لماذا البهائيه دين سماوي؟
البهائيه دين سماوي
لا خلاف أن غاية الدين هي الوفاقوالوداد بين البشر,ومع ذلك جعله الناس منذ بداية الخليقةمصدرا للشقاق والجدال والقتال,علي الرغم من تناقض ذلك معالطبيعة الروحانية لجميع الأديان التي يركز جوهرها علي التراحموالبر والإحسان,فالدين يفرض حسن معاملة الغير.وقد يكون السببوراء التحيز والتعصب ما تلقيه قداسة الدين في روع أتباعه منامتناع البحث الحر في معتقداته,إلي جانب ما يفرضه التقليدالمتوارث من أخذ تعاليم الدين عن رجال متخصصين دون تحليل أوتمحيص,وكلا الأمرين معدوم الأساس,ومؤداهما ضعف نفوذ الدينذاته,وتسلط التعصب علي أفكار الناس.ولو واجه كل فرد نفسهاليوم باحثا عما حمله علي اعتناق دين دون غيره,وعما يثبتصدق الدين الذي اعتنقه لأدهشه الجواب.وقبل أن يفيق من دهشتهيأتيه سؤال آخر وهو:إن كان هذا الدين الذي اعتنقه حقافلماذا لم يؤمن به الآخرون؟ ولماذا يعترض عليه أصحاب الدياناتالأخري؟.
إنالناظر في تاريخ الأديان,والمدقق في تسلسلها يري أن التاريخيعيد نفسه,وأن الاعتراض علي الأديان يسير علي نفس المنوالوالنسق,ويدرك أن رؤساء الدين السابق في كل زمان هم أول منيقومون بالاعتراض,ولا يسعهم إلا تكفير كل من يؤمن بهذاالدين,فهم يؤمنون فقط بما سبقهم من رسالات,لأنها جاءت صريحةفي كتابهم,أما ما يأتي من بعدها فيعتبرونه ضلالا وافتراء,هذاعلي الرغم مما في كتبهم المقدسة من تحذير بأن لا يسلكوامسالك التكذيب والعصيان,وأن لا يكونوا حائلا بين اللهوعباده,كما امتلأت الكتب السماوية بقصص الأقوام الغابرة,وكيفكانت عاقبة تكذيبهم لرسلهم واعتراضهم عليهم,مع التلميح إليالكوارث التي حاقت بهم لرفضهم الدين الجديد من دون بينة ولاكتاب منير.ولكن مازالت المأساة تتكرر في كل ظهور فيقيسونالرسالة التالية بما تهوي أنفسهم ويسعون للقضاءعليها.
وهكذا نريأن ما دأبت عليه الأوساط الدينية هو نبذ معتقدات الغير دونترو في بحثها,وذلك نتيجة لعدم تطبيق معايير موضوعية لتعريفالدين علي نحو علمي,ولتمييزه عن غيره من الحركاتالفكرية,والمذاهب الفلسفية.فغياب المقاييس العقلية المجردة يسهلسيطرة العواطف والميول الشخصية في الحكم علي ما يدور فيوجدان الآخرين.ومن هذه الأحكام ما خرجت به بعض الصحف مؤخراعن البهائية,وعلاقتها بالأديان الأخري في أعقاب حكم القضاءالإداري باستلزام القانون إثبات الدين البهائي كغيره من الأديانفي شهادات الميلاد والبطاقات الشخصية للتعرف علي حقيقة الانتماءالديني لصاحب البطاقة.فأثار هذا الرأي القانوني التساؤل عماإذا كانت البهائية دينا,أم مذهبا,أم حركة فكرية؟ ولذلك نبادربعرض بعض المعايير التي يمكن الاعتماد عليها في التعرف عليالطبيعة الروحانية لهذا الدين,مع الإقرار سلفا بصعوبة الاعتمادعلي الأدلة العقلية وحدها في مجال يختص به الفؤاد,ويحكم عليهالضمير,وتطوف حوله مشاعر الحب والولاء:
1- أهم ما يميز الدين -أي دين- هو الإيمان بوجود خالق مدبر للكون فوق عالم الطبيعة,مسيطرعلي العالم المشهود,إله لا شريك له ولا نظير,وجوده المهيمنعزيز علي الوصف,ومستعص علي الإدراك,وجود فريد ممتنع عليالعقل البشري المحدود,لأن البون الفاصل بين علو الواجد ودنوالموجود مانع للإدراك,وهذا في صلب ما يعتقده البهائيون,وقدأوجزه عبد البهاء -المبين لرسالة بهاء الله- بشكل مبسط فيمقتطف نشرته مجلة وادي النيل في الثاني من محرم سنة 1330:
فإذا كانتحقيقة الجماد والنبات والحيوان والإنسان حال كونها كلها من حيزالإمكان,ولكن تفاوت المراتب مانع أن يدرك الجماد كمالالنبات,والنبات قوي الحيوان,والحيوان فضائل الإنسان,فهل منالممكن أن يدرك الحادث حقيقة القديم ويعرف الصنع هوية الصانعالعظيم؟
2- ومعذلك التفاوت بين الغيب والشهود يركز الدين علي دوام الرابطةالوثيقة بين الله والخلق,فمنه تستمد الكائنات نشوءها وبقاءهاومنتهاها بتبعية لا تعرف الاستقلال,ومن عليائه يتنزل الهديللإنسان,وعليه اعتماده,وبه رجاؤه,وله مآله,ولكن التلقي المباشرممتنع,والواسطة بينهما رسل مرسلة تحكي عن الحقيقةالخافية,وتظهر مشيئتها وتفرض عبادتها,وتحذر من عاقبة العصيانفي الآخرة والأولي.فهل يوجد في البهائية خلاف هذا؟ يقول بهاءالله:
إن جميعالأنبياء هم هياكل أمر الله الذين ظهروا في أقمصةمختلفة,وإذا ما نظرت إليهم بنظر لطيف لتراهم جميعا ساكنين فيرضوان واحد,وطائرين في هواء واحد,وجالسين علي بساطواحد,وناطقين بكلام واحد,وآمرين بأمر واحد.وهذا هو اتحادجواهر الوجود والشموس غير المحدودة والمعدودة.
3- وعبودية الإنسان لخالقه واعتمادهعليه تستلزم ذكره وعبادته وتقواه فيجعل الدين مواقيت لهاوشروطا,ومناسك لأدائها,فهي جوهر علاقة العبد بربه,لذا نجدللعبادات في كل دين أركانا أساسية يقوم عليها,مثل الصلاةولكنها تختلف من دين إلي دين,والصوم أيضا يختلف في كل دينعن الآخر,وهكذا في الزكاة والحج,فهذه الأركان مع أنها منالثوابت,ولكن طريقة أدائها تختلف من دين إلي آخر وتغييرأسلوبها من دين إلي دين رغم ثبوتها هو تأكيد لاستقلاله,حيثإن لكل دين أماكنه المقدسة,ومناسباته الخاصةبه.
لقد جاء فيالكتاب الأقدس:قد فرض عليكم الصلاة والصوم من أول البلوغأمرا من لدي الله ربكم ورب آبائكمالأولين.
4- ويشرعالدين -فضلا عن العبادات والأوامر والنواهي- أحكاما للأحوالالشخصية وما يتبعها من روابط ضرورية لبناء الأسرة,التي هيالوحدة الأساسية في كل المجتمعات,وعلي قدر قوة بنائها وتماسكهايتوقف البناء الاجتماعي للأمة بأسرها.والمطلع علي الأحكام التيجاء بها الدين البهائي بخصوص الزواج والأسرة يجد أنها لاتختلف كثيرا عن المعمول به في معظم الشرائع,فهي تشترط رضاءالطرفين,ووالديهما,ولكن تفرض الاكتفاء بزوجة واحدة,وإبعاداحتمالات الطلاق وإتاحة الفرص للتوفيق بين الزوجين وذلك بإرجاءالطلاق لمدة سنة كاملة.
5- ويشترط الدين أن يكون الانتماءإليه عن رضا حر دون إكراه أو إغراء أوتأثير,بعد البحثوالاستقصاء بالقدر الذي يجلب الاطمئنان لقلب كل فرد.ولو أنحقيقة الدين لا تقاس بتعداد أتباعه,إلا أن انتشار الدينالبهائي خلال قرن ونصف القرن في أقصر بقاع الأرض,وتأثيركلمته الخلاقة وقدرتها علي اقتلاع جذور الشحناء والبغضاء منبين الذين آمنوا به,وبعثهم في خلق جديد تسوده إخوةصادقة,هو خير شاهد علي تأثير الكلمة الإلهية الموحدة,وعلينفوذ القدرة الكامنة في تعاليم هذا الدين,وهو خير مذكر لحاجةعالم يئن من تفتت وحدته وتشتت أفكاره إلي الهداية التي جاءبها هذا الدين,والتي هي في حقيقتها الدرياق الشافي لمايعتريه من أمراض.
6- ومن أسس الدين أن الإنسان مسئول عن أعماله خيراكانت أم شرا,ولو أنه قد يلقي بعض الثواب أو العقاب فيالحياة الدنيا,ولكن حسابه الكامل يكون بعد الموت.فلنتأمل ماتفضل به حضرة بهاء الله في الكلمات المكنونة:حاسب نفسك فيكل يوم من قبل أن تحاسب لأن الموت يأتيك بغتة وتقوم عليالحساب في نفسك.
7- ومن خصائص الدين أيضا إخباره عن أحداث الماضيوالإفصاح عن رؤاه للمستقبل مخبرا بيقين راسخ عن نبوءات تزدادبتحقيقها قلوب المؤمنين اطمئنانا,ويري فيها المتشككون بينةقاطعة.وقد أنبأ بهاء الله في ألواحه المرسلة إلي ملوك الأرضورؤسائها في عام 1868 وهو في سجن عكا بما ستؤول إليه أحوالهموالانقلابات التي ستقع في العالم سواء بضياع الملك من أيديأولئك الملوك الذين لم يستجيبوا للنداء الإلهي,أو بانقضاء عهدالكهنوت الذي حال بين الناس وبين التوجه إلي الله.ولنأخذ عليسبيل المثال إنذاره لنابليون الثالث بأن عزه زائل وأن الذلةتسعي عن ورائه,إلا أن يتمسك بحبل الله المتين,وقد تحقق هذاقبل مضي عامين علي هذا التحذير,حيث خسر نابليون الحربالبروسية واستسلم لبسمارك في أوائل سبتمبر 1870 وثارت باريس عليهبعد ذلك بيومين وخلعته,وبقي سجينا حتي عام 1871 ثم قضي نحبهفي منفاه,ومن بعده فقد بيوس التاسع السلطة لنفسه ولخلفائهوانحسر سلطانه في مدينة الفاتيكان,كما فقد السلطان عبد الحميدالخلافة والملك,وقتل ناصر الدين شاه علي يد واحد من أنصارالأفغاني,وهكذا هتكت حرمة سلاطين ذلك الزمان واجتث ملكهم وزالإلي غير رجعة.
خلاصة القول إن أحداث العالم وأحواله سارت في الوجهةالتي عينها بهاء الله فتحررت الشعوب واستقلت,وفقدت أوربامنزلتها القديمة,وتشكلت المنظمات الدولية,وتأسست محاكم لحلالمنازعات بين الدول بالطرق السلمية,والتزمت الحكومات دولياباحترام حقوق الأفراد الموجودين علي أراضيها,وانقضي عهد الرقونظام الإقطاع والسخرة والاستعمار,وبدت في الآفاق نواة لنظامعالمي علي النحو الذي رسمته رؤية حضرة بهاء الله.ومازالتأمور العالم توالي هذه المسيرة بخطي حثيثة حتي تستكمل الشوطوتؤول إلي ما أنبأ به.ولكن حذار من أن يظن الناس أن هذاالبناء المادي مهما بلغ من الدقة والإتقان أنه ما جاء الدينالبهائي لتحقيقه فقط,وإنما هو هيكله الخارجي وأداتهالمادية,أما جوهره الذي أسماه بهاء الله الصلح الأعظم فلايتحقق إلا بإقبال أهل العالم طواعية إلي إسلام الوجه للهوالاستجابة إلي ندائه والسلوك في سبيله علي النحو الذي أنزلهعلي لسان مبعوثه إلي العالم في هذا العصر.
هذه أساسيات أية رسالة سماوية,ولكنلا يعني ذلك تسليم السلطات بحقيقتها في وقت ظهورها,سواءأكانت تلك السلطة دينية أم سياسية,فقد رفض فرعون رسالة موسيمحذرا قومه بأن موسي جاء ليبدل دينهم,وحرض علي قتله مدعياأن يوسف عليه السلام هو خاتم المرسلين,فهل أوقف اعتراض فرعونوحكمائه انتشار الشريعة الموسوية وشيوعها؟ ولكن ما لبث قومموسي أن كرروا الخطأ نفسه عند ظهور المسيح فهاج علماؤهموماجوا,ورفضوا قبوله وحكموا عليه بالكفر,وعلي رسالتهبالبطلان.وبالنظر إلي الرسالة المحمدية,من الذي رفضها ولايزاليحكم بعدم سماويتها حتي الآن؟.ونخرج من ذلك بأن الديانةاليهودية تأسست بناء علي قول موسي وحده إلي أن شهد لهاالمسيح,كما تأسست المسيحية بقول المسيح وحده إلي إن شهدالإسلام بصدقها كديانة سماوية,لذا فإن الديانة البهائية لاتتوقع أن يشهد لها الرؤساء ورجال الدين,لأنهم يعترفون بماسبق دينهم من أديان,ويرفضون كل ما يأتي من بعد,وهذه سنةالله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
هذه هي جملة العناصر التي توفرت فيالأديان السماوية السابقة علي نحو منتظم وبها تميزت الأديان عنغيرها من الحركات والمذاهب الفكرية,ومن ثم يمكن اتخاذها قسطاساللحكم وتمييزا للدين عن غيره بطريقة موضوعية لا مكان فيهاللميول الشخصية,وقد أوردنا ما يؤيد وجود كل عنصر من هذهالعناصر في الديانة البهائية مما يحسم الخلاف حول طبيعتهاويؤيد أنها شاملة لكل العناصر التي احتوت عليها الأديانالسماوية الأخري.وهذا ما دفع أكثر من مائة وستين دولة إليالاعتراف بالدين البهائي,وقبول هيئاته الإدارية علي أنها هيئاتدينية كما اعترف العديد من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمعالمدني في أطراف المعمورة بأن الدين البهائي دين مستقل عنغيره من الأديان.
فإذا استبعدنا الفتاوي التي تستند إلي الميول الشخصيةواعتمدنا في أحكامنا علي المقاييس الموضوعية انتهينا إلي أنالبهائية تشترك مع غيرها من الأديان فيما حوته من عباداتومعتقدات وحدود وأحكام,ويتحتم بناء علي ذلك الإقرار بأنهاديانة قائمة علي ما تقوم عليه الأديان من أركان ويسرنا أننقدم هذا الاستدلال الي كل من يسأل عما إذا كانت البهائيه ديناسماويا او لا
ولا يجرمنكمشنآن قوم علي ألا تعدلوااعدلوا هو أقربللتقوي.
لمزيد منالمعلومات
http://info.bahai.org/arabic/bahai_sites.html
مُنْتَخَبَاتٌ مِنْ آثَارِ حَضْرَةِ بَهاءُ اللهِ
[العالِمُ الحَكِيمُ
إِلهي إِلهي لَكَ الحَمْدُ بِما جَعَلْتَني مُعْتَرِفاً بِوَحْدَانِيَّتِكَ ومُقِرَّاً بِفَرْدانِيَّتِكَ، وَمُذْعِنَاً بِما أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ الَّذِي بِهِ فَرَّقْتَ بَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ بأَمرِكَ واقْتِدارِكَ ولَكَ الشُّكْرُ يا مَقْصُودِي ومَعْبُودِي وأَمَلِي وبُغْيَتي وَمُنايَ بِما سَقَيْتَني كَوْثَرَ الإِيمَانِ مِنْ يَدِ عَطائِكَ وهَدَيْتَني إِلى صِراطِكَ المُسْتَقِيْمِ بِفَضْلِكَ وَجُودِكَ. أَسأَلُكَ يا فالِقَ الإِصْباحِ ومُسَخِّرَ الأَرْياحِ، بِأَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَأَصْفِيَائِكَ وَأَوْلِيائِكَ، الَّذِينَ جَعَلْتَهُم أَعْلامَ هِدايَتِك بَيْنَ خَلقِكَ وَرَاياتِ نُصرَتِكَ في بِلادِكَ وَبِالنُّورِ الَّذي أَشرَقَ مِنْ أُفُقِ الحِجازِ وتَنَوَّرَتْ بِهِ يَثرِبُ والبَطْحاءُ وَما فِي ناسُوتِ الإِنْشَاءِ بِأَنْ تُؤَيِّدَ
عِبادَكَ عَلَى ذِكْرِكَ وَثَنائِكَ وَالعَمَلِ بِما أنْزَلْتَهُ فِي كِتابِكَ. إِلهِي إِلهِي تَرَى الضَّعِيفَ أَرَادَ مَشْرِقَ قُوَّتِكَ ومَطْلِعَ اقْتِدارِكَ وَالعَلِيلَ كَوْثَرَ شِفائِكَ وَالكَلِيْلَ مَلَكوتَ بَيَانِكَ وَالفَقِيرَ جَبَروتَ ثَرْوَتِكَ وعَطائِكَ. قدِّر لَهُ بِجُودِكَ وكَرَمِكَ ما يُقَرِّبُهُ إِليْكَ في كُلِّ الأَحْوالِ وَيُؤَيِّدُهُ عَلَى المَعْرُوفِ ويَحْفَظُهُ عَنِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالمَبْدَإِ وَالمآلِ. إِنَّكَ أَنْتَ الغَنِيُّ المُتَعَالِ .لا إِله إلاَّ أَنْتَ العَزِيزُ الفَضَّال.
قُلْ إِلهِي إِلهِي
أَسأَلُكَ بِالَّذِي بِهِ سَالَتِ البَطْحَاءُ وَبِهِ أَشرَقَ النُّوْرُ مِنْ أُفُقِ الحِجَازِ، أَنْ تُنَزِّلَ لعَبْدِكَ هَذا مِن سَماءِ فَضْلِكَ أَمْطَارَ عِنايَتِكَ. أَيْ رَبِّ تَرَانِي مُقْبِلاً إِلَيْكَ، مُنْقَطِعاً عَنْ دُونِكَ أَسأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنِي فِي كُلِّ الأَحْوالِ
مُسْتَقِيماً عَلَى أَمْرِكَ ومُتَمَسِّكَاً بِما أَنزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ. ثُمَّ قَدِّرْ لِيَ خَيرَ الآخِرَةِ وَالأُولى. إِنَّكَ أَنْتَ مَوْلَى الوَرى. لا إِله إِلاَّ أَنْتَ مَوْلَى الأَسْماءِ وَفَاطِرُ السَّماءِ.
هُوَ اللهُ تَعَالى شأنُهُ العَظَمَةُ والاقْتِدارُ
إِلهِي إِلهِي، أَشْكُرُكَ فِي كُلِّ حالٍ وَأَحْمَدُكَ فِي جَمِيعِ الأَحْوالِ. فِي النِّعْمَةِ أَلْحَمْدُ لَكَ يا إِلهَ العَالَمِينَ . وَفِي فَقْدِها الشُّكْرُ لَكَ يا مَقْصُودَ العَارِفينَ. فِي البَأْساءِ لَكَ الثَّناءُ يا مَعْبُودَ مَنْ فِي السَّمواتِ وَالأَرَضِينَ وَفِي الضَّرَّاءِ لَكَ السَّناءُ يا مَنْ بِكَ انجَذبَتْ أَفْئِدَةُ المُشْتاقِينَ. فِي الشِّدَّةِ لَكَ الحَمْدُ يا مَقْصُودَ القاصِدِين وَفِي الرَّخَاءِ لَكَ الشُّكْرُ يا أَيُّها المَذْكُورُ فِي قُلُوبِ المُقَرَّبِينَ. فِي الثَّرْوَةِ لَكَ البَهاءُ يا سَيِّدَ المُخْلِصِينَ وَفِي الفَقْرِ لَكَ الأَمْرُ يا رَجَاءَ المُوحِّدِينَ.
في الفَرَحِ لَكَ الجَلالُ يا لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ وَفِي الحُزْنِ لَكَ الجَمَالُ يا لا إِله إِلاّ أَنْتَ. فِي الجُوعِ لَكَ العَدْلُ يا لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ وَفِي الشَّبَعِ لَكَ الفَضْلُ يا لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ . فِي الوَطَنِ لَكَ العَطَاءُ يا لا إِلهَ إِلا أَنتَ وفي الغُرْبَة لَكَ القَضَاءُ يا لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ. تَحْتَ السَّيْفِ لَكَ الإِفْضالُ يا لا إِلهَ إِلا أَنْتَ وَفِي البَيْتِ لَكَ الكَمَالُ يا لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ. فِي القَصْرِ لَكَ الكَرَمُ يا لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ. وَفِي التُّرَابِ لَكَ الجُودُ يا لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ. فِي السِّجْنِ لَكَ الوَفاءُ يا سَابِغَ النِّعَمِ وَفِي الحَبْسِ لَكَ البَقاءُ يا مالِكَ القِدَمِ لَكَ العَطَاءُ يا مَولَى العَطَاءِ وسُلْطانَ العَطَاءِ وَمالِكَ العَطَاءِ. أَشْهَدُ أَنَّكَ مَحْمُودٌ فِي فِعْلِكَ يا أَصْلَ العَطَاءِ ومُطَاعٌ في حُكْمِكَ يا بَحْرَ العَطاءِ ومَبدَأَ العَطَاءِ ومَرجِعَ العَطَاءِ.
بِسْمِ اللهِ الأَقْدَسِ
سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ يا إِلهِي، أَسْأَلُكَ بِأَصْفِيَائِكَ وَأُمَنَائِكَ وَبِالَّذِي جَعَلْتَهُ خَاتَمَ أَنْبِيَائِكَ وسُفَرَائِكَ أَنْ تَجْعَلَ ذِكْرَكَ مُؤْنِسِي وَحُبَّكَ مَقْصَدِي وَوَجْهَكَ مَطْلَبِي وَاسْمَكَ سِراجِي وَما أَرَدْتَهُ مُرادِي وَما أَحْبَبْتَهُ مَحْبُوبِي . أَيْ رَبِّ أَنا العَاصِي وأَنْتَ الغَافِرُ، لَمَّا عَرَفْتُكَ سَرُعْتُ إِلى ساحَةِ عِزِّ عِنَايَتِكَ . أَيْ رَبِّ فَاغْفِرْ لِي جَرِيرَاتِي الَّتي مَنَعَتْنِي عَنِ السُّلُوكِ فِي مَنَاهِجِ رِضَائِكَ وَالوُرُودِ فِي شَاطِئِ بَحْرِ أَحَدِيَّتِكَ. أَيْ رَبِّ لا أَجِدُ دُونَكَ مِنْ كَرِيمٍ لأَتَوَجَّهَ إِلَيهِ وَلا سِواكَ مِنْ رَحِيمٍ لأَستَرحِمَ مِنْهُ. أَسأَلُكَ أَنْ لا تَطْرُدَنِي عَنْ بَابِ فَضْلِكَ وَلا تَمْنَعَنِي عَنْ سَحَابِ جُودِكَ وكَرَمِكَ. أَيْ رَبِّ قَدِّرْ لِي ما قَدَّرْتَهُ لأَولِيائِكَ ثُمَّ اكْتُبْ لِي ما كَتَبْتَهُ لأَصْفِيَائِكَ. لَمْ يَزَلْ كَانَ طَرْفِي ناظِراً إِلى أُفُقِ عِنَايَتِكَ
وَعَيْنِي مُتَوَجِّهَةً إِلَى شَطْرِ أَلْطافِكَ، فَافْعَلْ بِي ما أَنْتَ أَهْلُهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ المُقْتَدِرُ العَزِيْزُ المُسْتَعَانُ.
هُو اللهُ تَعَالى شَأنُهُ العَظَمَةُ والاقْتِدَارُ
إِلهِي إِلهِي فَضْلُكَ شَجَّعَنِي وَعَدْلُكَ خَوَّفَنِي. طُوبى لعَبْدٍ تُعامِلُ مَعَهُ بالفَضْلِ ووَيْلٌ لِمَنْ تُعامِلُهُ بالعَدْلِ. أَيْ رَبِّ أَنا الَّذي هَرَبْتُ مِنْ عَدْلِكَ إِلَى فَضْلِكَ ومِنْ سُخْطِكَ إِلَى عَفْوِكَ. أَسْأَلُكَ بقُدْرَتِكَ وسُلْطانِكَ وعَظَمَتِكَ وأَلطَافِكَ بأَنْ تُنوِّرَ العالَمَ بنُوُرِ مَعْرِفَتِكَ لِيَرَى في كُلِّ شَيءٍ آثارُ صُنْعِكَ وأَسْرارُ قُدْرَتِكَ وأَنْوارُ عِرْفَانِكَ. أَنْتَ الَّذي أَظْهَرْتَ كُلَّ شَيْءٍ وَتَجَلَّيْتَ عَلَيهِ بِجُودِكَ، إنَّكَ أَنْتَ الجوَّادُ الكَرِيْمُ .
** * *
* * *
بِسْمِهِ المُهَيْمِنِ عَلَى الأَسْماءِ
إِلهِي إِلهِي أَسْأَلُكَ بِبَحْرِ شِفَائِكَ وإِشْراقَاتِ أنْوَارِ نَيِّرِ فَضْلِكَ وَبِالاسْمِ الَّذِي سَخَّرْتَ بِهِ عِبَادَكَ وبِنُفُوذِ كَلِمَتكَ العُلْيَا واقْتِدارِ قَلَمِكَ الأَعْلَى وبِرَحْمَتِكَ الَّتي سَبَقَتْ مَنْ فِي الأَرْضِ والسَّمَاءِ أَنْ تُطَهِّرَنِي بِمَاءِ العَطَاءِ مِنْ كُلِّ بَلاءٍ وسُقْمٍ وضَعْفٍ وعَجْزٍ. أَيْ رَبِّ تَرَى السَّائِلَ قَائِمَاً لَدى بَابِ جُودِكَ والآمِلَ مُتَمَسِّكاً بِحَبْلِ كَرَمِكَ، أَسْأَلُكَ أَنْ لا تُخَيِّبَهُ عَمَّا أَرادَ مِنْ بَحْرِ فَضْلِكَ وشَمْسِ عَنَايَتِكَ إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى ما تَشَاءُ لا إِله إِلاّ أَنْتَ الغَفُورُ الكَرِيْمُ.
* * *
سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ يا إِلهي
لَكَ الحَمْدُ بِمَا نَجَّيْتَنِي مِنْ بِئْرِ الضَّلالَةِ وَالهَوى وَهَدَيْتَنِي إِلَى صِرَاطِكَ المُسْتَقِيمِ ونَبَئِكَ العَظِيمِ وَأَيَّدْتَنِي عَلَى الإِقْبالِ إِذْ أَعْرَضَ عَنْكَ أَكْثَرُ خَلْقِكَ وَنَوَّرْتَ قَلْبِي بِنُورِ مَعْرِفَتِكَ ووَجْهِي بِضِياءِ طَلعَتِكَ. أَيْ رَبِّ أَسْأَلُكَ بِبَحْرِ جُودِكَ وسَماءِ فَضْلِكَ بأَنْ تَكْشِفَ عَنْ وَجْهِ عِبَادِكَ وخَلْقِكَ الحُجُبَاتِ الَّتِي مَنَعَتْهُم عَنْ التَّوجُّهِ إِلَى أُفُقِكَ الأَعْلَى. أَيْ رَبِّ لا تُخَيِّبْ عِبادَكَ عَنْ بَحْرِ آياتِكَ. وعِزَّتكَ لَو كَشَفْتَ
لَهُمْ كَمَا كَشَفْتَ لِي، لَنَبَذُوا ما عِنْدَهُم رَجَاءَ ما عِنْدِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ العَزِيزُ العلاَّمُ.
هُوَ المُهَيْمِنُ عَلَى الأَسْمَاءِ
إِلهِي إِلهِي كَيْفَ أَخْتَارُ النَّوْمَ وعُيُونُ مُشْتاقِيكَ سَاهِرَةٌ في فِراقِكَ، وكَيْفَ أَسْتَرِيحُ عَلَى الفِراشِ وأَفْئِدَةُ عَاشِقِيكَ مُضْطَرِبَةٌ مِنْ هَجْرِكَ. أَيْ رَبِّ أَوْدَعْتُ رُوحِي وَذَاتِي فِي يَمِينِ اقْتِدارِكَ وأَمانِكَ، وأَضَعُ رَأْسِي عَلى الفِراشِ بِحَولِكَ وأَرْفَعُ عَنْهُ بِمَشيئَتِكَ وإِرادَتِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الحَافِظُ الحارِسُ المُقتَدِرُ القَدِيرُ. وعِزَّتِكَ لا أُرِيدُ مِنْ النَّوْمِ وَلا مِنَ اليَقْظَةِ إِلاَّ ما أَنْتَ تُريدُ. أَنا عَبْدُكَ وفي قَبْضَتِكَ، أَيِّدْنِي عَلَى ما يتَضَوَّعُ بِهِ عَرْفُ رِضَائِكَ. هذا أَمَلِي وأَمَلُ المُقَرَّبِينَ ، الحَمْدُ لَكَ يا إِلهَ العَالَمِينَ.
هُوَ العَزِيزُ
فَاجْعَلْ لِي يا إِلهِي هذِهِ الأَرْضَ مُبَارَكاً وآمِنَاً ثُمَّ احْفَظْنِي يا إِلهِي حِينَ دُخُولِي فِيها وَخُرُوجِي عَنْها ثُمَّ اجْعَلْها حِصْناً لِي ولِمَنْ يَعْبُدُكَ ويَسْجُدُكَ لأَكوُنَ مُتَحَصِّناً فِيها عَنْ رَمْيِ المُشْرِكِينَ بقُوَّتِكَ إِذْ إِنَّكَ أَنْتَ القَادِرُ المُقتَدِرُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ القَيُّومُ.
هُوَ اللهُ تَعَالَى شَأنُهُ العَظَمَةُ والاقْتِدَارُ
يا أَيُّها المَذْكُورُ لَدَى المَظلُومِ فِي حِينِ الخُرُوجِ عَنْ المَدِينَةِ قُلْ :
إِلهِي إِلهِي خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِي مُعْتَصِماً بِحَبْلِ عِنايَتِكَ وأَوْدَعْتُ نَفْسِي تَحْتَ حِفْظِكَ وحِرَاسَتِكَ. أَسأَلُكَ بِقُدْرَتِكَ الَّتِي بِها حَفِظْتَ أَوْلِياءَكَ مِنْ كُلِّ
ذِيْ غَفلَةِ وذِي شَرَارَةٍ وكُلِّ ظَالِمٍ عَنِيدٍ وَكُلِّ فاجِرٍ بَعِيدٍ بِأَنْ تَحْفَظَنِي بِجُودِكَ وفَضلِكَ ثُمَّ أَرْجِعْنِي إِلى مَحلِّي بِحَولِكَ وقُوَّتِكَ . إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ المُهَيْمِنُ القَيُّومُ.
* * *
مَن يَدْعُ النَّاسَ باسْمِي فَإِنَّهُ مِنِّي ويَظْهَرُ مِنْهُ مَا يَعْجَزُ عَنْهُ مَنْ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا.
* * *
إِلهِي تَرَانِي مُنْقَطِعاً إِلَيْكَ وَمُتَمسِّكَاً بِكَ فَاهْدَنِي فِي الأُمُورِ ما يَنْفَعُنِي لِعِزِّ أَمْرِكَ وعُلُوِّ مَقَامِ أحِبَّائِكَ.
(لَوْحُ أَحْمَد)
هُوَ السُّلْطَانُ العَليْمُ الحَكِيمُ
هَذِهِ وَرْقَةُ الفِردَوْسِ تُغَنِّي عَلَى أَفْنَانِ سِدْرَةِ البَقاءِ بِأَلْحانِ قُدْسٍ مَلِيحٍ وتُبَشِّرُ المُخْلِصِينَ إِلَى جِوارِ اللهِ وَالمُوَحِّدِينَ إِلى سَاحَةِ قُرْبٍ كَرَيمٍ وتُخبِرُ المُنقَطِعِينَ بِهذَا النَّبإِ الَّذي فُصِّلَ من نَبإِ اللهِ المَلِك العَزِيزِ الفَرِيدِ وتَهْدِي المُحِبِّينَ إِلى مقعَدِ القُدْسِ ثُمَّ إِلَى هذا المَنْظَرِ المُنِيرِ قُلْ إِنَّ هذَا لَمَنظَرُ الأَكبَرُ الَّذي سُطِرَ في أَلْوَاحِ المُرسَلينَ وبِهِ يُفَصَلُ الحَقُّ عَنِ البَاطِلِ ويُفْرَقُ كلُّ أَمرٍ حَكِيمٍ قُلْ إِنَّهُ لَشَجَرُ الرُّوحِ الَّذي أَثْمَرَ بِفَواكِهِ اللهِ العَليِّ المُقتَدِرِ العَظِيمِ.
أَنْ يا أَحْمَدُ فاشْهَدْ بأَنَّهُ هُوَ الله لا إِلهَ إِلاّ هُوَ السُّلطانُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ القَدِيرُ وَالَّذي أَرْسَلَهُ باسْمِ عَليٍّ هُوَ حَقٌّ مِنْ عندِ اللهِ وَإِنَّا كلٌّ بأَمرِهِ لَمِنَ العامِلينَ.
قُلْ يا قَومِ فاتَّبِعُوا حُدُودَ اللهِ الَّتي فُرَضَتْ في البَيَانِ مِن لَدُن عَزِيزٍ حَكِيمٍ قُلْ إِنَّهُ لَسُلطَانُ الرُّسُلِ وكِتابُهُ لأُمُّ الكِتابِ إِنْ أَنْتُمْ مِنَ العَارِفِينْ كَذَلِك يُذَكِّرُكُمُ الوَرْقاءُ فِي هذا السِّجْنِ وَما عَلَيْهِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُعْرِضْ عَنْ هَذَا النُّصْحِ ومَنْ شَاءَ فَليتَّخِذْ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً. قُلْ يا قَوْمِ إِنْ تَكفُرُوا بِهذِهِ الآياتِ فَبِأيِّ حُجَّةٍ آمَنْتُم بِاللهِ مِنْ قَبْلُ هَاتُوا بِها يا مَلأَ الكَاذِبِينَ لا فَوَ الَّذِي نَفسِي بِيدِهِ لَنْ يَقْدِرُوا ولَنْ يَسْتَطِيعُوا ولَو يَكُونُ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ ظَهِيراً. أَنْ يا أَحْمَدُ لا تَنْسَ فَضْلِي في غَيْبَتَي ثُمَّ ذَكِّرْ أَيَّامِي فِي أَيَّامِكَ ثُمَّ كُرْبَتِي وغُرْبَتِي في هذا السِّجْنِ البَعِيدِ وَكُنْ مُسْتَقِيماً فِي حُبِّي بِحَيْثُ لَنْ يحَوَّلَ قَلْبُكَ وَلَوْ تُضْرَبُ بِسُيوفِ الأَعْداءِ ويَمْنَعُكُ كُلُّ مَنْ فِي السَّمواتِ والأَرَضِينَ وكُنْ كَشُعْلَةِ النَّارِ لأَعْدَائِي
وَكَوثَرِ البَقَاءِ لأَحِبَّائِي وَلا تَكُنْ مِنَ المُمْتَرِينَ وَإِنْ يَمَسَّكَ الحُزْنُ فِي سَبِيلِي أَوِ الذِّلَّةُ لأَجْلِ اسْمِي لا تَضْطَرِبْ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ رَبِّكَ ورَبِّ آبائِكَ الأَوَّلِينَ لأَنّ الّناسَ يَمْشُونَ في سُبُلِ الوَهْمِ ولَيْسَ لَهُمْ مِنْ بَصَرٍ لِيعْرِفُوا اللهِ بِعُيونِهم أَو يَسْمَعُوا نَغَماتِهِ بِآذَانِهِمْ وكذَلِكَ أَشْهَدناهُمْ إِنْ أَنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ كَذَلِكَ حَالَتِ الظُّنُونُ بَينَهُم وقُلُوبِهِم وتَمنَعُهُم عَنْ سُبُلِ اللهِ العَليِّ العَظِيمِ وإِنَّكَ أَنْتَ أَيْقِنْ فِي ذَاتِكَ بِأَنَّ الَّذِي أَعْرَضَ عَنْ هَذَا الجَمَالِ فَقَدْ أَعْرَضَ عَنْ الرُّسُلِ مِنْ قَبْلُ ثُمَّ اسْتَكبَرَ عَلى اللهِ في أَزَلِ الآزَالِ إِلى أَبَدِ الآبِدِينَ . فاحْفَظْ يا أَحمَدُ هذَا اللَّوحَ ثُمَّ اقْرَأْهُ فِي أَيَّامِكَ وَلا تَكُنْ مِنَ الصَّابِرِينَ فِإِنَّ اللهَ قَدْ قَدَّرَ لِقَارِئِهِ أَجرَ مِائَةِ شَهِيدٍ ثُمَّ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ كَذَلِكَ مَنَنَّا عَلَيْكَ بِفَضْلٍ مِنْ عِنْدِنا ورَحْمَةٍ مِنْ لَدُنّا لِتَكُونَ مِنَ
الشَّاكِرِينَ فَوَاللهِ مَنْ كَانَ في شِدَّةٍ أَو حُزْنٍ ويَقْرَأُ هذَا اللَّوْحَ بِصِدْقٍ مُبِينٍ يَرْفَعُ اللهُ حُزْنَهُ وَيَكْشِفُ ضُرَّهُ ويُفَرِّجُ كَرْبَهُ وإِنَّهُ لَهُوَ الرَّحمَنُ الرَّحِيمُ والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ.
ثُمَّ ذَكِّرْ مَنْ لَدُنّا كُلَّ مَنْ سَكَنَ في مَدِينَةِ اللهِ المَلِكِ العَزِيزِ الجَمِيلِ مِنَ الَّذينَ هُمْ آمَنُوا بِاللهِ وبالَّذِي يَبْعَثُهُ اللهُ فِي يَومِ القِيامَةِ وكَانُوا على مَناهِجِ الحَقِّ لَمِنَ السّالِكِينَ.
* * *
بِسْمِ اللهِ الأَقدَسِ الأَبْهَى
يا مَنْ قُرْبُكَ رَجَائِي، ووَصْلُكَ أَمَلِي، وذِكْرُكَ مُنائِي، وَالوُرُودُ في ساحَةِ عِزِّكَ مَقْصَدِي، وشَطْرُكَ
مَطلَبِي، وَاسْمُكَ شِفَائِي، وَحُبُّكَ نُورُ صَدْرِي، وَالقِيامُ فِي حُضُورِكَ غَايَةُ مَطْلَبِي، أَسْأَلُكَ بِاسْمِك الَّذي بِهِ طَيَّرْتَ العَارِفَينَ فِي هَوَاءِ عِزِّ عِرفَانِكَ وعَرَّجْتَ المُقَدَّسِينَ إِلَى بِساطِ قُدْسِ إِفْضَالِكَ بأَنْ تَجعَلَنِي مُتَوَجِّهاً إِلَى وَجْهِكَ، وَنَاظِراً إِلَى شَطْرِكَ وَناطِقاً بِثَنَائِكَ. أَيْ رَبِّ أَنا الَّذي نَسِيتُ دُونَكَ وَأَقبَلْتُ إِلَى أُفُقِ فَضْلِكَ، وَتَرَكْتُ ما سِواكَ رَجاءً لِقُرْبِكَ، إِذاً أَكُونُ مُقبِلاً إِلى مَقَرِّ الَّذي فِيهِ اسْتَضَاءَ أَنْوارُ وَجْهِك. فَأَنزِلْ يا مَحبُوبِي عَلَيَّ ما يثَبِّتُني عَلَى أَمْرِكَ لَئِلاَّ يَمْنَعُنِي شُبُهاتُ المُشْرِكِينَ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَيكَ. وَإِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ القَدِيرُ.
* * *
بِسْمِ اللهِ الأَقْدَسِ
يا مَن بَلاؤُكَ دَواءُ المُقرَّبِينَ، وسَيفُكَ رَجاءُ العَاشِقِينَ، وسَهْمُكَ مَحْبُوبُ المُشْتَاقِينَ، وقَضَاؤُكَ أَمَلُ العَارِفينَ، أَسْأَلُكَ بِمَحْبُوبِيَّةِ نَفْسِكَ وَبِأَنْوارِ وَجْهِكَ بِأَنْ تُنْزِلَ عَلينا عَنْ شَطْرِ أَحَدِيَّتِكَ ما يقَرِّبُنا إِلَى نَفْسِكَ ثُمَّ اسْتَقِمْ يا إِلهِي أَرْجُلَنا عَلَى أَمْرِكَ ونَوِّرْ قُلُوبَنَا بِأَنْوارِ مَعْرِفَتِكَ وصُدُورَنا بتَجَلِّياتِ أَسْمائِكَ. أَيْ رَبِّ أَنا الَّذي وَجَّهْتُ وَجْهِي إِليْكَ وأَكُونُ آمِلاً بَدائعَ فَضْلِكَ وظُهُوراتِ كَرَمِكَ، أَسأَلُكَ بِأَنْ لا تُخَيِّبَنِي عَنْ بابِ رَحْمَتِكَ ولا تَدَعَنِي بَيْنَ المُشْرِكِينَ مِنْ خَلْقِكَ. فَيَا إِلهِي أَنا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ، اعْتَرَفْتُ بِكَ فِي أَيَّامِكَ وأَقْبَلْتُ إِلَى شاطِئِ تَوْحِيدِكَ مُعْتَرِفاً بِفَرَدَانِيَّتِكَ ومُذْعِناً بِوَحَدَنِيَّتِكَ، وآمِلاً عَفوَكَ
وَغُفْرانَكَ، وَإِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى ما تَشاءُ، لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ العَزِيزُ الغَفُورُ.
بِسْمِهِ المُهَيْمِنِ عَلَى الأَسْماءِ
قُلْ إِلهِي إِلهِي، فَرِّجْ هَمِّي بِجُودِكَ وعَطَائِكَ، وأَزِلْ كُرْبَتِي بِسَلْطَنَتِكَ واقْتِدَارِكَ. تَرانِي يا إِلهِي مُقْبِلاً إِليكَ حينَ إِذْ أَحاطَتْ بِيَ الأَحْزَانُ مِنْ كُلِّ الجِّهَاتِ. أَسأَلُكَ يا مَالِكَ الوُجُودِ والمُهَيْمِنَ على الغَيْبِ والشُّهُودِ، باسْمِكَ الَّذي بِهِ سَخَّرْتَ الأَفْئِدَةَ والقُلُوبَ وبِأَمْواجِ بَحْرِ رَحْمَتِكَ وإِشْراقاتِ أَنْوارِ نيِّرِ عَطَائِكَ أَنْ تَجْعَلَنِي مِنَ الَّذينَ ما مَنَعَهُم شَيْءٌ مِنَ الأَشْياءِ عَنْ التَّوجُّهِ إِلَيْكَ يا مَوْلَى الأَسْماءِ وَفاطِرَ السَّماءِ، أَيْ رَبِّ تَرَى ما وَرَدَ عَلَيَّ فِي أَيَّامِكَ، أَسأَلُكَ بِمَشْرِقِ أَسْمَائِكَ ومَطْلِعِ صِفَاتِكَ أنْ تُقَدَّرَ لِي ما يَجْعَلُنِي قَائِمَاً على
خِدْمَتِكَ وَناطِقاً بِثَنَائِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ القَدِيرُ وبِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ. ثُمَّ أَسْأَلُكَ في آخِرِ عَرْضِي بِأنْوارِ وَجْهِكَ أَنْ تُصْلِحَ أُمُورِي وتَقْضِي دَيْنِي وَحَوائِجِي إِنَّكَ أَنْتَ الّذي شَهِدَ كُلُّ ذِي لِسَانٍ بقُدْرَتِكَ وقُوَّتِكَ، وذِي دِرَايَةٍ بِعَظَمَتِكَ وسُلْطانِكَ. لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ السَّامِعُ المُجِيبُ.
هُوَالظَّاهِرُ النَّاطِقُ المُقْتَدِرُ العَلِيمُ الحَكِيمُ
سُبْحَانَكَ يا إِلهِي، لَوْلا البَلايا فِي سَبيلِكَ مِنْ أَينَ تَظْهَرُ مَقَامَاتُ عَاشِقِيكَ، وَلَوْلا الرَّزَايا فِي حُبِّكَ بِأَيِّ شَيْءٍ تَبِينُ شُؤُونُ مُشْتَاقِيكَ. وَعزَّتِكَ أَنِيسُ مُحِبِّيك دُمُوعُ عُيونِهِم، ومُؤنِسُ مُرِيدِيكَ زَفَرَاتُ قُلُوبِهِم، وَغِذَاءُ قاصِدِيكَ قَطَعَاتُ أَكْبادِهِم. وما أَلَذَّ
سَمَّ الرَّدَى فِي سَبيلِكَ، وَما أَعَزَّ سَهْمَ الأَعْدَاءِ لإِعْلاءِ كَلِمتِكَ. يا إِلهِي أَشْرِبْنِي في أَمْرِكَ ما أَرَدْتَهُ، وأَنْزِلْ عَلَيَّ في حُبِّكَ ما قَدَّرْتَهُ. وَعزَّتِكَ ما أُريدُ إِلاَّ ما تُرِيدُ، ولا أُحِبُّ إِلاَّ ما أَنْتَ تُحِبُّ. تَوَكَّلْتُ عَلَيكَ في كُلِّ الأَحْوالِ. أَسأَلُكَ يا إِلهِي أَنْ تُظْهِرَ لِنُصرَةِ هذا الأَمْرِ مَنْ كانَ قَابِلاً لاسْمِكَ وسُلْطَانِكَ، ليذْكُرَنِي بَينَ خَلقِكَ ويَرفَعَ أَعْلامَ نَصرِك في مَمْلَكَتِكَ. إِنَّكَ أنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى ما تَشَاءُ، لا إِلهَ إلاَّ أَنْتَ المُهَيْمِنُ القيُّومُ. سُبحانَكَ اللَّهُمَّ يا إِلهِي، قَوِّ قُلُوبَ أَحِبَّائِكَ بِقُوَّتِكَ وسُلْطَانِكَ، لِئَلاَّ يُخَوِّفَهُم مَنْ فِي أَرْضِكَ ثُمَّ اجْعَلهُم يا إِلهِي مُشْرقِينَ مِنْ أُفُقِ عَظَمَتِكَ وطَالِعينَ مِنْ مَطْلِعِ اقْتِدارِكَ. أَيْ رَبِّ زَيِّنْهُم بِطِرازِ العَدْل وَالإِنْصافِ، ونَوِّرْ قُلُوبَهُمْ بأَنْوارِ المَوَاهِبِ والأَلْطافِ. إِنَّكَ أَنْتَ الفَرْدُ الواحِدُ العَزِيزُ العَظِيمُ. أَسأَلُكَ يا
مَالِكَ القِدَم ومَوْلَى العَالَمِ وَمَقْصُودَ الأُمَمِ بِالاسْمِ الأَعْظَمِ، أَنْ تُبَدِّلَ أَرِيكَةَ الظُّلْمِ بسرِيرِ عَدْلِكَ وَكُرْسِيَّ الغُرُورِ والاعْتِسَافِ بِعَرْشِ الخُضُوعِ وَالإِنْصَافِ. إِنَّك فَعَّالٌ لِمَا تَشَاءُ وإِنَّك أَنتَ العَلِيمُ الخَبِيرُ.
هُوَالمُقتَدِرُ المُتَعَالِي العَلِيمُ الحَكيمُ
لَكَ الحَمْدُ يا إِلهِي بِمَا هَدَيْتَنِي إِلَى بَحْرِ تَوْحِيدِكَ وعَرَّفْتَنِي مَطلِعَ آياتِكَ ومَشْرِقَ أُفُقِكَ. أَسأَلُك يا فَالِقَ الإِصْباحِ ومُسَخِّرَ الأَرْياحِ بدُمُوعِ عاشِقِيكَ في هَجْرِكَ وفِراقِكَ وحَنِينِ مُشْتاقِيكَ لِبُعدِهِم عَنْ جِوارِكَ بأَنْ تَجْعَلَنِي في كُلِّ الأَحْوالِ نَاطِقاً بِذِكْرِكَ وَقائِماً عَلَى خِدْمَتِكَ ومُتَمَسِّكاً بِحَبْلَ عِنايَتِكَ ومُتَشَبِّثاً بِذَيْلِ كَرَمِكَ، رَبِّ قَدْ ذَرَفَتِ العُيونُ بِما وَرَدَ عَلى
أَصْفِيائِكَ. أَسأَلُكَ يا مَوْلى العالَمِ وَسُلْطانَ الأُمَمِ بِالاسْمِ الأَعْظَمِ بِأَنْ تُبَدِّلَ أَرِيكَةَ الظُّلْمِ بِسَرِيرِ عَدْلِكَ وَكُرْسِيَّ الغُرُورِ وَالاعْتِسافِ بِعَرْشِ الخُضُوعِ وَالإِنْصافِ وَإِنَّكَ فَعَّالٌ لِمَا تَشاَءُ وَإِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الخَبِيرُ. أَيْ رَبِّ أَنِرْ أَبْصارَ القُلُوبِ بِأَنْوارِ شَمْسِ عَدْلِكَ لِيسْتَضِيءَ كُلُّ شَيْءٍ بِنُورِهِ وَضِيائِهِ وَتَرتَفِعَ فِي كُلِّ مَقَامٍ راياتُ أسْمائِكَ وصِفَاتِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الَّذي لَمْ تُعْجِزْكَ قُدْرَةٌ ولا تُضْعِفُكَ سَطْوَةٌ، تَفْعَلُ كَيْفَ تَشَاءُ وتَحْكُمُ ما تُرِيدُ. لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الحَكِيمُ العَلِيمُ. يا إِلهِي وَسَيِّدِي قَدْ ضَعُفَ دِينُكَ بِما زَحَفَ عَلَيهِ الَّذينَ كَفَرُوا بِكَ وَبِآياتِكَ، أَيْ رَبِّ زيِّنْهُ بَطِرازِ قُوَّتِكَ. إنَّكَ أَنْتَ المُقتَدِرُ القَدِيرُ.
* * *
هُوَ المُشْرِقُ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ البُرْهانِ
يا إِلهَنا تَرَانا مُقْبِلينَ إِلَيْكَ، ومُتَمَسِّكِينَ بِحَبْلِ عِنَايَتِكَ وَأَلْطافِكَ، وَقائِمِينَ عَلَى خِدْمَةِ أَمْرِكَ ومُنْتَظِرِينَ بَدائِعَ جُودِكَ وفَضْلِكَ، نَسْأَلُكَ بالَّذينَ سَرُعُوا إِلى مَقرِّ الفِداءِ شَوْقاً لِلِقَائِكَ وجَمالِكَ وأَنْفَقُوا أَرْواحَهُم لاسْمِكَ وحُبِّكَ أَنْ تُقَدِّرَ لَنا ما يُقَرِّبُنا إِلَيْكَ وَيُؤَيِّدُنا عَلَى أَعْمَالٍ أَمَرْتَنا بِهَا فِي كِتَابِكَ. أَيْ رَبِّ نَحْنُ عِبَادُكَ وَفِي قَبْضَتِكَ، وأَقْبَلْنا إِلَى أُفُقِ فَضْلِكَ وبَحْرِ عَطَائِكَ، نَسْأَلُكَ أَنْ لا تُخَيِّبَنا عَمَّا أَنْزَلْتَهُ في كِتابِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ الَّذي لا تُعْجِزُكَ فَرَاعِنَةُ الأَرْضِ وَذِئابُها. قَدْ غَلَبَتْ سَلْطَنتُكَ وظَهَرَ أَمْرُكَ وَنُزِّلَتْ آياتُكَ. إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ العَليمُ الحَكِيمُ.
* * *
يَا مَنْ وَجْهُكُ كَعْبَتِي، وَجَمالُكَ حَرَمي، وَشَطْرُكَ مَطْلَبي، وَذِكْرُكَ رَجائِي، وَحُبُّكَ مُؤنِسِي، وَعِشْقُكَ مُوجِدِي، وَذِكرُكَ أَنِيسِي، وَقُرْبُكَ أَمَلِي وَوَصْلُكَ غَايَةُ رَجَائِي وَمُنْتَهى مَطْلَبِي، أَسْأَلُكَ بِأَنْ لا تُخَيَّبَنِي عَمَّا قَدَّرْتَهُ لِخِيرَةِ عِبادِكَ ثُمَّ ارْزُقْنِي خَيْرَ الدُّنْيا والآَخِرَةِ، وإِنَّكَ أَنْتَ سُلْطانُ البَريَّةِ. لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الغَفُورُ الكَرِيمُ.
قُلْ إِلهِي إِلهِي
أَشْهَدُ بِوَحْدَانِيَّتِكَ وَفَرْدَانِيَّتِكَ وَبِعِزِّكَ وَعَظَمَتِكَ وَسُلْطَانِكَ، أَنا عَبْدُكَ وابْنُ عَبْدِكَ، قَدْ أَقْبَلْتُ إِلَيْكَ مُنْقَطِعاً عَنْ دُونِكَ وَرَاجِياً بَدَائِعَ فَضْلِكَ، أَسْأَلُكَ بِأَمْطارِ سَحَابِ سَمَاءِ كَرَمِكَ، وَبِأَسْرارِ كِتَابِكَ، أَنْ تُؤَيِّدَنِي عَلَى ما تُحِبُّ وَتَرضَى. أَيْ رَبِّ هذا عَبْدٌ أَعْرَضَ عَنِ الأَوْهامِ مُقْبِلاً إِلى أُفُقِ الإِيقانِ، وَقَامَ
لَدَى بابِ فَضْلِكَ وَفَوَّضَ الأُمُورَ إِليْكَ وَتَوَكَّلَ عَلَيْكَ. فَافْعَلْ بِهِ ما يَنْبَغِي لِسَماءِ جُودِكَ وبَحْرِ كَرَمِكَ. إِنّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ العَلِيمُ الحَكِيمُ. أَشْهَدُ يا إِلهِي بِأَنَّكَ أَعْلَمُ بِي مِنِّي. قّدِّرْ لِي ما يُقَرِّبُنِي إِلَيكَ ويَنْفَعُنِي في الآخِرَةِ والأُولى، إِنَّكَ أَنْتَ مَوْلَى الوَرَى وَفِي قَبْضَتِكَ زِمامُ الفَضْلِ وَالعَطَاءِ، لا إلهَ إِلاَّ أَنْتَ الفَضَّالُ الكَرِيمُ. البَهاءُ على أَهْلِ البَهَاءِ الَّذينَ ما مَنَعَتْهُم ضَوْضاءُ الأُمَمِ عَنْ مالِكِ القِدَمِ قامُوا وَقَالُوا اللهُ رَبُّنا ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ.
بِسْمِ اللهِ الأَقدَسِ الأِبْهَى
سُبْحانَكَ يا إِلهِي تَرَى احْتِراقَ أَحِبَّائِكَ فِي فِراقِكَ وَاضْطِرابَهُم فِي بَيْدَاءِ البُعْدِ شَوْقاً لِوِصالِكَ وَطَلَباً لِقُرْبِكَ. أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذي بِهِ تُقَرِّبُ كُلِّ شيءٍ
إِلى مَقَرِّ أَمْرِكَ ومَصْدَرِ وَحْيِكَ ومَطْلِعِ آياتِكَ بِأَنْ تَكتُبَ لَهُم ما تَفرَحُ بِهِ قُلُوبُهُم وتَطْمَئِنُّ بِهِ نُفُوسُهُم بِفَضْلِكَ وأَلْطافِكَ. أَيْ رَبِّ تَسْمَعُ حَنينَ قُلُوبِهِم وزَفَرَاتِ أَنفُسِهِم خُذْ أَيادِيهِم بأَيادِي أَلْطافِكَ ثُمَّ أَدْخِلْهُمْ فِي سُرادِقِ اللِّقَاءِ عِنْدَ تَشَعْشُعِ أَنْوارِ وَجْهِكَ، أَيْ رَبِّ أَنْتَ الكَرِيمُ قَدْ أَحَاطَ كَرَمُكَ الأَشْياءَ وأَنْتَ الَّذي سَبَقَتْ رَحْمَتُكَ مَنْ فِي الأَرْضِ وَالسَّماءِ فَانْظُرْ إِلَيهِم بِلَحَظاتِ مَكْرُمَتِكَ ثُمَّ اجْعَلْهُم مِنْ الطَّائِفِينَ حَوْلَ حَرَمِ فَرْدانِيَّتِكَ وَالقَائِمِينَ لَدى ظُهُوُرِ أَنْوارِ وَجْهِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ بِسُلْطانِكَ وَالمُهَيمِنُ بِاقْتِدَارِكَ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ العَزِيزُ المُقْتَدِرُ المُهَيمِنُ القَيُّومُ.
* * *
هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ
سُبْحانِكَ يا مَنْ بِكَ أَشْرَقَ نَيِّرُ المَعانِي مِنْ أُفُقِ سَماءِ البَيانِ وَتَزَيَّنَتْ عَوالِمُ العِلْمِ وَالحِكْمَةِ بِأنْوارِ الحُجَّةِ والبُرْهانِ أَسْأَلُكَ بِبِحارِ رَحْمَتِكَ وَسَماءِ عِنَايَتِكَ وَبِأَمْرِ الَّذي بِهِ هَدَيْتَ المُخْلِصِينَ إِلَى بَحْرِ عِرْفَانِكَ وَالمُوَحِّدِينَ إِلَى شَمْسِ عَطَائِكَ بِأَنْ تُؤيِّدَ عِبَادَكَ عَلَى ذِكْرِكَ وَثَنَائِكَ. ثُمَّ قَدِّرْ لَهُم ما قَدَّرْتَهُ للَّذينَ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّتِكَ وَفَرَدَانِيَّتِكَ وَما بَدَّلُوا نِعْمَتَكَ وَما أَنْكَرُوا حَقَّكَ وَما جَادَلُوا بِآياتِكَ وَما نَقَضُوا عَهْدَكَ وَمِيثاقَكَ وأَنْفَقُوا أَرْواحَهُم لإِعْلاءِ كَلِمَتِكَ العُلْيا وَإِظْهارِ أَمْرِكَ يا مَولَى الوَرَى فِي ناسُوتِ الإِنْشَاءِ. أَيْ رَبِّ أَنْزِلْ عَلَيْهِم مِنْ سَمَاءِ فَضْلِكَ أَمْطَارَ رَحْمَتِكَ وقَدِّرْ لَهُم ما تَقَرُّ بِهِ العُيُونُ وتَفْرَحُ بِهِ القُلُوبُ وتَطْمَئِنُ بِهِ النُّفُوسُ إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ على ما تَشَاءُ وَفِي
قَبْضَتِكَ مَنْ في مَلَكُوتِ الأَمْرِ والخَلْقِ تَفْعَلُ ما تَشَاءُ وتَحْكُمُ ما تُرِيدُ، إنَّكَ أَنْتَ اللهُ الفَرْدُ الوَاحِدُ العَزِيزُ الحَمِيدُ، أَيْ رَبِّ تَرَاني مُقبِلاً إِلَيكَ وآمِلاً بَدَائِعَ فَضْلِكَ وكَرَمِكَ. أَسْأَلُكَ يا إِلهي بِالمَشْعَرِ وَالمَقَامِ وَالزَّمْزَمِ وَالصَّفَاءِ وَبِالمَسْجِدِ الأَقْصَى وَبِبِيتِكَ الَّذي جَعَلْتَهُ مَطَافَ المَلإِ الأَعْلَى وَمَقبِلَ الوَرَى وَبِالَّذي بِهِ أَظْهَرْتَ أَمْرَكَ وسُلْطَانَكَ وَأَنْزَلْتَ آياتِكَ وَرَفَعْتَ أَعْلامَ نُصْرَتِكَ فِي بِلادِكَ وزَيَّنْتَهُ بِطِرازِ الخَتْمِ وَانْقَطَعَتْ بِهِ نَفَحَاتُ الوَحْي بِأَنْ لا تُخيِّبَنِي عَمَّا قَدَّرْتَهُ لِلْمُقَرَّبِينَ مِنْ عِبَادِكَ وَالمُخْلِصِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ إِنَّكَ أَنْتَ الَّذي شَهِدَتْ بِقُدْرَتِكَ الكَائِنَاتِ وَبِعَظَمَتِكَ المُمْكِنَاتِ لا يَمْنَعُكَ مانِعٌ وَلا يَحْجُبُكَ شَيْءٌ إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ القَدِيرُ. لَكَ الحَمْدُ يا إِلهِي وَلَكَ الشُّكْرُ يا مَقْصُودِي أَشْهَدُ أَنِّي كُنْتُ غَافِلاً هَدَيْتَنِي إِلَى
صِرَاطِكَ وكُنْتُ جاهِلاً عَلَّمْتَنِي طُرُقَ مَرْضَاتِكَ وَكُنْتُ راقِداً أَيْقَظْتَنِي لِذِكْرِكَ وثَنَائِكَ. يا إِلهِي وَبُغْيَتِي وَرَجَائِي وَعِزَّتِكَ عَبْدُك هذا اعْتَرَفَ بِعَجْزِهِ وفَقْرِهِ وَجَرِيراتِهِ وَخَطِيئَاتِهِ وَغَفْلَتِهِ وَجَهْلِهِ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ المُهَيْمِنِ عَلَى الأَسْماءِ وَبِأَمْواجِ بَحْرِ رَحْمَتِكَ يَا فَاطِرَ السَّماءِ وَبِكِتَابِكَ الأَعْظَمِ الَّذِي هَدَيْتَ بِهِ الأُمَمَ وَأَخْبَرْتَ فِيهِ عِبَادَكَ بِالقِيامَةِ وظُهُوراتِها، وَبِالسَّاعَةِ وَأَشْراطِها، وَجَعَلتَهُ مُبَشِّراً لأَوْلِيائِكَ وَمُنْذِراً لأَعْدَائِكَ بِأَنْ تَجْعَلَنِي فِي كُلِّ الأَحْوالِ صَابِراً فِي بَلائِكَ وَناظِراً إِلى أُفُقِ فَضْلِكَ وَمُتَمَسِّكاً بِحَبْلِ طَاعَتِكَ وَعامِلاً بِمَا أَمَرْتَنِي بِهِ فِي كِتَابِكَ إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الكَرِيمُ. وإِنَّكَ أَنْتَ اللهُ رَبُّ العَلَمِينَ.
أَيْ رَبِّ صَلِّ عَلى سَيِّدِ يَثْرِبَ وَالبَطْحَاءِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحابِهِ الَّذينَ مَا مَنَعَهُم شَيْءٌ مِنَ الأَشْياءِ عَنْ
نُصْرَةِ أَمْرِكَ يا مَنْ فِي قَبْضَتِكَ زِمَامُ الإِنْشَاءِ لا إِلهَ إلاَّ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ.
الأَقْدَسُ الأَعْلَى
كِتَابٌ مِنْ لَدنّا إِلى الَّتِي إِذْ سَمِعَتِ النِّدَاءَ عَنْ جِهَةِ العَرْشِ أَقبَلَتْ وَقَالَتْ ثُمَّ نَادَتْ بَلَى يا مَحْبُوبَ العَارِفِينَ. يا أَمَتِي لَوْ تَسْمَعِينَ النِّدَاءَ الَّذِي ارْتَفَعَ فِي هذِهِ الأَيَّامِ مِنْ حَوْلِ عَرْشِي لَيَجْعَلَكِ طَائِرَةً فِي هَوَاءِ قُرْبِي، ويُدْخِلَكِ فِي مَلَكُوتِي ويُنْطِقُكِ بِثَنَاءِ نَفْسِي بَيْنِ إِمَائِي. كَذلِكَ نَزَّلْنَا لَكِ ما يَفرَحُ بِهِ قَلْبُكِ إِنَّ رَبَّكِ لَهُوَ الفَضَّالُ القَدِيمُ. اطْمَئِنِّي بِفَضْلِ مَولاكِ ثُمَّ اذْكِرِيهِ في اللَّيالِي وَالأَيَّامِ إِنَّهُ هُو خَيْرُ الذَّاكِرِينَ. يا إِلهي ومَحْبُوبِي أَسْمَعُ نِدَاءَكَ مِنْ شَطْرِ السِّجْنِ, المَقَرِّ الّذي فِيهِ اسْتَقَرَّ عَرْشُ عَظَمَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ. أَيْ رَبِّ وَفِّقْنِي
عَلَى ذِكْرِكَ في أَيَّامِكَ وَثَنَائِكَ بَيْنِ إِمَائِكَ أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ نُصِبَتْ رَاياتُ أَمْرِكَ بَيْنَ عِبَادِكَ ورُفِعَتْ أَعْلامُ سَلْطَنَتِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ بِأَنْ لا تَطْرُدَنِي عَنْ بَابِ فَضْلِكَ ولا تَمْنَعَنِي عَمَّا قَدَّرْتَهُ لإِمَائِكَ اللائِي أَقْبَلْنَ إِلى شَطْرِ فَضْلِكَ ومَطْلِعِ وَحْيكَ إِنَّكَ أَنْتَ المُعْطِي البَاذِلُ العَزِيزُ الحَكِيمُ.
الأَعْظَمُ الأَبْهَى
هذَا كِتَابٌ مِنْ لَدُنَّا إِلَى الَّتِي آمَنَتْ بِاللهِ المُهَيْمِنِ القَيُّومِ وَأَرَادَتْ مَوْلاهَا إِذْ أَتَى بِسُلْطَانٍ مَشْهُودٍ. لَوْ تَنْظُرِينَ إِلَى المَنْظَرِ الأَكْبَرِ لَتَرَيْنَ مالِكَ القَدَرِ بَينَ أَيادِي الَّذينَ هُمْ كَفَرُوا بِاللهِ العَزِيزِ المَحْبُوبِ. إِنَّهُ مَعَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ يَنْطِقُ لِسَانُهُ بِذِكْرِ اللهِ وَيَمْشِي رِجْلُهُ إِلَى المَقْصُودِ وَيَتَحَرَّكُ قَلْبُهُ عَلى ذِكْرِ المَحْبُوبِ
وَبِإِصْبَعِهِ يَتَحَرَّكُ خَيْطُ الوُجُودِ. اذْكُرِي رَبَّكِ يا أَمَتِي بِهذا الذِّكْرِ المَذْكُورِ. يا إِلهي ومَحْبُوبِي أَنا أَمَةٌ مِنْ إِمَائِكَ أَقبَلْتُ إِلَيكَ وآمَنْتُ بِكَ بَعْدَما أَعْرَضَ عَنْكَ العِبَادُ. أَيْ رَبِّ اكْتُبْنِي مِنْ أَهْلِ سُرَادِقِ عِزَّتِكَ وَخِيامِ عَظَمَتِكَ ثُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ اللاَّئِي كُنَّ طائِفاتٍ حَوْلَ عَرْشِ عَظَمَتِكَ وَأَقبَلْنَ بِقُلُوبِهِنَّ إِلَى شَطْرِ رِضَائِكَ إِنَّكَ أَنْتَ الغَنِيُّ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ ارْحَمْ عِبَادَكَ وَإِمَاءَكَ ثُمَّ احْفَظْهُم فِي كَنَفِ حِفْظِكَ وَحِمَايَتِكَ إِنَّكَ أَنْتَ المُقتَدِرُ المُتَعالِي العَلِيُّ العَظِيمُ.
الأَقْدَمُ الأَعْظَمُ
سُبْحَانَكَ يا إِلهِي تَعْلَمُ بَلائِي وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ مِنْ الَّذِينَ طَافُوا حَوْلِي مِنْ العِبَادِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِكَ الكُبْرَى وأَعْرَضُوا عَنْ طَلْعَتِكَ النَّوْرَاءِ، وعِزَّتِكَ قَدْ
بَلَغَتِ البَلايا إِلى مَقَامٍ لا تُحْصَى ولا تَجْرِي مِنْ قَلَمِ الإِنْشاءِ، أَسْأَلُكَ يا مالِكَ الأَسْماءِ وفَاطِرَ الأَرْضِ والسَّماءِ، بِأَنْ تُؤَيَّدَنِي عَلى شَأْنٍ لا يَمنَعُنِي شَيْءٌ عَنْ ذِكْرِكَ وَثَنَائِكَ وَلا يَشْغَلُنِي أَمْرٌ عَمَّا أَمَرْتَنِي بِهِ فِي أَلْواحِكَ بِحَيْثُ أَقُومُ عَلَى أَمْرِكَ عَلَى شَأْنٍ أُعَرِّي رَأْسِي وأَطْلُعُ مِنَ البَيْتِ صَائِحاً باسْمِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ وَنَاطِقاً بِذِكْرِكَ بَيْنَ عِبَادِكَ. وَما قَضَيْتُ ما قَضَيْتَ، وَما أدَّيتُ ما كَتَبْتَ يَجْتَمِعُ عَليَّ أَشْرارُ بَرِيَّتِكَ وَيَفْعَلُونَ ما يَشاؤُونَ فِي سَبِيلِكَ. أَيْ رَبِّ أَنا المُشْتاقُ فِي حُبِّكَ بِمَا لا يَشْتاقُهُ أَحَدٌ، هذا جَسَدِي بَيْنَ يَدَيْكَ وَرُوحِي تِلْقَاءَ وَجْهِكَ، فَافْعَلْ بِهِمَا ما شِئْتَ لإِعْلاءِ كَلِمَتِكَ وَإِبْرازِ مَا كُنِزَ فِي خَزائِنِ عِلْمِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ المُقتَدِرُ عَلى ما تَشاءُ وإِنَّكَ أَنْتَ المُهَيمِنُ عَلى ما تُرِيدُ.
بِسْمِهِ المُبدِعِ العَليمِ الحَكِيمِ
كِتَابٌ أَنْزَلَهُ الرَّحْمنُ مِنْ مَلَكُوتِ البَيانِ وَإِنَّهُ لَرُوحُ الحَيَوانِ لأَهْلِ الإِمْكانِ تَعَالَى اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ. يَذْكُرُ فِيهِ مَنْ يَذكُرُ اللهَ رَبَّهُ إِنَّهُ لَهُوَ النَّبِيلُ فِي لَوْحٍ عَظِيمٍ يا مُحمَّدُ اسْمَعِ النِّدَاءَ مِنْ شَطْرِ الكِبْرياءِ مِنَ السِّدْرَةِ المُرْتَفِعَةِ علَى أَرْضِ الزَّعْفَرانِ إِنَّهُ لا إِلهَ إلاَّ أَنا العَلِيمُ الحَكِيمُ. كُنْ هُبُوبَ الرَّحْمنِ لأَشْجَارِ الإِمْكَانِ وَمُرَبِّيها بِاسْمِ رَبِّكَ العَادِلِ الخَبِيرِ. إِنَّا أَرَدْنا أَنْ نَذْكُرَ لَكَ ما يَتَذَكَّرُ بِهِ النَّاسُ لِيَدَعُنَّ ما عِنْدَهُمْ وَيَتَوَجَّهُنَّ إِلى اللهِ مَوْلَى المُخْلِصِينَ. إِنَّا نَنْصَحُ العِبَادَ فِي هذِهِ الأَيَّامِ الَّتي فِيها تَغَبَّرَ وَجْهُ العَدْلِ وَأَنَارَتْ وَجْنَةُ الجَهْلِ وَهُتِكَ سِتْرُ العَقْلِ وغَاضَتِ الرَّاحَةُ وَالوَفاءُ وَفاضَتِ المِحْنَةُ وَالبَلاءُ وَفِيها نُقِضَتِ العُهُودُ وَنُكِثَتِ العُقُودُ لا يدْري نَفْسٌ ما يُبْصِرُهُ ويُعْمِيهِ وَما يُضِلُّهُ
وَيَهْدِيهُ. قُلْ يا قَومِ دَعُوا الرَّذائِلَ وَخُذُوا الفَضَائِلَ. كُونُوا قُدْوَةً حَسَنَةً بَيْنَ النَّاسِ وَصَحِيفَةً يَتَذَكَّرُ بِهَا الأُنَاسُ. مَنْ قَامَ لِخِدْمَةِ الأَمْرِ لَهُ أَنْ يَصْدَعَ بِالْحِكْمَةِ وَيَسْعَى فِي إِزالَةِ الجَهْلِ عَنْ بَيْنِ البَرِيَّةِ. قُلْ أَنِ اتَّحِدُوا فِي كَلِمَتِكُمْ وَاتَّفِقُوا فِي رَأْيِكُمْ وَاجْعَلُوا إِشْراقَكَمْ أَفْضَلَ مِنْ عَشِيِّكُمْ وغَدَكُم أَحْسَنَ مِنْ أَمْسِكُم. فَضْلُ الإِنْسَانِ في الخِدْمَةِ وَالكَمَالِ لا فِي الزِّينَةِ وَالثَّرْوَةِ وَالمَالِ. اجْعَلُوا أَقْوالَكُمْ مُقدَّسَةً عَنْ الزَّيْغِ وَالهَوى وَأَعْمالَكُمْ مُنَزَّهَةً عَنْ الرَّيْبِ وَالرِّياءِ. قُلْ لا تَصْرِفُوا نُقُودَ أَعْمارِكُمُ النَّفِيسَةِ فِي المُشْتَهَياتِ النَّفْسِيَّةِ، وَلا تَقْتَصِرُوا الأُمُورَ عَلَى مَنَافِعِكُمُ الشَّخْصِيَّةِ . أَنْفِقُوا إِذا وَجَدْتُمْ وَاصْبِرُوا إِذا فَقَدْتُمْ إِنَّ بَعْدَ كُلِّ شِدَّةٍ رَخاءً وَمَعَ كُلِّ كَدَرٍ صَفاءً. اجْتَنِبُوا التَّكَاهُلَ وَالتَّكَاسُل وَتَمَسَّكُوا بِما يَنْتَفِعُ بِهِ العَالَمُ مِنْ
الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ وَالشُّيُوخِ وَالأَرامِلِ. قُلْ إِيَّاكُمْ أَنْ تَزْرَعُوا زُؤَانَ الخُصُومَةِ بَيْنَ البَرِيَّةِ وَشَوْكَ الشُّكُوكِ فِي القُلُوبِ الصَّافِيَةِ المُنِيرَةِ. قُلْ يَا أَحِبَّاءَ اللهِ لا تَعْمَلُوا مَا يَتَكدَّرُ بِهِ صَافِي سَلْسَبِيلِ المَحَبَّةِ وَيَنقَطِعُ بِهِ عَرْفُ المَوَدَّةِ. لَعَمْرِي قَدْ خُلِقْتُمْ لِلْوِدَادِ لا لِلضَّغِينَةِ وَالعِنَادِ. لَيْسَ الفَخْرُ لِحُبِّكُمْ أَنْفُسَكُمْ، بَلْ لِحُبِّ أَبْنَاءِ جِنْسِكُم. وَلَيْسَ الفَضْلُ لِمَنْ يُحِبُّ الوَطَنَ بَلْ لِمَنْ يُحِبُّ العَالَمَ. كُونُوا في الطَّرْفِ عَفِيفاً وَفِي اليَدِ أَمِيناً وَفِي اللِّسَانِ صَادِقاً وَفِي القَلْبِ مُتَذَكِّراً. لا تُسْقِطُوا مَنْزِلَةَ العُلَمَاءِ فِي البَهَاءِ وَلا تُصَغِّرُوا قَدْرَ مَنْ يَعدِلُ بَينَكُمْ مِنَ الأُمَرَاءِ. اجْعَلُوا جُنْدَكُمُ العَدْلَ وسِلاَحَكمُ العَقْلَ وَشِيَمَكُمُ العَفْوَ وَالفَضْلَ وَمَا تَفْرَحُ بِهِ أَفئِدَةُ المُقَرَّبِينَ ...
(مُقْتَطَفَاتٌ مِنْ لَوْحِ الحِكْمَةِ
================================================== ====[/color][/size]
البهائية والاستعمار والصهيونية
البهائية والاستعمار والصُهيونيَّة
بقلم الشيخ: عبد القادر شيبة الحمد
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحابته الطاهرين ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين أما بعد : فإن البهائية مؤامرة إلحادية خططت لها الماسونية السرية، والصهيونية العالمية ، وتولت غرس شجرتها الجاسوسية الروسية لقصد تغيير دين الإسلام وطمس عقائده وهدم أنظمته ، والتمكن من تنفيذ المؤامرات والعمل على إنشاء وطن قومي لليهود في أرض فلسطين.
كيف تم تكوين هذه العصابة؟
حوالي سنة 1231 هـ ظهر بكر بلاء في العراق رجل مجهول الأصل والمولد والمنشأ- ويذكر بعض الباحثين أنه كان قسيسًا نصرانيًا - فادعى أن اسمه كاظم الرشتي - ورشت قرية من قرى إيران بالرغم من أن أهل رشت لا يعرفون عنه شيئًا. وقد استغل من مبادئ الشيعة الاثني عشرية فكرة الغائب بالسرداب المنتظر وفكرة الباب لهذا الغائب فعمل على إيجاد شخص يضفي عليه هذا اللقب ويضعه على عينه ليصل بواسطة هذا الباب إلى كل ما يريد.
واتخذ لنفسه مجلسًا، واستطاع أن يستميل إليه بعض ذوي النفوس المنحرفة والقلوب المريضة وجعلهم تلاميذ له.
وكان من أخبث هؤلاء رجل يقال له : حسين البشروئي - من بشرويه إحدى قرى خراسان أضفى عليه المدعو كاظم الرشتي لقب كبير التلاميذ واختاره ليكون المنفذ الحقيقي لهذه المؤامرة البشعة ولقبه باب الباب.
ومن أخطر هؤلاء التلاميذ امرأة أصلها من الشيعة الاثني عشرية كانت تسمى فاطمة بنت صالح القزويني كانت بارعة الجمال فلقبها أبوها بلقب زرين تاج لأنها كانت ذات شعر ذهبي . زوجها أبوها وهي صغيرة من ابن عم لها فنفرت منه وانفصلت عنه واتصلت بكاظم الرشتي بالمراسلة، ونشط هو في مكاتبتها إذ وجد فيها ضالة منشودة له. ولقبها في رسائله لها بأنها : قرة العين: ودعاها إلى ترك قزوين والحضور إلى كربلاء غير أنه هلك عام 1259هـ قبل وصولها إليه، وما أن وصلت إلى كربلاء حتى تلقفها حسين البشروئي وبقية تلاميذ الرشتي وقد صارت أجرأ هؤلاء التلاميذ على إعلان الخروج على الإسلام والدعوة إلى الشيوعية في النساء، ولما أخذت تطبق هذا الأمر علنًا مع بعض تلاميذ الرشتي أطلقوا عليها لقب الطاهرة وكان من بين تلاميذ الرشتي شاب يقال له علي محمد الشيرازي، المولود بشيراز عام 1235هـ الموافق لعام 1819م وقد توفي والده وهو صغير فكفله خاله علي الشيرازي وعهد به إلى أحد تلاميذ الرشتي وهو لا يعرف أهدافه ثم رحل به خاله إلى ثغر (بوشهر) على ساحل الخليج في مقابلة الكويت وافتتح له متجرًا هناك وقد لاحظ خاله أنه بدأ ينحرف عن مذهب الاثني عشرية وقد أصابته لوثة عقلية كانت تعتريه في بعض الأحيان فرأى خاله أن يبعثه إلى كربلاء وسنه إذ ذاك عشرون عامًا فبصر به بعض تلامذة الرشتي وحملوه إلى أستاذهم الذي أخذ يوصي إليه بقرب ظهور المهدي ويدس له من يملأ نفسه بأنه الباب.
ولما مات الرشتي توجه إلى شيراز فأقام حسين البشروئي (قرة العين) مقام الرشتي في التدريس لتلاميذ الرشتي بكربلاء وكانت قد اصطفت لنفسها من بينهم رجلاً قوياً يقال له محمد علي البارفروشي ولقبوه القدوس.
وقد توجه البشروئي إلى شيراز ولحق بعلي محمد الشيرازي وأخذ يستغل سذاجة هذا الشاب وغروره فواصل الاجتماع به وأوهمه أنه يوشك أن يكون له شأن وأنه علم من شيخه الرشتي الإشارة إلى أن علي محمد الشيرازي يمكن أن يكون هو الباب وأن البشروئي هو باب الباب ولم يزل به حتى أعلن هذا الشاب المغرور في شيراز يوم 5 من جمادى الأول عام 1260 هـ أنه باب المهدي. وسارع حسين البشروئي ليبشر بقية التلاميذ بظهور الباب وأعلن أنه هو باب الباب.
وقد ظهر أن وراء هذه العصابة الجاسوس الروسي " كنياز دالكوركي" الذي كانت وظيفته الظاهرة مترجماً بالسفارة الروسية في طهران وقد ادعى هذا الجاسوس أنه اعتنق الإسلام وأخذ يلازم مجلس كاظم "الرشتي " ويغرس هذه الشجرة الملعونة في أرض الأمة الإسلامية وقد لعب دورًا خطيرًا في ضم مجموعة من الرجال إلى هذه العصابة إذ جلب لها رجلاً يقال له : حسين علي المازندراني والمولود بطهران عام 1233هـ وقد أوصى إليه هذا الجاسوس بعد ذلك بدعوى الألوهية والتلقب بالبهاء واستعمله مخلب القط لكل ما يريد.كما ضم إلى هذه العصابة يحيى المازندراني الأخ غير الشقيق لحسين علي ولقبه بعد ذلك بصبح الأزل.
ويقول هذا الجاسوس الروسي في مذكراته التي نشرت في مجلة الشرق "السوفيتية" سنة 1924-1925م: "والخلاصة أني خرجت حسب الأمر في أواخر سبتمبر مع راتب مكفى من روسيا إلى العتبات العاليات وفي لباس الروحانية باسم "الشيخ عيسى اللنكراني" ووردت كربلاء المقدسة.
ويقول: وكان بقرب منزلي طالب علم يسمى السيد علي محمد وكان من أهل شيراز فأنا أيضًا صادقته بحرارة ، والسيد علي محمد لم يترك صداقتي وكان يضيفني أكثر من قبل وكنا نشرب الحشيش وكان ابن الوقت متلون الاعتقاد. ثم يستمر هذا الجاسوس في مذكراته فيقول: سأل طالب تبريزي يوماً السيد كاظم الرشتي في مجلس تدريسه فقال : أيها السيد: أين صاحب الأمر الآن؟ وأي مكان مُشَرّف به الآن؟ فقال السند: أنا ما أدري ولعل هنا- مكان التدريس يكون الآن مشرفاً بحضوره. ولكني لا أعرفه.
ثم يشرح الجاسوس كيف حاول باستمرار الإيحاء إلى علي محمد رضا هذا أنه هو المنتظر إلى أن أقنعه بذلك بواسطة حسين البشروئي فأعلن أنه الباب.
ويصف الجاسوس نصائحه إلى هذا الباب فيقول له: ولا تكن متلوناً فإن الناس يقبلون منك كل ما تقول من رطب ويابس ويتحملون عنك كل شيء حتى ولو قلت بإباحة الأخت وتحليلها للأخ فكان السيد يصغي ويستمع كاملاً وبلا نهاية ، صار طالباً ومشوقاً أن يدعي ادعاءاً ثم يسوق الجاسوس خبر رجوعه إلى إيران من العراق ثم يقول: فطفق كل من الميرزا حسين علي- البهاء- وأخيه الميرزا يحيى - صبح الأزل - والميرزا رضا علي - الباب - ونفر من رفقتهم يأتونني مجدداً ولكن مجيئهم كان من باب غير معتاد للسفارة الذي كان قرب سكة مغسل الأموات.
ويصف هذا الجاسوس كيف اصطدم مع السفير الروسي "كراف سيمنويج" فاستدعته الحكومة الروسية إلى روسيا وفي ذلك يقول: لقد قطع هذا الوزير المفوض جميع رواتب أصدقائي ورفقائي حتى رواتب الميرزا حسين علي وأخيه الميرزا يحيى والميرزا علي رضا وغير هؤلاء الذين كانوا يأخذون الرواتب سراً فبقطعه رواتب هؤلاء قد هدم مؤسساتي جمعاء وقلب كل ما أنا فعلته ونقض كل ما أنا غزلته. ثم يصف اتصال هؤلاء به في روسيا فيقول: في كل شهر كانت تأتيني من الأصدقاء الطهرانيين رسائل ومكتوبات وكلهم كانوا يدعونني إلى إيران وحتى بعض عُبّاد البطن منهم مثل الميرزا علي رضا والميرزا حسين علي وبعد اقتناع الحكومة الروسية بضرورة إرجاعه إلى إيران يقول: وكان الميرزا حسين علي أول من ورد هذه الغرفة وأخبرني بمطالب مهمة جداً ثم يقول: انقضى رمضان وأنا كنت أربي نفراً من أصحاب سري تربية الجاسوسية ولم تكن لأي منهم لياقة الميرزا حسين علي وأخيه يحيى.
إعلانات علي محمد رضا الشيرازي المتناقضة
أعلن علي محمد الشيرازي بتسويل حسين البشروئي وتدبير الجاسوس الروسي أنه الباب إلى الغائب الذي بالسرداب ثم توجه من شيراز إلى بوشهر مختفياً وأخذ البشروئي يذيع أنه رأى الباب بعينه وأخذ يدعو الناس إلى متابعته وأطلق على من تبعه اسم (البابية) ثم لم يلبث البشروئي أن حوله من باب المهدي إلى المهدي نفسه وأطلق عليه "قائم الزمان" وانضم إليه في ذلك رجل يقال له محمد علي البارفروشي وآخرون بلغ عددهم سبعة عشر رجلا ًوامرأة وهي الملقبة لديهم بقرة العين وتوجهوا إلى بوشهر واجتمعوا بزعيمهم الجديد ( الباب ) وصاروا معه تسعة عشر شخصاً فلذلك قرر أن يجعل عدة الشهور تسعة عشر شهراً والشهر تسعة عشر يوماً واعتبر اليوم الذي أعلن فيه دعوته يوم 5 من جمادى الأولى سنة 1260 هـ هو بدء التاريخ ثم جمع جملاً متناقضة مملوءة بالسفسطات والأكاذيب وجعلها أساس دينه الجديد وسماها البيان. ثم ادعى أنه الممثل الحقيقي لجميع الأنبياء والمرسلين فهو نوح يوم بعث نوح وهو موسى يوم بعث موسى وهو عيسى يوم بعث عيسى وهو محمد يوم بعث محمد عليهم الصلاة والسلام. ثم زعم أنه يجمع بين اليهودية والنصرانية والإسلام وأنه لا فرق بينهما ثم أنكر أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وحرّم قراءة القرآن ثم زعم أن الله تعالى حلّ فيه وادعى أنه أكمل هيكل بشرى ظهرت فيه الحقيقة الإلهية. وأنه هو الذي خلق كل شيء بكلمته. وألغى الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة الجماعة إلا في الجنازة وقرر أن الطهر من الجنابة غير واجب، وأن القبلة هي البيت الذي ولد به في شيراز أو البيوت التي يعيش فيها هو وأتباعه، وجعل الحج هو زيارة هذه البيوت. أما الصوم فيكون من شروق الشمس إلى غروبها لمدة شهر بابي أي تسعة عشر يوماً وينتهي بعيد النيروز المجوسي وأباح لأتباعه خمسة أيام قبل الصيام يرتكبون فيها ما شاءوا من الشهوات وأوجب أن يؤخذ في الزكاة خمس المال وأوجب الزواج على من بلغ الحادية عشرة من الذكور والإناث ولا يحتاج الزواج لأكثر من رضا الذكر والأنثى ويجوز إيقاع الطلاق. تسع عشرة مرة وعدة المطلقة تسعة عشر يوماً، ولا يجوز الزواج بأرملة إلا بعد دفع دية وبعد انقضاء عدتها ومقداره خمسة وتسعون يوماً، وحرم على المرأة الحجاب، وقرر أنه لا وجود للنجاسة، وأوجب دفن الميت في قبر من البلور أو المرمر المصقول، مع وضع خاتم في يمناه منقوش عليه فقرة من كتابه البيان. وأوجب استقبال قرص الشمس ساعة عند شروقها. إلى غير ذلك من الآراء المتناقضة التي لا تلائم فطرة ولا يقرها عقل ولا تجلب للإنسانية غير البلبلة والاضطراب.
وقد ثار علماء شيراز على دعاة البابية فقبض واليها حسين خان عليهم ثم أمر بإحضار الباب من بوشهر فأحضر وحيل إلى مجلس الحاكم فخر على الأرض ترتعد فرائصه فلطمه الحاكم وبصق في وجهه ثم رمي به في السجن. ثم رأى الحاكم أن يختبره بنفسه فأرسل إليه وأحضره من السجن وأظهرله أنه تأسف على ما بدر منه فانطلق الباب المغرور يمنيه بأنه سيجعل منه سلطاناً فيما بعد على الدولة العثمانية حينما تدين الدنيا كلها له ولأتباعه. ثم فوجئ الباب بحشد من العلماء في قصر الحاكم ففزع فأوهمه الحاكم بأنهم جمعهم للتمكين لدعوته وإعلانها فاغتر الباب وحضر مجلس العلماء ثابت الجنان ثم بدأ يخاطب العلماء بقوله إن نبيكم لم يخلف لكم بعده غير القرآن فهاكم كتاب البيان فاتلوه تجدوه أفصح عبارة من القرآن، ولما اطلع العلماء عليه لم يجدوه فيه إلا كفراً بواحاً وأخطاء فاحشة في اللغة فلما نبهوه إلى هذه الأخطاء ألقى اللوم على الوحي الذي جاء بها هكذا. وهنا قال له الحاكم : كيف تدعي الرسالة وترجح نفسك خاتم النبيين وأنت عاجز عن التعبير عن مكنون نفسك ثم أمر الحاكم رجاله فعلقوه من رجليه ثم انهالوا عليه ضرباً فأعلن أنه كفر بدعوته ورضي أن يطاف به في الأسواق على دابة شوهاء ثم أعيد إلى سجن شيراز.
بيد أن الجاسوس الروسي بواسطة جاسوس روسي آخر هو منوجهر خان الأرمني الذي دفعته الحكومة الروسية لإعلان إسلامه فغمره الشاه بالفضل وأولاه ثقته وعينه معتمداً للدولة في أصفهان استطاع منوجهر هذا أن يخلص الباب من السجن ويهربه إلى أصفهان. ولما مات منوجهر عثر بالباب يمرح في قصره فقررت الحكومة نفيه إلى قلعة ماكو بأذربيجان.
مؤتمر بدشت سنة 1264هـ
يقول الجاسوس الروسي في مذكراته فأنا بواسطة الميرزا حسين علي وأخيه يحيى ونفر آخر قمنا بالضجيج والعجيج أن صاحب الأمر قد قبض عليه . فاجتمع الدعاة المرتدون الثمانية عشر وقرروا أن يحضروا معهم كل الذين استمالوهم وأن يعقدوا منهم مؤتمراً في صحراء بدشت بين خراسان ومازندران وعلى رأسهم باب الباب (حسين البشروئي) وقرة العين وحسين علي المازندراني الذي تلقب فيما بعد بالبهاء وجعلوا الدعوة الظاهرة لهذا المؤتمر هي التفكير في الوسائل الممكنة لإخراج الباب من السجن، أما المقصود لهذا المؤتمر فهو إعلان نسخ دين الإسلام. وما أن انعقد المؤتمر حتى اندفعت ( قرة العين) تلهب حماسهم وتقرر حقيقة نحلتهم الجديدة فقالت: اسمعوا أيها الأحباب والأغيار إن أحكام الشريعة المحمدية قد نسخت الآن بظهور الباب وأن أحكام الشريعة الجديدة البابية لم تصل إلينا، وأن اشتغالكم الآن بالصوم والصلاة والزكاة وسائر ما أتى به محمد كله عمل لغو وفعل باطل ولا يعمل بها بعد الآن إلا كل غافل وجاهل إن مولانا الباب سيفتح البلاد ويسخر العباد وستخضع له الأقاليم المسكونة وسيوحد الأديان الموجودة على وجه البسيطة حتى لا يبقى إلا دين واحد وذلك الدين الحق هو دينه الجديد وشرعه الحديث. وبناء على ذلك أقول لكم وقولي هو الحق: لا أمر اليوم ولا تكليف، ولا نهي ولا تعنيف فاخرجوا من الوحدة إلى الكثرة ومزقوا هذا الحجاب الحاجز بينكم وبين نسائكم بأن تشاركوهن بالأعمال وتقاسموهم بالأفعال ، واصلوهن بعد السلوة وأخرجوهن من الخلوة إلى الجلوة فما هن إلا زهرة الحياة الدنيا وأن الزهرة لا بد من قطفها وشمها لأنها خلقت للضم والشم ولا ينبغي أن يعد أو يحد شاموها بالكيف والكم، فالزهرة تجني وتقطف، وللأحباب تهدي وتتحف. وأما ادخار المال عند أحدكم وحرمان غيركم من التمتع به والاستعمال فهو أصل كل وزر وأساس كل وبال ، ساووا فقيركم بغنيكم، و لا تحجبوا حلائلكم عن أحبابكم إذ لا ردع الآن ولا حد ، ولا منع ولا تكليف ولا صد ، فخذوا حظكم من هذه الحياة فلا شيء بعد الممات.
وبعد انفضاض المؤتمر وتسرب أنبائه ثارت ثائرة رجال الدين والدولة في إيران فطلب الشاه من ولي عهده ناصر الدين وهو في تبريز أن يحضر الباب لمحاكمته فأقر الباب أمام العلماء بأنه جاء بدين جديد فوجه إليه العلماء هذا السؤال : ما النقص الذي رأيته في دين الإسلام وما الذي كملت به هذا النقص لو كان؟ فارتج الدعي ولم يجد شيئاً، فاستقر الرأي على وجوب قتله مرتداً بعد أن أطبق العلماء على كفره وردته.
ولما جاء وقت التنفيذ حمل الباب من سجنه ومعه أحد أتباعه لإعدامهما في أحد ميادين تبريز الذي كان مكتظاً بفئات كثيرة من الناس حضروا ليشاهدوا مصرع هذا الضال بيد أن القنصل الروسي استطاع أن يتصل بقائد الفرقة المكلفة بتنفيذ حكم الإعدام وأن يغريه برشوة كبرى ليحاول إنقاذ الباب. وشد هذا الباب إلى عمود طويل ومعه تابعه والناس يلعنونه ويستعجلون بالفتك به ن ووقف القنصل الروسي مشدوهاً بين هؤلاء وأطلق الجنود ثمانمائة رصاصة استقرت كلها في جسد تابعه المغرور غير واحدة من هذه الرصاصات فقد قطعت الحبل الذي ربط به الباب وحينما إنجاب الدخان الكثيف رأى الناس جسد التابع ممزقاً تحت العمود أما الباب فقد فر بعد أن قطعت الرصاص حبله . غير أن بعض الجند الذين كانوا يعرفونه ويجهلون قصد قائدهم قاموا بتمزيق جسده بالرصاص فانهار قنصل الروس وبكى من هول ما أصيب به. وقد تركت جثته في خندق طعاماً للوحوش بعد أن قام قنصل الروس بتصوير الجثة وقد بعث بالصورة إلى حكومته كما جاء في
كتاب الكواكب الدرية في تاريخ ظهور البابية والبهائية المطبوع في القاهرة سنة 1343هـ وهو لأحد البهائيين. وكان إعدام هذا الدعي يوم 28 من شعبان سنة 1266 هـ أو 1267هـ.
ثم قامت الحكومة بالتنكيل بأتباعه وأعدمت الكثير منهم ومن بينهم قرة العين.
من البابية إلى البهائية:
بعد أن قتل الباب حاول الروس اختيار شخص آخر من أتباعه ليكون خليفة له ويقول الجاسوس الروسي كنياز د الكوركي في مذكراته: فوصلني خبر قتله بطهران فقلت لميرزا حسين علي - البهاء - ونفر آخرين أن يثيروا الغوغاء بالضجيج والعجيج وقد تعصب نفر آخرون وأطلقوا الرصاص على الشاه ناصر الدين فلذلك قبضوا على كثيرين من الناس وكذلك قبضوا على حسين علي المازندراني وبعض آخر من الذين كانوا لي أصحاب السر فأنا حاميت عنهم وبألف مشقة أثبت أنهم ليسوا بمجرمين وشهد عمال السفارة وموظفوها حتى أنا بنفسي أن هؤلاء ليسوا بابيين فنجيناهم من الموت وسيرناهم إلى بغداد وقلت لميرزا حسين علي: اجعل أنت أخاك الميرزا يحيى وراء الستر وادعوه ( من يظهره الله ) فلا تدعه أن يكلم أحداً وكن أنت بنفسك متوليه وأعطيتهم مبلغاً كبيراً رجاء أن أعمل بذلك عملاً" ثم يقول :فألحقت به في بغداد زوجته وأولاده وأقرباءه كي لا يكون له هوى من خلفه. ثم يقول : فشكلوا في بغداد تشكيلات وجعلوا له كاتب وحي. وكان قسم من أعمال السفارة الروسية في طهران منحصراً في تهيئة الألواح وتنظيم أعمال البابية ثم يقول: والدولة الروسية كانت تقويهم وبنت لهم مأوى وسكناً ثم يقول: ورقباؤنا كانوا ساعين أن يفشو الألواح المتضادة المتناقضة التي كانت صادرة بيد كتابنا ثم يقول : وكل من كان في طهران يصير بهائياً كنا نعاونه ونساعده ولم يكن لأولئك البتة مأوى وملجأ سوانا.
بيد أن الخلاف بدأ يدب بين البابيين فصار جماعة منهم يتبعون حسين المازندراني وجماعة يتبعون أخاه يحيى وجماعة رفضوا أن ينصاعوا لأحد الرجلين وبدأ النزاع بين هذه الفرق الثلاث وتأكد لشاه إيران أن البابية رغم مقامهم في بغداد بعيدا عن حدوده ما زالوا يمثلون خطراً داهما على دولته فطلب من الحكومة العثمانية إخراجهم من العراق، فأصدرت أمرا بنفي حسين المازندراني وأخيه وأتباعهما إلى الآستانة سنة 1281هـ.
وتجمع هؤلاء في حديقة نجيب باشا والي بغداد استعداداً للرحيل فاستغل حسين المازندراني اجتماع هؤلاء وأعلن أنه الموعود الذي جاء الباب ليبشر به وأنه بهاء الله ، وان الغاية من ظهور الباب أنها كانت لإعداد الناس لقدوم بهاء الله ، وما أن وصل هؤلاء إلى الآستانة حتى طلب السفير الإيراني نقلهم إلى مكان بعيد عن العاصمة فنقلوا إلى أدرنة وفيها احتدم النزاع بين الأخوين فعرف أتباع يحيى بالأزليين إذ صار يحيى يلقب صبح الأزل وعرف أتباع حسين بالبهائيين إذ أطلق على نفسه لقب بهاء الله .
وحاول حسين القضاء على أخيه بدس السم له كما حاول قتله غيلة مما حدا بالحكومة إلى نفي يحيى إلى قبرص ونفي حسين إلى عكا في فلسطين وقد عمدت الحكومة العثمانية إلى إقامة عيون على كل واحد من الأخوين من أتباع الآخر.
وما أم وصل حسين إلى عكا واستمر في سجنها حوالي أربعة أشهر حتى امتدت الأيدي الماسونية والصهيونية لإمداده بالمال الوفير وتهيئته للدعوة لدينه الجديد وأطلق سراحه من السجن وما أن خرج من السجن حتى دبّر مؤامرة لأتباع أخيه فأبادهم ليلاً بالحراب والسواطير مما حمل الحكومة على اعتقال البهائيين في أحد معسكرات عكا. ولم يمض طويل زمن جميل كما وضع أتباعه في منزل آخر وأذن لأتباعه ولغيرهم في زيارته والتحدث إليه.
النحلة الجديدة
بدأ حسين المازندراني بدعوى أنه وصي الباب ثم زعم أنه المسبح قد نزل ثم ادعى لنفسه النبوة ثم زاد في تبجحه وادعى إنه إله السموات والأرض زاعماً أن الحقيقة الإلهية لم تنل كمالها الأعظم إلا بتجسدها فيه . وقد أمدته الصهيونية بلقب بهاء الله الموجود في المزامير إذ قد ردد فيها ( أن السموات تحكي عن بهاء الله ) فزعم أو زعموا له أنه هو هذا البهاء وأنه مظهر الله الأكمل وأنه موعود كل الأزمنة ومجيئه الساعة الكبرى وقيامه القيامة والانتماء إليه هو الجنة ومخالفته هي النار وقد أخذ ينسخ من البابية ما لا يوافق هواه.
وبدأ يجمع كتباً يعارض بها كتاب الله ويؤسس فيها نحلته الفاجرة فألف الإتقان والإشتراقات ومجموعة الألواح والأقدس المطبوع ببغداد لأول مرة عام 1349هـ ويقع في 52 صفحة بالقطع المتوسط والذي هو أهم كتاب عندهم وهو في نظرهم أقدس من جميع الكتب المقدسة وقد حشاه بالآراء المضطربة والأقوال المتناقضة ، ولم يخرج في جملته عن مثل ضلالات شيخه الباب، وإن كان نسخ جملة منها ويقول في الفقرة 275 ص26 : " إنا أخبرنا الكل بأن لا يعادل بكلمة منك ما نزل في البيان إنك أنت المقتدر على ما تشاء".
هلاك حسين المازندراني
وقد استمر حسين المازندراني هذا في نشر افتراءاته وإشاعة أراجيفه بواسطة المؤسسات الماسونية ودعاة الصهيونية العالمية التي اتخذته مطية لقضاء مآربها وتحقيق أهدافها إلى أن أنهكته الحمى فهلك في اليوم الثاني من شهر ذي القعدة سنة 1309هـ الموافق مايو 1892هـ بعد أن عمل على تمهيد الطريق لأكبر أولاده الذي سماه (عبد البهاء) عباس . إذ حاول قبيل هلاكه أن يجمع وصف الألوهية له ولولده هذا إذ كتب له يقول: من الله العزيز الحكيم إلى الله اللطيف الخبير" كما كان يلقبه بالفرع العظيم المتشعب من الأصل القديم. وقد ترك وراءه من زوجتيه أربعة أبناء وثلاث بنات.
تنازع الإخوة على الرئاسة
عندما أعلن عباس (عبد البهاء) أنه وصي أبيه نازعه أخوه محمد علي وانضم إليه بقية إخوانه غير أنه استطاع أن يستأثر بالأمر دونهم.
وقد كان عباس هذا أشد مكراً من أبيه وأعرق في الخبث والدهاء فأخذ يضم إلى ضلالات أبيه ضلالات أخرى وأخذ يتزلف إلى كل أعداء الإسلام في الأرض فقرر بنوة عيسى عليه السلام لله عز وجل وأعلن إيمانه بألوهية المسيح وصلبه مما قد نفاه الله عز وجل وفي ذلك يقول في مفاوضات عبد البهاء ص 102: ولما أشرقت كلمة الله من أوج الجلال بحكمة الحق المتعال في عالم الجسد اعتدى عليها في الجسد إذ وقعت في أيدي اليهود أسيرة لكل ظلوم وجهول وانتهى الأمر بالصلب. ويقول في"مكاتيب عبد البهاء ص13: وفي كور المسيح الأب والابن والواسطة روح القدس.
وادعى أن البهائي يجمع بين جميع الديانات فهو يقول في " خطابات عبد البهاء ص99: اعلم أن الملكوت ليس خاصاً بجمعية مخصوصة فإنك يمكن أن تكون بهائياً مسيحياً وبهائياً ماسونياً وبهائياً يهودياً وبهائياً مسلماً.
وقد أخذ عبد البهاء يدعو إلى التجمع الصهيوني ويحقق الغرض الذي من أجله أسست البهائية: وهو تغيير دين الإسلام والعمل على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وفي ذلك يقول في مفاوضات عبد البهاء ص59 : وفي زمان ذلك الغصن الممتاز وفي تلك الدورة سيجتمع بنو إسرائيل في الأرض المقدسة وتكون أمة اليهود التي تفرقت في الشرق والغرب والجنوب والشمال مجتمعة .ثم يقول: فانظروا الآن تأتي طوائف اليهود إلى الأرض المقدسة ويمتلكون الأراضي والقرى ويسكنون فيها ويزدادون تدريجياً إلى أن تصير فلسطين جميعاً وطناً لهم.
وقد ذكر فريد وجدي في دائرة معارف القرن العشرين (الرابع عشر) الهجري في الجزء الثاني ص377 أن بعض دعاة البهائية فسر الفقرة الثانية من الإصحاح الثالث الثلاثين من سفر التثنية التي تقول : جاء الرب من سينا وأشرق من ساعير وتلألأ من جبل فاران" فقال : فهذه الآية المباركة تدل دلالة واضحة أن بين يدي الساعة وقدام مجيء القيامة لابد من أن يتجلى الله على الخلق أربع مرات ويظهر أربع ظهورات حتى يكمل بني إسرائيل وينتهي أمرهم إلى الرب الجليل فيجتمع شتيتهم من أقصى البلاد ويدفع عنهم كل العباد ويسكنهم في الأرض المقدسة ويرجع موازينهم القديمة.
وقد استمر هذا الأفاك في نشر ضلالاته وضلالات أبيه حتى أهلكه الله في يوم الاثنين السادس من ربيع الأول سنة 1340 هـ عن ثمان وسبعين سنة بعد أن عهد إلى المدعو شوقي ابن بنته ضيائية نكاية في أخيه محمد علي الذي استمر مناوئاً له إلى آخر رمق منه.
وقد حاول هؤلاء المجرمون نسخ الإسلام في كل شيء ولقد حملتهم هذه العداوة لدين الله أن حاربوا هديه حتى في عدة الشهور التي أطبق عليها بنوا البشر. فاخترعوا لأنفسهم تاريخاً جعلوا مبدأه يوم إعلان دعوة الباب وهو 5 من جمادى الأول سنة 1260هـ وجعلوا أشهر السنة تسعة عشر شهراً واخترعوا لهذه الشهور أسماء من وحي خيالهم ولبهم: وهي:
البهاء - الجمال - العظمة - النور - الرحمة - الكلمات - الأسماء - الكمال - العزة - المشيئة - العلم - القدر - القول - المسائل - الشرف - السلطان - الملك - العلا .
وهكذا حملتهم مصادفة بلوغ عدد جماعتهم عند إعلان دعوتهم تسعة عشر مرتداً أن جعلوا الشهور تسعة عشر شهراً والمهر تسعة عشر مثقالاً والزكاة تسعة عشر في المائة والصيام تسعة عشر يوماً إلى غير ذلك مما أسسوا به ديانة المصادفات.
هذه لمحة موجزة تلقي ضوءاً كاشفاً على هذا المذهب الهدام ولا نحب أن نقارن هنا بين تعاليم الإسلام التي ما تركت باباً تلج منه الإنسانية إلى أسباب سعادتها إلا دلت عليه وأمرت به وأوضحت سبيله ورسمت منهجه.ولا تركت باباً يدخل على الإنسانية منه شر إلا حذرت منه ونهت عنه.
لا نحب أن نقارن بين الإسلام دين الفطرة والعقل والعلم والنظام والرحمة والعدل وأحسن مناهج السلوك في سائر صنوف المعاملات .لانحب أن نقارن بين دين الله وبين هذه التلفيقات الهدامة والتضليلات المارقة والخرافات الباطلة لأن المثل يقول :
ألم ترَ أن السيـف ينقـص قدره
إذا قيل هذا السيف أمضى من العصا
ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله للذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء.
من أقوال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله متى الساعة". قال: "وما أعددت للساعة". قال: "حب الله ورسوله". قال: "فإنك مع من أحببت". قال أنس: "فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإنك مع من أحببت". قال أنس: "فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم".
رواه مسلم
حضرة بهاء الله صاحب الرسالة الإلهية (١٨١٧-١٨٩٢)
وإنما الوجه الذي رأيته، لا أنساه ولا يمكنني وصفه، مع تلك العيون البرّاقة النافذة التي تقرأ روح الشخص. وتعلو جبينه الوَضّاح العريض القدرة والجلال... فلم أك إذ ذاك في حاجة للسؤال عن الشخص الذي امتثلت في حضوره، ووجدت نفسي منحنياً أمام من هو محطّ الولاء والمحبة التي يحسده عليهما الملوك، وتتحسر لنوالهما عبثاً الأباطرة!"(١)
بهذه الكلمات وصف المستشرق إِدوارد غِرانفيل براون، الأستاذ بجامعة كمبريدج، حضرة بهاء الله حين تشرف بزيارة حضرته عام ١٨٩٠ في سجن عكا في فلسطين. وكان حضرة بهاء الله حينها رهين السجن طال نفيه عن وطنه لمدة قاربت الأربعين عاماً، وكانت رسالته آنذاك يحيط بها الغموض بسبب القيود المفروضة عليها، والدعوات المغرضة التي يطلقها أعداؤها. أما اليوم فيعترف الملايين من أتباعه المؤمنين في أرجاء العالم كافة بأنه صاحب الرسالة الإلهيّة لهذا العصر والمربّي الرّوحي لأهل هذا الزمان. ويعتقد البهائيون أنَّ الله سبحانه وتعالى يبعث برسله في فترات مختلفة من التاريخ فيؤسّس هؤلاء، كما فعل موسى وإبراهيم وعيسى ومحمد وكرشنا وبوذا عليهم السلام، أَديانَ العالم ونظمه الروحية. إنّه الخالق الودود يبعث برسله الينا كي نتمكن من التعرف عليه والتعبد لديه بحيث نتمكن من بناء حضارة إِنسانية دائمة التقدم فيما تحقّقه من انجازات عظيمة.
إِنَّ مقام رسل الله ومظاهر أمره مقامٌ فريد متميّز في عالم الخلق. فرسل الله ومظاهر قدرته يتمتعون بطبيعة ثنائية إِنسانيّة وإلهيّة في آن معاً دون أنْ يكونوا في مقام الله سبحانه وتعالى، وهو الخالق المنزّه عن الادراك. وفي هذا المجال كتب حضرة بهاء الله في وصف الله سبحانه وتعالى ما يلي:
"إنَّه لم يزل ولا يزال كان متوحّداً في ذاته ومتفرّداً في صفاته وواحداً في أفعاله وإنَّ الشبيهَ وَصْفُ خلقه والشريكَ نعتُ عباده، سبحان نفسه من أَنْ يوصف بوصف خلقه، وإنَّه كان وحده في علوّ الارتفاع وسموّ الامتناع ولن يَطِرْ إلى هواء قدس عرفانه أطيار أفئدة العالمين مجموعاً، وإنَّه قد خلق الممكنات وذَرَأ الموجودات بكلمة أمره."(٢)
إِضافةً إلى ذلك يوجّه حضرة بهاء الله هذا الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى فيقول:
"سبحانك سبحانك من أنْ يقاس أمرك بأمر أو يرجع اليه الأمثال أو يُعرف بالمقال، لم تزل كنت وما كان معك من شيء ولا تزال تكون بمثل ما كنت في علوّ ذاتك وسموّ جلالك، فلما أردتَ عرفان نفسك أَظهرتَ مظهراً من مظاهر أمرك وجعلته آية ظهورك بين بريّتك ومظهر غيبك بين خلقك..."(٣)
وفي شرحه للعلاقة القائمة بين المظهر الإلهي والخالق السماوي استخدم حضرة بهاء الله مَثَل المِرآة، فالمِرآة تعكس نور الشمس، تماماً كما تعكس المظاهر الإلهيّة نور الله، وكما أنّه لا يمكن مقارنة الشمس بالمِرآة، كذلك لا يمكن مقارنة المظهر الإلهي بالحقيقة الإلهيّة:
"إنَّ هذه المرايا القُدُسية... كلّها تحكي عن شمس الوجود تلك، وذلك الجوهر المقصود، فَعِلْمُ هؤلاء مثلاً من علمه هو، وقدرتهم من قدرته، وسلْطنتهم من سلْطنته، وجمالهم من جماله..."(٤)
إنَّ رسالة حضرة بهاء الله لهذا العصر هي في الأَساس رسالة العدل والوحدة والاتّحاد، فقد كتب يقول: "أحبُّ الأشياء عندي الإنصاف،"(٥) وكرّر القول في موضعين آخرين بأن "العالم وطن واحد والبشر سكّانه"(٦) وبأنَّه "لا يمكن تحقيق إصلاح العالم واستتباب أمنه واطمئنانه إلاّ بعد ترسيخ دعائم الاتِّحاد والاتِّفَاقِ."(٧) هذا ما وصفه الرّحمن من دواء ناجع لشفاء علل العالم.
ورغم أنَّ مثل هذه التصريحات والبيانات أَصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ مما يفكّر به عموم الناس، فَلَنا أنْ نتصور كيف باغتت هذه الآراء والأفكار شخصاً مثل إِدوارد غِرانفيل براون حين وجّه اليه حضرة بهاء الله هذه الكلمات في تصريحه الرائع حيث قال:
"الحمد لله إذ وصلتَ... جئتَ لترى مسجوناً ومنفيّاً... نحن لا نريد إلاّ إصلاحَ العالم وسعادة الأمم، وهم مع ذلك يعتبروننا مثيرين للفتنة والعصيان، ومستحقين للحبس والنفي... فأي ضرر في أنْ يتّحد العالم على دين واحد وأنْ يكون الجميع إخواناً، وأن تُستَحكَم روابط المحبّة والاتحاد بين بني البشر، وأنْ تزول الاختلافات الدينية وتُمحى الفروق العِرقية؟ ...ولا بدّ من حصول هذا كلّه، فستنقضي هذه الحروب المدمرة والمشاحنات العقيمة وسيأتي الصلح الأعظم..."(٨)
وُلد حضرة بهاء الله في بلاد فارس في القرن التاسع عشر في أسرة عريقة مرموقة الجانب، وكان من البديهي أنْ يجد نفسه في بُحبوحة من العيش وقسط وافر من الثراء. إلاّ أنّه ومنذ زمن مبكّر لم يُبدِ اهتماماً بالسير على خُطى والده والدخول إلى بلاط الشاه، مُؤثِراً أن يصرف جُلّ وقته وإمكاناته في رعاية الفقراء والحدب عليهم. وفيما بعد سُجن حضرة بهاء الله وتم نفيه نتيجة اعترافه بدين حضرة الباب الذي قام يبشّر بدعوته عام ١٨٤٤ في بلاد فارس، وهو الذي كان مُقدّراً له أنْ يحقّق ما جاء به الإسلام من الوعود والنبوءات.
أشار حضرة الباب في آثاره إلى قرب مجيء الموعود الذي بشّرتْ به الأديان العالمية كلّها، فكان أنْ أعلن حضرة بهاء الله بأنَّه ذلك الموعود المنتظر، فخصّ العصر الذي شهد مجيء رسالته بهذا التمجيد والثناء: "إن هذا اليوم هو سلطان الأيّام جميعها، إنّه يوم ظهر فيه محبوب العالم، ومقصود العالمين منذ أزل الآزال."(٩) وفي مناسبة أخرى يضيف قائلاً: "قل إنيّ أنا المذكور بلسان الإشعيا وزُيّنَ باسمي التوراة والإنجيل."(١٠) أمّا في حقّ نفسه فقد صرح مؤكدا: "إنَّ قلم القدس قد كتب على جبيني الأبيض بنور مبين أنْ يا ملأ الأرض وسكان السماء هذا لهو محبوبكم بالحقّ وهو الذي ما رأت عين الإبداع شبهه والذي بجماله قرّت عين الله الآمر المقتدر العزيز."(١١)
وأَما بخصوص رسالته فقد قال:
"فلمّا انقلبت الأكوان وأهلها والأرض وما عليها كادت أَنْ تنقطع نسمات اسمك السبحان عن الأشطار وتَركُد أرياح رحمتك عن الأقطار. أقمتَني بقدرتك بين عبادك وأمرتني باظهار سلطنتك بين بريّتك. قمتُ بحولك وقوّتك بين خلقك وناديتُ الكلّ إلى نفسك، وبشّرتُ كلَّ العباد بألطافك ومواهبك ودعوتُهم إلى هذا البحر الذي كلُّ قطرة منه تنادي بأعلى النداء بين الأرض والسماء بأنه محيي العالمين ومُبعِثُ العالمين ومعبود العالمين ومحبوب العارفين ومقصود المقرَّبين."(١٢)
وعَرَفَ حضرة بهاء الله أول ما عرف تباشير الظهور الإلهي أثناء الفترة الأولى في السجن، فوصف تجربته تلك بهذه الكلمات:
"وبالرّغم من أنّ النوم كان عزيز المنال من وَطْأة السلاسل والروائح المنتنة حين كنت رهين سجن أرض الطاء [طهران] إلاّ أَنَّني كنت في هَجَعاتي اليسيرة أُحسّ كأنّ شيئاً يتدفق من أعلى رأسي وينحدر على صدري كأنّه النهر العظيم ينحدر من قُلَّة جبل باذخ رفيع إلى الأرض فتلتهب جميع الأعضاء. في ذلك الحين كان اللّسان يرتّل ما لا يقوى على الإصغاء إليه أحد."(١٣)
وخلال السنوات الطويلة التي قضاها في السجن أنزل حضرة بهاء الله من الآيات الإلهيّة ما يقع في أكثر من مائة سِفْرٍ مجلّد. فأفاض علينا قلمه المبارك مجموعة من الألواح والبيانات احتوت الكتابات الصوفية، والتعاليم الاجتماعية والأخلاقية، والأوامر والأحكام، بالإضافة إلى إعلانٍ واضح صريح لا لبس فيه عن رسالته وَجَّهَه إلى الملوك ورؤساء الدول وحكامها في العالم، بمن فيهم نابليون الثالث، والملكة فكتوريا، والبابا بيوس التاسع، والشاه الفارسي، والقيصر الألماني ويلهلم الأول، والامبراطور فرانسس جوزيف النمساوي، وآخرون.
إنَّ مفهوم الطبيعة الإنسانيّة في رسالة حضرة بهاء الله يقوم على التأكيد على كرامة الإنسان وما فُطر عليه من خُلُقٍ نبيل. وفي أحد آثاره المباركة يخاطب حضرة بهاء الله الإنسان بلسان الحقّ فيذكّره بمنشأه ومنتهاه: "يا ابن الروح! خلقتك عالياً، جعلتَ نفسك دانية، فاصعد إلى ما خُلقتَ له."(١٤) ويصرّح في موضع آخر: "انظر إلى الإنسان بمثابة منجمٍ يحوي أحجاراً كريمة، تخرج بالتربية جواهره إلى عَرَصة الشهود وينتفع بها العالم الإنسانيّ."(١٥) ويعود حضرة بهاء الله فيؤكد بأنَّ كلّ إنسان قادرٌ على الإيمان بالله، وكل ما هو مطلوب قَدرٌ من التجرد والانقطاع.
"وإذا ما تَطَهّر مشام الروح من زُكام الكون والإمكان، لوجد السالك حتماً رائحة المحبوب من منازلَ بعيدة، ولَوَرَدَ من أثر تلك الرائحة إلى مصر الإيقان لحضرة المنّان وليشاهد بدائع حكمة الحضرة السبحانية في تلك المدينة الروحانية... وأما تلك المدينة فهي الكتب الإلهيّة في كل عهد... وفي هذه المدائن مخزونُ ومكنونُ الهدايةِ والعنايةِ، والعلمِ والمعرفةِ، والإيمانِ والإيقانِ لكل من في السّموات والأَرضين..."(١٦)
وقد وصف حضرة عبد البهاء، الإبن الأَرشد لحضرة بهاء الله ومركز عهده وميثاقه، رسالة والده بهذه الكلمات:
"تحمّل حضرة بهاء الله جميع البلايا حتى تتحوّلَ النفوس لتصبح نفوساً سماوية، وتتحلّى بالأخلاق الرحمانية، وتسعى لتحقيق الصلح الأَكبر، لتؤيَّدَ بنفثات الروح القُدُس، فتظهر الودائع الإلهيّة المخزونة في الحقيقة الإنسانيّة، وتصبح النفوس البشرية مظاهر الأَلطاف الإلهيّة، ويتحقق ما جاء في التوراة بأنَّ الإنسان قد خلق على مثال الله وصورته. خُلاصة القول بأنَّ تَحَمُّل حضرة بهاء الله لهذه البلايا ما كان إلاّ لكي تستنير القلوب بنور الله، ويُعوَّض عن النقص بالكمال، ويُستعاض عن الجهل بالحكمة والمعرفة، ويكتسب البشر الفضائل الرحمانية، ويرتقي كل ما كان أرضياً ليجد سبيله في الملكوت السماوي، ويغتني كل ما كان فقيراً ليجد عزّته أيضاً في كنوز الملكوت السماوي."(١٧)
صَعِدَ حضرة بهاء الله إلى الملكوت الأَعلى عام ١٨٩٢، وهو لا يزال سجيناً في فلسطين. وبعد مضي مائة عام على صعوده احتفلت الجامعة البهائية العالمية في عام ١٩٩٢ بالسّنة المقدسة تخليداً لتلك الذكرى المئوية المباركة. ففي شهر أيار (مايو) من ذلك العام اجتمعت في الأراضي المقدسة وفي رحاب ضريحه الطاهر وفود حافلة من آلاف البهائيين يمثلون ما يزيد على مئتي بلد ومنطقة، تعبيراً عن ولائهم له وتعظيماً لقدْره، وتبع ذلك في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه مؤتمر حافل في مدينة نيويورك حضره ما يقرُبُ من سبعة وعشرين ألفاً من أَتباعه. فاحتفل هؤلاء في جو من الإجلال والبهجة بذكرى إعلان حضرة بهاء الله لميثاقه المتين الذي صانَ وحدة صف المؤمنين منذ بزوغ فجر الدعوة الكريمة. كما صدر خلال ذلك العام المتميز "بيان" خاص كان الهدف منه تعريف الناس في كل مكان بسيرة حضرة بهاء الله وفحوى رسالته السمحاء.
ويجدُر بكل من أراد أنْ يزداد معرفة برسالة حضرة بهاء الله وسيرته الطاهرة، أَنْ يتمعّن في آثاره المباركة من الدعاء والمناجاة، وأنْ يتحرّى حقيقة الدعوة التي نادى بها، وإِعلانه الكريم بأَنَّه "موعود كل الأزمنة." وعليه أخيراً أنْ يفكر ملياً في وَعْده المستقبلي حين يقول "ستنقضي هذه الحروب المدمّرة والمشاحنات العقيمة وسيأتي الصّلح الأعظم."
اعلى
--------------------------------------------------------------------------------
(۱) جون أسلمنت، منتخبات من كتاب بهاء الله والعصر الجديد: مقدمة لدراسة الدين البهائي، بيروت، مؤسسة دار الريحاني، ١٩٧٢، ص٤٥.
(٢) بهاء الله، منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله، لانگنهاين – ألمانيا، لجنة نشر آثار أمري، ١٩٨٤، ص١٢٧.
(٣) بهاء الله، مناجاة: مجموعة أذكار وأدعية من آثار حضرة بهاء الله، من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل، ١٩٨١، ص٩٠.
(٤) بهاء الله، منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله، ص٣٨.
(٥) بهاء الله، الكلمات المكنونة، من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل، ١٩٩٥، ص٤.
(٦) بهاء الله، منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله، ص١٦٠.
(٧) المصدر السابق، ص١٦٧.
(٨) جون أسلمنت، منتخبات من كتاب بهاء الله والعصر الجديد، ص٤٥.
(٩) شوقي افندي، دور بهائي، ص١٧.
(١٠) شوقي افندي، دورة بهاء الله: ملحق الادارة البهائية، الاسكندرية، المحفل الروحاني المركزي للبهائيين بالقطر المصري والسودان، ١٩٤٧، ص١٥.
(١١) المصدر السابق، ص١٤.
(١٢) بهاء الله، مناجاة: مجموعة أذكار وأدعية من آثار حضرة بهاء الله، ص٧٤-٧٥.
(١٣) بهاء الله، لوح مبارك خطاب إلى شيخ محمد تقي مجتهد اصفهاني معروف بنجفي، لانگنهاين - ألمانيا، لجنة نشر آثار امري بلسان عربي وفارسي، ١٩٨٢، وهو الخطاب المعروف "بلوح ابن الذئب" الذي أنزله بهاء الله باللغتين الفارسية والعربية، ص١٦.
(١٤) بهاء الله، الكلمات المكنونة، ص١٣.
(١٥) بهاء الله، منتخباتي از آثار حضرت بهاء الله، ص١٦٧.
(١٦) بهاء الله، كتاب الايقان، من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل، ١٩٩٧، ص١٦٦ و١٦٧.
(١٧) تفضّل حضرة عبد البهاء: ...فجميع الملل والدول يجب أن يجدوا الراحة والطمأنينة في ظلال سرادق الصلح الأكبر. وهذا يستلزم أن تقوم جميع الدول والملل بتأسيس محكمة كبرى عن طريق الانتخاب العام، لتفصل في نزاع الدول وخلاف الملل وذلك حتى لا تنتهى هذه الخلافات بالحروب. عبد البهاء، خطب عبد البهاء في اوربا و امريكا- ص٨١.
ميرزا علي محمد الباب وادعاؤه النبوة
((مجلة المنار ـ المجلد [14] الجزء [9] ص 707 رمضان 1329 ـ سبتمبر 1911))
ميرزا علي محمد الباب وادعاؤه النبوة
وردت من أحد المأمورين بشيراز رسالة تحاول إثبات المهدوية لميرزا
علي محمد بن أقارضا البزاز الشيرازي ( مدعي البابية ومؤسس طريقتها )
وما اضطررت إلى الجواب عنها إلا من شدة إصرار مرسلها , ومن اقتحام
بعض الصحف المصرية في أمرهم على العمياء ، وتوصيفهم عن غير دراية ،
وتقريب العقول الناقصة من شبايك كيدهم .
إني لم أر بعد النظر في أدلة تلك الرسالة دليلاً يكتسب من الأنظار أدنى
أهمية ، ولا وجدت قياسًا في كتابه روعيت فيه أصول الاحتجاج غير حجة
واحدة ، سنجعلها مدار البحث ومحوره ، حيث تناسب أبحاثنا في النبوة ... بيد
أن الكاتب من لباقته وشطارته أبرز تلك الحجة الواحدة في كسوة الحجج
المتعددة .
( وخلاصة تلك الحجة )
أن ( علي محمد الشيرازي ) تحدى كالأنبياء لدعواه , وأخرج للناس كتابًا
يصدق ما ادعاه , فلو لم يكن نبيًّا صادقًا ناطقًا بالحق ، لوجب على الله
( سبحانه ) أن يفضحه ويظهر كذبه , ويجازيه أسوأ الجزاء على افترائه وبهتانه
على مولاه وجوبًا عقليًّا ( تقتضيه قاعدة اللطف ) ونقليًّا دلت عليه آيات الكتاب
وبينات السنة ا هـ .
( وهاك جوابي عن هذه الشبهة )
ينبغي لنا في هذا المبحث أن ننظر أولاً في أنه كيف يجب أن يفتضح
المتحدي الكاذب .. ثم ننظر في حقيقة اللطف الواجب .. كل ذلك على وجه
العموم .. ثم نتكلم في افتضاح ( علي محمد ) وظهور كذبه لدى العقلاء بأجلى
وجوه الفضيحة .
ولا ينقضي عجبي منكم أيتها الفرقة الـ ... تدعون المهدوية لصاحبكم
وهي فرع من الفروع الاعتقادية في دين الإسلام ثم تستدلون على مقصدكم
بدلائل النبوة وتنسبون لصاحبكم تحدي الرسالة, وأنه أظهر كتابًا أكبر من
كتاب محمد صلى الله عليه وسلم وتتشبثون لمطلوبكم بشبهات النصارى على
الإسلام : فأدلتكم ترمي إلى شيء ودعواكم ترمي إلى آخر يخالفه تمام
الاختلاف فعرفونا وجه التوفيق ومنزع الاحتجاج ومحجة النزاع .
نجعل وجدانكم الصادق أيها المنصف بيننا حكمًا فاصلاً ثم ننشدك نشيدة
الباحث عن حقيقة ( ونقول ) هل الواجب على المولى ( سبحانه ) أن يفضح
المتنبي الكاذب بعلامات محسوسة .. مثل أن يكتب على وجنته أو جبهته ( هذا
نبي كاذب ) .. ؟ أو يوكل عليه ملكًا يهتف أمامه بذاك النداء مدى الدهر
فتقصر الحجة في الكتابة على خط واحد بالضرورة , وتقتصر في النداء على
لغة واحدة فلا تتم الحجة على أكثر البشر ولا تبلغهم حقيقة الأمر قطعيًّا مع
اشتراكهم وتساويهم في التكليف ويفوت الشارع بناء عليه مقصده السني من
تشريع السبل , وبعث الرسل , وهل عهدت يا صاح في إحدى الشرائع من إلهك
الحكيم استعمال العلامات الشخصية والصور الحسية في فضيحة متنبئ أو
متحدّ كاذب .. ؟ كلا ثم إن الصور المحسوسة لا تعم الأعصار والأمصار , كما
أن الخط واللغة لا يعرفان الأقوام المختلفة حقيقة الأمر , فلا محيص من تصديق سنة
الله تعالى والاعتراف بصحة سيرته مع أدعياء النبوة حيث يميز كاذبهم عن
صادقهم بوجه علمي وصورة عقلية , يفتضح بها الكاذب بين الناس أجمعين , على
اختلاف ألسنتهم وألوانهم , فتحصل الغاية المقدسة وتتم الحجة على كل مكلف
بأبلغ منهج وأتم صورة .
حيث إن الوجوه العقلية لا تختص بقوم دون قوم ولا بأبناء لهجة دون
آخرين ولا تختص بعصر ولا بمصر بل تعم ذوي العقول قاطبة في جميع
الظروف والأحوال ( العقل دليل في كل سبيل ) .
وإتمام الحجة في فضيحة المتنبئ الكاذب مما يجب أن يظهر لجميع
العقلاء والعلماء الذين أضحت عقائد العامة تتبع آراءهم , وأفعالها تناط بأقوالهم
ليَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ( الأنفال : 42 ) .
إذن فالحري بنا أن ننظر في أمر هذا المدعي بالنظر العقلي , والطريق
العلمي , الذي به يظهر المولى ( سبحانه ) كذبه إن كان مفتريًا عليه .
( الحقيقة تكفينا فضيحة المتنبي )
( وفي ذلك معنى قاعدة اللطف )
قالت العدلية من المسلمين ( يجب على الله سبحانه وتعالى أن يفضح
المتنبي والمتحدي الكاذب بقاعدة اللطف ) وخاضوا في عباب اللطف كل
مخاض , لكن لي في المقام رأيًا متوسطًا أظن إصابة الحق فيه .
وموجزه أن المتحدي بالنبوة يدعي لنفسه العصمة بالضرورة .. والحقائق
لا تمهله دون أن تظهر كذبه : حيث إن الفاقد لفضيلة العصمة , لا ينفك ( حسب
المفروض ) عن سهو أو نسيان , فيبدو منه خلال أعماله وأشغاله سهو في
فعل , أو نسيان عن قول , سيما عندما تتراكم الأشغال عليه , ويحاط في المجامع
العمومية بالشواغل القلبية , وتآثير الظواهر في مشاعره ونفسه الضعيفة , ومتى
ما سها في شيء أو نسي تبين كذبه وافتضح .
إن من يدعي بما ليس في كذبته شواهد الامتحان
فيحصل المطلوب بتأثير أودعه الله في مظاهر الحقيقة ( وهو أمر طبيعي )
في العوالم الأدبية لا بد منه ولا محيص .
وإذا تبينت محافظته على الحقائق , لم يظهر منه خطأ أو زلة في أعماله
وأقواله , ولا عدول عن غايته ، ولاتغيير فى مسلكه طول عمره ، فذلك
الصديق الذى يجب تصديقه والإيمان بما يدعيه ، وهو العاصم المعصوم ولا
ريب فيه .
( افتضاح علي محمد عندنا )
ذكر الناس في ظهور خداعه وكذبه ، مظاهر وأشياء ، ونشروا كثيرًا
مما يزري بشأنه ويكذب دعواه ، وأعلنوا خذلانه في مجالس العلماء بأصفهان
وتبريز وشيزار وغيرها . واستبان انحطاطه وقصوره عن المباحث العلمية
والأدبية والاعتقادية لكنني أعتمد في انجلاء حاله وتكذيبه على منهجين أرى
لهما مقامًا ساميًا كثير الأهمية في عالم البحث الفلسفي عن الأديان والنبوات ,
وعن تعيين الأنبياء والصادقين من المصلحين .
( المنهج الأول ) : ظهور خطأ منه في سياسة أمره يمنعه من نجاحه
بحيث يمسي المدعي للنبوة غرضًا لأسهم الملازمة من جمهور العقلاء فإن
ذلك وشبهه من جملة الأمور الفاضحة , وشواهد كذبه الواضحة , يتم الحق
بأمثالها حجته على رائديه .
ولا يبرح عن اعتقادي أن العاقل المنصف إذا تأمل في كلمات ( علي
محمد ) وبيانه الذي زعم معارضة القرآن به وعرف أغلاطه اللفظية , التي لا
تقبل وجهًا ولا علاجًا في فنون العربية , .... يجزم بخطأه في عالم السياسة
فمجرد تصديه لمعارضة القرآن العظيم في العربية والبلاغة وهو عاجز عن
التكلم بها غير محيط بأصولها وفنونها يكفينا فضيحته ولا ينفك لوم العقلاء منه
على هذه الفلتة الكبيرة يلومونه من جهات متعددة :
( 1 ) لماذا يا مسكين لم تقنع بدعوى كونك إمامًا أو بابًا إليه كما كنت
عليه في مبدأ أمرك حتى ادعيت النبوة واحتجت إلى إظهار الآيات والمعاجز
وعرضت بنفسك للفضحية .
( 2 ) لماذا اخترت يا مسكين من بين المعجزات معارضة القرآن الذي
أعجز أساطين الفصاحة .
( 3 ) إن لم تطاوعك النفس إلا في معارضة القرآن فلماذا عارضته
بالعربية حتى يصبح أمرها عليك من كل باب تأتيه من حيث أنك أجنبي عنها
نشأت على اللغة الفارسية في إيران وما سبرت أفانين العربية وآدابها ... تعجز
عن أداء جملة لا تلحن فيها , وتعارض قرآنًا خرت لبلاغته الأدباء سجدًا إلى
الأذقان , وخضعت دونه رجال الإصلاح والسياسة وعلماء البيان , تعارضه ببيانك
المشتمل على أغلاط بعيدة الإحصاء في فنون العربية من تصريفها والأعاريب
والبلاغة في التركيب خاليًا عن طريف معنى ولطيف حكمة .
ولو أنك يا مسكين لفقت كتابك من فقرات وجمل بلغتك الفارسية لصنته
من قدح العلماء في ألفاظه وتراكيبه , وانحصرت دوائر اللوم في أغلاطك
المعنوية خاصة , وكان لك في ذلك ولصحبك مندوحة وتخفيف مشقة , وكنت
في راحة من جانب ألفاظه لا تلجأ إلى مضيق الاعتذار ( ورب عذر أقبح من
ذنب ) عن ألحانك ( بأن الألفاظ كانت أسيرة الإعراب فأطلقها ) ولا يلتجئ زعيم قومك
اليوم تصحيحًا لأغلاطك إلى قوله : ( إن ولي الله لا يكون أسيرًا لأصول اللغات
وإعراب الكلمات ) اعتذر به ( ميرزا أبو الفضل ) الكلبايكاني في كتابه بعد اعتراض
شيخ الإسلام التفليسي عليه بأغلاط البيان وألحانه :
وإنني لا أعدوه وسألتك يا صاحبي ولا أحتطب لك من كلماته في هذه
الوجيزة من هنا ومن هناك وإنما أذكرك ببعضب كلماته التي انتخبتها أنت لنا
وأتحفتنا بها في رسالتك إلينا فمن ذلك قوله : ( تالله قد كنت راقدًا هزتني
نفحات الوحي وكنت صامتًا أنطقني ربك المقتدر القدير لولا أمره ما أظهرت
نفسي قد أحاطت مشيأته مشيأتي وأقامني على أمر به ورد على سهام
المشركين امرءًا قرأ ما نزلناه للملوك لتوقن بأن الملوك ينطق بما أمر من لدن
عليم خبير ) .
ومن ذلك قوله : ( كنت نائمًا على مضجعي مرت علي نفحات ربي الرحمن
ويقضتني من النوم وأمرني بالنداء بين الأرض والسماء ليس هذا من عندي بل
من عنده يشهد بذلك سكان جبروته وأهل مدائن عزه فوا نفسه الحق لا أجزع من
البلايا في سبيله ولا عن الرزايا في حبه ورضائه قد جعله الله البلاء غاديه لهذه
الدسكرة الخضراء ) .
وبالإجمال فإنها فلتة عظيمة سياسية وحقيقية ؛ صدرت منه بمشيئة الله تعالى
رغمًا على مشيئته ليصبح الحق أبلج , ويمسي الباطل لجلج , وما صرعه الحق
هذه الصرعة الفاضحة ولا أكبه بعثرته الواضحة , إلا من جنايته العظمى
على الحقيقة المقدسة , وهتك حرمة الإسلام وما أبدى فيه من ....
( المنهج الثاني ) ثبات المدعي واستقامته في مسلكه الخاص الذي دعاه
الناس إليه من مبدأ أمره إلى منتهاه لا يحول عنه ولا يزول في حال ضعفه
وقوته سالكًا فيه بقوله وفعله عن شجاعة أدبية ( كيف يميل عن الحقيقة من
نالها أو يعدو الحق صاحبه وما وراء عبادان قرية ) .
فهذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم جرى على سنة الأنبياء من قبله ,
فادعى الرسالة من ربه في مبدأ أمره , واستقام عليها حتى فارق صحبه , فكانت
الرسالة لا غيرها دعواه وخطته من قبل أن يبلغ المسلمون عدد الأصابع ... ثم
اتسعت بلاده وعلت كلمته وفاق المؤمنون به عشرات الألوف وصارت
الأموال والكنوز تجبى إليه من أقطار الأرض : ولم تكن مع ذلك دعواه إلا
الرسالة التي كان يدعيها في أول أمره . وما أورثه ارتقاء شأنه ونفوذ سلطانه ,
فرقًا في أخلاقه ودعاويه , ولا في معيشته وسيرته , ولقد كان يروج منه ( ولا
ريب ) أن يدعو الناس بعد ذلك إلى تقديسه والاعتراف بألوهيته ( والعياذ بالله )
أو يأكل أطيب المأكول ويتخذ لنفسه أجمل وسائل العيش والتنعم من اتساع
سلطته ونفوذ كلمته وتملكه القلوب والمشاعر .
لكنه صلّى الله عليه وسلم كان يزداد تواضعًا وزهدًا كلما ازداد قدرة لئلا
يهابه الناس فيقدسوه تقديس الرعية لسلطانها المستبد .
وأمّا ( علي محمد ) فلا يجد المرء بعد الفحص أقل ثباتًا منه في مسلكه
ودعواه , فإنه ادعى البابية في مبدأ أمره ويعني من البابية أنه الباب بين الشيعة
وبين إمامهم ( المهدي المنتظر ) ( عج ) يبلغهم أحكام الشريعة عنه ( ع ) كما
كان نواب المهدي ( عج ) في القرن الثالث يعرفون بهذا الاسم والصفة وكانوا
هم الأبواب إليه والنواب عنه ، فكانت البابية أو دعوى ( علي محمد ) ولأجل
ذلك عرف أصحابه بهذا الاسم والعنوان من مبدأ أمرهم إلى الآن .
ثمّ عظمت وطأته , وانتشرت دعوته , وشاهد ازدحام الناس على نفسه ,
فادعى الإمامة والمهدوية لنفسه , وإنه هو الإمام المنتظر عند الشيعة بعينه , ولا
يخفى عليك اختلاف المسلكين وتفاوت الرتبتين .
ثم ارتقت كلمته وكثر أتباعه لأمور اتفاقية لا يسع المقام ذكرها ، واستشعر
من تابعيه , قبول كل ما يدعيه , فادعى النبوة وأظهر كتابًا زعم نسخ القرآن به
والمعارضة معه ... ويحكى عنه الربوبية أيضًا مستدلاً بتوافق اسمه في العدد
أعني ( علي محمد ) لاسم ( رب ) فإن كلاً منهما 202 في حساب ( أبجد )
الجملي .... ولم يثبت بعد ذلك حتى قتله ( ناصر الدين ) شاه إيران بعدما عقد
المؤتمرات لأجله , أظهر العلماء كذبه وعجزه في الأبحاث العلمية . ومن طلب
تاريخه فليراجع كتاب ( باب الأبواب ) أو مفتاحه لمنشئ جريدة ( حكمت )
الفارسية المصرية .
وليت شعري ما كان يدعي بعد هذه الدعاوى لو أمهله الدهر وساعدته
العامة ؟ ( نعم ) لا يستقيم سويًّا على صراط مستقيم من حاد عن الحق *
ويضطرب الرأي ممن لم يفز بحقيقة * ولا يثابر على خطة من لم يكن على
يقين *
فهلا يكفيك اضطراب رأيه الظاهر من تلوناته وتقلباته في خطته شاهدًا
على خطأه وزلَله , أم نسيت ما قدّمناه في صدر البحث تمهيدًا لخواتيمه , والسلام
على من اتبع الهدى .
من نجف بالعراق
هبة الدين الشهرستاني
منشئ مجلة العلم
_______________________
((مجلة المنار ـ المجلد [14] الجزء [9] ص 707 رمضان 1329 ـ سبتمبر 1911))
حضرة الباب المبشّر بحضرة بهاء الله (١٨١٩-١٨٥٠)
إنّها سيرةٌ تُعَدّ مثلاً من أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام، وكان للإنسانيّة حظّ عظيم في التعرّف عليها..."(١) ورد هذا التقريظ على لسان الكاتب والمؤرخ الفرنسي المرموق أ.ل.م نيكولاس، وكان يقصد به سيرة تلك الشخصية القدسية الفذّة التي عرفها تاريخ القرن التاسع عشر باسم "الباب."
ففي النصف الأول من ذلك القرن استحوذ على العديد من الناس، شعورٌ عميق من التَّرقُّب والانتظار لعودة السيد المسيح. وبينما كان المسيحيون ينتظرون المجيء الثاني لعيسى ابن مريم، اجتاحت العالم الاسلامي موجة من التوقعات بظهور "صاحب الزمان." واعتقد كلٌّ من المسيحيين والمسلمين بأَنَّ عصراً روحياً جديداً سيبدأ تحقيقاً للنبوءات التي جاءت في كتبهم المقدسة.
بلغت حميّة تلك التوقعات ذروتها في الثالث والعشرين من شهر أيار (مايو) ١٨٤٤، عندما أعلن تاجر شاب – هو حضرة الباب – بأنه صاحب رسالة إلهيّة، طال الوعد بها، ومقدّر لها أنْ تُحوِّل الحياة الروحية للجنس البشري وتحييها من جديد. وكان نداؤه شاملاً إذ قال:
"يا أهل الأرض اسمعوا نداء الله ... لقد جاءكم النور من الله بكتاب هذا على الحقّ بالحقّ مبيناً لتهتدوا إلى سبل السلام."(٢)
كان المجتمع الفارسي آنذاك يرزح تحت وطأة انهيار خُلُقي واسع في مداه، فأَعلن حضرة الباب في هكذا جوّ أَنَّ أساس الإحْياءِ الروحي والتقدم الاجتماعي هو "الحبّ والرأفة" وليس "الشدة والسطوة،"(٣) فأثار ذلك الإعلان الأمل والانفعال لدى طبقات المجتمع كافة، وسرعان ما اجتذبت دعوة حضرة الباب تلك الآلاف من المؤيّدين والأتباع.
ورغم أنَّ اسم التاجر الشاب كان سيد علي محمد، إلاّ أنه اتخذ لنفسه لقب "الباب." وبيّن حضرة الباب بأنَّ مجيئه لم يكن إلاّ مدخلاً تَعبُره الإِنسانيّة نحو ذلك الظهور الإلهيّ الذي ينتظره البشر في كلِّ مكان. أما الموضوع الرئيس الذي تناوله كتاب البيان – وهو أم الكتاب بالنسبة للظهور البابي – فكان الظهور الوشيك لرسول ثانٍ يبعثه الله، يكون أعظم شأناً من حضرة الباب نفسه، ويحمل رسالةً جديدة لبدء عهد من العدل والسلام، وهو ما وعد به كلٌّ من الدين الاسلامي واليهودي والمسيحي، بالإضافة إلى كلّ دين عالمي آخر اعتنقه البشر.
حين أشار حضرة الباب إلى ذلك الرسول القادم استخدم عبارة رمزيّة وَصَفَتْهُ بأنّه "مَنْ يُظْهِرُه الله". وأَكّد استقلالية ذلك الرسول وسيادته الكاملة فصرّح "بأنّه لا يستشار بإشارتي ولا بما نزل في البيان."(٤) كما وضّح حضرة الباب أيضاً الهدف الرئيس لرسالته هو فقال: "إنَّ الهدف من هذا الظهور، وكلّ ما سبقه من الظهورات الأخرى، ليس إلاّ الإعلان عن مجيء مَنْ يُظْهِرُه الله وبعث رسالته."(٥) وبما أنَّ جوهر الإنجازات الإِنسانية كافة موجودة في تعاليم هذا الظهور الإلهي الموعود فإنَّ "الدين كلّه يكمن في نصر ذلك الظهور ودعمه."(٦) ولقد اعتبر حضرة الباب أنَّ التاريخ الإِنساني قد بلغ نقطة تحوّل رئيسة، وكان هو بمثابة "صوت الصارخ الذي كان ينادي في بريّة البيان"(٧) بأنَّ الإِنسانية بدأت بالدخول في مرحلة نضجها الجماعي.
ناشد حضرة الباب في كلِّ ما كتب، أتباعَه ليكونوا يقظين حتى إذا أظهر الموعود نفسه بادروا إلى إعلان الإيمان به. وحثّ أتباعه أيضاً على أن يشاهدوا الأمور بأعين أفئدتهم منزّهين أنفسهم عن كل وهم:
"قل إِنّما الآخرة أيام من يظهره الله، لا تجعلُنَّ شيئاً من أوامر الله موهوماً عند أنفسكم ولْتَرَوُنَّ كلَّ شيء ما قد خلقه بأمره بأَعْين أَفئدتكم مثل ما أنتم بأَعْين أَجسادكم تُبصرون."(٨)
أكَّد حضرة الباب لأتباعه مراراً عِظَمَ مقام "من يُظهره الله" وسموَّ مكانته، وأراد لهم أنْ يكونوا لائقين للمثول بين يديه حين ظهوره، فسنّ لهم نمطاً للحياة وقواعدَ للسلوك تتصف بالعفّة والطهارة والقداسة ونبل الأخلاق. وأهاب بالرعيل الأول من أتباعه وتلاميذه التقيّد بتلك القواعد الأخلاقية التي لم تشهد لها الإِنسانية مثيلاً قبل ذلك:
"اغسلوا قلوبكم عن أدران الشهوات في هذه الدنيا واجعلوا زينتكم فضائل الملأ الأعلى... والآن قد أتى الوقت الذي لا تصعد فيه الأَعمال إلى عرشه الأعلى إلاّ إذا كانت طاهرةً نقيةً، ولا تكون مقبولة لديه إلاّ إذا كانت خاليةً من آثار الدَّنس..."(٩)
وردت إشارات عدة بقلم حضرة الباب بالنسبة لشخصيّة "مَنْ يُظهره الله،" منها مثلاً قوله في موضعين مختلفين:
"طوبى لمن ينظر إلى نظم حضرة بهاء الله ويشكر ربّه فإنّه يَظهر ولا مردَّ له من عند الله في البيان..."(١٠)
"إذا أشرقت شمس البهاء عن أفق البقاء أنتم فاحضروا بين يديّ العرش..."(١١)
وفي عام ١٨٤٨ وفي جمعٍ ضم جمهرة من أتباع حضرة الباب اتخذ حسين علي لقب "البهاء." وقد عرف التاريخ حسين علي باسم بهاء الله وهو الذي كان من أبرز أتباع حضرة الباب، وحاز اتخاذُه لذلك اللقب دعم حضرة الباب وتأييده.
إنَّ الدور الذي قام به حضرة الباب تجاه ظهور حضرة بهاء الله يشبه في بعض وجوهه ما قام به يوحنا المعمدان تجاه تأسيس الدين المسيحي. كان حضرة الباب المبشّر بحضرة بهاء الله، وكانت وظيفته تمهيد السبيل لمجيء حضرة بهاء الله. وطبقاً لذلك، فإنَّ تأسيس الدين البابي لهو في الحقيقة مرادف لتأسيس الدين البهائي، وإنَّ هدف رسالة حضرة الباب تَحَقَّقَ عندما أعلن حضرة بهاء الله في عام ١٨٦٣ بأنَّه الموعود المنتظر الذي أعلن عنه حضرة الباب. وأكّد حضرة بهاء الله فيما بعد هذا الرأي في أحد ألواحه حين وصف حضرة الباب بأنه كان "[منادياً] باسمه و[مبشّراً] بظهوره الأعظم الذي ارتعدت له فرائص الأمم وسطع النور به من أفق العالم."(١٢) فقد سجّل ظهور حضرة الباب في التاريخ الديني ختام "كور النبوّة" و"بداية" الكور الذي "سوف تتحقّق فيه كل النبوءات."
ومع ذلك يجدر بنا أنْ لا ننسى أنّ حضرة الباب أسَّسَ ديناً مستقلاً قائماً بذاته، خاصاً بدعوته هو، عُرِفَ بالدين البابي. فبَعَث هذا الظهور الديني جامعة من المؤمنين مليئةً بالحيويّة والنشاط، وانبثق عنه وحيٌ من الآيات والآثار المقدسة، ومَهَرَ التاريخَ ببصماته الخاصة المُمَيَّزَةِ التي لا تُمحى. وتشهد الآثار البهائية المقدسة بأنَّ "عظمة حضرة الباب لا تكمن فقط في أنَّ الله قد بعثه ليبشّر بهذا الظهور الأعظم، بل وأكثر من ذلك لكونه ظهر بالقدرة والسيادة ذاتهما الكامنتين في كلّ ظهور إلهي يتمتع بالقوة والعزم، فمَلَكَ بصولجان رسالته المستقلة مُلكاً لم يُضاهِهِ فيه أحدٌ من الرسل والأنبياء السابقين."(١٣) وقد تمكّن حضرة الباب حقاً من القيام بدورٍ يذكّرنا بما قام به الرسل والأنبياء الأولون، إذ أطلق دعوة الإصلاح الخلقي والروحاني في المجتمع الفارسي، وأصرّ على رفع المستوى الاجتماعي للمرأة وتحسين أوضاع الفقراء والمعْوزِين. ولكن - على عكس مَنْ سَبَقَهُ من الذين نظروا إلى المستقبل البعيد إلى يوم تمتلئ الأرض بـ"معرفة الرب"(١٤) - تمكّن حضرة الباب من أن يقيم الدليل بفضل ظهوره بأنَّ فجر نور "يوم الله" قد بدأ ينبثق.
موصدةً بدت قلوبُ وعقول أولئك الذين وجّه إليهم حضرة الباب دعوته، فكانوا وكأنهم أسرى عالم فكري تجمّد على حاله دونما تبديل منذ القرون الوسطى. فكانت الإجراءات والقواعد التي سنّها لمعالجة انهيار الحياة الروحية، ناهيك عن إعلاء شأن العلم والتربية وتشجيع دراسة العلوم النافعة، كل هذه الأفكار بدت آنذاك ثوريّة للغاية مهما كان المعيار الذي نُِقيمُه للحكم عليها. وهكذا استطاع حضرة الباب بإِعلانه عن دين جديد مساعدة أتباعه كي يتحرّروا من التقاليد الفكرية الاسلامية الموروثة، وعبّأَ صفوفهم استعداداً لمجيء حضرة بهاء الله.
وصفَ الملاّ حسين البشروئي، أحد علماء الدين المرموقين في بلاد فارس، الأثر الذي تركه في نفسه ذلك اللقاء الأول حين مَثُلَ بين يديّ حضرة الباب: "شعرت بقوة وشجاعة خُيِّل إليّ معهما أنني أستطيع أنْ أقف وحيداً لا أتزعزع في وجه العالم كلّه بكل شعوبه وحكّامه. وبدا لي أنَّ الكون لا يزيد على حفنة من التراب في يدي. وحَسِبتُ أنني صوتُ جبريلَ المتجسّد يَهيب بالناس جميعاً أنْ أفيقوا فإِنَّ نور الصبح قد لاح."(١٥)
كان لدعوة حضرة الباب تأثير بالغ أَحدث تحوّلاً وتغييراً في النفوس، وتحقّق ذلك أساساً عبر رسائله وتفاسيره وكتاباته العقائدية والصوفية. أما البعض، كالملاّ حسين، فقد استمعوا إليه شخصياً يحدّثهم ويتحفهم ببديع بيانه. ووصف أحد أتباعه ما كان للباب من صوت مؤثّر فقال: "كان صوت حضرة الباب وهو يُملي تعاليمه وقواعد إيمانه مسموعاً بوضوح في سفح الجبل الذي كان يردد هو والوادي صوته، وكانت نغمة ترتيل الآيات تفيض من فمه وهي تشنّف الأسماع وتخترق القلوب والأرواح، وتتحرك لندائه قلوبنا من أعماقها."(١٦)
اتّسم الإعلان عن الدعوة الجديدة بالشجاعة والإقدام، وهي الدعوة التي رسمت للبشر رؤية مجتمع جديد في كل نواحيه، فأصاب الفزع المؤسسات الدينية والمدنيّة على حدّ سواء. وسرعان ما تعرّض البابيون للاضطهاد والتعذيب نتيجة لذلك. فأُعدم الآلاف من أتباع حضرة الباب في سلسلة من المجازر الفظيعة. وسجّل عدد من المراقبين الغربيين الشجاعة المعنوية الخارقة التي أبداها البابيون وهم يواجهون حملة العنف والاضطهاد هذه. وتأثّر المفكرون الأوروبيون كإرنست رينان، وليو تولستوي، وساره برنارد، والكونت غوبينو، أبلغ الأثر لهذه المأساة الروحيّة التي دارت رَحَاهَا في بلد خيّم عليه الظلام. وأصبحت أخبار حضرة الباب موضوع حديث المنتديات الفكرية والأدبية الأوروبية بصورة متكرّرة. وحَمَلت تلك الأخبار البطولة التي تحلَّى بها أتباعه، وحكت عن سيرته العطرة ونبل تعاليم رسالته. وانتشرت قصة الطاهرة، تلك الشاعرة العظيمة والبطلة البابية، انتشاراً واسعاً كقصة حضرة الباب نفسه - فهي التي خاطبت جلاّديها حين استشهادها بجرأة قائلة: "تستطيعون قتلي بأسرع ما تريدون، ولكنكم لن تستطيعوا إيقاف تحرير المرأة."(١٧)
وفي نهاية الأمر زعم أعداء حضرة الباب ومناوئوه بأنه لم يكن مارقاً في الدين فحسب، بل ثائراً ومتمرداً عظيم الخطر أيضاً. لذا قررت السلطات التخلّص منه وإِعدامه. ونُفّذ فيه الحكم في التاسع من تموز (يوليه) عام ١٨٥٠ (الموافق للثامن والعشرين من شعبان ١٢٦٦ هجرية) في ميدان يتوسط الثُّكنات العسكرية بمدينة تبريز. واحتشد جمع غفير من الناس قُدّر عددهم بعشرة آلاف شخص، غصّت بهم سطوح الثكنات العسكرية والمنازل المشرفة على الميدان. وعُلّق حضرة الباب وشابٌ من أتباعه بحبلين ودُلِّيا أمام جدار في الميدان. واصطفّت الفرقة العسكرية وكان قوامها ٧٥٠ جندياً أرمنياً ثم انتظمت في صفوف ثلاثة في كل صف ٢٥٠ جندياً، وأطلق كل صف الرصاص بعد الآخر، وتكاثف الدخان المتصاعد من البنادق السبعمائة والخمسين حتى أظلم الميدان وتعسرت الرؤية فيه.
وسجّل أحداث استشهاد حضرة الباب السير جستين شييل، السفير فوق العادة ومبعوث الملكة فكتوريا الخاص لدى بلاط الشاه، في تقرير رفعه إلى وزير الخارجية البريطاني اللورد بالمرستون بتاريخ الثاني والعشرين من تموز (يوليه) عام ١٨٥٠، وقد جاء في تقريره ما يلي: "عندما انقشع الغبار الكثيف بعد إطلاق الرصاص، توارى حضرة الباب عن الأنظار وهتف الجمهور بأنّه قد صعد إلى السماء. فقد مزّق الرصاص الحبلين اللذين رُبط بهما حضرة الباب ورفيقه، إلاّ أنّه أحضر فيما بعد من الغرفة التي اكتُشِفَ وجوده فيها وتّم إطلاق الرصاص عليه من جديد."(١٨)
بعد هذه المحاولة الأولى لتنفيذ حكم الإِعدام في حضرة الباب واختفائه عُثِرَ عليه يجلس في زنزانته وهو يُملي الإرشادات على أحد أتباعه. وكان حضرة الباب قد حذّر حرّاسه في وقت سابق من النهار حين قدموا ليقودوه إلى ساحة الإعدام بأن ليس هناك من قوة في الأرض يمكنها منعه من إتمام كل ما يريد الإدلاء به حتى الحرف الأخير. ولكن عندما حضر الحراس لاقتياده إلى الساحة للمرة الثانية تحدث اليهم قائلاً بكل هدوء: "أما وقد انتهيت من حديثي مع السيد حسين فبإمكانكم أنْ تفعلوا ما بدا لكم."(١٩)
واقتيد حضرة الباب ورفيقه الشاب مرة أخرى إلى ساحة الإِعدام. إلاّ أنَّ الجند الأرمن رفضوا إطلاق الرصاص عليه مرة ثانية، فشُكِّلت فرقة من الجند المسلمين وأُمروا بإطلاق الرصاص على حضرة الباب ورفيقه. وفي هذه المرة مزّق الرصاص جسدي الشهيدين جاعلاً منهما كتلةً واحدة من اللحم والعظم، أما الوجهان فقد ظلاّ سالمين لم تصبهما إلاّ خدوش طفيفة. وانطفأ نور ذلك "البيت"(٢٠) (والبيت كلمة استخدمها حضرة الباب في أحد ألواحه إشارة إلى ذاته) تحت وطأة سلسلة من الأحداث والظروف المثيرة للغاية، أما كلماته الأخيرة فقد وجهها حضرة الباب إلى الجمهور المحتشد قائلاً: "أيها الجيل الملتوي! لو آمنتم بي لاحتذى كل واحد منكم حذو هذا الشاب الذي هو أعظم منكم شأناً، ولأقبل راضياً مختاراً على التضحية بنفسه في سبيلي، وسيأتي اليوم الذي فيه تؤمنون بي، وعند ذاك لن أكون معكم."(٢١)
سجّل حضرة بهاء الله تقديره للباب وأجزل له الثناء في كتاب الإيقان فقال:
"... وكم ظهر من الاستقامة من ذاك الجمال، جمال الأحدية، بحيث أنَّه قام كلّ من على الأرض على منعه، ولم يأت ذلك بثمر أو فائدة بل كلّما كان يرد منهم من الإيذاء على تلك السّدرة، سدرة طوبى، كلّما كان يزداد شوقه، ويزداد اشتعال نار حبّه. وكل هذا واضح لا ينكره أحد إلى أَنْ فدى أخيراً بروحه وصَعِدَ إلى الرفيق الأعلى."(٢٢)
وكتب المؤرخ أ.ل.م. نيكولاس الذي سجّل الأحداث المحيطة باستشهاد حضرة الباب ما يلي: "لقد فدى الإِنسانيّة بنفسه، ومن أجل الإِنسانيّة وَهَب روحَه وجسده، ولأجلها تحمّل الحرمان، والأذى، والتعذيب، والاضطهاد، وأخيراً الاستشهاد. ولقد أحكَم بدمائه ميثاقَ الأخوَّة العالمية، ودفع تماماً كما فعل المسيح حياته ليعلن مجيء عهد من الوفاق والعدالة والمحبة الأخويّة."(٢٣)
إنَّ فترة السّنوات الستّ القصيرة التي عاشتها رسالة حضرة الباب والسرعة التي حققت فيها أهدافها رمزت في بعض أوجهها إلى الطّفْرة المفاجئة التي حثّ حضرة الباب العالم لِيُقدِمَ عليها حتى يتمّ الانتقال إلى حالة من الوعي والاحساس بالوحدة العالمية. فمنذ إعلانه الجريء لدعوته في منتصف القرن الماضي تحقّق تقدُّم قلّ نظيره في العديد من المجالات العلمية والتقنية. وسجّل هذا التقدم انبثاق التباشير الأولى لميلاد "مجتمع عالمي موحّد". فكان دوره كـ "النقطة التي ذُوّتَ بها من ذُوّتَ"(٢٤) باعثاً لدورة جديدة من الكشف والإبداع البشري. لقد هبّت نسائم العرفان فاغتنت العقول وحَلّقت الأرواح في السموات العُلَى.
يصف حضرة بهاء الله تعاقب ظهورين إلهيّين بحيث كادا يتزامنان بأنّه "سرّ لا سبيل إلى اكتشاف كنهه."(٢٥) ويعتقد البهائيون أَنَّ هذه الظاهرة ما هي إلاّ تأكيد على قرب مجيء "ملكوت الله على الأرض" وهي الشهادة أيضاً على عظمة ظهور حضرة بهاء الله. وقد علَّق على ذلك عبد البهاء قائلاً:
"إِنَّ حضرة الأعلى [حضرة الباب] لهو صبح الحقيقة الذي أشرق وأضاء بنوره جميع الأرجاء، إنّه المبشّر بالنيّر الأعظم، أي الجمال المبارك [حضرة بهاء الله] الذي وعدت به الكتب والصحف والزبر والألواح السابقة جميعها. فظهور الجمال المبارك أشرق بالنور ذاته الذي تجلّى على الطور في سدرة سيناء. كلّنا عباد لتلك المظاهر الإلهيّة خاضعين خاشعين لدى بابهم."(٢٦)
اعلى
--------------------------------------------------------------------------------
(١) A.L.M.Nicolas, Siyyid Ali Mohammad dit le Bab, Paris, Librairie Critique, 1908, pp.203-204
(٢) الباب، منتخبات آيات از آثار حضرت نقطة اولى، طهران، مؤسسة ملي مطبوعات امري، ١٣٤ بديع، ص٣٣ و٤١.
(٣) المصدر السابق، ص٥٣.
(٤) شوقي افندي: نظم جهاني بهائي: منتخباتي از آثار صادرة از قلم حضرت ولي امر الله، دانداس مؤسسة معارف بهائي، ١٩٨٩، ترجمة واقتباس هوشمند فتح اعظم، ص ٨٧.
(٥) الباب، منتخبات آيات از اثار حضرت نقطة اولى، ص٧٦.
(٦) المصدر السابق، ص٥٨.
(٧) بهاءالله، مجموعة از الواح جمال اقدس بهاء الله بعد از كتاب اقدس نازل شده، لانگنهاين، لجنة آثار امري، ١٣٧ب، ص٥.
(٨) الباب، منتخبات آيات از آثارحضرت نقطة اولى، ص١٠٤.
(٩) النبيل الزرندي، مطالع الأنوار: تاريخ النبيل عن وقائع الأيام الأولى للأمر البهائي، هذبه وترجمه من اللغة الفارسية إلى الإنجليزية حضرة شوقي أفندي رباني، ترجمه إلى العربية القاضي عبد الجليل سعد، القاهرة، نشر المحفل الروحاني المركزي للبهائيين بالقطر المصري والسودان، ١٩٤٠، ص٧٣-٧٤.
(١٠) شوقي افندي، دور بهائي، لانگنهاين – المانيا – لجنة نشر آثار امري، ١٩٨٨، ص٧٤.
(١١) الباب، منتخبات آيات از أثار حضرت نقطة اولى، ص ١١٦.
(١٢) بهاء الله، مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله، نزلت بعد الكتاب الأقدس، من منشورات دار النشر البهائية في بلجيكا، ١٩٨٠، ص٤.
(١٣) شوقي أفندي، دور بهائي، ص٤٢.
(١٤) العهد الجديد، إشعيا الأصحاح ١١ الآية ٩.
(١٥) شوقي أفندي، كتاب القرن البديع من اثار حضرة ولي امر الله شوقي أفندي رباني، ترجمه الدكتور السيد محمد العزّاوي، من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل، ١٩٨٦، ص ۱۷.
(١٦) النبيل الزرندي، مطالع الأنوار، ص١٩٧-١٩٩.
(١٧) شوقي أفندي، كتاب القرن البديع، ص١٠٢.
(١٨) المقتطف مأخوذ من كتاب،John Ferraby, All Things Made New, London Baha'i Publishing Trust, 1987, revised edition, p.201
(١٩) شوقي أفندي، كتاب القرن البديع، ص٧٧.
(٢٠) الباب، منتخبات آيات از آثار حضرت نقطة اولى، ص٤٩.
(٢١) شوقي أفندي، كتاب القرن البديع، ص٧٨.
(٢٢) بهاء الله، كتاب الإيقان، من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل، ١٩٩٧، ص١٩٧.
(٢٣) A.L.M.Nicolas, Siyyid Ali Mohammad dit le Bab, p. 376
(٢٤) الباب، منتخبات آيات از أثار حضرت نقطة اولى، ص ١٤.
عندما يفلس التاجر فانه يفتش في دفاتره القديمه
0000[عندما يفلس التاجر فانه يفتش في دفاتره القديمه)[[/
]رغم هذه الحرب الضروس منذ اكثر من مائة عام فأن هذا الامر الالهي يسير من نصر الي نصر
واصبح بفضل الله وجهود المؤمنيين به ثاني اكثر د ين انتشارا في العالم فقافلة هذا الامر الالهي المبارك
كل يوم تزداد احكاما ورسوخا ولا يمنعها نباح من نبح ولا نعيق من نعق
واخي منذر
هل من المنطق ان اعتمد علي اعداء
الاسلام لتعريف الاسلام
هل هذا هو العدل ؟
هل هذه هي الموضوعيه ؟
فنحن البهائيين من له حق التعريف بالبهائيه
هل من العدل ان أخذ كلام اكبر رجل دين في العالم وهو البابا بنداكت في محاضرته الشهيره في المانيا
واقول هذا هو الاسلام ؟
العدل هو ان يختر الانسان لنفسه مايختره لغيره
[/color][/size]
ياأخ منذر هل مستعد لان تناظرني
اذا كنت لديك شجاعه اهلا بك للمناظره