تجربتي مع المعهد العربي للترجمة
الإخوة الأفاضل في (واتا)، تحية طيبة وبعد،
قرأت كل ما نُشر هنا عن موضوع معهد الترجمة العربي والمشرفة عليه، وسيل الاتهامات الموجهة إليها.
وأنا وإن كنت لا أستطيع أن أنفي أو أثبت ما ورد، أو أكون طرفا في صراع الله أعلم بأهدافه وغاياته، إلا أنني أحببت أن أنقل تجربة خاصة حدثت لي بعد التعامل مع المعهد لفترة قصيرة، لنقف على بعض أوجه التلاعب بالثقافة والمعرفة في بلداننا العربية، وليس الجزائر فقط، لأن هذه الظاهرة أضحت ظاهرة عربية بامتياز، للأسف!
سبب هذه الشهادة كان صدمتي الكبيرة وأنا أتجول في معرض الرياض الدولي للكتاب منذ أشهر، لأنني لم أجد من بين 600 دار نشر دارا جزائرية واحدة!! فكانت هذه الانطباعات.
أكرر أنني لست في صف من يدافع عن الأستاذة إنعام ولا في صف من يهاجمها، فأنا ـ أولا وأخيرا ـ لست طرفا في هذا الصراع، وإن كان من واجبي الحضاري أن أشجب وأدين كل محاولات العبث التي يُراد لها أن تشوّه الثقافة الجزائرية خصوصا، والعربية الإسلامية عموما.
والله من وراء القصد.
معرض الرياض الدولي يكشف ضحالة الثقافة الجزائرية
• 600 دار نشر عربية لا توجد بينها دار نشر جزائرية!
لا يزال الحديث عن الثقافة في الجزائر مؤلما كالحديث عن سنوات العشرية الحمراء التي أحرقت البلد وأتت على الأخضر واليابس.
ورغم أن الجزائر حديثة عهد بتجربة ثقافية "كبيرة"، وهي كونها "عاصمة الثقافة العربية" في العام الماضي، إلا أنها لم تحصّل شيئا ذا قيمة على المستوى الثقافي مقابل الملايير التي صُرفت على نشر كتب لم تخضع في كثير منها سوى لمصالح بعض دور النشر "الكبيرة" التي اتخذت من ميزانية الدولة مصدرا آخر من مصادر "الريع" الذي تُزكم رائحته الأنوف، بسبب الدسائس والصفقات المشبوهة وغياب الوازع الأخلاقي والنزاهة.
وهذه الشهادة قد توضّح طبيعة العمل الثقافي عندنا، وقد تعين على فهم أسباب تقهقره واندثاره.
أثناء مراسيم عاصمة الثقافة العربية في الجزائر، اتصلتُ بمعهد الترجمة العربي الذي كان المشرف الرسمي على ما يُترجم من الكتب المعدّة في التظاهرة، على أمل أن أحصل على كتاب أو كتب أترجمها بحكم اهتمامي بمجال الترجمة، فقدم لي بعض المشرفين هناك قصة أطفال للترجمة في يوم واحد، فالتزمت بذلك وقدمت لهم العمل في الموعد المحدد فأعجبتهم نوعية العمل وسرعته، وأعطوني قصة أخرى لأقوم بترجمتها ففعلت، ووعدوني خيرا. وبعد أشهر، اتصلت بهم مرة ثانية للتساؤل عن مصير وعدهم بالتعامل معهم، فأجابني أحد المشرفين على المشروع بلباقة، معتذرا عن إمكانية التعامل بأن المركز سلم الكتب المراد ترجمتها إلى من وصفهم بالـ"أسماء لامعة" في حقل الترجمة في الجزائر، وذكر من بينهم أسماء لأشخاص لا علاقة لهم بهذا الباب تسلموا العمل على أساس أنهم مترجمين، مع تقديري الأخوي لبعضهم.
تعجبتُ حينها من هذه الجرأة على تزييف الحقائق وقلبها، وازداد عجبي حينما قصدني بعضهم ليطلب مني ترجمة الكتب التي سُلمت له، لأنه أخذها ولا يعرف من أين يبدؤها، في حين أن بعض هذه "الأسماء اللامعة" حظيت بشرف الوصف وهي لم تنشر كتابا مترجما من قبل! وازداد يقيني بأن المؤسسات الثقافية الجزائرية تساهم بشكل مباشر وغير مباشر بنشر الرداءة على حساب العمل الجاد، وأن إضعاف الثقافة وتقويض أركانها هدف رئيس لبعض العاملين في الدوائر الحكومية.
بعد ذلك، سمعت من طرف بعض الناشرين الجزائريين المتذمرين كيف تلاعبت بهم اللجنة المشرفة على هذه التظاهرة فيما يخص الموافقة على أعمالهم المعروضة لطباعتها "على ظهر" الحكومة، وتحدثوا حينها أن بعض أعضاء اللجنة "الموقرة" كانوا أصحاب دور نشر تم تزكية مؤلفاتهم بامتياز، وبعضهم لم يكتف بذلك حتى أسس دور نشر وهمية تمكنت من نشر إصداراتها باسم "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، في حين رُفضت كتب لمؤرخين كبار مثل الدكتور أبو القاسم سعد الله! وهو الرجل الذي تمكن من خدمة الثقافة الجزائرية بطرق عجزت المجاميع والوزارات المتعاقبة عن بلوغ معشارها.
كنت أستحضر هذه الحكايات في ذهني وأنا أتجول، زائرا، في معرض الكتاب الدولي المقام بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، وبما أنني شاركتُ من قبل في معرض الجزائر الدولي كممثل لدار جزائرية، أمكنني أن ألمس بوضوح الفارق الكبير بين المعرضين من حيث التنظيم والتأطير والهيكلة، ومن حيث النشاطات الفكرية والثقافية، لأن المعارض عندنا تُستغل في صراع الأيديولوجيات والإقصاء.. والتي تطال سهامها أصحاب الفكر الوطني والإسلامي الذين لم يفلحوا في الظفر بمنبر للتعبير عن ثقافتهم وأدبهم العريق الذي ساهم في تحرير الوطن من براثن الاحتلال الفرنسي. في حين أن المعارض عندهم تكون فرصة لتلاقح الأفكار والتقاء النخب واحتكاكها بالجماهير خدمة للثقافة المتنوعة التي تصب في بوتقة واحدة: احترام الآخر، وهو شيء فقدناه للأسف في بلادنا. واكتشفت مذهولا أنه من ضمن 600 دار نشر عربية وعالمية، لا يوجد مكان لدار نشر جزائرية واحدة تُطلع العرب على آخر الإنتاجات الفكرية والثقافية الجزائرية.. وأخطأ المشرفون حينما نسبوا دار نشر إلى الجزائر، فهرولت نحوها لأجدها مجرد دار نشر عربية مقرها في بريطانيا، ظنها العارضون جزائرية!
لقد أصبح كل شيء في الجزائر يُستغل للاغتناء وتجميع المال وتحقيق المكاسب ولو على حساب المبادئ والقيم: فالحملات الانتخابية تقيم "كرنفالاتها" لمساندة "الواقف" بغرض الوصول إلى الجاه والمال، والمناسبات الثقافية تأتي لتعزز مراكز بارونات الكتاب الذين يتكسبون بقرصنة الكتب والتلاعب بالمؤلفين الجزائريين، والمناسبات الرياضية تُعتبر وليمة مفتوحة يقتات منها أصحاب السجلات التجارية باسم "الرياضة والشبيبة"، وهكذا دواليك.
طبعا، فوجئت أن القصتين اللتين ترجمتهما قد نُشرتا ضمن مجموعة قصصية تحوي حكايا "أندرسن"، القاص الدنماركي الشهير، ونشرت في الجزائر ووزعت مجانا من طرف السفارة الدنماركية، ولعلها تمت لتحسين صورة البلد الذي اشتهر بالتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر رسومات قبيحة نُشرت مرتين في الصحف الدنماركية بدعوى حرية التعبير والتضامن مع الرسامين، مع أن المشرفين على ترجمة هذه المجموعة لم يفصحوا عن طبيعة هذا العمل وأبقوه سرا.
أقول هذا من منطلق حرصي على شرف الجزائر الذي تقاسمه "التجار" نهبا بينهم: سواء كانوا تجارا للمخدرات أو للكتب أو للملابس المستعملة أو المفرقعات التي تُحرق أموال الجزائريين وتُهلك أبناءهم.. لأنني أخشى أن تصير الجزائر أحسن مثال يُضرب لأسوء تجربة، وحتى لا نصبح أضحوكة العرب والعالم.. إن لم نكن قد أصبحنا كذلك!
رد: موقع المعهد العربي للترجمة
يكفينا تعسفا في الادارة الجزائرية فنحن بحاجة الى انتتاج مترجمين و تراجمة ذوي كفاءة يا انعام بيوض