تم .. تم .. تم .. أسلوب جديد ركيك
تم.. تم.. تم..
أسلوب جديد ركيك
هذا مقال في اللغة العربية لم يتشرف صاحبه بأن يكون من علمائها المتخصصين بها؛ غير أنه من محبي هذه اللغة الشريفة لغة الكتاب العزيز، يسره ما سرها ويسوؤه ما ساءها. وإنه لمما يسيء إليها أن يستبدل أهلها بعباراتها الفصيحة عبارات ركيكة فرضوها عليها تقليداً للغات أجنبية لم تبلغ من شأو الفصاحة مبلغها، ثم أشاعوها حتى صارت على لسان الصغير والكبير والعالم والجاهل.
انتبهت إلى مشكلة (تمّ) هذه قبل أكثر من عشر سنوات حين قدم أحد إخواننا السودانيين ـ الدكتور عثمان أبو زيد ـ رسالة للدكتوراه في الإعلام من جامعة الإمام، كانت عن لغة الصحافة العربية. وجد الدكتور أن كلمة (تمّ) هي من أكثر ـ إن لم يقل أكثر ـ الكلمات تكراراً في صحفنا. تعجبت لذلك، ثم بدأت أرصد لغتنا الحديثة، فوجدت أن الأمر ليس قاصراً على الصحافة، بل هو شائع في كتبنا وأحاديثنا ومحاضراتنا .
نظرت في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم فوجدت أن كلمة تمّ لم ترد في القرآن كله إلا مرة واحدة! وأن كلمة تمت وردت ثلاث مرات، وأما الصيغ الاخرى: أتم، يتم، أتمم، تماماً، متمّ ـ التي ليست موضوع حديثنا ـ فلم ترد كلها إلا أربعاً وعشرين مرة.
ثم بدأت ألقي بالاً لورود هذه الكلمة فيما أقرأ من كتب الأقدمين وأشعارهم، فوجدت أن نسبة ورودها فيها قليلة جداً ربما كانت كنسبة ورودها في كتاب الله تعالى. قلت في نفسي: ما الذي اكتشفناه نحن في قرننا المتأخر هذا في هذه الكلمة مما لم يكن يعرفه أهل هذه اللغة؟ هل وجدناها هي المعبرة عن معنى جديد هو من لوازم عصرنا؟ أم ماذا؟ ثم وجدت الإجابة أمراً مؤسفاً. وجدت أننا صرنا نستعملها ـ في أكثر الأحيان ـ بدلاً عن صيغة نائب الفاعل المعروفة؛ فبدلاً من أن نقول: فُعل الشيء صرنا نقول تم فعله. من أمثلة ذلك ما تسمعه او تقرؤه في بعض الصحف والقنوات من مثل قولهم: تم إغلاق مكتب الحزب، تم اكتشاف دواء جديد، تم تعيين فلان للمنصب الفلاني، تمت ترقية فلان، لم يتم العثور على أسلحة الدمار الشامل، وهكذا.
كان الاستعمال الغالب لهذه الكلمة بمعنى إكمال الشيء الناقص، ولذلك لم تكن تستعمل إلا مع الأسماء. من أمثلة ذلك في كتاب الله:
{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142] .
{قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ} [القصص: 27].
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِـمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233].
ومما جاء في الحديث:
فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا.
ومما جاء في الشعر الجاهلي قول النابغة:
أني أتمم أيساري وأمنحهم
مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما
قال ابن فارس: «تتميم الأيسار أن تطعمهم فـوز قدحـك فلا تنتقص منه شيئاً».
أما الاستعمال الحديث الركيك فلا علاقة له بإتمام شيء ناقص، وإنما صارت الكلمة تستعمل للتعبير عن فعل لم يسم فاعله. كنت أظن أن كل هذا التغيير حدث خطأ وغفلة، غير أن بعض الشباب بالجامعة أخبرني آنذاك أن أستاذ الإعلام في البلد التي جاء منها كان ينهاهم عن استعمال صيغة نائب الفاعل ويصفها بأنها سخيفة. وينصحهم بدلاً من ذلك بأن يستعملوا صيغة تم فعله. قلت له: إن أستاذكم هذا لأحمق؛ لأنه لم يفعل شيئاً غير أن طوَّل العبارة. فإذا كانت الصيغة التي استسخفها لا تسمي الفاعل فصيغته أيضاً لا تسميه. كل ما هنالك أنها تستبدل بالكلمة الواحدة ثلاث كلمات. فبدلاً من أن تقول مثلاً: فهم المقال، وبيعت السلعة، وعوقب المجرم، تقول تم فهم المقال، وتم بيع السلعة، وتمت عقوبة المجرم. بل قال لي أحدهم إنها تقليد للصيغة الإنجليزية التي يوصف الفعل فيها بأنــه كامــل أو تام. فيبدو أن أحــد عباقرة المقلــدة قال: لماذا لا يكون لنا كما لهم فعل تام، فاقترح أن تضاف كلمة تم للتعبير عن هذا التمام، مع أن كلمة تام لا تستعمل في العبارة الإنجليزية، وإنما يوصف بها الفعل في كتب النحو!
إذا أردت أن ترى ركاكة هذا الأسلوب أو التركيب الجديد فانظر ما يحدث لو أنك عبرت به عن معاني الآيات التالية:
{إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإذَا الْـجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ *) وَإذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَت * وَإذَا الْـمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإذَا الْـجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإذَا الْـجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير: 1 - 13]
* كنت ستقول ـ حماني الله وإياك:
إذا الشمس تم تكويرها، وإذا النجوم تم انكدارها، وإذا الجبال تم تسييرها، وإذا العشار تم تعطيلها، وإذا الوحوش تم حشرها، وإذا البحار تم تسجيرها، وإذا النفوس تم تزويجها، وإذا الموؤودة تم سؤالها بأي ذنب قتلت، وإذا الصحف تم نشرها، وإذا السماء تم كشطها، وإذا الجحيم تم تسعيرها، وإذا الجنة تم إزلافها.
فهل يقول مثل هذا إنسان بقيت له أثارة من حس جمالي، أو سليقة عربية؟ كلاَّ. ولذلك فإن أكثر الناس استعمالاً لكلمة تم بهذا المعنى لا يلتزم بها في كل حال، بل يجد نفسه مضطراً للجوء إلى الصيغة الفصيحة(1).
كيف إذن نصحح هذا الخطأ الذي رسخ في أذهاننا سنين عدة؟ إن اول خطوة هي أن نكون مقتنعين بخطئه وقبحه، ثم إذا كان الواحد منا كاتباً فعليه أن يراجع ما كتب ليحذف منه كل ورود لكلمة تم بهذا المعنى الغالط، وإذا كان مصححاً في صحيفة أو دار نشر فعليه أن يفعل مثل ذلك. ثم على الأساتذة ولا سيما مدرسي اللغة العربية أن ينبهوا طلابهم إلى هذا حتى لو كانوا هم أنفسهم من الذين يرتكبون هذا الخطأ.
أكرر أخيراً أن هذا ليس إنكاراً مني لعربية الكلمة كما ظن ذلك بعض من سمعوا اعتراضي على هــذا الاســتعمال لها؛ إذ لا ينكر عربيتها من له أدنى إلمام بكتاب الله تعالى، لكننا إنما ننكر وضعها في غير موضعها. وقديما قال سيبويه:
فليس لك في هذه الأشياء إلا ان تجريها على ما أجروها، ولا يجوز لك أن تريد بالحرف [يعني الكلمة] غير ما أرادوا.
--------------------------------------------------------------------------------
(*) رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة.
(1) هذا يذكرني بصيغة استغربت لها في اللغة الملاوية. كنا في مؤتمر إسلامي بالعاصمة الماليزية، وكانت بعض الأوراق تتلى فيه بلغة القوم، وكنت من الذين يجلسون ويستمعون مع أنني لا أفهم شيئاً. غير أنني لاحظت انهم يكررون بعض الكلمات مرتين، فيقول أحدهم مثلاً: كتاب كتاب، رسول رسول، ملك ملك. فلما سألتهم عن ذلك أخبروني بأن هذه هي صيغة الجمع عندهم. قلت: أفكلما أردتم جمع اسم كررتم مفرده هكذا مرتين؟ قالوا: نعم! قلت: كيف إذن تترجمون قول الله ـ تعالى ـ: {إنَّ الْـمُسْلِمِينَ وَالْـمُسْلِمَاتِ وَالْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35]. فضحكوا وقالوا: هذه ندعها كما هي.
....................................
منقول للفائدة
الاستخدام الحديث لعبارة (تم الفعل) الهدف منها التوكيد أو منع الالتباس
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fadloun
شخصيا بعد قراءة المقال وجدته على خطأ
و بعد الرجوع إلى لسان العرب تأكدت أن كلمة (تمّ) عربية فصحى و ليست دخيلة على اللغة العربية
.
الكلمات عربية أصيلة ... لكن الاستخدام ليس كذلك ... وإن كان مفيدا أحيانا ...
الاستخدام الحديث لعبارة (تم الفعل) الهدف منها التوكيد أو منع الالتباس ...
أخي الدكتور فضلون،
تفضلتم فقلتم: "شخصيا بعد قراءة المقال وجدته على خطأ، وبعد الرجوع إلى لسان العرب تأكدت أن كلمة (تمّ) عربية فصحى و ليست دخيلة على اللغة العربية".
كلمة (تم) يا أخي فضلون كلمة عربية بلا أدنى شك، لكن المشكلة موضوع البحث لا تكمن في عروبة الكلمة أو عدم عروبتها، وإنما تكمن في صيغة (تم الفعل)، وفيما إذا كانت هذه الصيغة عربية أصيلة، وفيما إذا كان هذا الأسلوب وهذا الاستخدام فصيحا صحيحا. وأنت يا أخي لست الوحيد الذي يقول بصحة وعروبة هذا الاستخدام الحديث، فهناك آخرون مثلك يؤيدون هذا الاستخدام، وهناك معارضون.
في الأساليب العربية الأصيلة يُتَوَصّل (يتم التوصل) إلى المعنى مباشرة عن طريق الفعل وحده، ومن ميزات الأساليب العربية الأصيلة أنها تخلو من الحشو والزيادة ومما لا لزوم له ولا غاية منه، وهذا من الشروط الأساسية والرئيسية للفصاحة والبلاغة.
لذلك يعتقد كثيرون بعدم حاجة اللغة العربية إلى أسلوب «فعل مساعد» + «حرف جر» + «مصدر الفعل المراد ذكره» لما فيه من زيادة وحشو وتكلف، ويعتقدون لهذا السبب أنه أسلوب دخيل وغير أصيل، إلا في أحوال قليلة قد يجوز معها هذا الاستخدام إما من أجل توكيد الفعل (بحكم العادة لا بحكم الحاجة)، أو تطبيقا لقاعدة منع الالتباس بسبب الضعف اللغوي العام الذي أصبح سمة من سمات العصر.
ولذلك أيضا فإن عروبة الكلمات وحدها في استخدام ما لا تكفي دليلا على أصالة ذلك الاستخدام، بل ينبغي أن يكون النص والاستخدام فصيحا، محتويا على عناصر وشروط الفصاحة والبلاغة التي من أهمها الإيجاز وعدم الحشو وعدم الزيادة لكي يكون استخداما أصيلا.
فالأصل والحقيقة والمقصود في (تم) أنها تعني اكتمال الشيء، ولا تعني الوصول إلى فعل ما. فقوله تعالى و (تمت كلمة ربك) أي : كَمُلَت. وليس المقصود (تمت مكالمة ربك)، أو (تم التكلم مع ربك). ومثلها تماما بقية النصوص كقوله -صلى الله عليه وسلم- : (تمت صلاته) أي ليست ناقصة. والتمام يعني أيضا إيصال العمل إلى آخر أجزائه، وضمه إلى أجزائه المأتي بها بعد الشروع.
أنظر الرابط: http://www.awbd.net/article.php?a=43
ودمتم،
منذر أبو هواش
قال تعالى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ... (البقرة 196)
وأتموا الحج و العمرة لله، تمام الشيء هو الجزء الذي بانضمامه إلى سائر أجزاء الشيء يكون الشيء هو هو، ويترتب عليه آثاره المطلوبة منه، والإتمام هو ضم تمام الشيء إليه بعد الشروع في بعض أجزائه، والكمال هو حال أو وصف أو أمر إذا وجده الشيء ترتب عليه من الأثر بعد تمامه ما لا يترتب عليه لولا الكمال. وإتْمام الحج والعمرة تَأدِيةُ كلِّ ما فيهما من الوقوف والطَّواف وغير ذلك.
وقال تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (البقرة 124)
قال الفراء: يريد فَعمِل بهنّ، أي إتيانه ما أريد منه، وامتثاله لما أمر به.
وقال تعالى: وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته»: (الأنعام 115)
قالوا: لا تكتمل الكلمة الصادرة عن المتكلم ولا تتم حتى تلبس لباس العمل وتعود صدقا.
إِذا قالَ إِنّي فاعِلٌ تَمَّ قَولُهُ
فَأَمضى مَواعيدَ الَّذي هُوَ قائِلُ
تَنَظَّرُ وفدَ معشرِها علينا
لِمَنٍّ أو نكاحٍ تمَّ فينا
ذاك إن تم لي فقد عذب
العيش ونيل المنى وريش الجناح
وَدَدتُ لَو تَمَّ لي حَجّي فَفُزتُ بِهِ
ما كُلُّ ما تَشتَهيهِ النَفسُ يَتَفِّقُ
تُحِبُّ الثَناءَ وَتَأبى العَطاءَ
وَما تَمَّ ذلِكَ لِلمُعتَضِد
وما تمَّ أمرٌ لستُمُ من وُلاتِهِ
وليس لكم نهيٌ عليه ولا أمرُ
عَجَباً لِلقَضاءِ تَمَّ عَلى الخَلـ
ـقِ فَهمَّت أَن تُبسِلَ الحَزماءُ
:fl:
(تم) بمعنى (اكتمل) ... تستخدم عند الضرورة ...
(تم) بمعنى (اكتمل) ... تستخدم عند الضرورة ...
ولا يكون (تمام) إلا بعد (نقص) ...
أخي الدكتور الفاضل فضلون،
إذا كان (الاكتشاف) ناقصا ثم اكتمل (مع أنني لا أدري كيف يكون اكتشافا ويكون ناقصا في الوقت نفسه :) ) جاز لنا أن نقول (تم اكتشاف الدواء الجديد)، إذ إن الأولى بالدواء موضوع البحث أن يكون معرفة باعتبار أن له بداية ونهاية، وليس من المنطق أن يكون الدواء نكرة إذا كنا نتحدث عن نشوئه وتكونه واكتماله. فإذا كان اكتشاف الدواء فجأة وبشكل آني كان الدواء نكرة، ووجب أن نقول (أكتشف دواء جديد).
علما بأن اعتراض المعترضين هو فقط على استخدام الفعل (تم) حشوا وتكلفا في غير معناها الحقيقي، وبشكل يتعارض مع قصد المتكلم، أما إذا كان استخدامها صحيحا، وفي معناها الحقيقي، ويعبر عن القصد كما يتبين من الأمثلة القرآنية المقدمة في المداخلات السابقة فلا أحد يعترض.
فإذا سألك أحدهم يريد معرفة ما إذا كان المسجد قد بني أم لا قلت له:
بُنِيَ المسجد
وإن سألك أحدهم يريد أن يعرف ما إذا كانت عملية بناء المسجد قد اكتملت أم لا قلت له:
تَمّ بناء المسجد
والله أعلم،
منذر أبو هواش
:fl:
"سبق أن فعل" تعني "فعل سابقا"
"سبق أن فعل" تعني "فعل سابقا"
اقتباس:
ولعلك لاحظتَ من الجملة السابقة أن "تم" ربما يكون له توأم هو "سبق أن".
وبهذه المناسبة، ما رأي الأخ معتصم، والأخوان، في "سبقَ أن"؟
هل تمثل وضعاً أقل وطأة من "تم"؟ ومتى ظهرت في دنيا كلامنا؟
وهل تمثل قيمة مضافة أم تكلفة محسومة؟
"سبق أن فعل" تعني "فعل سابقا"
"سبق أن أشرنا" تعني "أشرنا سابقا"
:good: