السلام عليك اخي احمد الأقطش وعلى الجميع.
عذار على تأخري في ابداء وجهة نظري حول ترجمتكم لمعاني سورة البلد بسبب انشغالي. وها انذا افي بوعدي بحمد الله، وباسمه ابدأ، على ان اضعها على شكل اجزاء لتسهل على القارئ قراءتها على مراحل دون اطالة من جهة، ولكي يتسنى لي الوقت الكافي لاكمال التعليقات على باقي ترجمة معاني باقي الآيات ان شاء الله.
ملاحظة: انا لست مترجما محترفا للنصوص العادية، فكيف لي ان اتجرأ على ترجمة القرآن. ولذلك فلا يعدو ما سابينه كونه آراء وملاحظات تحتمل الخطأ والصواب، ومنك ومن باقي الاخوة والاخوات أستفيد.
ترجمة معنى الآية الأولى:
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ Do I have to swear by this City
وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ 0?where you live
1- بدأت الآية الكريمة بـ "لا" والتي تفيد التوكيد -بالمحصلة النهائية- بغض النظر عن التسميات والوظائف والدلالات المختلفة التي أعطيت لها من قبل المفسرين واللغويين (سواء كانت نافية، او جواب لمحذوف، أو أداة زجر وردع كما في "كلا"). فهي قد اضافت الى الفعل "اقسم" قوة توكيد، ولهذا فان بعض النحاة يسميها بـ "لا التوكيدية". وبالتالي فيستحسن عند ترجمتها اما استخدام كلمة (او عبارة) تفيد التأكيد، مثل: " do (before the verb),verily, indeed, etc"،
أو استخدام كلمة "Nay," كما في ترجمة Pickthalو Shakir وهذا ما أميل اليه شخصيا، حيث انها الاقرب الى كلمة "لا" و "كلا"،، بل انها تحمل الدلالتين معا: النفي والتوكيد، والله أعلم.
2- وردت الآية بصيغة الاثبات المؤكد، اذ ان معنى الاية: "اقسم بهذا البلد (قسما مؤكدا)". فهي ليست نفيا ولا استفهاما (اذا ما ادركنا ان "لا" اما متعلقة بمحذوف سابق للأية، أو توكيدية)، وبالتالي فيجب عند الترجمة ان نحافظ على صيغة كلام الله –سبحانه وتعالى- استفهاما كان او نفيا او اثباتا او حتى تهكما. كل ذلك لان هذه الصيغ والاساليب، كما هو معلوم، تختلف كل منها عن الاخرى من حيث الدلالة والتعبير والحس. فلكل اسلوب وظيفته والامثلة على ذلك كثيرة. وعليه فلابد من الحفاظ على اسلوب الإثبات التوكيدي عند ترجمة هذه الآية الكريمة، ولا داعي لتحويله الى سؤال، لان الله تعالى يخبرنا انه يقسم بهذا البلد (مكة) قسما مؤكدا ولم يسأل: "هل أقسم بهذا البلد؟" كما ترجمتها انت يا اخي الاقطش.
3- الآية الثانية، "وانت حل بهذا البلد"، في ترجمتك، اخي الحبيب، مدموجة مع الاولى، واسمح لي بأن اعبر عن تحفظي على ذلك، اذ لابد أن يكون لكل شيء في القرآن حكمة، سواء كان ذلك كلمة أو اسلوب تعبيرأو حرفا أو حركة اعرابية أو تقديما أو تأخيرا أو استخدام كلمة دون مرادفتها،،، الخ.
واذا اخذنا بنظر الاعتبار كون ترتيب الآيات وتقسيمها أمرا توقيفيا، فلا بد من التقيد بذلك في الترجمة، ولو كان الأمر سيان من ناحية اللغة والبلاغة والبيان وسائر الاساليب والحِكَم (التي قد يغيب بعضها عنا) لكانت آية المداينة، التي تملأ صفحة كاملة من المصحف الشريف، أولى وأحرى بالفصل والتقسيم إلى آيات صغيرة من هذه الآية موضوع النقاش. فالذي شاء ان تكون آية المداينة –على طولها- آية بذاتها، و "والضحى" / "والعصر" / "والفجر"، آيات منفصلة بحد ذاتها، هو الحكيم الخبير الذي اتقن كل شيء، فالتقيد بما يصوغ من تعابير امر لامحيد عنه.(لاحظ ان الثلاثة الامثلة المذكورة عن قصر الآيات وردت في معرض القسم أيضا، وهو موضوع نقاشنا في هذه النقطة، وكأن الله سبحانه وتعالى يفرد المقسوم عليه بآية منفصلة لأهميته وعظمه.(لم اقتبس هذا القول من تفسير او غيره من المصادر، فأرجو الا يؤخذ مني كعلم راسخ، فهو من استنتاجي، والله أعلم).
4- عبارة "هذا البلد" مكررة في الآية الثانية "وأنت حل بهذا البلد" فحري بك التكرار ايضا في الترجمة لأن التكرار له وظائف بلاغية وبيانية، فوجب التقيد بذلك، ودمج الآيتين باداة الربط: "where" يلغي هذا التكرار المقصود والمتضمن لنواح بلاغية وبيانية، كما اسلفت.
لنأخذ على ذلك مثالا: يقول الحق تبارك وتعالى: "انا أنزلناه في ليلة القدر. وما ادراك ماليلة القدر. ليلة القدر خير من الف شهر....." نلاحظ هنا ان الله، عز وجل، كرر عبارة "ليلة القدر" ثلاث مرات، ولو كان الاشارة الى ليلة القدر بالضمير مثلا كافيا لنقل ناحية معينة من نواحي البيان والبلاغة، لقال مثلا: "انا انزلناه في ليلة القدر،، وما أدراك ما تلك الليلة. انها ليلة كذا وكذا،،،" ويجب ان نعكس هذه المزايا والأساليب التي تفرد بها القرآن الكريم المعجز عند الترجمة. وترجمة هذه الايات بابدال الضمير بالمذكور الصريح، هكذا مثلا:
Verily! We have sent it (this Quran) down in the night of Al-Qadr (Decree).
And what will make you know what it (or even: night of Al-Qadr) is.
It is better than a thousand months..
لكان لسان حال ترجمة هذا مثل هذا المترجم يقول (شعر ام لم يشعر): " لا داعي لتكرار عبارة "ليلة القدر" لانه اسهاب وحشو لا داعي له، معاذ الله وحاشا لله.
ملاحظة: قد يقول قائل، انما الترجمة هنا ليست لكلمات الله بذاتها، وانما لمعانيها ، فأقول: حتى وان كان الامر كذلك، فصحيح انه مهما بلغ مترجم من درجات الدقة والعلم والبلاغة والفصاحة فلن يعكس المعنى الحقيقي لآيات القرآن المعجز، الا ان ذلك لا يعني ان نرضى بأن نترجم معاني هذا الدستور المعجز ببيانه واسلوبه الرصين وتعابيره الجزيلة بأسلوب لغوي بعيد عن اللغة الرصينة والمفردات العميقة والتعابير الجزلة. فاذا كنا بصدد الكلام عن احد بلغاء وفصحاء العرب واردنا ان نستشهد بنص من مقالة او مقامة او خطبة او قصيدة له، فهل يعقل ان نصيغه باسلوب ركيك؟ هذا مع البشر، فما بالكم برب البشر، جل في علاه؟ (هذا الكلام عام يشملني أنا قبل غيري، ولا اقصدك، اخي الاقطش، تحديدا).
5- يجب مراعاة أن الله تعالى، بعد ان أقسم بمكة، قد جاء بذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وسلط ضوء الاهمية على ضمير يعود اليه- صلى الله عليه وسلم- (ولعل هذا قد يكون سببا من اسباب افراد "وانت حل بهذا البلد" كآية منفصلة، والله اعلم)، وهذا الضمير في محل مبتدأ، فحري به أولا: ان يأخذ حقه في الترجمة من ناحية البروز مسبوقا باداة العطف "الواو"، وثانيا: أن يشار الى المقصود بالضمير- محمد صلى الله عليه وسلم- بين قوسين، لان معنى الضمير هنا يكون مبهما لكثير من القراء ان لم يكن هناك اشارة الى مقصوده. وكلمة "حِلٌ" في محل خبر، ومعروف في اللغة العربية ان استخدام الاسم او ما ينوب عنه من ضمير او غيره، سواء كان مبتدأً او خبرا، أقوى من استخدام الفعل او الظرف، الخ، والرفع اقوى من النصب والجر، وهذا من اساليب البلاغة القرآنية.
فمثلا، يصف الله تعالى حوار ابراهيم عليه السلام مع ضيوفه من الملائكة بقوله: "قالوا سلاما قال سلام.." فسلام الملائكة منصوب، بينما سلام ابراهيم مرفوع، وهذا يشير الى ان ابراهيم عليه السلام اكثر كرما وضيافة من الملائكة، لان سلامه (المرفوع) آكد وأشد من سلام الملائكة (المنصوب)، فتأمل أثر حركة اعرابية قد تبدو بسيطة في البلاغة والبيان، والله أعلم.
ملاحظة: شخصيا، افضل ان يكون التوضيح محصورا بين قوسين في نص الترجمة مباشرة، الا ان يكون طويلا فيوضع على شكل هامش في اسفل الصفحة.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
يتبع ان شاء الله.................