هل يصلح اللغو وسيلة لتحصيل الحق ...؟
هل يصلح اللغو وسيلة لتحصيل الحق ...؟
وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (القصص 55)
قيل أن الآية نـزلت في جماعة من المسلمين كان قومهم يؤذونهم، فكانوا يصفحون عنهم, ويقولون: ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ).
المراد باللغو لغو الكلام الذي لا فائدة فيه، ولا أصل له ولا معنى بدليل تعلقه بالسمع، والمراد سقط القول الذي لا ينبغي الاشتغال به من هذر أو سب أو شتم أو تحقير وكل ما فيه خشونة، ولذا لما سمعوه أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله.
يقول تعالى ذكره: إذا سمع الذين آتيناهم الكتاب اللغو, وهو الباطل من القول فإنهم لا يجارون أهل الجهل والباطل في باطلهم، لأنهم يدركون أن الله يكره اللغو، وأنه نهاهم عنه، فهم يعرضون عن اللغو ولا يصغون إليه ولا يسمعونه، وهذا يدل على أن اللغو الذي ذكره الله في هذا الموضع, إنما هو سماع القوم ممن يؤذيهم بالقول ما يكرهون منه في أنفسهم, وأنهم أجابوهم بالجميل من القول. وقوله: ( لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) يعني: لا نريد محاورة أهل الجهل وشتمهم، ولا نريد معاشرتهم ومجالستهم.
قال تعالى: «والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما» أصل الزور تمويه الباطل بما يوهم أنه حق.
فالمؤمن عالي الهمة كريم النفس، تترفع نفسه عن الأعمال الخسيسة، وما ينافي الشرف والكرامة، لذلك تراه بعرض عن توافه الأمور، ولا يهتم بما يهتم به سفلة الناس وجهلتهم.
وقال تعالى: «يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم» التنازع في الكأس تعاطيها، والاجتماع على تناولها، والمراد باللغو هنا هو لغو القول الذي يصدر من شاربي الخمر في الدنيا، وهو أيضا من آثار الخمر في الدنيا.
وقال تعالى: «لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا» أي لا يسمعون في الجنة لغوا من القول لا يترتب عليه أثر مطلوب ولا تكذيبا من بعضهم لبعضهم فيما قال فقولهم حق له أثره المطلوب وصدق مطابق للواقع.
وقال تعالى: «لا تسمع فيها لاغية» أي لا تسمع في الجنة كلمة ساقطة لا فائدة فيها.
اللغو فاكهة الكسالى والعاجزين!
اللغو لا ينفع إلا لتضييع الوقت!
اللغو لا يخدع إلا جهال الأعجمين وضعفاء المقلدين!
كل علم لا ينفع الناس فهو لغو، وأجدر به أن يسمى جهلاً!
اللغو يشتغل به من لا قيمة للوقت عنده فيضيع عمره باللغو والعبث!
اللغو في اللغة: الباطل من الكلام الذي لا فائدة فيه، ولا يرشد إلى عمل نافع، ولا يهدي إلى النجاة من ضرر واقع، ولا يقوّم من زيغ أو زلل، ولا يثبت عقيدة حقة، ولا يزيل عقيدة باطلة.
ترى بعض الناس يفنون أوقاتهم بالعبث واللغو من القول، يكثرون الثرثرة، ويكثرون الكلام، ويكتبون، ويخطبون، فلا تسمع منهم في أنديتهم وجلساتهم إلا الخوض بفلان والإزراء بعلاّن، جعل الله في آذانهم وقرًا، وعلى أعينهم غشاوة, وران على قلوبهم ما يعملون من السيئات، وما يجترحون من الخطايا، تراهم يريدون التقرب من الناس، يعميهم الهوى ويصدهم عن سبيل الحق، فيقصون على الناس ما يرون أنه يسرهم ، وإن كان يغرهم ويضرهم، فيكونون ضالين مضلين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهلَه وتأديبه فرسَه ورميه عن قوسه )
بعض الناس تكره اللغو، وتحب الجد والبحث والحوار والمسائل النافعة، وذلك لأن من يريد الحق يهتدي إليه. واعترافًا بالحق لأهله فإنه لا يفوتني في الختام أن أثني على الأفاضل الذين يمتنعون على الخوض في اللغو، ولا يقدمون للناس إلا ما ينفعهم [ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ] ( البقرة : 213 ) .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وبالله التوفيق.
منذر أبو هواش
:emo_m17:
رد: هل يصلح اللغو وسيلة لتحصيل الحق ...؟
الأستاذ الحبيب والمفكر الأصيل د.منذر أبو هواش حفظه الله،
مقال ينطق بالحكمة، وينأى بالمرء عن الإلتفات إلى توافه الأمور وسفاسفها.
وأبداً لا يصلح اللغو وسيلة لتحصيل الحق، إلا لدى الفئة الضالة المضلة التي لا يكون همها إلا تسويق ذواتها على حساب الحقيقة.
وأكثر ما نجده من ثرثرة ولغو يكون في ميدان السياسة، والإعلام، وذلك عندما تتحول الثرثرة إلى نوع من التسلية، وفن التلاعب بالكلمات، والإبداع في تسويغ الكذب، وتسويق الخيانة.
وأبشع أنواع الثرثرة وأقبحها تكمن في إضفاء طابع الحكمة على جملة التنازلات عن ثوابت الأمة، وحقوقها المشروعة، والطعن بها من الخلف، من أجل دراهم معدودة يتكرم بها راعي عمليات المساومة.
دمت متألقاً،
وطاب المسعى والمراد.
رد: هل يصلح اللغو وسيلة لتحصيل الحق ...؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منذر أبو هواش
جعل الله في آذانهم وقرًا، وعلى أعينهم غشاوة, وران على قلوبهم ما يعملون من السيئات، وما يجترحون من الخطايا، تراهم يريدون التقرب من الناس، يعميهم الهوى ويصدهم عن سبيل الحق، فيقصون على الناس ما يرون أنه يسرهم ، وإن كان يغرهم ويضرهم، فيكونون ضالين مضلين.
:emo_m17:
الأستاذ والمفكر د.منذر أبو هواش حفظه الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ