي وأكشف لقبح المنهي عنه . ونظيره قوله تعالى ( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) وقد تقدم آنفا . فنهوا عن أن يشبهوا حال المشركين في خروجهم لبدر إذ خرجوا بطرا ورئاء الناس لأن حق كل مسلم أن يريد بكل قول وعمل وجه الله والجهاد من أعظم الأعمال الدينية
والموصول مراد به جماعة خاصة وهم أبو جهل وأصحابه وقد مضى خبر خروجهم إلى بدر فإنهم خرجوا من مكة بقصد حماية عيرهم فلما بلغوا الجحفة جاءهم رسول أبي سفيان وهو كبير العير يخبرهم أن العير قد سلمت فقال أبو جهل " لا نرجع حتى نقدم بدرا نشرب بها وتعزف علينا القيان ونطعم من حضرنا من العرب حتى يتسامع العرب بأننا غلبنا محمدا وأصحابه " . فعبر عن تجاوزهم الجحفة إلى بدر بالخروج لأنه تكملة لخروجهم من مكة
- وانتصب " بطراورئاء الناس " على الحالية أي بطرين مرائين ووصفهم بالمصدر للمبالغة في تمكن الصفتين منهم لأن البطر والرياء خلقان من خلقهم
والفشل الوهن والإعياء والتنازع : التخالف والمراد بالعصيان هنا عصيان أمر الرسول وقد رتبت الفعال الثلاثة في الآية على حسب ترتيبها في الحصول إذ كان الفشل وهو ضجر بعض الرماة من ملازمة موقفهم للطمع في الغنيمة قد حصل أولا فنشأ عنه التنازع بينهم في ملازمة الموقف وفي اللحاق بالجيش للغنيمة ونشأ عن التنازع تصميم معظمهم على مفارقة الموقف الذي أمرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بملازمته وعدم الانصراف منه وهذا هو الأصل في ترتيب الأخبار في صناعة الإنشاء ما لم يقتض الحال العدول عنه
والتعريف في قوله ( في الأمر ) عوض عن المضاف إليه أي في أمركم أي شأنكم
ومعنى قوله ( من بعد ما أراكم ما تحبون ) أراد به النصر إذ كانت الريح أول يوم أحد للمسلمين فهزموا المشركين وولوا الأدبار حتى شوهدت نساؤهم مشمرات عن سوقهن في أعلى الجبل هاربات من الأسر وفيهن هند بنت عتبة ابن ربيعة امرأة أبي سفيان فلما رأى الرماة الذين أمرهم الرسول أن يثبتوا لحماية ظهور المسلمين الغنيمة التحقوا بالغزاة فرأى خالد بن الوليد وهو قائد خيل المشركين يومئذ غرة من المسلمين فأتاهم من ورائهم فانكشفوا واضطرب بعضهم في بعض وبادروا الفرار وانهزموا فلذلك قوله تعالى ( من بعدها أراكم ما تحبون ) فيكون المجرور متعلقا بفشلهم . والكلام على هذا تشديد في الملام والتنديم
المثلث الثاني من المجرد وهو
الفلل:
الفَلُّ الثَّلْم في السيف وفي المحكم الثَّلْم في أَيّ شيء كان فَلَّه يفُلُّه فَلاًّ
فلل ) الفَلُّ الثَّلْم في السيف وفي المحكم الثَّلْم في أَيّ شيء كان فَلَّه يفُلُّه فَلاًّ وَفَلَّلَه فتفَلَّل وانفَلَّ وَفَلَّلَه فتفَلَّل وانفَلَّ وافْتَلّ
قال بعض الأَغْفال لو تنطِح الكُنادِرَ العُضْلاَّ فَضَّت شُؤونَ رأْسِه فافْتَلاَّ وفي حديث أُمّ زَرْع شَجَّكِ أَو فَلَّكِ أَو جَمَع كُلاًّ لَكِ الفلُّ الكسر والضرب تقول إِنها معه بين شجّ رأْس أَو كسر عُضو أَو جمع بينهما وقيل أَرادت بالفَلِّ الخصومة وسيف فَلِيل مَفْلول وأَفَلُّ أَي مُنْفَلٌّ قال عنترة وسَيْفي كالعَقِيقة وهو كِمْعي سِلاحي لا أَفَلَّ ولا فُطارا وفُلولُه ثُلَمُه واحدها فَلٌّ وقد قيل الفُلول مصدر والأَول أَصح والتَّفْلِيل تَفَلُّل في حد السكين وفي غُرُوب الأَسْنان وفي السيف وأَنشد بهِنَّ فُلُولٌ من قِراع الكَتائبِ وسيف أَفَلُّ بيِّنُ الفَلَل ذو فُلول والفَلُّ بالفتح واحد فُلول السيف وهي كُسور في حدِّه وفي حديث سيف الزبير فيه فَلَّة فُلَّها يوم بدر الفَلَّة الثَّلْمة في السيف وجمعه فُلول ومنه حديث ابن عوف ولا تَفُلُّوا المُدى بالاختلاف بينكم المُدى جمع مُدْية وهي السكين كنى بفَلِّها عن النزاع والشقاق وفي حديث عائشة تصف أَباها رضي الله عنهما ولا فَلُّوا له صَفاةً أَي كَسَروا له حجراً كنَتْ به عن قوَّته في الدِّين وفي حديث عليّ رضي الله عنه يَسْتَنزِلّ لُبَّك ويَسْتَفِلّ غَرْبَك هو يستفعل من الفَلِّ الكسْرِ والغرب الحدُّ ونَصِيٌّ مُفَلَّل إِذا أَصاب الحجارة فكسرته وتَفَلَّلَتْ مَضاربه أَي تكسرت والفَلِيل ناب البعير المتكسر وفي الصحاح إِذا انثلَم والفَلُّ المنهزِمون وفَلَّ القومَ يفُلُّهم فلاًّ هزمهم فانفَلُّوا وتَفَلَّلوا وهم قوم فَلٌّ منهزمون والجمع فُلول وفُلاَّل قال أَبو الحسن لا يخلو من أَن يكون اسم جمع أَو مصدراً فإِن كان اسم جمع فقياس واحده أَن يكون فالاًّ كشارِب وشَرْب ويكون فالٌّ فاعلاً بمعنى مفعول لأَنه هو الذي فُلَّ ولا يلزم أَن يكون فُلولٌ جمعَ فَلٍّ بل هو جمع فالٍّ لأَن جمع اسم الجمع نادِر كجمع الجمع وأَمَّا فُلاَّل فجمع فالٍّ لا محالة لأَن فَعْلاً ليس مما يكسر على فُعَّال وإِن كان مصدراً فهو من باب نَسْج اليمين أَي أَنه في معنى مفعول قال ابن سيده هذا تفسير ما أَجمله أَهل اللغة والفَلُّ الجماعة والجمع كالجمع وهو الفَلِيل والفَلُّ القوم المنهزمون وأَصله من الكسر وانْفَلّ سِنُّه وأَنشد عُجَيِّز عارِضُها مُنْفَلُّ طَعامُها اللُّهْنةُ أَو أَقَلُّ وثَغْر مُفَلَّل أَي مؤشَّر والفُلَّى الكتيبة المُنْهزمة وكذلك الفُرَّى يقال جاء فَلُّ القوم أَي منهزموهم يستوي فيه الواحد والجمع قال ابن بري ومنه قول الجعدي وأَراه لم يُغادِر غير فَل أَي المَفْلول ويقال رجل فَلٌّ وقوم فَلٌّ وربما قالوا فَلُول وفِلال وفَلَلْت الجيش هزمته وفَلَّه يفُلُّه بالضم يقال فَلَّه فانفَلَّ أَي كسره فانكسر يقال مَن فَلَّ ذلّ ومن أُمِرَ فَلّ وفي حديث الحجاج بن عِلاط لعلّي أُصِيبُ من فَلِّ محمد وأَصحابه الفَلُّ القوم المنهزمون من الفَلِّ الكسر وهو مصدر سمي به أَراد لعلّي أَشتري مما أُصيب من غنائمهم عند الهزيمة وفي حديث عاتكة فَلّ من القوم هارب وفي قصيد كعب ان يترك القِرْن إِلاَّ وهو مَفْلولُ أَي مهزوم والفَلُّ ما نَدَر من الشيء كسُحالة الذهب وبُرادة الحديد وشَرَر النار والجمع كالجمع وأَرض فَلٌّ وفِلٌّ جَدْبة وقيل هي التي أَخطأَها المطر أَعواماً وقيل هي الأَرض التي لم تمطرَ بين أَرْضَين ممطورتين أَبو عبيدة هي الخَطِيطة فأَما الفِلُّ فالتي تمطَر ولا تُنبِت قال أَبو حنيفة أَفَلَّت الأَرض صارت فَلاًّ وأَنشد وكم عسَفت من مَنْهَل مُتخاطَإٍ أَفَلَّ وأَقْوى فالجِمَام طَوامِي غيره الفِلُّ الأَرض التي لم يصبها مطر وأَرض فلٌّ لا شيء بها وفَلاةٌ منه وقيل الفِلُّ الأَرض القفرة والجمع كالواحد وقد تكسَّر على أَفْلال وأَفْلَلْنا أَي صرنا في فَلٍّ من الأَرض وأَفْلَلْنا وطئنا أَرضاً فِلاًّ وقال عبد الله بن رواحة يصف العُزَّى وهي شجرة كانت تُعبد شَهِدْت ولم أَكذِب بأَنَّ محمداً رسولُ الذي فوق السموات من عَلُ وأَنَّ التي بالجِزْع من بَطْن نخلةٍ ومَنْ دانَها فِلٌّ من الخير مَعزِلُ أَي خالٍ من الخير ويروى ومن دونها أَي الصَّنَم المنصوب حوْل العُزَّى وقال آخر يصف إِبلاً حَرَّقَها حَمْضُ بلادٍ فِلِّ وغَتْمُ نَجْم غير مُسْتَقِلِّ فما تكادُ نِيبُها تُوَلِّي الغتْم شدة الحر الذي يأْخذ بالنفَس وقال ابن شميل الفَلالِيُّ واحدته فِلِّيَّة وهي الأَرض التي لم يصبها مطر عامِها حتى يصيبها المطرُ من العام المقبل ويقال أَرض أَفْلال قال الراجز مَرْتُ الصَّحارِي ذُو سُهُوبٍ أَفْلالْ وقال الفراء أَفَلَّ الرجلُ صار بأَرض فَلٍّ لم يصبه مطر قال الشاعر أَفَلَّ وأَقْوَى فهو طاوٍ كأَنما يُجاوِبُ أَعْلى صَوتِه صوتُ مِعْوَل وأَفَلَّ الرجل ذهب ماله مأْخوذ من الأَرض الفَلِّ واسْتَفَلَّ الشيءَ أَخذ منه أَدنى جزء لعُسْره والاسْتِفْلال أَن يُصيب من الموضع العَسِر شيئاً قليلاً من موضع طلَب حقٍّ أَو صِلَة فلا يَسْتَفِلّ إِلا شيئاً يسيراً والفَلِيلة الشعر المجتمع المحكم الفَلِيلة والفَلِيل الشعر المجتمع فإِما أَن يكون من باب سَلَّة وسَلٍّ وإِما أَن يكون من الجمع الذي لا يفارق واحده إِلا بالهاء قال الكميت ومُطَّرِدِ الدِّماء وحيث يُلْقى من الشَّعَر المضَفَّر كالفَلِيل قال ابن بري ومنه قول ابن مقبل تَحَدَّرَ رَشْحاً لِيتُه وفَلائِلُه وقال ساعدة بن جؤية وغُودِرَ ثاوِياً وتَأَوَّبَتْه مُذرَّعةٌ أُمَيْمُ لها فَلِيلُ وفي حديث معاوية أَنه صَعِد المنبر وفي يده فَلِيلة وطَريدة الفَلِيلة الكُبَّة من الشعر والفَلِيل الليفُ هذلية وفَلَّ عنه عقله يَفِلُّ ذهب ثم عاد والفُلْفُل بالضم
( * قوله « والفلفل بالضم إلخ » عبارة القاموس والفلفل كهدهد وزبرج حب هندي ) معروف لا ينبُت بأَرض العرب وقد كثر مجيئه في كلامهم وأَصل الكلمة فارسية قال أَبو حنيفة أَخبرني من رأَى شجرَه فقال شجره مثل شجر الرمَّان سواء وبين الورَقتين منه شِمْراخان مَنْظومان والشِّمْراخ في طول الأُصبع وهو أَخضر فيجتنى ثم يُشَرُّ في الظل فيسودّ وينكمِش وله شوك كشوك الرمان وإِذا كان رطْباً رُبِّب بالماء والملح حتى يُدْرِك ثم يؤكل كما تؤكل البُقول المُرَبَّبة على الموائد فيكون هاضُوماً واحدته فُلْفُلة وقد فَلْفل الطعام ه )
كأَنَّ مَكاكِيَّ الجِواءِ غُدَيَّةً صُبِحْنَ سُلافاً من رَحيقٍ مُفَلْفَل ذكَّر على إِرادة الشراب والمُفَلْفَل ضرب من الوَشْي عليه كصَعَارِير الفُلْفُل وثوب مُفَلْفَل إِذا كانت داراتُ وَشْية تحكي استِدارة الفُلْفُل وصِغَرَه وخمرٌ مُفَلْفَل أُلقي فيه الفُلْفُل فهو يَحْذِي اللسانَ وشرابٌ مُفَلْفَل أَي يلذَع لذْع الفُلْفُل وتَفَلْفَل قادِمَتا الضَّرْع إِذا اسودَّت حَلَمَتاهما قال ابن مقبل فمرَّتْ على أَطْراف هِر عَشِيَّةً لها تَوْأَبانِيَّانِ لم يَتَفَلْفَلا التَّوْأَبانِيَّان قادِمَتا الضرع والفُلْفُل الخادم الكيِّس وشعَر مُفَلْفَل إِذا اشتدَّت جُعودته المحكم وتَفَلْفَل شعر الأَسود اشتدَّت جُعودته وربما سمي ثمر البَرْوَقِ فُلْفُلاً تشبيهاً بهذا الفُلْفُل المتقدم قال وانْتَفَضَ البَرْوَقُ سُودا فُلْفُلُه ومن روى قِلْقِله فقد أَخطأَ لأَن القِلْقِل ثمر شجر من العِضاه وأَهل اليمن يسمون ثمر الغافِ فُلْفُلاَ وأَدِيم مُفَلْفَل نَهَكه الدِّباغ وفي حديث عليّ قال عَبْد خَيرٍ إِنه خرج وقت السحَر فأَسرعْت إِليه لأَسأَله عن وقت الوِتر فإِذا هو يتَفَلْفَل وفي رواية السُّلمي خرج علينا عليٌّ وهو يتَفَلْفَل قال ابن الأَثير قال الخطابي يقال جاء فلان مُتَفَلْفِلاً إِذا جاء والمِسواك في فِيه يَشُوصُه ويقال جاءَ فلان يتفلفل إِذا مشى مِشْية المتبختر وقيل هو مُقارَبة الخُطى وكلا التفسيرين محتمل للروايتين وقال القتيبي لا أَعرف يتَفَلْفَل بمعنى يستاك قال ولعله يتَتَفَّل لأَن من استاك تَفَل وقال النضر جاء فلان مُتَفَلْفِلاً إِذا جاء يشُوص فاه بالسِّواك وفَلْفَل إِذا استاك وفَلْفَل إِذا تبختر قال ومن خفيف هذا الباب فُلُ في قولهم للرجل يا فُلُ قال الكميت وجاءتْ حَوادِث في مِثْلِها يُقال لمثليَ وَيْهاً فُلُ وللمرأَة يا فُلَة قال سيبويه وأَما قول العرب يا فُلْ فإِنهم لم يجعلوه اسماً حذف منه شيء يثبت فيه في غير النداء ولكنهم بنوا الاسم على حرفين وجعلوه بمنزلة دَم قال والدليل على أَنه ترخيم فُلان أَنه ليس أَحد يقول يا فُلْ وهذا اسم اختص به النداء وإِنما بُني على حرفين لأَن النداء موضع حذف ولم يجز في غير النداء لأَنه جعل اسماً لا يكون إِلا كناية لمنادى نحو يا هَنَة ومعناه يا رجل وقد اضطر الشاعر فاستعمله في غير النداء قال أَبو النجم تَدافَعَ الشيبُ ولم تقْتلِ في لَجَّة أَمْسِكْ فُلاناً عن فُلِ فكسر اللام للقافية الجوهري قولهم في النداء يا فُلُ مخففاً إِنما هو محذوف من يا فلان لا على سبيل الترخيم قال ولو كان ترخيماً لقالوا يا فُلا وفي حديث القيامة يقول الله تبارك وتعالى أَي فُلْ أَلم أُكْرِمْك وأُسَوِّدْك معناه يا فُلان قال ابن الأَثير وليس ترخيماً لأَنه لا يقال إِلا بسكون اللام ولو كان ترخيماً لفتحوها أَو ضموها قال سيبويه ليست ترخيماً وإِنما هي صِيغة ارتُجِلت في باب النداء وجاء أَيضاً في غير النداء وقال الجوهري ليس بترخيم فُلان ولكنها كلمة على حِدَة فبنو أَسَد يوقعونها على الواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد وغيرهم يثني ويجمع ويؤنث وفُلان وفُلانة كناية عن الذكر والأُنثى من الناس فإِن كنيت بهما عن غير الناس قلت الفُلان والفُلانة قال وقال قوم إِنه ترخيم فُلان فحذفت النون للترْخيم والأَلف لسكونها وتفتح اللام وتضم على مذهبي الترخيم وفي حديث أُسامة في الوالي الجائر يُلْقَى في النار فَتَنْدَلِق أَقْتابه فيقال له أَي
فَلَّهُ وفَلَّلَهُ : ثَلَمَه فَتَفَلَّلَ وانْفَلَّ وافْتَلَّ و القومَ : هَزَمَهُم فانْفَلُّوا وتَفَلَّلوا . وقومٌ فَلٌّ : مُنْهزِمونَ ج : فُلولٌ وأفْلالٌ . وسَيْفٌ فَليلٌ ومَفْلولٌ وأفَلُّ ومُنْفَلٌّ : مُنْثَلِمٌ . وفُلولُه : ثُلَمُه واحِدُها : فَلٌّ . والفَليلُ : نابُ البعيرِ المنكسِرُ والجماعةُ كالفَلِّ والشَّعَرُ المُجْتَمِعُ كالفَليلَةِ والليفُ . والفَلُّ : ما نَدَرَ عن الشيءِ كسُحالةِ الذَّهَبِ وبُرادَةِ الحديدِ وشَرارِ النارِ والأرضُ الجَدْبَةُ ويُكْسَرُ أو التي تُمْطَرُ ولا تُنْبِتُ أو ما أخطأها المَطَرُ أعواماً أو ما لم تُمْطَرْ بين ممطورَتَيْنِ أو القَفْرَةُ . والجمعُ كالواحِدِ وأفْلالٌ . وأفْلَلْنا : وطِئْناها وبالكسر : الأرضُ لا نباتَ بها وما رَقَّ من الشَّعَرِ . واسْتَفَلَّ الشيءَ : أخَذَ منه أدنَى جُزْءٍ كعُشْرِه . وأفَلَّ : ذهبَ مالُه . وفَلَّ عنه عَقْلُه يَفِلُّ : ذهبَ ثم عادَ . والفُلَّى كرُبَّى : الكَتيبَةُ المُنْهزِمةُ . والفُلْفُلُ كهُدْهُدٍ وزِبْرِجٍ : حَبٌّ هِنْدِيٌّ والأبيضُ أصْلَحُ وكِلاهُما نافعٌ لقَلْع البَلْغَمِ اللَّزِجِ مَضْغاً بالزِّفْتِ ولتَسْخينِ العَصَبِ والعَضَلاتِ تَسْخيناً لا يُوازيهِ غيرُه وللمَغَصِ والنَّفْخِ واسْتِعْمالُه في اللَّعوقِ للسُّعالِ وأوْجاعِ الصَّدْرِ وقَليلُه يَعْقِلُ وكثيرُه يُطْلِق ويُجَفِّفُ ويُدِرُّ ويُبَدِّدُ المَنِيَّ بعدَ الجماعِ ويُفْسِدُ الزَّرْعَ بقُوَّةٍ . وأمَّا الدارَ فُلْفُلَ : وهو شجرُ الفُلْفُلِ أوَّلَ ما يُثْمِرُ فَيزيدُ في الباءَة ويُحْدِرُ الطعامَ ويُزيلُ المَغَصَ ويَنْفَعُ من نَهْشِ الهَوامِّ طِلاءً بالدُّهْنِ . وكهُدْهُدٍ : الخادِمُ الكَيِّسُ والليفُ واسْمٌ . وتَفَلْفَلَ : قارَبَ بين الخُطا وتَبَخْتَرَ وشاصَ فاهُ بالسِّواكِ كفَلْفَلَ فيهما وقادِمَتا الضَّرْعِ اسْوَدَّتْ حَلَمَتاهُما . والفِلِّيَّةُ بالكسر : الأرضُ لم يُصِبْها مَطَرُ عامِها حتى يُصيبَها المَطَرُ من القابِلِ ج : الفَلالِيُّ . وثَوْبٌ مُفَلْفَلٌ بالفتح : مُوَشًّى كصَعاريرِ الفُلْفُلِ . وشَرابٌ مُفَلْفَلٌ : يَلْذَعُ لَذْعَهُ . وشَعَرٌ مُفَلْفَلٌ : شديدُ الجُعودَةِ . وأديمٌ مُفَلْفَلٌ : نَهَكَهُ الدِّباغُ . والأَفَلُّ : سَيْفٌ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ . وفِلْفِلانُ بالكسر : ة بأصبَهان
والمثلث الثالث من المجرد وهو
شلل:/
الشَّلَلُ يُبْسُ اليَدِ وذَهابُها وقيل هو فَساد في اليد شَلَّتْ يَدُه تَشَلُّ بالفتح شَلاًّ وشَلَلاً وأَشَلَّها اللهُ قال اللحياني شَلَّ عَشْرُه وشَلَّ خَمْسُه قال وبعضهم يقول شَلَّت قال وهي أَقَلُّ يعني أَن حذف علامة التأْنيث في مثل هذا أَكثر من إِثباتها وأَنشد فَشَلَّتْ يَميني يَوْمَ أَعْلُو ابْنَ جَعْفَرٍ وشَلَّ بَناناها وشَلَّ الخَناصِرُ ورَجُلٌ أَشَلُّ وقد أَشَلَّ يَدَه ولا شَلَلاً ولا شَلالِ مَبْنِيَّة كَحَذَامِ أَي لا تَشْلَلْ يَدُك ويقال في الدعاء لا تَشْلَلْ يَدُك ولا تَكْلَلْ وقد شَلِلْتَ يا رَجُل بالكسر تَشَلُّ شَلَلاً أَي صِرْت أَشَلَّ والمرأَة شَلاَّء ويقال لمن أَجاد الرَّمْيَ أَو الطَّعْن لا شَلَلاً ولا عَمًى ولا شَلَّ عَشْرُك أَي أَصابِعُك قال أَبو الخُضْريِّ اليَرْبُوعي مُهْرَ أَبي الحَبْحابِ لا تَشَلِّي بارَكَ فيكَ اللهُ مِنْ ذِي أَلِّ
( * قوله « مهر ابي الحبحاب » قال في التكملة والرواية مهر أبي الحرث )
حَرَّك تَشَلِّي للقافية والياء من صلة الكسر وهو كما قال امرؤ القيس أَلا أَيُّها اللَّيْلُ الطَّويل أَلا انْجَلي بصُبْحٍ وما الإِصْباحُ مِنكَ بأَمْثَل الفراء لا يقال شُلَّتْ يَدُه وإِنما يقال أَشَلَّها اللهُ الليث ويقال لا شَلَلِ في معنى لا تَشْلَلْ لأَنه وَقَع مَوْقِع الأَمر فشُبِّه به وجُرَّ ولو كان نَعْتاً لنُصِب وأَنشد ضَرْباً على الهاماتِ لا شَلَلِ قال وقال نصربن سَيَّار إِني أَقول لمن جَدَّتْ صَرِيمَتُه يَوْماً لِغانِيَةٍ تَصْرِمْ ولا شَلَلِ قال ولم أَسمع الكسر لا شَلَلِ لغيره الأَزهري وسمعت العرب تقول للرجل يُمارِسُ عَمَلاً وهو ذو حِذقٍ به لا قَطْعاً ولا شَلَلاً أَي لا شَلِلْتَ على الدعاء وهو مصدر وقوله تَصْرِم معناه في هذا اصْرِم ولا شَلَلِ أَي ولا شَلِلْتَ وقال لا شَلَلِ فكَسَرَ لأَنه نَوى الجَزْم ثم جَرَّتْه القافية وأَنشد ابن السكيت مُهْرَ أَبي الحَبْحاب لا تَشَلِّي قال الأَزهري معناه لا شَلِلْتَ كقوله أَلَيْلَتَنا بذي حُسُمٍ أَنِيري إِذا أَنْتِ انْقَضَيْتِ فلا تَحُوري أَي لا حُرْتِ قال الأَزهري وسمعت أَعرابيّاً يقول شُلَّ يَدُ فلان بمعنى قُطِعَتْ قال ولم أَسمعه من غيره وقال ثعلب شَلَّتْ يَدُه لغةٌ فصيحة وشُلَّت لغة رديئة قال ويقال أُشِلَّت يدُه وفي الحديث وفي اليد الشَّلاَّءِ إِذا قُطِعَتْ ثُلُثُ دِيتها هي المُنْتَشِرة العصب التي لا تُواتي صاحِبَها على ما يُريد لِما بها من الآفة قال ابن الأَثير يقال شَلَّتْ يدُه تَشَلُّ شَلَلاً ولا تضم الشين وفي الحديث شَلَّتْ يدُه يَوْمَ أُحُدٍ وفي حديث بَيْعَةِ عَليٍّ عليه السلام يَدٌ شَلاَّءُ وبَيْعَةٌ لا تَتِمُّ يريد طلحة كانت أُصيبت يَدُه يوم أُحُد وهو أَوّل من بايَعَه
والشَّلَلُ في الثوب أَن يصيبه سوادٌ أَو غيره فإِذا غُسِل لم يَذْهَب يقال ما هذا الشَّلَلُ في ثوبك ؟ والشَّلِيلُ مِسْحٌ من صوف أَو شَعَر يُجْعَل على عَجُزِ البعير من وراء الرِّحْل قال جَمِيل تَئِجُّ أَجِيجَ الرَّحْلِ لَمَّا تَحَسَّرَتْ مَناكِبُها وابْتُزَّ عنها شَلِيلُها والشَّلِيلُ الحِلْسُ قال إِلَيْك سارَ العِيسُ في الأَشِلَّه والشَّلِيلُ الغِلالة التي تُلْبَسُ فوق الدِّرْع وقيل هي الدِّرْع الصغيرة القصيرة تكون تحت الكبيرة وقيل تحت الدِّرْع من ثوب أَو غيره وقيل هي الدِّرْع ما كانت والجمع الأَشِلَّة قال أَوس وجِئْنا بها شَهْباءَ ذاتَ أَشِلَّةٍ لها عارِضٌ فيه المَنِيَّةُ تَلْمَع ابن شميل شَلَّ الدِّرْعَ يَشُلُّها شَلاًّ إِذا لَبِسها وشَلَّها عليه ويقال للدِّرْع نفسِها شَلِيلٌ والشُّلَّة الدِّرْع والشَّلِيلُ النُّخاعُ وهو العِرْقُ الأَبيض الذي في فِقَرِ الظَّهْر والشَّلِيلُ طرائق طِوالٌ من لحم تكون ممتدَّة مع الظَّهْر واحدتها شَلِيلةٌ كلاهما عن كراع
( * قوله « كلاهما عن كراع إلخ » عبارة المحكم والشليل مجرى الماء في الوادي وقيل وسطه الذي يجري فيه الماء والشليل النخاع وهو العرق الابيض الذي في فقر الظهر واحدتها شليلة كلاهما عن كراع والسين فيهما أعلى )
والسين فيها أَعلى والشَّلُّ والشَّلَلُ الطَّرْد شَلَّه يَشُلُّه شَلاًّ فانشَلَّ وكذلك شَلَّ العَيْرُ أُتُنَه والسائق إِبله وحمارٌ مِشَلٌّ كثير الطرْد والشَّلَّة الطَّرْدُ وشَلَلْت الإِبِلَ أَشُلُّها شَلاًّ إِذا طَرَدتها فانشَلَّت ومَرَّ فلان يَشُلُّهم بالسيف أَي يَكْسَؤُهم ويطرُدُهم وذهبَ القومُ شِلالاً أَي انشَلُّوا مطرودين وجاؤوا شِلالاً إِذا جاؤوا يَطرُدون الإِبل والشِّلالُ القومُ المتفرقون قال ابن الدُّمَيْنة أَما والذي حجَّتْ قُرَيْشٌ قَطِينَه شِلالاً ومَوْلى كُلِّ باقٍ وهالِكِ والقَطِين سَكْنُ الدار ابن الأَعرابي شَلَّ يَشُلُّ إِذا طَرَد وشَلَّ يَشِلُّ إِذا اعْوَجَّت يدُه بالكسر والأَشَلُّ المُعْوَجُّ المِعْصَم المتَعَطِّل الكَفِّ قال الأَزهري المعروف شَلَّتْ يدُه تَشَلُّ بالفتح فهي شَلاَّءِ وعَينٌ شَلاَّء للتي ذهب بَصرُها وفي العين عِرْقٌ إِذا قُطِع ذهب بصرُها أَو أَشَلَّها ورجل مِشَلٌّ وشَلولٌ وشُلُلٌ وشُلْشُل خفيف سريع قال الأَعشى وقد غَدَوْتُ إِلى الحانوتِ يَتْبَعُني شاوٍ مِشَلٌّ شَلُولٌ شُلْشُلٌ شَوِلُ
قال سيبويه جمع الشُّلُلِ شُلُلونَ ولا يُكَسَّر لقِلة فُعُلٍ في الصفات وقال أَبو بكر في بيت الأَعشى الشّاوِي الذي شَوى والشَّلول الخفيف والمِشَلُّ المِطْرَد والشُّلْشُل الخفيف القليل وكذلك الشَّوِل والأَلفاظ متقاربةٌ أُريد بذكرها والجمع بينها المبالغة ابن الأَعرابي المُشَلِّل الحمار النِّهايةُ في العِناية بأُتُنِه ويقال إِنه لَمُشِلٌّ مِشَلٌّ مُشَلِّل لعانته ثم ينقل فيُضرب مَثَلاً للكاتب النِّحْرير الكافي يقال إِنه لمِشَلٌّ عُونٍ ابن الأَعرابي يقال للغلام الحارِّ الرأْس الخفيف الروح النشيط في عمله شُلْشُلٌ وشُنْشُن وسُلْسُل ولُسْلُس وشُعْشُعٌ وجُلْجُل والمُتَشَلْشِل الذي قد تخَدَّد لحمُه ورجل شُلشُلٌ بالضم ومُتَشَلْشِل قليل اللحم خفيف فما أَخَذَ فيه من عَمل أَو غيره وقال تأَبَّط شرًّا ولكِنَّني أُرْوِي من الخَمْرِ هامَتي وأَنْضُو المَلا بالشَّاحِب المُتَشَلشِل إِنما يعني الرجل الخفيف المتخدِّد القليل اللحم والشاحب على هذا يريد به الصاحب وقيل يريد به السيف وقال الأَصمعي هو سيف يَقْطُر منه الدمُ والشاحِبُ الذي أَخْلَقَ جَفْنُه قال ورجل مُتَشَلْشِل إِذا تخَدَّد لحمُه ورجل شَلْشالٌ مثله ابن الأَعرابي شَلَلْت الثوبَ خِطْتُه خِياطةً خفيفة والشَّلْشَلة قَطَرانُ الماء وقد تشَلْشَل وماءٌ شَلْشَلٌ ومُتَشَلْشِلٌ تشَلْشَل يَتْبَع قَطَرانُ بعضه بعضاً وسَيَلانُه وكذلك الدَّمُ ومنه قول ذي الرُّمّة وَفْراءَ غَرْفيَّةٍ أَثْأَى خَوارِزَها مُشَلْشَلٌ ضَيَّعَتُه بينها الكُتَبُ والشَّلْشَل الزِّقُّ السائل وشَلْشَلْتُ الماء أَي قَطَّرته فهو مُشَلْشَل وماء ذو شَلْشَلٍ وشَلْشالٍ أَي ذو قَطَرانٍ وأَنشد الأَصمعي واهْتَمَّتِ النَّفْسُ اهْتِمامَ ذي السَّقَم ووافَتِ اللَّيْلَ بِشَلْشالٍ سَجَم وفي الحديث فإِنه يأْتي يومَ القيامة وجرحُه يتَشلْشل أَي يَتقاطَرُ دَماً يقال شَلشَلَ الماءَ فتَشَلْشَل وشَلْشل السيفُ الدمَ وتشَلشَل به صَبَّه وقيل لنُصَيبٍ ما الشَّلْشالُ ؟ في بيتٍ قاله فقال لا أَدري سمعته يقال فقُلته وشلشَلَ بوله وببوله شلشلة وشِلشالاً فرَّقه وأَرسله منتشراً والاسم الشَّلشالُ والصبيُّ يُشَلشِلُ ببوله وشَلَّتِ العينُ دَمْعَها كشَنَّتْه أَرْسَلته وزعم يعقوب أَنه من البدل والشَّليلُ من الوادي وَسَطه حيث يَسيل مُعْظم الماء شمر انسَلَّ السَّيْلُ وانشَلَّ وذلك أَوَّلَ ما يبتدئ حين يَسيل قبلَ أَن يشتدَّ والشَّليلُ الكساء الذي تحت الرَّحْل والشَّليل الحِلْس الذي يكون على عَجُز البعير وقال حاجب المازني صَحا قَلبي وأَقْصَرَ غَيرَ أَنِّي أَهَشُّ إِذا مَرَرتُ على الحُمول كَسَوْنَ الفارِسِيَّةَ كُلَّ قَرْنٍ وزَيَّنَّ الأَشِلَّةَ بالسُّدُولِ ورواه ابن الغرقي القادِسِيّة والقرنُ قرن الهَوْدَج والسُّدول جمع سَدِيل وهو ما أُسْبِل على الهودج والشُّلَّى النِّيّة في السفر والصوم والحرب يقال أَينَ شُلاَّهم ؟ ابن سيده والشُّلَّة النّية حيث انتَوى القومُ وفي التهذيب النيّة في السفر والشَّلَّة والشُّلَّة الأَمر البعيد تطلبه قال أَبو ذؤيب نَهَيْتُكَ عن طلابِكَ أُمَّ عَمْرو بِعاقِبةٍ وأَنْتَ إِذٍ صَحِيحُ وقلتُ تجَنَّبَنْ سُخْطَ ابنِ عَمٍّ ومَطْلَبَ شُلَّةٍ وهي الطَّروحُ ورواه الأَخفش سُخْطَ ابن عمرو وقال يعني ابن عُوَيمر ويروى ونوًى طَروح والطَّروح النِّيَّة البعيدة والشُّلاشِلُ الغَضُّ من النبات قال جرير يَرْعَيْن بالصُّلْب بذي شُلاشِلا وقول الشاعر كَرِهْتُ العَقْرَ عَقْرَ بني شَلِيل
( * قوله « كرهت العقر إلخ » صدر بيت تقدم في ترجمة عقر وتمامه « إذا هبت لقاريها الرياح » وضبط هناك شليل كزبير خطأ والصواب ما هنا )
شَلِيلٌ جَدُّ جرير بن عبد الله البَجَلي التهذيب في ترجمة شغغ ابن الأَعرابي انشَغَّ الذئبُ في الغَنم وانشَلَّ فيها وانشَنَّ وأَغار فيها واسْتَغار بمعنى واحد وشَلِيلُ اسم بلد قال النابغة الجعدي حتى غَلَبْنا ولولا نحن قدْ عَلِموا حَلَّتْ شَلِيلاً عَذاراهُم وجَمّالا
( * قوله « حتى غلبنا » تقدم في ترجمة جمل علمنا
الشلل بفتح الشين واللام مصدر شللت بكسر اللام وهو فساد اليد والمراد هنا فساد الفرج تقول شل بفتح الشين ولا يقال شل بضمها بل الشلاء بالمد اليابسةيقال اشل بضم الهمزة
الشلل بطلان حركة اليد لفساد عروقها
: لقحٌ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَيَبْقَى فيه أَثَر
ومن هنا يتضح لنا ان كلمة ( فشل) ومثلها المجرد في قواميس اللغة العربية انها تتحد في معنى واحد وهو الوهن والضعف والجبن والهزيمة
والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ضعيفا
وكذلك لم يكن انهزاميا ولم يكن موهنا
ولم يكن جبانا
وكما ورد في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى جزء 1 صفحة 117
وأما الشجاعة والنجدة:
فالشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل، والنجدة ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف، وكان صلى الله عليه وسلم منهما بالمكان الذى لا يجهل قد حضر المواقف الصعبة وفر الكماة والأبطال عنه غير مرة وهو ثابت لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح، وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة وحفظت عنه جولة سواه.
حدثنا أبو علي الجيانى فيما كتب لى حدثنا القاضى سراج حدثنا أبو محمد الأصيلي حدثنا أبو زيد الفقيه حدثنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا ابن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبى إسحاق سمع البراء وسأله رجل: أفررتم يوم حنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر ثم قال لقد رأيته على بغلته البيضاء وأبو سفيان آخذ بلجامها والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النبي لا كذب، وزاد غيره: أنا ابن عبد المطلب، قيل فما روى يومئذ أحد كان أشد منه، وقال غيره نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته، وذكر مسلم عن العباس قال فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركابه ثم نادى يا للمسلمين - الحديث - وقيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب ولا يغضب إلا لله - لم يقم لغضبه شئ، وقال ابن عمر ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقال على رضى الله عنه إنا كنا إذا حمى البأس ويروى اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه ولقد رأيتنى يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو كان من أشد الناس يومئذ بأسا
وقيل كان الشجاع هو الذى يقرب منه صلى الله عليه وسلم إذا دنا العدو لقربه منه، وعن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم إلى الصوت وقد استبرأ الخبر على فرس لأبى طلحة عرى والسيف في عنقه وهو يقول لن تراعوا،
وقال عمران بن حصين ما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب ولما رآه أبى بن خلف يوم أحد وهو يقول أين محمد لا نجوت إن نجا وقد كان يقول للنبى صلى الله عليه وسلم حين افتدى يوم بدر عندي فرس أعلفها كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنا أقتلك إن شاء الله فلما رآه يوم أحد شد أبى على فرسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترضه رجال من المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا أي خلوا طريقه وتناول الحربة من الحارث بن الصمة فانتفض بها انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض ثم استقبله النبي صلى الله عليه وسلم فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا وقيل بل كسر ضلعا من أضلاعه فرجع إلى قريش يقول قتلني محمد وهم يقولون لا بأس عليك فقال لو كان ما بى بجميع الناس لقتلهم
وأما الحلم والاحتمال والعفو مع المقدرة والصبر على ما يكره وبين هذه الألقاب فرق فإن الحلم حالة توقر وثبات عند الأسباب المحركات، والاحتمال حبس النفس عند الآلام والمؤذيات ومثلها الصبر ومعانيها متقاربة، وأما العفو فهو ترك المؤاخذة وهذا كله مما أدب الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف)
لآية، روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم نزلت عليه هذه الآية سأل جبريل عليه السلام عن تأويلها فقال له حتى أسال العالم ثم ذهب فأتاه فقال يا محمد إن الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك وقال له (واصبر على ما أصابك) الآية وقال تعالى (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) وقال (وليعفوا وليصفحوا) الآية وقال تعالى (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) ولا خفاء بما يؤثر من حلمه واحتماله، وأن كل حليم قد عرفت منه زلة وحفظت عنه هفوة وهو
صلى الله عليه وسلم لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبرا وعلى إسراف الجاهل إلا حلما * حدثنا القاضى أبو عبد الله محمد بن على التغلبي وغيره قالوا حدثنا محمد بن عتاب حدثنا أبو بكر بن واقد القاضى وغيره حدثنا أبو عيسى حدثنا عبيد الله حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت
(ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين قط إلا اختار ايسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله بها.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شقا شديدا وقالوا لو دعوت عليهم فقال (إنى لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) وروى عن عمر رضى الله عنه أنه قال في بعض
كلامه: بأبى أنت وأمى يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه فقال (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) ولو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا فلقد وطئ ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأتبى أن تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، قال القاضى أبو الفضل وفقه الله: انظر ما في هذا القول من جماع الفضل ودرجات الإحسان وحسن الخلق وكرم النفس وغاية الصبر والحلم، إذ لم يقتصر صلى الله عليه وسلم على السكوت عنهم حتى عفا عنهم ثم أشفق عليهم ورحمهم ودعا وشفع لهم فقال اغفر أو اهد، ثم أظهر سبب الشفقة والرحمة بقوله لقومي، ثم اعتذر عنهم بجهلهم فقال فإنهم لا يعلمون، ولما قال له الرجل اعدل فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله: لم يزده في جوابه أن بين له ما جهله ووعظ نفسه وذكرها بما قال له فقال ويحك (فمن يعدل إن لم أعدل ؟ خبت وخسرت إن لم أعدل) ونهى من أراد من أصحابه قتله،
ولما تصدى له غورث بن الحارث ليفتك به ورسول الله صلى الله عليه وسلم منتبذ تحت شجرة وحده قائلا والناس قائلون في غزاة فلم ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو قائم والسيف صلتا في يده فقال من يمنعك منى ؟ فقال: الله، فسقط السيف من يده: فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال من يمنعك منى ؟ قال كن خير آخذ، فتركه وعفا عنه، فجاء إلى قومه فقال جئتكم من عند خير الناس * ومن عظيم خبره في العفو عفوه عن اليهودية التى سمته في الشاة بعد اعترافها على الصحيح من الرواية، وأنه لم يؤاخذ لبيد بن الأعصم إذ سحره وقد أعلم به واوحى إليه لشرح أمره، ولا عتب عليه فضلا عن معاقبته
بى) قال لا، قال (لم ؟) قال لأنك لا نكافي بالسيئة السيئة فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر أن يحمل له على بعير شعير وعلى الآخر تمر، قالت عائشة رضى الله عنها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم تكن حرمة من محارم الله وما ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله وما ضرب خادما ولا امرأة، وجئ إليه برجل فقيل هذا أراد أن يقتلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (لن تراع لن تراع ولو أردت ذلك لم تسلط على)
الطائف
كما ورد في معجم البلدان المجلد الرابع ص9
الطائفُ: بعد الألف همزة في صورة الياء ثم فاء وهو في الإقليم الثاني وعرضها إحدى وعشرون درجة وبالطائف عقبة وبالطائف عقبة وهي مسيرة يوم للطالع من مكة ونصف يوم للهابط إلى مكة عمَرها حسين بن سلامة وسدهاَ ابنه وهو عبد نوبيٌ وَزَرَ لأبي الحسين بن زياد صاحب اليمن في حدود سنة 430 فعمَر هذه العقبة عمارة يمشي في عرضها ثلاثة جمال بأحمالها، وقال أبو منصور: الطائف العاسُ بالليل وأما الطائفُ التي بالغور فسميت طائفاً بحائطها المبني حولها المحدق بها، والطائف والطيف في قوله تعالى: " إذا مسهم طائفٌ من الشيطان " الأعراف: 201، ما كان كالخيال والشيء يُلمُ بك وقوله تعالى: " فطاف عليها طائف من ربك " لا يكون الطائف إلا ليلاً ولا يكو نهاراً وقيل في قول أبي طالب بن عبد المطلب: نحن بنينا طائفاً حصيناً قالوا: يعني الطائف التي بالغور من القرى والطائف هو وادي وج َفي وهو بلاد ثقيف بينها وبين مكةَ اثنا عشر فرسخاً
ثمٍ أتى مسعودَ بن معتب الثقفي ومعه مال كثير وكان تاجرا فقال: أحالفكم لتزوجوني وأزوجكم وأبني لكم طَوْفاً عليكم مثل الحائط لا يصل إليكم أحد من العرب قالوا: فابْن فبنى بذلك المال طَوْفاً عليهم فسميت الطائف وتزوج إليهم فزوجوه ابنةً، قالوكانت الطائف تسمَى قبل ذلك وجاب بوج بن عبد الحي من العماليق وهو أخو أجإٍ الذي سمي به جبل طيىءٍ وهو من الأمم الخالية، قال عرَام: والطائف ذات مزارع ونخل أعناب وموز وسائر الفواكه وبها مياه جارية وأودية تنصب منها إلى تبالة وجل أهل الطائف ثقيف وحمير وقوم من قريش وهي على ظهر جبل غَزْوَان وبغزوان قبائل هذيل،
سبب التسمية
وذكر في كتاب اخبار مكة للفاكهي - حدثنا محمد بن موسى القطان ، قال : ثنا محمد بن حجاج الثقفي ، قال : ثنا عبد العزيز بن أبي رواد ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : « كانت الطائف من أرض فلسطين ، فلما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم (1) » قال : « رفعها الله تعالى له ، فوضعها في موضعها »
وفي معجم البلدان ما نصه (وقال ابن عباس: سميت الطائف لأن إبراهيم عليه السلام لما أسكن ذريته مكة وسأل الله أن يرزق أهلها من الثمرات أمر الله عز وجل قطعة من الأرض أن تسير بشجرها حتى تستقر بمكان الطائف فأقبلت وطافت بالبيت ثم أقرها اللهَ بمكان الطائف فسميت الطائف لطوافها بالبيت وهي مع هذا وصفها
الاسم الفَخم بليدة صغيرة على طرف واد وهي محلَتان إحداهما عن هذا الجانب يقال لها: طائف ثقيف والأخرى على هذا الجانب يقاد لها: الوَهْط والوادي بين ذلك تجري فيه مياه المدابغ التي يدبغ فيها الأديم يصرَع الطيور رائحتها إذا مرَت بها وبيوتها لاطئة حرجة وفي أكنافها كروم على جوانب ذلك الجبل فيها من العنب العذب مالا يوجد مثله في بلد من البلدان وأما زبيبها فيضرَب بحسنه المثل وهي طيبة الهواء شمالية ربما جمد فيها الماءُ في الشتاء وفواكه أهل مكة منها والجبل الذي هي عليه يقال له: غزوان،
وما ذكر في موسوعة المدن العربية
الطائف مدينة جميلة جدا في منطقة الحجاز جيدة المناخ طيبة الهواء لانها تقع على جبل غزوان يبلغ ارتفاعها 1630 متر عن سطح البحر وهي ذات كروم ونخيل واشهر فاكهتها
الرمان والعنب وزبيبها يضرب به المثل بحسنه وهي من اهم عقد المواصلات في المملكة العر بية السعودية
ومما ورد في كتاب اخبار مكة للفاكهي
- حدثنا أحمد بن صالح الحنظلي ، عن محمد بن الحسن المديني ، قال : حدثني زفر بن محمد الفهري ، عن حبيب بن عبد الرحمن بن سلمان الطائفي ، أنه سمع محمد بن هشام بن إسماعيل ، يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الطائف بستان الحرم »
- حدثنا أبو بشر بكر بن خلف قال : ثنا خالد بن الحارث ، عن أشعث ، عن الحسن قال : « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل من الطائف أهل من قرن » دجناوين : قريب من الطائف ، إحداهما على محجة الطائف وهي السفلى ، والعليا مرتفعة عن يمين الذاهب معارضة في المغرب بينهما أميال . ودجنا هذه طيبة موضعها عذي طيب الهواء . ويقال والله أعلم : إن الله تبارك وتعالى مسح ظهر آدم عليه الصلاة والسلام بدجنا
ص470
- حدثنا محمد بن أبي عمر وغيره قالوا : ثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم (1) قال : مسح ظهره بدجنا . وقالوا : بل مسح ظهره بنعمان
اخبار 7ص471
-
حال الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الرحلة الى الطائف وهل رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت بسبب ضعف ؟
ورد في كتاب الطيقات الكبرى لابن سعد ج1 ص214
أخبرنا محمد بن عمر عن محمد بن صالح بن دينار وعبد الرحمن بن عبد العزيز والمنذر بن عبد الله عن بعض أصحابه عن حكيم بن حزام قال:
وحدثنا محمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قالوا: لما توفي أبو طالب وخديجة بنت خويلد، وكان بينهما شهر وخمسة أيام، اجتمعت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مصيبتان فلزم بيته وأقل الخروج ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع به، فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال: يا محمد امض لما أردت وما كنت صانعاً إذ كان أبو طالب حياً فاصنعه، لا واللات لا يوصل إليك حتى أموت! وسب ابن الغيطلة النبي، صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه أبو لهب فنال منه، فولى وهو يصيح: يا معشر قريش صبأ أبو عتبة! فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبي لهب، فقال: ما فارقت دين عبد المطلب ولكني أمنع ابن أخي أن يضام حتى يمضي لما يريد، قالوا: قد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم؛ فمكث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كذلك أياماً يذهب ويأتي لا يعترض له أحد من قريش، وهابوا أبا لهب، إلى أن جاء عقبة بن أبي معيط وأبو جهل بن هشام إلى أبي لهب فقالا له: أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟ فقال له أبو لهب: يا محمد أين مدخل عبد المطلب؟ قال: مع قومه، فخرج أبو لهب إليهما فقال: قد سألته فقال مع قومه، فقالا: يزعم أنه في النار، فقال: يا محمد أيدخل عبد المطلب النار؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: نعم، ومن مات على مثل ما مات عليه عبد المطلب دخل النار، فقال أبو لهب: والله لا برحت لك عدواً أبداً، وأنت تزعم أن عبد المطلب في النار! فاشتد عليه هو وسائر قريش.
أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن أبي الحويرث عن محمد بن جبير بن مطعم قال: لما توفي أبو طالب تناولت قريش من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، واجترؤوا عليه فخرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة، وذلك في ليال بقين من شوال سنة عشر من حين نبيء رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
ومما ور د في اسد الغابة ج1 ص11
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " مازالت قريش كاعة عني حتى مات عمي أبو طالب " . وفي السنة العاشرة أول ذي القعدة وقيل : النصف من شوال توفي أبو طالب وكان عمره بضعا وثمانين سنة ثم توفيت بعده خديجة بثلاثة أيام وقيل بشهر وقيل : كان بينهما شهر وخمسة أيام وقيل : خمسون يوما ودفنها رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحجون ولم تكن الصلاة على الجنائز يومئذ وقيل : إنها ماتت قبل أبي طالب وكان عمرها خمسا وستين سنة وكان مقامها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ما تزوجها أربعا وعشرين سنة وستة أشهر وكان موتها قبل الهجرة بثلاث سنين وثلاثة أشهر ونصف وقيل : قبل الهجرة بسنة والله أعلم
قال عروة : ما ماتت خديجة إلا بعد الإسراء وبعد أن صلت الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولما اشتد بأبي طالب مرضه دعا بني عبد المطلب فقال : إنكم لن تزالوا بخير ما سمعتم قول محمد واتبعتم أمره ؛ فاتبعوه وصدقوه ترشدوا
ومن هنا يتبن لنا ان الرسول صلى الله عيله وسلم رغم كل ما اصابه من والالم لمت زوجه خديجة التي كانت سنده القوي وعمه الذي كان يدافع عنه ويدفع عنه عدوان اهل مكة قد فارقاه في عام واحد الذي سمي بعد ذلك بعام الحزن الا ان حكمة الله الله عز وجل تجلت في ذلك ان الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينسب لبشر الفضل في نصر دينه لان الله سبحانه وتعالى تكفل بنصره لانه رسول الله وصدق قول الله عز وجل في سورة التوبة {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة40
فامسى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موت زوجه وعمه لوحده بدينه الذي امر بتبليغه مهما تغيرت الظروف وتنوعت الموانع كما قال سبحانه وتعالى في سورة النساء {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }النساء84
حتى وان بقي الرسول وحده في ساحة التبليغ وتخلى عنه جميع الناس فهو مامور بتبيلغ رسالة ربه لانها رسالة الهداية والرحمة والرسالة التي تعيد للانسانية كرامتها وتبين للامم هدفها على الارض وهو عبادة الله وحده لا شريك له وفي هذ اشارة الى الدعاة الذين يحملون هذه الرسالة المحمدية ان لا يصيبهم الوهن والضعف والفتور في سبيل الدعوة الى الله مهما كلف ذلك من جهد بدني ومادي و ايذاء بكل معانيه وان عليهم الصبر لان الله ناصرهم لا محالة ان هم صدقوا النية والعزم لان الرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوتهم في ذلك وهذا واضح في قوله سبحانه وتعالى {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }آل عمران146
وهذ رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم ما اصابه من اهل مكة من الاعتداء والتصدي الا ان الرسول صلى الله لم يصبه اليأٍس والضعف ولبث واقفا لعقيدته ودينه يترصد الفرص والاسباب وينظر من افق بعيد من اجل ايصال هذه الرسالة الربانية
توجه الرسول الى الطائف
سبب توجه الرسول صلى الله عليه وسلم الى الطائف
كما سبق فان اهل قريش اغلقوا امام الرسول صلى الله عليه وسلم كل منفذ يمكن ان يصل من خلاله الى الناس لتبليغ دعوته رغم ما عرفوه من الرسول صلى الله عليه وسلم من الامانة وصدق الحديث وطهارة النسب فتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الطائف لثلاث بقين من شوال سنة عشر من المبعث ومعه مولاه زيد بن حارثة يدعوهم إلى الإسلام قال ابن إسحاق : ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، يلتمس النصرة من ثقيف ، والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل فخرج إليهم وحده .
ويتبين لنا في ذلك ان الانسان يبدا بدعوته في اولي القربى ومن هم دونهم فاذا وجد اعراضا والاعراض لا يعني الانكار ولكن جحودهم وتكبرهم وتعنتهم هو ما كان بسيطر عليهم كما قال الله عز وجل{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون }الأحقاف26
وقوله سبحانه {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ }الأنعام33 {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }الزخرف31
فهذا لا يعني فقدان الامل في الاستجابة خصوصا اذا كان هذا الامر دعوة قد تكفل بها الله سبحانه وتعالى وهذا مادفع الرسول صلى الله عليه وسلم للخروج الى الطائف تحديدا وان الطائف كان لها دور كبير في التجارة والاقتصاد بعد مكة وتقارب بين قبيلتي ثقيف وهوازن واهل قريش في مكة
وقد يسال احد سؤال ان الرسول صلى الله عيه وسلم كان يسير بدعوته بعناية الهية والله عز وجل يعلم ما كان ان يقوم به اهل الطائف فلماذا يواجه الرسول صلى الله عليه وسلم المعاناة مع انه بالامكان ان يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوته في ارض يمكن ان يستجيب فيها اهلها مثل اهل الدينة المنورة على سبيل المثال ؟
وللاجابة عن هذا السؤال
ان الله عز وجل لا يسال عما يفعل لان حكمته تتجلى في كل ما يفعل
ان الله عز وجل يقول وما على الرسول الا البلاغ
فليس بالضرورة ضمان النتائج لان النتائج يقررها رب العزة جل وعلا وهذا واضح في قوله سبحانه {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }النساء80 وقوله سبحانه{وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }الأنعام107
الامر الاخر ليعلم الدعاة ان حصول المحصول لا يحصل الا ببذل اقصى الجهد ولا بد للتضحية الصادقة والتوكل على الله في النتائج
الابتلاء امر ضروري لصقل الدعاة الصادقين الى الله سبحانه وتعالى فمن خلال المحن تاتي المنح وهذا نبي الله احب عباد الله الى الله يكافح بنفسه ويبذل جهده ويسير على قدميه الشريفتين المسافات الطوال وهو موقن ان الله ناصره وليس بالضرورة ان ياتي النصر من حيث يرتقب الانسان فكما قال صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله رضي الله عنه
: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه وهو يوعك وعكا شديدا وقلت إنك لتوعك وعكا شديدا قلت إن ذاك بأن لك أجرين ؟ قال ( أجل ما من مسلم يصيبه أذى إلا حات الله عنه خطاياه كما تحات ورق الشجر
وورد في مسند الامام احمد حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حصين عن أبى عبيدة بن حذيفة عن عمته فاطمة انها قالت : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوده في نساء فإذا سقاء معلق نحوه يقطر ماؤه عليه من شدة ما يجد من حر الحمى قلنا يا رسول الله لو دعوت الله فشفاك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح لغيره وهذا إسناد حسن
وفي تفسير ابن كثير عن قوله تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ }العنكبوت2 وقوله تعالى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ }العنكبوت4
استفهام إنكار ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لابد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان كما جاء في الحديث الصحيح [ أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء ] وهذه الاية كقوله : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } ومثلها في سورة براءة وقال في البقرة :
{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } ولهذا قال ههنا { ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }
أي الذين صدقوا في دعوى الإيمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة وبهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل قوله : { إلا لنعلم } إلا لنرى وذلك لأن الرؤية إنما تتعلق بالموجود والعلم أعم من الرؤية فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود
وقوله تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون } أي لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الإيمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطم ولهذا قال : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } أي يفوتونا { ساء ما يحكمون } أي بئس ما يظنون
اب كثير ج3 536
وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً{73} وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً{74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً{75} وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً ) الاسراء
ان مرحلة الدعوة كانت مرحلة تشريعية من الله عز وجل الى الرسول صلى الله عليه وسلم ومرحلة التشريع تقتضي بديهيا ان تمر بتنوع من الظروف والمناسبات وطرق الدعوة كذلك تنوع الاحكام وشموليتها ونزول القران كان نزولا منجما حسب الظروف والمناسبات لحكمة ربانية لان العقول البشرية تختلف من مكان لاخر ومن زمن لاخر ومن شخص لاخر لذلك اتسمت الشريعة الاسلامية انها شريعة صالحة لكل زمان ومكان وكل حال وهي شريعة مرنة التاقلم لما فيه مصلحة الانسانية وخيرها في الدارين
الطريق التي سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم الى الطائف
تقدم في طريق مكة حتى بلغ وادى نخلة، وأقام فيه أيامًا‏.‏ وفي وادى نخلة موضعان يصلحان للإقامة ـ السَّيْل الكبير والزَّيْمَة ـ لما بهما من الماء والخصب، ولم نقف على مصدر يعين موضع إقامته صلى الله عليه وسلم فيه‏.‏
السبب الذي جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يختار الطائف
ان اهم الاسباب التي جعلت الرسول صلى الله عليه وسلم يختار الطائف هو دعوتهم الى الاسلام كانت الطائف تمثل العمق الاستراتيجي لكبراء قريش بل كانت لقريش اطماع في الطائف وقد كان كثيرا من اغنياء مكة يملكون الاملاك في الطائف كما كانت بينهم مصالح مالية مشتركة لذا توجه النبي صلى الله عليه وسلم الى الطائف توجه مدروس واذا استطاع ان يجد له فيها موضع قدم وعصبة تناصره فان ذلك سيفزع قريشاً ويهدد امنها ومصالحها الاقتصادية تهديداً مباشراً بل قد يؤدي لتطويقها وعزلها عن الخارج . وهذا التحرك الدعوي السياسي الاستراتيجي الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم يدل على حرصه بالاخذ بالاسباب لايجاد دولة او قوة جديدة تطرح نفسها داخل حلبة الصراع. وعندما وصل النبي صلى الله عليه وسلم الى الطائف اتجه مباشرة الى مركز السلطة وموضع القرار السياسي حيث كان بنو مالك والاحلاف اللذان تنتهي اليهما قيادة الطائف بالاضافة الى الزعامة السياسية العامة والعلاقات الخارجية والنفوذ الاقتصادي ، الا انهما لم يكونا مع ذلك في وضع يمكنها من الدفاع عن منطقة الطائف التي كانت اخصب بلاد العرب واكثرها جذباً للانظار والاطماع فكانا يخافان قبيلة هوازن ويخافان قريشاً حيث انهما كانت قبائل قوية وقادرة على الانقضاض والاستلاب ولذلك اعتمد زعماء الطائف على سياسة المهادنة وحفظ الاستقرار السياسي عن طريق المعاهدات والموازنات .
ولما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم الى الطائف لتبليغ رسالته وايصال صوته لم يجد منهم غير سوء الادب والرد القبيح
ردة الفعل على دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لاهل الطائف
لا شك ان من اغرته الدنيا وجمع اسبابها ان ياخذه التكبر والعناد والجحود لاي امر قد يهدد استقراره المادي حتى وان كان هذا الامر فيه خيرهم لذلك نجد ان من تجرد من الدنيا كان سهلا عليه تقبل أي فكر جديد بل كان هناك دافعا للتفكير لا ن الامر بالنسبة اليه ان لم يرفع من قدره فلن يزداد به سوءا به وهذا كان واضحا في قصة الرسول مع عدي بن حاتم الطائي وَكَانَ عَدِيُّ قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفَرَّ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ إِلَى الشَّامِ ، فَأُسِرَتْ أُخْتُهُ وَمَنَّ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَاهَا ، فَلَحِقَتْ بِهِ وَرَغَّبَتْهُ فِي الْإِسْلَامِ فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِهِ صَلِيبٌ مِنْ فِضَّةٍ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ . قَالَ فَقُلْتُ : إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ فَقَالَ : " بَلَى إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ وَأَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ فَاتَّبَعُوهُمْ فَذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ " ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ . وَرَوَوْا مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ ، وَمَعْنَى رِوَايَةِ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ : أَنَّهُمْ لَمْ يَتَّخِذُوهُمْ آلِهَةً ، فَالْإِلَهُ هُوَ الْمَعْبُودُ وَلَكِنَّهُمُ اتَّخَذُوهُمْ
أَرْبَابًا بِمَعْنَى شَارِعِينَ ، وَهَذِهِ عِبَادَةُ رُبُوبِيَّةٍ لَا أُلُوهِيَّةٍ ، فَالشَّرْعُ لِلرَّبِّ وَحْدَهُ وَالرُّسُلُ مُبَلِّغُونَ عَنْهُ وَهُمْ مَعْصُومُونَ فِي تَبْلِيغِهِمْ وَفِي بَيَانِهِمْ لِمَا بَلَغُوهُ ، وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَتُهُمْ فِي التَّبْلِيغِ وَلَكِنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ ، فَلَا يَجُوزُ لِمُؤْمِنٍ بِاللهِ أَنْ يَتَّبِعَ عَالِمًا فِي قَوْلِهِ هَذَا حَرَامٌ إِلَّا إِذَا جَاءَهُ بِبَيِّنَةٍ عَنِ اللهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ فَعَقَلَهَا وَاعْتَقَدَ صِحَّتَهَا . قَالَ الرَّبِيعُ : قُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ : كَيْفَ كَانَتْ تِلْكَ الرُّبُوبِيَّةُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ : إِنَّهُمْ رُبَّمَا وَجَدُوا فِي كِتَابِ اللهِ مَا يُخَالِفُ أَقْوَالَ الْأَحْبَارِ فَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِأَقْوَالِهِمْ وَمَا كَانُوا يَقْبَلُونَ حُكْمَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى .
فعدي كان يمنعه عن الاسلام كبرياءه الزائف ووجود الضعفاء مع الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم باخلاقه الكريمة والرحيمة ان يقنعه بالاسلام
وفي هذا الموضوع ذكر الله عز وجل في قوله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ }البقرة13
{فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }هود27
{قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ }الشعراء111
فنبه الله عز وجل نبيه الى هذه القضية وحذره من تجنبهم او الاستهانة بهم فقال سبحانه {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28
{وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ }الأنعام52
لم يجد منهم غير سوء الادب والرد القبيح حتى انهم اغروا سفهاءهم وصبيانهم وعبيدهم يسبونه ويرمونه بالحجارة حتى دميت عقباه وسال دمه الزكي على ارض الطائف حتى التجأ هو ورفيقه في الرحلة زيد بن حارثة (رضي الله عنه)الى بستان فعمد الى ظل شجرة من عنب فجلس ريثما يستريح من عنائه وما أصابه وفي هذه الغمرة من الاسى والحزن والآلام النفسية والجسمانية توجه الرسول صلى الله عليه وسلم الى ربه بهذا الدعاء الذي يفيض ايمانا ويقينا ورضا بما ناله في الله واسترضاء لله ( اللهم اليك اشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين انت رب المستضعفين وانت ربي الى من تكلني ؟ الى بعيد يتجهمني ؟ ام الى قريب ملكته امري ؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا ابالي ولكن عافيتك اوسع لي اعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا والآخرة من ان تنزل بي غضبك او يحلّ عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بالله
وهذا ما ورد في كثير من كتب السيرة وان برفضهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم هو فشلهم في في رؤية الحق والصواب والنور فابو الا البقاء في الظلمات حتى جاء اليوم الذي حاصر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الطائف بعد غزوة حنين ودخل اهلها الاسلام اليس كان من الخير لهم ان يقبلوا دعوة الهداية من الرسول صلى الله عليه وسلم
الذي لم يصبه القنوط لحظة واحدة في حياته قد يصيب الانسان الالم والحزن والهم على تبليغ الدعوة التي فيها خير البشرية جمعاء ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوا بيقين مطمئن ان الله ناصره لا محالة وهو ما قاله رب العزة جل وعلا {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }المجادلة21
وهو ما كان واضحا في دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم (إن لم يكن بك غضب عليّ فلا ابالي ولكن عافيتك اوسع لي اعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا والآخرة من ان تنزل بي غضبك او يحلّ عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بالله ) فالدعوة واجبة ولكن العمل بالاسباب كذلك واجبا ولو شاء الله لهدى الناس جميعا كما قال سبحانه وتعالى ({وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال63
وقوله سبحانه ({وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ }يونس99
وقوله سبحانه ({وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }المائدة48
وقوله سبحانه ({وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }هود118
فمرحلة التشريع كما وسبق قلنا تحتاج الى وجود الدروس والعبر لمن يريد ان يقوم على امر الدعوة وامر الدعوة قائم الى قيام الساعة فلا بد من تشريع شامل وجامع صالح لكل زمان وكل امة ولابد فيه من التضحية وقال سبحانه ({يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }المائدة67
وقوله سبحانه ({فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }آل عمران20
وقوله سبحانه ({وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ }النحل35
موقف ثقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، عمد إلى نفر من ثقيف ، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، ومسعود بن عمرو بن عمير ، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف ، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك ; وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلمك أبدا . لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف ، وقد قال لهم - فيما ذكر لي - إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني ، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم ذلك عليه فلم يفعلوا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، وهما فيه ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه فعمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه . وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف ، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - المرأة التي من بني جمح فقال لها : ماذا لقينا من أحمائك ؟
شخصية عداس ولقاء الرسول صلى الله عليه وسلم له :
هو عداس مولى شيبة بن ربيعة بن عبد شمس . من أهل نينوى الموصل كان نصرانيا . له ذكر في صفة النبي صلى الله عليه وسلم
أخبرنا أبو منصور بن مكارم بإسناده إلى أبي زكريا يزيد بن إياس : حدثنا أبو شعيب الحراني حدثنا البقيلي عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي - وذكر قصة مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وما لقي من ثقيف - قال : فألجئوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة بن عبد شمس وهما فيه فعمد إلى ظل حبلة فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف فتحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له : عداس فقالا له : خذ قطفا من هذا العنب فضعه بين يدي ذلك الرجل . ففعل عداس وأقبل حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له : كل . فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال : بسم الله ثم أكل فنظر عداس في وجهه ثم قال : " والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد !
" . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس وما دينك " قال : نصراني من أهل نينوى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أهل قرية الرجل الصالج يونس بن متى " . قال عداس : وما يدريك ما يونس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي " فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه
قال : يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه : أما غلامك فقد أفسده عليك فلما جاءهما عداس قالا له : ويلك يا عداس !
ما لك تقبل يدي هذا الرجل ورأسه !
قال : يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا . قالا : ويحك يا عداس !
لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه
أخرجه أبو نعيم وابن منده . واستدركه أبو زكرياء على جده أبي عبد الله بن منده وقد أخرجه جده
اسد الغابة ج7 ص 758
وورد في تفسير القرطبي ج10 ص 158 في تفسير قوله تعالى (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ( النحل 103
قوله تعالى { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر } اختلف في اسم هذا الذي قالوا إنما يعلمه فقيل : هو غلام الفاكه بن المغيرة واسمه جبر كان نصرانيا فأسلم وكانوا إذا سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما مضى وما هو آت مع أنه أمي لم يقرأ قالوا : إنما يعلمه جبر وهو أعجمي فقال الله تعالى { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين } أي كيف يعلمه جبر وهو أعجمي هذا الكلام الذي لا يستطيع الإنس والجن أن يعارضوا منه سورة واحدة فما فوقها وذكر النقاش أن مولى جبر كان يضربه ويقول له : أنت تعلم محمدا فيقول لا والله بل هو يعملني ويهديني وقال ابن إسحاق كان النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغني كثيرا ما يجلس عند المروة إلى غلام نصراني يقال له جبر عبد بني الحضرمي وكان يقرأ الكتب فقال المشركون والله ما يعلم محمدا ما يأتي به إلا جبر النصراني وقال عكرمة اسمه يعيش عبد لبني الحضرمي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقنه القرآن ذكره الماوردي وذكر الثعلبي عن عكرمة و قتادة أنه غلام لبني المغيرة اسمه يعيش وكان يقرأ الكتب الأعجمية فقالت قريش إنما يعلمه بشر فنزلت المهدوي عن عكرمة هو غلام لبني عامر بن لؤي واسمه يعيش وقال عبد الله بن مسلم الحضرمي كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر اسم أحدهما يسار واسم الآخر جبر كذا ذكر الماوردي و القشيري و الثعلبي إلا أن الثعلبي قال : يقال لأحدهما نبت ويكنى أبا فكيهة والآخر جبر وكانا صيقلين يعملان السيوف وكانا يقرآن كتابا لهم الثعلبي يقرآن التوراة والإنجيل الماوردي و المهدوي التوراة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهما ويسمع قراءتهما وكان المشركون يقولون : يتعلم منهما فأنزل الله هذه الآية وأكذبهم وقيل عنوا سلمان الفارسي رضي الله عنه قاله الضحاك وقيل نصرانيا بمكة اسمه بلعام وكان غلاما يقرأ التوراة قاله ابن عباس وكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يدخل عليه ويخرج من عنده فقالوا إنما يعلمه بلعام وقال القتبي كان بمكة رجل نصراني يقال له أبو ميسرة يتكلم بالرومية فربما قعد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الكفار إنما يتعلم محمد منه فنزلت وفي رواية أنه عداس غلام عتبة بن ربيعة وقيل : عابس غلام حويطب بن عبد العزى ويسار أبو فكيهة مولى ابن الحضرمي وكانا قد أسلما والله أعلم
قلت : والكل محتمل فإن النبي صلى الله عليه وسلم ربما جلس إليهم في أوقات مختلفة ليعلمهم مما علمه الله وكان ذلك بمكة وقال النحاس وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنه يجوز أن يكونوا أومأوا إلى هؤلاء جميعا وزعموا أنهم يعلمونه
قلت : وأما ما ذكره الضحاك من أنه سلمان ففيه بعد لأن سلمان إنما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهذه الآية مكية { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي } الإلحاد : الميل يقال لحد وألحد أي مال عن القصد وقد تقدم في الأعراف وقرأ حمزة يلحدون بفتح الياء والحاء أي لسان الذي يميلون إليه ويشيرون أعجمي والعجمة الإخفاء وضد البيان ورجل أعجم وامرأة عجماء أي لا يفصح ومنه عجم الذنب لاستتاره والعجماء البهيمة لأنها لا توضح عن نفسها وأعجمت الكتاب أي أزلت عجمته والعرب تسمي كل من لا يعرف لغتهم ولا يتكلم بكلامهم أعجميا وقال الفراء الأعجم الذي في لسانه عجمة وإن كان من العرب والأعجمي أو العجمي الذي أصله من العجم وقال أبو علي : الأعجمي الذي لا يفصح سواء كان من العرب أو من العجم وكذلك الأعجم والأعجمي المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحا وأراد باللسان القرآن لأن العرب تقول للقصيدة والبيت لسان قال الشاعر :
( لسان الشر تهديها إلينا ... وخنت وما حسبتك أن تخونا )
يعني باللسان القصيدة { وهذا لسان عربي مبين } أي أفصح ما يكون من العربية
لقاء عداس النصراني خبر عداس
فصل وذكر خبر عداس غلام عتبة وشيبة ابني ربيعة حين جاء بالقطف من عندهما إلى آخر القصة وفيه قبول هدية المشرك وأن لا يتورع عن طعامه وسيأتي استقصاء ذلك إن شاء الله تعالى ، وزاد التيمي فيها أن عداسا حين سمعه يذكر يونس بن متى قال والله لقد خرجت منها يعني : نينوى ، وما فيها عشرة يعرفون ما متى ، فمن أين عرفت أنت متى ، وأنت أمي ، وفي أمة أمية ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أخي ، كان نبيا ، وأنا نبي
وذكروا أيضا أن عداسا لما أراد سيداه الخروج إلى بدر أمراه بالخروج معهما فقال لهما : أقتال ذلك الرجل الذي رأيته بحائطكما تريدان والله ما تقوم له الجبال فقالا له ويحك يا عداس : قد سحرك بلسانه
وعندما لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل الطائف ، ما لقي ودعا بالدعاء المتقدم نزل عليه جبريل ومعه ملك الجبال كما روى البخاري عن عبد الله بن يوسف ، عن يونس عن ابن شهاب قال ان شئت يا محمد اطبق عليهم الاخشبين فقال صلى الله عليه وسلم لا واني لارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يوحد الله
حدثني عروة أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي عليه السلام هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من أحد ؟ فقال لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت على وجهي ، وأنا مهموم فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي فقال يا محمد ذلك لك ، إن شئت أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا . هكذا قال في الحديث ابن عبد كلال وهو خلاف ما نسبه ابن إسحاق .
ولقاء الرسول صلى الله عليه وسلم كان نصرا لان ليس بالضروة من الداعية ان يضمن من يدعوهم فرب من هو قرب من حيث لا يحتسب الانسان ورب ان لم بستطع الداعية ان يؤثر مباشرة بمن يدعو ولكن قد يسخر الله من الناس من يون سببا لهدايتهم وعداس مثلا واضحا من الامثلة الغير متوقعة للداعية
ومن الامثلة كذلك :
جن نصيبين
أمر جن نصيبين
قال ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من الطائف راجعا إلى مكة ، حين يئس من خير ثقيف ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي ، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى ، وهم - فيما ذكر لي - سبعة نفر من جن أهل نصيبين فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا . فقص الله خبرهم عليه صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن إلى قوله تعالى : ويجركم من عذاب أليم وقال تبارك وتعالى : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن إلى آخر القصة من خبرهم في هذه السورة .
جن نصيبين
فصل وذكر حديث وفد جن نصيبين وما أنزل الله فيهم وقد أملينا أول المبعثين من هذا الكتاب طرفا من أخبارهم وبينا هنالك أسماءهم ونصيبين مدينة بالشام أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم . روي أنه قال رفعت إلي نصيبين حتى رأيتها فدعوت الله أن يعذب نهرها ، وينضر شجرها ، ويطيب ثمرها أو قال ويكثر ثمرها وتقدم في أسمائهم ما ذكره ابن دريد . قال هم منشي وماشي وشاصر وماصر والأحقب ، ولم يزد على تسمية هؤلاء وقد ذكرنا تمام أسمائهم فيما تقدم وفي الصحيح أن الذي أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجن ليلة الجن شجرة وأنهم سألوه الزاد فقال كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في يد أحدهم . أوفر ما يكون لحما ، وكل بعر علف لدوابهم . زاد ابن سلام في تفسيره أن البعر يعود خضرا لدوابهم ثم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستنجى بالعظم والروث وقال إنه زاد إخوانكم من الجن ولفظ الحديث في كتاب مسلم كما قدمناه كل عظم ذكر اسم الله عليه ولفظه في كتاب أبي داود كل عظم لم يذكر اسم الله عليه وأكثر الأحاديث تدل على معنى رواية أبي داود وقال بعض العلماء رواية مسلم في الجن المؤمنين والرواية الأخرى في حق الشياطين منهم وهذا قول صحيح تعضده الأحاديث إلا أنا نكره الإطالة وفي هذا رد على من زعم أن الجن لا يأكل ولا يشرب وتأولوا قوله - عليه السلام إن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بشماله على غير ظاهره وهم ثلاثة أصناف كما جاء في حديث آخر صنف على صور الحيات وصنف على صور الكلاب سود وصنف ريح طيارة أو قال هفافة ذوو أجنحة وزاد بعض الرواة في الحديث وصنف يخلون ويظعنون وهم السعالي ، ولعل هذا الصنف الطيار هو الذي لا يأكل ولا يشرب إن صح القول المتقدم والله أعلم . وروينا في حديث سمعته يقرأ على الشيخ الحافظ أبي بكر بن العربي بسنده إلى جابر بن عبد الله ، قال بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نمشي إذ جاءت حية فقامت إلى جنبه وأدنت فاها من أذنه وكانت تناجيه أو نحو هذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم فانصرفت قال جابر فسألته ، فأخبرني أنه رجل من الجن ، وأنه قال له مر أمتك لا يستنجوا بالروث ولا بالرمة فإن الله جعل لنا في ذلك رزقا
وهذا ايضا من نتائج رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ايضا من النصر الذي اراده الله عز وجل لنبيه من هذه الرحلة لان حكمة الله بالغة وارادته ومشيئته نافذة وليس بالضرورة ان تكون كمايريد الرسول صلى الله عليه وسلم او يريده الداعية الى الى الله سبحانه وتعالى كما يقول الله عز وجل ({فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }آل عمران20
او كما قال سبحانه ({وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }المائدة92
او كقوله سبحانه ({فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ }الشورى48
وقد اتضح هذا جليا خلال غزوة بدر الكبرى عندما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة لملاقاة قافلة قريش التي يقودها ابو سفيان فاراد الرسول ان ياخذ ما في هذه القافلة لتقوية المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم بغير حق وتركوا املاكهم في مكة ولكن ارادة الله ارادن ان يكون هذا اللقاء نصرا يعز به الرسول صلى الله عليه وسلم ويعز به الاسلام وهله
وهذا ما وضحه الله عز وجل في قوله:
(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ{5} يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ{6} وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ{7} لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ
عودة الرسول صلى الله عليه وسلم الى مكة
صحيح ان نقول ان اهل الطائف رفضوا الاستجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم رغم ان الرسول صلى الله عليه وسلم دعاهم لما فيه خيري الدنيا والاخرة ولم يكن للرسول أي مصلحة دنيوية لذلك الا رحمة بهم ولكن كان الجواب اقسى مما كان يحتمل خصوصا ان هذا حصل في نفس العام الذي فقد فيه حبيبته وزوجته التي كان لها اكبر الاثر في دعم الرسول صلى الله عليه وسلم وحمايته وكذلك عمه ابو طالب فقد تعرضوا له بالضرب والايذاء بكل انواعه لشخصه الكريمة
نعم لقد اذوا جسده ولكن مازالت عزيمته تتوقد وما زال اصراره يزداد صلابة لان وقوده اليقين والايمان بالله سبحانه وتعالى
فقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من اهل الطائف ان لا يخبروا احدا وخصوصا اهل مكة ولم يكن ذلك حرصا من الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه وحسب بل خشي الرسول من شماتة اعدائه في دبنه وهذا قد يكون له اثرا في منع من مالت قلوبهم للا سلام ان لا يسلموا او يقسي قلوب من يطمع الرسول باسلامهم وهدايته ولكن انا ان يكون للكافر عهد اوذمة فقد هاجموه من حيث كان يخشى وقبل دخول الرسول الى مكة ارسل الى المطعم بن عدي ليدخل في جواره فقبل المطعم دخول الرسول صلى الله عليه وسلم في جواره فكان له فضل لم ينكره الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينسهاه فعندما انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر واسر منهم الاسارى قال صلى الله عليه وسلم لو كان المطعم بن عدي موجودا لمنحتهم اياه ردا لما صنعه بعد عودته من الطائف
كما ورد في تفسير بن كثير ج2 ص402(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : لو كان المطعم بن عدي حيا ثم سألني في هؤلاء النتنى لوهبتهم له يعني الأسارى لأنه كان قد أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم رجع من الطائف
ومما ذكر في الرحيق المختوم ص125
فقال ابنا ربيعة أحدهما للآخر‏:‏ أما غلامك فقد أفسده عليك‏.‏ فلما جاء عداس قالا له‏:‏ ويحك ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ يا سيدى، ما في الأرض شيء خير من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبى، قالا له‏:‏ ويحك يا عداس ، لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه‏.‏
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة بعد خروجه من الحائط كئيبًا محزونًا كسير القلب، فلما بلغ قرن المنازل بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة‏.‏
وقد روى البخاري تفصيل القصة ـ بسنده ـ عن عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لقيت من قومكِ ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يالِيل بن عبد كُلاَل، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت ـ وأنا مهموم ـ على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْنِ الثعالب ـ وهو المسمى بقَرْنِ المنازل ـ فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال‏:‏ إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم‏.‏ فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال‏:‏ يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ـ أي لفعلت، والأخشبان‏:‏ هما جبلا مكة‏:‏ أبو قُبَيْس والذي يقابله، وهو قُعَيْقِعَان ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا‏)‏‏.‏
وفي هذا الجواب الذي أدلى به الرسول صلى الله عليه وسلم تتجلى شخصيته الفذة، وما كان عليه من الخلق العظيم لا يدرك غوره‏.‏
وأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن قلبه لأجل هذا النصر الغيبى الذي أمده الله عليه من فوق سبع سموات، ثم تقدم في طريق مكة حتى بلغ وادى نخلة، وأقام فيه أيامًا‏.‏ وفي وادى نخلة من الماء والخصب،
حادثة الاسراء والمعراج
: ايها القلب الذي اصطفاه الله تعالى للتنزيل والتبليغ ياقلب محمد صلى الله عليه وسلم لست لوحدك واذا كان اهل الارض قد عارضوك وحاربوك وحاصروك فان اهل السماء مستقبلوك ورافعوك ومؤيدوك ...وشتان شتان ما بين قوة اهل السماء وقوة اهل الارض … ان كل ما عند اهل الارض هو نعمة من رب السماء والارض وهو معك اما اذا كان يعتريك شيء عما آلت اليه مكانة الزوج الحنون خديجة -رضي الله عنها - فانظر بعينك ما اعددنا لها واين هي الآن انها في بيت من قصب لايصيبها فيه تعب ولانصب وان اعالي الجنان تستقبلها مفتحة الابواب لانها آمنت بمحمد … وناصرت محمداً ....وماتت على دين محمد صلى الله عليه وسلم.
لقد ابتدأ الموقف والحدث للنبي صلى الله عليه وسلم عسيراً وحزيناً وأليما فقد جاع وعطش وفقد الاهل والاحبة وخرج من بلاده بعد ان خذله اهلها وتحمل سفاهة الكفار وسوء ادبهم ولكنه مع كل هذا فقد صبر وجاهد وتحمل والتجأ الى الله تعالى واستنصره فكانت التيجة والخاتمة هي احلى ما يكون واغلى ما يكون . منقول
أخبرنا محمد بن عمر عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة وغيره من رجاله قالوا: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يسأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، نائم في بيته ظهراً، أتاه جبريل وميكائيل فقالا: انطلق إلى ما سألت الله، فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتي بالمعراج فإذا هو أحسن شيء منظراً، فعرجا به إلى السماوات سماءً سماءً فلقي فيها الأنبياء، وانتهى إلى سدرة المنتهى، وأري الجنة والنار، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لما انتهيت إلى السماء السابعة لم أسمع إلا صريف الأقلام؛ وفرضت عليه الصلوات الخمس، ونزل جبريل، عليه السلام، فصلى برسول الله، صلى الله عليه وسلم، الصلوات في مواقيتها
.
ذكر ليلة أسري برسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس
أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: وحدثني موسى بن يعقوب الزمعي عن أبيه عن جده عن أم سلمة، قال: موسى وحدثني أبو الأسود عن عروة عن عائشة، قال: محمد بن عمر: وحدثني إسحاق بن حازم عن وهب بن كيسان عن أبي مرة مولى عقيل عن أم هانئ ابنة أبي طالب، وحدثني عبد الله بن جعفر عن زكريا بن عمرو عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس
غيرهم أيضا قد حدثني، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: أسري برسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: حملت على دابةٍ بيضاء بين الحمار وبين البغلة في فخذيها جناحان تحفز بهما رجليها، فلما دنوت لأركبها شمست فوضع جبريل يده على معرفتها ثم قال: ألا تستحيين يا براق مما تصنعين؟ والله ما ركب عليك عبد لله قبل محمدٍ أكرم على الله منه! فاستحيت حتى أرفضت عرقاً ثم قرت حتى ركبتها فعملت بأذنيها وقبضت الأرض حتى كان منتهى وقع حافرها طرفها وكانت طويلة الظهر طويلة الأذنين، وخرج معي جبريل لا يفوتني ولا أفوته حتى انتهى بي إلى بيت المقدس، فانتهى البراق إلى موقفه الذي كان يقف فربطه فيه، وكان مربط الأنبياء قبل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ورأيت الأنبياء جمعوا لي فرأيت إبراهيم وموسى وعيسى فظننت أنه لابد من أن يكون لهم إمام فقدمني جبريل حتى صليت بين أيديهم وسألتهم فقالوا: بعثنا بالتوحيد، وقال بعضهم: فقد النبي، صلى الله عليه وسلم، تلك الليلة فتفرقت بنو عبد المطلب يطلبونه ويلتمسونه، وخرج العباس بن عبد المطلب حتى بلغ ذا طوًى فجعل يصرخ: يا محمد يا محمد! فأجابه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لبيك! قال: يا ابن أخي عنيت قومك منذ الليلة فأين كنت؟ قال: أتيت من بيت المقدس، قال: في ليلتك! قال: نعم، قال: هل أصابك إلا خير؟ قال: ما أصابني إلا خير؟ وقالت أم هانئ ابنة أبي طالب: ما أسري به إلا من بيتنا، نام عندنا تلك الليلة صلى العشاء ثم نام، فلما كان قبل الفجر أنبهناه للصبح
الطيقات الكبرى لابن سعد ج1 ص214
وهذا ماتؤول اليه النهاية بعد طول العناء والالم دعاه ربه الى السماوات السبع
ليجتمع مع الانبياء ويصلي بهم ويرى منازلهم في السماء ودنو بالقرب من الله الواحد القهار ويرى الجنة ومن فيها ويرى النار ومن فيها ويكلفه الله عز وجل بالصلوات الخمس المفروضة
وهذ كله زيادة في عزيمة الرسول لمتابعة مشواره الطويل والشاق للامم كافة وفي هذا اشارة الى ان النصر مع الصبر والنصر حقيقة لابد منها والعمل بالاسباب سنة من سنن الله على الارض
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)
قَدْ تَمَّ صَلَاحُهُ ، وَآنَ وَقْتُ تَلَطُّفِ الْحَرِّ وَالرَّاحَةِ ؛ لِأَنَّ شَهْرَ رَجَبٍ وَافَقَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بُرْجَ الْمِيزَانِ وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِالصَّيْفِ .
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَالَ : هَذَا حِينَ أُمِرُوا بِغَزْوَةِ تَبُوكَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ وَبَعْدَ الطَّائِفِ ، بِأَمْرِهِمُ النَّفِيرَ فِي الصَّيْفِ حِينَ اخْتَرَقَتِ النَّخْلُ وَطَابَتِ الثِّمَارُ ، وَاشْتَهُوا الظِّلَالَ وَشَقَّ عَلَيْهِمُ الْمَخْرَجُ . (قَالَ) فَقَالُوا : مِنَّا الثَّقِيلُ وَذُو الْحَاجَةِ وَالضَّيْعَةِ وَالشُّغْلِ وَالْمُنْتَشِرُ بِهِ أَمْرُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ .
وَكَانَ مِنْ عَادَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا خَرَجَ إِلَى غَزْوَةٍ أَنْ يُوَرِّيَ بِغَيْرِهَا لِمَا تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةُ الْحَرْبِ مِنَ الْكِتْمَانِ ، إِلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ قَدْ صَرَّحَ بِهَا ؛ لِيَكُونَ النَّاسُ عَلَى بَصِيرَةٍ لِبُعْدِ الشُّقَّةِ وَقِلَّةِ الزَّادِ وَالظَّهْرِ . فَلِهَذِهِ الْأَسْبَابِ كُلِّهَا شَقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْخُرُوجُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ ، وَكَانَتْ حِكْمَةُ اللهِ تَعَالَى فِي إِخْرَاجِهِمْ - وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَلْقَوْنَ فِيهَا قِتَالًا - مَا سَنُبَيِّنُهُ فِي تَفْسِيرِ آيَاتِهَا مِنْ تَمْحِيصِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَخِزْيِ الْمُنَافِقِينَ ، وَفَضِيحَتِهِمْ فِيمَا كَانُوا يُسِرُّونَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَتَرَبُّصِهِمُ الدَّوَائِرَ بِالْمُؤْمِنِينَ .
وَالْمَعْنَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْإِيمَانِ مَاذَا عَرَضَ لَكُمْ مِمَّا يُنَافِي صِحَّةَ الْإِيمَانِ أَوْ كَمَالِهِ الْمُقْتَضِي لِلْإِذْعَانِ وَالطَّاعَةِ ، حِينَ قَالَ لَكُمُ الرَّسُولُ : انْفرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لِقِتَالِ الرُّومِ الَّذِينَ تَجَهَّزُوا لِقِتَالِكُمْ ، وَالْقَضَاءِ عَلَى دِينِكُمُ الْحَقِّ ، الَّذِي هُوَ السَّبِيلُ الْمُوَصِّلُ إِلَى مَعْرِفَةِ اللهِ وَعِبَادَتِهِ وَإِقَامَةِ شَرْعِهِ وَسُنَنِهِ ، فَتَثَاقَلْتُمْ عَنِ النُّهُوضِ بِالنَّشَاطِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ ، مُخْلِدِينَ إِلَى أَرْضِ الرَّاحَةِ وَاللَّذَّةِ ، وَآيَةُ الْإِيمَانِ بِذَلِكَ الْجِهَادُ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ فِي سَبِيلِ اللهِ : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (49 : 15) .
أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ أَيْ : أَرَضِيتُمْ بِرَاحَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَذَّتِهَا النَّاقِصَةِ الْفَانِيَةِ بَدَلًا مِنْ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ الْكَامِلَةِ الْبَاقِيَةِ ؟ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ
فَقَدِ اسْتَبْدَلْتُمُ الَّذِي هُوَ أَدْنَأُ وَأَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَأَبْقَى : فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ أَيْ : فَمَا هَذَا الَّذِي يُتَمَتَّعُ بِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مُنَغَّصًا بِالشَّوَائِبِ وَالْمَتَاعِبِ فِي جَنْبِ مَا فِي الْآخِرَةِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ ، وَالرِّضْوَانِ الْإِلَهِيِّ الْعَظِيمِ ، إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَرْضَاهُ عَاقِلٌ بَدَلًا مِنْهُ ، وَإِنَّمَا يُؤْثِرُهُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ ، وَقَدْ شَبَّهَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نَعِيمَ الدُّنْيَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَفِي قِلَّتِهِ فِي نَفْسِهِ وَزَمَنِهِ بِمَنْ وَضَعَ أَصْبُعَهُ فِي الْيَمِّ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْهُ قَالَ : " فَانْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ " ؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ، وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ .
نم بحمد الله اخوكم
راجي محمود الصبارنة