المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرار ام الفرار (شجرة اللوز)



الهام بدوي
18/02/2012, 07:19 PM
القرار أم الفرا ر
كانت السيارة تنهب الطريق الأسفلتي وتبتلع نلك المسافات والطرق العتيقة، كغول خرج من كتاب قديم لعجوز في أقصى قرية جبلية، تعانق سقف السماء ،كانت لمى تنظر للطريق بعيون تحمل العزم والإصرار ،لم تشعر بالخوف أبدا من عيون جنود اليهود وهي تبحلق بهم مستغربة ،فجميع أفراد الأسرة لا يملكون لم شمل ،ولكن تلك الأرواق التي جهزتها صديقتها بمساعدة والدها اللواء ،كانت تبعث الطمأنينة في قلب لمى ،كانت أيدي أخوتها الصغار الخمسة تتشبت بثوب أمها العتيق الذي تفوح منه رائحة خبز الطابون وحصاد الزيتون، رغم أنها بنت مدينة نابلس مدينة النار والثوار ،تلك المدينة الموغلة بالحضارة منذ أيام الفراعنة والرومان وكيف لا وهي بلاد الكنعانيين وورد ذكرها في أقدم الكتب السماوية التوراة والإنجيل وعليها وفيها ولد عيسى المسيح الفلسطيني إن شئت الدقة في التعبير، فهي بنت الحضر فكيف تنبعث من ثيابها رائحة خشب الحور الذي تحرقه من أجل أن تخبز عليه أٌقراص الخبز الذي قامت بعجنه ليلا من أجل أن يختمر ، وجمعت له أغصان الشجر الجاف بيديها العاريتين ، فكم نزفت دما ون أن تشعر، تلك التي كانت تتفنن في وضع مساحيق التجميل وألوان الطلاء على هذه الأظافر الطويلة الرشيقة الرائعة ،التي كانت محط إعجاب نساء نابلس،صارت مقصفة قصيرة مليئة بالتغضنات العميقة وكأنها أيدي إمرأة بالسبعين ،رغم أن عمرها لا يزال مقبلا على الثلاثين ،وتنبعث من طيات شعر اطفال الأسرة الهاربة الأشقر المسترسل رائحة تلك البيوت الطينية العتيقة التي عشعشت فيهم من قريتهم الحصن، النائمة على سفح تلك الجبال الخضراء او الجرداء بشمال العاصمة عمان،كانت الحياة في الحصن جميلة رغم قسوتها ،ولكنها في الفترة الأخيرة قررت اغتيال أحلام لمى ، وخنق كل فرحة بريئة تدخل قلبها الطفولي الحالم بغد مشرق ،رغم ظلام الواقع وجبروته، وعصى الوالد أو العجرة التي كان يحملها دوما ،كأنها طفله المدلل، ولم لا؟؟وهي طريقته الوحيدة في التعبير عما يريد،عفوا أقصد في الحصول على ما يريد،عيونها الزرقاء تنظر إلى تراب الطريق بعد عبورهم جسر الحسين متجهين نحو الضفة الغربية ،تستنشق رائحة الحرية مختلطة بذرات تراب فلسطين التي لم تعرفها من قبل، كيف ومن أين جاءت بتلك الشجاعة وذلك القرار بالفرار من الحصن إلى نابلس؟هي نفسها لا تعرف وتظل تسأل ؟؟بدأت سنة النوم تسيطر على تلك الأسرة الهاربة ، فاغتالت خوفهم ،وشلت تفكيرهم ،فناموا كالقتلى من التعب والجوع ،ماعدا لمى، عيناها الزرقاوتان تبرقان بشدة ،وكأن نورا ينبعث منهما لينير طريق الهروب الى نابلس، رحب الخال كثيرا بأخته ،فقد مرت عشر سنوات لم يرها، كبرالأولاد خلالها ،لكن الحزن يسكن بعيون شقيقته. لم يسألها في أول ليلة عن سبب قدومهم ، كانت المفاجاة هي قدومهم ! كيف ؟ولماذا؟
جلست الأسرة الجائعة الخائفة الناعسة بعيون خاوية لا تحمل شيئا سوى دعونا نأكل للنام ، فاكلوا قليلا من ذلك الزعتر الجبلي الغني بحبات السمسم وزيت الزيتون الذهبي المخضر من مزارع وقرى عنبتة وبلعة وغيرها ، تلك القرى التي تنام على ذراع نابلس الحنونة الممتدة في أعماق الأرض ،من كل الجهات ،كبيرتهم لمى لم تأكل سألها خالها عن السبب مستغربا ،فالرحلة طويلة ،ولم تتناول الأسرة خلالها شيئا ،أجابت لمى :أشعر بشبع عجيب !من أين ؟ ولكأنني أكلت خروفا ،أجابت خالها عندما أصر عليها بتناول القليل من مربى الأراصية وحبات الباذنجان الأبيض الثلجي البتيري الذي حشي بحبات الجوز وقطع الفلفل الأحمر القاني وقد تم إغراقه تماما بزيت زيتزن فلسطين المبارك ،ألم يقل الله عز وجل ذلك في سورة الإسراء ! قال لها ذلك خالها مداعبا،ومشجعا لها على الأكل ،ضحكت لمى لأول مرة منذ شهر ،شعرت أن وجنتيها ترفضان الضحك؟؟ ما بك يا وجنتي ؟ماهي إلا دعابة من خال حنون يتلطف،وبدلا من ان تضحك لتسفر عن أسنان ناصعة البياض ، نزلت دموعها بحرارة ،حاولت منع تلك الدموع، خنقها ، القضاء عليها ،وأخيرا تبسم وجهها وأطاعتها وجنتيها ،فرفعت يديها لتمسح آثار تلك الجريمة دموع !!لالالقد عاهدت نفسي أن لا أبكي مهما حصل ، كم تحملت ضربات تلك العجرة البغيضة ولم تذرف دمعة، فلم الآن ؟؟دموع!!.
تناولت الأسرة طعام العشاء، وجلست الأم وقد ازدادت سمرتها بفعل شمس الحصاد ،فكأن وجنتيها رغم جمالهما تبدوان و كأن نارا أحرقتهما ولوحتهما بقسوة الغربة ألم تقل لها أمها عندما تزوجت :يا ابنتي الغربة كربة ، لكنه النصيب أو القدر، لا بل هو ما طلبته هي وأصرت عليه، فجواد رجل عسكري رائع ،يخدم بالجيش الأردني ،إنه عريس ستحسدها عليه قريناتها ، وتم الزواج على عجل ،وحطت رحال العروس صفاء في رحاب الحصن بلد جواد ومسقط رأسه ، لا بأس ما دمنا معا ، فوداعها لنابلس لم يكن مؤثرا ، ما دمت مع جواد فالدنيا كلها معي، هكذا قالت صفاء لنفسها وهي تسافر معه لأول مرة إلى الحصن، فماذا تقول الآن لنفسها عند هروبها منه والعودة لنابلس؟؟ أين الدنيا ياصفاء؟؟تبسمت الأم بألم ،حتى البسمات صارت مؤلمة لا نضحكها إلا لنتوجع؟زنسخر من آلامنا ؟.
في حين كانت بشرة جميع الأولاد تبرق بياضا ناصعا وكأنهم قادمون من غابات أوروبا فقرى شمال الأردن خاصة إلابد معظم سكانها من ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء، ولكن ذلك كله كان يخفي ألما وجوعا وقهرا عارما ،فكلهم قد نالوا نصيبهم من الضرب المبرح ،الذي جعل من بعض أطرافهم ذات ألوأنا بنفسجية أو حمراء مزرقة قانية ،ورغم ذلك ظلت عيون لمى تبرق بلمعان غريب وقوة عجيبة ،قبلت أمها المقهورة، نظرت الأم نحوها مبتسمة ،وذرفت دموعا غزيرة، مسحتها لمى بيديها معترضة: أرجوك أرجوك كفى بكاء ،لا حزن ولا خوف بعدالآن ،هناك مسافات تفصلنا عنه، أجابت الأم: لا زلت خائفة من أن يفتح هذا الباب الحشبي القديم فأرى والدك بقامته المديدة وبيديه تلك العصى ذات الرأس الكبير(العجرة) لتنهال علينا ولنأخذ نصيبنا منه ،ردت قائلة دعك من ذلك ونامي أنت في نابلس.
أشرقت شمس شهر كامل على لمى ،بدأت المدارس بدخول شهر أيلول ،وبدأت السماء تحمل غيوما ومطرا عذبا اشتاقت له الأرض كثيرا، نسائم الخريف الباردة تحرق قلبها وتشعل النيران فيه فيحترق كأوراق عريشة العنب البناتي الأخضر الذيذ ،ذهب أولاد نابلس وأولاد خالها للمدرسة، وهي وأخواتها وإخوانها جالسون بالمنزل،نظرت إلى تلاميذ المدارس بعيون حائرة وهم يحملون حقائبهم مسرعين الخطى نحو الحلم ،نحو المدرسة التي تعشق، كيف لا؟؟ وهي الأولى على محافظة إربد بالمرحلة الابتدائية والمتوسطة،وهي الطالبة المتفوقة النجيبة التي تنال دائما إعجاب الأساتذة والمعلمات، تبعتهم بنظرات حزينة مثل سماء أيلول وهي جالسة في المنزل، فلا إقامة لديهم أو تصريح بالدراسة ! فما العمل ؟هل نترك دراستنا مقابل الأمن والأمان ؟أم نعود لإربد من أجل التعليم الذ ي تعشق؟ رد الخال حزينا :حبيبتي عودي من فرارك، لا مكان لك هنا ولا مدرسة.
لقد صارت الأم غريبة في وطنها وغريبة في أربد، ونحن صرنا معك أغربا ،بنابلس غربة بأوراق رسمية ، وفي إربد غربة بتوقيع عجرة الأب القاسي المرفوعة دوما لتنهال عليهم ،نظرت حزينة لأمها التي قامت بتسليم لمى زمام القيادة، إفعلي ما شئت يا حبيبتي فأنا أثق بحكمتك وحبك ، تلك عبارة الأم التي تقولها دوما ، فتعزز من ثقة لمى ، ولكنها تزيد من عمرها سنوات طوال لم تعشها ،قالت لمى لنفسها وهي تمسح دموع والدتها: يا لغربتك الطويلة يا أمي ،وها أنت رغم ضعفك تحملين ستة أطفال تحاولين عبثا زرع الأمن في قلوبهم ،ولكن من أين ؟ وكيف؟ وهل استطع أنا ان أفعل ذلك؟؟، وأنا التي لا أعرف إلا الخوف والبكاء ودموع ليال الشتاء القاسية في الحصن تحرق وجنتي،وكأن ذلك الغول المترصد بالطريق اهتدى لمنزل خالهم فاتحا فاهه الكبير البشع وأسنانه السوداء النتنة قائلا لهم :عودوا ،هيا عودوا ، فلا مكان لكم في موطن أمكم ،الضائع ، فهو كالحلم المستحيل، عودوا لغربتكم أو لموطنكم ،لأول مرة شعرت لمى بقوة غريبة سخرت من ذلك الغول ولم تهتم لأمره ،تبا لك، يا لك من غول تافه ،تعيش على آلام الآخرين وتقتات على دموعهم وتتغذى على أحلامهم الميتة والتي تحرص على التهامها ، يا آكل الجيف النتنة والأحلام المقهورة لن تنال عشاءك عندي فلا طعام لك ولا شراب ،وفي لحظة وجع عميق سألت لمى نفسها :أين الوطن ؟لست أدري؟؟ لكني أريد العلم ، اهي لحظة انعتاق وحرية أم لحظة انتصار على ذلك الغول المتربص بهم والراصد لحركاتهم ؟.
عزمت أمرها بالعودة ،بعيون مليئة بقرار رهيب رغم سنواتها الخامسة عشر لقد كبرت عشرين سنة في نابلس ، في شهر، في فرار!!
كان طريق العودة مزدحما بسيارت تحمل ركابا من شباب الضفة وغزة يجملون شهادات جامعية أو مهن حرفية ،ويحملون في صدورهم أحلاما كبيرة متجهين بعيونهم نحو الخليج ,الكويت،قطر، السعودية، الإمارات وو،حيث بلاد الصحراء جالبة الأحلام محققة الآمال، الفرحة تطغى على الخوف لديهم ،بعيون تحمل إصرارا :سنقبر الفقر ونبني البيوت ونعمر الدار ، سنعمل بالخليج ونبعد عن الحبيب لنعود بالمال ونجودعلى الأهل والأحباب، لن ننسى فلسطين ،فدمنا فلسطيني كنعاني قديم عتيق من قدم مدينة أريحا أقدم مدينة عرفها التاريخ، تزود معظم الركاب بعلب من التنك أو البلاستيك أو الزجاج ،تحمل كرات اللبنة وزيت الزيتون وحبات المكدوس و غيره، تفوح من ثيابهم رائحة التراب الطاهر وحقول القمح وأشجار الزيتون وعرائش العنب ،خيرات وخيرات ، أداروا لهم ظهورهم ،لأنها خيرات قاسية، لها سياط مؤلمة وفعلا( لو كان الفقر رجلا لقتلته) لقد عمل اليهود كل ما في وسعهم من أجل تضييق العيش عليهم؟؟فلا يستطيعوا حفر بئر ماء من أجل الشرب أو ري الشجر !!مع أنهم لو حفروا مترا لخرج الماء عذبا كما معظم مدن الشام ،فهناك شقيقتهم بيروت كل عمارة تنام على بئر ماء يوفر لها ما يلزمها من الماء الضروري للغسل ولأمور الحياة، ولكن هنا ممنوع وإلا السجن ومصادرة البستان ،فإما الموت عطشا أو الموت جوعا ، وتلك سياسة طويلة النفس لدى اليهود ، ولكن ، (على من تقرأ مزاميرك يا داوود) (إن فيها قوما جبارين) .
كانت لمى تجول بنظرها في عيون الركاب والمسافرين، كلما حطت رحالهم عند نقطة تفتيش فتقول لنفسها :لن تكونوا أقوى مني أبدا!!
بينما تغرق عيون أسرتها بحزن شديد ،وكأن ذلك الغول الجبلي يترصدهم بفمه الكبير ولا هم له غيرهم ،وكأن تلك الحكايات القديمة عن رحلاته ضربا من الكذب، فلا يوجد في عقليته إلا نحن .
حطت رحالهم عائدين لمنزلهم القروي في الحصن ،سمع بذلك جارهم سامر، الذي كان يرقب منزلهم يوميا ، حائرا وحزينا ، هل يعودوا فتضيع لمى وأضيع انا ؟ أم يظلوا هناك في البعيد بجبل نابلس فأضيع أنا وتضيع هي؟،(لقد كررت نفس الجملة) هذه هي عبارات سامر التي يقولها كل ليلة داعيا الله بعودتهم ، وفعلا استجاب الله ذلك الدعاء الطاهر، وهاهي لمى وأسرتها وقد صدرت أصواتهم من منزلهم بعد أن دبت به الحياة ،ليس في منزلهم فقط ؟ بل في قلبي أيضا ،شعر أن الدماء جرت بقوة داخل جسمه حتى وصلت دماغه ورأسه فبدأت تظهر حرارة فيه ما مصدرها ؟وليالي أيلول الباردة تقهر النار والجمر ؟
أخبر أمه طالبا منها أرسال بعض الطعام لهم ،حمله بيديه، طرقت الأم الباب ،كان لقاء حزينا ،عيناه ترقبان ذلك النور الذي يتسلل بخجل من شق الباب المتواري، يا لخجل القرى الفطري ،حتى نور كهربائهم خجول، رغم وقاحة وقسوة ليلهم الطويل البارد، وريحه التي تقصف قصفا، لتدخل هبات البرد القاسية عظامهم فتسحقها لتبحث كالمجنونة عن بعض الدفء الغالي، فما اقسى شهور الخريف والشتاء على الفقير .
يخرج ذلك الضوء العذب من الباب ،لعل ذلك الضوء يحمل ظلها ،هيا يا لمى تعالي أين أنت ؟؟وضعت لمى حجابها بسرعةقبل أن تتوجه لفتح الباب، دق قلبه بعنف، تفضلي عشاء ليلتكم قالتها الجارة ،وقدم الطعام سامر بدون أن يرفع عينيه العطشى والمشتاقة عن الأرض .
جاء الصبح مسرعا فاضحا، لينشر خبر عودتهم، كعادتها عصافير تلك القرى النائمة بلسانها الثرثار الطويل قامت بالمهمة ،حتى تلك السحالي تبرق عيونها المتطفلة ،تريد أن تعرف ما الذي حدث ؟وتتحرك مسرعة نحو حديقة الجيران حاملة أخبار تلك البيوت المستورة بظلمة الليل وضياء الصبر والتصبر ،جاء الأب مسرعا غاضبا ،لينهال على أفراد الأسرة بالضرب الشديد تطاير الدم من فم الأم عندما وجه لها ضربة قوية أصابتها في بطنها الضامر فكأنه اصاب حتى عظام ظهرها وسحقها ،لمى وضعت يديها على وجنتيها الملطومتين فسقطت ربطة شعرهابعيدا وتطاير رذاذ من فمها ،أكمل مهمة ضرب العائلة حتى صغيرهم، ناله التعب ،جلس ،هل هو غول الطريق وقد كشف عن قناعه البشع ؟ايهما أبشع وجهه في الطريق أم وجهه في منزلنا؟؟.
قامت الأم الجريحة تمسح دمائها وتربط قطعة من القماش على بطنها لتمنع سياط الألم من التفجير، أمرها صارخا :أحضري الطعام .
أخرجت من تلك الحقيبة القماشية حبات المكدوس ومربى التين وكور اللبنة الذيذة ،تناولها كغول الطريق تماما لقد صارت تعرفه جيدا مهما تنكر،كان يأكل بسرعة ولقمات الطعام التي يدخلها فمه تهوي كقطع من الحجارة تسقط لتكمل بناء ذلك السد الجبار الذي يعمل على خنقهم وحصارهم ،يأكل أمام عيون أطفال أنهكها الضرب والتعب ،نظر إلى لمى قائلا: غدا نذهب للمحكمة لعقد القران، نظرت إليها أمها حزينة ،خنقت دمعتها، أشارت لها برأسها المربوط ،أرجوك وافقي من أجل أخوتك ،من أجلي .
كيف يكون أمر الذبح والإعدام بعيون أم محبة وبلا كلام ،حتى تلك النظرات الآمرة الناهية ،أمرتها بالموت ونهتها عن المقاومة، ردت بعيون ميتة مذبوحة وبنفس اللغة المقهورة المضروبة ، التي ملت من الذل والضرب :لا تقلقي سأذهب .
أضاف الأب: سأكتب كتابي على فاطمة وأنت تتزوجين من أخيها محسن .

الهام بدوي
19/04/2012, 09:11 AM
الجزء الثاني ... على حافة الهاوية...
وليل كموج البحرأرخى سدوله:::::::::::::: علي بأنواع الهموم ليبتل

فقلت له لما تمطى بجزعه ::::::::::::::::::::::وأردف أعجازا وناء بكلكل

ألا أيها الليل الطويل ألا انجل::::::::::::::::::::: بصبح وما الإصباح منك بأمثل

هل كان امرؤ القيس يتكلم عني في هذه المعلقة الشهيرة ؟؟ما أدراه بحالي ؟؟أم هي الهموم والحياة توأمان لا ينفصلان ؟ألم يقل الله عز وجل في كتابه الكريم (لقد خلقنا الإنسان في كبد) أهو الكبد الذي قدر علينا كلنا ،؟وأنا في هذه السن ؟الخامسة عشر؟ هل الزواج نعمة أم نقمة؟؟حلم أم كابوس؟؟أسئلة كثيرة دارت في رأس لمى وهي تضعه على المخدة الصوفية، وتلتحف بذلك اللحاف الناصع البياص ،والذي تحرص أمها على غسله عدة مرات بالعام ،كيف لا وهي التي تعشق النظافة والترتيب، كانت تشعر برائحة الموت تحيط بها،أيوجد للموت رائحة ،طعم ؟إني أتذوقه الآن ،أرتشفه ارتشافا ،بل أتجرعه، هل هو شراب يشرب أم طعام يؤكل؟؟ ما الموت وما الحياة؟ صنوان متساويان !وجهان لعملة واحدة!

شعرت لمى أن ساعتها بعقاربها المضيئة، تسخر منها، هي لا تتحرك، الوقت لا يمر، ومع ذلك يمضي الليل سريعا ولم يبق على الموعد المرتقب إلا سويعات معدودة ،بعد سبع ساعات سأكون شخصا آخر، ليحقق حلما لشخص آخر؟؟ محيرة هذه الحياة !

ظلت ترقب عقارب الساعة بلسانها الطويل الوقح وهوينتقل من رقم لرقم ،متشقلبا بكل رشاقة ،ساخرا منها قائلا :لن تهربي مني ؟؟وأين المفر أيتها الجميلة ؟ سيتعانق عقرباي عند الموعد ،ولن تستطيعي الفرار هذه المرة ،والصبح أوشك على الوصول! زمت شفتيها قائلة :نعم أيتها الساعة الوقحة ،أليس الصبح بقريب ،ما أن صارت الساعة الرابعة فجرا ،حتى عزمت أمرها ،رفعت غطاء اللحاف، لبست حذائها كما عودتها والدتها تماما ،إياك والمشي حافية القدمين إنه شؤم يجلب الفقر! يا لآرائك يا أمي ،شؤم؟حسنا ،سألبس الحذاء، لأبعد الشؤم ،غسلت وجهها ،ماء الشتاء بارد كالعادة، لم تشعر ببرودته ،نظفت أسنانها ،حرصت جيدا هذه المرة ،قالت لنفسها :ولم لا ألست عروس ؟ عادت لغرفتها ،ارتدت ملابسها ،أغلقت أزرار جلبابها بإحكام،مشطت شعرها جيدا، ربطته هذه المرة بربطة قوية ،لن تفلتي يا ربطتي هذه المرة ،وضعت حجابها، يجب أن أكون أنيقة ،شعرت أن جسدها يتضاءل بشكل مستمر، شعرت أن روحها تحلق بعيدا وتنظر إليها قائلة: لا علاقة لي بك يا لمى ،نظرت لروحها البعيدة بدت بعيدة جدا ،الغرفة كبيرة جدا، والجدارن كذلك، منزلهم،حيهم، كل شيء كبير، عملاق، ،وهي الوحيدة الصغيرة هنا، حتى جسدها صغير جدا،وجدت نفسها متثبة بذلك الجسد الصغير المنهك وتقول: ،شعور غريب ،روح، جسد، ونفس، نحن ثلاثة،لماذا تخلت عني روحي ؟أين ذهبت؟كيف تتركني ؟ الروح لا تغادر إلا عند الموت!انا لم أمت بعد، هل مت؟؟لا !أشعر بأنفاسي تحرق رئتي، حسنا لم؟؟لم تخلت عني روحي ؟؟، طوال حياتي و أنا قوية وكبيرة لم الآن صغيرة و قزمة ؟،ألأن روحي غادرتني؟، تعالي ياروحي،، ترفض العودة، أشعر بها تسخر مني ،قائلة:جسدك الضعيف ونفسك المستسلمة لا تناسبني ؟حسنا لك ما شئت ردت بإصرار ،أنا الآن جسد متهالك وأشعر أن عقلي خارج جسدي ؟عقلي ،روحي،لا أعرف !

غادرت الغرفة ،فتحت الباب بهدوء شديد ،لا تريد أن يشعرأحد بخروجها ،بينما كانت تغلق الباب ،دق قلبها بقوة ،هل صرت أخاف حتى من صرير بابنا العتيق ؟ خرجت للشارع ،هواء الشتاء البارد يلفح وجهها بقسوة ،لم تهتم ،شعرت ،أن نارا تصعد لوجهها ؟ذرفت عيونها دموعا متوالية، مسحتها بسرعة ؟ظلت تمشي بطرق الحي ،وابتعدت عن منزلهم ،صارت بعيدة جدا، ظلت تمشي، لم تشعر بخوف أبدا ،ها أنذا ا قوية ،قالت لروحها لا تزال روحها بعيدة عنها ،ترفض الاقتراب منها والاعتراف بها ،حسنا قالت لنفسها: سنمشي كثيرا ،ظلت تمشي حوالي النصف ساعة، لا يوجد بالطريق الترابي أحد ولا حتى كلب ضال ؟ ما الذي حدث ؟هل تخلى العالم كله عني؟؟لم تهتم، ظلت تمشي بين مزارع الزيتون ، والمشمش ، واللوز الأخضر ، كانت رياح الشتاء تحمل في طياتها ذرات الموت تلفح تلك الأشجار الصامدة عبر القرون ، غير الآبهة بما يجري ، تتلقى تلك الرياح بكل هدوء وحكمة؟حسنا هيا اقصفي وارعدي يا رياح الخريف والشتاء ،اكسري ما شئت من أغصاني واقتلي ما استعذبت من أوراقي ،عريني كما يعرى غصن الخيزران ،ليطيب صنعه ، ما بعد الموت إلا الربيع .

شعرت لمى أن تلك الأشجار أقوى منها ، تسخر منها ومن ضعفها، حسنا إني أسمع صوت سخريتك مني ، لا بأس اسخري ما شئت، واقسي ما شئت، فلن تكوني أرحم من أبي وعجرته القاسية ، ولن تكوني أرحم من أمي وعيونها التي أمرتني بقبول الزواج من شخص لم أره في حياتي !

تصعد جبال عالية، وتمشي وتمشي، طرق حفظتها جيدا، لعبت بها كثيرا، جرت فيها بحرية وفرح ، تمشي حتى دون أن، تنظر هل تمشي بضوء قلبها ونفسها ؟روحها ؟لالالالا لقد غادرتني ،إني أراها ،أشعر بها بعيدة عني ،لقد ارتحت منها ؟أم ارتاحت مني؟ سيان عندي.

ظلت تصعد ، وصلت لأرض مستوية، إنه جرف عال جدا، وقفت هناك نظرت إلى الأسفل، كانت تباشير الفجر قد بدأت تظهر،خيوط خجلة ظهرت خائفة ،هل هي خائفة علي ؟يا لليل الشتاء الطويل، يا لفجر الشتاء الخجول، والنجوم تبرق في السماء العالية، عجبا يا لصفاء السماء في هذا الوقت ،أيتها السماء كم أنت لطيفة وحنونة، هذه سحبك المليئة بالمزن والثقيلة بالخيرات ولت بعيدة مسرعة ،لتريني طريقي،ضحكت بسخرية ، حسنا ،هل تساعديني لأبصر طريق نهايتي؟أم لأضع حدا لأحزاني؟ نظرت جيدا لأسفل الوادي ،على ضوء تلك النجوم ،وخطوط الفجر الخجولة، كان المنظر مخيفا ،واديا عميقا جدا، وقفت ،أخذت نفسا عميقا ،كأنها تتزود بالاكسجين ،ظلت تتنفس بعمق وبصوت مسموع ،هه هه هه ، ثم ماذا علي أن أفعل؟ أحرك أقدامي علي أن أتقدم لأرمي بنفسي في هذا الوادي ،هذا التابوت، لن أسلمك نفسي يا أبي ،لن أجعلك تدمرني بيدك كما دمرت أمي، هذا الوادي السحيق أرحم منك ،بينما هي تحاول التقدم، وجدت أنها تتراجع للوراء ! ما بي ؟شعرت أن روحها عادت بسرعة، وسكنت مجددا جسدها ،ما هذا لم عدت أيتها الروح هيا اذهبي ؟لالالالا لن أذهب، تمسكت روحها بها جيدا، تشعر بها، تسحبها للخلف ،تحاول التقدم بلا فائدة ،حسنا لقد تخليت عني في المنزل وطوال الطريق ،لم عدت ؟تتراجع بجسدها للوراء بحركة لاإرادية ،يا الهي ساعدني،

تسمع صوتا ساخرا ،ساعدني ،الهي، بماذا ؟؟بالاتنحار؟؟ كفى غباء ةوعبثا يا لمى، لالالا لن أتراجع ،قراري نهائي ،سألقي بنفسي في هذا الوادي .

عزمت أمرها ،بدأت تتقدم ، تسحب جسدها سحبا، تجرأقدامها جرا، بثقل شديد، ما هذا الذي ينتابني ؟شعور غريب!فعلا الروح عزيزة ، الآن صرت عزيزة أيتها الروح ؟ألم تتخلي عني طوال الطريق، سأرمي بنفسي وستموتين بعدي ، لا مكان لك على الأرض ، رغم اتساعها ، هذا الوادي السحيق هو ما يليق بك ، بدأت بالتقدم ،بالتقدم ، الهواء البارد يلفح وجهها بقوة ,بدأت ترفع يديها ،تريد إغماض عينيها، تريد الموت بهدوء، ودون أن تبصر، اقتربت من الهاوية، شعرت أن أطراف أصابع قدميها في الهواء ، قلبها يدق بعنف شديد ، شعرت أن كل ضيعتها تسمعه، احفض صوتك يا قلبي ، يدق بعنف، يكاد يخرج من صدرها ،يرتفع صدرها بعنف، ويهبط بقوة ،كآلة ضخمة ،رافعة عملاقة ،تعلو به وتهبط، تعلو للسماء آلاف الكيلومترات، وتهوي لأسفل سافلين بقوة ، هل هي الرياح التي تؤرجح قلبي قبل الموت ؟؟ بدأت تتثاقل، تترنح ،سأقفز الآن، الآن ، وفجأة سمعت صوتا ،

لالالالالالمى أرجوك لالالا لاتلقي بنفسك ؟ التفت مذعورة من أنت أيها الصوت الغريب؟ وقف شامخا مثل شجرة سنديان ،صفصافة عتيقة،مثل نخلة عربيةأصيلة حزينة غير عابئة بريح الشتاء القاسية، شامخة الرأس ،ينظر إليها بعينين تقدحان شررا !!







يتبع

الهام بدوي
19/04/2012, 09:20 AM
الجزء الثالث....
يوم آخر

نظرت لمى بخوف شديد للخلف ،دقات قلبها تسارعت بقوة وبعنف، نظرت جيدا ،لم تستطع رؤيته في البداية ،هل فقدت حاسة البصر؟ دققت جيدا ،بدى كعملاق كبير ،تحيط به رياح الشتاء القاسية، التي تعبث بملابسه ، والتي بدت تتحرك بشكل مخيف، فتغطي جزء من وجهه، دققت جيدا ، نظرت بعمق ،كانت تباشير الصباح الشتوي قد بدأت تنتشر بخجل شديد، خيوط الفجر الذهبية تلك ، بدت كنار تحرق وتبدد جو الموت الذي كان يعشعش في ذلك الجبل .

من أنت ؟ وكأنها تتوسل إليه أن يكون رحيما بها ، خافت أن يكون والدها ، لا يريدها أن تلقي بنفسها خوفا على زواجه ، لا يريدها أن تموت إلا بعد أن يحقق حلمه الدموي ،ثم فلتذهب للجحيم ، ،نظرت بخوف ،بقلق ،برجاء ،بيأس من أنت ؟؟ نظرت جيدا إليه،

أوو من سامر؟ بدى كملاك حارس، يقف هناك، عم الهدوء المكان، استكانت دقات قلبها ،هدأت الريح من حولها ،عم دفء الفجر وشمسه الخجولة المحجبة المكان ،شعرت بالسكينة تغشاها ، ماهذا؟ هل يعقل وجود شخص واحد يحدث التغيير الكبير؟ عجيبة نفسك يا لمى.

جاء صوته موغلا من بعيد، وكأنه يناديها بخجل :لالالا أرجوك لمى .

نظرت إليه مرة أخرى ، بحركة لا شعورية تفقدت حجابها ،أزرار جلبابها ،تأكدت أنها مغلقة باحكام ، تشجعت وتجرأت ،كلمته بصوت ثابت وقوي، لكنه كان متلجلجا متقطعا ،رغما عنها حاولت أن تتماسك ،

ما الذي جاء بك ؟ سألته بخوف عارم ، شعرت أن خوفها ما هو إلا شبح شيطاني ، يقفز تارة مبتعدا وتارة مقتربا ،شعرت أن ذلك الشبح الشيطاني ،يقفز فوق قلبها، يتثبت بها بمخالبه البشعة السوداء، يمسك بأضلاع صدرها، متأرجحا، ليزيد من دقاته، يغدق عليه الرعب والخوف والهلع !

ما الذي جاء بك؟؟ صرخت، ما ذا تريد مني يا سامر ؟؟أرجوك ابتعد عني، لا أريد مشاكل أخرى أرجوك .

من كان يصرخ؟؟؟ لمى، لمى الخائفة، التي تريد أي يد تمسك بها لتبعدها عن هوة الموت ؟أم لمى الخائفة من الزواج ؟الهاربة من القرار؟ تريد الانتحار، أي لمى أنت ؟ضاعت !شعرت أن هناك أرواحا عديدة تسكنها تطرد روحا لتسكن أخرى !أي روح أنت ؟؟

رد سامر :مشيرا بيديه :أجوك اهدئي اهدئي، لن أقترب منك، أرجوك ،ابتعدي عن الجرف، وسوف أبتعد .

ردت لمى بخوف: ابتعد ابتعد عن الجرف؟؟

رد بهدوء :نعم أرجوك لمى لا تنتحري لا تقتلي نفسك .

صرخت به :ما أدراك بي؟؟ كيف عرفت بمكاني؟؟ ويلي من والدي إن عرف بأمرك ،ابتعد عني، أريد أن أقتل نفسي ،أنت لا تعرف شيئا ، ابتعد عني أرجوك إذهب بعيدا ، لا أريد ان أراك ، لا أريدك أن تراني ، وأنا ضعيفة !!

رد بتوسل وبصوت هامس، وكأن ذلك الوادي خلا من الحياة ،إلا من صوتين يائسين ،صوت يتوسل يريد الموت رغم خوفه منه ،وصوت يتوسل للموت يريد مزيدا من الحياة ، حتى طيور الفجر التي تبدأ بالزقزقة عند بزوغ أول تباشيره، كأنها لا تزال غافية في ذلك الجبل ، لتمنح هؤلاء اليائسين أملا جديدا ، جاء صوته وكأنه قادم من تلك الهوة القاتلة في أسفل الجرف ، هل يحمل الموت معه تباشير الحياة ، يا لعظمة الموت رغم قسوته ،

لمى أرجوك، أرجوك ،ارحميني ،لا تقتليني أرجوك أرجوك لالالالا ترمي بنفسك لا تقتليني .

انهارت باكية، جلست على الأرض ، لم جئت؟ ما أدراك بحالي؟ أنت لا تعرف شيئا ،أريد الخلاص ،أنت لا تعرف شيئا.

رد بصوت وكانه يهتف أو يهمس :أعرف كل شيء، لا حديث لبلدنا سوى عن أبيك ونزواته ،والنساء اللواتي يحضرهن لمنزلكم طوال مدة سفركم ، كل ليلة إمراة ،وأخيرا عرفنا بأمر خطبته على تلك المراة اللعوب ، قال لوالدي مبشرا ،أن هناك جارة جديدة، وعروس جديدة ستسكن الدار ، ما أن علم بفراركم إلى نابلس من قريب والدتك في عمان ،حتى أعلن خبر الخطوبة وخبر خطوبتك من محسن،قائلا إنه سيعيدك أنت فقط وليذهب الجميع للجحيم .

ردت لمى غير مصدقة ما تسمع ، ماذا أكنت تعرف،،

رد بهمس :نعم أعرف، كم جئت هذا المكان باكيا وحزينا ،صدقيني وقبل خمسة عشر، يوما وقفت في نفس المكان ليلا ،أريد الموت حزنا عليك، وكلما اقنربت من الهاوية ،سمعت صوتك، رأيت وجهك، يصعد من الوادي ،يضيء سماء ليلي ،أراك في ضوء القمر، في لمعة النجوم ،لمى كنت أريد الانتحار، ومنعتني أنت ،بوجهك البعيد الضاحك، وعندما عدتم ،حمدت الله كثيرا أني لم أنتحر ،لأني لو فعلت ،ما رأيتك، لمى، الحياة غالية .ونحن من نرخصها بضعفنا وترددنا ، ويأسنا ، الروح ثمينة جدا ، ونحن من نبخسها قدرها !بعدم صبرنا وثباتنا !

ردت : أوه الروح عزيزة، لا تسلني أرجوك

فجاة هدأ المكان، و كأن رياح تشارين الخريف والشتاء ، قد هدأت قليلا في ذلك الجرف العالي ، وأخذت تهب رياح هادئة ، تحمل بعض دفء التشارين المتقلبة بين البرد القارص أو دافئة مثل شمس ضحاها الخجولة ، هل هي رحمة من الله، أوه يا تشارين وكوانين الخريف والشتاء، كم أنت قاسية ومليئة بالعطف والحنان .

أخيرا تكلم سامر بتوسل :نعم الروح عزيزة ،وهناك أمل أرجوك ،كان أمل عودتك شبه مستحيل، كنا نسخر من والدك وهو يتوعد بأنه سيعيدك رغما عنك ، ونقول تخاريف مغرور ، والدي قال لنا : إن العودة من نابلس من المستحيلات الثلاث ،ولكنك عدت ،ما الذي أعادك يا لمى؟ عدت! كما قال والدك، وكما دعوت ربي ،لمى أرجوك، لا تقتلي تفسك وتقتليني ، هناك دائما أمل ،أين لا أعرف، كيف؟ لا أدري؟ولكنه موجود !

نظرت لمى بعيون مليئة بدموع الحيرة والضعف والعجز، وأخذت تبكي مجددا، لا أريد الحياة ،لاأريد الحياة ،ولكني لا أريد أن أموت، كيف كيف ؟؟؟

مسحت دموعها ،قامت ،أعادت ترتيب حجابها ،وبصوت ثابت ،شكرا شكرا سامر، لأنك لم تدعني أموت شكرا ،ثم بكت ثانية أخذت تمسح دموعها المنهمرة بغزارة وبدون توقف، واخذت تشهق قليلا ، خنقت شهيقها ، لالا أريد أن أبكي ، ولكن ،سكتت قليلا : فكرت بسرعة ، فتحت عينيها ، رفعت حاجبيها متسائلة ،عادت لمى القوية مرة أخرى : كيف عرفت بمكاني؟ أنا لم أخبر أحدا برغبتي بالانتحار؟

أجابها سامر بصوت ساخر ،مملوء بالمرارة العذبة: من أخبرني؟؟ ومن قال لك أني بحاجة لأحد حتى أعرف؟ كل ليلة أرقب منزلكم ،كل ليلة من حديقة منزلنا، و التي تطل على على منزلكم ، أنظر إلى شبابيكم العتيقة، حفطتها جيدا ،حفظت كل قطعة خشب بها ، لعل ضوء يصدر منها ،،يضيء قلبي ويشعل فتيلة الحياة به ،كل ليلة أرقب منزلكم، حتى جئتم أخيرا ،أنا من أخبر والدتي بعودتكم، ومن حمل الطعام إليكم ،بعد أن حملت عودتكم تباشير الحياة لي، لمى عندما فتح باب منزلكم ليلا،خفت كثيرا ، أن يكون والدك و قد قرر أن يأخذك بعيدا إلى ضيعة خطيبته ، قمت من مكاني مذعورا ، رأيت شبحا يمشي يخوف ، عرفت أنه أنت ، تبعتك من بعيد ، خفت أن أقترب فتخافي مني ، وظللت أتبعك من بعيد ، حتى وصلت في الوقت المناسب ، عودي لمى ،عودي لمنزلكم ،أرجوك،لا تبكي، لا بد أن يكون هناك أمل،

هل تعرفي من أنقذني من الانتحار؟؟ وجهك في قلب الوادي ،وذاك الرجل الطيب ، راعي الماعز الشتوية وهو ينتقل من أعلى الجبال ، إلى أسفل الوادي بحثا عن الدفء لأغنامهم ، ضحك كثيرا من محاولتي قائلا : أنتم الشباب لا تعرفون قيمة الحياة ، أنتم تعيشون أحلى سنوات العمر فلا تهدروها بالأفكار السخيفة ، تمسكوا بها فهي تستحق ذلك ،وفعلا كان كلامه صادقا.

ضحكت لمى، أخيرا عرفت البسمة الطريق إلى شفتيها، قالت متعجبة : راعي أغنام، يملك حكمة نفتقدها نحن المتعلمين !حتى راعي الأغنام أقوى منك يا لمى !!!أم هي الحياة تمنح الحكمة للجميع لكننا نصر على عدم سماعها ورؤيتها ؟

يتبع

الهام بدوي
19/04/2012, 09:24 AM
الجزء الرابع ...عريشة العنب

بدى طريق العودة قصيرا جدا ، بدأت أشعة الشمس بالتمدد، أخذت تبدد ظلمة المكان ، انسحب الظلام يجر سكونه القاتل، سارت وسط الوهادالواسعة و الجبال العالية وتلك الوديان العميقة النائمة هناك والملتفة بأشجار اللوز الأخضر والجوز والعناب والزيتون الشامخ تعطر المكان بروائح رائعة وكأن لمى تشمها لأول مرة ، ارتفع صوت زقزقة العصافير التي بدأت تستيقظ على وقع أقدام لمى المفعمة بالحياة والأمل عاليا وبدأت تلك الحمائم الناعسة بالإستيقاظ وامتلأ المكان بهديلها الصافي الرخيم وكأنها تداعبها ، وترحب بها في يومها الجديد،و كأن جوقة موسيقية تعزف للمى نشيد فرح القرار، شعرت حتى أن نسائم ذلك الصباح الندي يعبث معها، يداعب بشرتها الفتية ، بلفح أنفها الشامخ بأرنبته الرقيقة ، يدخل رئتها المتعطشة للعلم والفرح ،جلس سامر هناك بعيدا ، ينظر اليها يودعها أم يستقبلها بنظراته الخجولة، ينظر من بعيد لفراشة تطير نحو الأفق الجميل، .

شعرت لمى بروحها تقفز أمامها، وتكاد تطير بها للعودة للمنزل ، مشتاقة لجدرانه العتيقة ، متلهفة لأبوابه الصدئة، تتشوق لمعانقة أرضه الأسمنتية القديمة ، تعانق شجرة الليمون واللوز وعريشة العنب التي كانت بانتظارها مشتاقة ،و أن روحها تصالحت مع نفسها وجسدها ، عادت لحجمها الحقيقي ، روحا سامية شامخة ، تؤوي لجسد طاهر ،قوي ، تفتخر به ،بدى الجبل صغيرا والمنازل كذلك ،و أنها عملاق كبير، يمشي بأقدامه الضخمة، بل يطير طيرانا.

وصلت للمنزل ،فتحت الباب بهدوء شديد، فرحت حتى لصرير بابهم العتيق، دلفت إلى باحة الدار ،نظرت إلى عريشة العنب ذات الأغصان الجرداء العارية ،البنية الرفيعةوقد تجردت من أوراقها الصفراء التي ماتت ،خوفا من برد الشتاء القارص ،لكنها هنا تفتح ذراعيها العاريتين مرحبة بها ،تقول لها أهلا لمى ،أهلا بعودتك لدارك ،لبيتك ،نظرت إليها بحب وتخيلت تلك الذارع العارية التي تعصف بها الريح ، ما هي إلا أم حنون تحني عطفا عليها ، تمد أذرعتها البنية السمراء لتحضنها لتحميها لتجعلها تغفو بين أغصانها المتدلية بانحناء رائع ، ضحكت من منظرها ،دق قلبها فرحا، يا لقلبك البريء يفرح حتى من منظر عريشة عنب جرداء عارية،تنفست بعمق ،وكأنها تأخذ جرعة قوية من سر الحياة الذي تحمله تلك الأغصان العارية ، نظرت لشجرة البرتقال والليمون، بدت تلك الأغصان المليئة بأوراق خضراء فتية تغرد فرحا بعودتها ، تتحرك ،تحتك وتصدر صوتا ،رخيما ناعسا، وقد تدلت بين تلك الأوراق الخضراء حبات البرتقال البرتقالية الندية الفتية ،كثوب عروس وشي بالذهب، ونثرت على جوانبه حبات من الزمرد الأخضر والألماس الأصفر ، دخلت غرفتها حيث يرقد إخوتها ، متراصين حول بعضهم البعض طلبا للدفء أم لضيق المكان ،سيان عندهم ،سمعت صوت أمها وهي تحاول تسخين الماء في الصباح الباكر من أجل استحمام الأب ، خطوات أقدامها النشطة وهي تتوجه للمطبخ من لإعداد طعام الفطور ، نظرت لأمها بعد أن ارتدت ملابس المدرسة، يا لك من سيدة قوية، رغم كل تلك الآلام لا زلت صامدةـ ،تعدين الطعام، تجهزين المنزل من أجل ذلك الغول الذي يرقد بالداخل،في غرفته الملكية الزرقاء، كان منزل لمى مكونا من غرفتين ،غرفة واسعة جدا تطل على عريشة العنب وأشجار الليمون واللوز المصطفة ،وقد توسط الغرفة سرير واسع جدا ،عليه غطاء أزرق موشى بخيوط حريرية ذهبية، وتناثرت على أطرافه أزهارا صغيرة من اللون الأبيض، وبجواره خزانة كبيرة للملابس بيضاء ،وهناك طقم كنب أزرق اللون موشى بورود بيضاء ، كانت تلك هي غرفة الوالد ، وبجوارها غرفة ضغيرة اكتظت بفراش متكدس فوق بعضه البعض، مصنوع من الصوف، وفوقه تنام عدة ألحفة قطنية بيضاء ، وتناثرت في جوانب الغرفة فرشات اسفنجية، يجلسون عليها نهارا، وينامون ليلا، وبجوار تلك الغرفة، يوجد مطبخ العائلة ،وبجواره غرفة متوسطة الحجم ،هي غرفة الحمام والاستحمام ، وأ،مام تلك الغرف المصطفة هناك أرض واسعة مقسمة قسمين ،قسم من الأسمنت والقسم الآخر ترابي وقد غرزت به أشجار اللوز و البرتقال والليمون والتوت وعرايش العنب .

خرجت لمى من الغرفة ،بعد أن أدت صلاة الفجر، وقرأت سورة ياسين ،وأذكار الصباح ، قبلت رأس أمها ويديها قائلة (الله يصبحك بالخير ) كيف أصبحت ؟ردت الأم :بكل الخير، الحمد لله يا انبتي لا تحزني، أعرف أني السبب ،كانت الأم تهرب من نظرات لمى ، شعرت لمى أنها هي الأم ،وأن صفاء هي الطفلة المسكينة الضعيفة ، قبلتها ،احتضنتها، مسحت بيديها على رأسها ، شعيرات قليلة من الشيب بدأت تظهر، ضحكت لمى قائلة: يظهر أن حبك لجواد شيبك قبل الأوان، ضحكت الأم، وبحركة لا شعورية ربتت على شعرها ومسحت عليه لتهذب بعض الخصلات الناعمة التي نزلت وغطت عينيها ،أعقبت لمى: أرجوك لا تقولي أنت السبب، قالت الأم بحزن شديد وبصوت المستسلم الضعيف : بلى أنا السبب ،صمتت وانهمرت الدموع من عينيها ،هل تعرفين ما السبب الحقيقي؟ فشلي أنا هو السبب !! لقد فشلت في جعله يحبني ،لو أحبني لما فعل كل ذلك ، لا أعرف لم؟؟؟مع أني حاولت المستحيل، ردت لمى: ماما أرجوك، كفي عن لوم نفسك ،ونعتها بالفشل ،دائما هناك أمل صدقيني ،ثم أنا متاكدة أن والدي يحبك ، وإلا لم تزوجك؟

ردت الأم بصوت هامس وكأنها تكلم نفسها : هذا هو السؤال الذي أسألة لنفسي في اليوم الواحد عدة مرات، لم ؟؟ لم؟؟ ولا أجد جوابا.

ضحكت لمى وقالت: الجواب واضح يحبك، ولكن بطريقته الخاصة،ردت الأم باستسلام :أتمنى ذلك.

قال لمى : سٍأذهب للمدرسة الآن قبل أن يستيقظ والدي.

خرجت مسرعةمتوجهة للمدرسة بدأت يوما جديدا، فرحت كل المدرسات بعودتها ،استدعتها المديرة لتهنئها بالعودة، وتعرف منها سبب التأخر بالعودة للمدرسة ،ووعدتها بتقديم كل أنواع المساعدة لها ،وأن المدرسات على استعداد لشرح كل ما فاتها من الدروس ،

كان يوما حافلا بالنشاط ،شعرت بالحيوية والحياة تدب في اوصالها، الدماء الجميلة الغنية بالاكسجين تتدفق في وجنتيها، تدب الحياة في أطرافها، روحها سعيدة ،تستمع بكل فرح لشرح مدرساتها ،وأن قلبها يكاد بتوقف من الفرح ،يا لجمال الحياة ،يا لغبائي كنت سأترك كل ذلك وأذهب للوادي السحيق أعانق الموت هناك ،شدت بيديها على القلم وهي تحل مسألة الرياضيات بكل مهارة ،مما أثار إعجاب المدرسة والتلميذات،فصفقوا لها .

توالت الحصص سريعا ،ورن جرس نهاية الدوام والعودة للمنزل ،شعرت أن ذلك الجرس يخرجها من الجنة، لم ؟أرجوك ،قف ،لا ترن ،توقف،لا فائدة ،لم يستجب لتوسلاتها انتهى الدوام، نقطة في آخر السطر.

خرجت من المدرسة تحمل كتبها الجديدة ،ما أن دلفت ومشت قليلا بالشارع ،حتى شعرت أن غول الطريق عاد ،كيف عاد الغول؟،الغول لا يظهر إلا ليلا ؟؟و الوقت ظهرا ،سمعت صوت شهيقه وزفيره البشع، تكاد تراه، نظرت حولها مستغربة ،ما الذي حدث ماذا جرى ؟رأته هناك، كان والدها يقف في زاوية الشارع ومعه ثلاثة رجال أقترب منها ،أمسك بذراعها ،شد عليها بقوة، كاد يسحقها ،قال لها :هيا الى المحكمة . لم المدرسة؟ألم أقل لك سنذهب للمحكمة ؟؟هيا بنا ،ولم يقف ليسمع جوابها ،جرها بيدية كالنعجة تماما .





الجزء الخامس: أيها القاضي .

سقطت حقيبة المدرسة من لمى على قارعة الطريق ،رفعت عينيها ،اخذتها ،والدها يجرها بقوة تمسكت بالحقيبة ،لم تتكلم، ولم تنبس ببنت شفة، شعرت أن قواها انهارت ، كل أسلحتها تلاشت ،إنها كالنعجة التي تساق إلى المذبح بكل هدوء، حتى النعاج يا لمى ترفض ، تعاند ، أما لمى فلا،ما الذي حدث لي؟؟ ، أين قوتي؟ بأسي إرادتي ؟،حبي للحياة ؟تلاشى كله أمام عيني والدي القاسيتين، وقامته المديدة وصوته الآمر الناهي،و ذراعية اللتين بدتا كحجري رحى تطحنها جيدا ،أمام ناظري أولاد عم والدها الثلاثة.

بعد حوالي النصف ساعة، توقفت سيارة الأجرة ونزلت لمى مع والدها وبقية الرجال، هناك شاهدت رجلا وبجواره امرأة شامخة الطول ،تضع حجابا على رأسها، بيضاء ،اللون ،بعيون خضراء فاتحة، وأنف أشم ، وترتدي دراعة كالتي ترتديها نساء الأردن سوداء موشحة بخيوط تطريز رائعة ،وقد شدت خصرها النحيل بحزام أسود ، كان لون بشرتها قد ازداد احمرارا من البرد الشديد، انهمرت دموع لمى من البرد ، مسحتها بقوة، رفعت رأسها شامخا ، تقدمت مع والدها نحو تلك المرأة ،أمرها بالسلام عليها قائلا: خطيبتي فاطمة ، خطيبك محسن، نظرت لفاطمة ومحسن دون ان تراهما !!و محسن بدى باهتا لا لون له ،لا يوجد حتى ملامح ،لا ترى ملمحا له أبدا ، ماذا حصل لعينيها ؟ رأت ملامح خطيبة والدها جيدا، أما هو فلم تر شيئا!كأنهما تحلقان في الفراغ ،لا شيء أمامها .

أمسك والدها بيدها جيدا ودخلا المحكمة، تقدم من رجل الأمن وهمس له بكلمات عديدة، أومأ رجل الأمن له ،توجه وفتح بابا كبيرا وضخما ،نظرت للباب ،خلفه غرفة الإعدام،تمنت لو ذلك الباب لا يفتح أبدا ، ذلك الجندي لا يعود، ليذهب للمنزل لتناول طعام الغذاء ، يستدعيه أي امر خر ،بدت كالغريق الذي يتعلق بقشة واهية ،عاد الشرطي سريعا، ما أسرع الوقت في المحكمة .

عادت روحها تحلق بعيدا يا إلهي مثل ساعةالوادي ،أين أنت أيتها الروح؟ صعدت للأعلى ، غادرتها ،رأتها لمى تطير بعيدا حسنا ،لقد اعتدت على ذلك، في كل أزمة تتركيني مع نفسي لوحدنا ، دخلت الغرفة ، جرت أقدامها جرا، كانت الغرفة كبيرة جدا ،وفي وسطها مكتب كبير، وخلف المكتب يجلس شيخ وقور ،نظرت للشيخ ،لقد عادت تبصر من جديد، بدى شيخا وقورا بلحية بيضاء تتخللها شعيرات سوداء متناثرة ،زادت من وقاره ،رأسه ضخم، كان وجهه أسمرا وكأن سنوات عمره الطويلة قد عركته بشدة فبدت سمرته مضيئة ، وأنفه كبيرا وبه حدبة في الوسط،ووضع كوفية بيضاء وسوداء على رأسه ، يديه الضخمتان تفتحان كتابا كبيرا ،إنه كتاب الإعدام ،هنا تقتل النفوس أم تحيا ؟؟

أمرها الشيخ بالجلوس، بدأت مراسم كتب الكتاب، أخذ الشيخ يتكلم ويتكلم ،و الجميع في حالة صمت مهيب لكلامه الذي لم تسمع منه شيئا !!ثم سمعت والدها يقول :بصوت جهوري ثابت: جواد عبد الخالق واسم العروس ،اسم العروس ، وكلام وكلام ،نظر إليها الشيخ جيدا وقال ،أعيد وأكرر ما اسمك يا ابنتي؟؟

ردت هه هه ،نعم أنا أسألك ما اسمك يا ابنتي ؟ردت بصوت خجول: لمى ،لا تعرف من الذي رد ؟ومن أين خرج الصوت؟ سألها الشيخ: هل أنت موافقة على الزواج من هذا الرجل محسن سالم السنادي ؟

ردت من الذي يوافق ؟

عاد الشيخ وقد نفذ صبره سألتك للمرة العشرين :يا ابنتي هل أنت موافقة على الزواج من هذه الرجل محسن سالم السنادي؟

ردت :بل أنا أسألك أيها الشيخ لم أنا هنا فأنا لا أعرف؟

استغرب الشيخ من ردها ،نظر اليها وقد اتسعت حدقتا عينيه /،نظرت اليه متسائلة :حقا أيها الشيخ أنا لا أعرف لم أنا هنا ؟

تنهد الشيخ الوقور، أغلق الدفتر ، نظر لوالدها الذي انتابه الفزع والهلع ،وقد بدى، خائفا مترددا يضغط بيده اليمنى على اليسرى بكل قوة، وينتقل بنظرات عينيه بين القاضي ولمى، ثم ما لبث أن تمالك نفسه وقال: لمى ما هذا الكلام ؟؟

أمره القاضي بالصمت ،ثم قال: لو سمحتم ،جميع من في الغرفة يخرج.

ظل جواد واقفا وكأنه لم يسمع ،ولم يتحرك ، خرج الرجال الثلاثة والعريس وخطيبة والده ،بينما ظل جواد واقفا مركزا عينيه على لمى، اومأ القاضي للحارس ،تقدم الحارس من جواد ،وأمسك بذراعه ،انسحب جواد بكل هدوء ثم ما لبث أن اغلق الجندي الباب ،نظرت لمى للباب وهو يغلق، وتنفست الصعداء وأخيرا أغلقت باب الموت، نظرت للقاضي بكل ثبات وشجاعة ،عادت روحها إليها مرة أخرى، تكلمت بكل هدوء: حضرة القاضي أنا حقا لا أعلم لم أنا هنا ؟؟

سألها القاضي لمى: في أي سنة أنت تدرسين ؟؟أجابت كالتلميذة النجيبة :في الصف الأول ثانوي ؟

كم عمرك با ابنتي ؟ ردت: خمسة عشر ة عاما .

ألا تعلمين أنك بالمحكمة للزواج ،ردت :نعم أعلم ولكن، الذي يريد أن يتزوج والدي ،فليتزوج ، أما أنا فلا ، حضرة القاضي أناأريد أن أتعلم أكمل تعليمي لا أفكر بالزواج حاليا.

حسنا يا ابنتي ،من شروط الزواج الموافقة،، والقبول ،مما يعني استحالة عقد هذا الزواج ،لا تقلقي ، سأكلم والدك ،ولن يتم هذا الزواج ،أنا معجب جدا بشخصيتك وقوتك وعزيمتك، سأتكلم مع والدك وأفعل ما أقدر عليه من أجل منع هذا الزواج، لا بأس عليك ،ثم أمرها بمغادرة الغرفة ،والانتظار خارجا، وطلب من الشرطي استدعاء والدها ،واصطحابها للخارج .



خرجت من الغرفة رافعة الرأس، شامخة القامة ،شعرت بسرور كبير ،بفرحة غامرة ،يا لهذه الدنيا وأحوالها العجيبة ،دخلت الغرفة وكأني أدخل غرفة الاعدام، ليتضح لي أنها غرفة الإنعاش والحياة ،ما أجملك أيها القاضي وأروعك.

جلست بكل هدوء على ذلك الكرسي المتهالك القديم ، الذي بدى لها كأنه عرش الملكة بلقيس ،ما أجمل اتخاذ القرار، ما اجمل الإصرار والعزم ،إنها أمور سهلة جدا، لم بدت لي صعبة عند دخولي المحكمة ؟الأمر بسيط ومناط بي، وبتصرفي ،يا لروعتك يا لمى ،عادت إليها الثقة بنفسها دقائق قليلة، فصلتها عن الموت الزؤام.



بعد دقائق بدت دهرا جميلا جدا ،خرج والدها من المحكمة ،لم يتكلم بكلمة، اقترب من محسن وأخذ يتكلم معه ويحرك ييديه بعصبية شديدة، كانت أخت محسن فاطمة جالسة هناك بانتظار نهاية الكلام ،ولا تعرف ما الذي حصل ،ولم خرجت لمى، ثم دخل عريسها ،ثم خرج ؟اقترب جواد من عروسه ،تكلم معها ،ابتسمت قليلا أومأت برأسها، وغادرت المحكمة مع محسن ، اقترب جواد من ابنته ،وقال لها بكل هدوء هيا بنا نعود للمنزل .

في طريق العودة، كانت السيارة تنهب الأرض نهبا ،تسرع بهم، لم تكن تمشي بل تطير، هل تفرح الأشياء مثلنا ؟؟رغم شدة خوفها من والدها ،لكن شعور الفرح كان أقوى ،للحياة مذاق وطعم رائع ،لا يعرفه الا الصامدون الصابرون، ضمت يديها ،أخذت ترتب جلبابها، تنظر للطريق،للأشجار، للناس، كان الشارع مليئا بالحياة،بالشباب ،بالطلاب جامعة اليرموك، وقد بدأوا يخرجون منها، كل منهم يحمل مجموعة من الكتب، زرافات ووحدانا ،طلبة يجلسون تحت تلك الأشجار الضخمة، أشجار الكينا الخضراء، التي تظللهم ،وبدى في البعيد هناك أشجار الزيتون ،وعرائش العنب ، في البيوت كان هناك أطفال يلعبون، ونساء تشرب القهوة في شمس العصر اللذيذة الدافئة ، ورجال يعودون لمنازلهم يحملون أكياسا بها ما لذ وطاب من الطعام ،نساء كبيرات في السن يمشين بكل تؤدة ،يحملن سنوات عمرهن الطويلة ،في رحلة الحياة الصعبة بكل حماس ،ونساء يمسكن بأيدي اطفالهن متجهات للسوق ،لشراء ما يلزم، الحياة كبيرة وواسعة، ومليئة بالناس ،من شتى الأعمارو الأشكال، يا لجمال الحياة في بلدنا ، يا لروعتها ،شعرت أنها تريد أن تصرخ أنا واحدة منكن، أنا أعيش بقوة وبحماس ،أنا طالبة ثانوية، أدرس في مدرسة رائعة، كل تلك الأفكار تجول في بالها بسرعة البرق، وبين فترة وأخرى تبتسم ابتسامة المنتصر الواثق من نفسه .

وصلت السيارة سريعا للمنزل /،،نزل والدها ثم نزلت هي، دخل المنزل أولا جلس على تلك الكنبة القديمة الخضراء المهترئة ،تحت شجرة الليمون ،أشعل سيجارة وأخذ ينبث بدخانها بشراهة شديدة، دخلت لمى ،صرخ بالأم قائلا أريد فنجانا من القهوة،أسرعت الأم تنفذ ما طلب.

دخلن لمى الغرفة ،خلعت جلبابها ،ارتدت ملابس المنزل، مشطت شعرها ، كانت عيون أشقائها تنظر لها بخوف شديد، عم الصمت المنزل ،لا يوجد أي حركة أو صوت فقط دخان سيجارة الأب المتصاعد يرسم دوائرا في هواء الشتاء القارص.

خرجت لمى ،تريد التوجه للمطبخ ،،قام والدها ارتفعت قامته، بدى كبيرا جدا ،كغول الطريق ، غطى المكان حجب الرؤية ،انهالت يده على وجهها كصخرة كبيرة قاسية، ارتطمت بوجنتها فاهتزت تلك الوجنة ،وتناثر الرذاذ من فمها ،تراجعت للوراء بقوة وبسرعة ،ترنحت كغزالة مذبوحة، التف وجهها للوراء ،وقعت على الأرض بقوة ،اصطدم رأسها بأرضية المنزل الأسمنتية ،دوى صوت قوي يشبه الصرخة من جراء وقعتها على الأرض ،وضعت يديها على وجنتها الملطومة ،ثم ما لبثت أن تحسست رأسها المشدوخ ، قطرات من الدماء تناثرت على الأرض من رأسها ،مرة أخرى انفكت ربطة شعرها ،رغم أنها شدتها جيدا قبل خروجها ،تطاير شعرها وتشابكت خصلاته مع بعضها، و كأنها تؤازر بعضها بعضا ،قامت من الأرض ظلت جالسة بلا حراك ،بلا كلمة ، عم الهدوء المكان مرة أخرى ،زوبعة كبيرة عمت المنزل، ثم الهدوء بعد العاصفة، وقف الأب مرة اخرى بدى كعملاق ، تفل عليها ، شعرت أنها قزمة مرة أخرى و جسمها يتضاءل أمام قامة والدها الفارعة، وأن منزلهم كبير جدا ولا يوجد به إلا هي ووالدها الذي نظر إليها شزرا ثم خرج ،واطبق باب المنزل الحديدي بقوة .

ما أن خرج المارد حتى هرعت والدتها إليها ، وهي التي لم تكن لتجرؤ على الاقتراب منها ، ولا حتى إبداء شعور الشفقة عليها ، وإلا نالها نصيب من الضرب و الإهانات.

التف إخوتها حولها يبكون ويمسحون بأكفهم الدماء عن وجهها ، جرتها أمها جرا نحو الغرفة الصغيرة ، أسرعت لتشعل نارا علها تدفئ ذلك الجسد الضعيف المتهالك، لم تكن لمى تشعر بشيء وكان الوقت توقف، كل ما يهمها هو خروج المارد من المنزل، مر الوقت سريعا ، أصرت عليها أمها بتناول ولو القليل من الطعام الذي أعدته ، كان عبارة عن شوربة من العدس الأصفر، وبجوارها حبات من الزيتون الأخضر الشهي مع قرون الفلفل المقطع شرائح وقد تم إغراقه تماما بزيت الزيتون ، وقد صفت بجواره الوعاء أرغفة الخبز السميكة البيضاء الشهية، حاولت لمى الأكل، لم تستطع ، كانت أسنانها تؤلمها بشكل كبير فلم تسطيع تحريكها لمضغ الطعام، بينما تحاول والدتها إرغامها على الأكل، سمعت الأسرة المكلومة طرقا قويا على الباب الحديدي، دب الرعب في قلب الأم ، هل عاد الأب ، تبادلت مع لمى نظرات الرعب، قام شقيقها حمزة بالأعأعوامه العشرة بسرعة لفتح الباب، عاد مسرعا وهو يقول / يمة يمة أخوي عبادة بالباب مع ابن خالته سامر يريدان الدخول!

دق قلبى لمى بعنف شديد ، وكأن الحياة عادت له مرة اخرى ، أصلحت غطاء رأسها ، أخذت طرف الحجاب ومسحت به وجهها ودموعها ، قامت الأم مسرعة قائلة: أهلا وسهلا بعبادة وسامر تفضلوا تفضلوا .

سمعت وقع أقدامهم داخل المنزل/ نظرت إلى أعلى كان عبادة بوجهه الجميل وشعره البني المسترسل الطويل وقد ارتدى قميصا مخططا أزرق اللون مع بنطال من الجينز وقد ربط كم قميصه جيدا عند ذراعه المبتورة ،ودخل خلفه سامر وقد اعترى وجهه خجل شديد وجلسا ، تقدم منها عبادة واحتضنها بيده الوحيدة القوية، قبل رأسها ، ووجنتيها ،جلس بجوارها ،نظر إليها عبادة وقال : لقد عرفت ما حصل !!






يتبع

الهام بدوي
19/04/2012, 09:31 AM
الجزء السادس:
الجزء السادس: غاب نهار آآآآآآآآآآآآآآآآخر............ غاب نهار
جاءت الأم ، تمشي على استحياء، عار الخجل يتملكها،فشل مستمر في حماية أولادك، أي أم أنت، حتى قطط الشوارع خير منك، فهي وإن كانت قطة، تصبح أسدا ،نمرا، عندما يتعرض أحد أولادها للخطر، وأنت ياصفاء أين أنت ، أنت هباء ،خواء ، حديث وأفكار تعشش داخل رأسها ، غطتها بحجابها ، ما أن رآها عبادة حتى قام فورا ، وقبل يديها ،ضحكت، قبلته ، قالت: لا زلت عبادة الطفل المؤدب،الذي عرفت، لم تتغير أبدا،،
رد عبادة مبتسما : أمي تسلم عليك، وقد أرسلت معي طعام لكم من قريتنا، مكمورة ، وكبيبة، تعرف أنك تحبين تلك الأكلات مذ كنت عروسا في دارنا هناك بالجبل، هي الآن عند أختها خالتي فضة أ،م سامر وستحضر بعد قليل، ولكني لم أستطع الانتظار فجئت قبلها .
ضحكت صفاء ، مشكورة شمة، كم هي وفية وكريمة كعادتها ، نظرت لسامر،أهلا سامر والله لولا أنتم لكرهت الحياة، ولكن الحمد لله على أي حال.
تبسم سامرتبسم الخجول، فهمت فورا لمى وصفاء ،سر زيارة عبادة، دق قلبه بعنف، نظر للمى ، من أجلك سأحاول، ثم قال : لا أعرف كيف أقدم يد المساعدة؟ عل عبادة يساعدنا،
تبادلت لمى وعبادة نظرات الحزن ، تنهدت لمى بعمق ، قالت بكل ثقة:أنا متأكدة عبادة لن يقصر معنا ، وسيفعل كل ما يستطيع ، أنا اعتمد على الله ، ويكفيني حب عبادة واهتمامه ، إنه دعم معنوي أحتاجه ،وتبسمت.
ضحك عبادة من قولها ،ثم مسح على رأسها قائلا: لمى أخيتي لاتقلقي، سأفعل كل ما أستطيع ،سنتشاور معا ، لنفكر معا كشباب ناضج ، ماذا نفعل، لا بد أن يقف أحدا ما أمام أبي!
عم الهدوء المكان، وساد الصمت ،يقف أحد أمام جواد؟؟ كيف؟ ومن؟؟ ومتى ؟؟كل تلك التساؤلات دارت في عقل صفاء، كانت متأكدة من إصرار جواد، ومدى قوة حب عباده وإخلاصه وصدقه ، ولكن ماذا تفعل تلك القيم المثالية مع شخص كوالدي ،وتفكيره العسكري وجبروته ؟ نظرت لذراعه والتي بترت ثمنا لمجون والده ، إن جاز لنا ذلك ،ولا نزال ندفع جميعنا الثمن !
دق جرس الباب ،أسرع الأولاد يتسابقون لفتح الباب، مرحبين بخالتهم شمة أم عبادة ، دخلت شمة بهدوء الملائكة، وهي ترتدي تلك الدراعة التراثية ،لبس بلادنا كما تفتخر، وقد وضعت عمامة سوداء وبيضاءعلى رأسها ،
أقبلت عليها صفاء مرحبة، عانقتها وقبلتها، وقبلت رأسها ،ضحكت شمة وقالت:آه ياصفاء ، كثر الله ،خيرك، لا داعي لذلك .
ردت: الكبير يبقى كبيرا يا أم عبادة .
ردت مبتسمة بسكينة وهدوء:سلمك الله لا يوجد كبير غير الله ، والحمد لله.
دخلت الغرفة،إقتربت من لمى عانقتها وقبلتها ،كيف حالك لمى ، ما تلك الأخبار التي سمعناها ، جواد يريد أن يزوجك ، أكيد عنده سبب ،دائما عنده، سبب ومقنع أيضا (تنهدت بعمق) ،اسمعي يا لمى ،جواد أبوك وهو رجل يفهم كثير ،ودائما ينجح بالحصول على ما يريد واكيد سيقنعك بالزواج من محسن فلا داعي للمقاومة ، لا تتعبي نفسك ،تتعبي أمك يا ابنتي ، الخيرة فيما اختاره الله .
ردت الأم: وأنا أقول لها ذلك ،لعل محسن رجل طيب ،علينا الاستسلام لقضاء الله وقدره .
قاطعهم عبادة بغضب شديد :أمي، أنتما تعرفان أن سامر ولمى بحكم المخطوبين تقريبا ،منذ حادثة قطع يدي ،ألا تذكران تلك الحادثة ؟
ردت شمة: نعم وهل ننسى تلك الحادثة الرهيبة، ، ولكننا مؤمنين يا بني ، وذلك قدر الله ،
ثم إن والدك ، قد غير رأيه، وهو دائما يفعل ما يريد حسبما يريد ،وهو الآن يريد لمى لمحسن لا داعي ،للمقاومة يا ابنتي ما هي إلا ،أيام تنقضي ولا يغلب الأيام إلا من رضي، ارضي بما قسمه الله .،
سكت سامر ،سقط قلبه ،بدأ يدق بعنف لم ياخالتي شمة، صرخ بوجهها بصوت مخنوق، ميت مقتول ،هل حضرت لتكملي عملية الإعدام.
ردت لمى بكل هدوء: خالتي شمة أبي يريد محسن، وأنا لا أريده ولن أتزوجه مهما كان ،
ردت شمة :أبو عبادة لديه أسلوبه بالاقناع ،صدقيني إسألي أمك .
احمر وجه صفاء ،شعرت بحرج شديد، قالت بسرعة : مشكورة يا شمة على المكمورة والكبيبة .
ردت شمة بثقة عالية وقد شعرت بمدى ضعف صفاء :سبحان مغير الأحوال .
نظر عبادة لأمه وخالته صفاء، وفكر، بالحديث الملغم الذي يدور بينهما ، عرف مقصد أمه التي تريد أن تقول لصفاء هيا خذي ما أسقيتني إياه قبل سنوات ، لتذق ابنتك ما ذقته أنا ، لم الحزن ، وأن قصد صفاء للمى انظري لعبادة ،ونتيجة تمرده على والده ذراع مبتورة ، تبادلت لمى وعبادة نظرات صامتة عميقة، ما الذي يجري؟؟ أي حوارات مبهمةتدور ، ابتسمت لعبادة بثقة ،لم تعلق.
دارت أكواب الشاي الزجاجية المترعة بالسكر، والذي يفوح منه رائحة المرمية الخضراء القوية ، أسرع الأولاد بفرحة كبيرة، يشربون تلك الكؤوس وكأنها كؤوس المتعة القصوى، وأقصى ما يحلم به طفل فقير ،بفصل شتاء بارد، شاي ساخن بعذوبة شديدة طعم لا يقاوم .

توقف عبادة مغادرا الغرفة ، لحقته أمه ، أرجوكم ، ناموا عندنا، قالت صفاء،
ضحكت شمة من قولها وسألتها : وأين ننام ؟في الغرفة الزرقاء الملكية ؟
سكتت صفاء ،شعرت بحرج شديد هي لاتسطع أبدا فتح تلك الغرفة إلا لجواد !
خرج الجميع ، استعد الأولاد لتناول طعام العشاء ، بدأت الرياح تعصف بقوة ، اشتد البرد لدرجة كبيرة ، كان صوت الريح كأنه نواح ، بكاء ، وبدأت السماء تمطر مطرا غزيرا ، في تلك اللحظة دق جرس الباب، هرعت صفاء لتفتحه وسط المطرو البرد ، عاد جواد لقد عاد مرة اخرى ، رحبت به ، دق قلبها ، دخل الغرفة ، نظر إلى لمى نظرات عميقة، كانت الأم قد أعدت الغرفة جيدا وأشعلت الحطب،
قال للمى : من علمك أن تقولي لا لوالدك ؟؟ من ؟؟قولي هيا ؟؟ ساد جو من الرعب مرة أخرى ، بدأت قلوب اخوتها تدق بعنف، وكذلك صفاء، ماذا يريد هذه المرة ؟ضرب صفاء؟
سألها: أجيبي من ؟؟ من ؟؟
ردت بكل هدوء : أنت من علمتني ذلك، أنت من جعلتني أقرأ قصصا منذ نعومة أظفاري ، هل تذكر الأجنحة المتكسرة ؟ لجبران ، صوت العالم لمخائيل نعيمة، قرأتها في الصف الخامس، هل تذكر بائعة الخبز، البؤساء، سنابل الزمن ، مجلاتك المفضلة التي كنت تشتريها ، كانت أطيب من الطعام اللذيذ الذي اشتهيه ولا أجده ، أنت يا والدي من علمتني قول لالا.
ضحك جواد: رائع جدا يا لمى، أنا من علمك قول لا ! حسن ، سأعلمك الآن قول نعم، وصرخ بها بصوت مرتفع مخيف: هيا اخرجي من الغرفة، اخرجي لاأريد أن أراك، اخرجي ، اقترب منها وقال ،هذه الأيدي اللعينة ، التي علمتها مسك الكتب وقول لا ، سأعلمها الآن قول نعم وبدأ، يضغط عليها، يشد عليها ،حتى تكاد تتكسر ، لم تصرخ لمى، ظلت صامتة ، وازداد ضغطا عليها ،سأحطمها قبل تحطيم رأسك ، هيا اخرجي حالا، اخرجي.
انهمرت دموع لمى بغزارة ، بكت من الألم والقهر والذل، شدت على أسنانها ، اخذت نفسا عميقا وكأنها ستموت ، بدأت بالزحف على قدميها ، زحفت وزحفت ـ ركلها بأقدامه الضخمة هيا اخرجي اخرجي لامكان لك في بيتي،
خرجت لمى ، اغلق الباب بقوة ، جلس ونظر لأولاده ، لبقية شعبه ، عبيده ، جواريه، غلمانه، صرخ بصفاء قائلا: ،هيا لنتناول طعام العشاء، أخذ يأكل كالغول تماما،
جلست لمى بالخارج، استندت على شجرة اللوز باكية، كانت الريح تهب بقوة ، عم الصمت المكان ، هي والريح والبرد، نظرت للسماء ، بدأت الغيوم بالإنقشاع ، أيتها السماء الرائعة ،هل توقف المطر خوفا علي، هل ازحت غيومك ،لتريني نجومك اللامعة، لتدخلي البهجة إلى قلبي، يا لروعة سماء ليالي الشتاء الصافية، وجمال تلك النجوم البعيدة ، تأملتها لمى بهدوء وسكينة، انا أقوى منك يا جواد، ولن تنتصر علي ، اقسم بالله خالق تلك النجوم المضيئة البعيدة ، والتي أشعر انها تسمعني تدخل قلبي، بضوئها تمسح دموعي لن أستسلم لك ،
، اشتد هبوب الهواء البارد، كانت الريح تقصف قصفا ، شاهدت ضوء البرق من بعيد ، سمعت صوت زهيم الرعد المخيف ، ايها الرعد ، هل تحادثني لتخفف من وحدتي، هل تصرخ علي أم على أبي، هل أنت غاضب منه،أيها الرعد ، اصرخ ما شئت ، فلن يسمعك أبي، إنه لا يسمع إلا صوت قلبه ونزواته وشهواته التي لا تنتهي،
شعرت ببرد شديد ، ضمت رجليها معا ، عل ذلك يولد قليل من الدفء لبقية جسمها ،أحنت رأسها ، دفنته فوق فخذيها ، شدت يديها على وجهها تريد تغطيته ، نظرت نحو تلك الغرفة الزرقاء الملكية الدافئة، تستطيع الدخول هناك، الغرفة مفتوحة ، ولا يوجد بها أحد، لكنها غرفة الغول، عادت بنظرها نحو الغرفة الأخرى أحست بدفئها رغم بعد المسافة، كان هناك نورا خافتا يخرج من تلك الثقوب والشقوق ، كأنها تراهم من خلاله، تسمعهم، تشعر بدفء مجلسهم!عم قلبها السكينة، المهم أن لا يضرب أمي واخوتي ،إنها معركتي أنا !
لالالا لن أستسلم ، سأصمد مهما حصل ،امتدت ساعات الليل طويلة باردة ، نامت لمى ، غفيت من شدة التعب والإرهاق،وهي تردد غاب نهارآخر ،
لم تستيقظ إلا على صوت والدتها تقول لها :لمى حبيبتي هيا قومي ، لقد نام والدك بغرفته ، هيا بسرعة للداخل ، استيقظت لمى مذعورة ، ماما ، قد يضربك إذا عرف أنك ادخلتني الغرفة، ردت صفاء لالا لن يستيقظ قبل الساعة العاشرة صباحا ، هيا ادخلي بسرعة !!
دخلت لمى بخطى متثاقلة ، متعبة ، قدميها قد تيبستا من الجلوس والإنكفاء طوال الليل ،همست لنفسها غاب نهارأخر................ غاب .........................نهار
الجزء السابع/ كيف تقتل الأحلام ؟؟
في المنزل المجاور، جلس سامر متفكرا ،يسمع صوت الريح تصرخ، تغضب على حالهم، وهناك جلس عبادة وقد وضع رأسه على تلك المخدة الصوفيةمواجها وجه سامر ،يفكران يتكلمان بلا صوت ، وكأن جواد يقف فوقهم، يسمعهم، ، كلما بزغ ضوء الأمل وبدأ شعاع صغير منه ينطلق من تلك القلوب الحزينة المنكسرة، أي تاثير لجواد عليهم جميعا حتى أ،ثناء عدم وجوده، هل يعمل ظله؟ طيفه ؟روحه تحوم ؟شبحه يحلق فوق الغرفة؟ أي غول هذا؟ يحضر حتى دون أن يحضر! يخيف دون حتى أن يصرخ! نتجرع سمومه حتى دون أن نرى كأسه المسمومة! أي غول هذا الذي سأحارب وكيف ؟
نظرعبادة لامه شمة وخالته فضة وهما تشربان الشاي وتتحدثان ، ما سر هذاالاستسلام ، ،
ظل سامر طوال الوقت يشعر بفرح شديد، لقد نجح في إدخال البهجة في قلب لمى حتى لو كان فرحا مؤقتا ، تمنى ىسامر لو أن وجود عبادة قد دعم لمى ولو قليلا ، فتح نافذة للأمل لقلبين منكسرين، نظر طويلا لعبادة ، هل يا ترى أثقلت على عبادة ألا يكفيه هم بتر ذراعه ،عمله البسيط ، ألم أكن أنا في المرة الأولى من زرعت في قلبه بذرة التمرد على ذلك الجواد ،من أجل إكمال التعليم في عمان ،
رجع سامر بالذاكرة للوراء حيث كانت الشقيقتان شمة وفضة تسكنان بمنزلين متجاورين ، كان جواد قد غادر قريته الجبيلة وبدأ يهجر شمة كزوجة ويكتفي بأن يحضر إليهما كل شهرأو شهرين ، يومي الإجازة ، ، صار عبادة رجلا كبيرا وهو لم يتجاوز الخامسة عشر ،انتهى عبادة وسامر من دراسة المرحلة المتوسطة ،قرر سامر أن يكمل تعليمه،، كيف لا وهو المتفوق دائما، والأول على تلك القرية والقرى المجاورة ،جلس الصديقان يتكلمان وقررا معا اكمال الدراسة ، كان سامر قد اتفق مع والده وأسرته على ذلك وقررت الأسرة الانتقال لبلدة أكبر من قريتهم وبها مدارس ثانوية ، ووقع الاختيار على الحصن حيث لمى ، ولم يكن قد تعرف عليها أبدا ، لأن جواد بعد خمس سنوات من زواجه بصفاء انتقل من قريته الجبلية للحصن ، وهناك بدأ حياة جديدة بل كل شهر حياة وامرأة جدية ، وبدأت الأقاويل والقصص في قريتهم تدور حول جواد ونزواته والنساء اللاتي يعرفهن، والضرب الذي تناله صفاء، تلك القصص ترويها شمة بشماتة غريبة ، لا يزال يذكرها سامر رغم صغر سنه، وكأن الله انتقم للظلم الذي تجرعته خالته على يد جواد ،
المشكلة في عبادة ، كيف سيخبر والده بقرار إكمال الدراسة ، والانتقال من قريتهم للمدينة ، كان على عبادة أن يخوض حربا مع والده ليسمح له بذلك ،وققت شمة بكل شجاعة مع ولدها ورغبته رغم خوفها على فراقه ،
في إحدى زيارات والده لحضور جاهة (وهي عملية طلب يد الفتاة للزواج )قريب لهم ،عاد جواد مع عبادة للمنزل ، استقبلتهم شمة بكل ترحاب وأسرعت لتحضير العشاء ،جاء بقية الأولاد للسلام على والدهم وتقبيل يده وتقديم الولاء و الطاعة .
بدأ جواد يكلم عبادة قائلا لقد حصل أمررائع في تلك الجاهة، استطعت أن أحصل لك على عمل ، والراتب ممتاز، خمسين دينار، تساعد أخوتك وأمك وتستطيع توفير مبلغ ما لزواجك .
رد عبادة ولكني أريد إكمال تعليمي .
رد جواد بغضب شديد: تريد إكمال تعليمك، أولا لا أسمح لك أن تقول لا أماامي أبدا وأنت تعرف ذلك، ثانيا لا طاقة لي لصرف عليك وعلى أخوتك،عليك تحمل المسؤولية،وأنا لدي التزاماتي الخاصة وأموري الخاصة ,
رد عبادة بتهور: أمور خاصة ، تقصد عبير و فدوى ونادرة، كل قريتنا تتكلم عنك وعن قصصك مع النساء اللواتي تعشق،ألا يكفي صفاء يا والدي، أنا الآن رجل ،ومن حقي أن أتكلم ، يكفي يا والدي يكفي،أريد أن أكمل تعليمي ، ولا دخل لك بالموضوع سأتدبر أمري.
نظر إليه جواد باستغراب، لم يشعر عبادة إلا بيد جواد تنهال عليه ضربا ،وضربا، وضربا بيد قوية قاسية لا تعرف الرحمة وكأنه يريد تحطيمه ، وظل يضربه ويضربه ،حاول عبادة حماية نفسه ووجه، حشره جواد في الحائط وظل يضرب، جاءت شمة تبكي ،تصيح :أترك الولد ، استدار جواد وبدأ ينهال عليها بالضرب صارخا : أنت السبب أيتها الحية الرقطاء، منذ زمن بعيد لم أضربك ، نسيت الأدب ، علي ان أؤدبك أنت وابنك مرة أخرى ، واستمر يضرب ويضرب ، حتى تعب ، وانهارت شمة وقعت على الآرض تبكي وبجوارها عبادة وكانت الدماء تنزف من فمه ، نظر إليه باحتقار وقال له في المرة القادمة لن اكتفي بكسر أسنانك بل برأسك أيضا تفل على وجهه مرة أخرى ، من أنت أيها الحقير لتقول لي مثل هذا الكلام،لتقول لي لا!! اخرس أ،يها الحقير التافه وضربه.
تراجع عبادة نحو الجدار لا يعرف ماذا يفعل،أمه على الأرض تبكي ، انهارت كل أحلامه ، تحطمت ، شعر بخيبة كبيرة ، بخوف يجتاحه ، انصرف الأب وغادر الغرفة قائلا: هيا اصنعي لي طعام العشاء بسرعة ،
تحركت شمة ، تلملم جراحها ، اقتربت من ابنها ، نظرت للدماء التي غطت وجهه قائلة: ألم أقل لك يا عبادة ، لا تقل لوالدك لا أبدا ، هيا اهدأ ريثما أصنع له طعام العشاء عله يرضى وينام ،ألم تتعلم مني، لا أحد يستطيع الوقوف بوجه والدك أبدا .
شعر عبادة بحنق شديد، لم لم يا والدي؟ لم ؟بلا إجابة لم ينم تلك الليلة، لقد قرر أن يتحداه سأذهب مع سامر ، وسأتدبر أمري .
في الصباح استيقظ باكرا، لبس ملابسه، نظرت اليه شمة بقلق، إلى أين يا عبادة ؟أرجوك لا تخالف أمر والدك ،لا تقتلني مرتين ، لا أريد أن أفقدك يا عبادة، أرجوك إبق هنا، واعمل جيدا، وبأذن الله، سوف تتحسن أحوالنا ، المدرسة لن تطير،
رد عبادة: لن أستسلم لوالدي، لن أتخلى عن حلمي ،سأسافر مع سامر وليفعل أبي ما يريد.
وجد سامر عند موقف الباص ،نظر سامر إليه بفرح شديد وقال : بشر يا عبادة هل قبل والدك ؟؟ هيا اركب معي ،لقد قطعت تذكرتين لي ولك.
أخذ عبادة التذكرة ، ولم يتكلم ، ظل صامتا،في تلك اللحظة ظهر جواد كالمارد البشع كالإ،عصار كالريح التي تدمر كل ما حولها شعر بخوف شديد ،وعجز، سأله والده بكل غرور : ها لم أنت هنا لتوديعي وسامر؟
لم يستطع عبادة ان يقول لا ،خاف من لطمة تنهال على وجهه ،،وهو الشاب الكبير ،كان يعرف والده جيدا .
سأله والدك: هيا أجب، أم أن أسنانك لا تزال تؤلمك، هيا عبادة لم أنت هنا ؟
تحسس عبادة وجهه، شعر بإهانة عميقة ،ما بك أيها الوحش البشري ؟، هل تفتخر بضربي أمام سامر؟ هل يرضى غرورك أن تضربني بالشارع؟ أمام الناس؟؟
أكمل جواد قائلا: يظهر أنك لم تشبع جيدا بالأمس، لدي المزيد دائما يا عبادة، وارتفع صوته،أجب ماذا تفعل هنا ؟؟؟كان كضابط المخابرات .
دق قلب عبادة بعنف ، شعر بخوف شديد، لالالا إنه ليس خوف، بل هو لايريد من والده مزيدا من الضرب، لقد صار رجلا ،لن يسمح له بذلك، ففكر بسرعةة بكلام والدته وهنا قال لالالا فقط كنت هنا لأقطع لك تذكرة الباص، مع صديقي سامر ،هيا تفضل التذكرة .
أخذها جواد بكل غرور ، وركب البص، حتى دون توديع عبادة وشكره !! .

تعجب سامر، فتح عينية مستغربا، ما بك عبادة؟ همس له، رد عبادة :لا تقلق سالحق بك.
في الباص الثاني
لا يوجد باص آخر،
لا بأس سأركب شاحنة صغيرة .
هذا لا يجوز ،سنذهب ونسافر معا .
لا باس سألحق بك لا تخف .
قال جواد :ما الخبر ؟هل كل شيء على ما يرام ؟أسمع يا عبادة في المرة القادمة أرجو أن تكون قد توظفت في البلدية،بذلك ستحقق كل أحلامك وكل أمورك ستكون على ما يرام
ردد عبادة أموري أم امورك ،،ولكنها كانت كلمات كالعادة، ميتة لا تسمع أبدا ، ولا ترى النور ، تخرج من فمه عمياء ،خرساء، فترتد وتعود عليه لتزيد من ضعفه وحزنه .
صعد الأب وسامر الباص ، انتظر الباص حوالي النصف ساعة، وعبادة واقف مكانه، جاء أناس من بعيد وركبوا الباص ،وعبادة واقف مكانه، امتلأ الباص ، تحرك الباص، وعبادة واقف مكانه .

سافرالباص ، غادر القرية ،وعبادة واقف مكانه ،الوقت توقف ، وكل شيء توقف، ما بك ما عباد ة ؟؟
فكر عبادة طويلا طويلا، لا بد من التصرف /، ما لبثت أن جاءت سيارة لحمل الركاب ، صغيرة وتحمل حوالي اثني عشر شخصا ، قرر الركوب معهم، قال للسائق أرجوك اسرع فابن خالتي سبقنا بالباص الذي تحرك قبل ساعة , أريد اللحاق به ،
رد السائق: دعنا نتكل على الله ، انا لا أحب السرعة ، و بإذن الله سنصل . لا تقلق اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده ،وبدا يدعو بدعاء السفر، ثم قال توكلنا على الله ،
سارت السيارة بركابها ، وكل واحد منهم مسافر يريد اللحاق بحلمه ، وهو كذلك، يريد أن يصرخ قائلا: انا سأسافر لاحقق حلمي .
جلس بجوار الشباك وأخرج يده منه ، وبدأ ت رحلة السفر: قال السائق :يا ولدي أدخل يدك داخل السيارة ، ضحك عبادة من كلام السائق وقال سأظل منتبها ، لا تقلق ،
مشت السيارة بسرعة كبيرة ،تصعد وهادا، وتنزل وديانا ، وقلبه يدق مع كل صعود ، ونزول، شعر بالإرهاق الشديد، كانت ليلة امس قاسية جدا ، لم يغمض له جفن ، نام قليلا ، او لنقل أغلق عينيه عله يرتاح قليلا، وظلت يده خارج السيارة استيقظ فجأ ة على صراخ شديد الله اكبر الله أكبر قف قف أيها السائق ، الدماء تنزف من عبادة ، ما الذي حدث ، توقف السائق وهو يقول :والله يا جماعة قلت له انتبه جيدا، لا تخرج يدك من السيارة ، قلت له ذلك،
افاق عبادة على منظر رهيب ، يده جرحت جرحا شديدا من جراء اصطدامها بشاحنة مسرعة ،فاحتك طرف الشاحنة الحديد والذي يبدو كالأسنان الحادة بيد عبادة ففتك بها وقطع من لحمها وكسر عظمها وتهتكت يده بشكل كبير ، بدأت الدماء تغطي السيارة المسرعة ، توقف السائق مشدوها ،
نزل الجميع من السيارة ، وانزلوا عبادة منها ، تفقد الركاب يد الغلام ، الشاب الصغير ، ماذا نفعل ، أين نذهب/
رد السائق: أيها الغلام سنذهب بك لقرب مستشفى ، وهناك يتم العلاج ، لا تخف لن نتخلى عنك ، قال أحد الركاب : انا اعرف عنوان اهله بالقرية ،ساعود مع امه خالتي شمة ، على أحدكم ان يستدعي والده من الحصن ،أسرع السائق بعبادة للمستشفى ، من أجل تلقي العلاج ،
في المستشفى فتح عبادة عينيه المتعبتين ، كانت شمة عند رأسه تبكي : عبادة حبيبي لم فعلت ذلك ؟، لم ألم اقل لك أن لا تسافر، لم يرد عبادة ظل صامتا وينظر لذراعه وقد غطاها الأطباءبالشاش .
جاء الطبيب مسرعا وقال : خالتي ، يجب أن نجري له عملية فورا فهناك تهتك شديد بالإنسجة وإن لم نجري العملية قد تسوء حالته . أين والده ليوقع على الأوراق؟
قال عبادة : ألا استطيع أنا أن أوقع ؟؟
أرد الطبيب : مستحيل .... الأب فقط .
أجابت شمة وهي تمسح دموعها : لم يحضر حتى الآن ، لا نعرف، أين هو؟؟
الطبيب متسائلا باستغراب: كيف ، أين يسكن،؟أين يعمل، الأمر ضروري .
سكتت شمة ، في تلك اللحظة دخلت صفاء ولمى وشقيقها الصغير براء ، أخذت صفاء تبكي همست بأذن شمة :صدقيني لانعلم أين هو؟ لم يبت في منزلنا منذ حوالي خمسة أيام ؟؟
شمة بسخرية : زوجك ولا ،قال الطبيب إن لم يأتي قبل الغروب ، ستسوء حالته وقد يصاب بالغرغرينا ، اعملوا المستحيل من إجل إيجاده ، وخرج .
قالت شمة لصفاءبتوسل : ارجوك أتوسل إليك أين جواد،
صرخت صفاء: اقسم بالله لا أعرف، يقال إنه عند إمراة تسمى ...تسمى.......هنية
صرخت شمة: أرسلي أحد ابنائك لعنده ، لطلبه ولو كان عند الشياطين !!
أمرت صفاء ابنها براء بالذهاب بعد ان همست بإذنه ، سارعت لمى قائلة سأذهب معه وغادرت الغرفة.
توجهت لمى إلى حيث يقال أن والدها هناك، طرقت الباب بخوف شديد، خرجت إمرأة منه ،سألتها :من أنت وماذا تريدين؟؟
ردت لمى: انا ابنة جواد ، أريد أبي من أجل أمر ضروري.
ردت المرأة بغضب: يا إلهي ما هذا ؟؟ألا تملون ؟؟جواد لا يوجد هنا ، لا يوجد هيا اذهبا ولا تعودا مرة أخرى، ثم قالت مهددة:لو علم والدك بحضورك ، ستندمين جدا ، وأغلقت الباب بعنف،
دقت لمى الباب مرة أخرى أرجوك افتحي الباب أخي عبادة بخطر لا بد من إجراء عملية جراحية ، أخبري والدي بضرورة الذهاب للمستشفى ،
ضحكت المرأة ثم قالت : لا بأس لقد تقطع قلبي حزنا على عبادة وعمليته ، سأخبره عندما يعود،ردت لمى لن أغادر مكاني حتى يخرج أبي!ضحكت المرأة بصوت عال ، ثم أغلقت الباب بقوة .
بعد حوالي الساعتين ، فتح باب المنزل، كان الوقت ليلا، وغاب نهار آخر على عبادة ، لمى لا تزال عند الباب، خرج جواد ، أخذ يعبث بياقة قميصه، خرج منتشيا سعيدا ، قال للمرأة سأحضر بعد حوالي الساعة لا تقلقي ، غمز لها بعينيه ،نظر جيدا بالشارع رأى لمى تجلس مع ابنه براء،
انهال عليها ضربا ،صرخ فيها ، هيا اذهبي للمنزل، وأنا سٍاذهب للمستشفى .
نظرت المرأة للمى بشماتة عجيبة، قالت لها بعد مغادرة جواد :أيتها اللعينة ـ من تظنين نفسك، هيا عودي لمنزلكم ، لا أريد مزيدا من الفضائح !!
أسرعت لمى للمستشفى ، لم تخف من والدها ،شعرت أنها قوية، لقد نجحت في إجبار والدها على قطع ملذاته ، أسرعت لغرفة عبادة ، كان السرير خاويا وشمة هناك تبكي بحرقة ، نظرت للمى ، صرخت بها ، عودي من حيث جئت ، لقد قطعوا يد عبادة ، لا حاجة لنا بك وبوالدتك ، هيا اخرجوا من الغرفة ، هيا ،
يتبع

الهام بدوي
19/04/2012, 09:38 AM
الجزء السابع:

في البيت المجاور لبيت سامر، حيطان متجاورة تحوي أسرار ، سكانا، يحملون في قلوبهم وعلى فراشهم هموما، وأحلاما ، كيف تختلط الأحلام مع الهموم؟، وكيف نحملهما معا ؟؟

.لكننا بشر، روح ونفس وقلب وعقل وجسد، طين ونور ، نار وثلج ، كل ذلك نحن ، فكيف نعجب من اجتماع الألم مع الحلم، ذاك يطرد هذا أو العكس، مفارقات ، دوائر نظل نرسمها ،أو ترسمنا ، سيان عند البعض ،لكن عند لمى يختلف الوضع ،فلست بالخب ولا الخب يخدعني، ولكن من هو الخب؟، هنا تكمن الصعوبة،

تمر ساعات الليل طويلة طويلة على لمى، لا تزال مستيقظة ،عيناها تنظران في الفراغ ،حيث لا شيء، ألم فقط يعتصر قلبها,وقهر،،،عظامها من البرد أضحت كالخشب ، لم تعد تشعر بها ، لقد تملكها ،.فماتت،واستسلمت ،أضحت لا تشعر بها،هكذا ارتاحت من الألم ،لم تعد تشعر به، لم لا تنامين يا لمى؟؟ ما تلك النار التي تتأجج في قلبك ؟من أين تأتي تلك الحرارة ؟من أين يأتي طوفان القهر الذي يغرق قلبها؟؟ القهر الذي يتفجر كعيون ماء لا تنضب، كيف وقد ماتت عظامي وجسمي؟ أستسلم لذلك القهر، لكن قلبي لم يستسلم!

ماذا يفعل الإنسان حينما يرفض قلبه وعقله الإستسلام ؟يظل يفكر ويفكر؟؟ رأسها يكاد أن ينفجر من التفكير،، هل يعقل أن يكون التفكير ...التفكير......أقوى حتى من الروح ، يا عقلي يا قلبي، إن روحي تريد أن تنام ، أنام ، تضرب بيدها الضعيفة رأسها ، ترسل إليه أوامر بعينيها ، تغلقهما ، هيا ناما ، ناما ،بلا فائدة ، تعودان وتبحلقان في الا شيء مرة أخرى بقوة أكبر،، أرجوك يا عقلي ،كف عن التفكير، لا أريد أن أفكر،لكن عقلها لا يزال يفكر وقلبها يضج قهرا وألما لا دما،ألم شديد في قلبها تنهدت بعمق أخرجت زفيرا طويلا عل ذلك الألم يخرج ، بلا فائدة،، لقد سكن قلبها تثبت به ،لا مجال للخروج.................... تفكير وتفكير وتفكير ،ثم ماذا؟؟د ما العمل ؟؟لن أستسلم لك يا أبي ، مهما قهرتني،أسقيتني ذلا، لن أستسلم ،قلبي الذي ملئته ألما وقهرا ،سأملئه أملا وقوة وثبات ،لن أكون عبادة، لن تقطع يداي وحياتي ،كما قطعت يد عبادة.

حسنا لأفكر بشئ جميل، مميز، سأفكر بسامر، يا لك من محب رائع ،عاشق صادق، أجئت بعبادة لتخفف همي ؟ أم لتزيده؟ يا لتصرفات العاشقين ، أخذت تبتسم عندما تتذكر عينيه، وهما تنظران إليها بكل خجل، ورويدا رويدا هدأت نار قلبها ، شع نورا عذبا منه ، أخذ يدق بعذوبة ،،برقة،كأنه موسيقى تسمعها ، قصة جميلة تقرأها ، نزلت عليها السكينة سامر، وعيونه الخجلى، طوله الفارع ،نظراته ،لهفته عليها ، نامت ،

لم تستيقظ الا ووالدتها صفاء تقول لها : هيا قومي، لقد جاءت خالتك شمة لزيارتنا مع سامر وعبادة .

سألتها بخوف: أبي أين أبي؟؟

لالاتخافي لقد خرج باكرا ،أخذ حقيبته وبعض ملابسه .



نعم هيا بسرعة قومي

من عندنا سامر، عبادة ؟؟ حسن سالحق بك بعد قليل .

،كانت شمس الصباح في ذلك الشتاء قد ظهرت بخجل شديد، تظهر فجأة فتشع دفئا ،ثم لا تلبث أن تخجل رة أخرى،تغير رأيها ،تغطيها الغيوم السوداء وتعم السكينة المكان،، ضوء وسكينة، دق قلبها فرحا بقدوم عبادة ،يومين متتاليين ،وسامر في منزلنا ، يا لحظ العاشقين الصغيرين

جلس سامر وعبادة على تلك الكراسي،جلست شمة مع أختها فضة :كانت صفاء لا تزال ترحب بهم ،بينما عيون سامر تسأل، تبحث بصمت ،أين أنت ؟؟هيا اظهري ،ألا تريدين السلام على أخيك عبادة؟؟

تعالي يا لمى ،كان قلبه يناديها ، يصيح فرحا ،جاء يوم آخر يا لمى، لا زلنا معا، ولن يفرقنا جواد.

كانت فضة قد جهزت مناقيش الزعتر والجبنة النابلسية اللذيذة وطلبت من صفاء عمل الشاي.

توجهت صفاء للمطبخ ، خرجت لمى من الغرفة ، قبلتها شمة وفضة، احتضنها عبادة طويلا طويلا، تبادلا نظرات عميقة عميقة جدا ،بدون كلام رفع عبادة حاجبة ، ردت لمى لقد خرج، ولا ندري الى أين ، وأخذ معه مجموعة من الملابس ،

ردت شمة بثقة: لا بد أنه الجو الجديد ،هذه عادته وديدنه ،لكنه سيعود .

رد سامر بعصبية: حتى لو عاد لن نستسلم أقصد ،لن تستسلم لمى أليس كذلك ؟؟

اقترب عبادة من لمى التي كانت تضحك من كلام سامر ،

كان صباحا جميلا نديا ، ،

عادت دورة الحياة من جديد في حياة لمى ، غاب جواد أسبوعا كاملا، في تلك الفترة، كان عبادة وسامر ،كل ليلة مع لمى يتبادلان أطراف الحديث والضحك، يفتحان قلوبهما للمستقبل الآتي ،

في ذلك المساء الذي قررت به شمة العودة لقريتهم ، شعر سامر بحزن شديد تمنى لو أ،ن الأيام تتوقف ويظل عبادة وويظل هو في منزلهم،

في تلك الليلة ، كانت الأم صفاء قد جهزت طبقا دسما للعشاء مسخن فلسطيني والذي يشتهر به سكان فلسطين ،

وضعت صفاء السفرة على الأرض كعادة أهل الأردن ، كانت رائحة زيت الزيتون والدجاج المحمر بخبز الطابون والذي غطته بكمية كبيرة من اللوز المحمص والسماق والبصل ، رائحة جميلة ومنظر أجمل ، صفت بجوار المسخن أطباق صغيرة من اللبن الرائب (الزبادي) تحلق الأولاد مع الضيوف حول الطعام ، والسعادة تغمرهم ، دارت أكواب الشاي الزجاجية الحمراء المنكهة بالمرمية اللذيذة ،بعد تناول طعام العشاء ، لا زال سامر وعبادة ولمى يتسامرون ويضحكون ، فسامر يدرس في جامعة اليرموك ، وأخبار الجامعة تثير رغبة لمى بالحياة ، وعبادة استقر هناك بقريتهم الجبلية وقد من الله عليه بمحل لبيع الخضار والفواكه .

اقترب عبادة من لمى قائلا : لمى حبيبتي سنسافر غدا وسأتركك، قد يعود والدي في أي لحظة ،كما تعرفين هو لا يحب مجالستي ولا الحديث معي ، إنه يهرب دائما مني ، وكما ترين مذ جئت هنا ،غادر المنزل ولكني متأكد من عودته ، فماذا ستفعلين ؟

سكتت لمى ، خيم الصمت المبهم على المكان، نظر اليها سامر بحزن شديد وكأن حياته معلقة بكلامها ؟

لا تقلق سأتدبر امري ، لن أستسلم .

أرجوك كوني كما عهدتك ،عرفتك، لمى القوية، لا تظهري ضعفك لوالدي ،حتى لو كنت ضعيفة، لا تستسلمي حتى لو أردت،أليس هذا كلامك لي، عندما قطعت يدي ، لا تجعلي من نفسك أضحوكة ،لا تستسلمي لأنك لو فعلت ذلك ،لن تفقدي حياتك فقط ، بل ستفقدين نفسك ، قلبك، روحك ، وتلك أثمن ما في الحياة أليس هذا كلامك لي ؟



شمة زهرة جمبيلة

نظرت لمى لعبادة بعمق شديد ،عادت بالذاكرة لتلك اللحظة حيث طردتها خالتها شمة من غرفته ،كأنها تطردها الآن

اخرجي اخرجي من حياتنا أيتها الحية الرقطاء ، اخرجي أنت وأمك ،انفثي سمومك بعيدا عنا ،،نظرت لمى لخالتها شمة وهي تتبادل أطراف الحديث مع أمها وتضحك، ضحكة صافية جميلة كالاطفال تماما،وجهها يضج بالحياة رغم كل المآسي التي مرت عليها والتي زادتها صلابة، هكذا هي شمة تلك الزهرة الجبلية الشامخة ،هي ليست تلك المرأة التي طردتها ،لم تعلق نظرت إلى خالتها شمة وكأنها تراها لأول مرة ، إمرأة جريحة مكسورة ، منهارة محطمة ، نزلت دموعها من عينيها تمنت لو أن جسمها يتضاءل فلا تراه خالتها حتى لا تثير وتزيد أحزانها، تمنت لو أنها تستطيع أن ترجع الساعات للوراء ،لو أن ما تراه خالتها شمة حلم مزعج ،عليها جاهدة أن توقظها منه،لكن هيهات هيهات

خرجت لمى مقهورة تبكي ،دموعها على ووجنتيها ،لم تكن تلك التي طردتها خالتها شمة، بل شخص آخر ،شخص لا تعرفه ،تراه لأول مرة، شخص مذبوح من الألم ،مقتول من الحسرة هل يقتل الهم والالم ؟؟،و كيف هي طريقته في قتلنا؟؟ كيف استطاع الألم والحسرة أن يقتلا شمة؟ الحكيمة الرائعة الصبورة ؟؟التي طالما أعجبت بها وبقوتها ،خاصة عندما أراها بثوبها الرائع ،و عمامتها السوداء كالملكة المتوجة ،لم تكن تتخيل أن تلك المراة ستنهار من الألم ؟ أي ذهبت تلك الشمة ؟؟بكت عليهما معا ، ذراع أخيها المبتورة ، خالتها شمة المفقودة .



بعد حوالي عشر دقائق ،فتح الباب، مرة أخرى ظهرت شمة بكامل جلالها، أوه يا الهي ،لقد عادت شمة القوية ،نظرت إليها بعطف شديد، وحزن قاتل، تسائلت لمى: هل تريد أن تنقل حزنها الي ؟؟خافت ،،دق قلبها بعنف نادتها :لمى حبيبتي تعالي ادخل ادخلي ، لا ذنب لك بكل ما حصل، تعالي ياصغيرتي ، علينا أن نصبر ونتحكم بألمنا ، عندما يأتي عبادة وقد قطعت يده .................. سكتت ....بكت... نزلت دموعها حارة حارة ،قالت بصوت ثابت :عندما يأتي عبادة ،وقد قطع جزء من يده، يجب أن نكون أقوياء ،عليه ألا يرى دموعنا أبدا ،بل ابتسامتنا ،الحمد لله ذهبت ذراعه، لكنه بقي لي ،بقي كله لي، هذا هو المهم يا لمى حبيبتي ،علينا أن نكون أنا وأنت أقوياء، لن تهزمنا تلك اليد المبتورة ،سكتت لمى، نظرت إليها مندهشة، من أنت يا شمة؟؟ أي امرأة حكيمة أ؟؟نت من أين تأتين بكل تلك القوة والحكمة يا لك من امرأة جميلة ،حتى وأنت منكسرة!!

احتضنتها ،قبلتها ،قبلت يديها، خالتي أنا أحبك كثيرا ،متأكدة أن عبادة ،سيقى عبادة الذي نحب ،هذا ما يجب أن يحصل !!

ردت شمة :نعم صدقيني يا ابنتي، نحن من نخنار مصائرنا ،نحن من نقرر ما الذي سيحصل ،لن نجعل من حادثة بسيطة تدمر حياتنا ،هذا ما قلته عندما تزوج جواد بأمك ،قلت لنفسي يا شمة لن تجعلي من نفسك أضحوكة ،لن تهزمك تلك المرأة الجديدة ،لن أسمح لها بهزيمتي ،وفعلا لابد أن أمك حدثتك عني وكيف استقبلها بترحاب ، وأنا هنا أيضا لم أنهزم ،لن أجعل جواد يهزمني أبدا ،وذراع مبتورة تهزمني، سأستقبل عبادة بكل ترحاب ، ونستقبل كل من يزورنا كذلك،

فتح باب الغرفة ، دخل عبادة على سرير أبيض وقد غطى الشاش يده المبتورة ،كان منظره على ذلك السرير مهيبا، عجيبا فراغ رهيب بجهة جسمه الأيمن،في الجهة الأخرى نامت يده اليمنى، بكل حزن واستسلام ،هل يشعر جسمنا بالألم والحسرة على بعضه البعض ؟؟شعرت لمى أن تلك اليد السليمة تبكي بحرقة على شقيقتها على ،وحدتها ،على المسؤولية الملقاة عليها ،كان عبادة رغم أنه نائم، يضغط بيده بقوة ويقول لالا ،،أريد يدي لا تقطعوها .

اقتربت شمة منه، قبلته ،مرت بيديها على جبينه ، تتحسس ذلك الشا ش الأبيض ،تحسست يده الثانية، دموعها تنهمر بغزارة قالت:أيتها اليد المخلصة ،حمدا لله على أنك بخير ،عظم الله أجرك بشقيقتك التي بترت، والله ان الحزن يملآ قلبي عليها مثلك ،لكنه قضاء الله ،وكل الخير بك،لثمتها ،وكأن تلك اليد تسمعها ،احتضنتها كطفل صغير .

بدأ عبادة يستيقظ من البنج، حرك قدمه ،فتح عينيه ،نظر لأمه أقبلت عليه ،قبلت ما بين عينيه ،حبيبي عبادة ،حمدا لله على سلامتك .

رد بسرعة:أمي هل جاء أبي ؟؟ هل أنا بخير ؟؟

ردت بلهفة: نعم أنت بخير .

نظر بحسرة لذراعه، هل قطعوها ؟؟ألم يحضر والدي؟ لم قطعوها لقد ذهبت لمى لإحضاره أليس كذلك يا لمى؟؟الم يحضر والدي؟؟ لم قطعوها ؟؟

ضمته شمة، احتضنته،أخذت تبكي ،وتبكي، عبادة ،اهدأ يا حبيبي .

اقتربت لمى منه، قبلته قبلت يده السليمة ،حبيبي عبادة أنت بخير، بقوة

صرخ بألم : لقد قطعوا يدي يا لمى، قطعوها قطعوها ،أنا بلا يد الآن!!

ردت لمى :أنت بخير،أنت عبادة القوي الذكي،أنت لست يد يا عبادة ،قوتك ليست يدك، قوتك بعقلك عبادة ،بإرادتك، بعزيمتك،،إن ذهبت ذراع،فلديك أخرى ،ولديك عبادة، لا تستسلم يا عبادة ،كن قويا مثلما عرفتك دائما .

سكت، تنهد قويا، لقد حطمني والدك،

لالالا همست لمى ،ووجهها قد غرق بدموعها، لالا لا تسمح لأحد أن يحطمك، حتى لو كنت محطما، لا تسمح لأحد ان يهزمك ،حتى لو كنت مهزوما، لا تسمح لأحد أن يسلبك إرادتك حتى لو قطعت يدك ،

ردت شمة :عبادة حبيبي، سيأتي والدك الآن، لا تبكي قهرا حتى لو كنت مقهورا ،لا تجعله يرى دموعك ، كن قويا كن عبادة

ليتني أستطيع ،ليتني استطيع، لقد فقدت يدي، وأنتم تقولون كن قويا؟؟يدي؟؟

لمى:فقدت يدك؟؟ لكن عقلك معك، لم تفقد إرادتك،

رد عبادة ما أن سمع كلامها، حتى نام مرة أخرى

اقتربت شمة من لمى وقالت :شكرا لك يا ابنتي ،شكرا على كل شيء لن أنسى لك هذا الموقف، كوني دائما قوية ،فالحياة لا تحترم إلا الأقوياء ! كانت تلك العبارة التي لن تنساها لمى أبدا .

نظرت لمى لشمة تلك المرأة القوية، مهما حصل سأبقى قوية مثلك ،، لن أستسلم ،

في الصباح كان الوداع مؤثرا جدا ، فجأة عم الهدوء المكان ، ودعت لمى عبادة وخالتها شمة بعيون مليئة بالأمل بالحب بالإرادة ، استعد الأولاد للذهاب للمدرسة ،تتقدمهم لمى ، فجأة فتح باب المنزل، وكان جواد ،نظر للمى نظرة احتقار شديدة ، صرخ أين أمك ؟؟صفاء صفاء.

جاءته مسرعة : حاضر ،حاضر.

صرخ :لمى هيا عودي للغرفة بسرعة،جهزي ملابسك الآن ،

صفاء جهزي لي بعض الملابس، وساعدي لمى بتجهيز حقيبتها سنسافر الآن أنا ولمى الآن هيا بسرعة

يتبع

الهام بدوي
19/04/2012, 09:41 AM
الجزء الثامن:

نظرت لمى لوالدتها وهي ترتب ملابسها البسيطة في تلك الحقيبة الجلدية القديمة ، تساءلت ما سر استسلامك ، هدوئك العجيب، أهو الرضى الذي تكلمت عنه خالتي شمة ، كم أحزن عليكما ، أم أحزن على نفسي المتمردة

،هل أقول

دع الأيام تفعل ما تشاء .. وطب نفسا بما فعل القضاء ..........

.ولا تحزن لفاجعة الليالي ...........فما لحوادث الدنيا بقاء ................

.ولكن كيف يمكن تحقيق هذه المعادلة الصعبة ؟

يا شافعي؟؟ أليست الأيام هي أعمارنا ، حياتنا ،حسنا سأطيب نفسا بما فعل القضاء ، ولكن بعد أن أقرر ماذا أفعل؟نحن من نقرر حياتنا ، أنا من أقرر ، وليس جواد ياأمي ، يا خالتي شمة ،والله يفعل كل الخير وما يشاء، شعرت بحماس شديد، براحة ، ذهب الخوف عن قلبها تلاشى، اقتربت من أمها قائلة :إلى أين سنسافر برأيك؟؟

سكتت صفاء ، كانت تعرف أين ؟؟إلى تلك القرية الجبلية الغافية هناك في جبال عجلون ، مسقط رأس أبيها ، حيث فاطمة ، ومحسن، حيث عبادة وشمة ،

ردت دون أن ترفع عينيها : أعتقد قرية والدك ،سكتت صفاء ، أخذت تعبث بيديها بحركة لا شعورية تربت على الملابس، تنفض الغبار عنهم، قد يكون هناك ما يريده والدك أيضا.

خرجت لمى وبيدها حقيبتها ـ، اقترب منها جواد قائلا: لمى لا أريد مزيدا من الفضائح ، والاعتراضات ، لقد فهمت جيدا ما أريد، وعليك تنفيذه، صدقيني ستكونين سعيدة .

سعيدة ؟ حقا، نظرت إليه تكلمت بعيونها ، ما أدراك أنت بسعادتي ،سعادتي أم سعادتك!! ،خنقت تلك الأفكار ،وأعقبت : لكني أريد إكمال دراستي يا والدي ، ومحسن شخص جاهل لم يستطع أن يكمل حتى الابتدائية!!

نعم لكنه رجل رائع، أنا أفهم بالرجال جيدا ، اسمعي كلامي ولن تندمي أبدا !

نظر إليها بعينين قويتين تحملان إصرار ، عزما ، تبرقان بفرحة الانتصار،

تنهدت صفاء ، نظرت اليهما وقالت لقد انتصر، كعادته دائما ،ينجح بالحصول على ما يريد ، كيف لا أعلم !لكنها نظرت له بنفس النظرات القوية ،متسائلة ،وكأن جواد سمع تلك الأسئلة ، فحرك عينيه بعيدا عنها ، هيا هيا بنا حتى لا نتأخر بسرعة !

تبسمت لمى من حركة هروب عينيه ، هذه أول مرة تشاهد والدها خائفا من نظرة عينيها الصامتة، يا إلهي إنه رجل يمكن قهره بنظرة ،

ركبت تلك السيارة القديمة ، تحمل همومهم ،أحلامهم، بدأت الشمس ترتفع في كبد السماء، نظرت لطالبات المدارس ، لم تشعر بحسرة ، قالت سأعود مرة أخرى وسأرتدي ذلك المريول الذي أعشق، لن أدعك تحرمني منه،

بدا في البعيد جبال عجلون العالية خضراء وجرداء ، بساتين وحقول الزيتون، الأخضر ، وجه السماء في غاية الروعة غيوم تنقشع ليأتي بعدها غيوما أخرى، يا لمسيرة الحياة التي لاتنتهي ، تعلمي يا لمى من تلك الغيوم، إن كنت قوية ، لن يهزمك أحد ،فهناك دائما فرص عديدة والسماء تتسع لجميع تلك الغيوم، التي تتزاحم في فصل الشتاء، وكل أرض تشتاق إليها ، وكل سماء تفتح ذراعيها لها ، إلعبي أيتها الغيوم ففصل الشتاء هو فصلك، إمرحي أيتها الرياح فأنت ملكة شتوية مجللة مكرمة، وكذلك أنا ، إمرح والعب يا جواد فقوتي معي ، وسمائي واسعة ولن أعدم الحيلة، وإن سقطت مرة ، فلأقوم مرة أخرى، لن أركع لك كما شمة وصفاءـ نظرت لأبيها بالسيارة وقد ركب شخص بجواره ، وأخذا يتبادلان أطراف الحديث وبسرعة البرق استطاع أن يسيطر على الجو، بسفره الدائم، بشخصيته الآسرة ، بثقافته الواسعة، قراءاته المتعددة المشارب ،حتى لمى أخذت تستمع له بانتباه شديد،أعجبت بأفكاره الثورية، انتمائه للملكية الأردنية ، وحبه الشديد للناصرية، كره الشديد لليهود ، وعشقه وإخلاصه للجيش الآردني الذي ينتمي إليه، شخص يعرف ماذا يريدبالتحديد.....ولكن من يستمع له يضيع !يتوه!.لكن بإعجاب شديد وانبهار!!.....

قال جواد للمى: يا إلهي يا لمى ،،ذكرني هذا المشوار بأول مرة جئت بها إلى قريتنا، وكانت معي أمك ، كنت أحمل سعادة الدنيا كلها بين ضلوعي ، وانا الآن كذلك ،،،،،ونظر إلى جبال عجلون العالية بفرح كبير يتعجل سعادته القادمة ، نظرت لمى أيضا بقوة وثبات ضمت شفتيها وتنهدت.

هاي هي الآن تجلس في غرفة كبيرة بمنزل خطيبها المزعوم محسن ، والدها كلأسد الهصور ،أحضر معه غنيمة مميزة، فخور بها ،سلمها للعيون الجائعة ، تريد أن تهش لمى، من أنت التي يصر محسن على الزواج منك،من أنت يا ابنة هذا الرجل العظيم جواد، اقتربت امرأة كبيرة بالسن منها ذكرتها بخالته شمة ، سلمت عليها ، احتضنتها ، توالى قدوم النسوة الجبليات للسلام أم للنظر وتناول تلك الوجبة الدسمة ،

اقتربت منها فاطمة، أخيرا جئت يا لمى ، لقد استطاع جواد اقناعك، إنه شخصية ساحرة ،

جلس الجميع ، خيم الصمت على المكان، تكلمت العجوز، أرجو أن يكون قدومك قدوم خير على منزلنا وعلى ابني محسن، وأن يعوض الله ابنتي فاطمة خيرا بزواجها من جواد،

تم وضع الطعام ،قدمت صحون كبيرة مليئة بالأرز و قطع اللحم الكبيرة الناضجة برائحتها الزكية ، وقد نثر فوقها حبات اللوز المحمص والبقدونس، وبجوارها وضعت صحون عميقة ملئت بالجميد الأبيض الدسم ،بدأت ترتفع أبخرة الطعام عاليا ، فالجو بارد جدا ، وهناك في طرف الغرفة ، منقل نحاسي كبير ،رصت فوقه جمرات الفحم الحمراء، فعلا كما قالت العرب النار فاكهة الشتاء، يشع جو من الهدوء والسكينة الغرفة،ما مصدره ؟؟لا تعرف، اهي جمرات الفحم الحمراء التي تبعث الدفء والخدرفي العقول، ام سعادة تلك المرأة العجوزبتحقيق احلامها دفعة واحدة، كيف يجتمع تحت سقف واحد آلام وأحلام منهارة،أفراح وأماني محققة، بفرح شديدقالت العجور للمى : ، تفضلي ، هيا يا لمى ، المنزل منزلكم ، أهلا بكم .

اقتربت لمى من الطعام، لا تريد أن تأكل ، لكنه الجوع ، والرائحة اللذيذة، سآكل ، وسأنتصر.

تسابقت العجوز وابنتها فاطمة بوضع الطعام للمى ،دارت كؤوس الشاي برائحة النعناع الجميلة ، فشربتها الأفواه العطشى ،ثم وضعت صحون كبيرة ملئت بفاكهة الشتاء اللذيذة ، تلقفتها الأيدي بسرعة كلهم يأكلون ويشربون والحياة مستمرة ، تذكرت الغيوم في السماء، غيوم تأتي لتذهب أخرى ، وهكذا الحياة على الأرض، لكني غيمة غريبة، ومكاني ليس هنا، ترحبون بي، تطعموني ، لكني لن أمطر هنا أبدا !!

اقتربت منها العجوز وبيدها قلادة ذهبية ، حملقت نساء العائلة كلها بتلك القلادة الكبيرة الثمينة ، أصرت العجوز الطيبة على ان تلبسها للمى !!طيبة هذه العجوز، يا إلهي ،هل ضعفت، تأثرت ؟؟لالالا لن ينتصر علي جواد أبدا ،

ضحكت ،شكرت العجوز ،رفضت بأدب،أصرت العجوز بحب ، أضافت قائلة: والله لو ألبسناك ذهب الدنيا لن نوفيك حقك يا ابنتي ، محسن ابني العزيز الغالي، أرجو أن يعوضه الله بك !

يا إلهي هذه الحملة تكررت للمرة الثانية ؟؟ما الأمر ؟؟

ابتسمت النساء ،وفجأة ارتفعت الزغاريد !! لقد جاء الشيخ لعقد قران لمى وفاطمة ، محسن وجواد، دق قلبها كيف سيعقد؟؟ كما في أربد؟؟ هل سيستدعوني؟؟

بعد دقائق مرت كدهر طويل، عم الصمت على الجميع ، فجأة جاء أطفال صغار يصرخون ، مبروك عمتي فاطمة مبروك ، ارتفعت الزغاريد مرة أخرى عالية جدا ، صارت ترى أفواه مفتوحة، اسنان كثيرة تكشر ام تضحك سيان عندها ، شعرت أنها فوق لقد صارت غيمة مرة أخرى ، ما علاقتي بتلك الزغاريد، يا إلهي تلك الغيمة التي صعدت لأعلى هي روحي مرة أخرى تخلت عني ، أين أنا ؟؟ ماذا أفعل هنا ، لمى... لمى... أين أنت ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟أين أنت ، أين لمى ؟؟ من التي تجلس هنا ، تتلقى التهاني والقبلات ؟؟ من ؟؟ إنها أنت ،عودي لصوابك هيا عودي !!!

تقدمت العجوز مرة أخرى ، أمسكت بيدها أعطتها رداء أسودا فاخرا جدا ، طرز بخيوط ذهبية من القصب الثمين ، كان من القطيفة الرائعة ، هيا حبيبتي ادخلي الغرفة وارتدي ذلك الثوب ، أنت جميلة جدا طولك الفارع ، وجهك الجميل الذي لا يحتاج أي شيءمما تضعه النساء في التلفاز، هيا حبيبتي البسي هذا الثوب وزيديني فرحا وسرورا !!

تحركت لمى ، أمسكت بالثوب، قبلتها المرأة ، بحرارة شديدة ، جاءت فاطمة مسرعة مسرورة ، هيا حبيبتي ، تعالي لتري غرفتك ، الجميلة ،

توجهت لمى مع فاطمة والتي تكاد تطير من الفرح، أخذت تهمس بإذنها :شكرا لك يا لمى ألف مبروك ، صدقيني لن تندمي أبدا ، أخي محسن رائع طيب، وسيسعدك، أما جواد ،أحمر وجهها سكتت ، يا إلهي ماذا أقول، رجل راااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااائ ع .

رفعت لمى عينيها إليها ،رااااااااااااااااااااااااااااائع جدا، لم تكن تشعر بشيء، استسلمت لقدرها ، دخلت الغرفة ، كبيرة جدا ونظيفة، هناك خزانة نحاسية صفراء كبيرة بستة أبواب ، وبجوار تلك الخزنة سريرنحاسي كبير وضع عليه لحاف أبيض اللون كعادة أهل الريف، ساعدتها فاطمة في ارتداء الفستان الجميل ، أشرق وجهها بشكل كبير، بدت كعروس أسطورية ، مشطت فاطمة شعرها الناعم الأشقر الجميل، نظرت لعينيها ، تريد وضع قليل من الكحل الأسود، ضحكت فاطمة وقالت، لقد أحضرت لك علبة مكياج حديثة مثل أهل المدن، ظلال عيون وأحمر شفاه ، فتحت درجا صغيرا وأخرجت منه تلك العلبة، هيا حبيبتي ضعي منها ما تشائين ، رغم أنك لا تحتاجين لها ، ضحكت ،،

أخذت لمى العلبة، فتحتها ، نظرت إليها ، تناولت فرشاة صغيرة، وضعت قليلا من الظل فوق عينيها الزرقاوتان الجميلتان، نظرت جيدا في المرآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآة ، من أنا ؟؟ أين لمى؟؟

أكملت فاطمة المهمة، خرجا معا بعد أن ارتدت فاطمة أيضا ثوبا فاخرا ،

زغردت النساء مرة أخرى، كبرت المرأة العجوز هللت صلت على رسول الله ، قالت أدعية كثيرة جدا ، سمعتها لمى جيدا، ولكن كل تلك الأدعية لي للمى؟؟

بدأت النساء ترقصن وارتفع صوت الغناء، السعادة الكبيرة تملأ المكان ، متى ينتهي كل هذا ويحضر والدي لخوض معركتي؟؟

يبدو أن جواد هناك ، بالبعيد، لالالا سيحضر لابد أن يحضر ليرى فاطمة ،، حبيبته .

وفعلا مرت ساعات طويلة بدت كدهر، لكن لمى انتظرت بثبات عجيب، وهدوء غريب، ابتسمت كما أمرتها أم محسن، رقصت كما أمرتها فاطمة ، كانت كالحمامة المذبوحة، روحها هناك تحلق بالبعيد في سقف الغرفة، كلما نظرت إليها ، شعرت بسكون عجيب، وهدوء، واطمانت أنها لا تزال على قيد الحياة ، جسدي ينفذ ما تريدون ، لكن روحي قلي عقلي، ملكي أنا ،

انصرفت النساء بقدوم الليل، بعد تقديم التبريكات ، دخل جواد ومحسن ، كفرسي رهان ، دخل جواد أولا، منتشيا ، مغرورا ، سعيدا ، كالملك المتوج، اقترب من لمى قبلها مبروك حبيبتي ، ألف مبروك ،تقدم من فاطمة، قبل ما بين عينيها ،شعرت بخجل شديد ، وفخر أشد،أمسك بها من كتفيها أمام والدتها ، قبل يديها بعمق، رفعهما عاليا ،أرجو أن تكون حياتنا كلها سعادة، ثقي تماما بذلك، يا لك من داهية ، هكذا ـتأسر قلوب النساء يا أبي، كادت فاطمة أن تذوب خجلا، تكاد لمى أن تسمع دقات قلبها ،لقد نجح بالسيطرة عليها تماما كما شمة وصفاء،والآن فاطمة!!.

ارتفع صوت دعاء الأم: جواد أيها الغالي ،جعل الله أيامك كلها بركات ،وكرم ،كما أكرمت ابنتي يا رب!

في البعيد يقف محسن ، بكل خجل ، خوف، نادته أمه هيا محسن ،سلم على خطيبتك ،

اقترب ببطء شديد ، لم يرفع عينيه ، أعقبت إمه :إرفع عينيك ، أنظر لخطيبتك !!

فجأة عادت روحها إليها بقوة ، دق قلبها ، خطيبتك!! وليس زوجتك!!هناك دائما أمل وسماء جديدة ، نظرت إليه بقوة وجرأة ، عادت لمى التي تعرف، هيا تعال يا محسن ، قالت له ذلك بعينيها ، بسخرية واضحة، شعر بها والدها فورا

صرخ على محسن:محسن ما بك، إقترب من لمى سلم عليها !هيا هيا !

دق قلب لمى ، في كل معركة هناك جواد !!!................يتبع

الهام بدوي
19/04/2012, 09:46 AM
الجزء التاسع





اقترب محسن رويدا رويدا من لمى ،كالنمر الذي يريد أن ينقض على فريسته، كانت عيون معلمه الكبير تنظر إليه تحثه على الانقضاض ،عدمإضاعة الوقت، هيا انظر لها بعينين قويتين ،آسرتين، هيا لقد روضتها جيدا لك، هيا ،استغل ضعف قوتها وانقض عليها ، كل ذلك سمعته لمى من عيون أبيها وهي تلاحق محسن وخجله، لا يريد أن يخسر معركته ، كأن ذلك الزواج المدبر خاص به هو بجواد ، وليس محسن ولمى !!تحرك جواد، اقترب من محسن أمسك بيده ، ومشى معه نحو لمى ، الواقفة باستسلام، وكأن الموضوع لا يعنيها ، تنتظر نهاية مسرحية طالت كثيرا ، مسرحية سمجة ،عنيفة ، للأسف الشديد هي بطلتها !!

زغردت الأم مرة أخرى ،باركت وهللت، كل ذلك لتشجيع محسن، أمسك جواد بيدها ، ناولها لمحسن ، الذي أمسك بها بكل ضعف، لأول مرة تلمس يدها يد رجل غريب عنها ، شعرت أن روحها انسلت من يدها ، ماتت تلك اليد فليأخذها ،ظل ممسكا بيدها ويقف صامتا، رفع عينيه ببطء شديد، كانت تنظر إليه باستغراب!!من أنت أيها المحسن الذي قلب ليلي نهارا ؟ من أين جئت وكيف أنتصر عليك؟ رغم ضعفك الظاهر، وجهلك ، وترددك، انتصرت علي وعلى إرادتي ، فعلا إن لله جنودا لا يعلمها إلا هو!!فمن هم جنودك يا محسن، أمك ، جواد، فاطمة، كلهم يعملون من أجلك؟

جلست على تلك الكنبة الكبيرة ، جلس بجوارها ، شمت رائحة غريبة، أهي رائحته ؟؟سمعت أنفاسا متلاحقة أهي أنفاسه؟زفير بشع،وشهيق طويل أبشع !، نفرت من ذلك الشعور ، وبكل هدوء انسحبت قليلا، ظل مكانه!

هناك في الطرف الآخر من الغرفة جلس العصفوران الصغيران جواد وفاطمة، يتضاحكان ويتبادلان أطراف الحديث بحب وشوق، قامت الأم أحضرت قهوة عربية بفناجين مذهبة وألوان غريبة ، صبت القهوة ، شرب والدها وكانه يريد أن يثمل، من أنت يا جواد، أي جواد كاسر أنت، أي امرأة تستطيع ترويضك؟؟أهي فاطمة؟؟ ضحكت ،لقد روضك فورا ، ها أنت شمة وصفاء رقم ثلاثة ، والبقية تأتي،ما سر قوتك؟؟

خيم الصمت الرهيب عليها وعلى محسن ،ظل صامتا ثم تكلم، وتكلم ،لكنها لم تسمع شيئا من حديثه ،بل حتى لم تره ،

بعد مدة طويلة من الزمن ، أحسبها مرت دهرا على لمى ، قامت ، اقتربت من والدها ، نظرت إليها فاطمة ، كالقطة الشرسة بعينين مستنكرتين،ماذا تريدين ؟؟لم تأبه لتساؤل عينيها ، همست لوالدها :أريد أن أنام أشعر بتعب شديد .

سكت جواد، كان في قمة تألقه ،تمنى ليلا لا ينتهي ، يا لليل العشقين القصير ،تبادل النظرات مع خطيبته التي فهمت ،أومأت بعينيها لوالدتها ،

قالت الأم: غرفة الضيوف جاهزة ،للنوم ، تفضل يا أبا عبادة ، ولتنم لمى معي في غرقتي أو غرفة فاطمة ، المنزل كبير ولله الحمد !

شعرت لمى بهلع شديد ، لالالالا صرخت بصوت مخنوق لالالا أريد النوم عندكم دعوني وشأني ، نظرت لوالدها الذي سمع صيحتها ، فقال متداركا ، شكرا شكرا ،ننام هنا، نظر لفاطمة ضاحكا !

خافت لمى ، نوم أين ننام ؟؟أسرعت بإجابة تلك المراة: لننام في منزل خالتي شمة !!

رد جواد بعصبية ، خالتك شمة ؟؟لالا ؟

ردت العجوز:طبعا ناموا هنا ؟؟ما رأيك يا جواد ، بعد أسبوع سيكون الزواج بإذن الله ، فلتناموا عندنا هذه الليلة بل كل ليلة !

ضحك جواد ،احمر وجه فاطمة قال جواد : هذا ما أتمنى وأحلم يا عمتي ،

أسرع محسن :عمي جواد، هناك غرفة للضيوف.

رفضت لمى بإصرار :أريد أن أنام في منزل خالتي شمة ، نظرت لأبيها بإصرار وبلغة العيون، حسنا لقد نفذت لك ما تريد ، نفذ الآن أنت ما أريد أنا !

خاف جواد من تهورها ، شعر بقلق من نظرات عينيها ،لقد صارت تجيد هذا الفن ، الذي هو أستاذ فيه ، أوامر صامتة قوية من عينين صارمتين بلا كلام !!

حسنا حسنا ، تصبحون على خير ،

لحقت فاطمة جواد حتى باب الغرفة ، خرجت لمى تنتظره بالخارج في البرد القارص وبجوارها محسن الذي لا يزال يثرثر بلا صوت ، ظل الزوجين العاشقين فترة داخل الغرفة ، وقفت العجوز بجوار لمى ، أكدت عليها بتناول طعام الغذاء غدا عندنا وأنها لن تسمح لها بالنوم غدا إلا عندهم ،رضيت بذلك أم أبيت !!

بعد دقائق طويلة جدا، خرج جواد ، رتب قميصه جيدا ، أصلح قبته ، وأغلق أزارا الجاكيت الأسود الصوفي الذي يرتديه ،

مشت لمى بطرقات قريتهم الجبلية، الظلام شديد، رافقهم محسن حتى منتصف الطريق،



الجزء العاشر:القرار الصعب

كان طريق العودة لمنزل شمة ،طويلا طويلا، مظلما ،ليل حالك، ريح تعوي، تزمجر، تصيح بوالدها، تعبث بثوبه، لا يأبه لها ، تلفح وجهه ، تضرب بسياط باردة يديه ، عينيه ، بلا فائدة، شعرت لمى ان الكون كلها يثأر لها ،لهزيمتها ، لضعفها، يقاتل معها، ولكن بعد فوات الأوان ، لقد تم لجواد ما أراد ، فارعدي يا بروق، وامطري يا غيوم، وواقصفي يارياح ، اضربي بقوة، حطمي ، زلزلي، فجواد ثابت ،منتصر ، لا يأبه لكل ذلك

مشت لمنزل خالتها مشية المنكسر، كل الكون يمشي معها، ليل طويل أسود حالك يسير بجوارها ، يتبعها، يلحق بها ، ماذا تريد مني أيها الليل، أيتها الريح ، أيتها الغيوم، لقد خسرت معركتي ، وضاع حلمي ، فما أنا بالميتة ، ولا أنا على قيد الحياة، وأي حياة تنتظرني، ؟؟

كان جواد يطير طيرا ، شعرت أنه بات ضخما جدا، يداه قامته، مشيته ، كأنه عملاق ، وهي تسير بجواره، كأنها هباء، غبار، تثيره أقدامه على الأرض، ما أصعب طعم الهزيمة ،ما أمره، تضاءلت لمى ، حتى تلاشت ، فلم تعد تشعر بليل الشتاء ولا برده ولا حتى ريحه .



وصلت العروسان لمى وجواد إلى منزل شمة ، التي كانت بانتظارهم ، فكل أهل القرية لا حديث لهم إلا زواج جواد ولمى !!

استقبلتهم كعادتها ، بكل ترحاب ،همست للمى:ألم أقل لك إنه يفعل دائما ما يريد؟؟نظرت إليها لمى بلا عيون ، بلا نظرات ، لم تكن ترى شيئا ، لا ترى ولا تسمع إلا هزيمتها، تمشي في جنازتها، عويل وصياح قوي يجتاح روحها وقلبها ،لم تكن تتخيل روحا تصيح تبكي، ترثي صاحبها، حتى متى ستبكين يا روحي، حتى متى تصيحين آللآ ن ، تبكين؟؟بعد فوات الأوان !لقد تعبت حتى من بكائك، وهروبك ونواحك، أريد صمتا سكوتا،موتا،يجتاحني ،!!فأي نواح وعويل وبكاء أسمع منك يا خالتي ، لا طاقة لي بذلك !!

صرخ جواد :شمة ابتعدي عن لمى ،إياك أن تسممي لها أفكارها ، لقد انتهى الموضوع ، وتم كل شيء على ما يرام، .!تبسم بسمة الواثق من نفسه ،

شمة/لقد سمعت كل القريةالزغاريد، ما أشبه اليوم بالبارحة يا جواد

رد بضيق شديد: ألا تملين من الحديث عن القديم ؟؟

سكتت شمة لم تعلق ،ردت لمى :خالتي شمة أرجوك أريدأن أنام .

أمسكتها شمة من يدها قالت لها بكل حب وعطف ، تعالي حبيبتي تعالي، لقد جهزت لك فراشك، نظرت لجواد أضافت أنت تعرف أين تنام ،ضحك جواد من كلامها ، طبعا طبعا لم يتغير شيء في المنزل !!

لا تزال غرفته الملكية بسريرها الكبير وفراشه الوثير ، ينتظره ، مشت لمى مع خالتها تجر أقدامها جرا ، ما أن أوت لفراشها ، حتى عادت عينيها تبحلقان في السقف مرة أخرى،

جلست شمة بجوارها ،ربتت على شعرها ، قالت لها أتنامين بثوبك هذا يا حبيبتي؟؟

-لا طاقة لي بتغيير ملابسي يا خالتي أرجوك دعيني.

-حسنا نامي يا صغيرتي ، وغدا يوم آخر ، جديد وأمل جديد!

ضحكت لمى ،غدا يوم آخر آخر؟؟

أجابت : نعم يوم جديد ،



اي يوم آخر يا خالتي، لقد تعبت حتى من الإنتظار! ، وضعت رأسها بين ركبتيها بعد أن قامت بثنيهم معا ،

ردت شمة: آآآآآآآآه يا لمى ، ما أشبه هذه الليلة بليال قديمة عشتها قبل عشرين أو خمسة عشر عاما ، الألم والفرح، القرب والبعد، الشوق والجفاء، كل شيء يشبه بعضه البعض، نحن يا ابنتي من نصنع الفرق، من نصنع كل هذا، من نحول الحب كرها، والشوق جفاء، نحن ،

سكتت شمة ، نظرت لها لمى بعمق شديد ، لم تفهم شيئا، لا تريد أن تفهم شيئا، لكن شمة مصرة على الكلام، عل كلامها هذا يجعل لمى ترتاح، تنام، أم هي التي ترتاح، تثأر لنفسها ، معادلة صعبة، نحن و الأخرون!!

بدأت تحكي لها قصتها ،غاليتي لمى ، أنا انجبت ستة من الأولاد ، وبنتين فقط، منذ صغرك أعتبرك مثل ابنتي تماما ،فرحت بك كثيرا ، قلت لربي، يا إلهي جعلت جواد يتزوج صفاء حتى أرزق أنا ببنت !! دعيني أقص عليك قصتي يا غاليتي

وبدأت تحكي شمة، المرأة الحكيمة الصبورة ،قصة عشقها ، وحبها لجواد، إخلاصها له ، عادت للوراء سنوات عديدة !!

في الطرف الآخر من تلك القرية الجبلية الغافية في أحضان جبال عجلون العالية ،تنام قرية تفوح في شوراعها الضيقة رائحة الزيتون والعنب واللوز وخبز الطابون الذي ينضج على قطع الحصى الحارة في تلك الأفران الطينية فيتشرب ذلك العجين رائحة الطين المحترق،وطعم الحصى ،أي طعم هو ؟ لتخرج تلك الأرغفة مع شروق شمس الجبال القاسية ،لتتلقفها الأيدي الجائعة ،وتغرقها في زيت الزيتون العجلوني، الذي عصرته معاصر جرش الشهيرة، التي تحمل بين حجارتها رائحة تاريخ قديم موغل بالقدم.

وهناك بين البيوت المتناثرة تنام على وسادة ملئت من صوف الأغنام الجبلية القوية، إمرأة جاوز عمرها الثلاثين دموعها تنزل حارة على وجنتيها بصمت مهيب، ،هل تبكي حزنا أم فرحا،خوفا من المستقبل، المجهول، تتحسس بشرتها ،إنها نضرة ندية، مكتنزة صافية،

لتفرحي يا شمة ،ففي شمس الغد تتزوجين ذلك الشاب الذي هو حلم كل فتيات القرية ، ، شاءت قدرة الله أن يتأخر زواجها، لتكون أكثر فتيات القرية حظا، هكذا كانت تقول لنفسها ، لقد تأخر زواجي، عشر سنوات أو أكثر !!حتى يكبر جواد ، هي حكمة الله !!

أصر مجلس الأسرة أو العشيرة على أن تتزوج من جواد ، وأي جواد هذا ، في الثامنة عشر من عمره ويعمل بالجيش الأردني الذي يستقطب خيرة شباب العشيرة خاصة ممن يتميزون بالشجاعة والقوة و، وقد تزوجها بعيد دخوله الجيش حسب العادات القديمة للأسر الأردنية العريقة الموغلة في القدم ،فابن العم لا بد أن يتزوج من ابنة عمه حتى لو كانت تكبره بسنوات عديدة، وهذا ما حصل ،والدها كبير العشيرة ويملك مئات الفدادين من الأرض الخضراء الخصبة، وجوادابن عمها اليتيم الفقير ، فأي حلم تحقق لجواد عند زواجه منها ،

استطاع جواد بشخصيته الآسرة ،أن يملك قلب شمة، ابنة عمه البسيطة، التي رغم بساطتها الشديدة، كانت تتميزبذكاء فطري ، و بجمال أخاذ، ،لم تكن تهتم بتزيين نفسها وارتداء ما يراه جواد أ،ثناء عمله في عمان ، فدراعتها القديمة وجدائل شعرها الأسود الفاحم الناعم،قد تناثرت زهيرات خضراء في وجهها، والتي هي عبارة عن وشم توشم به فتيات العشيرة، طلبا للحسن والجمال، كان جواد ذو حضور آسر ، حديثة يسلب الألباب ، يتكلم في كل المواضيع بعمق وقوة ، كيف لا و هو الذي يعشق القراءة ولولا فقر حالة أهله ووفاة والده وهو صغير ، لأكمل تعليمه فهو من المتفوقين دائما ، عوض جواد ذلك بالانغماس بالقراءة ،لدرجة أن والدته كانت تطلق عليه اسم دودة الكتب ، ينكب عليها ليلا ونهار، لا يعرف متعة غيرها ، اشتهر أمره في قريتهم بكثرة القراءة مما جعل كل رجال العشيرة يحترمونه ويقدرونه ، فبصوته الهادئ ،وملامحه الجادة ،وعيونه الواسعة والتي اكتحلت بأهداب طويلة كثيفة، وأنف أقنى بحدبة بسيطة ، لينفرج فمه عن أسنان كبيرة اصطفت كاللؤلؤ، أما ذقنه فحادة ،مع دقة تقسمها الى قسمين ،ونقطة في الوسط ،وتوسط خده خال أسود في غاية الجمال، فكأن الشاعر العراقي الذي يغني خال ودقة بالحنك من يشتريها كان يعني جوادا ، كان جواد طويل القامة بأكتاف عريضة،

تزوج شمة تلك المرأة البسيطة ، فعشقته وتملك حبه قلبها ، كان في غاية الرومانسية ، ففي غرفتهم كان يغرقها بكلام الحب المعسول الذي قرأه في الكتب من قصص إحسان عبد القدوس وو قصص عالمية مترجمة ،من مرتفعات وذرنج ، ذهب مع الريح ،مجدولين، ،كان يجعل منها امرأة فريدة ،تحسدها كل فتيات العشيرة عليه،أفصحت له عن مكنون قلبها ، خوفها من فارق السن، ضحك من كلامها ، احتضنها بقوة ، قبل يديها ، قال لها : أنت أجمل من كل صبايا العشيرة ،إياك أن تفكري بذلك أبدا ، أنت حبيبتي وعشيقتي ، وأمي وأختي وكل حياتي ، لقد عوض الله يتمي ووفاة أمي وأبي بك !! وفي المقابل كان شديدا ،عصبيا ، عند أي خطأ بسيط تنهال اللكمات والضربات عليها ، فتجلس في زاوية الغرفة، وقد تملكها الخوف مع أولادها ،لا تعرف ما الذي أغضبه فجأة ؟ فإن أخبرته أنها تكلمت مع جارتهم واختلفت معها !!ينهال عليها ضربا بالحزام الأسود حتى يتعب، وإن أخبرته برغبتها في الذهاب لمكان ورفض، وراجعته بكلمة !ينهال عليها بلكمات وضربات حتى يشج رأسها ،كل ذلك كان مغروسا في قلب عبادة ابنها الكبيرو وأخوته الخمسة ، الذي تربوا على الخوف منه وخشيته .

لم يشفع لشمة ابدا استسلامها له ،ظل يبحث بعينيه الآسرتين عن المرأة التي يعشق، ظل يبحث عنها ،شمة تنظر إليه بحزن شديد، ؟؟ تحاول أن تسترجعه لحضنها الدافيء الوفي، ولكن هيهات هيهات، لازال قلب شمة مليئا بحبه ، لكن قلب جواد ، آه من قلبه ،،،،،فقد طار ذلك العصفور عندما اشتد عوده واقترب من الثلاثين ،وهي قد اقتربت من الأربعين ،، شاهد صفاء أثناء قيامه بإنجاز عمل عسكري له في نابلس ،هناك تعرف على شقيقها الذي يكن له كل مودة وحب ،كيف لا فجواد قدم العديدمن الخدمات الإنسانية له ،أثناء وجوده في العاصمة عمان .

وتم الزواج، فقد استطاع جواد أسر قلب صفاء التي كانت في السادسة عشر من عمرها ، بحلو كلامه وعذوبته ورجاحة عقله ، رغم اعتراض والدتها بشدة على غربة ابنتها في تلك القريةالجبلية المتخلفة على حد قولها مقارنة بنابلس ، أخبرهم أنه تزوج من ابنة عمه التي تكبرة بعشر سنوات حسب التقاليد،يريد أن يطلقها لأنه بكل صراحة لم يتزوجها إلا شهامة منه، وقد بلغت الآن أربعين عاما ويشعر أنه يظلمها معه ،وهي أيضا تظلمه ،أسباب وجيه جدا في عرف صفاء،هذا ما زرعه جواد في عقل الشابة الصغيرة المراهقة صفاء بقوة، جعلها تشعرأنها هي من سيعوضه عن الحرمان الذي عاشه ، عن الحب المفقود الذي يبحث عنه،

سمعت شمة بقرار زواجه وأنه سيحضر العروس الجميلة من نابلس،استيقظت شمة فجرا كعادتها أكملت إيقاد نار فرن الطابون ، وانتهت من صف أرغفة الخبز الشهية فوق بعضها البعض ، جهزت دلال القهوة النحاسية وقد عتقت تلك القهوة السوداء الثقيلة الشهية صفت فناجين القهوة في تلك الصينية النحاسية، بدت قاعة الدار الرئيسة في غاية الترتيب والجمال وقد تناثرت الوسائد المحشوة بالصوف والمكسية بالقماش الأحمر الداكن فوق تلك الفرشات المستطيلة ، استيقظ الأولاد الخمسة ، وقد بدو كالأقمار في عينيها فها هو عبادة ،بكرها ذي العشرة أعوام ويجلس بجواره إخوته وأخواته ، إنهم كنوز رائعة ، يكفي أنهم من جواد ، كلما أنجبت غلاما ، كانت تحزن لم لا يشبه جواد تماما، اي حب تملكك يا شمة !! ارتدت فستانا صيفيا ،بوردات حمراء وخضراء بألوان قوية،قد مشطت شعرها الطويل كجديلتين ،وبدى وجهها مضيئا،مع إحمرار رائع لوجنتيها المكتنزتين، ، كانت الأسرة تتناول طعام الإفطار الشهي رغم بساطته، أما شمة فقد كانت بعالم آخر، والأسرة كلها تستعد لاستقبال الأب العائد من نابلس مع عروسه الجديدة والتي ستسكن في غرفة من غرف المنزل ،ولا تعلم أي غرفة؟؟

بدأت ساعات النهار بالمرور ،مع حركة الشمس وظلها على جدار منزلهم ،وتحت ظلال أشجارهم الوارفة انتصف النهار، ولم يحضر جواد، قلبها بدأ يدق ،لم لم يحضر جواد؟؟

خافت عليه، تعال يا جواد حتى لو كنت مع عروسك ،أي شوق يملأ قلبي! وأي لهفة!! وهو الذي سيأتي معانقا تلك الحضرية, لم تأبه لتلك الأفكار السخيفة، المهم عيني ستكتحلان برؤية جواد.

صلت العصر وبدأت بالتسبيح والإستغفار، سمعت جلبة، قامت مسرعة ، كان الأولاد يلعبون تحت ظلال الأشجار الوارفة، دق قلبها بعنف ،شعرت أن الموت الزؤام صار قريبا منها ،أم الحياة تعود إليها ، يا إلهي كيف يكون الموت والحياة شيئا واحدا،!!،قلبها سيتوقف ، لكنه فرح جدا بعودة الحبيب!! كيف أحبه وأكرهه ؟؟،قامت كالفراشة، لم تأبه لخوفها،أسرعت كالصبية الصغيرة ،ما أن رأته حتى ارتفعت زغرودة منها بغير وعي ،وأخذت تزغرد وتزغرد فرحة ،ودموعها تنهمر بلا شعور منها وإرادة .

وقف جواد بقامته العالية المهيبة ،أشعة الشمس تواجهه تقريبا ،زاد ذلك من بهائه و هيبته .

تقدمت منه ، وبدون وعي منها احتضنته، عانقته، عانقها بكل برود، وكأنه يسلم على رجل من عشيرته، لم تهتم، المهم أنها شمت رائحة ملابسه، عرقه،اقتربت منه ،

نظرت للمرأة التي معه، كانت ترتدي فستانا قصيرا ، وقد مشطت شعرها بطريقة لم تشاهدها من قبل، جزء من شعرها للوراء ، وخصلات تنزل على وجهها، فستانها أزرق حريري بخصر رفيع، وله قبة بنية مذهبة، أما أكمامه فكانت منفوشة مثل الفراشة ، ولها زند ضيق، وتحمل بيديها حقيبة جلدية تحمل نفس لون الحذاء ذي الكعب العالي الرفيع ،الذي يصدر صوتا رخيما راقيا كلما مشت!!ملابس لم تعرفها أو تألفها شمة !!

جلست تلك الحضرية ، أسرعت لعمل كأس من عصير الليمون ، بدأ الأولاد بتقديم واجب الولاء والطاعة للأب القادم ،يقبلون يده ويرفعونها لرأسهم مرتين ،بكل خضوع.

نظرات ابنها الكبيرة عبادة تبحلق في الفراغ ، ينظر لأبيه وزوجته ، بحزن شديد، يرقب حركات والدته وهي تجهز القهوة والعصير والطعام من الصباح، تناول العروسان الطعام، كان جواد حريصا على تقديم الطعام لعروسه السعيدة، والتي تشعر بفرح شديد، وهي ترى ضرتها القديمة تقوم بخدمتها، ثم ما لبث منزلهم أن امتلأ بالضيوف من نساء ورجال، قادمين للتهنئة ،



يتبع

الهام بدوي
19/04/2012, 09:52 AM
الجزء الحادي عشر :

كانت صفاء تشعر بفرح وفخر شديد، كل هؤلاء الرجال والنساء يأتون للسلام على من سكن فؤادها وسلب لبها ،ينظرون إليها كما ينظرون لملكة متوجة ، لقد عوض الله جواد خيرا بدل زوجته الكبيرة وابنة عمه شمة، تنظر إليها فتحتار،ما سر تلك النظرات إليها وإلى عبادة؟هل يعقل أنها لا تزال تحبه؟أفكار كانت صفاء تطردها فورا ، فمن أنت يا شمة لتنافسي صفاء ؟؟ابنة السادسة عشر، لا مجال للمنافسة ؟إن فكرت بها ستموتين قهرا ، عليك الاستسلام أيتها العجوز ،شفقة بك ، تنظر لجواد ،قلبها يدق فرحا ، يا لوسامتك وهيبتك ، أنت أيها الفارس الآسر ملك لي ، لا بد أن كل نساء العشيرة يشعرون بغيرة شديدة مني ، ويزيد ذلك الشعور ،كلما جلست نساء العشيرة مع فتياتهن اللواتي من سن صفاء، أو أكبر، وكن على استعداد للزواج به ، فتلك عادة طبيعية في تلك القرى ، ولكنه لم ينظر إليهن أبدا، هو لا يريد نسخة من شمة ، يريد إمرأة مميزة مثلك يا صفاء،

يكاد قلبها يتوقف من الفرح من تلك الأفكار الرائعة ، تريد أن تهجم على جواد وسط الحضور لتعانقه،وتقول لكل تلك النسوة إنه لي ،يحبني أنا !!لتزيد من غيظهم وقهرهم !!

فتضحك من تلك الأفكار

!!يا لجواد وسحره الكبير، يتعمد جواد أثناء الزيارات أن يسترق النظر إليها مبتسما ابتسامة ساحرة ، تكاد تذوب من نظرات عينيه، يا إلهي ارحمني يا جواد حبك يكاد يقتلني ،ترد عليه صفاء بعيونها .

، ما أن تنتهي الزيارة حتى يتوجهان لغرفتهما الواسعة النظيفة، والتي حرصت شمة على تنظيفها وترتيبها من أجل راحة حبيب قلبها جواد، نامت شمة في تلك الليلة مع الأولاد، بجوارهم،

توجه جواد مع عروسه صفاء لغرفتهم، احتضنها جواد حتى كادت أضلاعها أن تتحطم، ما بك يا جواد؟

رد بصوت هامس: أشعر أني لم أرك منذ دهر طويل!!

ضحت بدلع وغنج: جواد يا لك من كاذب،،

ضربها فورا على خدها قائلا: إياك أن تخطئي ، لا تقولي تلك الكلمة مرة أخرى ، فتح عينيه بقوة ، ركز نظره عليها، شعرت بخوف، دق قلبها بعنف، قالت بسرعة/ انا آسفة لا أقصد،

رد قائلا: أكرر إياك أن تتكلمي هكذا معي، لف ذراعيه حولها ،هدأت قليلا، لكن الخوف دق بقلبها ، ردد في نفسه: هذا أول درس يا صفاء .

ثم ما لبث أن بدأ يغرقها بكلامه المعسول، وعشقه الذي يكاد يقتله ،

ردت صفاء بضعف شديد بعد أن يكون حبه قد أنهكها فعلا:أحبك أحبك يا جواد ،كم أنا فخورة بك ، أود أن أنادي في كل من يعيش بهذه القرية الجميلة أنا أحب جواد ،جواد هذا ملك لي أنا، يحبني أنا ، آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه لو تسمع كل قريتك ندائي وتعرف بحبك الذي يقتلني قتلا،

يضحك جواد ، يتوسل إليها / أرجوك هل أنت صادقة، لا أصدقك؟؟

ماذا تريد مني حتى تصدقني ، جواد حبك قتلني أذاب قلبي، أشعر أني أحبك من زمن بعيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــد

ضحك جواد من قولها ، أعقبت ، كل القرية تأتي لزيارتكم ،عندنا في نابلس لا توجد تلك العلاقات القوية، يا إلهي إن مجتمع الريف مجتمع رائع !!

كل شيئ كانت تراه صفاء بعيون محبة ، معجبة !!سعيدة ،فرحة ، وكأنها تملك الكون!تنام على كتفيه ، ولا تريد الاستيقاظ أبدا !!

في الغرفة المجاورة ،كانت ليلة طويلة على شمة ، لم تستطع النوم ، طوال الليل وهي تتقلب في الفراش ، رغم أنها استيقظت مع نسيمات الفجر الندية، وعملت بكد طوال الوقت، لكن عينيها بدتا كعيني سمكة لا تنام، لا تغلق، لم تكن تشعر بتعب أو نعاس، ما بك يا شمة؟؟ لست أول امرأة يتزوج عليك زوجك، مابك،،كثير من نساء العشيرة يعشن في منازلهم كضرائر؟؟ ما بك؟؟

تنهدت بعمق شديد، انهمرت دموعها بغزارة، أخذتمسحها بقوة ، وكأنها تريد أن تسحق عينيها، تقتل خديها ، هي لم تقصر بشيء، وجواد يحبها، رغم أنه شديد الغضب، وعند أي خطأ يضرب فورا ،ولأي سبب، وحتى لو كان تافها، رغم ذلك ، أنا أحبك يا جواد لقد أحببتك، آه من ذلك الحب الذي دمرني ،قتلني، لكن لا !!حبك هو مصدر سعادتي ، أنا لم أعرف الحب إلا على يديك ، لماذذذا علمتني أن أحبك ، لماذا يا جواد، حتى إذا ملكتني !1مللتني ، يا لقسوتك يا جواد، من أين جاءت، وممن تعلمتها ، قلب المحب القاسي ، الجبار، الظالم من أين جئت به ، وكيف ؟؟ومن يراه يشعر أنه ملاك يمشي على الأرض، آآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا أيها القلب، ما أصعب أن أفهمك،، ما أصعب أن أرضيك،، أعقد معك صلحا ،ما أصعب ألم القلوب الصامتة! ما أقسى الدموع المتحجرة ،ليتك تنزلين ،فتطفئي نيران قلبي المتأججة،يا أيتها السياط التي تنهال علي قلبي المتعب، رفقا به ، ما بيدي حيلة يا قلبي، ماذا أفعل وقد أنهكني حبك يا جواد؟؟، لقد علمتني لغة الحب ، فكيف علي أن أعلم قلبي لغة الصمت لغة اللاحب، اللا كره ، لا مشاعر، هل أستطيع، قررت في تلك الليلة أن تخرس قلبها ، أن تضع حجرا عليه حتى لا يدق،أن يكون صلبا عندما يرى جواد، هذا ما قررته شمة !

في الصباح استيقظت شمة كعادتها ،كانت تبدو كالمومياء ، تتحرك بلا أي ملمح في وجهها، يعلوه صمت رهيب ، نظر إليها الأولاد، خافوا ساد صمت رهيب بينهم، اقترب منها عبادة: أمسك بيدها قبلها، نظرإليها :، سألها : ماما حبيبتي هل أنت بخير ؟؟

نظرت إليه بعيون لا تبصر، عيون عماها الحب،ردت بكل هدوء: لا يا حبيبي، أنا بخير .

سكت عبادة ، لم يحر جوابا ، ماذا يقول لأمه ، دعك من أبي، كيف وهي من علمتهم حبه ، زرعت في دمائهم الإعجاب بذلك الجواد الرائع!

أعدت طعام الأفطار للأولاد قبل استيقاظ والدهم ،ثم توجهوا لمدارسهم ، أعدت طعاما آخر من أجل العروسين ،جلس العروسان يأكلان ويضحكان، قلبها بدأ يدق بعنف، يضخ دماء جديدة، أرجوك توقف، توقف عن الحب قليلا وارحمني ، ولكن كيف يتوقف؟؟

عينيها تحاولان الهرب من رؤيته وقلبها يلاحقه بعنف، ويأمر عينيها بالنظر إليه، حسن انظري أيتها العينين لجواد، ألا تشبعان ، ألا تشبعان؟؟ إنهما لا تشبعان، الظمأ لرؤيته قاتل ، وكأنها تشرب من ماء مالح،كلما نظرت إليه، أردات النظرأكثر، أه منك يا جواد، كل شيء فيك أحبه ، عيناك، انفك، والله يا ربي إني لاأشبع من النظر إليه !!، حتى وأنت لا تنظر لي ، جواد ، عيناي تحبان النظر إليك، كيف أعلمها عدم النظر؟؟ يا لقبي المتعب ، ألا ترتاح ، خرجت زفرة طويلة حارة من قلبها ، علها تطفئ نارها ، سكتت، بلعت ريقها ، استسلمت أخيرا من التعب!!

لكنها قد اتخذت قرار بالأمس ،لن أجعلك يا صفاء ترين ضعفي أبدا، الله أعلم ما الذي قاله لك؟؟ ولكني أنا من يختار ما الذي أريده، حسنا هو يريدك فاليكن ، ولكني أنا أفعل ما أريد حسبما أريد ، سيظل قلبي يحبك ، ويدق ويهتف باسمك، ولكن ،

بين الرماد والحطام ستنهض شمة أخرى ، شمة كانت مدفونة هناك بالبعيد ، في ظلام عالم قاس هو عالم جواد، تركت العروسين في الصالة وهما يتحدثان ويتضاحكان ،انسحبت رويدا رويدا، لم يشعر بها جواد!!دخلت غرفتها، نظرت إلى مرآتها ، أنت شمة، شمة التي تعشق جواد، تنسى نفسها أمامه ، تذوب كقطعة ثلج بحضوره ، تذوي كشمعة في مهب الريح إن نظرت لعينيه، تتلاشى كذرات الغبار إن اقترب منك وكلمك وشممت رائحة عرقه، أنت من ؟؟ صرخت أنت من ؟؟ بكت ، نزلت دموعها بحرارة ، أنت من؟؟ من ؟ يا شمة ؟؟ أنت لا شيء؟؟ أنت ظل !هباء ! شيء تافه! حقير! كفى يا شمة ؟؟كفى حبا لجواد ؟؟ألا تحبين شمة ولو قليلا؟؟أين هي شمة؟؟ رأت ظل إمرأة في المرآة ،شبح امرإة بشعة !!هذا ما فعله حب جواد بك!!

استيقظي يا شمة !!استيقظي!!

وقعت على الآرض بكت بكاء حارا مريرا ، صوت بكائها كالأنين ، كالنواح، كالعويل، على من تبكين يا شمة، على جواد؟؟ أم على شمة ؟؟ هيا قرري ؟؟زاد بكاؤها ؟ لم تعرف الجواب ! على من تبكين ؟صرخت بشمة ، ضربت وجهها بقوة ، ضربت المرآة ؟ على من تبكين ، أجيبي أيتها الحمقاء العاشقة ، هل أفقدك الحب رجاحة عقلك ، أي عقل يا شمة !! أنت لا شيء لا شيء!!

جلست على الأرض، تبكي ...........وتبكي........... وتبكي، ظلت تبكي بشكل متواصل مر وقت طويل، وهي تبكي، تشهق ، بللت دموعها وجهها، لم تعد ترى جيدا من كثرة دموعها، لكنها ظلت تبكي بشكل هستيري ، كان كل جسمها يبكي ، ينوح، يفتقد لمساته ، أحضانه المفقودة،قامت ،أخرجت ثوبا له من خزانتها،أخذت تشمه ، تقبله ،تبكي ، كانت كلها تبكي ،جسمها كله يبكي حب جواد الذي تملكه وسيطر عليه،يبكي يريد أن يتحرر من ذلك الحب، يتطهر منه ، كيف ، يشتد البكاء ، فحب جواد يجري في عروقها ، اسم جواد وحده يبعث الدفء والحياة فيها ، فكيف ستقتله ، إنه مغروس بداخلها ، فكيف الخلاص منه ، ويشتد البكاء ، تصيح ،كيف أكرهك كيف، أنا أحبك أحبك ، فرحي بحبك هو سر قوتي، نجاحي ،تميزي،فكيف أكره نجاحي وقوتي !!تبكي ،فجأة توقفت عن البكاء ، تعبت ، تنهدت، مسحت دموعها، نظرت للمرآة مرة أخرى، قامت ، أخذت ترتب خصلات شعرها المتناثرة ، نظرت لعينيها جيدا ، كان لونهما أحمرا قانيا ، نظرت جيدا ، يبدو أن عيني ستلتهبان؟شعرت أن صوتها صار مبحوحا من البكاء، قالت لنفسها : حسنا يكفي الآن يا شمة لنقرر معا ماذا نفعل، هيا يا شمة اخرجي من الغرفة بقوة وشجاعة وانتظري العاشقان الجديدان .إياك أن تبدي ضعفك، وحبك الجريح، لن أضعف أمام عينيك الآسرتين يا جواد، رائحة شعرك ، ثيابك ، لن أفكر بهما أبدا ، أنفاسك التي أحب ، لن أفكر بها ،رتبت قميصه بسرعة أعادته لمكانه،نظرت إليه نظرةاخيرة ،كأنها تودعه !!

خرجت بقوة من الغرفة، يبدو أن العروسان دخلا غرفتهما مرة أخرى !!كان النهار قد انتصف، دخلت المطبخ، وجدت أن اللحم قد نضج جيدا ، أخذت بتجهيز المنسف الأردني اللذيذ، لا بد للعروسان أن يتناولا طعام الغذاء مع الأولاد ، تعبت قليلا، صنعت لنفسها إبريقا كبيرا من الشاي ووضعت به كمية من المرمية، زادت من كمية السكر ، وضعته على النار، بدأ يغلي وهو تنظر إليه، بدأت رائحة المرمية تفوح في أرجاء المنزل، ظل يغلي وهي تنظر إليه، بصمت رهيب، بوجل، من الذي يغلي قلبك أم إبريق الشاي يا شمة ، بسرعة أطفأت النار،تهرب من قلبها ونيرانه!! جهزت الأكواب ، ذهبت للصالة ،وضعت صينية الشاي.

عادت لغرفتها ، مشطت شعرها جيدا، ارتدت ثوبا لا تلبسه إلا في الأعياد والمناسبات الهامة ،أخرجت بعض القطع الذهبية التي ورثتها من والدها ، وضعت قليلا من العطر ،

خرجت ، جلست كالملكة المتوجة، صبت فنجانا من الشاي ، أخذت تشرب بهدوء وسكينة ،نظرت لغرفة جواد، عاد قلبها يدق بعنف مرة اخرى ،شعرت أنه سيخونها ويتركها ،ويخرج للقاء جواد، معانقة جواد، يا لقلبي العاصي ، الضعيف ، الخائن، أين كرامتك، نفسها تحدث قلبها ،توقف عن حب جواد، قلبها يرد بتعب :لكن حبه يملئني شوقا وشغفا ، يدق قلبها بقوة مرة أخرى ، حسنا لن أنظر للغرفة حتى لا أثيرك يا قلبي الضعيف، عادت ونظرت لإبريق الشاي النحاسي الجميل ، أو إنه هدية من خالتي ،عندما أنجبت ولدي الخامس، تنهدت، ما هذه الأفكار السخيفة،أي إبريق سينسيك جواد، اي ذكرى ، عاد قلبها مرة أخرى تنهدت ، بألم لذيذ ، حتى حبك ووجعك يا جواد لذيذ على قلبي، استمتعت بذلك الوجع،ما اجمل وجع القلب!!

عادت نفسها بقوة ، شمة شمة ، توقفي ، لا تضعفي !! بداسترقت النظر للباب رغما عنها ، يا إلهي هاهو قلبي يسيطر علي مرة أخرى ،

فجأة فتح باب غرفة جواد، خرج جواد أولا، كالملاك، هالة من الضوء خرجت معه، شعرت أن رأتيها تستنشقان عبير ثيابه، قلبها يسمع صوت أنفاسه العذبة ، بدت كمن يشم رائحة الحياة، رفعت عينيها المتعبتين نحوه ، تتمنى لو أنهما تشبعان من رؤيته ، بلا فائدة ، قلبها بدأ يدق بعنف ، تريد الوقوف لاحتضانه ، ولكن هاهي عروسه الجميلة الصغيرة تخرج ، نظر إليها ، فتح عينيه جيدا ،اقترب منها ، فرحت، خافت، لا تعلم أي المشاعر تتحرك فيها ، اقترب ..همس بقربها : شمة لم ترتدين هذا الثوب ، من سيأتينا في فترة الظهر أي ضيف هذا؟

نظرت إليه وقعت عيناها عليه /يا لعينيك الآسرتين ، نظرت جيدا وهي صامتة، لم ترد ،

أضاف جواد/ شمة ما بك؟؟ تكلمي ؟

جابته بهدوء بعد ان أسكتت قلبها ، عادت نفسها إليها بقوة :ماذا ، لا أحد ،أحب أن أكون دائما مرتبة ونظيفة ، يا جواد ،أليس هذا من عادتي؟؟

طبعا طبعا ( شعر بارتباك شديد وحرج) أقصد هذه الملابس لا ترتديها إلا عند وجود ضيف هام؟؟

وهل هناك أهم منك يا جواد !!أنت تعرف مقدار حبي وتقديري لك ، حتى لو لم تكن موجودا، أحب ان أكون دائما مرتبة وانيقة,قالت لنفسها ( يا إلهي هاهو قلبي يرد عليه !!!شسيشعر بضعفي هو وعروسه!!!)

نظرت صفاء باستغراب لشمة بإعجاب شديد ، ليس برد شمة ،بل لأن ثوبها كان جميلا جدا ، وحضورها مميزا وقويا ،

ضحكت شمة ، يبدو أن قلبي ذكي وسيثأر لي ، قالت في نفسها: ارتديها من أجل شمة من أجل شمة من أجل شمة وليس من ، من.......................من.................خافت أن تقول اسمه فتضعف !!حتى اسمه يضعفك يقتلك يا شمة !!

نظر إليها جواد ضاحكا ،ثم أمسك بصفاء ،جلس بجوارها ، نظر لشمة ، لثوبها ،

شعرت شمة أنها انتصرت عليهما معا ، على قلبها ، لكن جواد في تلك اللحظة التي شعرت فيها أنها استردت قوتها ، اقترب منها ، رأسه قريبا جدا من رأسها

،أخذ قلبها يدق مرة أخرى ، ماذا يريد، ارحمني يا جواد، شعرت أنها طفلة صغيرة ، لأول مرة يقترب منها رجل، ما بك شمة ، إنه زوجك ،إنه حبيبك ، أو عاد قلبي للكلام ،يدق بعنف بعنف!! ، نظرت إليه بقوة ،قال لها بصوت هامس مرة أخرى:شمة .......هل يمكن أن ندخل الغرفة قليلا !!!!

يتبع

الهام بدوي
19/04/2012, 10:00 AM
الجزء الثالث عشر 13:الصباح جديد

أشرقت الشمس باكرا في تلك القرى ، يأتي مسرعا على أولئك الفلاحين ، ليهديهم بعض الراحة،فكثيرا منهم قد إستيقظ قبيل صلاة الفجر بساعات قليلة وتوجه قاصدا حقله ، يرعاه، يسقيه، يتفقد ما نضج من ثمار فصل الشتاء، أو يقوم بتغذية بعض أشجار اللوز والمشمش اليانعة بسماد ضروري لنموها، أو برش تلك الأشجار بمرشات تحمل سموم كيميائية خوفا عليها من تلك الآفات الزراعية ، والتي بدأت تزهر بلون أبيض جمل وكأنها غمامة بيضاء، يا لجمال أشجار اللوز وتيجانها البيضاء، لكن لمى تنظر لتلك التيجان بعيون لا تبصر إلا لونا واحدا!!إنه التحدي ، كيف يمكن لعيوننا أن تبصر أشياء أخرى لا علاقة لها بالضوء والظل ،بل تبصر ما بداخل قلوبنا ونفوسنا من صراع ، فكأنها تبصر للداخل لا للخارج، جاء عبادة في ذلك الصباح ،اقترب من أخته لمى، لم تشعر بوجوده، اقترب اكثر، حتى سمع صوت أنفاسها الهادئة وهي تخرج من صدرها تعلن إصراره على استمرار الحياة ، ناداها لمى ، لمى ، لم تجب وكانه قادم من عالم آخر لا علاقة للمى به ، اقترب أكثر ثم لمس بيده كتفها ، ارتعدت بقوة بخوف ،أمسكت بتلك اليد ، كانت تخشى أن تكون يد محسن ،جاءت عبر الظلام اخترقت عالمها السحري اغتالته كما اغتالت كل جميل بحياتها ، صرخت بصوت مخنوق محسن، ضحك عبادة تبسم قائلا: يا إلهي ألهذه الدرجة تملك قلبك؟؟

نظرت إليه لعينيه العسليتين، لوجهه الدافئ ، ضحكت من تعليقه وعبثه، ردت: عبادة أخيرا رأيتك ، أين أنت يا أخي؟؟ مذ جئت مع أبي لم أرك، هل تعلم لقد تزوجت، ألا تقدم لي التهنئة؟قالتها كطائر مذبوح لكنه يرقص من الألم !!يرقص!!تضحك!!

تبسم عبادة،بألم ، قبل رأسها ، لقد عرفت كل شيء، لا أحب أن أحتك بأبي ، الإنسان العاقل يا لمى عندما يخوض معركة عليه ان يدرس قراراته جيدا ،فإن كانت الخسارة هي الأرجح !فالأفضل عدم خوضها لأن ذلك من الغباء!!ولكن لا يعني ذلك الاستسلام أبدا، فلا بد ان هناك طرق أخرى !!ثم إنني لا أريد أن يحدث بيننا أي خلاف، خسرت ذراعي يا لمى ، لكني لا أريد أن أخسر آخرتي فهو أبي ويجب على احترامه، لا تغييره، هناك قاعدة تقول احترم الشعر الأبيض يا لمى ، ولكني أفعل ما أريد؟؟

ردت باستغراب: كيف ؟؟ لم أفهم !!

رد ضاحكا وهو يلف ذراعه القوية ويحتضنها بحب :تعالي سأقول لك سرا ، أنا الآن أدرس لأقدم الثانوية العامة، لقد اجتزت مواد الفصل الدراسي الأول، وسأجتاز الثاني، لمى لن أدع أبي يبتر أحلامي ويدفنها ، لكني لاأخبر أحدا، وسأدخل الجامعة لدرس الحقوق ،أفكر في جامعة بيروت العربية، أقساطها ميسرة والسفرإلى بيروت ليس مكلفا، كنت أتمنى الدراسة في مصر بجامعة حكومية هناك، القاهرة أو عين شمس ، لكن تكاليف السفر كبيرة لا أستطيع تحملها ، بيروت بلد رائع وكثير من أصدقائي درسوا هناك.

احتضنته لمى بقوة ، أخذت تشد بقوة ، وكأنها تريد أن تدخله قلبها ، عبادة، هذا أجمل خبر سمعته منذ مدة بعيدة ، منذ أيام نابلس وهروبي هناك،،

رد عبادة: أرجوك لمى لا تقولي لأحد ، ولا حتى والدتي ، أريدان أخبرها عندما أسجل بالجامعة، المحل الذي افتتحته يدر علي مبلغا جيدا ، لكنه ليس طموحي، سأدرس بذراع واحدة يا لمى ، سأذهب للجامعة ولو بذراع واحدة، كما أردت أنا !تعالي تعالي معي لتناول طعام الإفطار قبل استيقاظ العريس النائم.

في تلك اللحظة ظهر شبح كبير في الغرفة/ صرخ صوته وكانه امتص كل الهواء الذي فيها : عبادة أهلا وسهلا، منذ مدة لم أرك، كيف حالك،

تقدم عبادة بكل أدب قبل يدي والده ، رفعهما لرأسه، قبل رأسه، حمدا لله على سلامتك يا والدي!

رد جواد وهو يتفحصه بعينيه الثاقبتين كعيني صقر، كأنه يرى بهما الأبعاد الثلاثة، هل رأى ما يكنه صدره ؟؟دق قلب عبادة بعنف، رد جواد: لقد علمت أن محلك يدر عليك ربحا جيدا ، ألا تفكر بالزواج، يجب عليك أن تفكر به ،

خيم الصمت على الجميع ، ماذا تريد يا أبي ،تزوج البنات والأولاد ؟؟هل لفاطمة أخت تريدها لعبادة؟؟ ثم نظر للمى جيدا وقال :هيا بنا لتناول طعام الإفطار هيا ،توجه الجميع للصالة الشتوية الكبيرة حيث جمرات الفحم الحمراء تنشر الدفء،كانت شمة قد ايقظت شقيقات لمى الصغيرات فقمن بإعداد بعض المناقيش الشهية وخبزنها في فرن الطابون على قطع الحطب الجاف، ما أجمل رائحة الخبز الطازج يفوح بالمكان، وضعت شمة أرغفة مناقيش الزعتر والجبنة وبجوارها قطعا من الطماطم الحمراء الشهية ، وكرات اللبنة اللذيذة، مع قطع من الخيار المقشر الطازج، كانت قد جهزت إبريقا من الشاي، تناول الجميع طعام الإفطار ، ثم ما لبث عبادة ان استأذن بالخروج.

ظلت لمى ووالدها وخالتها شمة في الغرفة، صمت رهيب يسود المكان، وكان روح جواد وجبروته تسيطر عليها ،فلا أحد يتكلم ،بل الجميع صامت بانتظار أوامره النافذة

كان وجهه مشرقا بشكل عجيب ، وبقوة ،أخذ يتناول القهوة العربية السمراء ،نظر إلى لمى ، بعد ان أشار بعينيه لشمة بالخروج،

ثم قال : تعالي لمى ، قررت الزواج في نهاية الأسبوع وأنت كذلك ، استعدي جيدا ، سنمكث هنا حوالي الشهر ثم أعود لمدينتي ، وأنت تبقين هنا مع محسن!!

سكتت لمى لم تعلق، تظرت إليه بكل هدوء قالت: والدي ألم أنفذ لك ما تريد؟؟لم لا تنفذ لي ما أريد؟؟

-ما الذي تريدينه ؟قالها بصوت عنيف قاتل وكأنه يهم بضربها.

-ردت بهدوء شديد وقد أخفضت صوتها ، تهمس له همسا ، ركز عينيه عليها جيدا

ردت:: أريدأن أكمل تعليمي ، دراستي !!

-لكن محسن يريد الزواج !

-انا سأتدبر أمري مع محسن ؟هل أنت موافق؟

-رد باقتناع عجيب وقد قلب شفتيه: إذا اقتنع محسن لا شأن لي بك ، المهم أن لايؤثر قرارك على فاطمة فتؤخر هذا الزواج !!

ردت بقوة وهدوء: لا تقلق ، كل ما تريد وترغب سيتحقق ،ألست معتادا على ذلك؟

نظر إليها بفخر وإعجاب ، قبلها من رأسها ، يا لك من فتاة رائعة، أنا معجب بك غاليتي لمى !!أنت لا تعرفين فاطمة ،إنها صغيرة السن، وقريبة من سنك، لكنها تحبني حبا شديدا ، ومتعلقة بي بشكل غريب ،وكأنها أبتليت بحبي !! أتمنى ان أحقق لها السعادة التي تتمنى وتحلم!

فكرت لمى/ ألم اسمع تلك العبارة من قبل ؟؟ابتليت بحبي ؟كل النساء يبتلين بحبك؟؟ منذ متى كان الحب ابتلاء؟؟فلسفة عجيبة؟ لكنها حقيقة!!هي ستعرفها بعد حين !!

اجتمع العروسان مرة أخرى في منزل محسن، كادت العجوز تطير فرحا بقدوم لمى ،

في المساء كان والدها يتجاذب أطراف الحديث مع فاطمة تارة همسا وتارة ضحكا ،

ظل محسن جالسا بجوارها صامتا دون كلام ، قامت فاطمة من مكانها ، اقتربت من محسن همست له ، فقام من مكانه ، توجه لجواد ، أخذا يتبادلان أطراف الحديث بكل جدية،

اقتربت فاطمة من لمى : سألتها : هل أنت سعيدة بيننا يا لمى ؟؟ لا تخافي من أخي، قلبه طيب جدا، وكذلك أمي ، ستكون لك أما ثانية ، صدقيني لقد عوضني الله خيرا بجواد والدك ، وسيعوض الله أخي محسن خيرا بك!

تجرأت لمى ،سألتها باستغراب : ما تلك الكلمة التي أسمعها كثيرا ؟؟عوضك الله؟؟ سيعوضه الله، ما قصتك يا فاطمة ومم يعوضك الله ؟؟

ردت فاطمة باستغراب :ألا تعرفين سبب زواجي من والدك؟ ألا تعلمين سبب إعجابي الشديد به، وحبي له ؟ يبدو أنك تجهلين مدى عظمة هذا الأب الذي تملكين !!

سكتت لمى ، تساءلت عظمة هذا الأب ، وكأنها تتكلم عن شخص آخر لا علاقة لها به،

أكملت فاطمة: اسمعي يا لمى،والدك يملك أطيب قلب في العالم، لقد وعدني بأنه سيعمل المستحيل من أجل أن يحضر لي ولدي الوحيد، من زوجي السابق، و ابن عم والدك فهد ،شقيق شمة خالتك، تزوجني وأنا في الخامسة عشر، بناء على رغبة والدي، أول مرة شاهدت والدك، عندما زارتنا خالتك شمة بعد زواجي منه ،لا أعرف كيف سيطر فهد على والدي رحمه الله فزوجني إياه ، ألا تعرفين تلك القصة؟؟

استغربت لمى ،و كانها تسمع بفهد لأول مرة ؟من هو فهد شقيق شمة، يا لعالم القرى الجبلية العجيب، كلهم شبكة من الأقارب !!

ردت بعد تفكير عميق: اتعنين أنك كنت متزوجة قبل والدي؟؟

نعم تزوجت ، من ابن عم والدي فهد ، وأنجبت منه غلاما يبلغ الآن من العمر أربع سنوات ، خيرني إما الطلاق و التخلي عن ولدي، أو الحياة معه؟؟ كان قاسيا جدا، لم أستطع الإتفاق معه ،بعد وفاة والدي ، رحمه الله ، الذي كان ينظر إلى البنت وكأنها سلعة يهديها لمن يحب من أصدقائه !هذا هو حال القرى يا لمى ، ، عدت لوالدتي وطلبت الطلاق ، استطاعت والدتي أن تجبره على طلاقي مقابل التنازل عن ولدي،

وشاءت قدرة الله أ يكون والدك هو من طلبت منه والدتي الشفاعة من أجل الطلاق ، وفعلا ساعدنا كثيرا يا له من شهم ، منذ أول مرة ،وقد وعد والدتي أنه سيعمل المستحيل من أجل إرجاع ولدي لأحضاني ، جواد شخص رائع ، لم أكن أحلم بالزواج بشخص مثله ،يملك سحرا أخاذا ، وقوة شخصية مهابة جدا ،

صدقيني، أنا لا أريد مالا ، أريد فقط زوجا حنونا ، عطوفا رائعا مثل والدك، قلبي سيتوقف من كثرة الفرح والحب، أنا أحبه بشكل ،أنا نفسي لا أصدق ، كم هو ساحر، صدقيني ،وفوق ذلك سيقوم بتربية ابني معي !! يا لسعادتي !!

نظرت لمى إليها غير مصدقة، والدي سيحضر ولدك الوحيد ليربيه ،، هو لم يقم بتربية أولاده !!كيف سيربي ولدك؟؟ كيف تفكر تلك الفاطمة ، ألا تعرف قصة خالتي شمة ، عبادة، أمي؟؟

ردت لمى بهدوء: أو ........حقا كنت دائما أسأل نفسي، ما الذي يجبرك على الزواج من رجل بعمر والدك؟؟

لالالا تقولي ذلك، جواد رجل رائع ، يعجز لساني عن وصف جمال شخصيته ، قوة عقله ورجاحته ، شهامته، مروءته ,,وووووو

بدأت فاطمة تحكي قصة إعجابها بجواد، وكأن شمة أخرى ولدت من جديد، صفاء جديدة سحرها ، هذه المرة بطفل صغير، وعاطفة متلهفة، وقلب إمرأة مكسور !!يا لحظك يا جواد !! ،أم أقول يا لدهائك ؟؟ كل مرة جواد لا يعدم الوسيلة والحجة الداحضة أبدا !!

قامت لمى ، نادت محسن، اقترب منها مذهولا، همست له، ما رأيك ان نخرج قليلا لنمشي تحت ضوء القمر في هذا الفصل الجميل؟؟

دق قلب محسن بعنف، فهذا الكلام يسمعه ويحبه ، ولكنه لا يعرف كيف يقال ، ضوء القمرـ نمشي، كما في التلفاز تماما!!

ابتسم سعيدا ومؤيدا هيا بنا يا لمى !!

خرجا من المنزل، باركت العجوز تلك الخطوة ،وأخيرا تحرك محسن ، تصرف كرجل، فرح جواد وقال سيستولي على عقل لمى ، أم هي من ستلتهم عقله التهاما؟؟ وزم شفتيه بقلق ،

خرج العروسان ، ابتعدا عن المنازل والطرقات ، صعدا جبالا عالية ووهادا رائعة ، أشجار الزيتون التي تعشق ،كانت ترحب بها ، نسائم ليل الشتاء العذبة ،تعبث بملابسها تصافح وجهها تقبل وجنتيها ، شعرت بسرور، ما هذا ؟؟؟؟؟الكون كله يرحب بي، بأشجاره، ورياحه ،وحتى غيومه ، نظرت للسماء ملبدة بالغيوم ، بدت كأنها لحاف صوفي يغطيها ، يبعث الدفء في قلبها ، ظل محسن صامتا طوال الوقت ، كانت تلك المناظر من أجمل ما رأت عيناها ، يا لجمال وبديع خلق الله ، ظلت تسبح ، وتقول انظر يا محسن ما أجمل منظر تلك الغيمة !!، انظر للقمر وكانه يعبث بنا يراقبنا ، يضيء طريقنا ، يصاحبنا ،تضحك ، ينظر محسن بصمت ويضحك ولا يعرف كيف يرد !!لكن قلبه يدق بعنف، يكاد يطير من الفرح الذي يجتاحه اجتياحا ،

هنا سألته لمى : محسن............ لماذا تزوجتني.......؟؟ ما الذي يعجبك بي؟؟

-سكت ،وقف حائرا ، نظر إليها باستغراب شديد ، ما هذا السؤال يا لمى ؟؟

بعد تردد كبير،،،،،،،،،،،،،،،وصمت طويل ، قال تلك الدرة الثمينة ،

ردت لمى : سؤال عادي لم تزوجتني أريد أن أعرف !

- لم تزوجتك؟؟ يجب على الإنسان أن يتزوج ، تلك هي سنة الحياة ، هكذا تقول والدتي!

- -نعم ولكن سبق لك الزواج من ابنة عمك ، ثم تم الطلاق!لم؟؟!

- -إنها امراة متمردة ، تعبت جدا من أجل الحصول على رضاها دون فائدة ، طلبت الطلاق ، لا أعرف لم ؟؟

- -(لا بد أنها طلبته حتى لا تموت من القهر من برودك !!رددت لمى................ ثم أجابت : معك حق ولكن لم اخترتني أنا ؟؟

- -سكت طويلا............. نظر إليها,,,, ثم قال: جواد يريد الزواج من أختي ،وبدأ يثرثر ويتكلم عن جواد وفاطمة وأمه !!ولا يتكلم عن نفسه أبدا!! ظلت تسمع وتسمع دون تعليق ،

- عزمت أمرها ثم قالت حتى دون أن تفهم ما قال : أريدأن أطلب منك طلبا صغيرا ،وهو مهم عندي جدا وأتمنى أن توافق!!إن كنت تحبني ؟؟

- -أي شيء تريدين يا لمى أنا تحت امرك أنا أنا ...................انتظرت طويلا ،،،،،،،،،،،،،،لم يكمل ،،

- -حسنا قالت ببطء شديد حتى يفهم ما تقوله : أنا أحب دراستي ،وأريد إكمالها، وأريد منك أن تقول لوالدي أنك تريد تأجيل زواجنا حتى الصيف القادم ، وأن هذه هي رغبتك ، !!هل فهمت ما أريد؟؟

- -ماذا تأجيل الزواج !!لم يا لمى ؟؟ هنا يوجد مدارس أيضا ، ماذا سنقول أمي؟تغيرت ملامح وجهه ،بدا حزينا كئيبا طفل عاجز أنتزعت منه دميته ، دق قلبه بعنف، ماذا أجيب تلك الجميلة لمى ، أنا أحبها ، كيف اقنعها بضرورة الزواج وعدم تاجيله، كان عقله عاجزا عن التفكير بشكل واضح ، بدت ملامحه باهتة جدا ، نظرت إليه لمى ، كان بدون أي تعابير، شخص واجم ، صامت ، تكلم يا محسن، تكلم

- واخيرا تكلم : لكني ..................لكني ...................أنا ,,,,,,,,,,,,,,,,,أمي

- -أمك :حسنا، قل لها أنك.أنت تريد ذلك ،حتى تكون لمى متفرغة لي تماما .

- سكت محسن ،،شعر بشعور غريب ، خاف إن رفض أن يضيع لمى فقال ، لمى إن كان هذا يسعدك فسأفعله ، لا تقلقي .

نعم نعم يا محسن، صدقني لن تندم على ذلك، بالعكس تصرفك النبيل هذا يجعلني أعجب بك كثيرا ، هذا يدل على رجاحة عقلك ، وقوة شخصيتك، وأنك رجل بمعنى الكلمة !

- ساد الصمت بينهما طويلا، وقف محسن ، نظر إليها ،وكأنه يراها أول مرة ،

- لمى ،قد أكون رجلا بسيطا ، ساذجا، كثيرا ما أسمع هذا الكلام، وأنا أعيه جيدا، لكنني صدقيني، أحبك ، قد لا أكون من الرجال الذين يجيدون فن الكلام، لأني فعلا لا أعرف كيف يكون،لكن .......ولكن صدقيني أنا أحبك ، أحبك كثيرا ،حبك ملأقلبي ، هل تصدقي،،،،،،،،،،،، عندما أكون لوحدي أظل أفكر بك، وابتسم، أحاول أن أنام ،فلا أعرف، يظل عقلي يفكر بك ، ويفكر، حتى أتعب وأنام!!هل هو الحب يا لمى ؟؟؟ هذا ما تقوله فاطمة وأمي ، إنك إنك ملكت قلبي ، وسأكون رهن إشارتك ، مطيعا لك ، ولكن هذا لا يهمني أبدا ، المهم قلبي أخيرا عرف الحب معك ، لا أعرف أن اقول غير هذه الكلمة ، أرجو أن تنال إعجابك ، وتوقف عن الكلام ، ونظر إلى الأرض بكل خشوع، وضم يديه إلى بعضهما البعض!!

- سكتت لمى ، لم تحر جوابا ، فكرت كثيرا بكلامه ، أهو كلام معتوه أم عاشق ، أم كلاهما معا ، ردت في نفسها ، لن أفكر بك الآن يا محسن فعقلي في غاية الإرهاق!!لا أريد أن أفكر بحبك ، فهو أمر لا يعنيني ،

- أرادت أن ترد عليه ،تقول له، لكني أحب رجلا آخر هو حب حياتي ، خطيبي السابق منذ كنت طفلة صغيرة ، سامر هو من يملك شغاف قلبي، هو من تراه عيناي رجلاوكل رجال العالم ظلال متحركة ، سامر هو من يدق قلبي بعنف عند تذكره فكيف رؤيته ! لا علاقة لي بحبك !!ولكن لمى سكتت فلا فائدة من هذا الكلام ولن تجني من وراء ذلك إلا الحسرة وقد يغضب ويثور علي أن أكون حكيمة لأن كل كلمة لها قيمتها إما أن تنفعني فأقولها ، أو تضرني فلا داعي لها ، فكرت قليلا ثم قالت : شكرا شكرا يا محسن يا لك من رجل حساس ونبيل ، المهم أن تفعل ما اتفقنا عليه، الزواج ليس الآن بل بعد نهاية الفصل الدراسي!!

- هنا رفع رأسه مرة أخرى : نعم نعم، لقد فهمت وسأفعل كل ما تريدين !يا يا يا يا

- يااا نظرت إليه باستغراب !!سكتت ، وقفت أمامه تماما !!!!

- أكمل: يا يا حب حبي حبيب حب حبيبتي لمى

- ساد صمت رهيب بينهما ، كانت تلك الكلمة كل ما يحلم أن يقوله محسن، ولكن عند لمى ، كأنه رمى حجرا كبيرا في بئر عميق ، وظلت تلك الكلمة أو الصخرة, تهوي وتهوي بحثا لها عن قرار ، ولا قرار !

رد محسن بعد فترة صمت طويلة ، لكن لمى ، ماذا سنقول لوالدك ؟؟ لوالدتي !!لالالا يا لمى لا أستطيع ، أرجوك فكري مرة أخرى بأبيك وامي أرجوك !!

نظرت لمى إليه بصمت ، لم تعلق ، كان عقلها قد ارتاح قليلا، أخذ غفوة ، ولكن هيهات هيهات !1هاهو جواد مرة أخرى مع حليفته القوية !!

نظرت إليه ثم قالت : لا تخف يا محسن إنها معركتي القادمة أمك وأبي ونظرت إلى السماء العالية وغيومها المبعثرة ، هبت نسائم الليل الشتوية الباردة

كان طريق العودة طويلا جدا ، هناك في تلك المنازل البعيدة يوجد جواد هناك بانتظارها ، لكن لا بد من العودة ، بداءت تحمل خطاها حملا ، تجرها جرا ، متوجه نحو ذلك المنزل ،حيث معركتها الجديدة !!

الهام بدوي
25/05/2012, 10:02 PM
الجزء الرابع عشر :صراع الجبابرة

بدأت الحياة تدب من جديد في منزل فاطمة ومحسن ، والفرح أخيرا عرف طريقه إليهم ، كانت فاطمة تنظر إلى جواد كالمسحورة تماما ، في حين كان جواد يتبادل أطراف الحديث مع كبار رجال العائلة ويسودهم برجاحة عقله، وحديثه عن سفراته ومغامراته وآرائه السياسية، ويخيل إليك أن قضية فلسطين ستحل بمجرد أن يتحدث جواد عنها، وأن هنري كيسنجر وكلينتون وريجان وكارتر ، ما هم إلا تلاميذ في مدرسته الواسعة!! ويشير إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والماسونية ،وكأنه ضابط في المخابرات الأمريكية وعالم بخباياها،ويبدأ بتعداد أشهر الماسونيين من الزعماء العرب المشهورين ويستدل بكلامه ذلك بالعديد من الكتب التي يعشق قراءتها ،من كتاب المفسدون في الأرض، إلى سبب حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل ، بقصته الشهيرة أولاد حارتنا، ورد الشيخ كشك عليه بكتابه المشهور، كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا ، فتحتار أي شخص هو جواد علماني أم شيوعي، أم ليبرالي ملكي ، ومن عشاق جمال عبد الناصر، ويشيد بطولة السادات وعبقرية العبور، وحرب الاستزاف وخطط جمال عبد الناصر الفذة ،فتحتار أكثر من أنت ؟؟أنت كل هؤلاء ؟؟ تنظر إليه فاطمة بحب شديد، لا تفهم شيئا من كلامه ، لكنه آسر، حبه ملك عليها شغاف قلبها ،فلا تستطيع رفع عينيها عنه !!

بعد سويعات قليلة من خروجهم عادت لمى مع خطيبها محسن، هبت العجوز لاستقبالهم، جلس محسن بالقرب من والدها كالطفل المؤدب تماما، نظرت إليه لمى ، تأملت جلسته الهادئة ، شخصيته المترددة، تنهدت بقوة ، لالا لن تستطيع أن تدخل قلبي يا محسن ، إن قلبي ملك لشخص آخر لا يرى في الوجود سواه، في تلك اللحظة تذكرت لمى نظرات سامر الخجولة ووقوفه عند باب بيتهم ، بانتظارها صباحا ،حيث يودعها بعينيه الدافئتين حتى تتوارى خلف جدران تلك البيوت الحجرية القديمة ، في طريقها للمدرسة، كم قال لها أنه يتمنى لو أنه يملك أجنحة يطير بها فوق تلك المنازل، لتظل عيناه تشربان منها ،من ظلها ،من رائحة الطريق الذي تمشي به، تذكرت سويعات السمر تحت عريشة العنب حيث تجلس والدته مع أمها تشربان الشاي المنكه بالمرمية ، بينما يقف هناك مستندا على جدار منزلهم، ينظر إليها لا يرفع عينيه عنها ، رغم الصمت الذ ييلفهما، كانت تشعر أن قلبيهما يثرثران حبا طاهرا ، يرسمان مستقبلا زاهرا ،مليئا بالنجاح والإصرار ، كم تكلمت معه عن رغبتها بالسفر إلى روسيا حتى تهرب من حجيم والدها و من نظرات عذاب والدتها ، فيجيبها ضاحكا والله لو ذهبت إلى انتاركتيكا سألحق بك وأستولي على قلبك، لن أدع محيطات الدنيا تبعدني عنك ، ولا حتى جبالها وقاراتها لن تهربي مني يا لمى فأنت قدري، تنظر إليه بعيون خجلى ، تخاف أن ترفع ناظريها فتفضحها تلك العيون التي أضناها الحب الطاهر، فتضحك، فيرد بكل شقاوة آه يا لمى من ضحكتك الآسرة تلك ،إنها من قتلتني منذ أن وقعت عيناي على تلك الضحكة ، رغم ذكريات المناسبة الأليمة!! قطع يد عبادة ،وعشرات الرجال يملؤون منزلكم طلباللشفاعة، ووالدك الذي يصرخ علي مطالبا بسرعة تقديم القهوة ،كيف لمحتك يا لمى ؟؟ ما تلك القوة الكهربائية التي سرت في جسدي فصرت أبحث عن شيءما لا أعرف ما هو، وكأني طفل أضاع أمه ، كنت أبحث عن شيء ملك قلبي حتى دون أن أراه ، أحببت اسمك ورسمك حتى دون أن أعرفك ، ما أن تنطق خالتي شمة باسمك حتى تتسارع دقات قلبي رغبة برؤيتك، وكنت كما رسمتك بل أجمل، فيا ويح قلي كيف قتلني حبك،

تضحك لمى مرة أخرى من كلامه ، وترد بكل خجل : دعك من كلام الشعراء يا سامر، ما أنت إلا رجل قروي ،ذهب إلى مدينة عصرية( وغرق في سدر كنافة ) فاكلتها بخبز طابون !! .

فيرد سامر ضاحكا : إن كنت قرويا فحبك هو سر حضارتي ، وإن كنت شاعرا فضحكتك هي ملهمة شعري، وإن أكلت الكنافة بالخبز أيتها الحضرية فلأني أعرف قيمتها !!كيف الفرار من حبك الذي عذبني ،

تضحك لمى من كلامه العذب السلس، يرفع قدمه ليسندها على الجدار محاولا أن يريح رجليه اللتين تعبتا من الوقوف بجوارها ، وهي تجلس تحت تلك العريشة، تظل صفاء تنظر إليهما مع أمه ، وتضحكان من وقوفهما وصمتهما ، لكنهما لا تعلمان لغة الحب الصامتة التي تحكي حتى دون ان تحكي ، وتثرثر دون حتى أن تهمس، فبأي لغة يتسامران وبدون صوت يتهامسان !1

لم تفق لمى إلا على ملمس يد تلك العجوز الممتلئة بالعروق النافرة وبصوتها الهادئ كهدير البحرقبل العاصفة: لمى حبيبتي تعالي معي إلى الداخل.

نظرت إليها لمى مذعورة تريد أن تسألها من أنت؟؟ وما الذي جاء بك الى عالمي،؟؟ وكيف انتزعتني من جوار سامر؟؟ أين أنت يا سامر أي بحار ومحيطات تفصلني عنك؟؟كيف صرت بعيدا عني وأنت لازلت تسكنني ؟؟ أي أرض طويت ، وأي أرض مدت ، فصرنا أنا وأنت غرباء في أرض واحدة،

قالت للعجوز باستسلام: نعم يا خالتي ماذا تريدين؟؟

ردت عليها بوقار شديد: تعالي معي للداخل لا تخافي هناك مفاجأة !!

مشت معها لحقتهما فاطمة ، نظر إليها محسن مبتسما ، يريد أن يلتهمها بعينيه ، يتوسل إليها هيا اذهبي مع أمي ونفذي يا أمي ما نريد!!

سكتت لمى / دخلت الغرفة وراءها أغلقت العجوز الباب، في وسط الغرفة فوق ذلك السرير الكبير ،كان هناك ثوبا أبيضا بدا للمى ككفن ناصع البياض، لكن لم طرزت أطرافه بذلك التطريز البشع ، أمسكت العجوز بالثوب قائلة: حبيبتي لمى لقد بعثت بطلب فستان زفاف لك ولفاطمة من سوريا ، هم مشهورين بالملابس الجميلة ،يشهد الله كنت أود أن أحضره لك من لبنان ، فأنت تستحقين ذلك ،لكن صدقيني ،حتى بنات لبنان يشترين ملابسهن من دمشق،ففيها (من البابوج للطربوش أو من الساس للراس) انظري جيدا لنوعية القماش أرجو أن يكون على مقاسك ؟؟

نظرت لمى كالمصعوقة تماما ، ماهذا ثوب زفاف؟؟ يا إلهي زفاف ، لقد اقترب موعد الإعدام لالالا لن ألبس ذلك الثوب أبدا ولو قطع جواد رأسي !!

أعقبت العجوز هيا حبيبتي البسيه لأراه عليك ، لقد حاولت جاهدة أن يكون على مقاسك تماما، فجسمك الرشيق، وطولك الفارع يجعلان من أي ثوب عادي رائع الجمال،هيا حبيبتي

اقتربت فاطمة قائلة: يا الهي يا له من ثوب رائع، عندما تقع عينا محسن عليك سيفقد عقله صدقيني، هيا ارتدي ذلك الثوب ودعي الفرحة تدخل قلب أمي ،هيا يا لمى أرجوك ؟؟

سكتت لمى لم تحر جوابا ،فرحة.......... ثوب....... لبنان ......دمشق .....ما هذه الترهات ؟؟ماذا أفعل هنا ما هذا الثوب ؟؟عادت لمى تهذي... هاهي روحها تهرب منها تغادرها ،وهاهو عقلها يعلن الاستسلام ،هيا يا لمى افعلي ما تريدين ،ولكن لا طاقة لي بالقتال وحدي ، فأنا فرد أمام جماعة،م والدي وحسن وفاطمة وهذه العجوز الطيبة!! كيف الخلاص منكم ؟؟ يا الهي ساعدني ماذا أفعل ؟؟

جلسن لمى على طرف السرير، أمسكت بالثوب وكأنها تمسك بشهادة إعدامها ،تمسك بسلاح لتطلق منه نارا على رأسها ، نظرت للثوب الابيض الناصع، تأملت حبات الخرز واللؤلؤ لم ترفع عينيها عنه ،

ردت العجوز: لمى حبيبتي هيا البسيه أرجوك

أخذت فاطمة الثوب ،رفعته قائلة يا إلهي كم سيكون جميلا ،هيا أمي دعيني مع لمى لأقوم بمساعدتها .

ضحكت العجوز قائلة :اتخجلين مني إنما أنا مثل والدتك !! لا بأس حبيبتي فأنت وفاطمة صغيرات ولديكن لغة تفاهم مشترك.

خرجت العجوز أقفلت الباب خلفها ،نظرت لمى للباب، وهو يغلق ،أنت مثل أمي ,,أمي ،تذكرت منظر والدها وهو يضرب والدتها بقوة بتلك العجرة القاسية وأحيانا بحزام بدلته العسكرية ، شعرت أن تلك الضربات تنهال عليها هي وليس أمها وبيد جواد ، كان عملاقا كبيرا ملأ أرجاء الغرفة، وهو يضرب ويضرب ،شعرت انها تدور بقوة بأرجاء الغرفة تهرب تهرب منه ، يا إلهي لم تعد تقدر على الهروب ،استسلمت أرادت الهروب مرة أخرى ،أخذت تترنح حاولت الوقوف ، لم تقدر، وقعت على الأرض !!صاحت فاطمة لمى لمى أمي جواد أرجوكم ساعدوني !

فتح باب الغرفة اندفع جواد ومحسن والعجوز نحو لمى ، اقترب محسن منها، نظر إليها بتوسل لمى ارجوك ما بك ما بك

صرخ جوادك :ما بها لا بد أنها تعبث بنا ،إنها بخير لا تقلق يا محسن !

ردت العجوز الله اكبر ما شاء الله لا بد ان عينا أصابتها ، سأقرأ عليها بعض سور القرآن، هيا يا فاطمة اصنعي لها كأسا من عصير الليمون ،(واسكبيه في طاسة الرعبة)

اقترب منها محسن ،تجرأ وأمسك بيديها ،أخذ يضغط عليهما بقوة، علها تفق، همس بصوت خافت لمى أرجوك أفيقي، ما بك؟؟ نظرت إليه أمه بحزم :ما بك محسن تماسك ما هي إلا دوخة بسيطة !!كن رجلا

أمسك جواد بيد محسن وذراعه: محسن كن رجلا ما بك أتبكي ؟نظر إليه نظر بغضب ارتعدت منها فرائصه !!وتحجرت دموعه في عينيه !1

اقترب جواد من لمى حاول أن يضغط بقوة على ذراعها ،تمنى لو يضربها ،حتى تفيق ولا تحرجه مع أهل عروسه :صرخ بها :لمى قومي قوي ما بك ؟؟

فتحت لمى عينيها بألم، كانت يد جواد تضغط عليها بقوة وكأنها تطحنها، شعرت أن روحها تخرج من جسدها ، فتحت عينيها قالت: والدي .... أمي ..سامر .. ثم ما لبثت أن أغمي عليها مرة أخرى ، دق قلب جواد بقوة ....يا لسامر اللعين ... لمى لمى ما بك ؟

في تلك اللحظة اقترب محسن ،وحملها بذراعيه القويتين ووضعها على السرير،قامت الأم بتغطيتها قالت: لا بد أنه البرد حبيبتي لمى.خرج جواد مسرعا ليلحق بفاطمة !

جلس محسن بجوارها ، يتلمس بأصابعه يديها ، يتحسس جبينها ، ينظر إلى عينيها المغمضتين ، وقد بدا بياض رائع تحت عينيها ، نظر إلى تقاطيع وجهها كأنه يراها لأول مرة، يا إلهي ما أجملك يا لمى ، لن أتخلى عنك حتى لو تخليت عن روحي، آه يا لمى لو تسمعين دقات قلبي الذي ينبض بحبك ، ولا يرغب إلا بقربك، أفيقي لمى وزيني عالمي البائس بروحك الجميلة وكلامك العذب وقراراتك الجريئة، سأكون طوع أمرك ، همس بصوت مرتفع لمى لمى !

نظرت إليه والدته ، تبسمت ثم قالت سأخرج لأسرع بإحضار طاسة الرعبة ,و لحاف صوفي حتى أغطيها جيدا .

ظل محسن لوحده مع لمى ، ينظر إليها وكأنه يسبح معه في عوالم سحرية، ترتفع به إلى أقصى سموات الكون، ما أجملك حتى وأنت مريضة يا لمى، فجأة فتحت لمى عينيها ، نظرت إليه :قالت بصوت خافت: محسن أرجوك أريد الذهاب لأمي ، أرجوك أخذت دموعها تنزل بغزارة ، كانت تتوسل إليه بكل جزء من جسدها المنهك ، لقد قضى جواد على كل ذرة قوية به، وهاهي أمك تريد ان تلبسني كفني قبل أواني !!

نظر إليها ، سكت قليلا ،ثم قال: لمى حبيبتي ,, أرجوك لا تفكري بأي شيء سوى صحتك، أأنت بخير ،

ردت بسرعة : أتوسل إليك أريد العودة لأمي ،شعرت لأول مرة أنها طفلة صغيرة ،خائفة! ضائعة، ترغب بحضن أمها حتى لو كان مشروخا،مجروحا،يقطر دما،شيظل حضنا دافئا،يمنح حياة حتى وهو يموت ،شعرت لأول مرة أنها تحتاج تلك الأم حتى لو كانت مضروبة ، وأن تلك الأم الضعيفة المنهكة، هي طوق نجاتها!!ستتعلق به بقوة ،لن تتركه أبدا ردت بصوت خافت أرجوك أريد أمي الذهاب لأمي إرحمني ودعني أذهب لأمي اتوسل إليك أريد أمي أرجوك ،،وأخذت تبكي وتبكي وتبكي ,,,

-قبل يديها ، بللهما بدموعه ، رد بصوت خائف :أخاف إن ذهبت هناك أن ترفضي الزواج مني ؟وتتركيني؟

-،عديني لمى بأنك ستكونين لي أرجوك ، عديني بذلك ، سأكون طوع بنانك ولكن عديني أن تكوني لي !إلهي ،

فكرت لمى ،يا إلهي ارحمني ، لا أريد خداعه ، ولا أريده !ما العمل ؟؟سكتت أغمضت عينيها طويلا، تنهدت ، رفعت عينيها إليه ثم قالت: محسن أرجوك أريد أمي دعك من هذا الكلام ، أتريدني أن أموت هنا ، أرجوك قل لوالدتك أنك تريد إرسالي لأمي ، ولن يتم الزواج إلا بوجود والدتي ،

سكت نظر إليها باستسلام عجيب لم يفهم جيدا كلامها ، لكنه كان يعرف شيئا واحدا أنه يريدها ويحبها ولن يتخلى عنها ، مهما كانت ذكية ، ومتعلمة فحبه أقوى منها ، وسيجعل حب لمى منه شخصا قويا ، لكن ماذا يفعل؟؟

ردت لمى:أرجوك قل شيئا ،أريد أمي،دعني أذهب أرجوك!!

.في تلك اللحظة دخلت العجوز وبيدها كأس العصير ، ومعها فاطمة، كان محسن قد انكب بوجهه فوق يدها !بكل استسلام !!

أسرعت العجوز، امسكت بظهرها ، أسندته لظهر السرير النحاسي الكبير، أخذت لمى تشرب وتشرب دون أن تتكلم ، ثم ما لبثت أن قالت :للعجوز أرجوك أريدأن أنام فأنا متعبة جدا !!

نظر إليها محسن بشفقة وحيرة،قبل يديها ،رأسها، جبينها ، وخرج من الغرفة يجر قدميه جرا،وكأن روحه تنتزع منه،تنهدت لمى عندما خرج ، أخيرا خرجت ،أخيرا ..جلست العجوز بجوارها تنظر إليها ..............يتبع

الهام بدوي
25/05/2012, 10:04 PM
الجزء الخامس عشر :القرار الصعب :



نظرت العجوز جيدا للمى ، قالت لها: حسنا يا بنيتي نامي الآن ولدينا غدا يوم طويل جدا للكلام ، انا أفهم جيدا كل ما تفكرين به ، وما تظنينه بمحسن ولدي ،إن كنت إمرأة جاهلة أو أمية ولكني لست مغفلة أبدا يا لمى ، كوني حذرة يا حبيبتي لقد فتحت لك ولوالدك ليس فقط أبواب منزلنا وشرعتها لكم بل وحتى قلوبنا الجبلية النقية مثل ماء الثلج ، غاليتي لمى ،لا تفكري بأي شيء الآن وارتاحي وغدا يوم آخر ونهار جديد ورزق جديد هذا ما علمتني إياه الحياة !!

خرجت العجوز بعد ان قبلت رأس لمى ودثرتها جيدا بذلك اللحاف الصوفي المغطى بقماش ناصع البياض .

في خارج الغرفة كان محسن جالسا واضعا رأسه بين يديه ، اقتربت منه بهدوء،رفعت رأسه ، رأت عيناه حزينتان وقد بدت بهما دمعة حائرة خائفة،ثم اغرورقت بدموع منهمرة ،مسحتها بكل حب، قبلت رأسه ،همست به : لا تخف أنا معك ، ولسوف تكون لمى لك، لن أسمح بغير ذلك اطمئن !!هدأت نفسه قليلا ، قبل يديها ، ثم توسل لها قائلا: أماه أرجوك ، إنها تريد تأجيل الزواج!أخاف أن تهرب مني ، وتتلاشى من حياتي، كوني معي دوما أرجوك !

هزت العجوز رأسها ، لا تخف ، كلمتي عقد زواج ، لمى ستكون من نصيبك ، اطمئن !!



في الغرفة ، طار النوم من عيون لمى ،أخذت تفكر ،، ماذا تقصد ؟؟هل هو تهديد أم تلميح ؟أو مجرد كلام امرأة بسيطة قلقة ؟؟ شعرت أن رأسها يكاد ينفجر من الألم والقلق ، هذا ما كان ينقصني لم أنته من والدي حتى جئت أنت وابنتك وابنك!!يا إلهي ساعدني لأستمر على قيد الحياة ها قد غاب يوم آخر وأنا لا زلت على قيد الحياة.

أخذت تسبح تسبيحات ما قبل النوم تريد استشعار تلك الأذكار التي تزرع بقلبها الإطمئنان ، أسلمت وجهي إليك، لا منجى منك إلا إليك ،إلهي ساعدني ،أستودعك روحي ونفسي وعقلي وقلبي، قلبي !!قلبي !سامر آه يا سامر أين أنت ، هل تعلم بحالي ، سافرت عيناها المتعبتان للبعيد قفزت فوق تلك التلال والجبال ، طارت رغم برودة الشتاء والصقيع ، وصلت هناك وقفت روحها تتوسل أن تراه أن تسمعه ، يا ترى ماذا تفعل الآن يا سامر ؟؟

هناك في البعيد كان سامر يذوي كشمعة ، يفتح كتابا ليدرس ما فيه فتظهر صورة لمى فوق الكلمات ، يغمض عينيه جيدا حتى لا يراها ،فتقفز داخل عينيه المغمضتين ، ينظر للجدار فيراها واقفة هناك، يخرج من المنزل رغم برودة الشتاء فيراها تنتظره عند تلك الجدران الحجرية ،أسفل تلك العريشة الجافة، بجوارشجرة اللوز الصامدة ، آه يا لمى أين أنت وما أخبارك ؟؟وكيف الوصول إليك،، هل كتب على حبنا الموت ، سأموت إن تركتني ، لا أستطيع العيش من دونك ، أخذ قلمه يكتب لمى لمى لمى وكأن تلك الحروف هي أجمل حروف اللغة العربية لا يمل من اللام والميم وى ى ل ل م م ى ى ما أجمل حتى اسمك ، من أي طينة خلقت يا لمى ومن أي نور بعثت ؟؟كيف تملكين قلبي وأنت بعيدة ، كيف أراك في كل جهة ، تكونين قريبة منى حتى شغاف قلبي وبعيدة عني حتى مغارب شمسي وحتى تعمى عيناي عن رؤيتك؟؟ لمى ! يا إلهي ساعدني ،فكر قليلا ثم قرر غدا يوم آخر سأسافر إلى تلك القرية الجبلية وسأقابلها وليفعل بي والدها ما يريد ؟؟ لن أتخلى عنك يا لمى أبدا ، شعر أن طيفها هدأ قليلا، هل فعلا تتواصل الأرواح والعقول المحبة ليلا، أحقا نسمع همس من نحب ، خرج من الغرفة، نظر للقمر الذي اكتمل، أيها البدر الجميل ،سلم على لمى، بلغها شوقي وحبي ، أنشدها أشعاري وبوح خلجات قلبي ، غن لها أناشيد عشقي ودفقات شغفي ، أيها القمر بالله عليك ،هلا بحثت عنها بين البيوت الحجرية والطرقات الجبلية! هلا دخلت من نافذة غرفتها ،بواسطة أشعتك الفضية ،ونثرت فوق سريرها نجماتك اللامعة، علها تنير ما حلك من سواد ليلها، ولتمسح أيها القمر جروحها ، وتبدد خوف قلبها وبؤسه ،وإن كانت يا بدر تبكي عيونها ،قل لها يا عين لا تبكي فغدا لقاؤنا ، وقل يا عين اصبري حتى يلقاك سامر فلتفرحي ، ولتكتحل عيوننا بطعم اللقاء الدافئ ، أيها القمر إذهب سريعا للمى ، وقل لها إن سامر لاينام إلا على طيفك ، ولا يفيق إلا على صوتك وهمسك ، قل يا بدر إني لها مخلص ، وإني من أجلها لن أستسلم فاصبري يا لمى سيظل لنا يوم آخر !

ظل ينظر للقمر وغيوم الشتاء تغطيه تارة وتنجلي عنه تارة أخرى فكاأه يبث له إشارات أني قد سمعتك ،ولرسالتك بكل أمانة سأحمل،

في صباح يوم شتوي جديد ، كانت الحركة سريعة جدا في ذلك المنزل الجبلي، استيقظت لمى ، وجدت في الغرفة امرأة متوسطة العمر تحمل بيديها آلات عديدة تعرفها جيدا ،إنها الكوافير أتت من إربد لتسريح شعرها وشعر فاطمة وتجهيزهن للزواج، نظرت لمى بذهول ، توجهت لخارج الغرفة ، سألت عن والدها ؟أجابتها العجوز ،إنه بالخارج من أجل اتمام مراسم الفرح الليلة كما اتفقنا جميعا ، لمى عودي يا حبيبتي لغرفتك حتى تقوم تلك المرأة بتجهيزك وعمل ما يلزم لك ، سكتت لمى نظرت لها طويلا، ثم قالت : حسنا لكني أريد خالتي شمة ، هناك موضوع هام سأخبرها به لا بد ان أذهب إليها حالا يا خالتي أرجوك .

لالا يا لمى سأدع أحد الأولاد يستدعيها ، لا تقلقي ستحضر إليك شمة الآن !

سكتت لمى ،دخلت غرفتها،أمرت المراة بالخروج ، نظرت لفستان زفافها : أخذت ورقة كتبت عليها عبارة ( يداك أوكتا وفوك نفخ !) ألصقت الورقة على الثوب ، وضعته على السرير ،تسللت من المنزل بكل هدوء ، العجوز كانت مشغولة مع النساء وكذلك فاطمة ، حديث وكلام كثير لا يعنيها ، دق قلبها بقوة ، أصلحت حجابها ، ثم خرجت مسرعة !

في الشارع البارد كانت لمى تجري وتجري بكل ما أوتيت من قوة ، تهرب حتى من ظلها الذي يلحقها بكل وقاحة دالا عليها ، سأهرب حتى منك يا طيفي ، وبسرعة اتجهت نحو دكان خضار ، كان عبادة هناك واقفا بقامته الفارعة ، نظرت إليه ، رآها ،أسرع إليها بخوف شديد لمى ما بك ؟

جلست على أقرب كرسي أرجوك عبادة ساعدني لاطاقة لي بتلك العجوز الداهية تريد اتمام الزواج الليلة ، ماذا أفعل ؟؟

عبادة: الليلة ، أو من أجل ذلك جاء والدي صباحا وخذ مني حوالي ألفي دينار !من أجل الذبائح !تكاليف الفرح !

ردت بغضب: عبادة لا أريد الزواج من محسن أبدا ،عليك أن تساعدني و تستأجرالآن سيارة وسأعود لوحدي للحصن ولن يتم الزواج أبدا !!نظرت إليه بقوة شديدة ، أسرع فأخرج من جيبه مبلغا من المال ، نفحها إياه ،قال لها هامسا : إذهبي بسرعة ، وانا سأذهب لمنزل العريس وأخبره أنك سافرت من أجل تجهيز نفسك عند امرأة في إربد العاصمة وستحضرين مساء مع أمك لاداعي للقلق وليستمر الفرح وليكملوا التجهيزات .

لأول مرة شعرت لمى بفرح شديد ، أخيرا سأفر من قرارك يا أم محسن ولن يتم هذا الزواج أبدا ، عانقته بقوة ،احتضنها بيده القوية شد عليها كثيرا قبلته بحب وشوق ،شعرت أن عروقها قد ارتوت اطمأنت ، هدأت ،بدأت دماء قوية شابة تجري تحمل معها الإصرار والقوة ، .

كانت السيارة تنهب الطريق الجبلي العائد بها إلى الحصن، نظرت للأشجار العالية لحقول الزيتون ، للجبال الخضراء ، لشمس الشتاء الدافئة الخجولة وقد أشرقت فرحا بعودتها مرة أخرى للحياة ، امتلأت السيارة بالزبائن الذي يلاحقون أحلامهم من بائع وغاد وكلهم يشدهم الأمل ليوم جديد، وأنها جزء من ذلك العالم الجميل، كان وجود محسن في حياتها خانق لها ، قاتل ،يجعل العالم كله عبارة عن غرفة بشعة، مليئة بفراش جميل ووثير، ولكنها عبارة عن سجن، قضبانه البشعة، نسجت من أنفاس ذلك الرجل الذي تكره ، ماذا تفعل؟؟ حتى صوت أنفاسه تكرهها ، طريقة كلامه تثير الخوف في نفسها ، صوته يجلب معه ثوب الموت !كيف؟؟ لا تعلم، ثرثرته تثير شبح الموت ،فيصبح عملاقا كبيرا يظلها بظلاله ، يخنقها ،يمنع عنها الضوء و الشمس والحياة، فتحت نافذة غرفة السيارة ،كان الهواء باردا جدا ، تضايقت المرأة التي تجلس بجوارها، أرجوك ابنتي أغلقي النافذة إنه هواء يجلب الموت !

ضحكت لمى ،وضعت يديها على طرف النافذة ،ردت :خالتي بل يجلب الحياة ،إنه هواء طاهر ، نظيف رفعت النافذة ببطء شديد، وتركت فسحة صغيرة تسللت أصابعها من خلالها وظلت تشد عليها ، وكأن تلك الفسحة تمدشرايينها بدماء الحياة، التي كادت أن تهرب منها ،نظرت للسماء وللغيوم ،وكأنها تهمس لهن أيتها الغيمات لقد تعبت من الفرار هل تكتمين أسراري ، فلا تعلمي أحدا بضعفي وانهيار قوتي،أنا أفر من قدري الذي كتبه أبي لي،أذلك الفرارهو القرار الصحيح؟؟ أيتها الغيمات أجيبي، نظرت طويلا لها ، كانت تلك الغيمات تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوجل، تتمخطر في رحاب السماء الواسعة الزرقاء حيث تريد وكيفما تريد بكل حرية !!

ارجوك يا إلهي يا خالق الغيمات، ومنزل الرحمات، أعطني إشارة واحدة ،تدل على أني قمت بالعمل الصائب ،،،، أرجوك يا إلهي ساعدني ،،في تلك اللحظة لمحت شبحا كأنه سامر فتحت عينيها جيدا ، كان بالسيارة المتجهة لقريتهم بالجهة المعاكسة ،،إنه سامر ،، أنا متأكدة ماذا يعني ذلك؟؟ يا إلهي أهي بشارة أم إنذار ؟؟شعرت بحيرة مشوبة بفرح ، هل هو وهم؟أم حقيقة ؟ .

في المنزل تقاطر الصغار نحوها ، صفاء شعرت بخوف شديد ، كيف عدت ، أين جواد ، ماذا سيفعل الآن ؟

ردت لمى : لا يهمني ليفعل ما يريد، أنا الآن في بيتي قربكم أمي ،،أنا معكم أقوى ولن أدعه ينتصر علي أبدا !!

جاء ت فضة والدة سامر ، تحمل بيديها طعاما ، وبعض الكعك الشتوي اللذيذ، دخلت المنزل ، نظرت لمى نحوها تبحث عنه ،تكلمت أخيرا :لمى حبيبتي لقد ذهب سامر منذ الصباح لزيارتكم ، ألم تشاهديه عند أختي شمة ؟؟

ردت لمى : سافر .. عندنا ..الحقيقة.. خالتي... لم أشاهد أحدا!

دق قلب لمى بقوة يا إلهي أنا هربت وعدت وهو سافرإلى هناك أي مفارقة تلك ،شعرت أن رأسها قد تعب كثيرا من التفكير ، يا لقدر العاشقين وكأن الله برحمته الواسعة أعطاها إشارة في طريق الفرار ،لمى لست وحدك سيظل سامر معك ، حتى لو اختلفت الطرق !!شعرت براحة غريبة ، وسعادة غامرة، أذلك الطيف كان أنت يا سامر ؟؟سافرت لتؤنس وحدتي في طريق عودتي ؟؟يا لقلبك الرائع ،ضحكت أخيرا ،عرفت البسمة طريقا لها ، ابتسمت من قلبها ، شعرت أن قلبها يبتسم ، أتبتسم قلوبنا حقا ،وتشعر بالفرح حقا ؟ ما أجمل تلك الفرحة فرحة القلوب قبل الوجوه !!

مر اليوم سريعا جدا ،سعادة كبيرة تملكتها وهي تشارك اشقاءها وشقيقاتها حياتهم ،ما أجمل الجلوس على تلك المائدة العائلية وتناول حتى شوربة العدس الأصفر الشهي أو مجدرة العدس والأرز مع شرائح البصل المقلية بزيت الزيتون وقد صنعت صفاء طبقا واسعا من سلطة اللبن الزبادي مع الخيار المقطع ، تناولت الأسرة الطعام ، وكأنهم ملوك على هذه الأرض!!

في الصباح عادت لمى لمدرستها ، حاولت الاعتذار عن غيابها الذي استمر أسبوعا كاملا، كان عليها ان تستدرك ما فاتها من الدراسة، في مساء اليوم التالي عاد سامر وجاء مع والدته لزيارتهم وأخيرا اكتحلت عيناها برؤيته ، عادت الحياة تسير على وتيرة طبيعية ، هاهو يزورهم يقف على ذلك الجدار،يسند ظهره عليه ، يرفع رجله ليريحها ، يا إلهي وكأني في الجنة !!

تحدث طويلا مع الأسرة كلها ،لم يستطع أن يقف بجوارها كما كانا يفعلان دوما ، لقد صارت تجلس بعيدة عنه ، قريبة منه ، كان ينظر إليها بطرف عينيه المتعبتين من الحب والسهاد، وهي لا تجرؤ على رفع عينيها نحوه، تعلمت أن تراه بقلبها ، تعرف إن نظر إليها،، بحرارة تصعد إلى وجهها ، ترتبك يداها ، تريد ن تصب الشاي فترتبك ، يقوم من مكانه ليكمل صب الشاي ، قد لا ينتبه احدا لذلك !!لكن قولب العاشقين تعزف أحلى الألحان فرحا بتلك المفارقات الدافئة !

واخيرا تلاقت عيون سامر ولمى ، يا إلهي كأن دهرا طويلا مر عليهما ، نظرت إليه كأنها تراه لأول مرة ، شعرت بحرج شديد، فهي عمليا مخطوبة لشخص آخر ، يا لعذاب قلبك يا لمى .

مرت الأيام سريعا ، كانت الأسرة تجلس في تلك الغرفة الشتوية وفي وسطها منقل الفحم ، أفرادها يدرسون ويكتبون ، لمى تدرس بقوة لتعوض ما فاتها ، دق جرس الباب أسرع الأولاد :عادوا أمي أمي يقول إنه عريس لمى !!

دق قلب لمى بقوة عريسها بالباب ،، يا إلهي ماذا يريد،نظرت الأم،، إلى لمى أجابتها بعيون صارمة لن أخرج له !!

قامت صفاء تجر أقدامها جرا ،أهلا بك يا محسن ، كان مرتبكا خائفا ، ينظر إليها وإلى داخل المنزل بخوف وقلق : خالتي جئت لزيارة لمى أين هي ؟؟أريدان أراها !

ردت الم : محسن أرجوك لمى نائمة وجواد مسافر عندكم أن،ا آسفة لا أستطيع استقبالك !!

رد بحزن شديد: أرجوك أريد ان أراها، لقد نفذت لها ما تريد هاهي تكمل دراستها هنا ،أريدان أعطيها هذه الهدية!انا احبها يا خالتي أرجوك ساعديني !!

قدم للأم علبة كبيرة لفت بورق ملون، ألوان فاقعة ريفية بشعة ، شكرته صفاء ،لا داعي لذلك ،شكرا سأعطيها للمى عندما تستيقظ،ساحاول ان اكلمها عنك يا محسن لا تقلق !

رد محسن: إن جواد أوصاني أن أبلغك رسالة،، وهي أن تسمحي لي بالدخول ،،والجلوس مع لمى هذه هي رغبة عمي !!

سكتت صفاء أهذا تهديد؟؟ثم ردت : حسنا كنت سافعل ذلك لولم تكن لمى نائمة .

خرج محسن ،ظل واقفا طويلا عند الباب ، شعر بضياع شديد،، لا يفصله عن لمى إلا عدة أمتار بسيطة ،،ليته يستطيع اختزالها، حتى يراها، لمى حبيبتي أرجوك دعيني أراك، أراك فقط !!

في الغرفةالداخلية كانت لمى تشعر أنها ستختنق ،،يا إلهي هاهو يعود ،أريد أن أنساه لا أريد أن أراه !!

دخلت الأم تحمل علبة بيديها : نظرت للمى ، ضحكت :هدايا من العاشق الولهان !!!

عم الصمت المكان ، نظر أخوتها للهدية ة ، قالت الأم يظهر أنه يعرف انك تحبين الهدايا والحلويات يا ترى ماذا أحضر هذا العاشق المسكين ؟؟ ضحكت هي ولمى معا !

تقاطر الصغار نحوها يتسابقون لفتح العلبة، قال شقيقها حمزة هذا رزق ساقه الله لنا ،هيا ماذا يوجد ؟؟ قام الولاد بتمزيق علبة الهدية تمزيقا ، وبسرعة البرق صارت أفواههم الجائعة طويلا والمحرومة والمتعبة من أكل العدس والفول والعدس والفول ،قد قضت على قطع البقلاوة ، لم يبق في العلبة إلا بقايا فتات !! ،نظرت لمى وقالت : لقد صرت من الآن أكره البقلاوة !!

في عتمة ليل ذلك اليوم ، جاء جواد كالإعصار ، فتح الباب بقوة صرخ قائلا: أين هي أين هي ؟؟ عم الرعب في قلب الجميع ،وقفت صفاء كالمشلولة تماما ، اندفع نحوها بحزامه الجلدي أيتها الملعونة كيف تجرئين على عدم استقباله !!الم يقل لك إن جواد أمرك ؟؟منذ متى تعصين أمري ، وبدأينهال عليها ضربا وضربا،،1علا صوت بكائها ونحيبها ، أخذت تهرب منه ! خرجت لمى من الغرفة صرخت به:: لالالا لالالا لاتضربها ،،لا ذنب لها،، أنا لا أريد أن أراه .

نظر إليها جواد بعيون قاتلة كالرصاص الذ ي يحمله مسدسه ، أمسك بطرف مسدسه طويلا ، توجه إليها ببطء شديد،، أنت أنت تعالي هنا امسك بيديها بقوة ودخل يجرها جرا إلى غرفته الملكية ،،أغلق الباب واخذ ينهال عليها ضربا ، أسرعت صفاء تطرق الباب تحاول فتحه أرجوك أتركها اتركها لا ذنب لها أنا لم أستقبله دعها ،

كانت تضرب الباب بيدين جريحتين !دون فائدة وقعت على الأرض،، أخذت تبكي ضعفها وهوانها !!في الداخل كان صوت جواد يهدر هدرا ، جدران الغرفة تهتز من صيحاته ،تارة يضربها بحزامه وتارة بعجرته القوية، ظل يضرب ويضرب ثم خرج من الغرفة.

نظر إلى بقية الأولاد وصفاء ، في المرة القادمة عليك أن تفتحي له الباب وتستقبليه وسيكون لنا حساب آخر !

خرج كما دخل ، كالزوبعة ،كالإعصار ،كالريح ،لا أحد يقف أ،مامه موجه عارم ، قوي جامح، لا أحد يقدر عليه إلا الله ، دخلت صفاء الغرفة، كانت لمى واقعة على الأرض وقد بدأ فمها ينزف من جراء جروح أصابت شفتيها ، نظرت لها أمها بخوف: لمى حبيبتي ، ما بك ؟؟ كانت عظامها محطمة تماما من جراء ضربه ، وجهها قد تلطخ بآثار يديه وهو يضربه بكفيه الكبيرتين !!شعرها الناعم الجميل تقطع وتناثرت خصل منه ، هناك دماء على رأسها ، لا بأس حبيبتي ، نظرت لمى لوالدتها بخوف :أمي هل أصاب معدتك عندما ضربك ؟؟

الام: لالا حبيبتي الحمد لله ، كل الضربات أصابت يدي تعالي حبيبتي تعالي !

في المنزل المجاور كان سامر يسمع تلك الصيحات فيكاد أن يصاب بالجنون !!ماذا يفعل لاحيلة له أبدا ، خرجت والدته مسرعة نحو تلك الأسرة المكلومة ، طرقت الباب بعنف ، فتح لها الأولاد ، أسرعت نحو صفاء تقدم لها المساعدة وللمى العون .

جلست فضة ثم قالت : ثم ماذا يا لمى؟؟ ألا تريدين لهذا العذاب أن ينتهي؟؟ يا ابنتي ارحمي والدتك ، نظرت لمى لخالتها أم سامر ، سكتت ، ظلت دموعها تنزل بصمت رهيب ، لا حيلة لها ، نظرت باستسلام ، ثم قالت : خالتي علمتني الحياة أن هناك دوما يوم جديد ،لا بد أن يكون في غد يوم أخر !!

يتبع

الهام بدوي
25/05/2012, 10:06 PM
الجزء السادس عشر 16:عودة الروح !!

كان الفصل الدراسي مليئا بالأحداث الرائعة للمى ،لقد تم اختيارها ضمن الفريق الذي سيقوم بالترحيب بوزير التربية عند زيارته لمدرستهم وإلقاءكلمة المتفوقات والمميزات، ظلت لمى تحصد العديد من النجاحات في حياتها الدراسية التي كانت بالنسبة لها طوق نجاة، حياة رائعة مليئة بالحيوية والحب والابداع بعيدا عن عالم محسن لكن الأمور لا تجري دائما كما نريد، لكننا نجعلها بإرادتنا كما نريد، لم يكن شعارها أبدا شعار والدتها، إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون ،بل كانت إذا لم تخطط لحياتك ،خطط لها الآخرون )

بعد مرور شهر كامل على زيارة محسن الأولى وفي يوم مشرق رائع ،وقد صارت أشجار اللوز في حديقتهم تحمل تيجانا بيضاء رائعة ورائحة الأزهار تعبق المكان ،بدأت الأسرة تعتاد غياب جواد ،ضاقت الحال بأسرتهم الكبيرة ،لاحظت لمى أن والدتها تميل إلى طبخ العديد من الأطعمة الزيتية من سبانخ مقلية مع كمية كبيرة من البصل وملح واضح ،تنظر لمى لوالدتها متسائلة عن سر الملوحة البارزة والشديدة ،تسكت الأم ،يعترض الصغار، الملح شديد ، تردصفاء بصرامة :اجعل قطعة الخبز كبيرة

تجتمع الأسرة كلها على صحن صغير من ثلاثة بيضات مغرق بزيت الزيتون والملح الشديد، ويتكرر الحدث وتتوالى اللقم الكبيرة من الخبز ،يشبع الصغار والكبار من البيض ويبقى بقية منه بالصحن !

صفاء دائما تجد الحل لأولادها ، كل الخضار تقلى بكمية كبيرة من زيت الزيتون والملح وأرغفة الخبز الكثيرة ، تربي بعضا من الدجاج فيتم القضاء على تلك الدجاجة كلها حتى أمعائها ، لا تستغرب لمى، فأمها تجيد تنظيف الأمعاءء التي تشعر لمى بالقرف من منظرها فتجيبها :لم يا لمى أليست لحوم!!مابك إنطري جيدا وسترين كم هي شهية !!نقوم تقطيعها قطعا صغيرة وقليها وإضافتها لطبق الأرز أو المقلوبة ،يلتهم الصغار تلك القطع الشهية من اللحم اللذيذ .

في تلك الليلة بعد وجبة بيض مملحة بزيت الزيتون ،تحدثت لمى مع شقيقها نبال ،طلب منها الحل ،فأمهم ضاقت بها الحيلة ،لم تعد تجد ما تطعم به تلك الأفواه الجائعة ،بل حتى أمعاء الدجاج نفذت !وهنا قرر نبال شقيقها الأصغر مع كنان، أن يعملا في حدادة السيارات بعد المدرسة ، فهي مهنة رائعة وتدر مبلغا كبيرا من المال، صارت الأسرة تحتاجه بقوة ، لم يكن نبال يملك خيارا آخر، إما الموت جوعا أو العمل بعد الدراسة ،يعود نبال متعبا مع شقيقه ليبدأ حلقة دراسية مكثفة، يأتي دور لمى التي تمارس معهما دور المدرسة الخصوصية، لتشرح لهما بصوت مرتفع أبرز نقاط دروسهما وكأنها هي التي تدرس ،فيأكلان وهما يستمعان لشرحها ،ثم ما يلبثا أن يستسلمان لسطان الجبابرة النوم، اللذيذ بعد يوم في غاية الإرهاق.

عملت لمى مدرسة خصوصية لبعض الأسر من صديقاتها ،تدرسهم جميع المواد مقابل دنانير قليلة تسد حاجة لصفاء كتمتها في صدرها ، رغم ذلك كانت لمى سعيدة، تعد والدتها دائما بالغد السعيد، اصبري يا أمي سنترك منزل والدي ،لنعيش معا وعلى نفقتي ،هذه هي خطتي وقراري ! ولكن محسن ىأه منه ومن حبه ،اعتات لمى ان يقوم بزيارتهم دوما واعتاد هو الرفض واعتادوا مجيء جواد لضربهم بقسوة بتلك العجرة والتغيب يومين عن المدرسة !

في نهاية الفصل الدراسي وقد بدأت تباشير الصيف تظهر وعناقيد العنب المتدلية الخضراء يلتهما الصغار قبل حتى نضوجها ،تتذكر لمى كيف كان والدهم ينهال عليهم ضربا ذا تجرأ أحدهم وقطف عنقودا ، هل غيابه يعني السعادة والحب والهناء، كيف يكون غياب الأب مصدر سعادة لأولاده ولزوجته فترة سلام؟؟

في ذلك الصباح الصيفي ،استيقظت لمى خرجت لتنظيف أسنانها تفأجات بمنظر أم محسن تجلس في الحديقة تحت عريشة العنب،صعقت شعرت بحرج شديد وكأنها تمشي عارية كانت في غاية الخجل والخوف والقلق ،رفعت خصلات شعرها الناعم ،تقدمت منها بكل هدوء سلمت عليها ، رفعت تلك العجوز يدها وكأنها ترسل رسالة سرية للمى قبلي يدي، شدت لمى على تلك اليد فما كنت لأقبل يد أم امراة اغتالت أحلام أمي ودمرت أسرتي .

قالت تلك العجوز: تعالي يا لمى واجلسي بجواري

ردت: سأنظف أسناني وأغير ملابس النوم، سكتت أم محسن وقالت: خير إن شاء الله

دخلت لمى الغرفة :ما الذي جاء بها إلى هنا يا أمي؟؟ولم؟؟

والله العظيم لا أعلم فجأة رأيتها داخل المنزل !كيف ؟؟ المهم لمى هيا يا ابنتي غيري ملابسك دعينا نرى ما الذي تريده تلك الفهدة !!

فهدة ؟؟ حتى اسمها مخيف يا أمي ،فهدة!!

قدمت صفاء القهوة العربية ، تشربها فهدة بكل هدوء وروية ، جلست لمى كالطفل الذي ينتظر عقابه !!

حسنا يا لمى : لقد انتهى العام الدراسي ووفى محسن بوعده لك، وعليك الآن الوفاء بوعدك لقد أحضرت لك فستان الزفاف ،وبعض الملابس التي تحتاجها كل عروس ،وهذه علبة الذهب الخاص بك ،سيكون الفرح في نهاية الأسبوع القادم بعون الله ، لن يكون في قريتنا حتى لا نتعبك بل سيكون في منزلكم يا لمى !

نظرت لمى وصفاء لها باستغراب شديد ! يا إلهي في منزلنا ! لا مجال للهروب !

سكتت لمى وقالت حسنا يا خالتي ، سيكون لك ما تريدين ولكن من الضروري ان أتفق أولا مع محسن على إجراءات الفرح والعرس.

لا داعي لذلك كل ما تريدينه اطلبيه مني ، محسن رجل طيب ولن يرفض لك طلب ،ما الذي تريدينه يا لمى ؟؟قوليه لي،وسينفذ فورا ،نظرت إليها بعينين قويتين كعيون صقر عربي حدد مكان فريسته من بعيد ،صارت كطائر الحبارى الذي سيقع بين مخالب ذلك الصقر البدوي القوي ، أين المهرب مني لمى ؟

شعرت لمى بخوف، دق قلبها بعنف في صدرها،وكأن الزمن توقف على فهدة،ولمى ومحسن، ثم أغلق بوابته الحديدية الكبيرة الصدئة عليهما ، فصارت معهما في عالم وزمن آخر لا علاقة لأحد بها، لالا لن تتخلى روحي عني هذه المرة ،أين أنت يا روحي تعالي ، لا زال لدي وقت وفرصة، تعالي ، أخذت تتشبت بروحها بقوة وهي تنظر لفهدة التي بدت كأنها ترسل عليها سموما بعيونها ، أمواجا كهرومغناطيسية قاتلة ، تسيطر على روحها وتسحبها بهدوء بهدوء إليها فتغدو جسدا بلا روح !!كأنها تنومها مغناطيسيا .

لالالالا ،لن أجعلك يا فهدة تغالين روحي، لن أسمح لك بذلك ،سأمسك بك أيتها الروح العالية ،أفيقي يا لمى ، ما هي إلا امرأة قروية ذكية ولكني أذكى منك ! تنفست بعمق ،وهي تنظر إليها ويكاد صوت أنفاسها يغدو لهاثا لا شهيقا ،

أكملت فهدة بهدوء المنتصر :يهمني جدا أن تكوني سعيدة ومرتاحة ،سترينه يوم الفرح إن شاء الله ونحن الآن في منزل والدك وفاطمة ،تستطيعي رؤيته هناك يا لمى !!

يا ألهي يالك من داهية حتى أرى محسن لا بد أن أذهب لمنزل والدي ،وتكون زيارة تحت إشراف جواد ، بإصرار عجيب وقوة : طبعا خالتي ، سآتي لأراه هناك ، إنها فرصة أرى بها والدي الذي لم أره منذ خمسة شهور كاملة !

لم تكن تدري لمى من الذي يرد ويفكر ؟؟أخيرا يا روحي الغالية بت متمسكة بالحياة ، وأخيرا يا روحي الحبيبة صرت تدافعي عني بقوة !!شعرت بسعادة غامرة ، راحة وقوة عجيبة ،إنها قوة الروح،التي تتملك الناجحين فقط!هكذا قالت لنفسها .

انتهت الزيارة على خير ،تقدم جميع الأولاد لرؤية ملابس العروس الجميلة ، جلست لمى تفكر وتفكر.

قالت الأم: ما العمل يا لمى ؟؟أين المهرب إذا كان الفرح هنا؟؟ولكن كيف ؟

رد أخوها الصغير: أمي ستكون الذبائح والمناسف في بيتنا !!ياإلهي سيكون لدينا لحما يكفينا شهرا!!أرجوك لمى بعد المناسف افعلي ما تشائين !!وضحك .

ضحكت لمى وأمها من كلامه ، قالت لمى: يا لك من خبيث ،لا تفكر إلا ببطنك؟؟

ولم لا أليس البطن هو سر الحياة ؟؟

فعلا ،مصائب قوم عن قوم فوائد ، وضحكت ، لا تقلقي يا ماما ، سأتدبر أمري معركتي ليست مع فهدة فلم أخوض معركة لا تهمني ؟؟ معركتي مع جواد و محسن .

هل ستذهبين لمنزل والدك؟؟

طبعا طبعا ولكن سأختار الوقت المناسب .

بعد حوالي يومين من مراقبة منزل والدها ، رأت محسن يدخل منزل والدها وبيده طفل صغير لا بد أنه ولد فاطمة ،دقت الباب بيد واثقة ، فتح لها الباب محسن ، نظر إليها بذهول شديد ، صار قلبه يدق بعنف ،احمر وجهه ،صارت يداه ترتعشان .

لمى حبيبتي يا لحسن حظي تفضلي تفضلي .

دخلت بكل هدوء، جاءت فاطمة ، قبلت طفلها ، رفعته من الأرض ، سلمت على لمى تفضلي تفضلي البيت بيتك ،ضحكت فاطمة ، هذا ولدي عمر ،لقد التم شملنا أخيرا بفضل الله ثم فضل والدك .

قبلته لمى ، يا له من طفل جميل ،علقت ، وهي تنظر لأثاث المنزل الفاخر، طقم من الكنب الأزرق الرائع ، اللون المفضل لدى جواد، لون الملوك ، في زاوية الغرفة مدفأة كبيرة ومنقل كبير للفحم وضعت عليه دلال القهوة النحاسية ، قدمت فاطمة القهوة ، جلست تحتضن طفلها وتقبله ، اقترب محسن من لمى قائلا: لقد اقترب الموعد يا لمى عليك أن توفي بوعدك لي ، لقد انتهت الدراسة !

تبسمت فاطمة من كلامه وقالت: طبعا طبعا وهل يمكن أن لا تفعل ذلك ،هي فتاة ذكية .

سكتت لمى ،لم تعلق، اقتربت من محسن جلست بجوارة ، ازداد خجله ، من أين تأتيها تلك القوة والجرأة؟؟ثم،م ما لبثت أن اقتربت منه بقوة أكثر ، شعرت فاطمة بحرج ، خرجت ، هذا ما كانت تريده لمى ،ما أن خرجت فاطمة حتى ابتعدت عنه ،وقالت: محسن هل يمكننا أن نتكلم في مكان بعيد عن هنا ؟؟

رد عليها بخوف شديدي:لم يا لمى منزل والدك رائع ولا أحد معنا ؟؟

لالا لاأقصد شيئا ولكن ما رأيك ان نتمشى ونشرب قليلا من عصير البرتقال ونتكلم كأي مخطوبين ؟؟

مرة أخرى نتمشى يا لمى ماذا تريدين؟؟أرجوك يجب علي اتمام هذا الزواج ،لن أتخلى عنك أبدا ولم يتغير موعد العرس!!

من تكلم عن تغيير موعد العرس؟

لمى أنا لست ذكيا مثلك ـأرجوك لنتكلم هنا بمنزل فاطمة.

لا تخف كل المحبين يفعلون ذلك .

دخلت فاطمة تحمل أكواب العصير ضحك محسن قائلا : هاهو العصير الذي طلبت !

شعرت لمى أن محسن قد تحصن جيدا ضد أن يكون معها لوحدهما،وكأن والدته نبهته جيدا لذلك ، ولكن على هامان يا فرعون؟؟هه هه ضحكت بخبث !!

لم تيأس شربت العصير وهي تنظر لمحسن ، فجأة دخل جواد، نظر إليها بغضب ،أسرعت نحوه قبلت يده ورأسه ، سلم عليها بهدوء شديد ، حسنا لمى الأسبوع القادم الفرح في منزلي ، لا مجال للهرب هذه المرة؟؟وكيف ستهربين ؟؟هه هه .

يا إلهي هزيمة فورية ، لابأس ، شعرت لمى أن والدها يعاملها كنعجة تماما ويهيئها للذبح بيده ويحرمها حتى من فرصة لللنجاة !

سكتت ، تقدم الغلام الصغير من أمه نظر إليه جواد بعينيه ،تراجع الصغير وترك أمه وغادر الغرفة خائفة، فتحت فاطمة عينيها بخوف، شعرت لمى أن الوضع غير طبيعي، طبعا كان محسن آخر من يعلم وكأنه في عالم آخر!

تعجبت لمى، هاهو جواد الذي أعرف، خرجت للمطبخ مع فاطمة لإعداد الطعام بعد أن أمرها جواد بذلك، كانت فاطمة تجهز طعام الغذاء ،كانت رائحة الكوسا والباذنجان المحشي شهية جدا ، أو منذ زمن بعيد لم تأكل أي طعام بلحم ، شعرت أنها طفلة سعيدة لن أفكر بشيء الآن ولناكل ، بينما فاطمة تجهز الطعام اقترب منها ولدها مرة أخرى حملته بيديها بذعر شديد وقالت ألم اقل لك أن لا تغادر غرفتك ـ قبلته وأمرته بحزم بالعودة للغرفة الأخرى.

فجأة جاء مرة أخرى وكان جواد قد خرج من الغرفة ، تقدم جواد بكل هدوء قائلا: خرج محسن لأحضار الخبز ، اقترب من الطفل ،تكلم معه بحزم شديدوأمسك بيده الصغيرة وجره بقوة وبدأ الطفل يبكي ،نظرت لمى لفاطمة وكأنها تدعوها للدفاع عن طفلها ، استمرت بتقطيع السلطة ولم تعلق خرجت لمى ، سمعت الصغير يبكي قائالا: لن أعيدها أرجوك لا تحبسني بالحمام أرجوك !!وأخذ يبكي .

أمسكه بقوة وفتح بابا ودفعه نحو الداخل،في تلك الغرفة المظلمة ، وقع الطفل وهو يبكي ، لالالا أرجوك!!

تقدم جواد نحو فاطمة :فاطمة من أحضر عمر من عند أمك ؟

لقد جاء به محسن !

حسنا في المرة القادمة سيكون التصرف معك لا معه !

أخذت دموعها تنزل بغزارة ،شعرت لمى أن فاطمة كالمسحوقة تماما ،كالمذبوحة لقد بدأت ترى الوجه الآخر للقمر !!هاهي حقيقة جواد ، لتعيشي بهذا النعيم ،لم تشعر بشفقة عليها ولكن قلبها كاد أن يتقطع على ذلك الغلام ، خرجت من المطبخ ، توجهت لوالدها قالت له أرجوك ما هو إلا طفل؟؟

لا تتدخلي ،اقتربت من الغرفة فتحتها فإذا هي حمام عربي صغير والغلام يبكي بقوة ،تعلق بها ، أمسك بملابسها ودفن رأسه الصغير بها وهو يبكي أرجوك أخرجيني من هنا ،أنا خائف جدا، لن أخالف كلام عمي جواد ،أرجوك أخرجيني ،أمسكت بالغلام ، تقبله وتحتضنه ، صرخ عليها والدها :ابتعدي عنه، اتركيه، صرخ عليها بقوة كبيرة التصق الطفل بها من خوفه نظرت إليه أرجوك دعه أرجوك ،

لطم الصغير بيديه القوية على وجهه فوقع على الأرض بقوة ، وأغلق باب الحمام جيدا ،وتوجه لغرفة الضيوف وهو في غاية الغضب،تبعته لمى وهي غاضبة ، ما بك يا بابا ، ارحم ضعفه ،نظر إليها بغضب وأغلق باب الغرفة بقوة .



عادت لفاطمة :ما بك ألا تدافعي عن ولدك ؟؟ سكتت لم ترد بل ظلت دموعها تنزل بغزارة وبصمت تنهدت ثم قالت:جواد عصبي جدا وسريع الغضب رغم حبه الشديد ، لا أعرف كيف أحل تلك المشكلة يا لمى ؟؟أحب جواد وأريده وأحب طفلي الصغير ، لكن جواد في الفترة الأخيرة لم يعد يطيقه لم؟لا أعرف ؟؟ إذا حاولت الدفاع عنه ينهال علي ضربا، وعلى الصغير ! ماذا أفعل ؟؟إن الحياة لا تمنحنا كل ما نريد!أعتقد أن أفضل حل هو السكوت ،لأنني كلما تدخلت كلما ازداد الضرب يا لمى ، أرجوك لا تتدخلي وسيهدأ جواد وعندما ينام أخرجه من الحمام بكل هدوء ،عليه الاعتياد على طبع جواد!

لكنه طفل صغير يا فاطمة !

نعم وأنا امراة ضعيفة ماذا أفعل ؟؟خبريني أنت لو كنت مكاني ماذا ستفعلين؟؟

ماذا سأفعل؟؟ قالت لها باستسلام ، لا أعرف وخرجت .

جلست تنتظر محسن الذي جاء وبيده الخبز وطبقا من الحلوى الفاخرة ،قدمها للمى أعرف أنك تحبين البقلاوة غاليتي، إنها من أفخر المحلات ، نظرت لمى لطبق الحلوى وقالت تعال تعال لنخرج بسرعة ،سأقول لك شيئا خاصا بفاطمة .

أمسكت بيده بقوة وووقفت، رأت جواد عند الباب يقف كعملاق ضخم ،غيب وجه الشمس بقوته وظله ، إلى أين؟؟

رد محسن بسرعة : سنعود حالا يا عمي لا تقلق !!

رد بغضب : لا تخرجا لأي مكان ، تعاليا لنتناول طعام الغذاء!

وضعت فاطمة أطباق المحشي والرئحة الجميلة تغرق المكان، وأطباق السلطة الخضراء و اللبن الزبادي اللذيذ وقد غطت قشطته الصفراء وجهه الأطباق، إنه الطعام الذي لم تأكله لمى منذ فترة طويلة .

تناول الجميع الطعان وكأن الطيور تعشش على رؤوسهم، انتهى الطعام ،حتى دخل جواد لغرفته ،وأمأ لفاطمة بعينيه أن إلحقي بي ، أومأت له بنعم ذليلة ، وهي تفكر بسرعة إذهب للنوم يا جواد ، حتى أستطيع إطعام طفلي الصغير ، في حين لمى كانت تقول إذهب للنوم يا جواد حتى أخرج مع جواد ، يا للحياة الغريبة كل يغني على ليلاه ، ضحكت لمى وقالت :نوم العوافي!!

نظرت لمحسن ،أمرته بعينيها لنخرج، لا داعي للكلام ،فاطمة مشغولة بطفلها ، وجواد نائم، ولا يوجد إلا لمى ومحسن ، سار أمامها بكل استسلام .

خرجا معا ،ويد محسن تمسك بيدها بقوة سألها محسن :أعرف ..تريدين الكلام عن فاطمة ، والدك يقسو على ذلك عمر، لا نستطيع لومه فهو ليس ولده ، ولكنه طفل صغير وبحاجة لأمه ، حتى أمي محتارة! لكن لا ننسى أن جواد استطاع أن ينتزع الغلام من أبيه،تلك معجزة كبيرة،أمي تعتقد أن من الأفضل لعمر أن يعيش معها وستنتهي كل المشاكل !

نظرت لمى له بدهشة ، حتى الآن لم يفهموا حقيقة جواد ، لا بأس تلك ليست مشكلتي ، اقتربا من محل عصير كبير جدا طلبت منه كأسا من عصير القصب ، وطلب هو عصير الجزر .

جلسا تحت ظلال أشجار كبيرة في الشارع الكبير قرب مبنى جامعة اليرموك ، شاهدت الطلاب والطالبات يخرجون من الجامعة متأبطين كتبهم يمسكونها بإصرار :قالت لمحسن: محسن هل ترى هؤلاء الطلبة ، أريد ان أكون منهم.

ماذا ؟؟منهم ؟ما معنى ذلك؟؟

اي أريد الدراسة الجامعية .

لم نتفق على ذلك لمى، قلت سنة دراسية واحدة وليس ثلاث ،حتى تدخلي الجامعة يلزمك سنتين ،وتتخرجي منها يلزمك أربع سنوات.

نعم وماذا في ذلك ؟

أنا لا أستطيع الإنتظار!

ومن قال لك أن تنتظر؟؟

يعني نتزوج كما وعدتني؟

اسمع يا محسن ،سأكون صريحة معك، ولن أخدعك انا أحب المدرسة والعلم ولن أتخلى عن حلمي الجامعي أبدا .

لم أفهم ماذا تعنين؟؟

افهمني جيدا أنت رجل راشد ورائع وزوج حنون ،،حنون جدا ،ولكني لن أكون زوجتك أبدا ،بالحقيقة أنا ..........أنا........ أنا........أحب رجلا آخر، وأنا متأكدة أنك لن ترضى أن تتزوج من فتاة تحب ىرجلا آخر!

نظر إليها غير مصدق ،ماذا لمى ؟ما هذا الكلام لم أفهم شيئا، أي رجل آخر أنت زوجتي وحبيبتي ، ولن أتخلى عنك لأي رجل آخر!

محسن قبل أن تخطبني كنت مخطوبة، لرجل آخر، لابد أنك تعرف ذلك، سامر قريبنا .

مخطوبة؟؟هذا الكلام غير صحيح ،لم تكن خطوبة بل كان كلام نساء لا وزن له ؟؟ كلاما فقط!

كلا ، لم يكن كلام نساء بل كلام رجال ،لقد خطبت له وأنا في الثانية عشر من العمر يا محسن ، أول مرة دق قلبي بالحب كان له ، مذ وعيت هذه الدنيا عرفت الحب عن طريق سامر، محسن أنا لن أخدعك ,وأنا متأكدة أنك لن ترضى أن ترتبط بفتاة تحب شخصا آخر، أخلاقك البدوية وشيمك الجبلية القوية تمنعك من ذلك،محسن صدقني لو لم أكن مخطوبة لسامر ، كنت بالتأكيد سأحبك وأتشرف بالزواج منك ،صدقني يا محسن .

نظرإليها محسن مذهولا، أخذت دموعه تنزل بغزارة وكأن خنجرا عميقا غزر في أعماق قلبه الطاهر ، العاشق ،المحب ،سكت طويلا ،قالت له: محسن قل شيئا أرجوك تكلم .

ظل ينظرإليها ويتنهد بعمق ، كان صدره ويعلو وينخفض بقوة ، خافت عليه شعرت أنه أوشك على الموت ، أمسكت بيده ،ضغطت عليهما ، أمسك بهما بقوة ، وشد عليها ، وظل ينظر إليها بذهول ثم قال

يتبع ............................