المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل الأزمة داخل "الأفلان" صراع رؤوس أم صراع مبادئ..؟



علجية عيش
03/08/2011, 01:19 PM
حزب جبهة التحرير الوطني يبحث عن حُرَّاسِهِ.. وبلخادم مطالب بأن يستمع إلى نبض الجميع

( جبهة التحرير الوطني بين المساومة و المواجهة)


هل آن الأوان لوضع حزب جبهة التحرير الوطني في متحف المجاهد طالما البعض يطالب برحيل جيل نوفمبر و يقول أن دوره انتهي لاسيما و الوضع داخل الأفلان وصل حد التعفن إلى درجة الشتم و القذف و التنابز بالألقاب على صفحات الجرائد و الاعتداء بالسلاح الأبيض في الشارع، و أصبحت شريعة الغاب و قوانين اللصوص و قطاع الطرق تمارس داخل الحزب؟ فالصراع بين التقويميين و بلخادم عرّ الحزب من ثوبه الثوري و ماضيه التاريخي و أصبح مثله مثل الأحزاب الناشئة التي ما تزال تبحث عن قاموس الحزب تتعلم منه قواعد اللغة النضالية و ثقافة الخطاب السياسي


الوضع داخل الأفلان وصل حد التعفن من القمة إلى القاعدة التي تغرق هي الأخرى في مشاكلها عبر القسمات و المحافظات التي ما تزال بعضها مغلقة ، و كانت تعليقان القيادة السياسية للحزب لا تخرج عن القول أن ما يحدث داخل الأفلان لا يعدو أن يكون ظاهرة صحية، إلى حين بدأت الأمور تنكشف للعيان بعد الخرجات الإعلامية لأعضاء من اللجنة المركزية و وزراء لهم وزنهم داخل الحزب و تشكيل هياكل موازية لها عبر ولايات الوطن، كذلك خروج المناضلين من كلا الجناحين إلى الشارع في كل جمعية عامة انتخابية أو في تجمع للأمين العام حاملين العصي و الهراوات أمام مرأى الأمن و الجماهير التي أصبحت تعلق بـالقول: ( الأفلان كولا le fln est coulé).

الصراع بين التقويميين و بلخادم عرّ الحزب من ثوبه الثوري و ماضيه التاريخي و أصبح مثله مثل الأحزاب الناشئة التي ما تزال تبحث عن قاموس سياسي تتعلم منه قواعد اللغة النضالية، وإن كانت الأحزاب السياسية في الجزائر كما في البلدان الأخرى لا تخلوا من صراعات، غير أن الصراع الواقع حاليا داخل حزب جبهة التحرير الوطني عرف الكثير من الإنزلاقات التي يمكن وصفها بالخطيرة، و أصبح الأمر يتطلب تدخل طرف ثالث لفصل النزاع القائم بين التقويمية و القيادة الحالية وهذا يشترط بعض التنازلات للخروج من الأزمة أو تنازل أحد الأطراف حتى تسير المركب إلى بر الأمان.

وإن مشينا مع الطرح القائل أن الصراع هو صراع الرؤوس الكبيرة من أجل التموقع في المناصب كما يروج لها البعض أليس من الواجب أن يتنازل أحد الطرفين للآخر لفض النزاع القائم، و كما تقول العادات و الأعراف أن احترام الكبير واجب، فقد كان لزاما على عبد العزيز بلخادم أن يتنازل بعض الشيء، و ماذا يضره لو كشف عن قائمة الأسماء التي طالبت بها حركة التقويم و التأصيل، والتي تقول أنها غير شرعية في اللجنة المركزية؟ عندما تم الإعلان عنها في المؤتمر التاسع و الطريقة التي تم وفقها الاختيار، في إشارة أن بلخادم ضلل منافسيه و نصب حاشيته أي أعضاء من منطقته، وهذا ما جعل موجة العداء تتصاعد..

والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا يضر لو سلم جيل نوفمبر "المشعل" للشباب حتى تكون الإستمرارية؟ المشكل أنه لا أحد من هذه الأطراف بادر بالتنازل للآخر، لأن التنازل يسقط لا محالة امتيازات كثيرة لا يمكن الاستغناء عنها، و للإشارة هنا أن التنازل عن بعض الحقوق للآخر لا يعني التنازل عن المبادئ و المفاهيم المقدسة، و ربما هي الأسباب التي دفعت بالمنسق الوطني لحركة التقويم و التأصيل و من تبعه، التحرك و الخروج عن صفوف الحزب، لأن الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم في رأيهم استحوذ على الحزب و أصبح يتصرف فيه على هواه منذ المؤتمر التاسع من خلال تنصيبه أعضاء غير شرعيين في اللجنة المركزية، فضلا عن أنه تطاول على رموز الثورة عندما طالب برحيل جيل نوفمبر( الثورة)، وقال أن دوره انتهى، لاسيما و الإعلان عن الاستغناء عن جيل الثورة جاء في وقت لا يزال فيه رئيس الجمهورية و باعتباره أحد رموزها، يمارس مهامه في إطار الدستور، ما جعل البعض و هم من الأسماء الثقيلة ينقلبون عليه، و في مقدمتهم المجاهد صالح قوجيل.

ما كان على بلخادم أن يصرح بمثل هذه القرارات و هو الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، و ربما هذه الضربة القوية في صدر بوتفليقة هي التي أثارت غضب الرعيل الأول من زملاء الكفاح، الصراع هنا يبدو صراعا من أجل الحفاظ على مكتسبات الجبهة وماضيها الثوري و التاريخي أي انه صراع "مبادئ" لتطهيرها من الدخلاء ونبذ الصراعات الفئوية و الجهوية، و إعادة لها الصورة التي رسمت لها في وقت من الأوقات التي يمكن وصفها بالذهبية، و ربما إعلان بلخادم عن رحيل هذا الجيل كان من باب التخوف من المستقبل، لأن رغبته الترشح للرئاسيات المقبلة، و هو الأمر الذي كان موضع تساؤل الجميع كيف يكون بلخادم الأول منن دعا رئيس الجمهورية إلى الترشح لعهدة رابعة، ثم يتراجع عن مواقفه و يقول أمام الكاميرا في التلفزيون أن الحديث عن هذا الموضوع سابق لأوانه ، و هذا الطموح جعله يسير في النهج الذي سار عليه علي بن فليس و يعيد سيناريو 2004 ، و لكن طموح الرجل كان مكشوفا للعيان.


خطاب بلخادم كان عنيفا جدا..


خطاب بلخادم كان عنيفا جدا، و خال من روح المسؤولية ،هكذا رددت القواعد النضالية لحزب جبهة التحرير الوطني، و أن الأمر فلت من يديه، من خلال تصريحاته القاسية التيس اتسمت بالعداوة للمناضلين و رموز الثورة، من خلال العناوين التي خرجت بها وسائل ألإعلام ( لا صلح بعد اليوم و التقويمية لا حدث، بلخادم يعلن طي ملف التقويمية نهائيا و يتوعد بالمحاسبة، و تقابلها عناوين أخرى بعنوان بلخادم كذاب و لن نترشح في قوائم أحزاب أخرى)، في رد التقويميين على عندما صرح بأن قوجيل قال له ( سنترشح في قوائم موزاية أو في قوائم أحزاب أخرى)، وكان رد بلخادم بأن معاملتهم ستكون بعدم منحهم أكثر من حجمهم، و لو أن التصريح خطير طبعا، لأنه لا يعقل أن يكون رجل في وزن صالح قوجيل أو بوحارة أو أي شخص كان في هذا الوزن لهم غيرة على الأفلان و يحبونه إلى درجة التقديس و العبودية يرضون الخروج عن صفوفه و الترشح مع أحزاب أخرى.

كما أن الخطاب غلب عليه طابع الاستفزاز لجيل الثورة، لاسيما و الخطاب جاء قبيل أيام من احتفال الجزائر بذكرى مؤتمر الصومام المصادف لـ: 20 أوت 55 ، و السؤال الذي يمكن أن نطرحه في هذا المضمار ماذا يبقى من جبهة التحرير الوطني إذا غابت قيادتها الروحية؟، بل حراسها الحقيقيين، لا يهم الأمر في معرفة من هو الصادق و من هو الكاذب بقدر ما يهم بأن الوضع داخل الحزب مهدد بوقوع كارثة حزبية ستحل بالأفلان قبل الانتخابات التشريعية، و هذه الكارثة ستكون فرصة لأعداء الحزب و منافسيه للاستثمار من صراعاته و استغلالها لصالحهم.


من أراد النضال في الأفلان فعليه بالفايسبوك

هل يمكن فعلا القول أن الأمر فلت من يد بلخادم بعدما أغلقت القسمات أبوابها في وجه مناضليها و لجأ هؤلاء إلى "الفايسبوك" لإيصال أصواتهم إلى الأمين العام للحزب يخاطبونه بالتريث و إعادة النظر في كل الحسابات، و أن لا يستمع بأذن واحدة أو يرى بعينه اليمنى فقط، بل يستعمل الاثنين معا، و أن يستمع إلى نبض الجميع، فالرسائل كانت عديدة التي بعث بها المناضلون في الحزب وحتى المقصيين منه عبر صفحته في الفايسبوك تدعوه إلى الحكمة و التعقل لأن تحطيم الحزب يفتح المنفذ الواسع للمطالبين بالتخلص من الجبهة ، فقد جاء في تعليق أحدهم في صفحة بلخادم على الفايسبوك كما يلي: ( هناك بعض المشاكل و هذه سمة كل الأحزاب الكبيرة في العالم ، لكن لا يصل الأمر حد الفوضى، ألا يكفي التصحيحيين و التقويميين و الصحوة) ويقول: (كلنا مناضلين، فلنتواصل إذا و نتحاور ، هذا هو أقصر و أجدر طريق ، لا للمزيد من الانشقاق و في مصلحة من ؟ فجميع المناوئون لكم و لجبهتكم ينتظروا هذه الفرصة منذ زمن )، و يضيف قائلا: ( الجبهة أمانة في أعناقنا ضحى لأجلها أبطال و سالت لإستمراريتها دماء ، فلا نهدرها بتصرفات غير محسوبة ، و نقرأ في المقابل ما يعلق على صفحة حركة التقويم و التأصيل التي وضع صاحبها صورة المجاهد صالح قوجيل.

وعلى غرار صفحات أخرى تحمل أسماء قسمات الأفلان ومحافظاتها ، و أخرى لرؤساء جمهورية سابقون ( هواري بومدين، بن بلة ) و رؤساء أحزاب ( جاب الله، أبو جرة و أويحي) و شهداء الثورة و رؤساء حكومات سابقة تحمل صور أصحابها، فالمتصفحون لمواقع الإنترنت و الذين كان لهم لقاءً مع الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم عبر "الفايسبوك" أجمعوا أن بلخادم يتواصل بالفعل مع مناضليه عبر هذا الفضاء ( face book)، و أنه قد تلقى منهم رسائل عديدة و شكاوي ووعدهم بحلها، و أصبحوا يستشيرونه في الكثير من القضايا بعيدا عن هياكل الحزب التي ما يزال معظمها مغلقا و غير منصبة.


جبهة التحرير الوطني بين المساومة و المواجهة

هل يمكن أن تعيش الجزائر و الأحزاب من دون جبهة التحرير؟، ربما هو سؤال وجيه يحتاج إلى استفتاء شعبي ثم سياسي أي تشترك فيه الأحزاب السياسية فقط، طبعا الإجابة بنعم هي مؤامرة على الثورة و على الثوابت الوطنية، ليس على أساس أن جبهة التحرير الوطني حامل للثورة، بل لأن مصالح كثير تجعل من حزب جبهة التحرير الوطني ضروري وجوده في الساحة السياسية، فمن جهة لت يمكن لحزبي التحالف ( الأرندي و حمس) الذهاب في هذا الاتجاه لأن مصالح عديدة تجمع بينهم، و من جهة الأحزاب الأخرى فهي صغيرة و لا يمكنها إيجاد الحلول للمشاكل المطروحة أو وضع منهجية للنهوض بالبلاد، و ذلك للتجربة التي مر بها الحزب العتيد و التي اكتسبها منذ سنوات من الاستعمار إلى اليوم بفضل رجالاته و قياداته الروحية التي لا يمكن بأي حال من ألأحوال الاستغناء عنها طالما هي على قيد الحياة، و هي النقطة التي غابت عن ذهن الأمين العام الوطني للحزب ، و هو أن الدعوة إلى رحيل جيل الثورة يعني أمور كثيرة ، و أن أول من يطبق عليه هذه القرار هو رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة باعتباره من هذا الجيل، بلخادم بهذه الصورة يكون قد انتهج الخط الذي سار عليه علي بن فليس الذي كان هو الآخر اليد اليمنى للرئيس بوتفليقة، و من جهة أخرى أن المطالبة برحيل جيل الثورة، يعني طي صفحة تاريخية طويلة من مسار الثورة الجزائرية و هذا يدعو أيضا إلى إعادة النظر في النشيد الوطني الذي قيل فيه ما قيل ، كذل التراجع عن مطالبة فرنسا بالاعتذار و التراجع كذلك عن المصادقة عن قانون تجريم الاستعمار الذي ما يزال مجمدا على طاولة البرلمان.

ما يحدث حاليا راجع إلى غياب المرونة و جمود البنية الفكرية و التنظيمية داخل الحزب الذي لا يدعو أعضاؤها الى الصلح بين الطرفين ، بل صب الزيت على النار لإقصاء التقويميين و فصلهم عن الحزب و هذا لمصالح ضيقة و هو البقاء في المناصب و الإستحواذ على مكتسباته.