المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فكرة في الميـــزان(2)



سعيد نويضي
14/11/2012, 02:34 PM
بسم و الحمد لله و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين...

سلام الله على الأحبة الكرام...

فكرة اليوم هي فكرة تتعلق بما يسمى الإبداع و نحن في صرح يقدم الإبداع كتابة و نقدا و قراءة...
و هذه محاولة لا أبتغي بها سوى رضا الله جل في علاه و تنشيط من يعتقدون أن الحقيقة موجودة بيننا و ما علينا إلا قراءتها في الكتابين الموجودين...الكتاب المنظور و ما يشتمل عليه من خيرات مادية و معنوية و الكتاب المسطور و ما يحمل من آيات بينات تبين ما استشكل على الإنسان في حياته...

"ليس في الإمكان أبدع مما كان"
{لقد صنع الواعظون لنا أنماطا ً من السلوك فوق متناول البشر، وتركونا نركض وراءها من غير جدوى}.

مقولة كثيرا ما يرددها العديد من المفكرين و المثقفين على اعتبار أن "الإسلام" وحيا {القرآن الكريم – القول المنزل من فوق سبع سماوات} و سنة رسله صلى الله عليه و سلم الصحيحة {التي شكلت سلوكه عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم باعتباره بشر اصطفاه الله جل و علا من بين خلقه ليبلغ وحيه – كتابه الكريم – لبقية الناس أينما كانوا و حيثما وجدوا على أساس الجدع المشترك بينه و بينهم كونه صلى الله عيه و سلم أنه بشر لكن ميزته أنه يوحى إليه من رب العالمين – على فترة من الرسل صلوات الله و سلامه عليهم جميعا - فليس هناك أفضل منها قولا و حديثا في تبيان و توضيح ما استشكل على الإنسان في فهمه و إدراكه و استيعابه لسنن المجتمع الإنساني...
على أساس أن الإنسان هو المخاطب الأول على الأرض أيا كان موقعه الجغرافي أو الاجتماعي من قبل السماء قبل خطابه لباقي المخلوقات التي تشاركه إشكالية الوجود...
فصفة التساؤل الذي يتميز بها الإنسان باعتباره يسائل ذاته و يخاطب الآخر...تمده بصفة ترفعه إلى درجة أفضل عن باقي المخلوقات الأخرى...
فخاصية التساؤل تجعله يضع ما لديه سواء من معارف أو من علوم موضع تصحيح و موضع تحليل لاستكشاف ما هو صواب و بالتالي الإبقاء عليه و الاحتفاظ به و اكتشاف ما هو خطأ و من تم تصحيحه أو استبداله بما هو خير و بما ينفع الناس...
و أعتقد قبل أن نطرح سويا مقولة "ليس في الإمكان أبدع مما كان" هل هي نتيجة تعظيم و افتخار لأجمل شيء قدمته الأمة لباقي الأمم في مرحلة تاريخية معينة أم هي نتيجة إحباط و خيبة أمل لما نحن عليه في وقتنا الحالي و للزمن الذي سيقت فيه المقولة كرد فعل على وضعية ظهرت فيها بوادر الأزمة...و بالتالي يظل الحنين إلى الماضي و إلى التراث كحدث حقق السعادة و الطمأنينة و بالتالي حقق العلاقة الشعورية الوجودية بين الله جل في علاه المطلق الكامل الذات و الصفات و الأفعال و بين الإنسان الذي يبتغي الرقي من الجميل إلى الأجمل و من الحسن إلى الأحسن و من النقص إلى الكمال و من القلق إلى الطمأنينة و من الشك إلى اليقين...
أعتقد من باب توضيح الفكرة أن نضع المقولة في سياقها التاريخي...حتى ننظر سويا إلى الحيثيات التي أنشأتها و كان لها أبعد الأثر في التاريخ الفكري و في التدافع القائم بين الجديد و القديم بين الإتباع و الإبداع...بين النقد الموضوعي المستمد من كتاب الهدى و سنة نبيه صلوات الله و سلامه عليه و النقد الذاتي المستمد من التجربة الإنسانية التي قد تصيب و قد تخطأ... و بين هذا النقد و ذاك الوقوف على حالة الوسط التي تبناها الإسلام كحقيقة تضع العدل و المساواة في تداخل بين الموضوعي و الذاتي كعلاقة لا يمكن الفصل بينهما كما يتم النظر إلى المادة باعتبارها شيء مستقل و منفصل عن الذاتي الإنسانية...
فالإنسان ليس جسدا فحسب و ليس روحا فحسب و إنما هما معا[أي الجسد و الروح] لا ينفصلان و لا يتناقضان بل يكمل بعضهما بعضا...
كما هو شأن كل النشاطات التي يقوم بها الإنسان...تصدر من الإنسان و يعود نفعها أو ضررها على الإنسان...فلا الدين يستغني عن العلم و لا العلم يستغني عن الفلسفة و لا الفلسفة تستغني عنهما و كل في فضاء الثقافة يتدافعون و يتنافسون من أجل الحقيقة...فلا الطبيب في غنى عن الفقيه و لا الفقيه في غنى عن الفيلسوف و لا الفيلسوف في غنى عن الإسكافي و لا الإسكافي في غنى عن التاجر و لا التاجر في غنى عن الرياضي و هكذا في علاقات تتداخل فيما بينها نشاطات متعددة و مختلفة و متنوعة يكمل كل منهما حاجة الآخر فيما يجمعهم مجتمع معين...
فالكمال الجسماني لا يستغني عن الكمال العقلي...و لا هذا الأخير يستغني عن الكمال الأخلاقي...و كل هذا في عالم الجسد يتدافع من أجل تحقيق المنافع و الابتعاد عن المفاسد...لكن الإشكالية التي تطل علينا من هذا التصور أن الجسد بحرمته و قيمته يظل رهينا بما يوجد في الوعاء الثقافي...الشيء الذي يطرح إشكالية هي قديمة و جديدة...هي كذلك في نفس الوقت أو لنقل عليها أن النظر إليها يتغير بحسب الظروف المعرفية و الفكرية التي توصلت إليها النفس البشرية...ألا و هي العلاقة بين الروح و المادة...بين العقل و الواقع...بين المخ /الدماغ و العقل/القلب...العلاقة بين الأرض و السماء...العلاقة بين نشاطات الإنسان التي تصدر منه سواء كانت مادية أو معنوية في شموليتها...
يقول الدكتور علي الوردي: "لقد صنع الواعظون لنا أنماطا ً من السلوك فوق متناول البشر، وتركونا نركض وراءها من غير جدوى."
من هذين المقولتين الأولى {ليس في الإمكان أبدع مما كان و هي لحجة الإسلام الشيخ أبو حامد الغزَّالي رحمه الله} و المقولة الثانية {لقد صنع الواعظون لنا أنماطا ً من السلوك فوق متناول البشر، وتركونا نركض وراءها من غير جدوى}.[و هي للدكتور علي الوردي غفر الله لنا وله...]
نحاول معا أن نطرح قضية حقيقة القولين مقارنة في الميزان...فللميزان كفتين فلنضع كل واحدة في كفة لنرى أيهما أقرب إلى الواقع من جهة و إلى الحقيقة من جهة أخرى...
و ما للمقولتين من الصواب و من الخطأ في ميزان مثقفينا الفضلاء...؟
في ظل ميزان الحوار الذي يقوم على كفتين{قيمة العدل} و {قيمة المساواة} من أجل غاية واحدة هي الاقتراب من الحق و الحقيقة التي يرضى بها عنا الحق جل في علاه...

تحيتي و تقديري...

سعيد نويضي
29/11/2012, 01:26 PM
بسم الله و سلام الله الحمد لله و الصلاة و السلام على أشرف خلق الله النبي الأمي صلى الله عليه و سلم تسليما كثيرا...

سلام الله على الأحبة الكرام...

يمكن قراءة مقولة " ليس في الإمكان أبدع مما كان"...من عدة زوايا...

كل قول هو نتيجة قول أو واقع سابق عليه مساند له في الاتجاه أو معاكس له في المضمون و مصحح له في الشكل...

معلومة للفائدة عن ويكيبيديا:
"أنطلق من هذه الحقيقة التي تقترب قياسا من قانون نيوتن الثالث (Action and Reaction):
لكل فعل ردة فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه.
ملاحظات هامة:
- يلزم لتطبيق قانون نيوتن الثالث وجود جسمين على الأقل أحدهما مصدر قوة الفعل والآخر مصدر قوة رد الفعل.
- القانون الثالث لنيوتن قانون قوة وليس قانون حركة، فهو يحدد القوة المؤثرة على جسم ولا يحدد حالته الحركية.
- الفعل ورد الفعل قوتان تؤثران على جسمين مختلفين لذلك لا تحسب محصلتهما لان عملية حساب محصلة قوتين أو أكثر يتطلب تأثير هذه القوى على جسم واحد."

و الموضوع الذي طرحته مقولة الغزَّالي رحمه الله هو موضوع الإبداع...الإبداع كما ورد في لسان العرب هو:
بدع (مقاييس اللغة)

الباء والدال والعين أصلان: أحدهما ابتداء الشيء وصنعُه لا عَنْ مِثال، والآخر الانقطاع والكَلال.فالأول قولهم: أبْدعْتُ الشيءَ قولاً أو فِعلاً، إذا ابتدأتَه لا عن سابق مثال.
والله بديعُ السّمواتِ والأرض.
والعرب تقول: ابتدَعَ فلان الرَّكِيَّ إذا استنبَطَه.
وفلانٌ بِدعٌ في هذا الأمر. قال الله تعالى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف 9]، أي ما كنتُ أوّل.والأصل الآخر قولهم: أُبْدِعَتِ الراحلةُ، إذا كَلّت وعَطِبت، وأُبدِع بالرَّجُل، إذا كَلَّتْ رِكابُه أو عَطِبت وبقي مُنْقَطَعاً به.
وفي الحديث: "أنّ رجلاً أتاه فقال يا رسول الله، إني أُبْدِعَ بي فاحمِلْني ".
ويقال الإبداع لا يكون إلا بظَلْعٍ.
ومن بعض ذلك اشتُقّت البِدْعة.
بدع (لسان العرب)
بدَع الشيءَ يَبْدَعُه بَدْعاً وابْتَدَعَه: أَنشأَه وبدأَه.
وبدَع الرَّكِيّة: اسْتَنْبَطَها وأَحدَثها.
ورَكِيٌّ بَدِيعٌ: حَدِيثةُ الحَفْر.
والبَدِيعُ والبِدْعُ: الشيء الذي يكون أَوّلاً.
وفي التنزيل: قُل ما كنتُ بِدْعاً من الرُّسُل؛ أَي ما كنت أَوّلَ من أُرْسِلَ، قد أُرسل قبلي رُسُلٌ كثير.
والبِدْعةُ: الحَدَث وما ابْتُدِعَ من الدِّينِ بعد الإِكمال. ابن السكيت: البِدْعةُ كلُّ مُحْدَثةٍ.
وفي حديث عمر، رضي الله عنه، في قِيام رمضانَ: نِعْمتِ البِدْعةُ هذه. ابن الأَثير: البِدْعةُ بدْعتان: بدعةُ هُدى، وبدْعة ضلال، فما كان في خلاف ما أَمر الله به ورسوله، صلى الله عليه وسلم، فهو في حَيِزّ الذّمِّ والإِنكار، وما كان واقعاً تحت عُموم ما ندَب اللهُ إِليه وحَضّ عليه أَو رسولُه فهو في حيِّز المدح، وما لم يكن له مِثال موجود كنَوْع من الجُود والسّخاء وفِعْل المعروف فهو من الأَفعال المحمودة، ولا يجوز أَن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به لأَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد جعل له في ذلك ثواباً فقال: مَن سنّ سُنّة حسَنة كان له أَجرُها وأَجرُ مَن عَمِلَ بها، وقال في ضدّه: مَن سنّ سُنّة سَيئة كان عليه وِزْرها ووِزْر مَن عَمِلَ بها، وذلك إِذا كان في خلاف ما أَمر الله به ورسوله، قال: ومن هذا النوع قول عمر، رضي الله عنه: نعمتِ البِدْعةُ هذه، لمّا كانت من أَفعال الخير وداخلة في حيّز المدح سَمّاها بدعة ومدَحَها لأَنَّ النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يَسُنَّها لهم، وإِنما صلاَّها لَيالِيَ ثم تركها ولم يحافظ عليها ولا جمع الناس لها ولا كانت في زمن أَبي بكر وإِنما عمر، رضي الله عنهما، جمع الناسَ عليها وندَبهم إِليها فبهذا سماها بدعة، وهي على الحقيقة سنَّة لقوله، صلى الله عليه وسلم، عليكم بسنّتي وسنة الخُلفاء الراشدين من بعدي، وقوله، صلى الله عليه وسلم: اقْتَدُوا باللذين من بعدي: أَبي بكر وعمر، وعلى هذا التأْويل يُحمل الحديث الآخَر: كلُّ مُحْدَثةٍ بدعة، إِنما يريد ما خالَف أُصولَ الشريعة ولم يوافق السنة، وأَكثر ما يستعمل المُبْتَدِعُ عُرْفاً في الذمِّ.
و لذلك يمكن النظر إلى الإبداع الذي قصده الغزَّالي رحمه الله جل و علا هو الإبداع الذي يصدر من الإنسان كنشاط فكري و عقلي في مرحلة زمنية معينة...فالإمكان و الممكن و المستحيل و الصعب تحقيقه يظل مرتبط بمدى استيعاب المجتمع أو استيعاب الأمة لسنن الغير كحقيقة أقرها الحق جل و علا في كتابه الكريم...فالفعل قد يكون ممكنا و قد لا يكون كذلك...لأن الأدوات التي يقوم بها الفعل لتحقيق المراد أو الغاية و الهدف من الفعل تختلف من فعل لآخر...و الإبداع كفعل حضاري لا يقوم به إلا الإنسان الذي يتوفر على طاقة حيوية تتبلور كمجهود ثقافي و فكري...قد يأخذ ذلك المجهود شكل رواية أو قصيدة أو قصة أو لوحة أو تحفة فنية أو ابتكار علمي أو اختراع تقني أو نظرية جديدة في موضوع قد يكون جديدا و قد يكون قديما...كما أنه قد يأخذ شكلا من أشكال التفسير و التحليل للواقع الاجتماعي من أجل طرح الحلول الممكنة و القابلة للتطبيق في ظل ظروف و شروط موضوعية و ذاتية...
كذلك يبدو من المقولة :" ليس في الإمكان أبدع مما كان" ...أنها تطرح علاقة الإبداع بالزمن علاقة الإبداع بالماضي كمرحلة زمنية تم فيها فعل الإبداع الحضاري و فعل الحاضر الذي هو زمن بمثابة نهر يرتوي من الماضي و يصب في المستقبل مع ما يمكن - و هنا بيت القصيد لدى الغزَّالي رحمه الله – مع ما يمكن إضافته كــ"إبداع" في صيرورة الزمن و استمرارية الفعل الحضاري للإنسان.
و حتى نكون منصفين مع أنفسنا و مع التاريخ و خاصة مع الحقيقة الشاملة الكبرى أن الكتابين لا يمكن إطلاقا أن يبدع أحد مهما أوتي من علم أو معرفة مثليمما...و الكتابين هما كتاب الله المسطور ٍ{القرآن الكريم} و الكتاب المنظور {الطبيعة و الفضاء و الأرض و السماء و كل ما خلق الله جل و علا بينهما}...و مع ذلك يظل ان الله الخالق البارئ المصور قادر على أن يخلق مثلهن...
فالجزم بــ"ليس" كفعل ماض جامد ناقص من أخوات كان يحد من نشاط الإنسان كمبدع من الممكن أن يمارس فعله في الحياة كمنتج للقيم..."في الإمكان" الإمكان هو ما يتساوى وقوعه وعدم وقوعه...من المحتمل من المفترض من الممكن و لكن حين يسبقه فعل ليس يصبح الممكن الإمكان في دائرة المستحيل لأن فعل "ليس" كما ورد في معجم الإعراب هي فعل جامد ليس في حركة و الإبداع كحركة مستمرة تنتج نفسها بنفسها انطلاقا من مكوناتها الداخلية القائمة على (الفعل و رد الفعل كحقيقة بغض النظر عن مستوى الإبداع هل هو جيد أو رديء صائب أو خاطئ حسن أو قبيح و غير ذلك من المقاييس التي يمكن الوزن بها الحركة الإبداعية).
"أبدع مما كان"...في هذه ا القسم الثاني من المقولة ينحصر فعل الإبداع في الماضي فقط...كفعل جامد غير متحرك عبر عنه الغزّالي رحمه الله بفعل "ليس" في أول الجملة...
فهل حقا كان يقصد الفعل الحضاري فعل الإبداع الذي ليس له مثيل في الأصل و ليس له شبيه...؟أم كان قصده فعل الإبداع الذي يعيد قراءة الماضي بشكل جديد حتى يتجاوز أخطاء الماضي ليكن المستقبل أفضل من الماضي...؟ أم هو في واقع الأمر ترجمة بشرية لمفكر عاش صراا مريرا في حقبة معينة من تاريخ هذه الأمة بين ماضيها و واقعها الذي عايشه كمفكر يريد إصلاح ما أفسدته النفس الأمارة بالسوء و كذا مكايد و مداخل الشيطان الذي زين الفساد...
فقد تكون المرجعية التي استند إليها الغزّالي رحمه الله تنطلق من الحديث الأول الذي شرحه العلامة عبد الرحمن سفر الحوالي...و من تم يكون انتقاد البعض لمقولة الغزلي رحمه الله اطلاقا مما أورده العلامة عبد الرحمان في شرحه للحديث الثاني {أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره }.

منقول للفائدة:

"قال العلامة أبو عبدالرحمن سفر الحوالي :

السؤال: ما الجمع بين قوله: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم }، وبين قوله: {أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره }؟

الجواب: { خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم } هذا من حيث الطبقة العامة لا من حيث كل فرد بذاته، ولا شك أن أفراد الصحابة جيل متميز لن يبلغ مثله أحد، أي: الطبقة العامة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فهم أفضل الأمة جميعها، والطبقة التي تليهم وهم التابعون هم أفضل وخير من الطبقة التي بعدهم من هذه الأمة، ولكنك تجد أن في التابعين من هو خير وأكثر إيماناً ممن له مجرد صحبة، لأن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كما دل عليه حديث: {لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه } يدل على أن الصحابة كانوا طبقتين أيضاً، لأن المخاطب كان من الصحابة، وممن لهم صحبة، فالصحابة بمعنى أخص وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار هؤلاء درجة، ومن أسلم وجاهد من بعد الفتح أيضاً درجة.

فنقول: إن بعض أفراد التابعين، أي: كبار التابعين المجاهدين هم خير من آخر الطبقة الثانية، وهذا لا شك فيه، كما أن أفراداً من جيل تابعي التابعين من هو خير من أفراد التابعين... وهكذا، فهذا كطبقات.

أما الأمة في مجموعها فإن الخير فيها إلى قيام الساعة، وإذا كانت الطائفة المنصورة كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تزال ظاهرة على الحق إلى قيام الساعة، فإنها قد تأتي مرحلة من المراحل فيها من الاستضعاف ومن الشر والظلم والكفر وما يكون عمل الواحد كخمسين، كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الآخر، فيكون حالها أعظم ممن كان في الأجيال أو القرون الثلاثة؛ بسبب ما حف به من المحن والبلاء وقلة المعين والنصير، لا أن هؤلاء في ذواتهم أو كأفراد فيهم من هو أفضل، لكن أيضاً بحسب الأحوال، فالخير في هذه الأمة باقٍ إلى قيام الساعة، والطائفة المنصورة لا تزال قائمة، وإن ضعفت في بلد فهي قوية في بلد آخر، فمن هنا ينبغي أن نعتقد أمرين:
أولاً: أن نعتقد أفضلية الثلاثة القرون الأولى على غيرها.
ثانياً: أن نعتقد أن هذه الأمة أمة مباركة خيرة، وأن الخير لا ينقطع فيها، وأن علينا أن نجاهد لكي نكون إن شاء الله ممن ينال شرف صحبة هؤلاء الكرام في الجنة، فيلحق بهم وإن لم يكن منهم، وإن لم يدركهم."
[ملتقى أهل الحديث].

فكيف كان الحال الأمة حين قال الغزَّالي رحمه الله قولته "ليس في الإمكان أبدع مما كان"...؟

تحيتي و تقديري...