الأستاذ الجامعي العربي وبعض ظروفه المحيطة؟!
الأستاذ الجامعي العربي وبعض ظروفه المحيطة؟!
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي*
في بلداننا العربية، كثيرا ما نصادف فيها عوامل الاعتداء على تطبيع الأوضاع المؤسساتية للدولة وعلى تثبيت سلطة القوانين ومرجعية مؤسسات المجتمع المدني، ونجابه أيضا أول ما نجابه ضروبا من الاعتداء على العقل العلمي للمجتمع وعلى مؤسسة هذا العقل ومنطقه العلماني الحداثوي المعاصر بالمعنى الأشمل للعلمنة والتحديث لا بمعنى تفريغهما ووضعهما في تعارض مع قيم المجتمع ومعتقداته المكينة لأمور مبيَّتة معروفة...
ونحن هنا بصدد تشخيص بعضا من تلك التجاوزات الخطيرة التي يتعرض لها العقل العربي ممثلا بالأستاذ الجامعي الباحث بآليات العلم ومنطقه عن وسائل تحقيق الرفاه والحياة الإنسانية المستقرة لمجتمعنا في عصر العلوم والمعارف والتكنولوجيا..
إذ نجد أول ما نجد مشكلات التدخل في مؤسسته وبيته العلمي أي الجامعات ومعاهد البحث العلمي وفي محاولة كبح سلطتها الموضوعية حيث يمثل التجاوز حداَ َ من الإهانة وقدرا من الاستباحة عبر التجاوز على قوانين الجامعات ولوائحها الموضوعية وعبر استلاب استقلالية شخصيتها المعنوية ومصادرة كثير من الحقوق..
فتعتدي إدارات بعض تلك الجامعات [قسرا] من خلال فروض خارجة عن الإرادة المستقلة على حريات البحث العلمي وعلى حجب النتائج المتوصل إليها بالبحث الحيادي الأكاديمي ومن ثم إجرائيا على أمور تتعلق بالترقيات العلمية شكليا وعلى حظر البحوث العلمية جوهريا ومنعها من النشر ومن التفعيل في الاستخدامات التي تدخل في بناء الحياة العامة للمجتمع ولمؤسساته المتنوعة..
ومن الاعتداءات ما يتعلق بتطبيقات وممارسات سلبية في أثناء انتقال الأستاذ من جامعة لأخرى ومن بلد لآخر سواء بشأن الحقوق المادية أم العينية في ضوء التعامل مع الدرجة العلمية ومع أمور تعاقدية أخرى.. فيدخل في شروط العقد الذي يكون فيه الطرف الأول ممثلا في إدارة بعض الجامعات أمور لا دخل لها بالعلم وبالمهمة الأكاديمية البحتة للأستاذ..
إن شروطا من نمط منع الأستاذ من ممارسة أيّ نوع من العلاقات البناءة مع مؤسسات المجتمع ومن ثمّ قطع الطريق على توظيف بحوثه في إعادة صياغة عمليات البناء الواسعة؛ ومن نمط منعه من الدخول في أية أنشطة غير أكاديمية من مثل دخوله في مؤسسات المجتمع المدني والتعبير عن رؤاه في الحياة العامة، إنَّ كلَّ ذلك يعني لا حجبه وقطع العلاقة بينه وبين المجتمع ومؤسساته بل قتل كل فرصة للتطور ومحاصرته في موضع يحرمه من التأثير في الحياة العامة بنائيا وتفاعلا إيجابيا كما هو المفترض في موقع العقل في إطار التركيب العام...
وبهذا فإننا بحاجة هنا لتوكيد عدد من الأمور المهمة في أية حملة للدفاع عن مشروع حضاري كمشروع الدفاع عن الأستاذ الجامعي العربي ومن ذلك:
01 حرية البحث العلمي: إذ ينبغي أن تضمن المؤسسات الجامعية العربية للأستاذ كل فرص الحرية الحقيقية للبحث العلمي من دون شروط وقيود وكوابح لا تمثل إلا بنية التفكير الماضوية التي تفرض لغة التخلف التي جاءت إلينا عبر أزمنة التراجع والتبعية المباشرة وغير المباشرة لكل ما استلب هويتنا الإنسانية المتفتحة.. ومن تلك الضمامات ألا يتهدد البحث العلمي أية أمور معيقة معرقلة...
02 استقلالية المؤسسة الأكاديمية: لابد من ضمان استقلالية المؤسسة الأكاديمية لتستطيع بالفعل تحقيق الضمانات في حرية البحث العلمي وحماية الأستاذ من التهديدات التي تجابهه هو وبحوثه أيا كانت...
03 دعم مكانة الأستاذ وموقعه في المحيط المؤسساتي العام: إذ من دون النظر لمكانة مميزة للأستاذ الجامعي ستبقى عملية استباحته والاستهانة بقدره وبدوره المميز في عمليات البناء والتطوير والتغيير عاملا معرقلا خطيرا لأداء مهامه المنتظرة المؤملة... ولقد كرمت الديانات السمحاء والمعتقدات وتقاليد المجتمع الإنساني المتفتح عقلاء القوم وحكماءهم فكيف نسمح اليوم بتلك التجاوزات على مكانتهم بيننا في زمن التقدم والعلوم!؟
04 توفير الحماية الأمنية لحياته بوضع حدّ للتهديدات التي يتعرض لها من جهة تكفيريين جهلة أو من جهات استغلاله في ظروفه الحياتية المباشرة... ومعروفة حالة التكفير وهدر دماء العلماء الباحثين على مستوى البلدان العربية كافة حتى أن كثيرا من الساتذة تركوا بلدانهم قسرا لهذه الأسباب التي تهددتهم وعوائلهم في حيواتهم بالتحديد...
05 تلبية حقوق الأستاذ الجامعي المادية سواء منها المرتبطة بمعيشته وحياة أسرته أم المتعلقة بدعم أنشطته بوصفها أنشطة تخص تطوير الحياة العامة وإعادة بنائها إيجابيا... ومعروفة أهمية تفرغ الأستاذ للبحث العلمي ومنع إشغاله بلقمة العيش وضنك تفاصيل حياته اليومية ومعاناته في بؤس ما يتحصل عليه من فتات لا يسد رمق تحت خط الفقر.. ومقارنة بين أجور الأستاذ العربي في دولة متقدمة أو دولة إقليمية مجاورة غير عربية سنجد البون الشاسع بين الأجرين ولكن الطامة لا تكمن في هذا الفرق بل في كون الأجر الزهيد يجبره على الانشغال في أنشطة لتلبية متطلبات لقمة العيش وترك البحث العلمي المنتظر منه... والأكثر خطورة هو تدهور الحالة المادية لحدود جلبت دخلاء على مهنة الأستاذ الجامعي دفعت بهم لتشوهات الفساد لتلبية تلك الحاجات بما يضرب العملية الأكاديمية في الصميم والجوهر ويعيدنا لمواضع أشد فقرا علميا وأخطر في تهديد مستويات تخريج دفعات جديدة مريضة خاوية الوفاض..
06 توفير فرص البحث العلمي من وسائل نشر ومختبرات وفرص دعم الحملات الميدانية لأنشطته: وتبني تلك الأنشطة من مؤسسات الدولة وشركات الانتاج بمختلف القطاعات الاقتصادية وغيرها، لأننا من دون هذا الدعم سنترك البحث في حدود ضيقة لا يمكنه الذهاب فيها إلى أبعد من أطر محددة محدودة لا تفي بالنهوض بمهام معالجة الخلل والتفاوت في حجم الفروق بين مجتمعنا وعصره في مجالات خطيرة الأهمية ما سيجعلنا عرضة للبقاء نهب مراكز قوى دولية وإقليمية.. وهذا هو مربط الفرس كما يقول العرب الأقحاح في مسألة دعم الجهود العلمية البحثية في المؤسسة الجامعية بالتحديد دعم الأستاذ الجامعي بهذا الخصوص...
07 دعم الجامعة ذاتها وتوفير متطلباتها على وفق خططها الموضوعية بمنحها أولوية مناسبة في الخطط الوطنية المعتمدة.. بمعنى التخصيصات المالية وغيرها في الميزانية السنوية للدول العربية.. ومعروف الحجم الضئيل والمشين في تخصيصات التعليم العالي عامة ومن ثمّ وضع الأستاذ الجامعي خاصة..
08 إنَّ دعم الأستاذ الجامعي العربي ينتظر دعم روابطه الأكاديمية وجمعياته ونقابة التدريسيين ودعم أنشطته غير الأكاديمية مثلما يتطلب قبل ذلك تفعيل عقد مؤتمرات البحث العلمي وتعزيز مكانة تلك المؤتمرات القطاعية التخصصية وتفعيل العلائق بين الجهات الرسمية الأكاديمية التخصصية على مستوى البلدان العربية كافة..
09 ومن الطبيعي أن يكون لاتحاد الجامعات العربية وفروعه التخصصية على مستوى الكليات والأقسام العلمية موقع الاستماع لمقرراته ليس في إطار جامعة الدول العربية المحاصرة في محاولاتها حسب بل في أوسع نطاق على مستويات كل بلد عربي يلتزم بمقررات موضوعية صدرت وتصدر من الاتحاد الذي يرتقي يوما فآخر من أجل تعزيز مكانة الستاذ الجامعي وتطوير مؤسسته العلمية الأكاديمية البيت الجامعي...
10 منح فرص استثنائية لاستدعاء الأستاذ الجامعي العربي من مهجره بعقد مؤتمرات سنوية بالخصوص للمهجريين في بلد عربي أو آخر بشكل متنقل دوري والعمل على استثمار بحوثه العلمية في بلدان عربية قبل المهجرية.. وأول هؤلاء أولئك الأساتذة الذين هُجِّروا قسرا بسبب تكفيرهم من جهلة القوم..
11 عقد ملتقيات مشتركة بين أساتذة الجامعات العربية في مختلف التخصصات بشكل دوري والعمل على توحيد اللوائح العلمية بين تلك الجامعات بما يحفظ حقوق الأستاذ بالتحديد وأولا...
12 دعم مشروعات الأستاذ الجامعي العربي سواء في الوطن أم في المهجر بتوفير فرص وافية بشأن طباعة البحوث والكتب والمؤلفات أم الدوريات العلمية أم بشأن توزيعها والارتقاء بها لمصاف ما يوجد من دعم في بلدان التقدم الكبرى...
13 إيجاد جائزة ودرع لحرية البحث العلمي ولكل جهد في مختلف ميادين البحث والدراسة وأن تكون هذه الجائزة سنوية وبحجم يتناسب ومكانة الستاذ وبحثه وجهده العلميين...
وليس لنا هنا بعد هذه الوقفة العجلى إلا أن نقول: إنَّ الأستاذ الجامعي العربي يقف في جدول التدرج عالميا في البحث على أعلى مستوى ولكنه في درجة الاهتمام والرعاية والدعم يقبع في مؤخرة قوائم التقويم عالميا حتى أننا نجد الأستاذ الجامعي في وقت يقدم أروع البحوث ,اكثر النتائج العلمية تميزا، في الوقت ذاته يجلس في بيته محاصرا مستلبا مهموما بشؤون حياتية مادية تطحنه وتطحن معه عائلته وبيته... وابعد من ذلك فهو واقع تحت تهديد أخطر يمكن في الاختطاف والابتزاز وفي التهديد المستمر بالقتل والتصفية والإبادة كما يحصل في أكثر من بلد عربي... فهل بعد ذلك ما يمكن السكوت عليه؟؟؟
لنعمل على توسيع حملة إقليمية ودولية لدعم العقل العلمي العربي ممثلا في الأستاذ الجامعي في الوطن والمهجر وعسانا نسطيع تحقيق بعض نتيجة إيجابية في حملتنا واثقا من أن جعل الحملة مستمرة أمر مطلوب حتى يتحقق لها هدفها..
على أننا في هذه الحملة لا نقصد إلا أهداف إنسانية بحتة لا تعادي طرفا بل تعمل على تعميده إذ أننا بتحقيق الأهداف الطموح للأستاذ الجامعي نعمِّد مؤسسات دولة عصرانية محدثة مجددة تلبي مطامح الإنسان فيها وعليه فإن الحملة تدخل في إطار تعميد الدولة بتحديثها وتطوير مؤسسات مجتمعها المدني والارتقاء بها لمصاف العصر ومحدداته... وعلى مستوى الجماعات والفئات في المجتمع العربي بكل دوله يجري تعديل السمارات موضوعيا وتطهير المجتمع من الخلل الخطير الذي أصابه بإباحة سمات تعادي العقل ومنطقه الذي كرمته الديانات السماوية والمعتقدات والأعراف الاجتماعية الإنسانية المتفتحة...
ولنكن يدا بيد ونتصل باتحاد الجامعات العربية وبالجامعات العربية وبالأستاذ العربي في الوطن والمهجر ونجمع الرؤى والملاحظات بتشكيل لجنة بالخصوص ومن ثمّ لنضع توصيات الحملة وملخص قراراتها وما تتوصل إليه بصيغة موضوعية إجرائية محددة لكي لا نكون أصحاب أقوال لا أفعال.. وفبركات سياسية وخطابات فارغة في وقت نحن بحاجة للفعل وكل البركة في الحركة وبوركت خطوات حملة "واتا" بالخصوص لنكن سويا فيها...
نائب رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك \ رئيس رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا \ رئيس لجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر04 2007/02/
tayseer54@hotmail.com E-MAIL:
قضية الأستاذ الجامعي العربي
الزميلات والزملاء الأعزاء،
لا يسع المرء إلا أن يشد على أيديكم مؤازرا لموقفكم من قضية الأستاذ الجامعي العربي عامة والعراقي خاصة وتعبيرا على التضامن المطلق على كل قرار تأخذونه لإنصافه وحمايته وضمان كرامته وتوفير الشروط الضرورية للقيام بعمله في أحسن الظروف.
اسمحوا لي أن أثير الانتباه إلى ضرورة تحديد ما يشتكي منه الأستاذ العربي بكل دولة عربية - أو بلد عربي – على حدة إذ أن المعيقات ليست نفسها وأن القضايا التي يواجهها كل بلد عربي في هذا الإطار بالضبط ليست بالضرورة من نفس الطبيعة ولا بنفس الشكل ولا بنفس الحدة كما أن إمكانيات الحلول المتوفرة في كل بلد عربي تختلف باختلاف الثقافات السياسية والنقابية والتاريخية لكل بلد. فمن البلدان العربية من قطع فيها الأساتذة أشواطا كبيرة في فرض رأيهم كمجموعة مهنية منظمة نقابيا وذات وزن سياسي حقيقي.
يبدو لي أن مناقشة وضع قضية الأستاذ الجامعي تكون أجدى إن تمت ضمن مناقشة قضية الجامعة العربية ووظائفها العلمية والاجتماعية والثقافية والسياسية في تحقيق مشروع مجتمعي متحرر ديمقراطي يضمن للناس كلهم فضلا عن حرية التعبير والانتماء والاختيار والاختلاف نفس فرص تحقيق السعادة والثراء والهناء وتحمل كل أنواع المسؤوليات الاجتماعية والسياسية والإدارية والاقتصادية دون أي استثناء وبغض النظر على جنسهم وعرقهم ودينهم وانتماءهم القبلي أو العائلي مهما كان هذا الانتماء. بعبارة أخرى، لن يكون لتشخيص وحل مشاكل الأستاذ الجامعي العربي معنىًٍ إلا في إطار تشخيص وحل كليين للوضعية السياسية والثقافية والاقتصادية لكل بلد على حدة ثم للكتلة العربية ككيان يمكن تحقيق وجوده في الواقع كما يبدو أنه موجود في مخيلة الناس – عربا و غير عرب – أو كما يعتقدون أنه يجب أن يتحقق.
من ناحية أخرى، إن لم تكن الجامعة العربية مؤسسة علمية مستقلة هدفها إبداع حلول – أو آراء عن طريق البحث العلمي الملائم – قابلة للتطبيق تستشرف المستقبل من خلال الخاصيات الحضارية والمميزات الثقافية والتاريخية للشعوب فلن يكون معنى للحديث على الأستاذ الجامعي الذي نطلب منه أن يحقق لنا التحرر العلمي والتكنولوجي والثقافي والانفلات من التبعية الثقافية والسياسية. فهل الأستاذ هو الذي سينتج لنا جامعة عربية أم أن تصورنا المجتمعي والسياسي للجامعة العربية والصلاحيات المؤسساتية والإمكانات المادية والبشرية هو الذي سينتج الأستاذ الذي سنريده. فهل نحن قادرين على أن تصور التدريس والتكوين والتدريب وإنتاج التقنين والفنيين كأدوار ثانوية وفرعية للجامعة وأن دورها الحقيقي هو إيجاد الظروف الفكرية الملائمة لخلق فرص التغيير المجتمعي والسياسي وإحداث الاستعداد العام للمجتمع لتقبل المراجعة النقدية والتحليلية للتاريخ التي ينتج عنها تصحيح كل العلاقات الغير العادلة والغير المحترمة لكرامة وحرية وحقوق رجال ونساء وأطفال البلدان العربية.
الجامعة عنصر من عناصر المؤسسة الدولتية فلا تغيير لها دون القبول بتغيير هذه المؤسسة وهذا ما يبدو لي أن الكثير منا لازال لا يقوى ليس على المطالبة به ولكن على التعبير عنه بوضوح مفاهيمي جلي يسمي كل ما يجب تغييره من سلط ومن تبريراتها الإديولوجية والتاريخية وتوزيعها بين الناس.
أجدد الشكر الجزيل على إتاحة هذه الفرصة والتعبير عن التقدير والاحترام لشجاعة ورحابة لصدر واستماتة المسئولين على هذا الصرح الكبير – واتا.
زميلكم
عبداللطيف زكي، الرباط، المغرب