المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحلة في بلاد تركمان ايران



نظام عزالدين محمد علي
26/11/2010, 06:45 PM
رحلة في بلاد تركمان ايران
او
مشاهدات على أبواب تركستان
لطالما حلمت بالسفر إلى ربوع أسيا الوسطى والتنقل بين المدن والقرى التي كانت تشكل حيناَ من الزمن مركز العالم ومقصد العالمين مدن مثل سمرقند، بخارى، فرغانه، صحيح ان الحلم وان لم يتحقق كليا ولكن بالامكان ان نقول انه قد تحقق ولو جزئيا .
وقد تقاسمت هذه المدن التاريخية ولايتين أو منطقتين سميتا تاريخيا بخراسان وخوارزم وأخرجت المئات بل الآلاف من رجالات العلم والأدب وفي كافة صنوف الثقافة والحضارة الإسلامية بل يمكن اعتبار هذه المدن مهداَ للحضارة والمدينة الإنسانية جمعاء......
نعود كما بدأنا به..
كذب من يقول إن الأحلام فقاعات تزول بوثبة صاحبها من نومه.. إن الأحلام ما هي إلا صورة وانعكاس بشكل أو بأخر لما تجول في باطن الإنسان وضميره المستور من هموم وأفكار وأحاسيس ......
لقد قمت بزيارة المدن الواقعة في منطقة تركمن صحرا – الايرانية - في الشهر الماضي بعد أول زيارة كنت قد قمت بها إلى هذه المنطقة قبل سنين من الزمان ، وقد كنت دهشت في حينها كما رأيت من نقله كانت تشبه إلى حد كبير آلة الزمن التي قرأنا عنها ورأيناها في الافلام ، كأنها نقلتني وبسرعة البرق إلى ما قبل مئات السنين فملابس الرجال والنساء وحتى الأطفال انعكاس للتراث الفلولكوري التركماني الحي .
وقد ازداد بهتنا وتعجبنا من هذه اللوحة جواب إمام الجامع عندما سألنا من أين انتم ؟
أجبناه نحن من مدينة كركوك، فأطرق الرجل رأسه وقال لقد مررت من هذه المدينة عندما توجهت إلى بيت الله الحرام حاجاَ ولم أسأله بالطبع عن سنة مروره وعلى أية وسيلة نقلية ! وهو الشيخ الذي لم يبقى في لحيته الطويلة شعرة سوداء وقد اكتسى ملابس علماء الدين التركمان التقليدي وقد لفت انتباهي أيضا جزمته الطويلة الجلدية ....
نعم تلك كانت مشاهداتي قبل اكثر من عشرين سنة من الزمان واما اليوم فأنك تعجب للتغيرات التي طرأت على هذه المنطقة بل هنالك عمران وتغيرات في كافة مجالات الحياة !!
التغير قد ضرب بأطنابه حتى نالت الملابس التركمانية نصيبها من التغييرات .
فقد أصبح الإنسان لا يرى مثلما كان يرى قبلا الزى التركماني واليوم يكتسي الزي القديم فقط رجال التركمان المسنين وعلماء الدين وهي ملابس تعكس التراث الاسلامي الاصيل "وهي عبارة عن عباءة مخططة بالوان زاهية وعمامة اسلامية " الا ان المفرح ان النساء التركمانيات لا زلن محافظات على ملابسهن التقليدية وهي عبارة عن فستان طويل(مكسي) مع غطاء رأس طويل " وقد أمسى غطاء رأس التركمانيات علامة التركمان المميزه وسلعتهم التي تجذب وبالأخص الزائرات القادمات من كافة ارجاء ايران ويرغبن باقتنائها و الاحتفاظ بها كخاطرة وذكرى " .
إن منطقة تركمان صحرا تبدأ من ميناء بندرتركمن الساحلية حتى أطراف مشهد على حدود أفغانستان فميناء بندر تركمن الواقع على بحر خزر بالاضافة الى ما وهب الله للمدينة من جمال طبيعي الا انها أيضا تستظيف في جزرها رفات احد اعاظم السلاطين الاتراك الا وهو السلطان الكبير محمد خوارزم شاه وقبره واقع في جزيرة " أشور آده" وقد مات هذا السلطان حسرة بعد أن فقد ملكه العظيم بيد إمبراطور المغول جنكيز خان ودفن في هذه الجزيرة النائية .
وتضم منطقة تركمن صحرا مدناَ مثل " كنبد كاووس، بندر" ميناء " تركمن ، كلاله، ميراوه ، دركز. .." بالاضافة إلى قرى واقضية متناثرة وتضم أيضا مدن مشهد وجرجان وقوجان إعدادا كبيرة من التركمان المهاجرين وتتقاسم ألان منطقة تركمن صحرا محافظات خراسان ، مازندران وكلستان .
والشعب التركماني شعب يولي اهمية بالغة بتاريخه وانتماءه المذهبي وتراثه ولغته وهم يتميزون بالطيب وسماحة الصدر ويستقبلون الضيوف بحفاوة بالغة و يمتنعون التزاوج مع القوميات والمذاهب الاخرى ، ولربما تمايزهم العرقي وسحنتهم التي تحمل سمات انسان تركستان الاصيلة عامل من عوامل عدم امتزاجهم مع المجتمعات الموجودة بالاضافة الى التمسك الشديد بالمذهب الحنفي وتعصبهم له جعل من الصعب اختراقهم ومحاولة تغيير مذهبهم ....
ويتركز التركمان في ايران الذي يبلغ عددهم حوالي المليونين نسمة في مدينة كنبد كاووس وهي عمدة تواجدهم ومركز لنشاطاتهم الثقافية والدينية وتشتهر المدينة بالبرج التاريخي المنصوب في وسط المدينة القديمة والبرج واقع على تل ترابي يرى من كافة ارجاء المدينة وقد سطر في البرج الجملة التالية وباللغة العربية :
هذا القصر العالي – لأمير شمس المعالي – الأمير قابوس ابن وشمگير – أمر ببنائه في حياته – سنة سبع و تسعين – و ثلثمائه قمرية و سنة خمس و سبعين و ثلثمائة شمسية
الحالة الدينية : إن التركمان عموماَ مسلمين ويتبعون المذهب الحنفي ويتمتع علماء الدين التركمان بقدسية واحترام بالغين ويلبسون ملابس خاصة بهم، وبالطبع تنتشر في ربوع التركمان طرق صوفية و سلفية ومعتدلة إلا إن المفرح في ذلك إن رجالات وعلماء الدين التركمان " مع اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الفكرية " متفقين على إقامة صلاة الجمعة سوية .
وأما صلاة الجمعة فوصفها تلهب مشاعر الإنسان المسلم وهو يرى الآلاف يتوجهون إلى صلاة الجمعة شيوخا وشبابا ، وصلاة الجمعة في مدينة كنبد كاووس تقام فقط في مسجد جامع كبير ومصلى واحد حيث يبلغ مساحته خمسة عشر الف متر مربع ويسع لعشرين الف مصلي يجتمع فيه المصلون وهم بالآلاف لأقامه هذه الشعيرة الإسلامية وهذا الجامع الكبير جداَ يذكرك بالمسجد النبوي الشريف وخصوصا إن قارئ القران كان يقلد إمام المسجد النبوي الشريف .
فيا ترى هل يستطيع أئمة جوامع المدن الاسلامية تقليد اخوانهم في توركمن صحرا فيزيلون الفوارق والاختلافات التي تفتك بنا فان لم يستيطعوا أن يقيموا صلاة الجمعة سوياَ كل مرة فليحاولوا ان يصلوا صلاة العيد جماعة .
وتنتشر في ربوع منطقة توركمن صحرا الكثير من المدارس الدينية الشرعية وتدرس فيها الشريعة الاسلامية وهي مدارس نظامية شرعية يدرس فيها الاف من الطلبة ولا تخلو مدينة من مدرسة شرعية تدرس فيها الفقه الحنفي وتتميز بوجود مبيت للطلبة مع مأكل ومشرب وملبس للطلبة ، حيث يستغرق الدراسة فيها لمدة ست سنوات وتضاهي شهادتها الدراسة الثانوية التابعة للدولة ، وهذه المدارس الشرعية تبنى وتصرف عليها من قبل اغنياء التركمان والناس العاديين ويعتبر التركمان هذه المدارس رمز لبقائهم وخصوصية لهويتهم الدينية والقومية .
الحالة الاقتصادية:
إن منطقة تركمن صحرا كانت تعتبر المنطقة الأولى في إنتاج القطن وقد كانت مزارع القطن تنشر في جميع نواحيها وأما اليوم فقد قل الطلب وانخفض إنتاج القطن إلى حد كبير وانخفض بالتالي إنتاج الفرش التركماني الشهير عالمياَ فلا تجد إلا القليلات منشغلات بحياكة الفرش وهذه بالطبع خسارة كبرى اقتصادياَ وقومياَ إذ يفقد التركمان َ السمة البارزة والمميزة للشعب التركماني ليس في ايران فحسب بل في العالم وهو الفرش التركماني الذائع الصيت.
ليس من المبالغة بشئ إذا قيل إن النفط وخصوصاَ في مناطقنا هو وبال حقيقي وقاتل ومدمر للكثير من الابتكارات والإبداعات الشخصية والقومية، إن مناطقنا كانت تشتهر سابقاَ بالمصنوعات والحرف اليدوية وصناعة الخزفيات والأحذية والخ... ولكن بعد احتلال الاستعمار البريطاني لمناطقنا فلم يبقى للحرف اليدوية اثرا وتم اهمال هذه الصناعات عن قصد او غير قصد واصبح التجار والصناع المهرة يتباهون ويتسابقون بالعمل في شركات النفط .
وألان وبعد مرور حوالي 80 سنة عن استخراج النفط ماذا بقي لنا ! لقد سبقنا ليس الغرب فحسب بل دولا تحررت ولم تكن لها اساس ومقومات الدولة .
والمشكلة المضاعفة التي كنا نعانيها سابقاَ هو عدم معرفة كيفية تطوير العمل الإنتاجي ومن ثم كيفية تسويقها إلى خارج المدينة حتى يستطيع الصانع أن يحول مصنعه الصغير إلى ورشة عمل كبرى تدر مالاَ يشجعه على المضي قدماَ في إنتاج وتطوير السلعة المنتجة
صحيح إن التركمان في إيران بدؤا يفقدون صناعة الفرش بعد التغيرات الحاصلة في الحياة في إيران إلا إنهم استطاعوا ولردح من الزمن غير قليل أن يحتكروا الماركة المسجلة باسمهم سواءَ في صناعة الفرش أو ما سمي بشتى تركمن"المتكأ" والأعمال اليدوية الباهرة الأخرى. الا ان هذه الصناعة الماهرة التي يتميز التركمان بها في ايران تحتاج الى دعم وفتح المجال امامهم لتصديرها الى الخارج ليدر لهم مالا يشجعهم على الحفاظ على هذه الصناعة القومية والتي يتميزون بها .
وأما الخيل في المفهوم التركماني فيعني الكثير فالخيل علامة دآلة على التركمان وقلما تجد تركمانياَ لم يركب حصانا أصيلا وتتواجد في مدينة كنيد ساحة وميدان الخيل الكبرى والخيل التركماني الى جانب الخيل العربي مشهور في إيران وفي العالم كله وهنالك الكثير من الأغنيات قيلت في الخيول ليدل كل ذلك إلى الفروسية التي يتمتع بها التركماني ..هذه الفروسية الموروثة من مئات بل آلاف السنين.
والشعر في حياة التركمان في إيران يعتبر امراَ أساسيا كما هو في باقي مدن ومناطق الترك في العالم وقد جرى خلال تواجدي في منطقة تركمن صحرا تكريم ثلاث من شعراء التركمان حيث رأيت التنظيم الرائع والمنقطع النظير في إقامة الحفل وتقديم برامج موسيقية فلكلورية متنوعة نالت إعجاب الجمهور.
وأما الجمهور فقد كان نصفه بالتمام والكمال من الشريحة النسوية وهذا أمر لافت للنظر وخصوصاَ في بلد مثل إيران وبالطبع قلما تجد أمسية شعرية أو محاورة أدبية لا تذكرفيها اسم الشاعر " مختوم قلى فراغي " هذا الشاعر الصوفي الثائر والذي يعتبره التركمان أبو الشعر الكلاسيكي التركماني ومرقد هذا الشاعر في منطقة آق توقاي بالقرب من حدود جمهورية تركمنستان. وللحديث بقية ....


1. لمعرفة اهتمام التركمان بالخيول : انظر تقرير جريدة كارديان الانكليزية : http://www.guardian.co.uk/travel/2005/dec/24/iran.guardiansaturdaytravelsection
2. جاء في كتاب لفايز ساره " اقليات في الشرق الاوسط ":اكبر تجمعين للتركمان في بلدان المنطقة هما في العراق وإيران .حيث يحدد نسبة التركمان من سكان إيران تصل إلى 5و1% ،الأمر الذي يعني أن عددهم هناك يبلغ 750 ألف نسمة ( العديد من المصادر تؤكد إنهم يقاربون المليونين ويتمركزون في مدينة (كونبد كاوس) بصورة رئيسية ومدينتي (بندر توركمن)و(كالاله))
. وبسبب عدم وجود إحصائيات رسمية ، يخمن المؤلف إلى أن التركمان في العراق يشكلون حوالي 7% من سكان العراق ،وبذلك يقدر عددهم بأكثر من مليون ونصف المليون من العراقيين ،ونسبة التركمان من إجمالي سكان سوريا والأردن أقل مما سبق بكثير،إذ يقدر عدد التركمان في سوريا بأقل من 100 ألف نسمة ،وقد لا يتجاوز عددهم في الأردن الـ 25 ألف نسمة ،حسب أكثر التقديرات.