المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مؤشر إلى الوعي بالفنون ودورها المجتمعي منقول



صادق ابراهيم صادق
13/02/2011, 11:31 PM
مؤشر إلى الوعي بالفنون ودورها المجتمعي
الأكاديمية ودينامية الحركة المسرحية





يتضاعف عدد الأكاديميات الفنية في الوطن العربي، وهو على ازدياد مطرد، وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على الوعي بالفنون وبأهمية دورها المجتمعي، وبأهمية الدور الأكاديمي في تنمية الحركة المسرحية وتطويرها، وفي هذا المجال نتوقف للضرورة عند دلالة مفهوم “الأكاديمية”، لإزالة بعض اللبس الذي يشوبه نظراً لاختلاف الآراء والمواقف بالنسبة إلى مفهوم الأكاديمية ودورها، فالبعض يعتبرها مكاناً لتلقي النظرية ولمنهجة العقل وتدريبه على التفكير العلمي، والبعض الآخر يرى فيها مكاناً لتقييد حرية التفكير، بمعنى آخر هي المكان الذي يتدرب فيه الطالب على أن يكون متلقياً سلبياً غير فاعل .



لكننا نرى أنها المكان الذي يحتضن معاهد المسرح حيث يتلقى الطالب الدراسة التخصصية، وفيها يتم تبادل الأفكار، وتقديم الأبحاث العلمية، ومن خلالها يعمل على تنمية عملية الخلق والإبداع والموهبة، أي أنه حيث يلعب دوراً أساسياً في إحاطة فنون المسرح بالأطر العلمية والمنهجية والتربوية . وفي صقل مواهب طلاب المسرح ودارسيه وفق التخصصات الأدائية تعبيراً أو تشكيلاً، ما يتيح قياس نمو وتطور هذا الحركة على دور الطلاب خريجي هذه المعاهد من خلال نوعية الانتاج وأثره في المجتمع، وفي نوع منظومة المنتج الإبداعي، بالإضافة إلى منظومة التلقي على المستويين الجماهيري والنقدي .



بما أن الأكاديمية تضم المعاهد الفنية المتنوعة: المسرحية والسينمائية والتشكيلية، والموسيقية، فنحن سنركز بدورنا على دراسة المسرح الأكاديمي الذي يفترض أن يستند إلى بنية تحتية مدروسة وممنهجة تضع أسس الاختصاص في المسرح لأن المسرح - كما هو معروف - يقوم على نظريات ومدارس واتجاهات متنوعة في النصوص المسرحية والنظريات النقدية وأسس التمثيل ومدارس الإخراج .



نسعى في هذه المقالة البحثية، إلى تتبع صيرورة المناهج الأكاديمية المسرحية العربية وتحولاتها لكي نتعرف إلى آلية مواكبتها للتطور التقني والمعرفي الذي يسود العالم اليوم، في ضوء ما تعرض له المسرح من تغييرات أصابت الجوهري من مقولاته ومفاهيمه التكوينية، وأيضا كي نرصد مدى إسهام هذه المناهج في تقدم المسرح في الوطن العربي لأن الغاية الأساسية من الدراسة المسرحية الأكاديمية هي محاولة تطعيم الساحة المسرحية بشباب تم تكوينهم مهنياً، وتمكنوا من بناء تصور جديد للتعبير مسرحياً، عن هموم وأسئلة فكرية مرتبطة بأسئلة المجتمع لانتقاء ما يتوافق مع ثقافتنا وحاجاتنا المعرفية، ولتنمية القدرات الفطرية لدى الموهوبين ولتمكين خريجينا من ترسيخ مسرح متطور بأدواته المعرفية والتقنية، وللإسهام في دينامية الحركة المسرحية .



حدود البحث: ستشكل المناهج التدريسية للمسرح في أكاديمية الفنون في دولة الكويت، والجامعة اليسوعية والجامعة اللبنانية الأمريكية/قسم الفنون والاتصالات وكلية الفنون في الجامعة اللبنانية في بيروت نماذج للدراسة .



للرد على هذه الإشكالية، ولكي يكون رصد المناهج متبعاً منهجية علمية، ولكي نتمكن من معرفة مدى التطور الذي اتسمت به فلسفة وضع المناهج، سأحاول من خلال هذه الورقة الربط باستمرار بين ما تقدمه المناهج التكوينية للطالب وبين ما يتم إنتاجه خارج أسوار الأكاديمية من خلال النقاط التالية:







1- توصيف الواقع المسرحي بين الهواية والدراسة الأكاديمية: قسمت المعاهد المسرحية الأكاديمية الدراسة إلى ثلاثة أقسام: النقد، والتمثيل والإخراج، والديكور المسرحي، لكن هذه الأقسام لم تكن مشتركة في المعاهد العربية الأخرى: مثلاً في كلية الفنون في لبنان، وفي قسم المسرح لم يكن هناك سوى قسمي التمثيل والهندسة المعمارية والرسم/ الفن التشكيلي والنحت، وحتى اليوم لم يخصص قسم خاص للنقد والديكور المسرحي، كما في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، بل رصدت لكل منهما مادة تدرس في قسم التمثيل، وهي النقد الفني، والسينوغرافيا، كما أن أسس وشكل الدراسة لم يكن متشابهاً أو معتمداً منهجية اكاديمية مشتركة أيضاً في كافة البلدان العربية: ففي عدد من البلاد العربية ما زالت الممارسة المسرحية تستند إلى تنمية المواهب والهواية وتطويرهما عبر ورش العمل وعبر اقتصار التدريس على بعض المواد، وهي لا تنطلق من نظم وهيكلية أكاديمية (السعودية واليمن وعمان التي كانت تدرس المسرح الجامعي ثم أقفل القسم التابع للجامعة) أما دولة الإمارات العربية المتحدة فقد تم تشييد معهد الشارقة للفنون المسرحية عام ،1999 الذي جُهَز بأحدث المعدات والأجهزة ليكون مكاناً مناسباً للعروض المسرحية، ولإقامة الدورات التدريبية، والورش والمختبرات المسرحية والتحصيل الإكاديمي، إذن هناك اختلاف وتنوع في فلسفة وضع المناهج في المعاهد الأكاديمية لتدريس المسرح، وفي آلية تدريس المسرح .



من خلال عملية رصد للمناهج التي تدرس في المعاهد المسرحية الأكاديمية تبين لنا أن هناك معاهد تأسست في ستينات القرن العشرين - باستثناء مصر التي تأسس فيها معهد الفنون المسرحية في الأربعينات من القرن العشرين، وقد نهلت هذه المعاهد موادها من مصادر فرنسية أو أمريكية أو انجليزية وآسيوية، ولكن المنطلق كان تدريس مواد البنية الدرامية للنص ومكوناته، والمراحل التاريخية التي مر بها النص الدرامي ابتداء من استلهامه ثيمته من الملاحم الإلياذة، وصولاً إلى تبلور النص وتقعيده وتسنينه وتجنيسه في كتاب فن الشعر لأرسطو، مروراً بالنص الديني والشكسبيري والكلاسيكي الجديد والرومانسي والواقعي والحديث السريالي وإلى آخره . . يترافق ذلك مع دراسة الكتّاب الدراميين، وما أضافه كل منهم تبعاً للتيار الذي ابتدعه وفقاً للسياق الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي كتبوا فيه نصوصهم، ويتم تدريس ذلك الشق النظري إلى جانب مواد مثل أسس تمثيل ومدارس إخراج وتدريب الممثل وإعداده وتطويع جسده ليصبح قابلاً للحركة على الخشبة المسرحية، وليصل مرحلة التخرج وفيها يعد مشروعه ويقدمه .







2- مناهج المسرح الأكاديمي العربي والسياقات الثقافية العربية: هذا التوصيف الموجز للمناهج نجده مشتركاً بين عدد كبير من الكليات والمعاهد الأكاديمية المسرحية العربية، وهي التي وضعت كمرحلة معرفية تأسيسية فكرية وجسدية للطالب المسرحي، ولكن لا بد من المساءلة عن فلسفة وضع هذه المواد، لماذا تم اختيار هذه أو تلك من المواد، ولماذا تم الاستعانة بهذا المنبع أو ذلك، وهل راعى هذا الاختيار السياق المعرفي والثقافي والفني والسياسي والاجتماعي للبيئة التي يعيش فيها الطالب وهل رد على طموحاته الفنية؟



من المعروف أن المسرح كان يخضع لتغيّرات كثيرة سواء على مستوى التركيبة والشكل أو على مستوى المضمون والوظائف، مرتبطاً في ذلك بمجموع التغييرات التي تحدث في المجتمع، ذلك أنه كان منذ نشأته ظاهرة اجتماعية منخرطة في التعبير عن الواقع الاجتماعي والوعي الجماعي سواء كان ذلك بطريقة واعية أو غير واعية، حيث إن التركيبة والشكل والمضمون والممارسة كانت في غالبها نتاجاً اجتماعياً بشكل مباشر أو غير مباشر، وكون هذه الظاهرة متجذّرة في الواقع ممثلة عنصراً من العناصر المكوّنة للمجتمع كان لزاماً أن تتأثر بمجموع القوانين العامة التي تسيّره والتغيير الاجتماعي أبرز تمثّلاتها، إذ عرف المسرح تغيّرات شبيهة بالتغيّرات التي عرفتها المجتمعات الحاضنة له، كما كان مساهماً بطريقة أو بأخرى في إحداث تغييرات اجتماعية في إطار وظيفته الاجتماعية التي عرفت - في نشأته وتطوره أو في مكوناته وتمظهرت تأثيراته - أوجهاً عديدة بدءاً بالمرحلة الإغريقية الأولى إلى اليوم . ففي البداية كانت “إثارة الشفقة والخوف مما يؤدي إلى التطهير”، ثم تعدّدت التسميات وتنوّعت: من وظائف مرتبطة بالتسلية وأخرى ارتبطت بالتربية وصولاً إلى الوظائف التوعوية والنقدية والتحريضية، أو وظائف أخرى متمثلة في كشف الطبيعة الحقيقية للعلاقات الاجتماعية، والكشف عن الأصالة الحقيقية للحياة الواقعية والتأثير في الطبيعة النفسية . من هذا المنطلق نلتفت للبحث في علاقة المسرح العربي ومناهج تدريسه بهذه السياقات من خلال ثلاث مراحل مر بها:



* المرحلة الأولى وهي مرحلة التعرف إلى المسرح وممارسته عن طريق الهواية والاهتداء إلى بعض النصوص المسرحية عن طريق الاقتباس والترجمة والتأليف، وكانت السمة الغالبة لهذا المسرح هو التساوق مع البيئة الاجتماعية والسياسية من خلال انتقائية نصوص تتلاءم ومعطيات المرحلة .



* المرحلة الثانية مرحلة التأسيس الأكاديمي لتدريس المسرح: أحدث المؤسسون وهم في أغلبهم ممارسو المسرح وخبراء فيه، ولكن منهم من تلقى علومه المسرحية في الخارج، القطيعة من المراحل التي سبقتهم، أي مرحلة مسرح العشرينات الذي كان يعتمد على النص الأدبي، وكان التمثيل فيه عبارة عن حوار خطابي يلقيه المؤدي على الخشبة المسرحية . وعندما بدأوا بتأسيس المعاهد والكليات في عدد من الأقطار العربية ابتداء في الخمسينات من القرن العشرين لم تكن لديهم نظريات مسرحية ولا بنية تحتية للمسرح لذلك اعتمدوا على مناهج ونظريات غريبة ومارسوا المسرح وقدموه على الخشبة العربية مطبقين هذه النظريات والاتجاهات المسرحية الغربية . الجدير بالذكر أن هذه المناهج الغربية التي اعتمدها الأكاديميون العرب ليست سوى حصيلة تجارب، وممارسات خاضها المسرحيون الغربيون كتاباً وممثلين ومخرجي سينوغراف وتقنيين، وكانت قد وضعت في بيئتها الغربية تلبية لحاجات فكرية وثقافية وسياسية جاءت متزامنة مع سمات المرحلة، وقد تضمنت المناهج المذاهب الكلاسيكية والتيارات والاتجاهات الحداثية في المسرح العبثي والوجودي وهي لا تزال تدرس حتى اليوم، بنت هذه المناهج الطالب بناء معرفياً متعالياً، ودربته على فنون التمثيل وأساليب الأداء المتنوعة، وأهلته ليؤسس مسرحه خارج أسوار الأكاديمية . . في هذه الحال، يطرح السؤال التالي هل تبيأت هذه المناهج مع السياق الثقافي العربي في تلك المرحلة؟ وكيف؟ سنتبين ذلك على مستويي النص الدرامي والعرض المسرحي وعلى مستوى العلاقة مع الجمهور في تلك المرحلة .



- على مستوى النص الدرامي واتجاهاته: استعان بعض هؤلاء المسرحيين في الستينات وحتى الثمانينات بنصوص درامية تتوافر فيها شروط النص الدرامي فاقتبسوها أو ترجموها، واستعانوا منها بما ينتمي إلى الاتجاهات المسرحية التي تتوافق مع الواقع الاجتماعي والسياسي في الوطن العربي في تلك المرحلة التي اتسمت بالحراك السياسي والدعوات إلى النضال الاجتماعي والسياسي فكتبت النصوص ذات التوجه السياسي والمتأثرة بنصوص بريشت وبيتر فايس، وذات التوجه الاجتماعي متأثرين بالكتّاب المسرحيين الذين عالجوا القضايا الاجتماعية، ورائد الاتجاه الاجتماعي في المسرح في تلك المرحلة كان هنريك ابسن وقد عمد عدد من الكتّاب المسرحيين العرب والخليجيين إلى كتابة النص المسرحي والواقعي/الاجتماعي .



- على مستوى العرض: خضع المسرح العربي في تلك المرحلة لشروط نظرية العرض التي تركز على الأداء الجسدي والتمثل بالمدارس الإخراجية والتمثيل وضعها ستانسلافسكي وميرهولد وغروتوفسكي وارتو وغيرهم، فقد بدأ تطبيق طرق وأساليب الأداء التمثيلي المعتمد على الجسد بعدما كان يعتمد فقط على الخطابة والأداء القولي/الحواري، واختلفت هذه الطرق والأساليب باختلاف السياسات الثقافية والواقع الاجتماعي الخاص بكل بلد، ففي لبنان مثلاً كان قد بدأ العمل على الأداء الجسدي، بدءاً من مدرسة المسرح الحديث الذي أسسه منير أبو دبس، ثم بدأ التغيير يطال شكل الخشبة المسرحية بظهور الحكواتي وكسر الحائط الرابع، وتشكلت حركة مسرحية سميت في كل البلدان العربية بمرحلة العصر الذهبي للمسرح، فاستعانوا بالشاشات تيمناً، ببريخت وسلطوا التركيز على الإضاءة برينهاردت، لكن المسرحيين لم يجيدوا ممارسة هذا التغيير ليس لقلة توفر عناصر الإبداع لديهم، بل لقلة توفر الأدوات التقنية في المسرح .



على مستوى العلاقة مع الجمهور: انتقل هذا المسرح الأكاديمي خارج أسوار الأكاديمية بدأ يبحث عن الجمهور الذي كان ولا يزال يختزن الثقافة الكلاسيكية، والذي لم يكن معداً فكرياً وثقافياً لتقبل هذا المسرح، باستثناء الجمهور المثقف والمسيس والمنتمي إلى أحزاب يسارية ذات التطلعات التغييرية الذي كان مؤهلاً للمشاركة في هذه الظاهرة الثقافية النوعية أي هذا النوع من المسارح الذي يعبر عن نقد للأوضاع القائمة أو تحريض للطبقة المضطهدة أو تثوير لها، إنه مسرح يهدف إلى تغيير العالم وتغيير وعي الإنسان به، مسرح مناضل بطرق متفاوتة يسهم في تنشئة الإنسان الجديد وتدريبه، استطاع هذا المسرح الذي استند إلى نصوص سياسية التأثير مع جمهور مسيس والتفاعل معه، ما يشير إلى أن بعض المسرح العربي استطاع أن يتساوق مع المرحلة ويعبر عن سماتها، بينما بقي الجمهور الآخر بمنأى عن هذا النوع المسرحي السياسي واللامعقول، لعدم قدرته على فك شيفراته .



* المرحلة الثالثة: المناهج بين التقليد والتجاوز: تساوقاً مع التطورات التكنولوجية التي حدثت في العالم على المستوى التقني والفني وسوق الإنتاج في مرحلة التسعينات، وعت بعض المعاهد الأكاديمية لأهمية هذه التطورات، فوجدت أنه لا بد من توسيع حيز العلاقة مع الإنتاج ووضعه في موقع يوازي هذه التطورات، فاقترحت مواد تمكن الطالب من استخدام الإضاءة والمؤثرات الصوتية، والعلاقة مع الصورة وتقنياتها، فأنشأت هذه المعاهد المختبرات، وبدأت تعد الطالب ليتخرج وهو يمتلك المعرفة التقنية، وكانت بذلك تستشرف مستقبل علاقة الخريجين بالسوق قبل أن ينخرط في سوق العمل المسرحي، وبالعمل، بالإضافة إلى إنتاج المسرحي كممثل ومخرج وسينوغراف، كما قررت مواد ترتبط بالقانون لتعرف الخريج إلى حقوقه عندما يزاول المسرح ويمارسه، أعطي نموذجاً عن ذلك المناهج التي استحدثت في معهد الفنون/ الجامعة اللبنانية، وكذلك الجامعة اليسوعية، فقد أحدثت المناهج تغيراً كبيراً في موادها على المستوى التقني، فلم تقصر مواد الدراسة على النظري والتطبيقي فذهبت إلى إضافة مواد تتعلق بالميديا أو السينما والتلفزيون، وتشمل التركيبات السمعية البصرية في العرض، واستخدام مواد تقنية في الإضاءة والتصوير السينمائي والتلفزيوني، وأقامت شراكة مع الإذاعة في إطار المسرح الإذاعي، كما أقامت اتصالاً مع التلفزة أيضاً، أما المواد النظرية الأساسية في المعاهد الأخرى فظلت على حالها ولم يجرر عليها تعديل أو إضافة أو تغير، وحتى المواد المتعلقة بالتمثيل والإخراج .



- إذن هذه حال مناهج التدريس في المعاهد، مادة الدراسة وهي لا تزال تدرس حتى اليوم على الرغم من التغيرات الفكرية والثقافية والتقنية التي حدثت في هذه المرحلة ومن سماتها .



ظهرت بعد مرحلة التسعينات مفاهيم مسرحية جديدة ما بعد حداثية مثل ما بعد المفاهيم المطلقة والدادئية الجديدة والفن الفقير أو المتقشف (المتصحر) والعرض أو فن الأداء وتقنيات الفيديو آرت، والتشكيل، استخدم بعضها المسرحيون الشباب في مسرحهم .



تناسبت هذه المفاهيم مع ثقافة ما بعد الحداثة وأنماطها الجديدة، حيث نجد طمس الحدود بين الفن والحياة اليومية ومحوها، وإزالة التسلسل الهرمي بين الراقي والجماهيري في الثقافة الدارجة وتفضيل الأسلوب الانتقائي المشوش، وتمازج الثغرات والمحاكاة الساخرة والمعارضة والاستهلاك وسرعة استعمال الموضعة الدقيق للوقت والتهكم والسخرية والهزل والمزاح والاحتفال بالمظهر الخارجي في الثقافة الدارجة وتفضيل الأسلوب الانتقائي المشوش، وتمازج الثغرات والمحاكاة الساخرة، والمعارضة والاستهلاك وسرعة استعمال الموضة الدقيق للوقت والتهكم والسخرية والهزل والمزاح والاحتفال بالمظهر الخارجي “بالثقافة التي لا عمق لها”، وانحدار الأصالة العبقرية للمنتج الفني والادعاء بأن الفن لا يسعه إلا أن يكون مجرد تكرار وشكلت هذه الأنماط سمات أساسية في خطاب المسرحيين الشباب .



والسؤال المطروح الآن وبعد حدوث هذه التطورات، كيف يمكن أن يخرج المسرح اليوم خارج أسوار الأكاديمية، وكيف يسهم في تنمية وتفعيل الحالة المسرحية؟



وكيف يمكن للمناهج الأكاديمية بحالتها التقليدية أن تمكن الخريج من الإسهام في دينامية الحركة المسرحية؟



يمارس هذا الجيل المسرح اليوم بمنأى عن كل ما تصوغه المناهج الأكاديمية من مواد، فما زالت أغلب المعاهد الأكاديمية المسرحية تدرس المناهج نفسها، مع العلم بأن بعض المعاهد الأخرى، كما ذكرنا قد أجرت تغييرات وتعديلات في بعض المواد وأضافت مواد أخرى .



تقتضي الضرورة بتحديث المناهج وتمكينها من تنمية الحركة المسرحية للأسباب التالية:



- إن أغلب عروض الخريجين التي تقدم اليوم على الخشبة المسرحية خارج أسوار الأكاديمية تعتمد التكنولوجيا بوجهيها التقليدي والحداثي كعنصر أساسي في التشكيل البصري، وبدأت تدمغ تجارب معينة بطابع فريد، استخدمها هؤلاء في مسرحية من دون أن ينطلقوا من قاعدة أكاديمية لأنها لم تكن مدرجة ضمن مناهج التدريس، فمواد التمثيل مثلاً تفتقر إلى ما ظهر حديثاً من نظريات حول الأداء وفن الأداء والتمثيل مما سبق وذكرنا، لذا استخدم هؤلاء الخريجون الجدد طريقة وأساليب تمثيل وأداء تغاير أحياناً ما يتم تدريسه في المعهد، لا بل تنأى عنه في أغلب عروضهم .



تغير المفهوم الجمالي للعرض وللنص وبنيته الدرامية، لم يضف المعهد إلى مواد علم الجمال أو الجماليات ما حدث من تغيرات جمالية وفنية وبنائية وتجنيسية للمسرح، في حين أن الشباب المسرحيين بدأوا يصوغون مفاهيم ما بعد حداثية تتلاءم ومعارفهم، وينخرطون ويتفاعلون مع مستجدات سمتها الخاصة إيقاع سريع مرتبط بإيقاع العصر، حيث حدث الإنقلاب العالمي للتقنيات، وأزيلت الحواجز وانفتحت الثقافات وحصل تواصل ثقافي بين كل الأجناس والجنسيات والقارات، وبدأ الجيل المسرحي يستعين بما تراه عينه وبما يستخدمه من تقنيات ويتفاعل مع الثقافات الأخرى، وبدأ يستشعر الغربة بين ما تم تلقيه في المعاهد والأكاديميات وبين ما يتم خارج السور الأكاديمي، وراح يتجاوز التكوين الأكاديمي، نحن لا نقلل من أهمية التجاوز، فهذا ضروري وصحي لأن يكونوا مشاغبين ويتعلمون كيف يطرحون الأسئلة، ولكن شرط أن ينطلق الخريج من معارف وتكوين معرفي وعلمي متطور، لا أن ينتزع المعرفة من مصادر متنوعة ومختلفة تتجاوز في أغلب الأحيان التساوق والتلاؤم مع بيئته الفكرية والثقافية ووضعه الاقتصادي .



أجزاء من ورقة قدمت إلى ملتقى الشارقة للمسرح العربي