تعدد البحور في القصيدة الواحدة .. تجديد أم ترقيع / عبد الرحيم محمود

ينظر بعض الشعراء ممن تنقصهم أدوات القدرة على تطويع اللغة لأوزان قصائدهم إلى خلط الأوزان على أنه نوع من التجديد ، ويظنون أن الوزن الذي رآه الخليل وحدد تفعيلاته قيدا على إبداعهم ، وسورا يمنع تطوير البحور الشعرية ، والحقيقة أن الخليل لم يصنع البحور ولكنه اكتشف تفعيلات البحور التي كتب عليها العرب شعرا مموسقا ، ويرى بعضهم أن كسر الأوزان هو فن ، وقدرة والحقيقة هي عكس ذلك تماما ، فكسر الأوزان يأتي بجمل موسيقية غير متناسقة ولا مترابطة (نشاز) ، وتجعل هذا الشعر نوعا من السجع ، لا وزنا جديدا في الشعر يضاف للأوزان التي كتب عليها العرب ، ولو قبلنا هذا المنطق المعوج ، لأصبح كل عاجز عن قيادة لغته وتركها تحمله على موج الوحل لشاطئ الصخر المسنن يعتقد أن عجزه ذاك هو نوع من التجديد ، ولأصبح للشعر آلاف الأوزان ، يمكن تسمية يعضها ، المرقع ، والمكسر ، والمنقر ، والمخرق ، والمخزق ، والمجرح ، والأعور ، والأكتع ، والناقص ، والساقط ، والمنسول ، والمشلول ، والأعرج ، واللقيط ..... الخ .
هذا المنطق ينسف الشعر من جذوره ، ويجعل الباب مفتوحا لكل من لا يعرف من طحاها يتصدى لكتابة الشعر المجدد ، ويدعي أنه صاحب مدرسة ، وعلينا أن نضع أمامه شيشة أو نرجيله ليعسل أو يدخن التمباك ، فالشعر له أصول وجذور موسيقية ، لا يكون بها نشاز ، فالطبيعة تحب السهل وتكره الانحناءات ، وقد وقع تحت نظري قصيدة لرئيس منتدى الشعر في أحد الملتقيات ، تعجبت من شكلها ومحتواها ، وأرجعت سبب ذلك لجهل صاحب الملتقى بفنون الشعر وأصوله ، وكذا تسيد المنافقين ، والمداحين ، وذويي المصالح الخاصة ، وجماعة ( شيلني وأشيلك ) ، وسلفني تعليق لي وأرد لك الدين !!
حالة من السطحية الشديدة والهذربة ، واختلاط الأوزان بشكل حول القصيدة لنوع من السجع في كثير من مفاصلها ، والأمر من ذلك أن أحد الشعراء المبدعين نبهه ، وكذلك شاعر آخر أيد الملاحظات ، فخرج عليه صاحب النص ليقول أنه مجدد (!) .
وقال ألا ترى الصور .... الخ ، هذا النص السطحي الذي مدحه من مدحه تزلفا ونفاق أحببت أن أنقده ، دون ذكر اسم صاحبه حتى لا يظن أحد أنني أشهر به :
من حيث الوزن :
لا يجوز الجمع بين وزنين للمديد لا في بيت واحد ولا حتى في نفس القصيدة ، فالمديد : هو إما فاعلاتن فاعلن فعلن أو فاعلاتن فاعلن فاعلن ، وأما الخلط بينهما فهو ربما وزن اللقيط !!
كما لا يعتبر بحال خلط المديد بالرمل الذي جاء في بعض أبيات القصيدة تجديدا ، وأيضا جاءت جمل في القصيدة ليست من أي بحر إلا بحر الهوى !
أما من حيث اللغة :
فــــإذا بلّلْـــتِ آياتــِـــــــــــــهِ
بسْملتْ يائـــي على أَلِفِـــــــي
حتى لا أتهم بالتشنج الديني ، أشير إلى عدم استساغتي لهذا الاستعمال ، فلو أرجعنا هاء آياته على البعد المجهول في المحبوبة فقد يكون المعنى له ما وراءه من الآيات المبللة !!
ثَمِلَتْ أغْصَـــانُها انْقَطِفــــــي
الوزن انفعل لا يستعمل في الأمر فلا نقول للغصن انقطف ولكن يمكن القول قطفت الثمر فانقطف وقصفت الغصن فانقصف أما أن أخاطب بهذا الوزن شيئا بفعل الأمر فأرى أنه غير مستعمل .
يا فــُــراتاُ راح ينعثنـــــــــي
لا أدري لم جعلت الفرات نكرة غير مقصودة ؟
أضْوَعُ اللقيا مِنَ الصُّـــــدَفِ
ضاع لها معان تظهر عند المضارع ، فهما : ضاع يضوع أي يتحرك ، ويميل ، وينشر الرائحة ، وبكى ، أو ضاع يضيع أي يفقد ، فأيهما قصدت ؟؟
أرى أن الاستعمال هنا لا يفيد معنى متآلفا مع غيره .
جُنـَّتِ الأوتــــارُ فانْعزفـــتْ
في فصيحِ الخصر فانعزفـي
أكرر ما قاته في صيغة الفعل انفعل ، فالأوتار لا تنعزف والمرآة لا يقال لها انعزفي ، الاحتجاج على استعمال صيغة انفعل هكذا .
وفي النهاية أرى أن القصيدة تحتاج لإعادة صياغة من جديد ، رغم التهليل والمجاملات التي لا تفيد الشعر ولا تنصح الشاعر .





بسْمَلاتُ الياءِ للألِفِ

جئتُ من شَرْقـِـــــي تُحَدّثُنــــي
شمْسُ عينيــكِ عن الرَهَــــــفِ

عنْ نُبــُـــــوءاتٍ تُرَاوِدُنـــــــي
في مَـــدارٍ صاخبٍ مُختلـــــفٍ

أي حَــــدْسٍ راحَ يُطلِقُنــــــــي
فــــــي تفاصيلكِ مُنْعَطـِــــــفِ

شرقُـــــــهُ يسكـــنُ أغنيـــــــةً
مِنْ لظَى غَرْبـــي ومِنْ شَغَفِـي

أينَ كانَ العمـــــرُ مُختبئـــــــاً
قبلَ أنْ ألقــــاكِ وا أسفــــــــي

أتُرى في النَخْــــلِ مَوعــــــدهُ
أم على قَيْلولَـــــةِ السُّعُـــــــفِ

فيكِ بُعـــــدٌ لستُ أعْرِفُــــــــهُ
قد تغشّــــاني على لهفــــــــي

فــــإذا بلّلْـــتِ آياتــِـــــــــــــهِ
بسْملتْ يائـــي على أَلِفِـــــــي


يا قطـــوفاً على داليـــــــــــةٍ
ثَمِلَتْ أغْصَـــانُها انْقَطِفــــــي

يا فــُــراتاُ راح ينعثنـــــــــي
في دواوينـــكِ والصُّحُـــــفِ

ويناديني علـــى صُدْفَــــــــةٍ
أضْوَعُ اللقيا مِنَ الصُّـــــدَفِ

أنا خَزَّافٌ فمـــن ياتـُــــــرى
أوقدَ الإحساسَ في الخــزفِ[1]

أي نار ٍ أُشْعِلــــتْ بدمـــــي
يا فراشاتي إذنْ فارتجفــــي

جُنـَّتِ الأوتــــارُ فانْعزفـــتْ
في فصيحِ الخصر فانعزفـي

واقترفتُ العشقَ يا مطــــراً
راعف الأشواق فاقترفـــــي

هلّلتْ عشتارُ وهي تــــرى
عرشها في شفتيكِ وفـــي ..!؟

والفراتان على جَفْنيهمـــــا
يَقْرَأ العشقُ ضحى كَلَفـــي

هل عرفتِ الآنَ ما فعلــتْ
بي سواليفُكِ أم لم تعرفــي

شكراً على هذا الموضوع القيّم.
تحياتي ،أستاذ عبد الرحيم محمود"