المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل المشروع الصهيوني آيل للسقوط؟



سعادة خليل
28/04/2007, 01:27 AM
هل المشروع الصهيوني آيل للسقوط؟

إن كون الكيان الصهيوني يتشدق بـ"الديموقراطية" في كل زمان ومكان مقارنة مع العالم العربي لا معنى له عندما يصر على استمرار الاحتلال وانتهاك حقوق الإنسان. وأية انتقادات توجه لهذا الكيان هي غالبا عرضة للاتهام بمعاداة السامية. وعلى الرغم من أن معظم الدول العربية دول غير ديموقراطية، لا يعطي ذلك، في القرن الحادي والعشرين، مبررا للكيان الصهيوني المتشدق بالديموقراطية أن يحتل وأن ينتهك حقوق الإنسان الفلسطيني ويعتدي متى تشاء على شعوب المنطقة وإبقاء الوضع على ما هو عليه من عدم الاستقرار والتوتر والعدوان.

لقد كان أحد "الآباء المؤسسين" للكيان الصهيوني، أبا إيبان، الذي كرس حياته لخدمة المشروع الصهيوني، يعاني ، على حد قوله، من كابوس سيؤدي، في نظره، إلى انهيار اسرائيل ألا وهو ما يطلق عليه "الليفاتانيزم" Levatinism. انه يعني بذلك أن "إسرائيل" سوف تكتسب\ أو تتلوث بـ "البيئة الاقليمية" وبالامراض المتوطنة\ الفيروسات في المنطقة المحيطة بها أي المنطقة العربية وهي حسب رأي أبا إيبان: الكسل والفساد وغياب المشاركة الشعبية في الحكم والحكم الاستبدادي غير الديمقراطي!

ولاحظ أيضا، أبا إيبان، أن المنطقة المحيطة تملك آليات قوية غريزية دائمة للدفاع عن النفس ، وخاصة الشعوب ، ضد الأجانب "الفيروسات" (بالمقارنة مع توصيف أبا إيبان) التي عادة ما تطلق بسبب التحديات الكبيرة في وقت الأزمات الكبرى حيث تمكن المنطقة من مواجهة وتذليل كسلها التاريخي ويمكنها من الوقوف بنحاح ضد التحدي الخارجي ومواجهته ودحره. وهذا ما حصل ويحصل في حالة المقاومة الفلسطينية والمقاومة الإسلامية في لبنان.
وبناء على ذلك أرجع أبا إيبان انهيار الغزو الصليبي الى حقيقة اكتساب الغزاة الصليبيين أمراض المنطقة دون الحصول على "الحصانة" الملازمة والخاصة بسكانها الأصليين. وبمجرد وجود تلك الحصانة لدى السكان الأصليين ، كان من المحتم أن تسقط هذه الهجمة الصليبية تحت وطأة الهجمات المتكررة من آلية الدفاع في المنطقة ضد الوجود الأجنبي.
وهذا هو كابوس أبا إيبان أي خشيته من أن "إسرائيل" قد تستسلم لهذا "الليفاتانيزم" ورفض متلازمة الأجانب. ولكن الوقع في الكيان الصهيوني الآن يشير إلى إصابته بأعراض " الليفاتانيزم" + (الليفاتانيزم+) وهي اليوم اكثر وأضخم حجما ونطاقا وثروة ونفوذا متمثلة في "الجريمة المنظمة" والفساد السياسي والمالي والأخلاقي.

وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية ، يبدو أن "الجريمة المنظمه" في أغلب الأحيان في موقع "التوسط" بين الخلافات أي تعمل كوسيط بين بعض المجرمين والأجهزة الأمنية. وهكذا فإن الجريمة المنظمه قد أصبحت على قدم المساواة مع الأجهزه الأمنية! ولها اليد الطولى في تسيير الكثير من الأمور الإدارية والسياسية في الكيان. لقد أوردت هآرتس مؤخرا مقابلة شيقه للغاية مع قاض إسرائيلي رفيع تطرق بشكل رئيس إلى هذا الجانب من الحياة الإسرائيلية. ومن ناحية أخرى، إن أعراض ظهور آلية "الدفاع عن النفس" في المنطقة هي هناك لكل فرد يريد أن يلاحظها. ليس أقل من قدرة حزب الله على التصدي وردع ودحر آلة حرب جيش الحرب الاسرائيلي الأقوى في المنطقة في الصيف الماضي، كما سبق القول. هذا يمكن أن يشكل المرحلة الأولى في تحقيق كابوس أبا يبان. بدليل تصريحات الأفعى العجوز، شيمون بيريز، إبان الحرب على أن هذه الحرب سوف تقرر مصير الدولة العبرية، أي أنها معركة حياة أو موت.
أضف إلى ذلك التحليل الذي أورده (درور وورمان) Dror Wahrman في مقالته بعنوان "هل إسرائيل في طريقها إلى التفكك؟". يقول: "إن العديد من المراقبين الأجانب في إسرائيل يميلون إلى التركيز باهتمام شديد على الأخطار التي تواجهها "إسرائيل" من جيرانها العرب وتناسوا ما يحدث في الداخل في الأشهر القليلة الماضية،" أي احتمال انهيار الدولة العبرية من الداخل. إن هذا ليس مبالغة ، على حد قول الكاتب. يكفي أن نرصد تطورات ما بعد حرب تموز وماذا حدث في داخل الكيان الصهيوني..لقد استقال قائد الشرطة الإسرائيلية بعد تحقيق تبين أن عددا من ضباط الشرطة، من أعلى الرتب، أدينوا بتهمة الفساد والإهمال والتقصير. لقد أتى ذلك بعد ، أسبوع من الاستقالة الإجبارية لرئيس أركان الجيش بسبب الفشل في لبنان في الحرب الثانية. وبعد استقالة رئيس الأركان بعشرة أيام معدودة واجه وزير العدل حاييم رامون تهمة الاعتداء الجنسي اثناء العمل، وبعد أسبوعين من ذلك الوقت استقال رئيس الدولة بصورة مؤقتة ،وهو الذي يشغل منصبا رمزيا إلى حد كبير، بعد توجيه اتهامات إليه بالاغتصاب والتحرش الجنسي. وذكر أيضا فى نفس اليوم احتمال استقالة رئيس مصلحة الضرائب بسبب تهمة الفساد المنسوبة إليه.
وفي الوقت نفسه ، لا يزال العديد من التحقيقات معلقة ، تحقيقان أو ثلاثة على الاقل منها موجهة ضد رئيس الوزراء نفسه ، ايهود اولمرت ، عن الفساد والمحسوبية. واليوم فقط 10 نيسان 2006 أعلن عن استجوابه على خلفية فساد أحد مساعديه. وهناك طعن أمام المحكمة العليا كان قد رفع ضد وزير الشرطة لاختياره قائدا جديدا للشرطة بسبب اتهامات قديمة بالفساد.
فهل هذه الأحداث حقا نذير انهيار في نظام الحكم الإسرائيلي وديموقراطيته؟ لم يكن هناك بالتأكيد أزمة قيادة في البلد الذي يرى نفسه الديموقراطي الوحيد في الشرق الاوسط. إن زعيم حزب الائتلاف البرلماني، أفيجدور إسحاقى، قال ذلك علنا. وقد اقترح وزير التربيه أن تخصص جميع المدارس دروسا خاصة عن "أزمة الحكومة"، ذلك ليتمكن الأطفال أن يتحدثوا عما قد يبدو لهم أشبه بالانهيار لجميع الأنظمة التي تسيطر على حياتهم. وطغت الفوضى الداخلية على المشاكل الخارجية حيث تراجعت قضايا الفلسطينيين وحزب الله ، وحتى أسلحة إيران النووية وأصبحت آخر هموم النظام. إذن "إسرائيل" فعلا في في خطر من الداخل ، على الاقل، من حيث تطبيق "ديموقراطيتها" المزعومة.
هناك ما لا يقل عن حدثين تاريخيين يمكن أن يساعدا على تحديد "لماذا يجد الكيان الصهيوني نفسه في مثل هذا الوضع القلق عشية عيد ميلاده الستين؟" ولكي نفهم ذلك يمكننا ربطه بأكثر اللحظات حسما في تكوين الكيان الصهيوني : النكبة عام 1948 ونكسة عام 1967.
من الناحية الصهيونية كان عام 1948 حدث تأسيس كيان على أشلاء الضحايا والمذابح والتشريد واللجوء وتم إعلان دولة أجضرها العالم قسرا وعنوة إلى المنطقة. وعلى الفور تدفقت موجات الهجرة بعدة أضعاف عن سكان اليهود عام 1948 ، واستطاع الكيان أن يحقق في وقت قصير ازدهارا اقتصاديا وعلميا وقوة عسكرية بدعم خارجي وخاصة الدعم البريطاني والفرنسي والألماني والأمريكي مؤخرا.
وهذه الطفرة غير المسبوقة لا يمكن تحقيقها باتباع القواعد والقوانين والأخلاق. إلا ان هناك العديد من القواعد الواجب اتباعها- حتى تلك التي لم تنشأ بعد. لكن أهم أخلاقيات "الآباء المؤسسين" لهذا الكيان هي الموجودة في ميدان العمل، فالرجل يتعهد بإتمام مهمة ما فيجوز له كل شيء في سبيل بناء الكيان أي عملا بالمبدأ الميكافيلي "الغاية تبرر الوسيلة". لا يوجد شيء ممنوع أو محرم في سبيل خدمة الكيان الصهيوني ولكن دون تجاوز القواعد والأنظمة الصهيونية في سبيل تحقيق مصالح شخصية.
واستمر الأمر ،كما هو، أي أن "الآباء المؤسسين" لم يسيئوا اسخدام هذا التصريح أبدا الى تجاوز القواعد والانظمه لتحقيق مصالحهم الخاصة. وتم تأكيد ذلك الإدعاء باستقالة إسحق رابين من ولايته الأولى كرئيس للوزراء في عام 1976؛ عندما تبين أن زوجة رابين كانت تحتفظ بحساب مصرفي في الخارج الذي تمنعه قوانين النقد الأجنبي في ذلك الوقت. إنها مخالفة صغيرة ومع ذلك أدت إلى إعلان رابين استسلامه. ومع تجاهل القيود أو تراخيها ، وعدم وجود آليات رقابة فعالة نتيجة الثقة المفرطة في ما يسمى بـ"الآباء المؤسسين"، بدأت أخطر أشكال الفساد في الظهور. عندما أظهر موشي دايان ، الجندي الأسطورة في "إسرائيل"، ميله إلى الآثار ولم يكتف بأن يسمح لنفسه أن يأخذ الأثار الأثيرة إلى قلبه إلى بيته فقط ،بل وعندما كانت هذه الآثار تخص قلعة مسعدة "الحفر الأثري الذي يمثل رمز نجاح اسرائيل" – ولم يشعر بأي ندم عندما سخر طائرة هليكوبتر للمساعدة في رفع ذلك الأثر من المنحدر إلى بيته. لقد ظلت هذه الحقائق سرية؛ وبعد وفاة دايان دفعت الدولة ملايين الدولارات لأرملته لنقل مجموعة الآثار من بيته إلى المتحف "الإسرائيلي" حيث كان ينبغي ان تكون على الدوام. ولم يتسبب ذلك في غضب العامة من "الإسرائيليين".
أما حرب 1967 فهي أشد ظلاما وقسوة. فهي قصة احتلال أراضي لجميع دول الطوق: مصر وسوريا ولبنان والأردن. ولكي نرى العلاقة، فلننظر إلى خبرين رغم أنهما لم يردا في الصفحات الاولى في الصحف. أولهما، أن المحاكم الاسرائيلية تحاول، بحذر، أن تطرد مجموعة من المستوطنين استخدموا عقارا تلاعبوا في ملكيته من أجل غزو قرية فلسطينية جنوب مدينة القدس القديمة ، وبنوا من دون ترخيص بناء من سبعة طوابق (داخل القرى التقليديه!) لأسر المستوطنين. وثانيهما بالتلازم مع الأول، داخل المدينة المقدسة القديمة، كشف أن الحكومة "الاسرائيلية" تمتنع عن الاعتراف الرسمي بالبطريرك الجديد للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية في الأرض المقدسة ، البطريرك ثيوفيلوس ، لأنها تريد منه بيع العقار القريب من بوابة يافا للمستوطنين كشرط للاعتراف به رسميا. وكلا العملين يتجاهلان بوقاحه القانون "الاسرائيلي" نفسه. واستنادا إلى التجربة السابقة ، ومن المرجح ان ينجح كل منهما. ومثل هذه الأحداث مألوفة ، على مدى الأربعين عاما من الاحتلال غير المشروع للضفة الغربية وقطاع غزة. ناهيك عن الانتهاكات اليومية والحواجز والاغتيالات والاختطافات وجدار الفصل العنصري الذي يشكل جريمة الفصل العنصري بحد ذاته.
وكثيرا ما تتغاضي قوات الاحتلال بوقاحة ما بعدها وقاحة على كسر القواعد في حملتها لمصادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة بما يتعارض مع القانون "الاسرائيلي" نفسه ومع القانون الدولى أيضا. وقد تم توثيق ذلك ليس فقط من قبل الصحافيين والمثقفين والعلماء والمراقبين اليساريين بل كان أيضا موضوع وثيقة الحكومة القضائيه الضخمة المعروفة بـ"تقرير ساسون" الذي خلق نوعا من الغضب عندما سلمت الى رئيس الوزراء ارييل شارون في مارس 2005. ولكن خلال أشهر ، لحق تقرير ساسون بكومة من الوثائق القانونية التي جرى تحييدها بشكل سهل من جانب المستوطنين ومؤيديهم المنتشرين فى عدة فروع من الحكومة. إذن المسألة لا تعدو كونها مسألة وقت حتما أمام الفوضى في الاراضي المحتلة إلا ويبدأ في النيل من اسرائيل ذاتها.

وكلتا القصتين اللتين تجاهلتا القوانين والأعراف الدولية ، حملة تشريد الشعب الفلسطيني ونكبته في عام 1948 ، والاستيلاء على الأرض في عدوان 1967 قد حصلا معا في شخص واحد: آرييل شارون. شارون كان البلدوزر-أور. اسمه مرادف عملي للإصرار على العمل المصحوب بعدم احترام القانون والسلطة في آن. لقد اكتسب سمعته بين الجمهور من مهنته كجندي وكمدني على تكرار تصرفاته وأعماله المتسمة بالعصيان وبخلق الحقائق على الأرض. وما الحرب الأولى على لبنان في عام 1982 إلاّ مثال شهير على وحشية الكيان الصهيوني ممثلا بشارون. وفي الأراضي المحتلة ، لم يفعل احد لحركة الاستيطان أكثر من شارون. وهوالذي علم قادتها طرق ووسائل حركة المعارضة والاستيلاء على الأراضي. ثم فعل الشيء نفسه لهم ، بدوره ، عندما حول فجأة ولاءاته ، وعكف على "خطة فك الارتباط" في عام 2004.
ولذلك ليس من المصادفة أن صعود شارون إلى أعلى منصب في الدولة يشكل لحظة حاسمة في عملية الانهيار : أي اللحظة التي بدأ فيها الفساد وعدم التقيد بالأعراف والقوانين يسيطر على النظام في جميع الزوايا والشقوق. لقد كان شارون في هذا المنصب أكثر من اي مستبد رأته "إسرائيل" في السابق. بل هو تجاوز حكومته ووزراءه من خلال عصابة صغيرة من الأصدقاء والأسرة ، التي أصبحت تعرف باسم "منتدى المزرعة" الذي يحمل اسم مزرعة شارون الخاصة في النقب ، التي هي في حد ذاتها مظهر من مظاهر الفساد بامتياز. كما اتضح ان دافعية شارون غير القابلة للتوقف هي التي اندفعت باتجاه الخدمة الذاتية بإرسال الملايين إلى أسرته في حسابات مصرفية. ومع ذلك ، ورغم تعدد فضائح الفساد التي وقعت على رأسه، بقي شارون نفسه سالما إلى حد ما، تم إنقاذه جزئيا لوضعه الأسطوري ، وفي جزء آخر بسبب اعتناقه خطة فك الارتباط التي أعطت فجأة العديد من معارضيه من اليسار مصلحة مفاجئة في بقائه. كما أنه انقذ أيضا، بمعنى ما، بوقوعه في غيبوبة في كانون الثاني\يناير 2006 : وهذه الكارثه الشخصية فقط منعته من رؤية ابنه بعد بضعة أسابيع ، عمري شارون، وهو يساق إلى السجن بتهمة الفساد.
فإذا كان عهد شارون قمة النجاح لنشاط كل من عامي 1948 و 1967 ، فعهد خلفائه هو وقت الانهيار والحساب. ومع رحيل شارون، تكون إسرائيل قد تركت لكادر ضعيف من السياسيين من الدرجة الثانية، يبدو أنهم أكثر ضآلة في ظل سياسة شارون. إن الممارسات الفاسده كلها هناك لا يمكن أن تؤمن لمرتكبيها حماية من الجمهور. إنها بكل بساطة صورة قبيحة تثير الشفقة. حتى عندما استقال، دان حالوتس ، رئيس أركان الجيش ، لأسباب ارتبطت بالحرب الفاشلة على لبنان ، فعمله ذلك الذي سوف يتذكره شعبه بالإشمئراز حتى وإن أمر بقصف جنوب لبنان في 12 تموز 2006، وتوقف ليعطي تعليماته إلى وسيط لبيع محفظة أسهمه. إنه خطأ قاس جشع لم يكن لشارون أن يرتكبه.
تميزت الفترة بعدم القدرة على الحفاظ على قدر معقول من الاستقرار السياسي في ظل كثرة التغييرات في الوزراء والإدارات. وفي ظل هذه الإخفاقات وحالات الفساد وانعدام الثقة في النظام بدات تظهر علامات عمق الأزمة وأصبحت أعمق من ذي قبل. ووفقا لكل استطلاع ومسح، لم تكن مستويات الثقة الشعبية في هذا النظام أدنى من ذلك في يوم من الأيام، ففي آخر استطلاع عن شعبية رئيس الوزراء، إيهود أولمرت، بلغت 2% فقط. مما يعني أن الشعب أدار ظهره للسياسة في سابقة لم يكن لها مثيل من قبل. وفي الواقع، إن انقضاض الجمهور بعنف على الشخصيات العامة لهو دليل على مدى عمق الغضب المختزن ومدى وعمق الأزمة. وهذا الفراغ شجع أفرادا هم على يمين النظام بدخول المعترك السياسي وتقديم نوع مختلف من النظام السياسي الذي أصبح ضربا من الخيال.
ودليل على إفلاس المؤسسة الصهيونية، انبرى شخصان مهاجران من روسيا لإصلاح قد لا يأتي أبدا وليس لهما أي تقاليد ديموقراطية ولا معرفة بالمجتمع الذي يعيشون فيه. الأول، أفيغدور ليبرمان، الوزير الحالي في الحكومة، المعروف بكراهيته الالتزام بالقانون ومعروف بعنصريته ضد العرب ويدعو إلى ترحيلهم بل وقتلهم إن أمكن. ومن اقتراحاته تحويل الكيان الصهيوني إلى نظام رئاسي مع بعض القيود على الرئيس. ولكنه يتضاءل أمام الشخص الثاني الذي أعلن عن ولوجه إلى الساحة السياسية ألا وهو البليونير أركادي غايداماك.
غايداماك هو روسي ولد بليونيرا جاءته الثروة جزئيا من صفقات الأسلحة المشبوهة التي أدت بالفرنسيين في أنغولا إلى إصدار أوامر اعتقال لصفقات الأسلحة غير المشروعة وغسيل الأموال. وعندما لم يتم نجاح تسليمه إلى فرنسا، تحول اهتمام هذا البليونير في السنوات الاخيرة إلى العأمال الخيريه في الكيان الصهيوني مع الاهتمام الشديد على استخدامها لتحسين صورته. وعندما اتضح أثناء الحرب على لبنان عام 2006 أن الحكومة غير مهتمة برعاية وحماية السكان المدنيين من الهجمات الصاروخية التي انهمرت على شمال فلسطين المحتلة، استغل غايداماك الفرصة وملأ الفراغ وأقام مخيما على شاطئ البحر الأبيض المتوسط للهاربين من القصف الصاروخي. وهكذا أصبح الشخصية الأكثر شعبية في الكيان الصهيوني بالضبط في اللحظة التي تعاني فيها الطبقة السياسية من أكبر فشل. وعندما كانت سديروت ، المستعمرة الواقعة بالقرب من الحدود مع غزة والتي يقطنها وزير الحرب عمير بيرتس ، تتعرض لوابل من صواريخ القسام فى خريف 2006 ووقف بيرتس وبقية الحكومة حائرين في أمرهم، أرسل غايداماك حافلات لعدة آلاف من سكان المستعمرة لقضاء عطلة على ساحل البحر الأحمر. وكان رد فعل بيرتس الغاضب على هذه البادره أظهرت للجمهور فقط مدى عجز المؤسسة الحاكمة بالمقارنة مع هذا المحسن الذي لا نهاية لأمواله.
أعلن غايداماك، منذ أيام قليلة، وبشكل تبذيري في تنظيمه الحدث،عن تأسيس حزب سياسي جديد اطلق عليه "العدالة الاجتماعية". لقد اغتنم لحظة اعتبر فيها سائر السياسيين مذنبين ، على الأقل بالربط بسبب فسادهم وإحسان مؤسس "العدالة الاجتماعية" المستمر في العطاء. لا يريد غايداماك ان يدخل السياسة بنفسه. وفي الواقع انه لا يستطيع حتى التحدث باللغه العبرية. خطبه تترجم إلى العبرية. وما يريده غايداماك ، ويقوله صراحة تقريبا هو استخدام أمواله ليصبح الملك صانع السياسة الإسرائيلية: يريد اختيار رئيس الوزراء الاسرائيلي المقبل منفردا. واستنادا الى استطلاعات الراي الحالية ، لا يمكن أن تنحى طموحاته جانبا. لكن اذا كان غايداماك مقتنعا بان الناخب هو للبيع واذا كان الناخبون يرغبون في اثبات أنه على حق، واذا كانت هذه الصفقة هي ما يحدث الآن في نظر الجمهور ، واستقبله بالتصفيق أكثر مما يتوقع، إذن المشكلة ليست في الطبقة السياسية وحدها. أي أن "الديمقراطية الاسرائيلية" هي في أزمة حادة. وإذا كانت هذه الديموقراطية المزعومة هي التي يتكئون عليها ويتغنون بها في كل زمان ومكان، فإذن تكون هي "القشة التي قصمت ظهر البعير."
إذن يبدو السؤال: "هل المشروع الصهيوني آيل للسقوط؟" منطقيا إذا ما أمعنا النظر في تاريخ هذا الكيان وبناء على ما تمخضت عنه الأحداث الأخيرة وكيف انعكست على داخل المؤسسة الصهيونية ومدى انتشار الفساد لرموزه. لقد صدق سماحة السيد حسن نصرالله عندما أطلق عبارته المشهورة عن هذا الكيان: "إنه أوهى من بيت العنكبوت". ويبدو أن كابوس (أبا إيبان) قد أصبح واقعا ملموسا ومعكوسا أي أن الفساد في صلب الكيان ومؤسساته ورموزه وليس من محيطه. وعلى رأي المثل القائل: "الخلّ دوده منه وفيه".