المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يتعايش الموجود مع المطلوب؟



نسيم أبو خيط
15/02/2011, 07:59 AM
هل يتعايش الموجود مع المطلوب؟

في البداية أود أن أعتذر للأستاذ عامر العظم.. فقد كنت على وشك إقحام موضوعي التالي كمداخلة للرد على موضوعه: "فرملة الرجل والمرأة"..
لكني وجدت أن موضوعي – وإن التقى أو حاذا موضوعه.. إلا أنه يختلف في المبنى والمعنى، ويفضل أن يكون منفصلاً ومستقلاً.
ومع ذلك أود أن أقول – وهذا ما أعتبره محاذاة لموضوعه – إن الفرمتة يجب أن تكون شاملة للأمة أو للشعوب العربية كلها، أو في كل قطر على حدة.. لأن فرمتة الأفراد بدون سياسة عامة، مبرمجة وموجـِّهة من طرف الدولة، لن تـَحْدُث تلقائياً. وإنما تحتاج إلى اشتراك كل جهاز الدولة لتطبيقها..

في كتابة "النقد الذاتي بعد الهزيمة، نفذ المفكر العربي السوري المعروف، صادق جلال العظم، إلى نخاع أسباب التخلف والهزيمة المزروعة في الإنسان العربي. فعزى هزيمة الدول العربية مجتمعة في حربهم في فلسطين (1948) إلى بنية الإنسان العربي الاجتماعية والثقافية التي لا تربطه بـ"الوطن"..
فاللاجئ الذي ترك بلده وهرب، لم يفكر إلا في سلامة جلده وزوجته وأولاده مع كيس طحين يوفر لقمة العائلة إلى "أن يحلها الله". أي أن ارتباطه بالوطن والقضية العامة و"المجتمع" في خبر كان.. وهذه الأفكار طرحها صادق العظم في "السوق الاجتماعية" للوطن العربي، قبل حوالي 45 سنة. ومع ذلك اضطر هذا الفيلسوف الكبير لأن يعود ويقول، في مقابلة سنة 2007 إنه: "مازلنا نعاني نتائج الهزيمة، ولم نر حتى الآن أي معالجة حقيقية وجدية للأسباب العميقة لها". وأضاف: "ما أراه هو ضرورة إصلاح البنى الاجتماعية والتعليمية"..

واضح بأن إصلاح البنى الاجتماعية والتعليمية ليس من عمل المفكر، الذي يضع النظرية أو يرسم الطريق. لأن التطبيق يقوم به جهاز الدولة. وجهاز الدولة في أي دولة عربية قد يفكر في كل شيء وفي أي اتجاه – إلا في "إصلاح البنى الاجتماعية والتعليمية". وهذا نمط تفكير موروث من أيام الجاهلية، الذي يكون فيه الفرد مستعداً، وقت الشدة، في كل سنة أو أي فصل من فصولها، لأن يحمّل بيته (بيت الشعر) و"عفشه" وعياله على بعير أو حمار ويرحل إلى مضرب آخر من مضارب الأرض الواسعة.

الهجرة الحديثة التي استمد منها صادق العظم موضوعه هي هجرة الفلسطينيين من وطنهم عام 1948، الناجمة عن مواجهة عدو قوي، شنها حرباً اقتلاعية: أي طرد السكان والاستيلاء على أرضهم والسكن مكانهم.. ولهذا يأخذ موضوع "إصلاح البنى الاجتماعية والتعليمية والتقافية" بعداً أعمق عند تناول موضوع الارتباط بالوطن، والدفاع عنه وربط مصير الفرد بالجماعة، حتى لو تطلب الأمر الموت دفاعاً عن هذا الوطن.
في مجتمعاتنا الحالية، تكاد هزيمتنا تنحصر في تجاهل إصلاح أو تغيير البنى التعليمية والثقافية. فنحن نجيز لأنفسنا أن نستخدم إنتاج غيرنا من دون أن نساهم في هذا الإنتاج: نركب السيارة أو نقتنيها من دون أن نساهم في صناعتها.. ونستخدم الكومبيوتر في "تقليط" أمورنا الصغيرة، ولا نستخدم تقنيات التكنولوجيا لبناء صناعة حديثة، تنقلنا من رصيف الطريق إلى الشارع الآلي، المنتج، المسوق، الذي يستوعبنا في العمل، ويعود علينا بمردود ينقل مستوى حياتنا إلى الذرى القائمة في البلدان الصناعية، فنبيع مثلما نشتري.. نبني المداس لكل أجيال التعليم من ذكور وإناث.. ولا نظل عرضةً للفقر والجهل والمرض..

كيف تستطيع دولة كمصر، عدد سكانها 83 مليون نسمة، ان تعيش بواقع لا يجد فيها ملايين الشباب وأرباب العائلات أماكن عمل توفر لهم اللقمة الحلال.. أن تعيش بجيش من العاطلين عن العمل، يزيد عددهم أضعافاً عن عدد أفراد القوات المسلحة.. ومنهم خريجو جامعات، لا يجدوا حتى من يحصي عددهم؟

المشكلة أن إصلاح أو تغيير البنى الاجتماعية والحقوقية والتعليمية والثقافية لا يقدر على تنفيذه سوى آلية الدولة: بقوانينها ومدارسها ووظائفها أو مصانعها التي يجب أن تقوم..
لكن النخب لا يريدون هذا الإصلاح.. ولو سألتم حسني مبارك وهو يلحق المليارات التي هرّبها.. يقول أنه "أفنى عمره" في "خدمة الشعب"!

لهذا ستظل مجتمعاتنا في قلقلة، إلى أن يصل إلى السلطة من يشمر عن ساعديه.. وسيصل قريباً، لأن التناقض بين المطلوب والموجود لا يمكنه المزيد من التعايش..