فلسطين في شعر المقاومة العربي والأردي - الجزء الثاني

فلسطين في شعر المقاومة العربي والأردي
د . إبراهيم محمد إبراهيم (•)
الجزء الثاني :
المبحث الثاني : فلسطين وشعر المقاومة الأردي
لم تغب القضية الفلسطينية عن الأدب الأردي شعره ونثره ، فالقضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين والعرب وحدهم ، وإنما هي قضية المسلمين جميعاً حيثما كانوا ، فالمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يخص المسلمين جميعاً والقدس الشريفة ومسجد الصخرة وكل المقدسات الإسلامية على أرض فلسطين تتعلق بها قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وبطبيعة الحال فإن كل مسلم يتمنى من أعماق قلبه أن يفكّ الله أسر هذه المقدسات ويحرر أرض فلسطين ، ولكن الأهداف لا تتحقق بالتمنى ، وإنما بالعمل والجهد والكفاح والتضحيات بالأنفس والأموال والاستعداد الجاد لمواجهة التحديات وتصحيح الأخطاء .
وقد تزامن تفاقم مشكلة فلسطين مع تفاقم مشكلة كشمير التي اغتصبتها الهند عنوة ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والأعراف والمواثيق المحلية والدولية ، وكما أن قضية فلسطين قضية إسلامية بالدرجة الأولى فإن كشمير أيضاً قضية إسلامية بالدرجة الأولى ، فحيثما يقع الظلم على أي مسلم في أي مكان يصبح من المتعين على المسلمين جميعاً أن يهبوا لنجدته ورفع الظلم عنه ، ورغم أن هذا الكلام يبدو الآن مثالياً وفي معزل عن الواقع المؤلم الذي يعيشه المسلمون ، إلاّ أنه هو الحق ، والحق لا يزول ، ولا يتحول إلى باطل ، و " إن تنصروا الله ينصركم " ( القرآن ) .
وقد حظيت قضية فلسطين باهتمام كبير في الأدب الأردي وخاصة الشعر منه ، وظلت دائماً موضوعاً هاماً وحيوياً يتناوله الشعراء مذكرين أمتهم بحقهم المسلوب ووطنهم المغتصب ، رابطين بينها وبين كشمير وكل مناطق المسلمين التي وقعت ضحية للظالمين على اختلاف جنسياتهم وثقافاتهم . وها هو شاعر الأردية المعروف " ظفر على خان : 1290هـ / 1873م – 1956م يتناول أصل القضية الفلسطينية ويعود بها إلى فتنة انفصال العرب عن الدولة العثمانية ووقوعهم ضحية لخداع ومكر المستعمرين موجهاً اللوم إلى الحسين بن عليّ الهاشمي فيقول :
كان العرب حتى الأمس أحراراً ، واليوم صيّرتهم عبيداً ، لقد حولت يداك الحكام إلى محكومين .
قطرات الدماء على مداخل الكعبة أنت الذي أسلتها في صحنها .
والفتن التي ثارت في الشام والعراق وفلسطين أنت الذي أيقظتها .
لقد مزّق مقراضك جفوتك ثوب العرب ، وفصلهم عن أحضان الأناضول .
وفوق هذا تأمل أن تنصب خليفة ، ويكون الفصل في قضايا الأمة في يديك ( 59) .
ويقول في منظومة له بعنوان " فاتحو فلسطين " كتبها بتاريخ 9 مايو 1937م مشيداً بأبطال المسلمين والعرب وفلسطين الذين يبذلون الغالي والرخص في سبيل الحرية ، ومعرضاً بالمؤامرات الغربية للفتك بفلسطين وتخريب القدس ومحاباتهم لليهود والصهاينة على حساب الفلسطينيين والعرب :
أبطال فلسطين المغرمون بالشهادة خرجوا من الصحراء وعلى أكفهم أكفانهم .
أتراك في قوة العزيمة وعرب في حرارة الدماء .
وضعوا رؤوسهم وأرواحهم رهن الحرية والاستقلال .
يخرون لله سجداً وأمطار الرصاص تنهمر ، أرأيت قبلاً مصلين مثلهم .
هم المستعدون للموت في سبيل الحق ، وهم الذين يفخر بهم أهل الإسلام .
آلاف من أمثال الرازي لا يعدلون واحداً من هؤلاء الأبطال .
قل لصنّاع المشانق من أهل الغرب : لقد تعدى الحبل كل حد .
إلى متى تودّون تخريب القدس ، إلى متى هذا التآمر العتيق .
وإلى متى تحمون الصهاينة ، وإلى متى تحابون اليهود (60) .
وفي منظومة له بعنوان " تقسيم فلسطين " كتبها بتاريخ 19 يوليو 1937م يقول ظفر علي خان كاشفاً الستار عن مؤامرة تقسيم فلسطين واصفاً إياها بأنها حرب صليبية جديدة ، وأنها لا بد أن تبوء بالفشل ، وداعياً المسلمين إلى تلبية نداء الأقصى لهم والاستغاثة بهم لتحريره :
أهل فلسطين شيوخاً وشباباً غير مطمئنين لتوصيات لجنة لندن .
تبدو في الأفق نذر حرب صليبية جديدة ، وأهل فلسطين سيحملون السلاحا .
ذلك الباب الذي تزينه الدماء من قصة الإسلام هو باب فلسطين .
وتلك السفينة التي يقودها اليهود والنصارى تترصدها دوامة فلسطين .
تلك الحرب التي ستغير حال العرب ، سنطلق عليها غزوة أحزاب فلسطين .
فلسطين بمنبرها ومحرابها تنلديكم ، أين حماة المسجد الأقصى (61) .
وفي غزلية طويلة بعنوان " البحث عن بيت المقدس " يرثي كيف بنارسي حال المسجد الأقصى والقدس الشريفة وما آل إليه حالهما تحت قبضة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ، ويصف تقاعس المسلمين عن نصرة بيت الله وتخاذل العلماء في الدعوة إلى الجهاد وقيادة الأمة فيقول :
أبحث عن المسجد الأقصى الذي لم يحرك اغتصابه ساكناً لدى الأمة .
يا رب ، إنك تعلم أنني لا أبحث إلاّ عن بيت المقدس .
أبحث في قيثارة القلب عن تلك النغمة التي تثير النخوة في بني الإسلام .
أين علماء الدين والشرع المتين ، أبحث عن فتوى تدعو إلى الجهاد .
أخبروني أيها الوعّاظ الكرام عن الطريق ، إنني أبحث عن قبلتي الأولى .
أخبروني ، أين الحماة والأنصار ، لقد طال بي البحث عن مسجد الصخرة .
العرب في تراجع وزوال ، والإسرائيليون في تطور وارتقاء ، وأنا أبحث عن أسباب كل هذا .
أكان ذلك بتقصير من القيادة العليا ؟ يا ترى ما هو سبب الهزيمة .
أكان الضعف في نية الجهاد ؟ أنا أبحث عن آثار الزّحف .
كيف قضي على الطيران المصري ؟ إنني أبحث عن سبب وجيه لهذا .
أبحث عن ذلك الرجل الحرّ وذلك البطل الذي سيتقدم ويستعيد القبلة الأولى من العدو .
سأحيل دنيا الإسرائيليين ظلاماً ، فأنا أبحث عن تجليات اليد البيضاء .
أين مصلى الأنبياء الذي ظل أميناً على صلاة كل الأنبياء (62) .
وفي منظومة بعنوان " أرجوزة المسلم " كتبها عام 1947م يقول صلاح الدين غازي أمرتسري مؤكداً أن حل قضيتي كشمير وفلسطين يكمن في العودة إلى الله :
ستكون الدنيا كلها لنا وليس كشمير وفلسطين فقط ، بشرط أن نعمل بالقرآن (63) .
ويقول أيضاً :
لقد أخذت حمير " عيسى " تتسكّع في فلسطين من جديد ، فانهضوا وكونوا صلاح الديم من جديد (64) .
أما شاعر الأردية المعروف " فيض أحمد فيض " فقد خص فلسطين وشعبها والعرب والصراع الدائم بينهم وبين الإسرائيليين بعدد من منظوماته التي تعد من أحسن ما قيل في شعر المقاومة باللغة الأردية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ، يقول في منظومته الشهيرة " ويبقى وجه ربك " :
سنرى ....ولا بد يوماً أن نرى ....
ذلك الوعد المكتوب ....في اللوح منذ الأزل ....
حينما تطير جبال الظلم ....كالعهن المنفوش ....
حينما تنبض الأرض ....تحت أقدامنا نحن المحكومين ....
وفوق رؤوس أهل الحكم ....سوف يرعد البرق ....
حينما يتم تطهير كعبة الله ....من الأصنام ....
ونحن أهل الصفا مردودو الحرم ....سنجلس فوق كرسي الحكم ....
سوف يطاح بكل العروش ....وسوف تسقط كل التيجان ....
ولا يبقى إلاّ اسم الله ....الباطن الظاهر ....
المشهود والشاهد ....ويرتفع هتاف " أنا الحق " ....
وهو أنا ، وهو أنت ....ويكون الحكم لخلق الله ....
وهم أنا وأنت (65) ....
ويزرع فيض أحمد فيض الأمل في نفوس المجاهدين الفلسطينيين والعرب والمسلمين من خلال منظومة له بعنوان " إلى الشهداء الفلسطينيين الذين استشهدوا في الغربة " فيقول :
حيثما يممت وجهي يا أرض الوطن ....حملت في قلبي آلام حرقة إذلالك ....
وضوء مصابيح كرامتك ....ترافقني ذكرياتك ومحبتك ....
وروائح براعمك ....وصورة رفاقي الذين لم أرهم ....
كم من الأيدي احتضنتهم يدي ....بعيداً في دروب الغربة القاسية ....
في طرقات مجهولة لمدينة أجنبية ....وعلى كل أرض رفرف علم دمي ....
رفرف هناك أيضاً علم فلسطين ....فلئن خرّب أعداؤك فلسطيناً ....
فقد عمّرت جراحي أكثر من فلسطين (66) ....
وفي منظومة له بعنوان " فوق وادي سينا " يحذر فيض أحمد فيض الحكام من التهاون في حق الشعوب والأوطان بما يؤدي إلى ضياعها أو جزء منها ، وهو ما حدث إثر هزيمة العرب في نكسة يونيو 1967م حيث ضاعت فلسطين وأجزاء من فلسطين . يقول :
قل لأولي الأمر ....تذكروا ما تفعلون ....
حين ينهض الأبطال ....ستنصب المشانق ....
ولن تجدوا من ينجّيكم ....ها هنا سيكون الجزاء والحساب ....
ها هنا سيكون الثواب والعقاب ....من هنا سيبدأ يوم الحشر ....
وها هنا تقوم الساعة (67) ....
ومن شعراء الأردية الكبار الذين تناولوا القضية الفلسطينية الشاعر أمجد إسلام أمجد . يقول في منظومة له بعنوان " أغنية تحرير فلسطين " مؤكداً على قوة عاطفة الفداء والاستعداد التام لتحرير الأقصى وبذل الروح من أجل تحريره من دنس اليهود والصهاينة :
ياقدس ، يا قدس : الآن ستتجه كل الخطى نحوك ....
وستكتب الأقلام بالدم الحار اسمك ....من أجلك نحيا ، ونموت من أجلك ....
يا قدس ، يا قدس : رياضك المحترقة في كل لحظة تنادينا ....
ونيرانك تشتعل في أرواحنا ودمانا ....لقد خلا من روائح أبداننا نسيمك ....
ووطئ العدو بأقدامه النحسة ترابك ....يا قدس ، يا قدس :
قسماً طالما فينا عرق ينبض ....سنكتب قصة الحرية بدمانا ....
وقوافل أهل القلوب تجدّ إليك المسير ....يا قدس ، قسماً بك ...
لن ينكس هذا العلم بعد اليوم ....يا قدس (68) ....
والشعر الأردي عامر بمثل هذه النماذج المتميزة موضوعاً وفناً ، ولا نبالغ إذا قلنا بأن اهتمام شعراء الأردية بقضية قلسطين وتحريرها يزيد في بعض الأحيان عن اهتمامهم بقضية كشمير ، والسبب الرئيس في ذلك هو وجود المقدسات الإسلامية وخاصة المسجد الأقصى على أرض فلسطين ، والتفريط فيها تفريط في الدين نفسه ، وهو ما يرضاه مسلم على وجه البسيطة . هذا ونكتفي بهذه النماذج البسيطة في هذا البحث فهي غيض من فيض .
نتائج البحث
يتضح من الدراسة السابقة ما يلي :
1 – أدب المقاومة هو المعبر عن الذات الجمعية ضد المعتدي عليها والمحافظ على هوية هذه الذات .
2 – بدأ شعر المقاومة من فلسطين أولاً ، وهناك أطلق مصطلح " شعر المقاومة " ، ثم عمّم بعد ذلك على " أدب المقاومة " .
2 – تعرفت أوساط المثقفين العرب في البلاد العربية على مصطلح " أدب المقاومة " و " شعر المقاومة " مع وصول قصائد المقامة لشعراء فلسطين إلى عواصم هذه الدول في الستينيات من القرن العشرين ، وخاصة بعد نكسة يونيو 1967م .
3 – كتب كثير من الشعراء العرب قصائد وأشعاراً كثيرة في صميم شعر المقاومة مشاركين بها إخوانهم في الأرض المحتلة همومهم وأحزانهم .
4 - برز كثير من الشعراء العرب في هذا الصنف الشعري ومنهم محمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان وإبراهيم طوقان وغيرهم .
5 – تناول هؤلاء الشعراء القضية الفلسطينية على أنها قضية عربية إسلامية من الدرجة الأولى ، ونادوا بمحاربة إسرائيل وتحرير البلاد من قبضتها .
6 – تناول كثير من الشعراء قضية فلسطين من الوجهة الإسلامية باعتبارها قضية إسلامية خالصة قبل أن تكون عربية ، ويتحمل مسئوليتها المسلمون جميعاً ، وأكدوا على أن الحل الأمثل هو العودة إلى الإسلام والعمل بأحكامه وإعلان الجهاد .
7 – مرّ شعر المقاومة العربي المرتبط بقضية فلسطين بأربع مراحل هي : مرحلة المؤامرات ( 1917م – 1948م ) – مرحلة النكبة ( 1948م – 1967م ) – مرحلة النكسة ( 1967م – 1987م ) – المرحلة المعاصرة ( 1087م – ولا تزال مستمرة ) .
8 – ظلت قضية فلسطين منذ ظهورها موضوعاً هاماً من موضوعات الشعر الأردي .
9 – اهتم شعراء الأردية بقضية فلسطين وتناولها في شعرهم مثلما اهتموا بقضية كشمير وربما أكثر .
10 – يعود السبب في هذا الاهتمام إلى وجود المقدسات الإسلامية على أرض فلسطين ، وخاصة المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين .
11 - تميز شعر المقاومة بمستوى فني جيد ، وحرص على تسجيل كل أحداث القضية الفلسطينية .
هوامش ومصادر ومراجع
59 - دكتور غلام حسين ذو الفقار – مولانا ظفر علي خان : حيات ، خدمات وآثار – سنكـ ميل ببلي كيشنز – لاهور 1993م – ص 199 .
60 - كليات مولانا ظفر علي خان – ترتيب زاهد علي خان لاهور 2007م – جمنستان – ص 73 ، 74 .
61 - المرجع السابق – ص 37 .
62 - كيف بنارسي – بيت المقدس كي تلاش – كراتشي 1401هـ / 1981م – مختارت من الغزلية .
63 - صلاح الدين غازي امرتسري – بيام عمل – مرتبه قاضي محمد اكرام – لاهور – ط 2 – 2009م – ص 11 .
64 - المرجع السابق – ص 80 .
65 - اشفاق حسين – فيض احمد فيض : شخصيت اور فن – اكادمي ادبيات باكستان – إسلام آباد 2006م – ص 198 ، 199 .وقد كتب فيض هذه المنظومة أثناء وجوده في أمريكا ، وطبعت في مجموعته " مريـ دل مريـ مسافر : قلبي أيها المسافر " ، ولكنها لم تطبع في كلياته " نسخه هائـ وفا " .
66 - المرجع السابق – ص 202 .
67 - المرجع السابق – ص 155 .
68 - امجد اسلام امجد – كليات كيت – سنكـ ميل ببلي كيشنز – لاهور 2008م – ص 272 .

دكتور فضائلك منثورة بين أيدينا ولقد استفدت شخصيا مما تنشره هاهنا كثيرا .. فجزيت خيرا كثيرا

أخي العزيز راسخ
كل عام وأنتم بخير وأشكركم على تهنئتكم الرقيقة لنا بالعيد
وقد حاولت تهنئتكم من خلال عنواني البريدي ولكن يبدو أن هناك مشكلة فيما يتعلق بإرسال الرسائل لديّ
وثانياً أشكركم على مروركم على ما أكتب
وأنا أيضاً أستمتع كثيراً بما تكتب
وأدعو الله لكم بالتوفيق

الأخ الكريم الأستاذ / د . إبراهيم محمد إبراهيم

السلام عليكم

استفدنا واستمتعنا بالجزء الأول والثاني من (فلسطين في شعر المقاومة العربي والأردي) ؛ أفادكم الله ،وزادكم علما ومعرفة وتميّزا وشهرة ،ونفع بكم الجميع ، وجزاكم أحسن الجزاء في الدنيا وفي الآخرة ...

وتقبلوا أطيب الأمنيات ، وفائق التقدير.

الأستاذ الكريم محمد علي الهاني
شكراً لكم على اهتمامكم بالمقالة والاطلاع عليها ، وندعو الله أن يفرّج هم وكرب الشعب العربي العظيم في فلسطين .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد إبراهيم
شكراً جزيلاً، استفدنا كثيرا بالجزء الأول والثاني من مقالتك
جزاك الله أحسن الجزاء في الدنيا وفي الآخرة ...

وتقبلوا فائق الإحترام والتقدير مع أطيب الأمنيات

الحافظ عبدالماجد