رؤية نقدية حول نظرية أدب المفتاح للكاتب راهيم حساوي
مجلة الهلال
ريبر عادل أحمد
يشير الكاتب راهيم حساوي إلى قضية مستعصية في رمزية المفتاح ،ليس في سياق المقابلات الحسية لحركة المفتاح والباب فحسب وإنما يشير إلى دلالة المفتاح كرمز شائك ومعقد ،ليضعنا في مفترق ملتبس ومتشعب يقدم فيها الرمز كحل لمشكلة قديمة ،دلالة المفتاح تقدم لنا سياقات شتى تتناول الأثر ،حالة الداخل الذي يستشعر القلق والأنين المنبعث عن الباب، يشير هنا إلى الأعماق المسوَّرة بأسرار مبهمة وعصية،ولعل البوابات كثيرة وجمة في واقعنا المتناقض المليئ بالتفاسير والممزوج بالتساؤلات التي تبعث على اختلاف طرائقها وأشكالها عن مفتاح
لقد تناول الكاتب قضية المفتاح من خلال الاسهاب في عرض جوانب القشعريرة والاهتزاز الانساني بدءاً من علاقة المفتاح بالباب وما يبعثه توغل المفتاح بالباب وما يرافقه من شعور بحالة الاصرار والحماسة لفتح الباب ودخوله في إطار الشعور بنشوة النصر والخروج من المأزق،فدلالة المفتاح قائمة في طبيعة المعضلة الانسانية التي تكابد مرارة الاشياء ووقوع الاختيار عليها، فتعبير الإيغال والعثور على حل يؤدي بالضرورة لخيارات متقابلة في الرؤية حول طبيعة الوجود و إشكال السبر الذي يصيِّر به الانسان سبل تعامله مع الشيء ،ترادف ماهية السبل مشاعر العنت والعناد والاحساس بعدم مرور الأزمة، فالمفتاح هو الحل كنتيجة مبدئية، والحل يرافقه الإصرار والصبر من ثم الانفراج المفترض، وفي علاقة الصبر بالانفراج نستكشف الحل المعلن لمعضلة الباب من خلال حركة المفتاح ،كون الانسان يقاس على طول إحساسه بالارتباك برحلة المعاناة القائمة في تفاصيل حياته ، كعلاقة الانسان بالسيارة والمسر دون الوقوع بحادث وعلاقة الفقد أو ضياع شيء بماهية الحيرة والقلق اللذان يدفعان الانسان إلى التماس طرق مناسبة لتجاربه مع الأشياء ،و لعلاقة الالتباس بالمفتاح علاقة شك متمخضة عن الاحتكاك المتوتر الذي له علاقة حتمية بطبيعة الانسان فهو يلتمس عقده من احتكاكه الشاذ مع الاشياء، للتخلص من عقد التسليم بالحقيقة المزعومة ومن ثم ليضاعف تأثيره وسيطرته على كامل مراكز احساسه، وليعمق نظرته للوجود الذي بات يفرز مفاتيح عديدة يستخلصها الانسان على تجاربه الحسية المباشرة في احتكاكه بالوجود والأشياء وليعمد بعدها إلى معنى دقيق لكل النقاط والجزئيات التي يتأملها في الوجود
ولعل في رؤية الكاتب راهيم حساوي للمفتاح كحقيقة قائمة بذاتها وكإشكال موجود في تفاصيل علاقة الانسان المعرفي بالوجود مساحة رحبة نلتقط عبرها أنفاسنا لنتابع الخوض في سجالات عميقة وراقية من حيث مستوى التنقيب ، الأمر الذي أسهم في تحقيق نوع من التماثل والتقابل على مستوى تفسير العلائق بين الأشياء، فالمفتاح هو رمز استحداث الحلول والوقوع في تخبطات دائمة ومرهقة، نستدل من خلالها إلى عالم الشعور بالابهار الموضوعي، علاقة فتح الباب بالمفتاح بموضوع النجاة من حادث سيارة علاقة شعورية اصطفائية قائمة على الجهد والارتباك والحصول على مقدار كاف من الفرح والاطمئنان فيما بعد الحركة المركزة، ذلك أن الانسان يمر من خلال احتكاكه بالأشياء ومخاطرته أحياناً بالحصول على النتائج هو دليل العزم والرغبة المديدة في البقاء على وجه البسيطة، نجاة الكأس الزجاجية من الكسر تجسيد لحقيقة انتماء الإنسان لمقتنياته في الوجود من هنا ظهرت مفاهيم التملك والملكية والاستملاك من خلال إخلاص الانسان لهذه العقد الشهوانية التي يباهي الانسان بها على مر حقبه، لذلك أمكن أن الكاتب ينظر للمفتاح كقضية حقيقية يمكن الاتيان ببها كنهج شعوري يساعد على استنباط رؤية ممنهجة وجديدة للكتابة،الباب يمثل السياق الذي يعبر به الانسان عن تطلعاته وطموحاته والمفتاح يمثل ذلك الجهد البشري المتعارف عليه للوصول إلى الهدف..
وعلاقة الانسان بالكتابة وفق رؤية الكاتب هي علاقة استشعار لجوانب الحياة من نقطة الاحساس ومن ثم بيان دلالته،لذلك يرى في الكتابة استشعار تام وإطلاق عنان لتصدير جملة اندفاعات ظاهرة وباطنة لخلق الفعل الابداعي،وانسجام وتماهي مطلق مع الحدث الذي يقاسيه الانسان على كامل مساحة شعوره إلى بلوغه لاحتمال تكوين نص مدهش ومعبر،فمشهدية رؤية صورة الكاهنة الفرعونية من ثقب الباب الضيق تجسيد لجمالية معينة ،حيث أن تقابلية فتحة الباب ورؤية الانسان للمشهد المقابل عبر الفتحة دلالة عميقة على مدى إمكانية رؤية الجمال بطرائق مبدعة تعكس حالات الشعور التي يستثمرها الانسان ليحصد من خلالها أنموذجات رفيعة على مستوى الابهار والدهشة حيث ان ثمة العديد من الحالات التي تجعل الانسان المتأمل في حالة من قشعريرة وارتجاف مثلاً حينما ينتزع الانسان خيوط غزل قطنية برؤوس أنامله من لباس صوف حيث يصاب لحظتها بقشعريرة مقيتة تثير جملة الاعصاب وهذا يدل أن ثمة أشياء عميقة مبهمة تستوطن أحداقنا ولا تستسيغها أحاسيسنا ولعل الكاتبب راهيم حساوي برع بصورة حساسة وجميلة في رصد هذه المشاهد الجلية المغمورة على مستوى الحديث عنها بخاصة أنه أوردها مسرحاً في نصيه المسرحيين المرعبين من حيث الجمال والدهشة وهما (الرخام) و (أنشودة النقيق)
الرخام من خلال دلالته المعقدة التي تصطك من خلالها الاعصاب
وأنشودة النقيق الذي تجعل البطن يشعر بحالة من الاشمئزاز المركز المرادف لمشهد الضفادع
وقد أبدع الكاتب ها هنا عبر طريقة المقال الذاتي الموضوعي في رصد مشاهد حياتية حساسة وفق سياق تفصيلي ومركب تلفت البصائر إلى قضايا لم يطرقها من قبله على هذه السوية المتقنة والجادة
17-أيَّار-2013م