ما معنى الكيد؟ وهل هو صفة عامة للنساء؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
ما معنى الكيد؟ وهل هو صفة عامة للنساء؟
الخلط بين الآيات القرآنية لا يصح ولا يجوز، لذلك ينبغي العودة إلى التفاسير المعتمدة للقرآن الكريم عند أي التباس. ومن أجل ايضاح قول الله عز وجل عن النساء: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)" بشكل محدد ودقيق يجب علينا الرجوع إلى الآية 28 من سورة يوسف (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)، حيث ندرك من السياق أن هذه الآية لم تنزل في النساء بشكل عام، بل نزلت في النسوة اللواتي كدن لسيدنا يوسف عليه السلام بشكل خاص، ونشاهد أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا في هذه الآية عن زوج المرأة التي كادت لسيدنا يوسف وأنه قال لزوجته: إن هذا الفعل من كيدكن أي صنيعكن، وإنه فعل عظيم.
في أية أخرى يقرأ بعض الناس قوله عز وجل عن الشيطان: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)"ويتساءلون: "هل المرأة أشد كيدًا من الشيطان ؟". هنا أيضا ينبغي علينا العودة إلى تفسير الآية 76 من سورة النساء (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) لكي يكون كلامنا أكثر دقة وأكثر تحديدا.
جاء في الطبري في تفسير هذه الآية الكريمة:
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره في هذه الآية: الذين آمنوا وصدقوا الله ورسوله، وأيقنوا بموعود الله لأهل الإيمان به " يقاتلون في سبيل الله "، في طاعة الله ومنهاج دينه وشريعته التي شرعها لعباده، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت "، أي والذين جحدوا وحدانية الله وكذبوا رسوله وما جاءهم به من عند ربهم " يقاتلون في سبيل الطاغوت "، يعني: في طاعة الشيطان وطريقه ومنهاجه الذي شرعه لأوليائه من أهل الكفر بالله.
ويقول الله، مقوِّيًا عزم المؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحرِّضهم على أعدائه وأعداء دينه من أهل الشرك به: " فقاتلوا " أيها المؤمنون، " أولياء الشيطان "، يعني بذلك: الذين يتولَّونه ويطيعون أمره، في خلاف طاعة الله، والتكذيب به، وينصرونه " إن كيد الشيطان كان ضعيفًا "، يعني بكيده: ما كاد به المؤمنين، من تحزيبه أولياءه من الكفار بالله على رسوله وأوليائه أهل الإيمان به. يقول: فلا تهابوا أولياء الشيطان، فإنما هم حزبه وأنصاره، وحزب الشيطان أهل وَهَن وضعف.
إذن فالنسوة في سورة يوسف لم يكن مثلا و لا قدوة لنساء العالمين لكي نسحب كيدهن وسوء صنيعهن ونعممه على النساء كافة، ولا وجه ولا مبرر للمقارنة بين كيد النسوة في سورة يوسف وعظم ما صنعن من جهة وكيد الشيطان وحزبه وضعف صنيعهم وهوانه من جهة أخرى، لأن الوضع مختلف.
إن المعنى العام للكيد في اللغة هو الصنع والتدبير، وتعميم المعنى السلبي الخاص للكيد على النساء خطأ شائع، إذ إن الكيد ليس حكرا على جنس من دون جنس، وليس الكيد كيد كله.
يقول تعالى في سورة الطارق:
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)
صدق الله العظيم
وبالله التوفيق،
منذر أبو هواش
:emo_m1:
الآية عندما تضرب مثلا ...
بسم الله الرحمن الرحيم
الآية عندما تضرب مثلا ...
الأساتذة الأعزاء،
لا يحدث الخلط إلا عندما يكون الفارق دقيقا فلا ينتبه إليه. وقد كان الهدف من مداخلتي السابقة هو لفت الأنظار إلى الفارق بين المعنى الحقيقي للآيات الكريمات والانطباع الخاطئ الشائع المتولد من كثرة استخدام الآية الكريمة كمثل يضرب في بعض النساء الذين يتسبب كيدهن ودهائهن في استدعاء وتذكر الآية التي نزلت خصيصا في النسوة اللواتي كدن لسيدنا يوسف عليه السلام.
إنني لا أرى ما يمنع من استحضار واستذكار بعض الآيات الكريمة وضربها كأمثال عند حدوث أحداث أو مناسبات تشبه أو تذكر بموضوع تلك الآيات أو بمناسبات نزولها. لكن الكيد يعني التدبير والتخطيط الدقيق المحكم والخفي الذي يوصل إلى الهدف، لذلك فهو مجرد فعل من الأفعال، وهو كغيره من الأفعال يتكرر في كل زمان ومكان من قبل بعض النساء وبعض الرجال، لكن الناس رجالا ونساءً ليسوا سواءً في الكيد، لأن الكيد يتطلب درجة عالية عظيمة من الدهاء، ونظرا لأن الآية الكريمة قيلت في جماعة مخصوصة من النساء فلا يجوز ولا يصح ضربها مثلا إلا فيمن شابهنهن في الكيد أو في الدهاء من النساء.
كذلك فإن استخدام الآية الكريمة كمثل يضرب في بعض النساء في بعض الأحيان، لا يعني أن هناك وجها آخر لمعنى الآية، ولا يعني بالضرورة أن يكون الكيد والدهاء صفة عامة مختصة بعموم النساء الذين منهن أمهات المؤمنين، ومنهن أمهاتنا وبناتنا وأخواتنا وخالاتنا وعماتنا.
والله أعلم، وبالله التوفيق،
منذر أبو هواش
:emo_m17:
من معاني الكيد والمكر ...
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الأستاذ سعيد نويضي حفظه الله،
إذا كان الكيد تدبيرا فإن المكر أيضا هو نوع من التدبير يعني صرف الغير عن القصد بحيلة، والمعاني الموجودة بكثرة في المعاجم وفي التفاسير تبين ذلك وتؤكده.
قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط في تفسير قوله تعالى: "وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُالْمَاكِرِينَ" (سورة آل عمران 54): الضمير في مكروا عائد على من عاد عليه الضمير في "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ" (52) وهم بنو إسرائيل، ومكرهم هو احتيالهم في قتل عيسى بأن وكلوا به من يقتله غيلة، ومَكْرُ الله مجازتهم على مكرهم، سمى ذلك مكرًا لأن المجازاة لهم ناشئة عن المكر كقوله "وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا" (سورة الشورى 40). وقوله تعالى: "وَاللّهُ خَيْرُالْمَاكِرِينَ" (54) معناه خير المُجازين على المكر بما يستحق فاعلوه، وذلك مثل قوله: "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ" (سورة البقرة 194). إذ كثيرًا ما تسمى العقوبة باسم الذنب، وإن لم تكن في معناه.
فالمكر قد يكون مدحاً في موضع ويكون ذماً في موضع آخر، فإن كان في مقابلة من يمكر فيكون مدحا، وإن كان في غير ذلك فإنه يكون ذما وخيانة والعياذ بالله. ولهذا فقد وصف الله نفسه بصفة المكر على سبيل المقابلة والتقييد لا على سبيل الإطلاق، أي أنه يمكر بأعدائه سبحانه، ويمكر بمن يمكر برسله وأنبياءه وأوليائه، ويمكر بمن يمكر بدينه، لأن المكر يكون مدحا وكمالا واستدراجا إذا كان للمقابلة، ويكون فيه عندها إظهار للقدرة والقهر وسائر صفات الكمال والجلال والجبروت.
وقد جاء في مفردات الراغب الأصفهاني أن المكر ضربان :مكر محمود إن كان في الخير وقصد به فعل جميل، كما في قوله سبحانه وتعالى: "والله خير الماكرين" فلا يكون مكره سبحانه إلا خيرا. ومكر مذموم إن كان في شر، وقصد به فعل قبيح، كما في قوله تعالى: "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" (فاطر: 43).
والله أعلم،
منذر أبو هواش
:fl:
الأمر بين والنهي بين والتقرير بين في القرآن الكريم ...
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الأستاذ سعيد نويضي حفظه الله،
لن أدخل معك في نقاش طويل حول معاني المكر والكيد، فقد كفانا العلماء وكفتنا المعاجم عناء ذلك، وأعتقد أن المعاني الثابتة لهذه الكلمات وغيرها ليس فيها أي غموض، بل إنها واضحة جلية مشرقة لكل باحث متدبر.
أما بالنسبة للأقوال الواردة على ألسنة الأشخاص في القصص القرآني فهي مجرد آراء شخصية قيلت في مناسبة معينة والسرد القرآني يتطلب نقلها بمعناها الأصلي وإن اختلفت الصياغة، وهذا النوع من الأقوال غير ملزم كما بين أستاذنا الدكتور شاكر شبير، وذلك لأن النهي معروف، والأمر معروف في القرآن الكريم.
الحقائق والمعطيات والشواهد الكثيرة من حولنا اليوم وفي التاريخ تتناقض في كثير من الأحيان مع المقولة والفكرة الشائعة (الخاطئة في رأيي) التي تقول بأن الكيد والمكر من الخصائص الثابتة العامة في النساء جميعا إلا من رحم ربي كما تفضلتم. فالكيد والمكر صفة من صفات القوة، بينما يعرف الجميع عن المرأة أنها مخلوق ضعيف ساذج وطيب في معظم الأحيان، وما الظلم الذي يتعرض إليه كثير من النساء في كوكبنا إلا بسبب هذه السذاجة والطيبة. فما أسهل أن ترضي النساء ...!!!، وما أسهل أن تغرر بهن ...!!!
الأصل في معاني القرآن الكريم أن تكون بدلالة السياق كما علمها لنا رسولنا الكريم صلوات الله عليه، وكما وصلت إلينا من خلال الصحابة والتابعين وتابعيهم، وأن الحكم بأي شيء معين بهذا الخصوص يحتاج إلى دليل شرعي قوي يفيد غلبة الظن.
ما اختلف فيه العلماء وغيرهم فمرجعه إلى الكتاب والسنة، والآراء المختلف عليها وليس عليها دليل مردودة، والعبرة فقط بما يقوم عليه الدليل الشرعي.
علما بأن الأمور الشرعية لا يجوز الخوض فيها إلا من علماء الشريعة المختصين المؤهلين علمياً للبحث والتحقيق والكتابة، وأما غير المتخصصين في العلم الشرعي فلا يجوز لهم الخوض فيما ليس من اختصاصهم، لأن العكس من ذلك يعتبر وقوعا في الجهل يقود إلى الوقوع في الإثم والتقول على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم، ويدخل في باب إضلال الناس وتضليلهم. ومن أجل حماية المسلمين في عقائدهم وأخلاقهم ينبغي علينا أن لا نفسح المجال لمن ليسوا من أهل العلم الشرعي أن يخوضوا في الأحكام الشرعية خارج اختصاصهم، ويجب علينا أن لا نسمع ولا أن نقرأ لهم.
وفقنا الله جميعا لما فيه الخير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
منذر أبو هواش
:emo_m1: