المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جزء من الفصل الأول لرواية بعنوان ( الأثر ) .



شكري الميدي
05/12/2010, 04:31 PM
إلى ليبيا ، بلادي .

الأثر .
" ثمة أثر صغير ، لا يتغير في طبيعة البشر ، أثر صغير أنت تعرفه جيداً " – شيخي ايميري .
القسم الأول :
الزعيم الجديد .
كلمة الشيوخ في الصفحات التالية تحمل كل الدلالات الدينية المعروفة ، أما كلمة الزعيم و الزعماء فهي نفسها التي قد تخطر لكل من يقرأ الرواية فهي تناقش المشاعر و القليل من الأفكار و الرموز و جزء يسير من بهجة الفن ، أشياء نعاني منها يوميا .
1
كل شيء ميت ، الدنيا كالحلم ، كنت وحيداً و أنا أرى الدخان الأسود ينتشر عبر الأفق ، قلت في نفسي : كل شيء انتهى أخيراً ، إنها اللحظة التي رأيتها دائماً . كنت أذكر تلك الكلمات : " فقط أهرب ، أهرب فقط " . و لكن لم ؟ و إلى أين ؟ لم أركض ، جلست أراقب الدخان و هو يتكاثف بعيداً فوق جبلي المفضل ، ثمة نيران لامعة هناك ، البارحة رأيت انعكاس النيران على السحب العابرة ، تحول برد الليلي للصحراء إلى دفء غريب ، جلست هناك منهكاً حتى غبت عن الوعي ، الشمس الآن تحرق الرمال ، هل كان على أن أركض ، فأنا أشعر بالعطش الشديد ، حتى لو حاولت فلن أنجو ، قبل أيام أو ربما أسابيع هرب كل الرجال ، قتلوا النساء و الأطفال في حفلة جنونية و هربوا . صديقي قال لي أمراً ، حكاية صغيرة عن الكون : أنت لا تريد أن تصدقني و لكن كل شيء يزول هذه الأيام ، أنظر منذ ثلاث سنين لم نرى شجرة واحدة ، و لا حتى ورقة جافة . قلت له : و أنت تريد ورقة واحدة لكي لا تصدق . نظر إلى وقال بابتسامة : قرر الرجال أن يحتفلوا الليلة . و ماذا إذن ؟ . عليك أن تهيأ نفسك ، أنت تعرف ما سيحدث . كان قرار الرجال بالاحتفال ينبع من مكمن الألم و الرعب نفسه ، جلست على الرمال الباردة و قلت لصديقي و أنا أغرف الرمال بين أصابعي :
- صديقي أنا لدي ما أفعله .
كنت جالساً و لكني شعرت بارتعاش في ركبتي ، تمددت حتى أخفي ارتعاشي ، و بهدوء غمست رجلي في الرمال الباردة . و بدأت أحدق في الأفق الصافي . و لكني اليوم و تحت هذا الحر العاصف أرى إلى الدخان يتصاعد رويداً . " أنت تقصد بأنك لن تهرب ؟ " ، " نعم ، لن أهرب " و لكن ... ، كنت أعرف ما أريده بحثت عبر الراقصين عن جسد واحد ، عن فتاة واحدة ، الرقص كان ينزع الخوف من الأرواح ، إنه ليس أمراً جسدياً خالصاً ، إنه موازاة حقيقية لغرائز الروح ، كانوا منتشين ، الانحناءات الهادئة و الملامسات البطيئة الخجلة ، ثم إلى العنف المتفجر ، الصراخ و البكاء ، كنت أعبر كل مشاعر البشرية بحثاً عنها ، " هل حقاً سينتهي كل هذا ؟ لم أكن أجد في ذهني فكرة واحدة تؤكد لي قدرة رجل ما ، أي رجل أن يسفك هذه المشاعر على الأرض ، وقفت في وسط حلقة محمومة و صرخت بأعلى صوتي ، كانت روحي تتصاعد ، لم أكن أموت ، بل بدأت للتو أعيش معنى الوجود ، موسيقى عظيمة ، و انكسارات مؤلمة لأحلام فتيات صغيرات ، ألم و ركض ، موسيقى بإيقاع واحد ، وسط الحلقة ، محموماً ، قفزت حتى وضعت نفسي أمام الزمن المتوقف و رأيت بعيني معنى مشاعري ، لم كنت خائفاً ؟ ، في ذلك الزمن عندما تجري خائفاً من شيء ما ، مما كنت أجري خوفاً ، خلفي تماماً لمحت عبر الضوء الباهر جسداً يتبخر عرقاً ، رفعت وجهي و أنا أعود إلى الوراء ، صورة رهيبة للعري . " أنت ترى ، نهاية الوجود ليس بعيداً " . " الرقص ، هكذا نقابل نهايتنا " . " التحرر ، مشاعرنا ، أنت تشعر بأنك وحيد ، أرقص بكل وحدتك " . " أنت لا تفهم ما أود أخبارك به ، الرقص ليس للموت " .
- أنت لا تفهم ، أليس كذلك ؟
الليل يطوي تلك المشاعر ، عنف صغير كانحناءة نحو الظهر ، الدورة القصيرة وخصلات الشعر تلامس الرمال . كنت أركض مبتعداً عن الإيقاع الواحد ، لابد أن يكون هناك انسجام عدة أصوات ، أنت لا ترقص على صوت واحد ، البصر و السمع ، ثمة ارتباطات كثيرة لخلق مشهد راقص ، الرقصة الكاملة في فيديو كليب مثير ، هل أقول ذا فكرة ؟ أنا رسمت تلك الصورة ، الرقصة الأخيرة قبل نهاية كل شيء ، حبنا و رؤيتنا و مشاعرنا المنهكة ، السر الغريب المشاع بلا هدف . إنه تماماً الأمر الذي جعلني أبتعد ، أنا أموت بلا هدف ، و لكنهم يقتلون . الروح تكون ضعيفة ، هذا ما يقوله الأقدم ، روح ضعيفة ، جسد في أقصى طاقاته ، وضعت قدمي على الجبل ، كانت الصخور لامعة ، تعكس أضواء الساحة البعيدة ، و الرياح المنعشة ، وقفت و نظرت عبر السفح ، بقعة ضوئية و أجساد مرتعشة تصنع الظلال الكثيفة التي تصل الجبل ، و تزحف عند قدمي . تركت كل الأحلام و صعدت إلى الأعلى ، هل كنت أجرح نفسي ؟ أي ألم يصنعه موت شيء ما في المشاعر ، الفقدان جزء من التجربة ، الاحتفالات الباهرة لسيدات العصور الوثنية ، عندما ترتفع تلك الروح و تعلن بأنها بحاجة إلى المزيد ، ماذا يبقى بعد ؟ لا أحد يفهم سر تلك الروح ، كانوا يتحدثون عن كل الأفكار ، استطعنا في مجتمعنا الصغير أن نضع نهايات لامعة لمشاكلنا كلها ، و في اللحظة التي استلقى فيها الجميع ظهرت تلك الروح ، المعضلة الأكثر رهبة من كل المعضلات ، وقفنا مبهورين ، لا فكرة ناجحة تجاه الأمر ، كنا يائسين ، بدأ الشيخ ، الشيخ الثالث من حلقة الشيوخ بالبكاء ، انهمرت تلك الدموع الغريبة متدحرجة على خديه المجعدتين، و خضبت لحيته البيضاء ، كنا مبهورين ، الشيخ الأكبر ، أكبر رجال الحلقة قبع صامتاً ، لم ينهر ، لم يشر بشيء ، ظل صامتاً و بقينا غارقين في صمت رهيب ، أنا أشعر بالجوع و الغرابة عندما أتذكر هذا ، حدث الأمر منذ أسابيع و لكنه ما يزال يلفحني في عمق صدري ، نار مؤلمة ، رأيت بعيني الشيخ الأكبر يموء بالبكاء الذي لم يعد يستطيع كبحه . في تلك اللحظة أشهر الرجال خناجرهم ، لمعت عالياً فوق الرؤوس ، كانوا مستعدين للقتل ، الغضب العنيف . و لكن الشيخ منعهم بيده ، ثم قال بعد دقائق :
- أنتم لا تفهمون ، سيكون ثمة أمر أخير علينا القيام به ، سيكون الشيء الأخير .
كنت أعرف الأمر ، قليل من المجموعة عرفوا بما سيجري ، النسوة واقفات هناك بكل صمت ، ثمة مشاعر خوف في أرواحهن ، و لكنهن كن مثل الجميع لا يفهمون ما يحصل .
2
طريقي ، لست مثلهم ، لا أموت هكذا ، لن اقتل أحداً . قلت هذا لصديقي ، ستكون الليلة قاسية على الجميع ، و لكني سآخذ ما يخصني و أرحل .
- إلى أين .
- لن يكون مهماً ، إلى أي مكان .
- و لكنهم لن يتركوك تفعل .
- لذا سأهرب بما يخصني .
- سيعرفون ، أنت تراهم سيعرفون .
- ليعرفوا ، لا يهمني ، أنا أموت و أنا أفعل شيئاً ، خير لي من أن أقتل الأبرياء .
- و لكن لا أحد بريء ، إنهن ....
- لا أحد بريء ؟ أتظن ذلك و لكن كيف نحكم بهكذا حكم إذن ، كيف نقتل ؟
دمي على الصخور ، و أنا وحيد ، سمعت الصرخة الأولى و أنا قريب من القمة ، كانت دمائي تقطر من ركبتي ، و الألم في كل أنحاء جسدي . كنت أريد أن أعتمد عليه في قتال من يضع حد خنجره على رقبتها، ضحكت من أعماق روحي ، كيف يعقل أن أفكر في هذا ؟ أنا لا أحمل سلاحاً حتى ، أنا من مجموعة الكتبة ، مهمتي تتمحور في وضع الخطط و رسمها ، رفاقي و أنا دربنا لكي نكون بحق لسان الزعامة ، طبقة الزعماء العظام ، البشر الذين عقدوا ذلك العقد المهيب مع المخلوق القديم ، أن يمكنهم من السيطرة ، على أن يكونوا حقاً من التابعين الدائمين ، المخلوق لديه مشاريع كونية أخرى غير مفهومة لنا ، الظلمة الحالكة ، رسائل صغيرة ، بعض الكشوفات الأرقام ، و لأني كنت من نابغين القلائل في مجالي استطعت أن أفهم بعض السطور ، كانت لغة مقدسة من ملايين الظلال ، جلست على حافة صخرة لامعة و أنا أحاول تذكر سطر واحد ، شيء مثل بقايا الحديث ، طريق صغيرة مليئة بالأرواح . و في أخر لحظة كشفت معنى كلمة زلزلت روحي من الداخل : الدم ، دماء ، احتفالات ، قمر مغطى بالدم ، كنت بدأت أكتشف المعاني الخفية التي يعمل طبقة الزعماء من أجل الاحتفاظ بها سراً حتى عنا نحن ، نحن : الأكثر ولاء . كان الخوف أكبر منا ، ما تحمله تلك الرسائل كانت اكبر من الولاء ، كان هو الخوف ، الأكثر رعباً ، الموت بدماء الأقارب . و لكن لم بدأ الشيوخ بالبكاء ؟ حتى الشيوخ ، الواحد منهم قادر على تحمل قطع جسده لمئات القطع ، حتى هؤلاء يخافون الزعماء . مرة حدث أن قابلت زعيمنا المباشر ، كان مثل هالة خفية من كل الأسرار التي اكتشفها البشر ، كنت قد صنفت رسائل المخلوق القديم بعناية بحيث لم يعد الفوضى التي تحدث دوماً عند بزوغ القمر المدمى – تلك الفوضى لم تعد موجودة ، العصور السابقة كانوا يحفرون الرسائل المهمة على الجلود ، و كانت طبقة أخرى من الكتبة تعنى بذلك الأمر ، الحفر الدامي ، تدعى طبقة الكتبة الدمويين و أمام الشيوخ و الزعماء ، يسمون بالتبشيريين الحملة . لأنهم يحملون الأسرار الزمنية الطويلة بصبر و حكمة ليبشروا بها ، كل عشر سنين تحفر الرسائل على المجمعات التي يشرف ولاة الزعماء بهدف الحفاظ على الكلمات ، فظاهرة الموت كانت علاجاً و مصيبة في آن معاً ، الكتبة كانوا يعيشون على الأغلب لأربعين عاماً ، يبدؤون حمل السر من العمر الواحد و العشرين ، لا يمنحون وقتاً للفهم ، يعيشون حياة الشيوخ و يمنحون كل ملذات الحياة ، يكون التبشيري الحامل قادراً على اختيار نساءه بنفسه ، و له حق الليلة الأولى كلما شعر بوجوب ذلك ، و عندما يبلغ التاسعة و الثلاثين تبدأ الاحتفالات الكمال ، رقص و انتشاء لأقصى الحدود . هل هذه الاحتفالات كمالنا كلنا ، من نوع ما نحن أيضاً تبشيريين ، الكتبة العاملون في مكتبات الزعماء و حلقة الوصل بينهم و بين الشيوخ لنقل الرسائل ، و ترجمتها عند السفح الغربي للجبل المقدس ، حيث تحدث الرب ذات مرة . أذكر جيداً بأن شيخي قال لي : " نحن نخدم الزعماء ، و هؤلاء يتأرجحون بين الإيمان و الضياع " شيخي عرف بأننا نخدم عدونا ، و أنا فهمته و لكني لم أكن أثق بشيخي ، لم أكن أثق حتى بنفسي ، فقد تعلمت التفكير السري ، حيث تفصل نفسك على ثلاث دفعات من التدرب العميق لأفكار صوفية تبدو في البدء سخيفة و لكنها تمنح العقل قدرة نسيان الوجود للحظات ، في تلك اللحظات الصغيرة يكون بوسعي أن أفكر في كل ما يعترضني من أحلام أو كشف للرسائل ، هذا الأمر يأخذ أحياناً التفاصيل الدقيقة ، لأن العبور إليها و الخروج منها يبدو أمراً لا إرادياً . ربما نسيت أمورا . و لكن شيخي يعرف بعض الأشياء .
- سيكون علينا أن نعرف ، القتل و الرقص و الجسد ، الكتبة و بعض الأرقام المتتابعة ، و لكن رؤيتي ليست كاملة ، نحن الشيوخ نملك قدرة التحمل و لكننا لا نملك سواها .
هل كان يعترف أمامي ؟ بضعفه ، عدم قدرته على المقاومة ، بضعفنا كلنا ؟ كانت أصوات القتل تصلني من مكاني على الجبل ، كانت حزينة و متألمة ، الأضواء و الأشباح التي تكسر الأضواء ، رفعت بصري إلى السماء ، كانت النجوم قد اختفت ، الصحراء كلها تتجاوب مع ما يحدث ، السكون و الترقي ، قمت و الرياح الباردة تجفف تعبي ، صعدت الجبل بصمت ، حتى لو ماتت ، سأهدم نظام الزعماء ، بلا زعماء لا قدرة لمخلوق قديم علينا ، أذكر شيء من هذا الأمر :
- سيأتي وقت يكون على كل شخص فيه الهرب ، زعماءنا لا يعرفون سوى لغة الدم ، الأجساد ، أتذكر الدرس السبعين للكتبة ، أرجو أن تتذكره جيداً ، إنه من المادة السرية التي تم إلغاءها منذ عهد الزعيم الأسبق ، منذ ما يزيد على ثلاثمائة عام : المادية السرية محفوظة في القصر ، الأرشيف المختوم ، هل سمعت عنه يوماً ؟
الأرشيف المختوم ، كنت على دراية به ، و لكن الأحاديث عنها كانت مجرد أساطير تتحدث عن الوصفات السرية ، الوصفات التي وضعها زعيم صغير السن مات في ظروف غامضة ، يقال بأنه كان يعد لقلب نظام الزعامات فور تمسكه بالزعامة ، يقال أيضاً بأنه كان في الخامسة و العشرين من عمره عندما اختفى ، سمعت بنفسي زعيمنا المباشر يتحدث وهو في حالة سكر عن طموحات ذلك اللعين كما وصفه ، ليلتها كان يحتضن فتاة روسية في الثامنة عشرة و من غضبه ذبحها من بطنها حتى رقبتها ، كانت تصرخ و هو يطلب مني أن أسمعه نشيد الذي كتبه الشيخ الكبير ، وقتها لم أكن قد عرفت جيداً أمر الأرشيف و لكنه كان يحتضن مجلداً ضخماً أيضا لطخ بدم روسية بيضاء ، ربما كان هو .
كانت رغبتي واضحة ، انتهى الآن كل شيء ، لم يعد أمامي سوى البحث عن ذلك الأرشيف . واصلت صعود الجبل ، وصلت للقمة و هناك وجدت شيخنا : ايميري . كان جاثياً على ركبتيه و هو ينظر باتجاهي ، عندما رآني أشار بيده لأقترب منه ، لم يكن يتحدث كثيراً ، في الحقيقة طوال دراستنا على يديه لم نكن نسمع منه سوى الكلمات الضرورية لبدء الموضوع ، جلست بجواره حيث ربت بكفه ، حدثني ، رسم على رمال الجبل عدة رسوم ، وسقط أرضاً . مات .
3
- أنت ؟
- نعم يا شيخي ، شيخي إنهم يذبحون الأطفال في الأسفل .
- أجلس بجواري ثمة حكاية سأحكيها لك .
- شيخي لم نقتل الأطفال .
- أجلس يا بني ، فأنت نهايتنا كلنا .
- أنا ؟
- نعم منذ ولدت و نحن نحاول إخفاء الأمر ، منذ ولدت و الزعماء يبحثون عنك ، لم يكونوا يعرفون بأنك في قصورهم .
- أنا لا أفهمك يا شيخي .
- أجلس و أقترب من حلقة النور ، أريد أن أرى وجهك . أوه كم تبدو جميلاً ، أنت حفيدي ، حفيدي ، لا تكن واهناً أبداً ، أرأيت القتل ؟
- لا يا شيخي ، سمعت صرختهم ، كانوا يتألمون يا شيخي .
- أوه كلنا نتألم ، كلنا نفعل ، انسي الألم و فكر في التحرر ، نحن لم نعد قادرين على احتمال تقاليد الزعماء ، زعيمنا يهيننا ، قلوب الشيوخ تموت و تتألم كل يوم ، الشيوخ ماتوا بأفظع طريقة يمكنك تخيلها ، هل رأيت شيخاً في الاحتفال ؟
- لا .
- هل رأيت مدرساً أو مختصاً بدور الكتبة المباشرة ؟
- لا يا شيخي .
- هل رأيت أحد من المراكز الثقافية العليا في الاحتفال ؟
- لا يا شيخي .
- كما قلت لك لقد ماتوا بأفظع طريقة ، بيدي قتلتهم ، الواحد تلو الأخر ، أتريد أن ترى شريطاً لمقتلهم ، أتريد أن ترى وجوههم و هم يقتلون ؟ الألم لم يكن عادياً أبداً ، إنه مضاعف مئات المرات و الزمن متوقف حتى الدرجة السابعة ، إنه موت الأنبياء ، عنيف و قاسي . أتريد أن ترى ؟ ، حسنا شاهد .
- يا الهي . آوه ، و لكن لم ، لأجل من ؟
- الحقيقة يا بني ، ألا تتذكر دروسك ؟
- ....
- المجموعة الخامسة من مادة الوجود ، إنها جزء من الأرشيف المختوم ، جزء جامع لروح النصوص ، تشرح طبيعة حياتنا و ما سبب وجودنا ، يجب أن تتذكر كل شيء ، أنت بحاجة لهذا .
- شيخي ، دروس الزعماء تساعدني لتدمير الزعماء ، كيف ؟
- أنت تعرف ، أنسيت قصة الزعيم الشاب و كتابته لسقوط الزعماء خلق في نفوس اللاحقين مرضاً روحياً مثيراً لأول مرة يعرفون بأن ثمة نهاية للزعماء ، نهاية حتمية .
- و لكن شيخي لم يكتب زعيم ما نهاية الزعماء ؟
- لأنه عرف بأنه ليس زعيما أية لحظة ، في نفسه تحول إلى شخص عادي مثلنا ، تؤذيه مشاعر التأليه التافهة و السخيفة ، التبرج و خلق الصورة الضوئية المقدسة ، هل تعرف يا بني بأن تكوين تلك الصورة المقدسة تأتي عن طريق أمور تافهة أقرب إلى التبرجات النسائية ، الزعيم الشاب درس على يدي شيخي قديم عرف الحقائق الكثيرة و حاول أن يخلق خفية عن الشيوخ و الزعماء معاً جيلا جديد من الزعماء ، جيلا يخلو من التفاهة . و لكنه كشف و لاقى غضب المخلوق القديم شخصياً ، رأينا صور تعذيبه ، إن موتنا القاسي يشابه موت ذلك الزعيم .
- شيخي و لكني لا أؤمن بكل هذا الدم ، لم نقتل الأطفال و النساء ، لم نفعل ما يدمرنا ، لم لا تقتل أنفسنا فقط .
- بني كنت أود أن أحدثك بقصة الأرشيف و لكنك جعلتني أنهي جملي القليلة التي حفظتها طوال عمري ، بني ، عليك أن تعرف بعض الأمور بنفسك ، و بعض الأمور لا أعرفها ، أنا أموت الآن ، أنظر لجرحي ، يا ربي ، دعني أموت ببطء ، لا تنهي ألمي ، ...
كانت ابتسامته الغريبة على وجهه . شعرت بأن شعور الانفصال تراودني .
4
كانت الدماء تغطي الرمال ، الأجساد الميتة الحارة ما تزال على الرمال ، ممدة بعناية ، بألم ، نظرت إلى الوجوه اقتربت من بعض الأطفال و بعض الفتيات اللائي كنت أعرفهن و أرقص معهن ، أيديهن بلا فائدة ، أرجلهن صارت مجرد هباء . حفرت حفر كثيرة لوحدي ، ليل نهار ، لأسابيع و أنا أدفن الجثث ، دفنتها كلها و وقفت أراقب العراء ، لم يعد ثمة ما أخاف منه أو عليه . و في ليل سرت لمسافة طويلة ، لم أكن أفكر إلا في شيئين : الأرشيف و فتاتي .

سنوات مضت كنت أرقص مثل النسر الجريح ، قلبي كان مفعماً أما جسدي فقد كان حزيناً ، الزعيم قال لي :
- أنت لست شخصاً عادياً .
قلت له كما اقتضت الضرورة أن أقول :
- سيدي ، أنا أحب الرقص .
- إذا أرينا عرضاً ، أنت تعرف حبي العميق للرقص .
كانت الفتاة التي اختارها صغيرة ، في الثامنة عشرة ، روسية أيضاً بجسد متناسق و رائع ، نظرت إلي بتحدي غامر ، قلت لها :
- أية رقصة تحبين ؟
- كلها ، لنرقص بأفكارنا ، أتستطيع ؟
- أحب أن أخبركِ بأفكاري .
تراجعت إلى الوراء و مدت ذراعيها غامرة الضوء ، كنت أسير في الاتجاه الأخر مستعداً لتلقي و للسماع ، أخبرتني عن أمر دفع النار إلى أوصالي ، استدرت و وقفت على أصابعي قلت لها مجيباً ، أستطيع فعل الكثير ، كانت تحلق في الجهة الأخرى ، فستانها الدمشقي المشجر بخصرها الدقيق يتطاير في تحليقاتها ، تبعتها مستديراً حول نفسي ، حاولت الإمساك بها ، فلتت بسرعة ، استدرت و أولتني وجها بارعاً بابتسامة هادئة ، كان شعرها الأحمر يغمر وجهها، في تلك اللحظة سمعت الإيقاع الواحد ، يا إلهي و كأننا على وشك الموت ، لم يحبون الإيقاع الواحد ، حاولت أن أنسى الإيقاع و اتبع نبض قلبي ، في تعثري أحسست بها متعثرة أيضاً ، هدئت من سرعتي و لذهولي وجدتها تجاريني ، هدئنا قليلاً اقتربت منها في وجد شبه صوفي أمسكت بيدها و همست : لم تخففين الرقص ؟ شددتها من خصرها ، رفعتها رغم جسدي الضعيف إلى الأعلى و تحركت بها كعروسة حورية ، قالت : قلبي ينبض أكثر من الإيقاع ، قلبي ضعيف . عندها رأيت قطرات العرق على وجهها الصغير ، فعرفت بأني أحب هذه الروسية ، ما اسمك ؟ استدرنا بانتعاش ، كنت رفعتها وضعتها على جسدي ، قدميها على قدمي ، أشعر بنبضها الضعيف يكسر روحي ، يدك بعنف عظام صدري ، أنفاسها كانت لذيذة و زكية ، وضعت أنفي بفرح على رقبتها و أنا أرجعها إلى الوراء و اسمع تأوهات صغيرة ، كالاستسلام ، كالحلم ، قلبي كان فرحاً لم أنتبه حتى لتوقف ذلك الإيقاع اللعين ، و لم أفق ، لم نفق كلينا حتى دق الجنود على الطبول الضخمة ، توقفنا فجأة و كنا نلهث ، أنا و فتاتي ، كان صدرها يكاد ينفجر ، و العرق الخفيف متجمع على أنحاء جسدها ، سمعت صوت الزعيم و هو يقول :
- أي أحمق ، كدت تقتلها ، أي أحمق ، أدخلي .
رأيتها تنسحب مع الوصيفات ، كانت رائعة متكئة على إحدى الوصيفات و تسير بإنهاك . أسفت لأني لم أعرف اسمها . أمسك الزعيم بكتفي :
- أنت راقص بارع كما قلت ، لم أرى أحداً يرقص هكذا . ألست من الكتبة و لكن لا أحد من الكتب يرقص ، أظن أنه عار على الكتبة أن يرقصوا .
- أنا أحب الرقص يا سيدي ، أنا راقص قبل أن أكون من الكتبة .
كان الزعيم يجفف دموعه حين قال :
- أنت لست عادياً ، و بهدوئه الغريب أضاف مشيراً بأصبعه : أريدك أن تسهر عندي الليلة ،
في الليل كان جناح الزعيم مغطى بأكمله بجو من الاحتفالات الهادئة ، الموسيقى الهادئة ذا الإيقاع الواحد ، نقرة هادئة و كأنها تتلاشى حولك ثم نقرة أخرى هادئة و كأنها تتلاشى حولك ، دخلت رواق الزعيم ، عشرات الفتيات الجميلات بين الثامنة عشرة و العشرين وافقات بملابس شفافة ، كنت أستطيع أن أرى تلك النهود الصغيرة البارزة بعنف و وحشية ، كن ينظرن إلي و على وجوههن ابتسامة لذيذة لم أحاول تذوقها ، بحثت بسرعة عن رفيقتي في الرقص و كانت واقفة في نهاية الرواق ، جميلة و منكسة الرأس ، و عندما دققت بخطوتي نظرت إلى ، كان شعرها الأحمر المبلل يسدل كتفيها و نهديها ، هبطت ببصري على بطنها و إلى الأسفل ، كانت دموعي تكاد تطفر من عيني ، ورأيتها تدمع ، لم؟ ، لا أعرف ، ناداني الزعيم عندما رآني أتفحص الفتاة ، جلست بجواره و قبلت يده ، كان عاريا , متمددا على سريره قال لي :
- احكي لي عن قصص العشق .
و حكيت له قصة قديمة فأعجبته و نادى على كبيرة الوصيفات ، أحضري" الوصيفة تاج " شعرت بغصة في روحي أرجو ألا تكون هي . و لم تكن هي ، كانت روسية أخرى بقامة الطويلة وقفت عند الباب و خرجت الوصيفة الكبيرة :
- تاج . قال الزعيم بحزن . و لم تجب الوصيفة رغم إنها انتبهت . فأضاف الزعيم : حكى لي كاتبي قصة عشق بديعة أريدك أن تريه قصة أروع يا وصيفتي .
تقدمت بهدوء و صعدت على السرير ، كانت على ركبتيها ، نزعت فستانها الشفاف ، فظهرت شفافية جسدها ، في أعمق أعماقي ، في قلبي كنت أفكر في أمر أخر ، عرفت مغازي الأمور التي يقدم عليها الزعيم ، إنه يجربني ، تمسكت بوقاري ، فكرت في أمور أخرى لم أنظر إلى فعلتهما رغم إنهما كان أمامي ، فصلت روحي عن جسدي ، كانت مغامرة من قبلي أن افعل فعل الانفصال الروحي أمام الزعيم ، تأوهات الفتاة و قوة الزعيم كانا أخر ما شاهدت ، كان يمكن أن أدمر كل طبقة الكتبة لو كشف سر الانفصال ، و لكن لم يكشف شيء ، استغرق الزعيم نصف ساعة كاملة لينهي ما بدأه ، هكذا تقول الساعة الموجودة على سقف السرير ، لاحقاً عرفت بأن الزعيم يحب أن يحطم أرقامه القياسية لأطول مدة بهجة ، رفعت بصري ، كانت الفتاة الروسية ملتوية حولها نفسها تغالب متعة رهيبة ، كان جسدها مغطى بحمرة غريبة ، جسدها لن أنساه قط ، ثمة شيء عظيم حدث أمامي و لم أراقبه ، الشيوخ يقولون بأن مراقبة الأحداث فريدة من صميم المعارف . كان الزعيم غاضباً و هو يتصفح كتاب بعينيه فيما قبض على رقبة الفتاة بيديه ، الفتاة ما تزال في غيبوبة بعيدة ، أتعرف ؟ هكذا سألني ، كنت في لحظة انفصالي قلت أشياء عن البهجة ، تذكرت بأني فكرت في عظمة الجسد ، الرقص . سألني عن رأي في الحب الجسدي الخالص . قلت له : إنه الحب الوحيد المتاح للبشرية ، الجسدي أقوى من الروح يا سيدي . كيف ذلك سألني إن كنت أقول هكذا لأنه قام بفعل الحب الجسدي ، قلت له :
- أنا شخص يحب الرقص ، أحب أن أشاهد الجسد يتقلص و ينتعش و يتحرر أمامي .
و قال لي :
- أتريد أن يتحرر الجسد ؟
و قبل أن أجيب جذب الفتاة الروسي التي تمددت مسترخية و ضعها على فخذيه و قال :
- أنظر ، إنها متحررة من جسدها ، أتظن بأن هذا أمر رائع ؟
نظرت إلى الفتاة ، لم أشاهد في حياتي مثل تلك النظرة ، هدوء و رغبة جامحة ، هدوء و عنف ، لم أرى في حياتي مثل هكذا أمر ، كانت مشتعلة من الداخل . انحنى الزعيم و ظننت بأنه سيبدأ حبه من جديد و قلت : سيدي و لكنها ما تزال غائبة . ابتسم و أخرج مدية حادة و قال :
- أنظر لهذا العرض ، هذا فن لن تراه في أي مكان إلا عندي .
طعن الفتاة في بطنها ، تأوهت بألم خفيف ، نظر إلى ، كنت مرتعباً و أنا أرى دماء الفتاة تلطخ فخذي الزعيم و السرير ، رفعت الفتاة ذراعيها و حضنت الزعيم و قامت نازفة ، بدت و كأنها استعادت وعيها ، و أخرجت لسانها و بدأت تلعق أنف الزعيم ، نزلت ببصري ، الفتاة أولتني ظهرها و هي جالسة على فخذي الزعيم ، كان ظهرها متقلصاً بعنف ، أخذت تحرك وسطها . وقعت عيناي على عضلات ظهرها المشدودة ، قال الزعيم :
- إنها تظن بأني أعاشرها ، أنظر أني أشق بطنها . كان يلهث ببطء .
ترك الزعيم الخنجر و شد الفتاة من ظهرها قبض على عضلاتها الهشة المشدودة ، رفعها إليه ، و هو يبدو منهكاً لأول مرة ، احمرار ضعيف غزى وجهه ، حركها إلى الأعلى و الأسفل و لم يكن يقترب منها قط ، بل كانت بعيدة عنه ، رغم ذلك بدأ يتأوه بلذة ، رأيت العرق يتفجر بعمق ، أرخاها منهكاً ، مددها بين فخذيه و رأسها على قدمي ، كانت تلحس بطرف لسانها شفتيها ، نظرت إلى وجهها مذهولاً ، كانت تبدو مسترخية تماماً ، أمسك بالخنجر ، و رأيت بأن زعيمنا قذف بالفعل ، كنت مندهشا ، شق بطن الفتاة ، و لكنها لم تصرخ قط ، كانت تشعر بلذة رهيبة و دمها يلطخ الزعيم و كتابه ، و عندما انتهى ، قال لي منهكاً و كانت الفتاة سكنت :
- إنه الرقص ، هذا رقصي ، أتريد أن ترقص شيئاً مثله ؟
ضحك بأعلى صوته .
5
سارت بهدوء خلفي ، كانت صغيرة و خائفة و لكن رقصها كان بارعاً ، وقفت و كانت الساعة تشير لحادية عشرة ، القمر الهادئ و الطير الصغير فوق عمود النور ، الساحة خالية تماماً ، سألتها إن كانت تحب الليل فلم تجب ، تحدثت عن أحلامي القديمة ، شرحت لها كيف إن الشيوخ أخذوني من واحتي تيزر حينما بلغت التاسعة ، و كيف إني رأيت فرقة الراقصين ، كانوا يحركوا أجسادهم بشكل رائع ، كنت كل صباح بعد الدروس أخرج إلى ساحات الرقص ، و بدأت أتابع الأفلام القصيرة عن الراقصين ، ثمة ألم غريب شدني إليهم ، كانت تستمع إلى بصمت ، عينيها مشدوهتان بروعة مذهلة ، سألتها مرة أخرى و أنا أسحبها ناحية المقعد :
- هل أنت حزينة لأنك معي ؟
- لا .
كان صوتها هادئاً ، بدت لي هادئة أكثر مما تخيلت .
- لست حزينة ، و لكنك لا تتكلمين .
وضعت يدي فوق يدها فشعرت بارتعاش جسدها ، أردت أن أفهمها ما في ذهني و لكني قلت :
- أنت جميلة .
عندها التفت إلى و قالت بشيء من الغضب :
- قل لي ماذا كان يعني الزعيم حينما قال بأنك ضيفه ؟
6
حدثني الزعيم عن عالمه الخاص . شرح لي ما جال في ذهن والده الزعيم و جده أيام كان طفلاً ، سحب كم قميصه و أراني علامة الزعامة – وضعها له جده حين بلغ عامه الأول – لأول مرة عرفت بأن الإنسان لا يولد زعيماً ، و إزاء دهشتي أخبرني كم المعلومات التي يتلقاها الكتبة و قال لي بالرغم من ذلك فأن علمهم ليس كاملاً حتى معلومة صغيرة كهذه لا يرونها . و نظر إلى جثة الروسية المسجاة بعناية الشهداء و المقدسين ، قال : " العالم محدد على نطاق واسع ، أنت مثلاً لن تكون زعيماً و لو في الحلم " فكرت في الأمر و نظرت إليه بحرية – هذه المرة – قلت له : سيدي و لكنك أنت أيضاً لم تولد زعيماً . أخطأت بشدة ، نكست رأسي و سحب مديته ، شهرها في وجهي و أنا أحس بأن نهايتي حانت ، و ضع المدية على رقبتي و وقف على ركبتيه ، كان عارياً و قال لي ، قم قمت ، تمدد و تمددت ، بهدوء ، قال لي بصوت هادئ لم يتأثر بنفحة غضب : خذ هذه المدية , أخذتها و عيني على الأرض ، أمسكتها بين أصابعي قبضتها بقوة ، فكرت في هدفي ، قبل قليل أخبرني بأن الزعامة أمر يأتي مصادفة ، هو ليس زعيماً إذن ، فكرت في الحقيقة الصغيرة ، " هو ليس بزعيم ، ليس مقدساً ، لا أحد مقدس " . انحر نفسك . قالها بهدوء و ثقة ، لم يخلقني هو لكي يأمرني بقتل نفسي ، هكذا فكرت ، يستطيع قتلي و لكنه لن يستطيع أن يأمرني بقتل نفسي ، إنه يملك جسدي يملك روحي و لكنه لن يملك مشاعري ، لن يأمرني بشيء كهذا ، لا حق له . حقي أن أقول هذا ، حقي أن أدافع عن مشاعري ، ليقتلني و لكن لن يجعلني أقتل نفسي ، قبضت على المدية بقوة ، سأقتله ، قبل أن يعرف شيئاً سأقتله ، قمت ، نظرت إليه كان متحفزاً ، ليس غاضباً ، هيا انحر نفسك . وضعت المدية على عنقي ، و بدأت بسحبها عندما شعرت بالسائل الأحمر يتساقط على ركبتي ، لم يكن دماً ، أبعدت المدية و لمست عنقي لم يكن مجروحا ، و سقط الزعيم إلى الوراء كان يلهث و يضغط فخذيه و انطلق يرتعش و قذف أمامي ، سحب الملاءة و قال : بصوت لاهث : أنت كاتبي لا تغضب كان الأمر متعتي ، لأجلي ، أنا أعشق الألم و الخوف و الأفكار المضادة ، لا تنكر بأنك فكرت في قتلي ، لا تنكر ، و إلا لما شعرت بهذه المتعة ، يا ربي كم أمتعتني شجاعتك . نظرت إليه و تساءلت هل عرف بانفصالي قبل ساعة ، و لكنه قام و دخل ليغتسل ، سمعت صوت المياه أنا أنظر إلى الجثة المسجاة ، كان وجه الفتاة مكشوفاً ، أثناء انفصالي سمعت جزء من أفكارها ، لم تكن مستمتعة على الإطلاق ، جسدها كان في لذته القصوى و لكن روحها ، مشاعرها كانت مهانة ، وجهها الصغير الساكن بدأ يزرق بألمه المكتوم ، عروق رقبتها مشدودة ، سحبت الملاءة عنها ، كان جسدها بديعا ، لم أعرف لم فعلت هذا و لكني مررت بأصابعي على كتفها الأيمن ، و مررت على صدرها و نهدها النابت بقسوة و قوة ، كان صلباً ، على بطنها المشدود و المتوتر ، جزء ملطخ بدمها الممسوح ، كفلها الصافي ، و فخذها المشدود أيضاً ، كانت متوترة من أعلى رأسها حتى قدميها . أية تجـربة لعـينة تشهدها الوصيفات هنا ؟ عندها سمعت صوت الزعيم : يبدو بأن فني أعجبك ، أنظر جيداً لهذه لتقلصات ، تبدو و كأنها في لحظة رقص جامدة ، هنا يتوقف الزمن بالنشوة البالغة . قلت له بعدم وقار : و لكن ألا تظن بأن الأمر كله مجرد لحظة ألم طويلة ؟ نظر إلى بإمعان ، كنت قد كففت عن الخوف منه قال : لا ، لا أعتقد ، و لكن حتى لو كان ما تقوله صحيحاً ، ألا يقال بأن الألم قرين اللذة ؟ لم أجبه ، كنا في فرقتنا العاشرة تحدثنا عن قدرة اللذة و الألم ، لم تكن أحاسيس مجتمعة على إطلاق ، إن الأمر مجرد انحراف ، الزعيم لا يعرف كل شيء . و لم أرد أن أناقشه غطيت الفتاة و قال لي : سأمنحك هدية رائعة نادى الوصيفة الكبيرة و قال لها : أحضري كل الوصيفات في الصالة الغربية . خرجت الوصيفة الكبيرة ، لم تلقي و لا حتى نظرة صغيرة تجاه الجثة ، كان يبدو الأمر عادياً بالنسبة لها ، لم استغرب سيدة مثلها لا بد أن تكون بهذه الصفات ، لكي تشغل المنصب وراثة عن والدتها التي كانت من وصيفات القصر الأب ، رغم وصفها بالكبيرة فإنها لم تكن تتجاوز الثامنة و العشرين ، و حسب ما تعلمناه فأنها لا بد أن تكون متحدثة بعشر لغات و عالمة في ثلاث أمور أساسية و عند الضرورة تظهر بارعة منقطعة النظير في القتال حماية لسيدها ، كل الوصيفات يتمعن بقدرات قتالية فائقة .
في الصالة كانت الوصيفات في أبهى حللهن ، ملابس شفافة بيضاء مطرزة الأكمام و الأطراف السفلية مزينة على هيئة زهور حمراء لامعة ، كلهن ، كنت خلف الزعيم ، سرت لخطوات ناحية الجدار و وقفت هناك ، دخل الزعيم بين الفتيات ، لمس بيده إحداهن ، فانحنت ثم خرجت عن المجموعة إلى جهة لوحدها ، سار بهدوء كان رداءه الأحمر يتماوج بثقل كانسكاب الدماء ، لمس فتاة أخرى ، و ثالثة ، الرابعة كانت فتاتي الصغيرة لم يلمسها ، نظر إلى مبتسماً . قال و هو بين الفتيات :
- كنت ضيفي الليلة سأمنحك وصيفة من هؤلاء . أمر لم يحدث طوال تاريخ الزعماء . أنت كاتبي المفضل ، أختر من واحدة من الثلاثة .
نظرت إلى الفتاة ، ثم إلى الأخريات ، و سمعته يقول : هيا اختر ، أم إنك محتار ؟ ضحك بأعلى صوته ، فكرت بأنه يتوجب على أن أختار ، و لكني لم أشاء أن أهين تلك الصغيرة ، كان شعرها الأحمر فريداً و جسدها البض لقد لمسته بيدي ، لأول مرة ألمس فتاة ، و لم اشعر بأنها غريبة عني ، لن أهينها ، لن افعل . رفعت بصري و نظرت إلى الزعيم في عينيه ، كان العرق ينزف من جبينه ، عرفت السبب ، فكففت تفكيري ، تنفس قليلاً و لمس فتاتي من كتفها و قال لها : سأختار أنا له ، اذهبي إليه ، شعرت برغبة عميقة بالبكاء كان الغضب يسيطر على و لكنه انكسر فجأة . جاءت الفتاة إلى و وقفت بجانبي . و أمرني الزعيم بالرحيل ، و عند البوابة قال لي : لا تنسى ما حدث الليلة ، أنا لست زعيماً فحسب . لم أتكلم و لكنه أضاف مبتسماً هذه المرة : كن رحيماً بها إنها لا تتحمل رقصك الجامح .
خرجت إلى الساحة و انصب الهواء البارد المنعش على وجهي فأحسست بحريتي ، قلت لفتاتي : لنسر لنسرع .
7
لم اعد قادراً على كسر رغبتي بالتحرر ، الشيوخ أرادوا أن يوقفوني ، لم يكن بوسعهم شيء ، حبسني الشيخ لشهور ، كنت قد أساءت كثيراً لأحلامي ، ثمة كوابيس تطاردني ، حكيت للشيخ ما أحلم به ، " أصمت ، أنت لا تفهم الكثير " لا افهم الكثير ، و لكن ما الذي يعنيه هذا الهراء ؟
- أحلامك ليست سوى رؤى لعينة .
- ...
- الزمن يقول ذلك ، أنت تحلم بنهاية الزعامات ، يا إلهي شيوخنا لا يخطئون ، أنت مدمر الزعامات ، و لكنهم يعرفون ، لابد أن يعرفوا .
- أنا مدمر؟ .
- لابد و أن تكون أنت ، غضبك و رغبتك ، يا إلهي ، الشيخ قال بأنهم يعرفون ، ثمة نشوة رهيبة تجتاحهم ، نشوة رهيبة و آثمة .
- ماذا تعني ؟
- أنت لن تفهم ، أمر واحد عليك معرفته ، إنهم يعرفون و سيحاولون بكل شراسة أن يدمروك .
- يدمرونني ؟.
***
هربت تلك الليلة و في بيتي حكيت لزوجتي الجديدة كل شيء ، نظرت إلى بصمت و قالت و هي تخرج صرة صغيرة :
- إنهم يعرفون .
- ماذا ؟
- طلب مني الزعيم قتلك فور تصريحك بالأمر . إنهم يعرفون بأنك المدمر .
- قتلي ؟
- نعم .
- أنت؟
- نعم .
- و الآن ، هل ستقتلينني ؟
انحنت بهدوء و قبلت قدمي ، و قالت ، قلبي ضعيف ، قلت لك هذا ، قلبي اللعين أحبك ، أنا ضعيفة ، كـان على قـتلك و لكني ضعيفة ، نظراتك تجعلني أبكي ، أنظر إلى ، تلك النظرة تبكيني فرحاً ، لم أظن يوماً ، أنت تملكني من مشاعري ، أحبك ، ربي لا أعرف ما سأفعل ، و لكني أحبك . كانت دموعها تنساب على خديها ، لمست خديها و مسحت الدموع :
- أنت تعرفين معاً سندمر ما وجدنا لتدميره . أنت تعرفين ما يفعله الزعماء بالآخرين ، أنت رأيت فتيات مشقوقات من بطونهن ، لمجرد المتعة الكاذبة ، أنت تعرفين بأنهم يجب أن يموتوا . نظرت إليها ، كانت تبدو لي نهايتي الكاملة ، لم أكن خائفاً ، أنا لم أثق بأحد في حياتي و لكني كنت مستعداً للموت ، لم أكن املك ما أخسره ، فقد خسرت نفسي منذ اللحظة التي شعرت فيها بدقات قلبها تكسر صدري ، حزني كان كبيراً ، " لن يوقفني شيء ، لن يوقفني شيء "
- أرجوك ، أنت لا تعرفهم ، أنا رأيت الزعيم يحطم شعبي ، قتل الرجال وحده ، كان يتمتع بجنون ، إنه الموت بعينه ، رفقة المخلوق القديم جعلت منه موتاً لا يهزم ، أرجوك أركض من هنا ، فقط ابتعد ، أركض .
- لن أفعل .
كان قلبي قاسياً ، انهارت على الأرض أمامي ، و قالت بيأس و غياب : " ستموت ، سأموت معك ، لن تموت وحيداً ، لنمت معاً " .
كانت صدمتي كبيرة باعترافها ، لم أشعر بأني أخاف منها قط ، كان حبي يعميني ، لم أخف منها على الاطلاق ، و لكني خرجت دون كلمة ، كنت اسمع نشيجها و أنا أبتعد . كنت أفكر في الزعيم ، هل عرف من أنا لكن تفكيري الداخلي لم يشر لي بشيء من الخطر ، كنت حراً في تفكيري . سمعتها تقول لي :
لا تحاول النيل منه ، إنه روح حزينة ، زعيمنا روح حزينة .