هل ثوار ليبا بغاة يجب محاربتهم ؟

فرضت أحداث ليبيا علامة فارقة في تاريخنا السياسي المعاصر فعند اندلاعها استبشر الناس خيراً بهذه الثورة ،فهي بلا شك ستكون كسابقاتها التونسية والمصرية خروج سلمي للمتظاهرين وخنوع من قبل الحكام بعد مواجهات سلمية دامية ، ولكن تغيرت مجريات الأحداث في ليبيا بعد أن حمل الثوار السلاح فتحولت المظاهرات السلمية إلى معارك كر وفر بين الثوار ونظام العقيد القذافي فراح ضحيتها ألاف الأبرياء غاب النظام وحلت الفوضى ، إزهاق للأرواح وتدمير للبنية التحتية ، تشريد للآلاف ، نظام القذافي يراهم فئة باغية بغير تأويل شرعي ويجب قتالهم عملا بالآية الكريمة (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله ) ، والثوار يرون في نظامه نظام استبداد وظلم يجب تغيره وان استعانوا بالكفار في سبيل الإطاحة بهذا النظام .
هل مايجري الآن في ليبيا من قبل الثوار تنطبق عليه أحكام جريمة البغي السياسية التي أقرتها الشريعة الإسلامية دعونا أيها الأخوة الكرام أن نلقي نظرة على جريمة البغي السياسية كما جاءت في الشريعة الإسلامية :
الباغي (1 ) :

هو المخالف للإمام العادل الخارج عن طاعته بالامتناع عن أداء ما وجب عليه ، وسمي باغيا لمجاوزته الحد المرسوم له ، فالبغي مجاوزة الحد يقال بغى الجرح إذا ترامى للفساد ، وبغت المرأة إذا فجرت ، وقيل الباغي بذلك بطلبه الاستعلاء على الإمام من قولهم بغى الشئ أي طلبه ، وقيل لأنه ظالم بذلك فالبغي والتعدي بالقوة إلى طلب ما ليس يستحق قال تعالى ( ثم بغى عليه ) أي ظلم .
والبغي عند الفقهاء : هو الخروج على الإمام مغالبة بتأويل .
والبغاة: هم الخارجون على الإمام بتأويل ولهم شوكة.
ويطلق على من سوى البغاة أهل العدل وهم الثابتون على موالاة الإمام (2 ).

حكم البغي :
أنه محرم وفعله يوجب القتال بنص الكتاب والسنة ، يقول الحق عز وجل : ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله .. الثانية: ابن قدامة ففي الآية خمس فوائد : أحدها : أنهم لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان فانه سماهم مؤمنين . الثانية : أنه أوجب قتالهم .الثالثة : أنه أسقط قتالهم إذا فاءوا إلى أمر الله . الرابعة : أنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم . الخامسة: أن الآية أفادت قتال كل من منع حقا عليه (3 ) .
ومن السنة حديث عبادة بن الصامت فال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر وأن لا ننازع الأمر أهله قال : إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان ) رواه مسلم .
وفي جميع مذاهب العلماء : أن البغي محرم ولو كان الإمام فاسقا وفاجرا ولو كان الخروج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن الخروج على الإمام يؤدي عادة لما هو أنكر من ذلك إلى الفتنة وسفك الدماء وبث الفساد واضطراب البلاد وإضلال العباد وتوهين الأمن وهدم النظام إلا أن يظهر كفرا بواحا فهنا وجب نزعه وتنصيب من هو أولى والوجوب هنا يتحتم على جميع الأمة .
أركان جريمة البغي :
الركن الأول الخروج على الإمام :
وهو مخالفة الإمام والعمل على خلعه والامتناع عما وجب على الخارجين من حقوق وينوي أن تكون هذه الحقوق لله أي مقررة لمصلحة الجماعة أو مصلحة الأفراد ، ويدخل فيها كل حق تفرضه الشريعة للحاكم على المحكوم ، وكل حق للجماعة على الأفراد وكل حق للفرد على الفرد ، فمن امتنع عن أداء الزكاة فقد امتنع عن حق وجب عليه ، ومن امتنع عن تنفيذ حكم متعلق بحق الله كحد الزنا أو متعلق بحق الأفراد كحق القصاص فقد امتنع عن الحق الذي وجب عليه وهكذا .

الركن الثاني المغالبة:
يشترط لاكتمال جريمة البغي أن يكون استعمال القوة هو وسيلة الخروج فالخروج من غير استعمال القوة فهذا لا يعتبر خروجا كمن له رأي في الإمام وحكمه ولكنه لم يلجأ إلى القوة فهذا لا يعتبر بغيا .قال الموفق : روي أن عليا كان ذات يوم يخطب فقال رجل بباب المسجد لا حكم إلا لله ،فقال علي : كلمة حق أريد بها باطل ثم قال : لكم علينا ثلاث (4 ) ، لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله تعالى ولا نمنعكم الفي مادامت أيديكم معنا ولا نبدأكم بقتال ، وروى أبو يحي قال : صلى علي رضي الله عنه فناداه رجل من الخوارج :لأن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فأجابه علي رضي الله عنه فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون.

الركن الثالث: قصد البغي:
يقول الأستاذ عبد القادر عودة يشترط لوجود البغي إن يتوفر القصد الجنائي والقصد المطلوب توفره هو القصد الجنائي العام ، أي قصد الخروج على الإمام مغالبة ، فإذا كان الخارج لم يقصد من فعله الخروج على الإمام أو لم يقصد المغالبة فهو ليس باغيا .
ويشترط أن يكون الخروج على الإمام بقصد خلعه أو عدم طاعته أو الامتناع من تنفيذ ما يجب على الخارج وإذا كان الخارج قد خرج امتناعا عن معصية فهو ليس باغيا ، وإذا ارتكب الباغي جرائم قبل المغالبة أو بعد انتهائها فليس من الضروري أن يتوفر فيها قصد البغي لأنه لا يعاقب عليها باعتباره باغيا وإنما باعتباره عادلا فيشترط أن يتوفر في كل جريمة منها القصد الجنائي الخاص بها ليعاقب عليها بعقوبتها الخاصة .
واشتراط القصد الجنائي في جريمة البغي وجيه جدا لأن البغاة في الغالب أنهم يخرجون وقت اضطراب الأمر واختلال الأمن وإخافة السبل فيقوم معه كثير من الدهماء والعوام الذين يحبون الفوضى والشغب وأكثرهم يسعى لنيل حظ دنيوي ومصلحة خاصة أو يريدون بما يحدثوه من الفوضى والشغب إرغام الإمام على مطالب دنيوية خاصة واستجابة لرغبات يسعون إليها دون خلع الإمام وإزالته ، كما يحدث في المظاهرات والاضطرابات التي تهيجها الأحزاب والنقابات لنيل المطالب الدنيوية المحدودة .
الأخوة الكرام مما سبق يتبين حجم الإفساد الذي نراه الآن من تدمير للبلاد والممتلكات وإراقة الدماء ،ودخول البلاد إلى نفق مظلم الله سبحانه وتعالى من يعلم نهايته ، وتتقاطع مطالب الثوار مع المخططات الغربية للنيل من الإسلام والمسلمين ،أليس من الأجدى أن تخرج المظاهرات السلمية في ليبيا بدلا من حمل السلاح ،ولنا في اليمن أروع الأمثلة من حيث الصبر على الحاكم ، وهم من تتوفر بأيديهم أحدث الأسلحة ويحسن استخدامها الكبير والصغير ، ولكن على الرغم من ذلك لم يحملوا السلاح ،هل يعتبر ثوار ليبيا فئة باغية يجب قتالهم ؟
الأخوة الأعضاء بآرائكم تكتمل الصورة.

هوامش ======
1-الحاوي الكبير قتال أهل البغي ،الماوردي ص(75 ).
2- حاشية ابن عابدين ،(ج 2 ،ص (308 )).
3-المغني لابن قدامة (ج 3 ،ص (30 ) ) .
4- الفتح ،الحافظ بن حجر (ج 12 ،ص (310 )).

أخوكم / عمر عباس الطيب العكد – السودان