المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تاريخ المغرب العربي في كتابات المشارقة بين الإحجام والإهتمام . محمود إسماعيل



فتحي الحمود
13/01/2011, 01:44 AM
تاريخ المغرب الإسلامي في كتابات المشارقة بين الإحجام والاهتمام !!!!!!!!!!!


محمود إسماعيل
* تتصدى الدراسة لمقاربة مقولة متواترة عن اهتمام المؤرخين والمفكرين والأدباء
المغاربة المعاصرين بمجريات النشاط الفكري في المشرق العربي, *
*في الوقت الذي يحجم فيه نظراؤهم في المشرق عن تلك المجريات في أقطار المغرب
العربي, على
الرغم من تعاظم النشاط الفكري في تلك الأقطار. وهو أمر طالما نبه إليه المغاربة
بصورة تدعو إلى الأسف, بل والاتهام بالقصور الناجم عن نزعة شوفينية متعصبة. وقد
أفضى هذا الشعور إلى ظهور نزعة شوفينية مماثلة عند بعض المفكرين والدارسين
المغاربة تتمحور حول مفهوم (القطيعة الإبيستيمولوجية بين المشرق والمغرب), وهو
مفهوم يتردد كثيرًا منذ العقد الأخير من القرن الماضي في بعض الأدبيات المغربية
المعاصرة, بصورة تستدعي الانتباه, وتثير الأسف والأسى, خصوصا وأن القائلين بها
حاولوا - باعتساف - سحبها على العلاقات التاريخية بين المشرق والمغرب منذ
العصور الإسلامية الأولى. والحق أن تاريخ وحضارة العالم الإسلامي - مشرقا
ومغربا - يشكلان وحدة حضارية - على الأقل - بفضل العروبة والإسلام والتاريخ
المشترك الذي جمع العالم الإسلامي بأسره - رغم تعدد أقطاره - في إطار مفهوم
(دار الإسلام).
*
* بل إن تقسيم (دار الإسلام) إلى مشرق ومغرب لم يكن على أساس جغرافي - كما هو
الآن - بل جرى حسب وجود العاصمة التي تمثلت في (المدينة) ثم انتقلت الى (دمشق),
ثم (بغداد) فعرفت الأقاليم التي تتبع شرق العاصمة بالمشرق, في حين كان مصطلح
(المغرب), يعني الأقاليم التي تقع غربيها. فكانت الشام ومصر في العصر العباسي
ضمن بلاد المغرب حسب التقسيم الإداري الذي أخذ به جغرافيو ذلك العصر.
هذا فضلا عن خضوع سائر أقاليم (دار الإسلام) لنظم موحدة اقتصاديا وقضائيا
وعسكريا بحيث لم توجد أدنى خصوصية لبلاد المغرب تميزها عن أقاليم المشرق.
*
* وعلى الصعيد الاجتماعي جرى (تعريب) المغاربة إثنيا ولغويا وثقافيا كسائر
الشعوب التي فتحها المسلمون. كما عرفت بلاد المغرب سائر الفرق الإسلامية التي
وفدت إليها من الشرق.
*
* وإذ ظهرت حركات الاستقلال السياسي عن الخلافة العباسية, فكان ذلك تعبيرا عن
ظاهرة عامة عمّت العالم الإسلامي بأسره. بل إن مؤسسي الكيانات السياسية
المستقلة في المغرب كانوا في الأصل مشارقة.
*
* لقد خضعت سائر أقاليم (دار الإسلام) لصيرورة تاريخية موحدة لم تشذ عنها بلاد
المغرب بحال من الأحوال, فلم تتمتع بخصوصية مزعومة إلا في خيال المستشرقين ومن
أخذ عنهم من المغاربة المحدثين, الذين طرحوا مفهوم (القطيعة) بديلا للتواصل بين
المشرق والمغرب. ولا غرو, فتلك الدعوى الباطلة من نسج خيال مؤرخين فرنسيين
كانوا في الأصل من رجال الإدارة الاستعمارية إبان فترة الاحتلال, من أمثال
جوتييه وهنري تيراس وشارل أندريه جوليان كرد فعل لجهود العرب المشارقة - خصوصا
في مصر التي كانت موئلا لزعماء الحركات الوطنية المغربية - في مد يد العون
لإخوانهم المغاربة في حروب التحرير ونظرا لوجود شريحة (متفرنسة) من
(الإنتليجنسيا) المغاربية التي مازالت تعمل عملها لتكريس (القطيعة) المزعومة.
غير أن الإنصاف يقتضي الإشادة والتنويه بالغالبية العظمى من تلك النخبة
المغاربية التي تطرح الهوية المغاربية العربية الإسلامية
باعتبارها حقيقة تاريخية واقعية تلعب دورا مهما في التصدي لأدعياء (القطيعة)
على الصعيد المعرفي, وتعمل جاهدة على توثيق عرى (التواصل) الفكري مع المشرق
العربي, خصوصا بعد طرد الاستعمار وتعريب التعليم والنظم والإدارة.
*
* تلك مقدمة لازمة لتبيان دور المؤرخين المشارقة في التأريخ لبلاد المغرب
بالدرجة نفسها التي يؤرخون بها لسائر الدول العربية والإسلامية, فمعلوم أن
تاريخ المغرب كتبه المستشرقون الفرنسيون - خصوصا - وفق رؤية تكرس الإقليمية
والاثنية والطائفية المذهبية, وذلك إبان فترة الاحتلال.
*
* ومع ذلك وجدت ثلة من المؤرخين المغاربة - آنذاك - حرصت على مواجهة هذا
الاتجاه, رغم ما شاب كتاباتها من إنشائية وخطابية وافتقار إلى النهج العلمي في
الكتابة, كما هو الحال بالنسبة لكتابات علال الفاسي ومحمد علي دبور على سبيل
المثال. ودأب هؤلاء على الاستعانة بالعرب المشارقة للإسهام في عملية التعريب
بعد تحقيق الاستقلال.
*
* وفي الوقت نفسه دأب المشارقة بعد تأسيس الجامعات والمعاهد العلمية على
الاهتمام بتاريخ المغرب على مر العصور. ففي مصر اهتم د.رشيد الناضوري بتاريخ
المغرب القديم, ووجه الكثيرين من طلابه لإنجاز عدد من الرسائل العلمية في هذا
الحقل. وقام الدكاترة جلال يحيى وأحمد عزت عبدالكريم وصلاح العقاد بالدور نفسه
بصدد تاريخ المغرب الحديث والمعاصر, وتخرج على أيديهم أساتذة في هذا المجال من
أقطار المغرب العربي, فضلا عن المصريين الذين أعير بعضهم للعمل
في الجامعات المغاربية, فأحكموا عرى الاتصال بين المؤرخين المغاربة والمشارقة,
وتتلمذ على أيديهم جيل جديد من المؤرخين المغاربة من أمثال عبدالهادي التازي
ومحمد التازي وعبدالكريم كريم وغيرهم.
*
* وقد لا يتسع المقام لتقديم حصر شامل عن جهود المشارقة في الاهتمام بتاريخ
المغرب في سائر العصور, لذلك نقتصر في دراستنا هذه على إلقاء أضواء عامة على
جهود المؤرخين المهتمين بتاريخ المغرب في العصور الإسلامية, مع تقديم أنموذج عن
مؤرخ مصري قام بجهد محمود في هذا الصدد.
*
* ففي سوريا, فتحت جامعة دمشق أبوابها للطلاب المغاربة, كما أوفدت بعض أساتذتها
المتخصصين في التاريخ الإسلامي للتدريس في جامعات ومعاهد المغرب العربي. ونشيد
في هذا الصدد إلى جهود د.سهيل زكار الذي وقف على الكثير من المخطوطات المغربية
المهمة, وحقق ونشر بعضها بمشاركة مؤرخين وباحثين مغاربة.
*
* وفي العراق, أسهم د.طه زنون في إجلاء بعض خفايا تاريخ المغرب الإسلامي, خصوصا
في حقل (الهستوغرافيا).
*
* وفي مصر, كان الاهتمام بتاريخ المغرب الإسلامي أسبق وأغزر ففي جامعة القاهرة,
تخصص د.حسين مؤنس في هذا المجال, وأنجز عدة مؤلفات رائدة ومهمة, منها (فتح
العرب لبلاد المغرب), و(تاريخ المغرب الإسلامي) وكان د.حسن أحمد محمود قد أرّخ
لدولة بني زيري في تونس, ودولة المرابطين فضلا عن انتشار الإسلام والثقافة
العربية في بلاد المغرب. ولاقت كتاباته - ولاتزال - إقبالا واهتماما من قبل
المؤرخين المغاربة المحدثين, نظرًا لجهوده في دحض المناهج والأحكام
الاستشراقية, وتأكيد وتأصيل الهوية العربية الإسلامية, وعلى يديه تخرجت أجيال
من المؤرخين العرب المشارقة والمغاربة لاتزال تنهج نهجه في دراسة تاريخ المغرب
الإسلامي. كما أشرف على الكثير من الرسائل الجامعية في (معهد الدراسات
الإفريقية), معظمها يتعلق بالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي المغربي.
*
* بالمثل, أسهمت (كلية دار العلوم) بجامعة القاهرة بدور بارز في هذا المجال
بفضل جهود د.حسن علي حسن وتلامذته, فأرخوا للكثير من الدول المغاربية, فضلا عن
تقديم دراسات رصينة عن النظم والحضارة في المغرب الإسلامي.
*
* وننوه بجهود المرحوم الأستاذ محمد عبدالله عنان في الكشف عن الكثير من
المخطوطات المغربية ونشرها, فضلا عن موسوعته المهمة عن (دولة الإسلام في
الأندلس) التي تضمنت تاريخ المغرب الإسلامي بداهة, نظرا للاتصال الوثيق بين
تاريخ الإقليمين.
*
* واهتمت جامعة الإسكندرية بتاريخ المغرب الإسلامي, فأنجبت جيلا من المؤرخين
الرواد, من أمثال الدكاترة أحمد فكري وأحمد مختار الصاوي وسعد زغلول عبدالحميد
والسيد عبدالعزيز سالم. فقد أنجز د.أحمد فكري دراسات رائدة عن العمارة والفنون
في المغرب, وحقق د.العبادي بعض المخطوطات الخاصة بتاريخ المغرب, فضلا عن دراسات
ضافية أنجزها مع تلامذته المغاربة حين أعير للتدريس بجامعة محمد الخامس في
الرباط. أما د.سعد زغلول عبدالحميد ود.السيد عبدالعزيز سالم فقد كتب كل منهما
موسوعة في تاريخ المغرب الإسلامي سياسيا وحضاريا. وشارك الجميع في إعداد
الكثيرين من الباحثين المتخصصين في هذا التاريخ يقومون بتدريسه في الكثير من
الجامعات العربية.
*
* وفي جامعة عين شمس, كان المرحوم د. عبدالمنعم ماجد من المهتمين الأوائل
بتاريخ المغرب الإسلامي, وله دراسات ضافية عن النظم الإسلامية في المغرب, خصوصا
في عصر الدولة الفاطمية. وتتلمذ على يديه جيل من الدارسين في هذا المجال من
المصريين والجزائريين, من أشهرهم د. سنوشي يوسف الذي أرخ لقبيلة زناتة, ود.
موسى لعبال الجزائري الذي كتب الكثير عن قبيلة كتابة.
*
* على أن الاهتمام بتاريخ المغرب الإسلامي تسرب إلى الكثير من الجامعات
الإقليمية في مصر التي يدرس فيها هذا التاريخ كمقرر أساسي على يد أساتذة
مرموقين من أمثال د.حسن خضيري في جامعة جنوب الوادي, ود.نريمان عبدالكريم في
جامعة المنوفية, ود.عبدالحميد حمودة في جامعة الفيوم, ود.عفيفي محمود في جامعة
بنها. ولهم جميعا تلامذتهم المتخصصون في الدراسات العليا, ممن أنجزوا رسائل
جامعية معتبرة في هذا المجال. كما أعير بعضهم إلى الجامعات العربية, ومنها
المغاربية - فأسهموا في مواصلة جهود أساتذتهم في كتابة تاريخ المغرب الإسلامي,
مفيدين من المنهجيات الكلاسيكية والمستحدثة في عقلنته وعلمنته, وتحريره من
سلبيات الاستشراق.
*
* كما ظهرت أجيال جديدة من المؤرخين المغاربة تنحو هذا النحو لتسهم بدورها في
إعادة كتابة تاريخ بلدانها وأقاليمها في إطار رؤية مغاربية متصلة بالرؤية
العامة للتاريخ الإسلامي. ووفقت في تحقيق هذا التاريخ منتقلة به إلى طور
التفسير والتنظيم.
*
* يستخلص من العرض السابق عدة حقائق مهمة نوجزها فيما يلي:
*
* أولا: ضآلة الكتابات المشرقية بصدد تاريخ المغرب بعامة والمغرب الإسلامي خاصة
قبل تأسيس الجامعات العربية.
*
* ثانيا: بعد تأسيس هذه الجامعات جرى الاهتمام بتاريخ المغرب, حيث خصصت له
مقررات درست ضمن دراسة التاريخ الإسلامي العام.
*
* ثالثا: قام بالتدريس جيل من المؤرخين الرواد المتخصصين الذين فتحوا باب
الدراسات العليا التي خرجت جيلا آخر من المتخصصين العرب - والمغاربة - فضلا عن
إعارة بعضهم إلى الجامعات المغاربية حيث تتلمذ عليهم جيل جديد من المؤرخين
المغاربة الشبان أكثر دراية بالمنهجيات المستحدثة والإفادة منها في دراسات
تاريخهم.
*
* رابعا: اتسمت جهود تلك الأجيال السابقة على جمع وتحقيق المصادر المغاربية
المخطوطة والإفادة منها في تحقيق وقائع تاريخ المغرب الإسلامي.
*
* خامسا: تلت ذلك مرحلة تعليل وتأويل وتفسير وتنظير التاريخ المغاربي وتحريره
من إسار الرؤية الاستشراقية ومناهجها التجزيئية المخلة.
*
* سادسا: اتسعت وتعاظمت دوائر بحث هذا التاريخ بفضل عقد الندوات والمؤتمرات
العلمية في معظم جامعات ومراكز البحث التاريخي في العالم العربي, وصدور مجلات
متخصصة لنشر الأبحاث والدراسات وتداولها بين المؤرخين المشارقة والمغاربة على
السواء, الأمر الذي أفضى إلى تعاظم الاهتمام بهذا التاريخ وازدهاره. كمّا
وكيفا.
*
* تلك رؤية عامة, سنحاول تعميقها من خلال دراسة أنموذج لمؤرخ شرقي متخصص في
تاريخ الغرب الإسلامي قدر له العمل بالتدريس في بعض الجامعات المغربية, وهو
كاتب هذه الدراسة.
*
* تخرّج الباحث في كلية الآداب - جامعة القاهرة عام 1962 ليتخصص في دراسة
التاريخ الإسلامي المغاربي بإشراف المرحوم د.حسن أحمد محمود, وحصل على درجة
الماجستير في موضوع (سياسة الأغالبة الخارجية) عام 1967. وأثبت من خلال هذه
الدراسة وثوق العلاقات السياسية والحضارية بين إفريقيا الأغلبية والمشرق
الإسلامي, مبرّرًا القسمات المشتركة والخصائص المميزة من خلال رؤية حضارية
تتمثل في مقولة (التنوع في إطار الوحدة).
*
* وفي عام 1970 نال درجة الدكتوراة في موضوع (الخوارج في بلاد المغرب), حيث عرض
لحقيقة الوحدة المذهبية في العالم الإسلامي بأسره: مبررا وفود المذاهب
الإسلامية من الشرق إلى بلاد الغرب, ودور المغاربة في الإثراء الفكري لتلك
المذاهب بعد أن تحولت إلى (أيديولوجيات) أسفرت عن تأسيس كيانات سياسية مغاربية
كانت على صلة حضارية بالكثير من دول المشرق الإسلامي, برغم الانفصال السياسي
وعدم التبعية للخلافة الشرقية.
*
* وفي عام 1970 أعير الباحث للتدريس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة فاس
المغربية, وقضى بها عشرة أعوام متصلة قدر له خلالها إنجاز العديد من الدراسات
في تاريخ المغرب الإسلامي وتكوين جيل جديد من المؤرخين المغاربة الشبّان
المتخصصين في تاريخ المغرب, كما تخصص بعضهم في تاريخ المشرق.
*
* من أهم تلك الدراسات كتاب (مغربيات - حقائق جديدة), حيث تضمن نظرية جديدة عن
(إمارة بورغواطة) في المغرب الأقصى, فأثبت أن البورغواطيين لم يكونوا (زنادقة)
- حسب رؤية السابقين, بل كانوا مسلمين على المذهب الخارجي الصفري.
*
* تضمن الكتاب أيضا دراسة عن (المعتزلة في المغرب) حيث أثبت الباحث بصددها
البعد السياسي للاعتزال في المغرب, فضلا عن البعد الفكري, وأثرهما معا في إذكاء
الوعي السياسي والعدل الاجتماعي في البيئة المغربية.
*
* وفي دراسة ثالثة عن (الصراع بين المالكية والشيعة في المغرب), ركز الباحث على
حقيقة العلاقات السياسية والمذهبية بين المشرق والمغرب, وأثبت حقيقة امتزاج
الدعوات السياسية بالعقائد المذهبية, ونجاحها في المغرب ثم توجهها إلى المشرق
لتحرز نجاحات أرحب اتساعا وأعمق تأثيرًا, وهو أمر يبرز ويؤكد جديّة العلاقة
والاتصال السياسي والحضاري بين المشرق والمغرب.
*
* أما عن موضوع (العلاقات الخارجية بين المغرب والأندلس والشرق, فقد اعتمد فيه
الباحث على نصوص جديدة للمؤرخ الأندلسي (ابن حيان) أثبت من خلالها حقيقة التوحد
الحضاري في دار الإسلام نتيجة التبادل التجاري والعلاقات الثقافية, برغم
الخلافات السياسية والاختلاف المذهبي.
*
* وفي كتابه (الأدارسة - حقائق جديدة) أثبت الباحث حقيقة قيام دولة الأدارسة في
المغرب الأقصى نتيجة دعوة مذهبية جمعت بين التشيع الزيدي والاعتزال. كما أبرز
دور الأدارسة في حركة إتمام تعريب المغرب الأقصى ونشر الإسلام في بلاد السودان
الغربي.
*
* خلال تلك الفترة, شارك الباحث في عديد من المؤتمرات الخاصة بتاريخ المغرب
وحضارته, وقدم عددا من الدراسات المهمة في هذا المجال نشر معظمها في الدوريات
العلمية في مصر وتونس والمغرب.
*
* كما تخرج على يديه جيل من المؤرخين المغاربة أسهموا في دراسة تاريخ الغرب
الاقتصادي والاجتماعي والفكري, من أشهرهم هاشم العلوي وأحمد الطاهري وإبراهيم
القادري ومحمد لصفوت وأحمد المحمودي الذين قاموا بدورهم في تطوير الدراسات
المغربية خصوصا بعد تأسيس مركز (التاريخ الاقتصادي - الاجتماعي) بجامعة المولى
إسماعيل عكناش الذي كان ينتدب الباحث لإلقاء محاضرات دورية عن الجديد في تاريخ
المغرب, ويقوم بعد ذلك بنشرها وتداولها بين المتخصصين المغاربة تباعا.
*
* عاد الباحث إلى مصر عام 1985 ليعمل أستاذا في جامعة عين شمس دون أن تنقطع
صلته بالمغرب, حيث أشرف على الكثير من الطلاب المغاربة في مصر والمغرب, فأنجزوا
أطروحات مهمة في حقل التاريخ المغربي الإسلامي. هذا فضلا عن تكوين جيل من
المؤرخين المصريين المتخصصين, من أشهرهم د.نريمان عبدالكريم التي تدرس الآن في
جامعة المنوفية, ود.عصمت دندش الأستاذة بجامعة محمد الخامس بالرباط. كما شارك
في العديد من المؤتمرات والندوات التي عقدت في الكثير من الجامعات العربية.
وقدم دراسات كثيرة عن تاريخ المغرب وحضارته والعلاقات السياسية والثقافية بين
المشرق والمغرب من أهمها دراسة عن (دور التنظيم السري الإباضي في إحكام الصلة
بين إباضية عمان والإباضية في المغرب), وأخرى عن (القطيعة الإبيستيمولوجية بين
المشرق والمغرب - حقيقة أم خرافة?), تصدى فيها لمناقشة نظرية (الجابري) في هذا
الصدد, مثبتا أن العلاقة بين الطرفين علاقة تواصل وعطاء متبادل, لا قطيعة أو
انفصال.
*
* أعير الباحث أستاذا بجامعة الكويت عام 1988 وقضى بها أعواما ستة درس خلالها
تاريخ المغرب الإسلامي, وأنجز بعض المؤلفات والدراسات في الحقل ذاته, كما نشر
عددا من الدراسات في مجلات (عالم الفكر), و(حوليات كلية الآداب) و(المجلة
العربية للعلوم الإنسانية) من أهمها دراسة بعنوان (المشترك الفكري والسياسي بين
الموحدين في المغرب والمريدين في الأندلس), التي أثبت فيها حقيقة الأصول
المذهبية الشرقية لنظيرتها في المغرب الإسلامي. كذا دراسته عن مدى تأثر
نظريات ابن خلدون بأفكار جماعة (إخوان الصفا).
*
* وبعد عودته إلى مصر, أصدر ثلاثة كتب عن الموضوع الأخير, أثارت حوارًا ساخنًا
بين المؤرخين والدارسين العرب. كما واصل الباحث جهوده في مجال الدراسات العليا
فأشرف على الكثير من الرسائل الجامعية الخاصة بتاريخ المغرب الإسلامي. بعضها
يتعلق بالمدن المغربية, مثل نكور وطبنة وتلمسان, والبعض الآخر خاص بالتاريخ
الاقتصادي, مثل (التجارة في بلاد المغرب في عصري الولاة والاستقلال), والثالث
يتصل بالتاريخ الاجتماعي, مثل (الرقيق في بلاد المغرب حتى القرن الرابع الهجري)
و(العامة في المغرب الأقصى حتى بداية عصر المرابطين), وهلم جرا.
*
* كما يشارك الباحث في مناقشة العديد من الرسائل العلمية الخاصة بتاريخ المغرب
الإسلامي وحضارته في الجامعات المصرية والجزائرية والمغربية, هذا فضلا عن
المشاركة في كثير من المؤتمرات والندوات العلمية الخاصة بهذا التاريخ في مصر
وبعض العواصم العربية, وقدم أبحاثا متخصصة في الحقل ذاته.
*
* هذا فضلا عن مؤلفات مثل (نقد الحوار الفكري بين حنفي والجابري و(قراءات نقدية
في الفكر العربي المعاصر), و(مقاربات نقدية في الفكر والأدب) و(إشكالية المنهج
في دراسة التراث) و(المهمشون في التاريخ الإسلامي), وكلها تتضمن موضوعات تتعلق
بمفكري ومؤرخي العرب - وكثير منهم مغاربة - فضلا عن موضوعات خاصة بتاريخ المغرب
الإسلامي.
*
* لذلك, جرى تكريم الباحث من قبل زملائه وتلامذته المغاربة, فاختاروه عضوا
شرفيا (بالجمعية المغاربية للتاريخ والآثار), وعضوا مشاركًا (بمركز الدراسات
الأندلسية وحوار الحضارات).
*
* ويواصل الباحث جهوده في توثيق عرى العلاقات بين الجامعات المغربية وجامعة عين
شمس, من حيث التبادل العلمي والثقافي, ونشر الأبحاث المشتركة في دوريات مصرية
ومغربية. كما يواصل الجهود في نشر مقالات ودراسات في الصحف والدوريات المغربية
- خصوصا المصرية والمغربية, ويتعلق الكثير منها بالفكر المغاربي المعاصر,
وتقديم رواده المغاربة إلى القارئ العربي.
*
* أما عن أهم إسهامات الباحث في مجال دراسة تاريخ وتراث المغرب الإسلامي, فهو
ما تضمنه مشروعه حول سوسيولوجيا الفكر الإسلامي, صدر في عشرة مجلدات - الذي
أثبت من خلاله حقيقة وحدة الصيرورة في التاريخ الإسلامي العام برغم الاختلافات
السياسية أحيانا على أساس أنها لا تجب وحدة التطور الاقتصادي والثقافي في جناحي
(دار الإسلام). كما أثبت أيضًا ونظّر لحقيقة (سيولة) و(اتصال) التراث العربي
الإسلامي الذي أسهم المغاربة فيه بدور لا يقل عن إسهام نظرائهم المشارقة بحال
من الأحوال.
*
* خلاصة القول, أن المؤرخين المشارقة أسهموا بدور واضح في إثراء وإضاءة تاريخ
المغرب الإسلامي, وأن جهودهم في هذا الصدد تنطلق من نظرية صحيحة مفادها وحدة
التاريخ الإسلامي العام والحضارة الإسلامية العربية, برغم القطيعة السياسية في
بعض الأحيان.