المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السلطة القضائية ومراقبة دستورية القوانين !!!!



فتحي الحمود
02/04/2011, 11:31 PM
السلطة القضائية ومراقبة دستورية القوانين!!!




حسوني قدور بن موسى
محام بهيأة وجدة


*دسترة عدم الإفلات من العقاب تعتبر ضمانة لحماية الحقوق والحريات*

في الدول الديمقراطية، السلطة الوحيدة التي تستطيع حماية حقوق وحريات
المواطنين، هي السلطة القضائية سواء تمثلت في القضاء العادي أم في القضاء
الإداري.

هناك علاقة وطيدة بين الديمقراطية من جهة والقضاء من جهة ثانية، إذ أنهما
يندرجان في سياق تطور طويل الأمد للتنظيم الديمقراطي للسلط، ذلك أن حقيقة
العدالة بأجلى مظاهرها هي لصيقة بحياة الإنسان الداخلية ومصالحه الجوهرية ولهذا
فإن السلطة القضائية لها شأن كبير في تعديل الدستور، فالدولة عندما تعلن عن
تعديل الدستور فإنها تكون قد وصلت إلى مرتبة النضج السياسي، ويمكن القول أن
الرغبة في الدخول إلى المجتمع الدولي الديمقراطي بدستور جامد لا يتغير هو
تقريبا كالدخول إلى حفلة ساهرة بثياب الحمام، وأن تغيير الدستور في اتجاه مطالب
الشعب هو الثوب المناسب للقبول في حظيرة الدول الراقية التي تحترم حقوق
الإنسان.
إن أولى السمات التي تتصف بها السلطة القضائية في جميع الأمم أن تكون حكما بين
الناس غنيهم وفقيرهم قويهم وضعيفهم، ولكن الحقوق يجب أن تكون محل نزاع حتى
يقتضي أمرها تدخل المحاكم، ويجب أن ترفع في شأنها قضية قبل أن يفصل فيها القاضي
بحكم يصدره. فإن كان ثمة قانون لا ينازع فيه أحد لم يطلب من السلطات القضائية
أن تعنى بدراسته قد يترك قائما دون أن يشعر أحد بوجوده. أما إن هاجم قاض قانونا
معينا في قضية معينة يتصل بها فإنه يكون قد وسع من دائرة وظائفه من غير أن
يتجاوزها، وذلك لأنه مضطر، إلى حد ما، إلى أن يعطي رأيه في هذا القانون كي
يتيسر له الفصل في القضية المعروضة عليه، أما إذا أبدى رأيه في قانون من غير أن
تكون هناك قضية معروضة عليه يتصل بها هذا القانون كان قد تجاوز الدائرة
المرسومة له واعتدى على السلطات التشريعية. فالقضاء المغربي غير مختص للنظر في
عدم دستورية القوانين، وبسبب هذه الثغرة الدستورية تنتهك حقوق وحريات المواطنين
فقد يحدث أن يجد القاضي نفسه أمام قانون غير شرعي لا يتلاءم مع مبادئ الدستور
ويمس بمبادئ حقوق الإنسان، كما كان الحال بالنسبة لظهير 1935 المشؤوم (كل ما من
شأنه الإخلال بالنظام العام) الذي وضعه الاستعمار الفرنسي لقمع الحركة الوطنية
وظل ساري المفعول في عهد الاستقلال وتم تطبيقه خلال سنوات الرصاص ضد المعارضين
السياسيين من طلبة وعمال وغيرهم من المحتجين من أجل التغيير، ورغم الدفوعات
الشكلية التي كان يتقدم بها الدفاع أمام المحكمة بخصوص مسألة عدم دستورية هذا
الظهير الاستعماري، فإنها كانت ترفض الاستجابة لها وكانت ترد على ذلك بكونها
غير مختصة في مراقبة دستورية القوانين، وأخيرا تم إلغاء ظهير 1935 بعدما تسبب
في مآس كثيرة وضياع مستقبل العديد من الطلبة الجامعيين.
ومن أجل حل هذه الإشكالية لا بد من الاعتراف بحق القضاة في أن يبنوا أحكامهم
على مبادئ الدستور حماية لحقوق وحريات المواطنين، وأن يطبقوا من القوانين ما
يرونه دستوريا حقا. لقد طالبت كثير من الشعوب بهذا الحق الذي تتمتع به السلطة
القضائية في فرنسا حيث يخول للمحاكم أن تخالف القوانين بحجة أنها مخالفة
للدستور، أصبحت السلطة التأسيسية في يدها في الواقع، لأن هذه المحاكم وحدها
يكون لها الحق في تفسير دستور ليس لأي سلطة أن تغير مواده، وعندئذ تحل محل
الشعب وتمارس سلطة مطلقة على المجتمع، وعلى سبيل المثال ألغت المحاكم الفرنسية
قرارات وأحكام تتميز بالعنصرية والمخالفة للدستور الفرنسي الذي ينص على
المساواة.
ولما كان الدستور أسمى القوانين كلها فلا يمكن للمحاكم مخالفته، ويجب عليها
طاعته وأن تتخذه أساسا لكل ما تصدره من أحكام وقرارات وهذا معناه أن دواعي
السياسة العامة التي اختارها الشعب التي تتجلى في مبادئ الدستور تتغلب على
البواعث العادية وعلى القوانين التي لا تتلاءم مع روح الدستور، فعندما ترى
المحكمة أن قانونا غير دستوري فلها أن ترفض اتخاذه قاعدة تسير عليها، وهذه
القوة يترتب عليها تأثير سياسي إيجابي كبير يتجلى في الحماية القضائية للدستور
وبالتالي حماية لحقوق وحريات المواطنين من التعسفات والخروقات والانتهاكات،
وهكذا تكون المحكمة محكومة بالدستور، فالقاضي الأمريكي يضع نفسه فوق القانون
الدستوري ويدعي أنه يرى رأيه فيه لأنه، بالنسبة للقاضي، توجد مجموعة من المبادئ
السامية للقانون الطبيعي تعلو على كل ما عداها وتشكل شرعية دستورية يقتضي أن
يتوافق الدستور المكتوب ذاته معها، فالدستور الأصلي يعتبر متوافقا مع هذا
القانون الرفيع، لكن إذا جانبته التعديلات اللاحقة فيجب أن تعتبر غير دستورية،
وتطور الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاعتقاد بعبارة «حكم القضاة «
وهذا صحيح لأن المجالس التشريعية والكونغرس بالذات مقيدون إلى حد ما بالسلطة
القضائية. وكانت إحدى الدلائل لحكم القضاة قد تأيدت بحكم «بولتري كوربويشن»
الصادر في 27 مايو 1935 ضد الولايات المتحدة، وقد أعلن الحكم عدم دستورية قانون
التحصيل الجديد المصادق عليه بناء على طلب الرئيس «روزفلت» وهو غير دستوري
للأسباب التالية: أن أوقات الأزمة لا تعطي للسلطة التنفيذية سلطات أوسع من تلك
التي تكون لها في الأوقات العادية. وأن تفويض السلطة التشريعية للسلطة
التنفيذية مخالف للدستور. وليس من صلاحية الكونغرس الفدرالي أن يشرع في حقل
التجارة الداخلية للدول الأعضاء في الاتحاد.
وأجبر الرئيس «روزفلت» اثنين من القضاة التسعة الأكثر تصلبا على الاستقالة
واغتنم فرصة وفاة اثنين كذلك من القضاة فغير تشكيل المحكمة عن طريق التعيينات.
بعد ذلك ظهرت مرحلة أخرى متطورة جدا على إثر تعيين رئيس المحكمة العليا «أريل
وارن» سنة 1953 وكانت مرحلة تجديد دستوري خارق، قرار « براون» الصادر في 17
مايو 1954 والذي أدان في مادة المساواة العنصرية المعتقد الشهير «متميزون ولكن
متساوين» الذي كان يشكل القانون منذ البداية وكان يظهر على شكل تمييز بين السود
والبيض في المدارس والنقل العام والمطاعم إلخ ...فالتمييز بحد ذاته اعتبر بعد
ذلك انتهاكا لحقوق الإنسان وخاصة المساواة.
ومنذ هذا القرار التاريخي أخذت المحكمة على عاتقها تأمين أكبر مساواة ممكنة في
العلاقات الاجتماعية وتقييد سلطة الأكثرية لمصلحة الفرد والأقلية الأمر الذي
يعتبر حماية للحرية ومقاومة التمييز وتأكيد دستورية قانون الحقوق المدنية في
سنة 1964 وقانون حق الانتخاب سنة 1965 وإدانة التمييز في مجال السكن ومقاومة
المحكمة لتقسيم الناطق الانتخابية الكيفي، كما أن حرية الصحافة كانت مصونة جيدا
بمناسبة نشر تقرير «ماكنمارا» عن الحرب الفتنامية وذلك بصدور قرار عن المحكمة
بتاريخ 30 يونيه 1971.
كما أن دسترة عدم الإفلات من العقاب تعتبر ضمانة لحماية الحقوق والحريات،
فكثيرا ما حدث قبل الثورة الفرنسية أن أصدر أحد البرلمانات أمرا بالقبض على
موظف عام ارتكب جريمة معينة، فتتدخل السلطة الملكية أحيانا لوقف الإجراءات
المتخذة ضد ذلك الموظف وعندئذ يتجلى الاستبداد سافرا.