السلام عليكم
الحقيقة أنني أحترم الدكتور كرم زعرور كإنسان وأديب ومبدع، ولكنني لا أعلم إذا ما استحال بلوغ هذا الإبداع إلى مناح أخرى كالقراءة السياسية الحصيفة لمثل هذا الموضوع الذي تطرق إليه الدكتور. ومن أولى أبجديات القراءة السياسية لأي حدث هو القدرة على التحلي بالموضوعية والرصانة والابتعاد عن الابتذال وافتعال المعارك مع طواحين الهواء. وهذا ما نتوخاه في أي موضوع بواتا حيث إعمال الفكر والتأمل والقدرة على التعبير الحر والمتوازن والصادق الذي ينطلق من ضمير حي يعبر عن الأمة وآلامها وتطلعاتها.
ومما لا شك فيه أن مجمل ما تطرق إليه الدكتور كرم -مع كامل الاحترام لشخصه- لا يعبر سوى عن تفكير تأملي ذاتي بحت ولا علاقة بما يجري على أرض الواقع. وأول هذه المفاهيم غير الملتحفة مع صميم الحقيقة هو إطلاق صفة "السقوط" على ما جرى في قطر من تغيير لرئيس الوزراء. وهذا يدل بوضوح على تمنيات ورغبات خيالية بهذا "السقوط" المزعوم، ويدل كذا على عدم استيعاب فكرة أن حمد بن جاسم ليس سوى منفذ للخطوط العامة للسياسة الخارجية لقطر، ومن يرسم هذه السياسة هو قائد البلاد ممثلا بالأمير، وأن هذا التغيير لم يأتِ بلحظته بل هو مخطط له من أكثر من عام وحدثت تسريبات كثيرة تشير لذلك منذ ما يقرب من 6 شهور. ويبدو أن أنصار النظام السوري على كافة مشاربهم سيتذكرون بالخير سياسات الأمير المتنحي الشيخ حمد بن خليفة، ذلك أن الأمير الجديد الشيخ تميم يحمل بوادر توجهات أكثر حدة من سلفه تجاه الوضع في سورية، وذلك من المعلومات المتواترة لدينا من المقربين من الأمير الجديد. وقد يقول قائل إن "قطر -هذه الدولة المجهرية بالخريطة- لا ولن تستطيع التأثير على دولة كبرى كسورية" فنقول هذا صحيح، وهذا يعني أيضا أن قطر لا تملك مقدرة على تحريك الأحداث في سورية أو حتى التحريض عليها. وبالتالي كيف نصدق زعم أن قطر والدول الخليجية الأخرى مسؤولة عن إسالة الدم السوري؟ فهذه المزاعم تعبر عن حالة مخزية من التهرب من مسؤولية الواقع المرير الذي خلقه هذا النظام على شعبه. لكنني مستعد لتصديق هذا الزعم بالذات إن كان يشير إلى تخاذل الدول الخليجية عن نصرة الشعب السوري المقهور وجبنها في مواجهة مسؤولياتها أمام الله كواجب ضروري وحتمي وانتظار الضوء الأخضر من الغرب لأداء هذا الواجب الحتمي وهذا هو "عيب العيب"، وترك الساحة لهذا النظام المجرم ومن استعان بهم من مرتزقة إيران والعراق وحزب الشرور لينهشوا بأجساد هذا الشعب الصابر الذي لم يطالب سوى بكرامته وحريته كسائر الشعوب العربية. لكن يبدو أن صنيعة المؤامرة خُتمت على كل ما يريده الشعب السوري المظلوم، وهي صنيعة تستفيد منها الصهيونية الدولية والغرب الاستعماري الذي يضع خطا أحمرعلى حرية شعب الشام الكبير وحصوله على استقلاله الكامل لأنه يهدد بلا شك عرش الكيان الصهيوني الذي تعاقد على حمايته النظام السوري منذ عام 1974 (راجع في ذلك تفاصيل مفاوضات حافظ الأسد مع هنري كيسنجر المطوّلة).
أما الجزائر التي تطرق لها الدكتور -بعجالة كما يبدو- وملاحظة مندوبها والرد عليه، فإن هذا من طبائع الأمور. فلا شعب عربي واحد يرضى بالاستمرار تحت حكم منظومة "سايكس بيكو" التي ينضوي في إطارها كل نظام عربي يمارس القمع والترويع لشعبه بما فيها النظامين الجزائري والسوري. أما أنظمة دول الخليج فهي لا تخرج بدورها عن هذه المنظومة وهي لم تقصر في ممارسة قمع الحريات العامة أما الدور في مطالبتها بإطلاقها فهو قادم أيضا، إلا إنها لم تصل لمستوى إجرام هذين النظامين حيث ارتكب الأول مجزرة يندى لها الجبين بذبح ما يزيد عن 400 ألف قتيل بشعبه وسار الثاني على درب الإجرام والموبقات فقتل ما يفوق 100 ألف قتيل خلال عامين فقط والرقم بازدياد.
ومن اسوأ الأمور أن ينبري كاتب للدفاع عن نظام من خلال انتقاد آخر، تحت حجة "الوطنية والذود عن البلاد". وهذا ما يستحضر لنا مقولة "ملكيون أكثر من الملك" فنحن كشعوب علينا أن نتبرأ من هذه الأنظمة تبرأ رجل واحد، وعلينا ألا ندنس أقلامنا بشبهة الدفاع عن أحد منها فهذا ليس من "الوطنية" بشيء، وعلينا كذلك أن نقف بشجاعة لمواجهة الأضرار التي خلفها بقاء هذه الأنظمة.
وتقبلوا أطيب تحية