الحروب الطائفية والمعارك الجانبية
الطائفية والمعارك الجانبية
أيها الإخوة والأخوات،
السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته
ليس هذا هو وقت الحروب الطائفية والمعارك الجانبية. نعم هناك مشاكل بين العرب أنفسهم وبين بعض العرب وجيرانهم من الأتراك والإيرانيين والأحباش والأفارقة. هناك مشاكل وإختلاف بين المذاهب الدينية منذ مئات السنين. هناك صراع محتدم طويل في مجتمعنا حول السياسة والقضايا الإجتماعية والإقتصادية، بين الإستبداد والحرية، بين الوصاية والمساواة، بين السلطة الدينية والمدنية، بين أهل العقل والحكمة في أمور الدنيا وأهل الشرع والدين في أمور الدنيا والآخرة. من أجل ذلك سالت دماء كثيرة وهدمت صوامع وأهلك الحرث والنسل. تقاتل العرب في الأندلس واستعان أمراء الطوائف بالفرنجة ضد بعض. وتعاون بعض العرب والمسلمين مع الصليبيين ضد إخوانهم ووطنهم. وفي العصور الحديثة استعان البعض بالغزاة من لصهاينة والمستعمرين لتصفية الحسابات البينية وحسم القضايا الداخلية. حدث ذلك في حرب الخليج الأولي بين إيران والعراق وفي لبنان. ويحدث هذا في فلسطين والسودان والصومال والعراق أمام أعيننا وفي وضح النهار. حدث ذلك ويحدث أيضا عند أمم أخرى مقهورة مثلنا من قبل الغرب والغزو الإستعماري مثل الهنود والكوريين والفيتناميين والأفغان والأفارقة واليوغسلاف. ماذا كانت النتيجة، وإلى أين انتهت بنا هذه السياسات الخرقاء والحروب الجنونية المصطنعة؟ من ترى يوقدها ويسعى إليها، كي نفتك ببعضنا أو يفتك بنا معا، عربا ومسلمين وآسيويين وافارقة ويوغوسلاف؟ من هو المستفيد الحقيقي من كل هذا الدمار والإفناء المتبادل؟ كل ذي عقل سليم وضمير حي يعرف الفاعل والمستفيد الحقيقي الذي يثير هذه الفتن ويقف ورائها ويجنى ثمارها. أما إذا بقينا هكذا نفكر بعقول أعدائنا في تل أبيب وواشنطن ولندن وباريس، ومن تبعهم بسوء من "المعتدلين" وإخوان الشياطين في رام الله وعمان والرياض والقاهرة وبيروت ومعارضات الفنادق العائدة على دبابات "التحرير" الأمريكي الصهيوني، فلن تقوم لنا قائمة بعد اليوم أبدا.
ترتيب الأمور وتحديد الأولويات
أيها الإخوة والأخوات،
يجب أن نرتب أمورنا ونحدد أهدافنا وأولوياتنا بشكل واضح وصحيح وأن نعرض مواضيع الساعة والمرحلة حسب أهميتها وخطورتها.
تحديان أساسيان
حسنا، نحن أمام تحديين خطيرين على الأقل:
التحدي الأول خارجي، وهو الإستعمار الغربي الصهيوني وما يرتبط به من حروب عدوانية وغزو وإحتلال، وما يتبع ذلك من قتل وترويع وقهر وتشريد وحصارات لا تنتهى
التحدي الثاني، داخلي ويشمل الإستبداد السياسي وإغتصاب السلطة ومصادرة الحريات العامة والإضطهاد الديني والعصبية وقمع الأقليات، وكلها قضايا قديمة عانت منها المجتمعات الإنسانية كلها بدرجات متفاوتة ومتقلبة منذ آلاف السنين. والسعي لحلها لم يتوقف، ولا يجوز أن يتوقف أبدا. رغم ذلك فإن حل أي من هذه الإشكالات لا يتعلق بإرادة الشعوب أو وعيها وحسب، بل يرتبط بظروف إجتماعية وسياسية وإقتصادية وعالمية، يجب أن تراعى أيضا وتؤخذ في الحسبان. من جهة أخرى، إنه من الوهم والسذاجة، أن يحسب أحد بأنه يمكن حل كل هذه المشاكل ومحاربة كل الأعداء دفعة واحدة أو أنه يمكن حلها بمعزل عن بعض. التاريخ والحياة يعلماننا دائما أن وضع الأولويات في كل لحظة أمر هام جدا، لأن التحالفات والأعداء والأصدقاء والأقوياء والضعفاء، بل حتى الأخيار والأشرار والحميد والذميم يتبدلون دائما وتتغير الأدوار على مر التاريخ.
إنه شيء سيء أن تضطهد الأقلية العربية في منطقة الأهواز من جانب النظام الإيراني، ولا أظن أن أحدا منا ينكر وجود هذا أو يدعمه أو لا يتألم له. لكني أرى أن هذه ليست المسألة الحاسمة في الأمر، وليس النظام الإيراني وحده هو من يقوم بهذا. ليس علينا إلا أن ننظر إلى البلدان المجاورة لإيران بدون إستثناء كي نكتشف أن قمع الأقليات والتنكر لكثير من حقوقها يصل في بعض الأحيان إلى درجات أخطر مما في إيران نفسها. لنأخذ الشيعة في الباكستان أو السعودية أو الأكراد في تركيا أو غير الأكراد في شمال العراق أو البدون في الكويت أو الأقباط في مصر أو الأقليات في السودان أو اللاجئين الفلسطينيين في معظم الأقطار العربية. في كل هذه الحالات نجد نفس المشكلة، بعضها متفجر، وبعضها مكتوم في الصدور أو متحفز ينتظر إطلاق الشرارة الأولى. والسبب واحد غالبا، هو الإستبداد السياسي وضعف المؤسسات الدستورية والمدنية وغياب الشفافية وحرية الرأي ونكران حقوق الضعفاء والمهمشين والتعصب الأعمى، الذي يغلف كل هذه الأجندة.
هذه بعض المشاكل الخطيرة التي نعاني منها في جميع الأقطار العربية والبلدان الإسلامية وتهدد أمننا وسلامتنا. هل من مصلحتنا صب الزيت وتفجير هذه الصراعات لدعم هذه الأقليات المعذبة؟ أم أن المصلحة العامة تتطلب تجاهلها؟ لا هذا، ولا ذاك.
الحل الأول
شبه القارة الهندية
الحل الأول جرب في شبه القارة الهندية بعد الحرب العالمية الثانية بدعم غربي وأدى إلى تقسيم الهند إلى دولتين أولا: الباكستان والهند، ثم قسمت الباكستان نفسها فيما بعد إلى دولتين ليصبح المجموع ثلاث دول. كانت النتيجة توترا دائما وإندلاع عدة حروب ضارية وصدامات طائفية خطيرة في كل أجزاء شبه القارة الهندية حتى يومنا هذا، كانت الباكستان منذ البداية قاعدة للإستعمار الغربي، ثم لحقت بها الهند بالتدريج بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي.
القرن الأفريقي بدوله الحالية الأربع: الحبشة وجيبوتي والصومال وإريتريا
كان أيضا مرتعا لأزمة مشابهة ومسرحا لأحداث مروعة، حيث أنهكته الحروب الأهلية الطاحنة وحولته أزمة الهويات المتصارعة والتوترات الطائفية المستمرة على مدى أربعة عقود إلى منطقة منكوبة بالنسبة لكل شعوبه.
إيران والعراق
أما كارثة تأزم العلاقات بين الجارتين إيران الثورة الإسلامية والعراق فقد بلغت ذروتها بإندلاع حرب طاحنة بعيد الثورة من عام 1979 إستمرت حوالي 10 سنوات، قضت فيها على الأخضر واليابس في كلا البلدين. أما دول الخليج العربي، التي أجبرت على تموين نفقات الحرب بحجة الحفاظ على أمنها فقد تحولت أراضيها إلى قواعد عسكرية للولايات المتحدة، للعدوان على العراق لاحقا، ثم إحتلاله.
من الأمثلة الثلاثة السابقة يتضح لنا مدي خطورة الحروب الطائفية والصراعات المسلحة داخل الدول العربية والإسلامية أو فيما بينها على أمن هذه الدول نفسها. كما يتضح جليا مدى حرص الدوائر الإستعمارية والصهيونية على إشعال مثل هذه الأزمات، التي تفتح الباب على مصراعيه لتدخلها وفرض نفوذها في شتى مناطق العالم.
الحل الثاني
أما الحل الثاني المتمثل في تجاهل قضية الأقليات المضطهدة فإنه يؤدي أيضا إلى نفس النتيجة بتفجير الأوضاع في اللحظة المناسبة.
الحل الثالث
أسس حل الأزمات الداخلية والحروب الأهلية وقضايا الأقليات
من هنا يظهر أن الحل الناجع والسليم لمثل هذه التوترات بين الشعوب الشقيقة ودول الجوار لا يتأتى أبدا بالقطيعة وإظهار العداء والتهديد بإستخدام القوة وإعلان الحرب والإستعانة بالدول الإستعمارية المعادية لكل الشعوب الحرة. لقد أثبتت كل التجارب الماضية، بأنه لا يوجد حل عسكري للأزمات الإقليمية وقضايا الحدود والأقليات في العالم العربي والإسلامي. وكل الحلول العسكرية سواءا على مستوى الدول أو ما يسمى بحركات التحرير (عندى تحفظ شديد على إستخدام مصطلح حركة تحرير، إذا لم يكن النضال موجها ضد الإستعمار الغربي والصهيوني) لم تستطع حل هذه المشاكل، سواءا في الهند أو العراق أو تركيا أو القرن الأفريقي أو السودان. كان تجار الحروب، الدول الغربية وإسرائيل، هم الداعمون الرئيسيون لإشعال هذه الأزمات والحروب والمستفيدون الوحيدون منها في إضعاف الدول المحلية وإحكام سيطرتهم وتغلغلهم في العالم.
الدول الغربية والولايات المتحدة وإسرائيل هم الأعداء الحقيقيون لجميع الشعوب العربية والإسلامية والمهددون الأساسيون لأمنها وسيادتها وإستقرارها، وأي نزاع بين الدول العربية والإسلامية أو الأفريقية يضعف تضامنها مع بعض ويزيد من إعتمادها على الغرب والصهيونية أو يدفعها إلى الإشتراك في الأحلاف والمعاهدات الإستعمارية مثل حلف الأطلسي.
إن الحل يكمن فقط في التضامن والوقوف صفا واحدا في دعم حركات التحرر وضد الأطماع والهيمنة الغربية الصهيونية، وفي الإحترام المتبادل وتطوير العلاقات الثنائية في إتجاه الوحدة وبناء الثقة والحوار البناء وإرساء مؤسسات المجتمع المدني والمعالجة السلمية لكل الخلافات والتجاوزات داخل الدول العربية والإسلامية والأفريقية وبينها.
نعم، يجب أن نتضامن مع جميع المظلومين والمهمشين في الدول العربية والإسلامية ومع جميع الأقليات، العربية وغير العربية كي تنال حقوقها كاملة ويتحقق العدل والمساواة بين جميع المواطنين، لكن يجب أن يكون تضامننا إيجابيا، لا يضعف الأمة ولا يشق كلمتها أو يشعل الحروب بينها لمصلحة المستعمرين والغزاة الصهاينة.
والسلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته
عبد العزيز العرفج
نحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر