شكراً للأستاذ راضي عبد المنعم،
كتاب جيد، ينصح بقراءته، ووعي ما جاء فيه، وله ترجمة بالعربية أعدها الأستاذ عادل زعيتر. أرجو أن يتطوع أحد المجتهدين بإيجاد رابط لنسخة منه كي يتسنى للجميع الإطلاع عليه.
وهذا تعريف موجز بالكتاب المترجم كما ورد في الخليج:
مفكر غربي تناول مصادر المعرفة فيها وما قدمته للعالم
"حضارة العرب" نظرة منصفة
أعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب طباعة الترجمة العربية لكتاب العلامة الفرنسي جوستاف لوبون حضارة العرب، وقد أنجز ترجمته عادل زعيتر، وتتصدر الكتاب إحدى مقولات لوبون وتقول: “
إن القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن، مازال العرب المغلوبون أحراراً في دينهم، فإذا حدث أن اعتنق بعض الأقوام النصرانية الإسلام، واتخذوا العربية لغة لهم، فذلك لما رأوه من عدل العرب الغالبين، مما لم يروا مثله من سادتهم السابقين، ولما كان عليه الإسلام من السهولة، التي لم يعرفوها من قبل” .
ويوضح لوبون بشكل لا لبس فيه أن
“القرآن لم ينتشر بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب، التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول” .
هذه شهادة حق من كاتب غربي، ولم تخل أوروبا من مؤرخين أبصروا ما للعرب من فضل في تمدين أوروبا، فألفوا كتباً اعترفوا فيها للعرب بهذا الفضل، ومع ذلك من نتائج الصراع بين الشرق والغرب أن صار الأوروبيون يشعرون بمذلة الخضوع للحضارة العربية، التي لم يتحروا من سلطانها إلا منذ زمن قريب، فأخذوا ينكرون فضل العرب، وأصبح هذا الإنكار من تقاليد مؤرخي أوروبا وكتابها، الذين لم يقروا لغير اليونان والرومان بتمدينها، وقد ساعدهم على هذا ما عليه العرب والمسلمون من تأخر .
وكما يؤكد زعيتر فإن هذا الجحود راع العلامة الفرنسي جوستاف لوبون، وهو الذي هدته رحلاته في العالم الإسلامي إلى أن العرب هم الذين مدنوا أوروبا، فرأى لوبون أن يبعث عصر العرب من مرقده، وأن يبديه للعالم في صورته الحقيقية، فكتب في سنة 1884 كتاب “حضارة العرب”، وفيه جاء جامعاً لعناصر هذه الحضارة وتأثيرها في العالم، باحثاً في قيام دولة العرب وفي أسباب عظمتهم وانحطاطهم، مبتعداً عن أوهام الأوروبيين التقليديين في تعاملهم مع العرب والإسلام .
وفي سبيل ذلك استعان لوبون بفرق التحليل العلمي فأوضح الصلة بين الحاضر والماضي، ووصف فيه عرق العرب وبيئاتهم، ودرس فيه أخلاقهم وعاداتهم، طبائعهم ونظمهم ومعتقداتهم وعلومهم وآدابهم وفنونهم وصناعاتهم، وتأثيرهم في المشرق والمغرب .
أكد لوبون أن حضارة العرب قبل الإسلام لم تكن دون حضارة الآشوريين والبابليين تقدما، وكان للعرب -عدا الآثار القليلة التي كشف عنها- لغة ناضجة وآداب راقية، وكان العرب ذوي صلات تجارية بأرقى أمم العالم، عالمين بما يتم خارج جزيرتهم، فالعرب الذين هذا شأنهم كانوا من ذوي القرائح التي لا تتم إلا بتوالي الوراثة، وبثقافة سابقة مستمرة، والعرب الذين صقلت أدمغتهم على هذا الوجه استطاعوا أن يبدعوا حضارتهم الزاهرة، بعد خروجهم من جزيرتهم في مدة قصيرة” .
وذهب لوبون إلى أن المعتقدات القديمة في جزيرة العرب كانت قد ضعفت، وفقدت الأصنام قوتها، ودب الهرم في آلهتها، وأنه كان في الجزيرة العربية -خلاف النصارى واليهود- من كانوا يعبدون إلهاً واحداً، وهم الحنفاء، ورأى لوبون أن سيدنا “محمد صلى الله عليه وسلم أصاب في بلاد العرب نتائج لم تصب مثلها جميع الديانات، التي ظهرت قبل الإسلام، ومنها اليهودية والنصرانية،
ولذلك كان فضل النبي عليه الصلاة والسلام على العرب عظيماً، وإذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم، كان النبي محمد من أعظم من عرفهم التاريخ، والتعصب الديني هو الذي أعمى بصائر مؤرخي الغرب عن الاعتراف بفضل محمد” هكذا يقول لوبون .
ويبدو إنصاف لوبون في بيان أسباب انتشار الإسلام، فقد ذكر أن وضوح الإسلام من أسباب انتشاره، وأن وضوحه هذا مشتق من قوله بالتوحيد المهني، الذي فيه سر قوته، ومن أسباب انتشار الإسلام، كما يقول لوبون، ما أمر به من العدل والإحسان، وما نطوي عليه من التهذيب للنفوس والتسامح، والملاءمة لمناحي العلم واكتشافاته .
ويقول لوبون إن الخلفاء، بما كان لديهم من عبقرية سياسية، أدركوا ما ندر وجوده لدى دعاة الديانات الجديدة، وهو أن النظم والأديان ليست مما يفرض قسراً فعاملوا أهل كل قطر، دخلوه بلطف عظيم، تاركين لهم قوانينهم ونظمهم ومعتقداتهم، غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في الغالب، إذا ما قيست بما كانوا يدفعون في السابق، مقابل حفظ الأمن بينهم .
وعلى حد تعبير لوبون “
فإن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا ديناً سمحاً مثل دينهم، وما جهله المؤرخون من حلم العرب الفاتحين وتسامحهم كان من الأسباب السريعة في اتساع فتوحهم وفي سهولة اعتناق كثير من الأمم لدينهم ونظمهم ولغتهم التي رسخت وقاومت لجميع الغارات، وبقيت قائمة حتى بعد تواري سلطان العرب عن مسرح العالم” .
وعزا لوبون انحطاط العرب إلى الصفات الحربية، المتأصلة فيهم، والتي كانت نافعة في فتوحاتهم، لكنهم أخذوا يميلون إلى الانقسام، وصارت دولتهم تتجزأ، وقوضوا كيانهم بسلاحهم أكثر مما قوض بسلاح الأمم الأخرى .
يعد كتاب “حضارة العرب” أحد المراجع الأساسية في قراءة التاريخ العربي، وقد وضعه أحد كبار عشاق الحضارة العربية، فيحدثنا عن مصادر المعرفة عند العرب ومبادئ فلسفتهم ومداخلاتهم في الرياضيات وعلم الفلك والجغرافيا . أما تأثير العرب في الشرق والغرب، ودور العرب في الأندلس وانهيار إسبانيا، بعد إجلائهم عنها وإقفار مدنها وريفها فهو الحديث الآسر الذي يخصص له لوبون فصلاً كاملاً .
المفضلات