المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جتى لا تسلح مزبلة التريخ في الانتظار



محمد التهامي بنيس
16/05/2011, 01:15 PM
الأحزاب السياسية والحقيقة القاسية
أو حتى لا تصبح مزبلة التاريخ في الانتظار المشهد السياسي / الإصلاحي الذي نعيش في صلبه وننخرط فيه , يبدو مربكا بطبيعة ما أظهره من تناقضات وما قد يطرح من إشكاليات استثنائية , وكأن هناك تحسب لمفاجآت قد ترتج لها سفينة الإصلاح وتضيع فرصته لا قدر الله , فسياق الأحداث يتطور , والمستجدات تتابع , ولا يجوز مع هذه المؤشرات , القبول بالمخاطر الجسيمة الماثلة , بل يتعين الاستباق بنفس الجرأة الاستباقية التي جاء بها خطاب 9 مارس 2011 , والاستباق يحتم أن يعمق الحزب – كل حزب - ما وعدت به توصياته ومقرراته , وخاصة منها تلك المتعلقة بالتظيمات الحزبية للخروج من الأزمة الحالية , وخاصة أزمته مع الشباب, فلا يخفى علينا :
" أن كل حزب لم يعالج مأزقه , أو لم يعد بإمكانه تجاوز السلبيات , هو حزب يعيش إنتاج حفار قبره "
إن الأحزاب تنجرف لهاويتها دون أي اتعاظ ( أو بصريح العبارة , دون أن تتعظوا أنتم القادة
في المركز والجهات والأقاليم والقطاعات ) كأنكم لا ترون كم هو حجم هذا الانفصام وحجم العفن والفساد الذي تلتف حوله بطانة شيطانكم الأخرس وحجم أضاليله وتشويه الحقائق وكأنه يرضيكم ما نحن عليه و لا نفكر في قواعد تنخرط في الإصلاح الذي كنا ننادي به ونضحي من أجل أن تحين ساعته
فحينما تتأزم الأوضاع التنظيمية وتصبح أحوال المناضلين وأحوال المجتمع لا تطاق وأنتم عن كل هذا غافلون , فهذا يعني أنكم لم تستوعبوا أن الحزب وصل إلى نقطة تحول في حياته وتنظيماته , وهو يعيش حراكا ينتقل من الصدمات التي خططتم لها دون تقدير لعواقبها , فكانت كالثورة بدأتموها ولم تستطيعوا إيقافها , واتسعت الهوة حتى صار الحزب - وهو صاحب النضال والمبادرات والتضحيات - حديقة حيوان بشرية على يدكم , لا إخلاص فيها للمبادئ ولا دفاع عن الهوية كما لا دفاع عن المواطنين وقواته الشعبية والشباب منهم , بل لا قضية للأحزاب تستعيد ثقة الجماهير فيها ولا فكرة موحدة يلتقي حولها المناضلون , وكان بإمكانكم أن تروا كيف حال المناضل وهو لا يكاد يعرف المناضل الثاني إلى حد أن يتم البحث عن المناضل فلا يعثر له على أثر فكيف بأثر من لا يزال يتعاطف مع الحزب - وهو آخذ في التناقص – ومواقفكم وتصريحاتكم هي السبب , وما عليكم إلا أن تتأملوا تصريحات الشباب حول الأحزاب حتى دون تمييز بعد مواقف 14 ماي
بربكم ألستم المسئولين على ما نحن عليه منذ صرتم لا تدبرون الحاضر إلا بالصراعات الشخصية , تتنكرون لرموز الماضي كمن لا يريد أن يكون له وراء ولا مرجعية , ولا تخططون لمستقبل الشعار وتركتموه يذبل أو يكيل بمكيالين , غارقين في الاختلاف حول المقاعد وأنتم تعرفون أننا نرحب بالاختلاف إذا كان حول الأطروحات , فتسرب في عهدكم إلى قيادات الأجهزة , أنصاف المناضلين وأشباه المناضلات حتى لا أقول أنصاف الرجال وأنصاف النساء , ممن لا هم لهم إلا ترويض المناضلين ليكونوا تبعا بعد أن كانوا روادا , حتى أصبح الحزب كرة يقذفها كل منكم في اتجاه بما سمح للقاصي أن يرفسها والوافد على الحزب أن يدوس كرامة الحزب بنعاله , وخاصة لحظة تنصب المنافقون الفاسقون في مقام الوزراء الشرفاء في الأحزاب وأصبحت الحقيقة الواحدة القاسية , أن هذه الأحزاب لن تكون قادرة على الانخراط الإيجابي المعيد لثقة جماهيرها في الحراك السياسي , بل لن تكون قادرة على الاستقرار ما دام الشيطان الأخرس يتناسل والغباء السياسي يترسخ , خاصة و هذا الغباء هو من أوصل اليوم المرأة – بالدسيسة - إلى غرفة الإنعاش وهي تصارع ساعات الاحتضار والطبيبة المفترضة لا تملك مثقال كرامة وذمة , وصار لزاما علي وعلى أمثالي , أن يخلعوا عقولهم حتى يصدقوا ما وقع . بينما أنتم تتربعون ‘على أنقاض ما هدمتموه كأنكم كرة مطاطية تنفخ جوفها للفصل بين الأطراف المتصارعة – ولمس الجميع كيف أن الطرف الأول صابر متفرج محتسب , والطرف الثاني في شراهة الاستوزار مستفتح حانق , والطرف الثالث يتنفس قليلا من الهواء منتظرا , والرابع يفر من مواجهة سخونة الاجتماعات التنظيمية , والخامس يفكر في الاعتصام , والسادس يريد بيانا مضادا بديلا عن البيان العام , والسابع شارد , يقول : يا ويلاه . لم نستطع الوفاء بالعهد والمحافظة على البيت الحزبي - بينما الحياة الحزبية توقفت , وحتى إذا اعتبرنا كل مناضل في إقليمه , طرفا في خضم هذا التصارع , فهو يندد بمتابعة السجال في عبت وتخريب وتضييع فرص انبعاث الحزب من جديد رغم كثرة الوعاظ , ولم تعد المشكلة في كثرة العبر ما دامت هناك ندرة في من يعتبر, فيا أيها الذين لا يتعلمون من دروس التاريخ حولهم قديمه وحديثه ولا تحرك ضمائرهم انتفاضات الشباب وثورات الشباب , سوف لا تلومون إلا أنفسكم فقد ضاق بكم المناضلون ونخشى عليكم أن تلقون في مزبلة التاريخ
فإذا عصابة هيمنت . على التنظيم سيطرت وفي المركز تجبرت , وإذا لمؤامراتها دبرت وفي الكواليس مررت , وإذا الأفواه كممت والشرعية الحزبية اغتصبت والقوانين عطلت والحقيقة غيبت وإذا الجهالة انتصرت وإذا المناضلة الشريفة في حزبها غربت , وإذا الضمائر الحية أنذرت وأعذرت ومع المناضلين قررت ونهضت واستنفرت ولرؤوسها من الرمال أخرجت , فمزبلة التاريخ لكل قائد فاسد , انفتحت , فهل يكفيكم ما تبقى من زمن رديء لتسووا مشاكل التنظيم وتكون لكم جرأة القرار في تأكيد أنها مجرد غصة عابرة مست هوية الحزب , وخلفت نكوصا وتراجعا أفقد الحزب مكانته ووقاره في الساحة السياسية ومبادراته الاجتماعية ومطالبه الديمقراطية وأخرجته من طبيعته المنحازة للشعب , المعانقة لأحلام التغيير ؟ واليوم وها قد ظهرت ملامح التغيير , كنتاج لتضحيات الأحزاب الشريفة المناضاة في زمن كان القمع سيد الموقف , فإن الأمانة الملقاة على عاتقكم وأنتم مكلفون بقيادة الحزب , تفرض عليكم الكف عن التشبث بالأوهام وشرب نخب المجد الوهمي الذي منح بعضكم – في تسابق إسهالي – امتياز الاستوزار بالانبطاح والاستدارة 180 درجة , فأنساكم سيطرة الذئاب وهي توجه وتدعم سبايا سياستهم وتعكر صفو الرافد النضالي في الواجهة النقابية والشبابية التي تتخبط في متاهة البحث عن مخرج من العتمة والانتظارية
فإلى متى هذه الحال ؟ ألم تلهمكم ذكرى 25 يناير 1959 في شيء وقد ألهمت شباب مصر – حتى ولو بالصدفة – القيام بثورة التغيير , وألهمت شباب 20 يبراير تلك الحماسة التي افتقدناها بعد أن زرعنا بذورها في الشباب الواعد . وأنتم صرتم لا تستطيعون للتغيير سبيلا , ولم تستطيعوا حتى إنتاج التغيير الداخلي ومعاقبة شياطين الحزب من بينكم بما يستحقونه تنظيميا ولو في لحظة محاسبتهم التي جاد بها النضال في المحطات الأخيرة
إني بتواضع المناضل الجريء , أريدها نهضة تنبثق من رحم المناضلين الشرفاء , شبابهم وشيوخهم الأوفياء ممن يضحون - رغم تقدمهم في السن - كالشهداء الأحياء , المتطلعين لنمط تنظيم جديد يضعف قيمة الترميز ويعطي للكارزما دلالة الفعل الجماعي الصادق دون استفزاز ولا استدراج , ولكن بصبر وإصرار على الإصلاح
إني لا أريد حزبا كسير النفس دليلا , وتحية مملوءة بإحساس مناضل يحمل هم الحزب ويبقى مستعدا للانخراط في الإصلاح العاجل لأنه المدخل لكل إصلاح في هذا الوطن فلا يمكن أن نتصور سياسة وإصلاحا – مهما كانت عميقة وشاملة – تحقق مراميها بدون حزب قوي وفاعل . وهذه الفعالية والقوة تبقى بيد مناضليه الأوفياء شبابا وشيبا . وأكتفي بهذا الجزء من حرية التعبير فلعله يعكس جزءا من المؤشر الانطباعي للحقيقة القاسية
ف
اس . محمد التهامي بنيس