مكة والحجر الأسود ( الحلقة الثانية )
--------------------------------------------------------------------------------
الغرب وأسطورة حجر الجرال المقدس .
بعد أن استعرضنا الكثير من النصوص والإشارات حول الكعبة والحجر والأسود والرموز الواردة فيهما . نأتي هنا لنلج كتابا عالج فيه المؤلف الكثير من الأسرار المحيطة بالديانة المسيحية والإسلامية ولكن المذهل في هذا الكتاب ومؤلفه أنه عالج مسالة غريبة تتكتم عليها النصراني وتحاول إماتتها بكل ما أوتيت من قوة . فقد أشار هذا المؤلف على رمز الحجر الأسود في الإسلام . وأسند القدح المعلى في ميدان الرمز إلى الإٍسلام وحده . وشهد لهذا الحجر بكل الصفات التي تنزهه عن العبادة الباطلة الأخرى . وشهد للإسلام الذي يحضن الحجر الأسود في أقدس بقعة لديه شهد لهُ بالقيادة والإرشاد .
الإسلام والجرال .
الجرال شيءٌ مادي يرمز في المخيلة الغربية إلى سرٍ خطير مقدس . وهذا الشيء المادي هو حجر نفيس نزل من السماء إلى الأرض بواسطة الملائكة .
ففي أواخر القرن الثاني عشر ظهرت بغتة في أوربا ثلاث أقاصيص تعالج موضوعا واحدا وهو القيام بحملة مكثفة للبحث والتنقيب عن (( الجرال المقدس )) وكشف أسراره الغريبة التي تترك تأثيرها على قلوب الملايين من الناس .
هذه الأقاصيص تحدثنا بأن ذلك الجرال مودع بطريقة غامضة في قصر خفي بين جبال شاهقة ، يحرسهُ خمسة من الفرسان توافرت فيهم الفضيلة .
وقد اتفق مؤلفو هذه الأقاصيص الثلاث على أنهم ليسوا سوى مسؤولين أمناء لرواية مأثورة ظلت تتداولها الشعوب فترة طويله من الزمن حتى هذا الحين الذي قرروا فيه إظهارها للعلن . وهذه الأقاصيص الشعبية الثلاث راجعة في أصلها إلى جذور سماوية .
في رأي هؤلاء أن قضية الجرال ظلت لغزا يكتنفهُ شيء من الغموض يتفاوت كثرة وقلة ولم تتضح قط تمام الاتضاح .
ولكن الافتراضات كثيرة التي تدور حول فائدة هذا الحجر الجرال ، فعند البعض أن هذا الجرال رمزٌ للغوث الإلهي على الأرض . وعند آخرين نهجٌ لعبادة معينة ، وعند البعض الآخر هو حجر العهد ، أو حجر زاوية الارض ... الخ.
ويذكر لنا أحد هؤلاء المؤلفين تأويلا جديدا مؤسسا على معارف اقتبسها من مؤلفات الاستاذ (( رينيه جينون )) أو الشيخ عبد الواحد يحيى الذي أسلم وحسُن إسلامه وكتب عن الإسلام صفحات خالدة مفعمة بالجلال . 1
ومن المنابع التي انتهل منها المؤلف هذه التأويلات أيضا كتب الشيخ محي الدين بن عربي وابن مسرة والجيلي .
وفي الأقصوصة الثالثة التي كتبها المؤلف الألماني (( فولفرام فون ايشانباك )) كان المؤلف أكثر وضوحا فقد كانت أكثر اشتمالا على العناصر الإسلامية ، وكشف فيها على أن مؤلفي الأقصوصتين اللذان سبقاه قد أخفيا قصدا مسألة البحث في سر هذا الحجر المقدس . عندما علما أنهُ يُشير إلى الحجر الأسود . وقد حذا فولفرام حذوهما حيث اتهم علنا أحد سالفيه بأنه أتلف مخطوطة سر الحجر الأسود ، أو شوهها على اقل تقدير .
أما الأستاذ (( بيير نونسواي )) فإنهُ يرى أن الجرال رمز للوجود الإلهي على الأرض وأن البحث عن سر ذلك الجرال طريقٌ دينيةٌ خالصة عميقة للوصول إلى كنه الحياة الكونية برمتها مما دون الله وأن الظفر بذلك السر هو الشهود الإلهي .
أن العالم المسيحي بكامله يجهل أو يتجاهل المكان الذي أخفي فيه الجرال الحامل للسر الإلهي ـ من وجهة نظر الديانة المسيحية ـ وكل ما يعرفونه هو أن هذا الحجر الغريب العجيب أخفي في الغرب في جهة أخرى من العالم .
ففي رأي الأستاذ بيير ـ من الناحية الفلسفية ـ أن فكرة الجرال تمثل بعثٌ غربي للتيار الكوني الفطري الذي أختفى أصلهُ في غياهب الزمن ، وعز مناله على الذاكرة البشرية . وأنهُ يتعلق بالسر الجوهري لكل وحي حقيقي ، أي أن في هذا الحجر سرا لو كُشف فإنهُ سوف يُساهم في معرفة سر الإله والمساهمة في العرفان السماوي . 2
ولكن ماهو أصل هذه الأقصوصة التي تتحدث عن سر الحجر الأسود وعلاقته بالسماء ؟
يحدثنا فولفرام : أن هذه الأقصوصة قد أكتشفها عالم مسيحي في أحد المخطوطات العربية في (( توليدو)) باسبانيا ، وأن مؤلفها عالم كبير يُدعى (( فليجتانيس )) كان يعرف أسرار الكواكب والأفلاك ، وكان قد قرأ في النجوم اسم الجرال وهو (( الحجر الأسود )) وعرف كذلك أن فريقا من الملائكة قد أنزلوه إلى الأرض ثم عادوا من حيث أتوا ومنذ تاريخ نزوله وإلى يوم نهاية الكون تقرر أن يقوم على حراسته خمسة من الفرسان وهم رجالُ طهرت قلوبهم حتى دنوا من الملائكة . 3
ومن هذا الأساس يكون الإسلام هو الذي يُقدم إلى الناس فكرة وجود الجرال (( الحجر الأسود )) على الأرض فقط لا غيره .
وبقي أن نعرف أن لهذا الجرال علاقة بأعظم شخصية أسلامية أو سلطة روحية دفعت ((جاهمورية )) والد بارزيفال ـ وهو المنحدر من أرومة مصطفاة ـ إلى أن يُخصص نفسه لخدمة أعظم سلطة روحية معروفة في زمانه وأن هذه السلطة كانت إسلامية .
وقد حاول الغرب المسيحي أن يبتعد عن الهدف الأساسي لخدمة جاهموريه لهذه السلطة الروحية بأن قالوا : بأن هذه السلطة الروحية هي سلطة خليفة بغداد المعاصر لجاهموريه . ولكن فولفرام يذهب إلى أن هذه السلطة الروحية العظيمة ما هي إلا (( قطب الوقت )) ـ صاحب الزمان ـ المسيطر بسلطانه على أكثر الأرض بما فيها مناطق غير إسلامية . وقد اعتمد في ذلك على آراء محي الدين بن عربي .
ولهذا اندفع جاهموريه المسيحي في خدمة قطب الوقت وأن يعلن استعداده أن يقاتل في سبيله في الشرق والغرب .
ولربما يكون جاهموريه المسيحي يُشير إلى شخصية السيد المسيح عليه السلام الذي سيُقاتل بين يدي قطب الوقت او صاحب الزمان ، الذي ارتبط اسمه ارتباطا وثيقا بالحجر الجرال الاسود الذي يحمل أسرار تلك اللحظة التي يقف فيها أمامهُ صاحب العصر والزمان (عج) منتظرا مختاريه أن يجتمعوا إليه كقزع الخريف حيث تختطفهم يد القدرة من فراشهم ليلا ومن محاريبهم نهارا لمثُلوا بين يديه الكريمتين وحجر العهد على يمينه .
يليه الجزء الثالث .
نتيجة خطأ لم تدرج ارقام مصادر القسم الاول عليه سوف اقوم بترتيبها في نهاية البحث انشاء الله تعالى
المصادر
1- كتاب الإسلاموالجرال ، للأستاذ بيير بونسواي .
2- لا يُقصد من الغرب العالم الغربي ، بل في جهة الغرب .
3- لعل المراد هنا من الفرسان الخمسة ، هم أصحاب الكساء الخمسة الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، او شارة إلى الصلوات الخمس اليومية التي يتم التوجه فيها للكعبة حاضنة الحجر الأسود أو اصول الاسلام الخمسة .