مسرحية أصحابي لاتخذلوني - أمينة رمضان صالح

مسرحية أصحابي لا تخذلوني
للكاتبة : أمينة رمضان صالح

حجرة نوم لطـفل في العاشرة من عمره مستلقي في سريره وبجانــبه الأدوية وكوب ماء، وكرته وهي "كرة لها يدان ورجلان ورأس وتتكلم"، وباب الحجرة له أيضا "وجــهه ويدان قصيرتـان".
سالم : اووووه لقد مللت الفراش .
الكرة : انتبه لخطواتـك .
سالم : يا الهي ..اه .. اه .
الكرة : حاول أن تستريح .. لا تجهد نفسك .
سالم : لست معتاد على ذلك.
الكرة: حالتك الصحية تتطلب ذلك.
سالم : لولا أجرائي للعملية لما حدث ما حدث.
يتحرك سالم ببطء ناحية التليفزيون يلتقط شريط عن مبارياته السابقة وعن فوزه بالكأس ويجلس لمشاهدته مع صديقته الكرة.
الكرة : إنهم يتمتعون بمهارة فائقة.
سالم : هدا بفضل التدريبات المكثفة من قبل المدرب.
سالم وقد امتلأت عيناه بالدموع قائلا بألم :
سالم : لقد اشتقت إليهم كثيرا.
الكرة : ستراهم قريبا .
سالم : أجل ... ووو .. لكنني لن أشاركهم اللعب.
الكرة: ظننت انك تجاوزت الأمر .
سالم : وووو..حاولت، لكنني لم استطع تجاوزه .
الكرة : اوووه .. يا ألهي ..مادا افعل يا بببوب؟
بببوب: تجلد يا عزيزي .. عليك أن تعتاد على الأمر.
سالم : لا أقوى على الابتــعاد عن الملاعب لا أقــــوى ووووو .. ووو.
بببوب:اقفلي هذا الشيء ، انه يزيد من ألمه.
سالم : وووو .. وو .. يا الهي .. لما حرمتني من اللعب ... اكره أن أكون عاجزا .
الكرة: تعال يا صديقي .. تعال إلى حضني .
سالم : ليتني لم اجر العملية لولاها لكنت معافى الآن.
الكرة : حالتك كانت خطرة .. ولولاها لما كنت على قيد الحياة.
سالم : لقد تم نقل دم ملوث لجسمي!.
الكرة : اعلم هذا .. لكنك لم تفقد كل شي ، لديك أصحابك ؟.
سالم : اجل أعلم هذا.
الكرة : امسح دموعك الآن .. ستزداد حالتك سوءاً أن واصلت البكاء.
سالم : شكرا لك .. أنت صديقة رائعة.
بببوب : أحم أحم ... هي فقط.
الكرة: ها ها .
سالم : ها ها .. وأنت أيضا صديق رائع يابببوب .
في ساحة مدرسة الأطفال
كريم : أهلا بكم يا أصدقائي .... ما بالكم ؟.
سليم : ألم تسمع بالخبر؟!.
يهز كريم برأسه علامة النفي.
احمد: لقد أصيب كابتن الفريق بمرض الإيدز.
كريم : ماذا؟؟؟ وكيف وصل إليه؟.
سليم: عن طريق الخطأ .. أثناء إجرائه لعملية .
كريم : من أخبركم بدلك ؟
سليم : والدته .
كريم :يا الهي .. انه روح الفريق.
سليم : خسرنا هداف لا يعوض.
كريم :؛ هل زاره أحد ؟!.
احمد : لم يجرؤ احد على ذلك !!.
كريم : سوف اذهب لزيارته.
احمد : توخى الحذر يا صديقي.
في بيت سالم .
سالم : اهلا بك ياصديقي .. لقد اشتقت إليك كثيرا.
كريم : وأنا أيضا .
سالم : اين بقية الفريق ؟
كريم: إنهم يتدربون لمباراة الاسبوع المقبل .
سالم : اتمنى لو كنت معهم .
كريم : انت دائما معنا .
الأم : تفضل العصير يا ولدي .
كريم : شكرا ياخالة .. حنجرتي تؤلمني .. ولا استطيع بلع شيء!!
في بيت كريم
كريم :اووه يا ألهي!!! ،علي الاغتسال جيدا حتى لا تنتقل إلى العـدوى .
احمد : كيف حال سالم ؟.
كريم: بخير وهو مشتاق اليكم كثيرا.
سليم : ونحن ايضا مشتاقون اليه .. لكننا نخاف العدوى.
كريم : سيعود سالم قريباً.
في الفصل الدراسي
المدرسة : انا سعيدة بإنضمامك إلينا.
سالم : شكراً لك .
سالم : كيف حالك يا صديقـي .؟.
احمد : بخير .. اعذرني سوف انتقل إلى المقعد الامامى لأني لا أرى جيداً !.
يقوم تلميذ أخر من مقعده ويلتحق بأحمد فيبقـــى المقعدان الذان أمام سالم فارغان . صالح : وانا ايضا سأنتقل من مكاني.
في فترة الاستراحة.
سالم : تعال ياصديقي .. شاركنى الطعام.
كريم : شكرا لك .. لقد سبقتك واكلت .
في حافلة المدرسة .
احمد : سليم تعال.... وأجلس معـنا.
سليم : حسناً .
سالم يجلس وحده في الباص وهو يبكي بغزارة والمقاعد الامامية فارغة وأصدقائه جميعهم في الكراسي الخلفية .
سالم : لما يعاملوني هكذا؟! لطالما كنت صديق الجميع .
امام المنزل.
سالم : وووو .. وووووو .. لم يعد أصحابي كما عهدتهم يا أماه! .. وووو.
االأم : سيحتاجون للوقت ليعتادوا .... هيا يا بني لندخل .
الكرة : اووه .. ها ها .. كيف كان يومك؟
سالم : سيء ... سيء جداً .
الكرة : ما الذي حدث؟.
سالم : الكل يتحاشاني .. ويفزع إن اقتربت منه.
الكرة : كل ما في الأمر إنهم يحتاجون للوقت.
الأم : جهز نفسك لتناول الغداء.
سالم : لا رغبة لي في الطعام .
ببوب : ما باله ...؟
الكرة : كان نهاره سيئاً .. انه مستاء من معاملة أصدقائه له.
ببوب : الم يتقبلوا الأمر ؟
الكرة تهز رأسها علامة النفي.
بببوب : اووووه .
الهاتف : ترررررررررررررن
الأم : سالم .. حبيبي .. كريم على الهاتف.
سالم : اوووه ... حسنا.
سالم : اتركني ياببوب .. انك تؤخرني عن كريم.
ببوب : ها ها ها ... حسنا .
سالم : أهلا ..كريم
سالم : تدريب .. اجل ..سأكون هناك
سالم : مع السلامة.
الأم : مادا؟!! ستذهب للتدريب !
الأم : حالتك لا تسمح لك بالتدريب.
سالم : لن العب يا أماه .. سأكتفي بالمشاهدة.
الأم : وعد.
سالم : اجل وعد .
في الملعب
سالم جالس يراقب الفريق يجلس بجانبه كريم وهـو متألم من قدمه ويشير إلى مهاجم جديد في الفريق يحمل رقم 25 .
سالم: من ذاك المهاجم ؟
كريم:انه خالد انتقل مؤخراً الى مدرستنا .
سالم : انه ماهر
كريم : لا أحد بمهارتك ياسالم .
بعد الانتهاء من التدريبات يوقف سالم المهاجم خالد.
سالم : انك لاعب موهوب
خالد : انك ايضا ماهر .. لقد سمعت الكثير عنك
سالم : للاسف .. لقد اوقفت اللعب بسبب حالتي الصحية
خالد : اوووه ...هذا أمرا مؤسف حقا..
سالم : سأهديك قميصي الرياضي .. لطالما جلب لي الحظ .
خالد : ولكن !!.
خالد :اوووه يا الهي!!.. ماذا افعل بقميصه؟!
سالم : خذه .
خالد : اعذرني لااستطيع أخذه.
سالم : لماذا ؟!!
خالد : لاني لا أريد أخذه .
سالم : وووو .. وووو .. ووووو .. ووووو.
الكرة : لا تبتئس ياصديقي.
تدخل الأغنية عن التمييز وعدم جرح الشعور.
سالم: أرأيت كيف تصرف معي!!.
الكرة : لا تآبه له .. هيا بنا نعود الى البيت.
في بيت سالم
سالم : اصبحت وحيداً ياأماه.
الأم : أصحابك لا يخافون منك .. بل من المرض الذي تحمله.
سالم : لكنني لن اؤذيهم .. هم رفاقي وأنا أحبهم .
الأم : انا متأكدة من ذلك .
سالم : سانقطع عن الدراسة.
الأم : ماذا؟!!
سالم : إنهم يعاملونني بقسوة يا أماه.
الأم : اصبر يابني .
سالم : لا استطيع الاستمرار هكذا لا أستطيع.
الأم : سالم بني .. سالــم .
ببوب: أي أي ي ي.. لقد آلمتني. .. لما تركلني بقوة .
سالم : ووو ووو وووو ووووو.
الباب : كف عن العويل .. وكلمني .
سالم : وووو وووو ووووو.
ببوب: ساعديني يا صديقتي .. فانا لا استطــيع الوصول اليه.
الكرة : أنا أيضا ارغب بالبكاء.
الباب : حبا بالله لاتزيدي الامر سوءاً.
الكرة : حسـنا .. حسنا .
الكرة : تعال الى يا صديقـي .
سالم : لم يعد لى أصدقاء .
الكرة: أنا صديقتك ولن اتخلى عنك.
ببوب : أنا أيضا صديقـك .
سالم : لا احد يجلس معي ،لا أحد يلعب معي، أشتاق إلى أصحابي ،وووو ،أنا أحبهم ،لما خذلوني ووو.
الباب :دعونا نفكر بـهدوء.
الكرة : لما لاتذهب الى المدرب أنا متأكدة من انه سيساعدك؟
سالم : اجل معك حق .. لطالما كان المدرب صديق الجميع.
في الصالة الرياضية
المدرب :كيف حالك يابني؟
سالم : سيئة جدا!.
المدرب : لماذا؟!!
سالم : هجرني اصحابي ..إنهم يخافون حتى الاقتراب مني.!!
المدرب : لا تحزن .. سأجد طريـقة نصلح بها الأمر.
سالم : كنت دوما عونا لي .. شكرا لك .
في المنزل
الكرة : هاه .. هل قابلت المدرب؟
سالم : اجل .. ووعدني بأنه سيصلح الأمر.
الكرة : عظيم .. ستواصل دراستك إذن.
سالم : لا .. لن اذهب للمدرسة .
الكرة :ماذا ؟!
سالم : ما سمعتي .
للكرة : الم يعدك المدرب؟
سالم : وعدني .. لكنني لا رغبة لي في مواصلة الدراسة.
الكرة : لما ؟
سالم : لا أستطيع الذهاب .. ووووووو
الكرة :اوووه .. يا الهي .. ما باله ..؟.
الكرة : تعال لنخرج .. فالطقس اليوم جميل
سالم : لا رغبة لي ..في شي .
الكرة : ساعدني ياببوب
ببوب : ما بك يا صديقي .. إلى متى تبقى في عزلتك ؟.
سالم : إلى أين اذهب المرض يداهمني ،ولعبتي المفضلة لا أزولها وأصدقائي تخلـوا عني، فلمن اخرج
الكرة : لكن مادا عنا؟ .. نحن أصدقائك الأوفياء ولن نتخلى عنك أبـدا.
سالم : سيأتي يـوم وتفعلون ذلك .
الكرة :اوووه .. أصبحت قاسيا جدا .
سالم : اتركاني لوحدي .. أرجوكما .
ببوب : انتظري يا عزيزتي.
الكرة : أسمعت .. أسمعت ما قاله ؟.
ببوب: اجل سمعت .. لكن لا تلوميه، فنفسه متكدرة .
الكرة : أنا حزينة لأجله .. أتمنى أن يفي المدرب بوعده.
في مسرح المدرسة
الطبيب : محاضرتنا اليوم بعنوان التمييز بين مرضى الايدز.
صالح : مامعنى كلمة تمييز ؟
الطبيب : هي عزل مرضى الايدز عن المجتمع والابتعاد عنهم .
سليم : لكننا نخاف على انفسنا من العدوى!!
الطبيب : هذا لان معلوماتكم خاطئة حيال هذا المرض!!
كريم : وكيـف ذلك ؟.
الطبيب : لنأخذ مثلا صديقكم.. سالم كيف تعاملتم معه ؟!
محمود : قابلته في الصف فخشيت مصافحته لئلا أصاب بالعدوى.
الطبيب : كان عليك مصافحـته لان المرض لاينتقل عن طريق المصافحة.
كريم : قمت بزيارته مؤخرا الا انني لم أتناول أي طعام فـي بيته.
الطبيب : أنت مخطيء يا بني فالمرض لا ينتقل عبر ملاعق الاكل او الأكواب.
صالح : لم اعد اركب حافلة المدرسة خوفا من العـدوى.
الطبيب : حرمت نفسك من رفقة أصدقائك فالمرض لا ينتقل بهذه الطريقة!
خالد : اهداني سالم قميصه فرفضته خوفا من العـدوى!.
الطبيب : لقد جرحت صديقك وآذيت مشاعره ، لاينتقل المرض عن طريق الملابس.
المدرب :أتعلمون ما الذي حدث عندما تعاملتم مع سالم بهذه الطريقة القاسية ؟
صالح: ما الذي حدث ؟
المدرب : انطوى سالم على نفسه ، ورفض تناول علاجه ، كما انه أنقطع عـن الدراسة وهو دائم البكاء أتدرون لـما ؟.
صالح : لأنه مصاب بالإيـدز ؟
المدرب : لا .... ليس هذا السـبب.
كريم : اذا ماهو السـبب ؟!!.
المدرب : يبكى لانه خسر أصحابه !!.
كريم : كلنا نحب سالم لكننا نخاف مــن العدوى.
احمد: كيف نقي انفسنا من المرض؟
الطبيب : عليكم أخذ الاحتياطات الطبية والابتعاد عن الـدم.
المدرب : سنكثف المحاضرات حول هذا المرض خلال الأسابيع القادمة ما عليكم سوى الحضور.
ينهض سالم فجأة من سريره ويتجه ناحية دولاب الملابس ويبدأ في البحث بين الملابس يمسك سالم بالقميص الرياضي ويحـــــاول تمزيقه فتدخل عليه صديقته الكرة مسرعة وتأخذ منه القميص يتدخل الباب ويشير إليه بيده قائلا:
ببوب : أسرعي يا صديقتي لا تدعيه يمزقه .
الكرة : ماذا تفعل؟!.
سالم : لم يعد له فائـدة .
تنهره الكرة بعد أن تخبي القميص وراء ظهرها وتقول له :
الكرة : اوووه يا ألهي ... أنت مخطئ .
ببوب :اجل يا سالم .. أنت مخطئ ، فقميصك يحمل الكثير من الذكريات الجميلة ،وأنت تعرف هذا جيدا.
سالم : لا أريد شي يذكرني بهم .. وو..وو.
الأصدقاء في المعلب.
كريم: أريد أن أساعد سالم لكنني لا أعرف كيف؟.
خالد : بالوقوف بجانبه .. وعدم التخلي عنه.
احمد : لقد اخطأنا في حق صديقنا.
كريم : مارأيكم ان نزوره في بيته.
الجميع : لامانع لدينا .
في منزل سالم
كريم : هل سالم بالبيت ؟
الكرة : اجل .. اجل .. تفضلوا .. تفضلوا .
ببوب : مادا حدث؟
الكرة : احضني يا صديقي فانا سعيدة جدا.
الكرة : سالم يا صديقي ... أصدقائك جميعهم هنا ويرغبون في رؤيتك.
سالم : ماذا ؟.
الكرة : هيا أسرع يا صديقي .. لا تدعهم ينتظرون .
ببوب : ها ها .. أسرع يا صديقي .
سالم : اهلا بكم يااصدقائي .. انا سعيد بزيارتكم.
كريم : ونحن ايضا يا صديـقي.
احمد : سامحنا يا صديقـي.
سالم : لا عليكم .. لقد نسيت كل شيء.
خالد : غدا المبارة وأحتاج الى الحظ .. فهل تعيرني قميصك ؟.
سالم : بكل سرور ياخالد .. تعرفين مكانه أليس كذلك؟
الكرة : اجل سأحضره لك .
الأم : تفضلوا العصير يا أبنائي.
تأتي الكرة ومعها القميص الرياضي.
سالم : خذ .... انه لك.
خالد : هل ستذهب للمباراة يا سالم .
سالم : سأكون هناك .
كريم : مرحى .. مرحى بالانتصارات .
احمد : عليك العودة الى الدراسة ياسالم .
سالم : سأعود .. مادمتم معي .. سأعود.
كريم : سأساعدك في مراجعة مافاتك من دروس يا صديقي .
ستار





من أجل بناء جيل خال من الأمراض والآفات ومحاربة معطلي هذا العصر .. آؤلئك الذين تستنزف قدراتهم العقلية والجسمية بالبحث وراء السراب المدمر والجري وراء الملذات الوقتية التي يتلاشى أمامها الضمير وتنعدم في غياهبها الحياة.

وإيمانا بأن (( العقل أمانة وأن الحياة أمانة )) ... فلنتضامن جميعا لمواجهة هذا الوباء وإبرازه أعلامياً ومن هذا المنطلق كانت هذه المسرحية - أصحابي لا تخذلوني
عمل يدعو الى نبذ التمييز ضد حاملي فيروس الايدز والالتفاف حول المريض لنشعره بإنسانيته .. فهو دعوة مفتوحة لاستمرارية التواصل مع هؤلاء المرضى ورفع معنوياتهم وإدماجهم في الحياة حتى يتغلبوا على معاناتهم وآلمهم.


ملاحظة :
استشارة طبية :
د. ناصر مادي – مستشفى طرابلس المركزي قسم امراض السارية- ليبيا.
استشارة نفسية:
د. صالح الحويج – عيادة الرحمة + د. بجامعة 7 أكتوبر مصراتة- ليبيا.

كاتبة العمل/أمينة رمضان صالح