المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إسهامات العرب والمسلمين في علم الخرائط



أحمد المدهون
09/09/2010, 08:25 PM
أثبت المؤرخ التركي فؤاد سزكين أن خرائط العالم والخرائط الجزئية الأوربية حتى بداية القرن الثامن عشر الميلادي ترجع إلى أصول عربية؛ ففي عهد الخليفة المأمون في بداية القرن التاسع الميلادي قام -على سبيل المثال- نحو 70 جغرافيًّا برحلة استغرقت عدة سنوات جالوا خلالها في السفن وعلى ظهور الخيول والفيلة مختلف أرجاء أفريقيا وأوربا وآسيا، وأسفرت هذه الرحلة العلمية عن وضع خريطة للعالم تعتبر -بالنسبة إلى ذاك الزمان- ذات دقة عالية تثير الدهشة، يعرضها معهد فرانكفورت بعد أن حولها بطريقة فنية بارعة إلى مجسم على شكل كرة أرضية.(1)

http://www.wata.cc/up/uploads/images/w-62f153bfd9.jpg (http://www.wata.cc/up/uploads/images/w-62f153bfd9.jpg)
وفي جزيرة صقلية(2) التي كانت ملتقى عظيما لحضارتي الإسلام والغرب حتى نهاية عصر أسرة هوهنشتاوفن (Hohenstaufen) ألف كتاب جغرافي عظيم باللغة العربية هو كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) للإدريسي، وذلك بناء على طلب من الملك النورماندي روجر الثاني (Roger). وكان الإدريسي يعيش في بلاطه ويحظى برعايته وتشجيعه، وقد سمى كتابه هذا باسم ((الروجري)).(3) وهذا الكتاب هو وصف لخارطة كبيرة للأرض صنعت من الفضة لروجر المذكور، وأضيفت إليها إحدى وسبعون خريطة. ويتضمن الكتاب بحثا شاملا في الجغرافية الوصفية العامة كتبه الإدريسي قبل عام 548 هـ/ 1154 م بقليل. وقد وضع الإدريسي مؤلفا آخر في الجغرافية لوليام الأول (I William) خليفة روجر.
والإدريسي من مشهوري الجغرافيين والرسامين للخرائط، ولا ينافسه أحد في هذا الميدان خلال العصور الوسطى كلها.
وكان للخرائط الإسلامية وما كتبه المسلمون في علوم البحار أثر بالغ في تقدم الملاحة الغربية، فالملاح العربي أحمد بن ماجد (توفي عام 1489م)، وضع دليلا للملاحين في المحيط الهندي يعرف باسم (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد) وغيرها من الخرائط والأدلة في البحار والمحيطات وعلم الملاحة.
وقد نشر في روما عام 1592 بالعربية قسم مقتطف من كتاب (نزهة المشتاق) للإدريسي، كما نشر هذا القسم في ترجمة لاتينية قام بها راهبان مارونيان سنة 1619، تحت عنوان مغلوط هو (جغرافية النوبة) (Geographia Nubiensis). ويرينا هذا المثل كيف ساعدت كتب المسلمين الجغرافية على تعليم أهل الغرب، في وقت لم يكن قد بدأ فيه بحث أهل الغرب في جغرافية الشرق، ولم تكن قد بدأت فيه ـ بالأحرى ـ الدراسات الغربية الخاصة بمؤلفات المسلمين في الجغرافية. كذلك قام أستاذ العربية في جامعة باريس في القرن السابع عشر الذي يدعى بيير فاتييه (Pierre Vattier) بترجمة مخطوط في وصف مصر وجده في مكتبة الكاردينال مازاران.
ويتضمن المخطوط، إلى جانب ذلك، كلاما كثيرا في الجغرافية، ونصا شائعا عن التاريخ الأسطوري لمصر القديمة مع الاهتمام الخاص بمراكز السحر فيها. وأمثال هذه الكتب أعانت كثيرا على تكوين صورة الشرق لدى الغربيين خلال عصر التنوير. وقد وجدت هذه الصورة صدى في الأعمال الفنية والأدبية عند الغرب، وكانت سببا في نشوء انطباعات مسبقة وتحيزات ضد الشرق لم يتمكن البحث العلمي من إزالتها حتى الآن. (4)
وإذا كان الغرب الأوروبي يفخر اليوم بنهضته الحديثة التي توجها بحركة الكشوف الجغرافية، فإن علماء الغرب أنفسهم يعترفون بأن المكتشفين الأوروربيين اعتمدوا في حركتهم الكشفية على الخرائط التي وضعها الجغرافيون المسلمون، وأنهم عرفوا منهم وأخذوا عنهم استخدام البوصلة، وأنهم لولا معونة المرشدين المسلمين – أمثال ابن ماجد الملاح – ما استطاع فاسكو دي جاما الوصول إلى جنوب القارة الآسيوية عن طريق الطواف بحراً حول أفريقية، ولاستغرقت هذه العملية وقتاً أطول. أما كولمبس فيكفي أن دائرة المعارف الفرنسية تذكر في صراحة أنه اعتمد على الخرائط التي وضعها الجغرافيون المسلمون في رحلته التي أوصلته إلى العالم الجديد.(5)
-
المصادر:
(1) شامل زكريا، سزكين... يعيد كتابة تاريخ العلوم العربية، موقع إسلام أون لاين، نشر بتاريخ 4/8/2008، الرابط: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-HealthScience/HSALayout&cid=1216208308447
(2) صقلية Sicilia: جزيرة ايطالية في البحر المتوسط، عاصمتها بالرمو واهم مدنها كاتانيا ومسينا و تراباني. استعمرها الفينيقيون واليونان فأسسوا فيها المدن التجارية الزاهرة. اجتاحها العرب فغزاها زيادة الله الأغلبي عام 827 م، ثم عبد الله بن أبي سرح، ثم فتحها أسد بن الفرات. خضعت لحكم العرب فترة طويلة إلى أن احتلها النورمان. توجد فيها آثار عربية عديدة. أنظر: موسوعة علماء عصر النهضة العربية، بحث وتصميم: يوسف عيسى، الدوحة – دولة قطر، موسوعة الوكرة، مادة صقلية.
(3) د. عبد الجليل شلبي، حضارة العرب في صقلية وأثرها في النهضة الأوروبية، موقع الفسطاط نقلاً عن مجلة الأمة، العدد 27، ربيع الأول 1403هـ.
(4) د. حسن نافعة وكليفورد بوزورث، ، تراث الإسلام، الجزء الثاني، ترجمة: حسين مؤنس ود.إحسان صدقي العمد ، ص: 154-156.
(5) أ.د. سعيد عبدالفتاح عاشور، كلمة الإفتتاح، ندوة اتحاد المؤرخين العرب في القاهرة 6-8 تشرين الثاني 1993م ، نشرت في كتاب بعنوان: الحضارة الإسلامية وعالم البحار (بحوث ودراسات)، منشورات اتحاد المؤرخين العرب، القاهرة 1994م، ص: 11.

عبدالله بن بريك
11/09/2010, 05:48 AM
كل الشكر لك أخي أحمد المدهون على هذا المجهود الطيب.

عيد مبارك سعيد..

أحمد المدهون
14/09/2010, 08:46 AM
كل الشكر لك أخي أحمد المدهون على هذا المجهود الطيب.
عيد مبارك سعيد..
وكل الشكر والعرفان لزيارتك، نورتنا.
وأحب أن أشير إلى مثال لواحد من أشهر راسمي الخرائط في عهد الدولة العثمانية، وهو البحار والمغامر العثماني المشهور بلقب بيري رئيس، وأحيلك والأعضاء إلى إدراج بعنوان (ألغاز قديمة: خريطة بيري رئيس عام 1513 (http://www.wata.cc/forums/showthread.php?t=77269)) من ترجمتي المتواضعة، والعنوان الأصلي للمقال: Ancient Mysteries: The Piri Re'is Map of 1513 (http://www.viewzone.com/pirireis.html)، الذي نشر في موقع http://www.viewzone.com على شبكة الإنترنت.
أتشرف بزيارته وإبداء ملاحظاتكم.
وكل عام وأنتم بخير وصحة وعافية.
ولكم أجمل تحياتي

أحمد المدهون
11/12/2010, 04:42 PM
أما كولمبس فيكفي أن دائرة المعارف الفرنسية تذكر في صراحة أنه اعتمد على الخرائط التي وضعها الجغرافيون المسلمون في رحلته التي أوصلته إلى العالم الجديد

عبدالله بن بريك
12/12/2010, 01:20 AM
أخي العزيز أحمـــــــــــد :

هناك أسماء علمية غربية لا تبخس العرب سبقهم العلمي.

تحياتي اخي.

أحمد المدهون
23/01/2011, 05:14 PM
أخي العزيز أحمـــــــــــد :
هناك أسماء علمية غربية لا تبخس العرب سبقهم العلمي.
تحياتي اخي.
الأستاذ عبدالله بن بريك،
أشكرك لهذا المرور وهذه اللفتة.

هذا صحيح، ولمن يريد معرفة أثر المسلمين في نهضة الغرب فليقرأ ما كتبته المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب"(1)، وهو يمثل واحداً من شهادات منصفة على أيدي بعض المستشرقين والباحثين الغربيين ممن امتلكوا الجرأة الأدبية، والمنهجية العلمية في ذكر الحقائق بلا خداع أو تزييف، يمكننا أن نأتي على بعضها في مرات قادمة.

تقبل فائق الود.
-
(1) للتوسع: زيغريد هونكة، شمس العرب تسطع على الغرب "أثر الحضارة العربية في أوروبة"، نقله عن الألمانية فاروق بيضون وكمال دسوقي، دار الجيل ودار الآفاق الجديدة، بيروت، ط 8، 1413هـ - 1993م.

نوال شاتيلة
01/05/2011, 02:47 PM
أما كولمبس فيكفي أن دائرة المعارف الفرنسية تذكر في صراحة أنه اعتمد على الخرائط التي وضعها الجغرافيون المسلمون في رحلته التي أوصلته إلى العالم الجديد




صحيح ، قرأت أنه اعتمد على ما تركه ابن بطوطة الطنجي من وثائق
بارك الله فيكم ، بحث علمي قيّم و مفيد
للمزيد متشوقة

أحمد المدهون
12/07/2011, 02:09 AM
صحيح ، قرأت أنه اعتمد على ما تركه ابن بطوطة الطنجي من وثائق
بارك الله فيكم ، بحث علمي قيّم و مفيد
للمزيد متشوقة
الأستاذة نوال شاتيلة،
أرجو المعذرة لتأخر الرد

إليكِ هذه المعلومة التي تفيد في هذا المجال.
جاء في كتاب ( دمشق 93 للهجرة: الشمس في ضحاها ) للمؤرخ د. شوقي أبو خليل - رحمه الله - في الصفحة 156 :

" إن التجارة بين العرب وهنود أمريكة قامت قبل موافاة كولومبوس لها بخمسة قرون، ولما أبحر كولومبوس من أوروبة، كان متزوداً بمصوَّرات وخرائط للعرب، وبها اهتدى إلى تلك الأرض، واستصحب رجلين من العرب كانا عبرا إلى أمريكة قبل ذلك وعرفا الطّريق. وعثر أحد علماء الأثريات على ألواح مكتوبة بحروف عربية، ولغة عربية، فاتجهت أنظار علماء الآثار إلى استطلاع كنه هذه الحقائق التاريخية التي لا تلبث أن تنطق بأفصح لسان، بفضل العرب على الإنسانية في الميادين جميعاً.

الدكتور فوّاز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سانت لورنس في نيويورك، أشار إلى أن المصادر التي تبحث في بدايات الوجود العربي والإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية موجودةٌ حصراً في مكتبة الكونجرس على شكل ( ميكروفيلم ) قديم، ونصح المهتمين بالشأن العربي والجامعة العربية، ومركز دراسات الوحدة العربية باستنساخ عدد منه وتوزيعه على الجامعات ومراكز البحوث في الدول العربية، ليتسنّى للباحثين الإستفادة منها.

وثيقة قديمة تشير إلى أن البحّارة المسلمين قدموا أمريكة الشمالية سنة 1178م، أي قبل اكتشاف [ المزعوم ] كولومبوس بحوالي ثلاثة قرون، استقرّ بعضهم في فلوريدا وجنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية".

نقلاً عن كتاب: ( الوجود العربي والإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية ) ، تأليف د. أحمد علي ويس الزّوبعي، ص 8، جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية.

وهناك الكثير.

تقبلي فائق التقدير.