مونولوج ---- تصدع جدار الصمت

مونولوج



{{تصدع جدار الصمت}}
-----


الشخوص:
= المؤرخ، في ملابس سجين بيضاء
= صوت، ويكون صوت نفس الممثل مسجل كالصدى
المكان: مايشبه زنزانة في معتقل
الزمان: ..................، وقت السحر،
....
^
} هدوء وصمت وسكون {

المؤرخ: }يجلس القرفصاء في أحد أركان الزنزانة بيمينه قلماً وبيساره أوراقاً .. يستجمع أفكاره استعداداً للكتابة {
صوت : }في تحد{
مازلت تكتب؟
المؤرخ: }يرفع رأسه إلى أعلى في بطء{
نعم مازلت أكتب وسأظل أكتب دائماً دائماً، فكلٌ ميسر.. ميسر لما خُلِق له...
صوت : حتى وإن لم يوجد ماتكتب عنه؟
المؤرخ: }ينحني قليلاً.. يتقوقع{
ما أكتب عنه؟ .. ليت ذلك..
} يعلو صوته رويداً رويداً{
وإلا فكيف تعلمنا تلوين الحرف على الأوراق .. كيف.. كيف تعلمنا تكوين الحق مع الكلمات.. وعانينا استلهام التاريخ القابع بين السطور.. واستجماع الحقيقة التي تفرق شملها.. صوت الحق يخبو فينا أحياناً، لكن يهدر بميقات، رغم كل العوائق والنوازل ..
صوت : }في تحير {
إذن ماتكتب عنه بين يديك دائماً
المؤرخ: }ينحني قليلاً .. يتقوقع{
نعم وبكل تأكيد وثقة، هذا أمر راسخ في القلب، الحق حي، الحق حقيقة، حقيقة لاتغيب، ما أكتب عنه في النور دائماً، لايغيب عني، وإن أكن في غيابات هذا السجن المظلم،
} لحظات هدوء وسكون {
فلايجب أن تكون في النور لترى، بل يجب أن يكون في النور ماترى،
}يرددها ثلاث مرات{
فالأحداث تمليني، والنوازل عالية الصوت،
} لحظات هدوء وسكون {
وأنا لن أهدأ، سأظل أحلم بالوقت وأسراره، وأحلل الأحداث، وأتفاعل، وأعانق التفاؤل، وأحلم بالعدل .. بالحرية .. بالكفاية .. بالسلام، لن أنام، فالصوت الهادر للحقيقة يفيقني وينير هذه الصفحات وهذا العقل، وهذا القلب، فتولد الكلمة حية، لأن سياط الجلادين تشق لها شراييناً فتحيا ولا تموت أبداً، واجب جد خطير، واجب .. واجب عاجل الأداء، واجب....
صوت : }مقاطعاً بتهكم{
... مقدس
المؤرخ: }رافعاً صوته في تحد{
يجب أن أسجل كل هذا ... وأرفع صوتي به
صوت : } مقاطعاً {
توقف، أتصف...
}يسكت لحظة{
تفكر، إهدأ، اسكت، ...
المؤرخ: }يتلفت حوله، محاولاً معرفة مصدر الصوت{
صوت : }يخفت قليلاً{
تحول، تعقل، أمؤرخ أنت؟
}بتهكم{
أو أن هذه أضغاث أحلام، فقط، تجمعها للأجيال القادمة، للسمعة والرياء، لا أستطيع أن أفهم ...
}يخبو الصوت تماماً{
^^
المؤرخ: }يقف في تحد{
للأجيال الحاضرة أولاً، للأجيال الحاضرة أولاً، للأجيال الحاضرة أولاً .. الحقيقة .. الحقيقة .. الحقيقة بنت الحق، إثبات الحقيقة أصل العدل .. نشر الحقيقة طريق الحرية
صوت : }به ضعف ظاهر{
الحقيقة .. الحقيقة .. لا .. لا ..لا أستطيع أن أقول الحقيقة ..
} يخفت في خنوع {
لكنه حلمي، حلمي أنا، الحلم الذي أراه بطريقتي الخاصة،
}يقهقه فجأة{
ثم أستيقظ ناسياً كل شيء، ناسياً كل ما أراه، آه .. لم أستطع أن أتحكم في اللحظات التي مرت، ولن أستطع في الآتية، ولا الحاضر..
المؤرخ: }يقف في تحد، ويحتد نظره إلى الأمان، منصتاً إلى الصوت{
صوت : هو السجن الذي يضمنا جميعاً .. ومن خلال ثقب من ثقوبه الصغيرة يتسلل هذا الشعاع، خابي الضوء، .. المستقبل ..
المؤرخ: }يفزع{
صوت : والحاضر عند الميتين مسألة محيرة.. من يدري متى جاء ومتى يذهب .. وأين .. وكيف ..
المؤرخ: }يتحسس قلمه وأوراقه{
صوت : إلى اليمين أم إلى اليسار، إلى أعلى أم إلى أسفل، نتقدم أم نتأخر.. واحزناه .. لانعلم عن المستقبل شيئاً ولا الماضي ..
المؤرخ: }ينتفض، مهتزاً، متحولاً، كأنه يتخلص من حمل ثقيل {
الحقيقة ليست هذا الذي ترى، وليست هذا الحلم الخاص الذي تنفر منه، لا .. لا لن يُرى العالم من خلال حلمك المهتز، الحقيقة طريق الحق، والثبات على الحق غاية الحقيقة،
} استدارة عنيفة بهمة وعزيمة {
وهذا العمل بالذات عمل شاق ومكلف، الكتابة، عمل مقدس، تسجيل الأحداث، تقييم الأحداث وتقويمها، عمل مقدس ..
^^^
صوت : } في تحد {
أخبرني ماهو الصعب في ذلك؟ إنك تكتب في أوقات متشابهة، أحداث متشابة، هل هذه حكمتك؟ .. توقف عن الكتابة ، لاتفكر في الظلم ولا حتى العدل .. لاتتحرى الحقيقة .. لاتثبت الحقائق .. لاتصرخ .. لاتتألم .. سيكون ذلك طيباً لنا جميعاً ..
المؤرخ: } متعجباً {
لنا جميعاً؟.. آه .. أنا لا أكتب الأحداث لكن الأحداث تمليني .. والحقائق ترغمني على تدوينها ..
صوت : إذن لو أن الأحداث تسكت على ظهر هذه الأرض إلى الأبد، وتموت الحقائق. آه .. إني أعرف أنك تمتع نفسك بالكتابة وبالحقائق، لا .. بالحقائق فقط .. فالكتابة معاناة .. لا .. لا .. آه .. لا .. بالكتابة فقط .. فالحقيقة معاناة .. لا .. لا .. آه
المؤرخ: } في فزع {
أمتع نفسي بالحقائق؟ بالكتابة؟ .. لا .. لا ..إنها المعاناة .. إنه طريق الحق .. والحق مر .. وأنا إنسان .. أريد أن أعيش حياتي .. حياتي الحرة الكريمة
صوت :} متهكماً {وماذا عن الإنسان أيضاً و .. و .. والإنسانية؟
المؤرخ: } يعلو الصوت {
الإنسان؟ .. الإنسانية؟ .. هنا تكمن الحقيقة .. وتكمن القضية .. وجوهر وظيفتنا في الحياة
صوت : } متهكماً {ماذا يضايقهم؟ .. ماذا يفرحهم؟ .. ماذا يحزنهم؟ .. وماهو الأساس الذي تتشكل عليه الأحداث في حياة الإنسان؟ .. وفي الحياة كلها؟ .. هههه .. هههه .. هههه
المؤرخ: هذا هو الجوهر واللب ..
صوت : } متهكماً {ماذا جعل الغوغاء والرعاع والدهماء يتراقصون ويتمايلون في حفل عشوائي كبير، في تخمة ؟..
المؤرخ: } وكأنه يكمل حديثه {
حيث لايملكون إرادتهم في الحركة أو التوقف .. دون الخيوط الوهمية .. مسرح عرائس ..
صوت : } يبدو الفرح في نبراته {
إذن توقف .. تعقل .. قف .. اصمت .. سكوتك من ذهب .. الحقائق التي تتحدث عنها سيمحوها الزمن .. شجاعتك هي سبب معاناتك .. أتدعي البطولة؟ .. أتدعي الفروسية؟ .. العبقرية؟ .. الزمان تغير والمكان والحال ..
المؤرخ: } منتفضاً {
لا .. لا .. لا .. لا .. إن عملنا أكبر وأبعد من أن تدركه أفكارك .. وفلسفتك خاطئة منطقياً .. انتبه .. لن تحطم أفكار الصغار معتقدات الكبار .. نحن يجب أن نعرف طبيعة الأشياء .. ونعرف الأسباب .. ونؤثر ولا نتأثر ..
صوت : } في تهكم {
وسر التقدم .. وأساس الأحداث .. والنتائج النهائية ..
المؤرخ: } في امتعاض {
كلمة حق لاتريدون بها إلا الباطل .. كل الباطل ..
صوت : } يقهقه {.......
المؤرخ: } يرتفع الصوت {
لاتعرفون كيف تكتب كلمة الحق أو تقال لتدب فيها الحياة .. ولا تعرفون أنها تظل حبيسة القرطاس أو تضيع هباءاً منثوراً في الهواء إن لم تروى بالعرق والدماء .. والأجيال المتوالية يريدون الحقيقة دون زيف أو تشويش .. والساكت عن الحق ...
صوت : } مقاطعاً .. متهكماً {
شيطان أخرس
المؤرخ: } يكمل حديثه {
والجيل الحاضر .. أولاً .. تنقصه الحقائق .. ينقصه الوعي ..
صوت : } مقاطعاًً {
ربما لايرغبون أن يعرفوا الحقيقة، ربما يفضلون الكذب، .. من يدري .. ربما يفضلون الغيبوبة .. الغيبوبة متعة .. ربما تبدو الحقيقة كذباً عندهم .. والكذب حقيقة .. ربما ينغمسون في اهتماماتهم الجادة .. الغوغاء والدهماء والرعاع لايفهمون إلا الرويبضة .. لايجدون المتعة إلا في نزوات الرويبضة وكذبهم وتدليسهم .. تعقل .. قف .. اصمت ..
} ساخراًً { } يقهقه {
صدقني الصمت .. الصمت أفضل .. يا أيها المؤرخ .. الجبال تحوي الكنوز .. والبحار تحوي العجائب، ولا تتفوه ببنت شفه, اسكت ، مازلت تقاوم؟
} انفعال حاد{
اسكت، مات العدل .. مات الأمن .. ضاعت الغايات .. اسكت، بحار القول عميقة .. مغرقة .. مهلكة .. مهلكة ..
} صدى الصوت يتكرر عدة مرات {
عميقة .. مغرقة .. مهلكة .. مهلكة ..
^^^^
المؤرخ: } مهتزاًً {
نفسي تتعذب دون سياط، إذن صارت الكتابة واجبة، فرض عين .. نفسي تعيش الحقيقة رغم السياط ورغم القيد، إذن صارت الكتابة واجبة، فرض عين .. وكما يحتاج الناس إلى مطعمهم وملبسهم ومسكنهم، يحتاجون عوامل وأسباب الثبات على الحق في العمل .. يحتاجون كلمة الحق ..
صوت : } مبدياً التعاطف {
نسيت السجن والجلاد؟ ..
المؤرخ: } مقاطعاً {
أحب إلي مما يدعونني إليه ..
صوت : } متسرعاً {
القتل، الصلب، التمثيل، التنكيل ..
المؤرخ: } مقاطعاً {
لأني سخرت مما يدعونني إليه .. أفضل الجهاد ..
صوت : } مقاطعاً {
أعرف .. أعرف .. أعرف .. "كلمة حق ..."
المؤرخ: أكمل، أكمل، أكمل، أكمل، ....
صوت : } صارخاً {
لا .. لا .. لا .. } مدوية {
ياللحياة ، ياللموت ، ياويلي .. خلاص .. ياللخلاص .. الخلاص .. } صدى يتكرر {..
} يردد عدة مرات حتى يردد معه المؤرخ والجمهور {
} يسكت فجأةً ثم يواصل {..
لكن مافعل القول ؟ } يكرر {
} يخبو قليلاً كأنه ينسحب {
ماداعي الكلمة؟
المؤرخ: } يرفع رأسه إلى أعلى {
لأننا فقدنا أغلى احتياجات الإنسان .. الحق .. العدل .. الحرية .. الأمن .. الكرامة ..
الكلمة حق .. الكلمة من أسلحة الحق، الصوت من أسلحة الحق .. للحق صوت .. وقوة .. الحق قوة ..
} يعلو الصوت مزمجراً {
كلمة الحق صداع مدمر في رؤوس الطغاة،
كلمة الحق سهم صائب مدمر في رؤوس الطغاة،
كلمة الحق بركان ثائر مدمر في رؤوس الطغاة،
كلمة الحق زلزال يحطم رؤوس الطغاة،
} يتحرك بعنف وثبات وقوة {
كلمة الحق زلزال يحطم جدار الصمت،
كلمة الحق زلزال يحطم جدران الزنازين،
كلمة الحق سر بطولات الأبطاال،
كلمة الحق سر فتوحات الفرسان،
كلمة الحق زلزال يحطم جدار الصمت،
} يعلو الصوت مزمجراً {
كلمة الحق زلزال يحطم جدران الزنازين
} رويداً رويداً تتشقق جدران الزنزانة، وتتساقط وتختفي {
} يتحرك بهدوء وثبات، متنفساً الصعداء، فاركاً عينيه، كأنما خرج من جب مظلم عميق {

بسم الله و الحمد لله و سلام الله على الأديب المفكر الفاضل السعيد ابراهيم الفقي...

حقا...قد يستطيع الصمت كفعل تأملي و تدبري أن يحدث تصدعا في سياجه في جداره...

من جملة ما قيل عن الحياة كتعبير و تشبيه أدبي مسرحي للأدوار التي يلعبها كل فرد في هذه الحياة الدنيا: أن الحياة مسرحية...يعلو فيها الباطل حتى يعلو و لكن الحق لا يعلا عليه...فالحق ليس في حاجة لأن يعلو لأنه العلو نفسه... فالحق هو العلي القدير...و ما جعله بين الناس و بين الكائنات الأخرى مما خلق هي تجليات لمفهموم الحق...فالحق في الحياة قد جعله الله مقدسا...لأن الحياة هي منحة أودعها الحق بين يدي الكائن... فينظر كيف يتعامل معها و ماذا يفعل بها...؟لأن الله جل قدره هو الحي...و ما أنزل من السماء من وحي إلا ليحي به قلوب قد ماتت و عقول قد تجمدت و عيون قد عميت و آذان قد صمت...لأنها عميت عن الحق و اتبعت الباطل... و سمعت الحق و جحدت به أو أعرضت عنه...و كذلك سائر القيم من حرية و عدل و خير ...فلا يشعر بوجوده إلا الذي آمن به حقا على أساس أنه الحق...و الشواهد على ذلك عديدة و لا تعد و لا تحصى...مثلما نعم الله جل و علا...

هدانا الله جميعا لما هو حق...

تحيتي و تقديري...

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعيد نويضي

بسم الله و الحمد لله و سلام الله على الأديب المفكر الفاضل السعيد ابراهيم الفقي...

حقا...قد يستطيع الصمت كفعل تأملي و تدبري أن يحدث تصدعا في سياجه في جداره...

من جملة ما قيل عن الحياة كتعبير و تشبيه أدبي مسرحي للأدوار التي يلعبها كل فرد في هذه الحياة الدنيا: أن الحياة مسرحية...يعلو فيها الباطل حتى يعلو و لكن الحق لا يعلا عليه...فالحق ليس في حاجة لأن يعلو لأنه العلو نفسه... فالحق هو العلي القدير...و ما جعله بين الناس و بين الكائنات الأخرى مما خلق هي تجليات لمفهموم الحق...فالحق في الحياة قد جعله الله مقدسا...لأن الحياة هي منحة أودعها الحق بين يدي الكائن... فينظر كيف يتعامل معها و ماذا يفعل بها...؟لأن الله جل قدره هو الحي...و ما أنزل من السماء من وحي إلا ليحي به قلوب قد ماتت و عقول قد تجمدت و عيون قد عميت و آذان قد صمت...لأنها عميت عن الحق و اتبعت الباطل... و سمعت الحق و جحدت به أو أعرضت عنه...و كذلك سائر القيم من حرية و عدل و خير ...فلا يشعر بوجوده إلا الذي آمن به حقا على أساس أنه الحق...و الشواهد على ذلك عديدة و لا تعد و لا تحصى...مثلما نعم الله جل و علا...

هدانا الله جميعا لما هو حق...

تحيتي و تقديري...

---

====

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل الأستاذ الأديب سعيد نويضي
لك شكري واحترامي لإضافاتك الطيبة النافعة،
حفظكم الله وبارك فيكم