((رؤية نقدية في دورية الشهباء الثقافية))
*ريبر هبون
تمثل دورية الشهباء الثقافية إحدى المنابر التي تتسرب منها إشعاعات الفكر والابداع ،تترجم الوعي الحضاري لتجسد الإبداع الأدبي والفني لمدينة حلب وتمثل صلة وصل المبدعين بعضهم ببعض على جسر الكلمة السامية، وهي خطوة مثالية نحو إرساء قيم النهضة وإعادتها إلى الميدان الراهن قوية كما كانت في الماضي منارة للثقافة والمبدعين وكل اللائذين إلى الحق والخير والجمال ،إن هذه المبادرة الابداعية التي اتخذتها مديرية الثقافة بحلب كانت ركيزة هامة لإقامة الصرح الجمالي الثقافي الجديد لحلب كي تكون أنموذج قيمة وعطاء وبناء، فأخبار الحركة الثقافية وتداول الإبداع بات من سمات هذه المدينة العريقة التي كانت تاريخياً تعنى بأنها إحدى مراكز الثقافة العربية الإسلامية ونبعها الثر الجليل ..
إن العبء الذي تحمل أعباءه والدعم الثقافي الذي توليه مديرية الثقافة من خلال مبادراتها الثقافية تمثل عودة مؤشرات النهوض والتطور الثقافي من خلال التطوير الاعلامي الذي يهدف لإيصال المستويات الابداعية إلى حالة الاتساع والرحابة والتألق المعرفي الهائل من كونها قبلة للعلم والثقافة والأدب متمثلاً ببيت المتنبي:
كلما رحَّبت بنا الروض قلنا حلب قصدنا و أنت السبيلُ
ولعل لإشادة رئيس التحرير بصدد الدورية الثقافية على كون المديرية تبنت هذه المبادرة بشكل رئيس وداعم يبرهن على عمق التفاني والحرص على تقديم الخير والأفضل ابداعياً على صعيد الواقع العملي والمسعى الإيجابي لكل من لهم صلة بالإبداع والفن، ونرى أن الخير الأعم والقادم سيكون من توسيع لجل هذا النشاط وجعل هذا المنبر الإعلامي وسيلة كل مبدع ومثقف ومفكر على عموم العالم العربي ، فلا ينحصر جهد ثقافي إبداعي في مدينة ما بعينها بل إن مسارات الإبداع تتضخم وتتوسع وهذه إحدى سمات الحضارة المدنية والثقافة المتطلعة نحو المستقبل عن تصميم وجودة وتمثل بماهية التقدم والارتقاء, إن ظهور العدد الأول لمجلة الشهباء الثقافية كان عدداً مثالياً قادراً أن يكون البادرة الأولى على امتداد الساحة الثقافية ،وإن نص ((من شهادة كاتب حلبي )) للكاتب وليد إخلاصي ،كان أنموذجاً متقدماً من حيث عرضه للشخوص والأماكن ومن ناحية اكتمال الفكرة ، فكانت في إطار حالة تداعي يسبر الغور في نمط السيرة الذاتية أو أدب المذكرات ،و لا نخش عموماً أن تكون الحركة الإبداعية في حلب الشهباء في معزل عن تلاقي كل جانب ابداعي عام ،لأن الثقافة لا تنحصر في أن تترجم ظاهرة ثقافية في مدينة دون أخرى ،والدورية الثقافية العالية المستوى في تلامس صداها بين الجماهير تقوم بعرض نتاج أدبي ملائم للدورية وقيم تواصلها لتحقق النسبة الأكثر رواجاً عن غيرها من الدوريات على المستوى الابداعي العام ،فأدب الخواطر والسير ذاتية تجد مكانها الأنسب إذا تلقفها المتلقي القارئ ككتاب أكثر من أن تعرض في دورية ثقافية هدفها أن تطلع المتلقي على الجديد دوماً ،ونشيد بمقالة الأديب الدكتور –ألكسندر كشيشان –تحت عنوان :((خواطر في خريف العمر)) حيث أدت هذه المقالة دوراً تحفيزياً وبرؤى موضوعية اعتمدها الكاتب في جعل المتلقي يستشعر أهمية الخطاب الموجه له في سلوك خيار العلم والمعرفة لمحو رواسب التخلف الفكري ،وهذا يصب في طموحات وأهداف الدورية الثقافية ودورها النهضوي في بناء إعلام ثقافي حر ومؤثر.
إن استعراض الدكتور –فايز الداية- لحلب من خلال مركزها الهام الذي استقطب الدراما العربية لخصوصية حالتها الاجتماعية ولعراقتها التاريخية واكتمال القيم والتقاليد فيها وعن دورها في احتواء العديد من التجارب الدرامية والإبداعية المتنوعة، وقابليتها على العمل وابتكار ما يساعدها على الرسوخ والبقاء بسبب تعاظم دور التنسيق والعمل في ارساء النشاط الفني بخصوصيته وتمايزه الإبداعي ، حيث أن المقالة المكثفة استطاعت أن تنقب إجمالاً على مسار الحركة الدرامية في حلب من سبرها لأسماء عديدة حققت الوضوح والتجلي للتعرف على غنى حلب وعراقتها ، فدورية الشهباء الثقافية حققت جودة المادة في مجمل مقالاتها فكانت لبنة أساسية من لبنات البناء الثقافي وعاملاً للنهوض الثقافي من خلال ملامستها لتجارب المبدعين في حلب كمأمون الجابري الذي وضعه الناقد-نذير جعفر- على سطح الاستكشاف من خلال إسقاط التأويل والنقد على روايته ونحن نجد في الناقد نذير جعفر مثال الباحث المتفرد في حقول تنقيبه عن الجميل والمزدهي في الرواية مشيراً في الوقت نفسه إلى الهنات اللغوية والنحوية بشكل موضوعي هادف معبراً عن كل طارئ أو جميل محكم الشروط الفنية ،في معالجته للأدب عموماً والرواية كما في هذه الدراسة كمثال جلي في العدد الذي صدر في تموز2012م، ففي رؤية عامة لاهتمام الدورية الثقافية بالنقد نجد عناية وتتبعاً لمعظم المقالات التي قدمت للمجلة منها مقالة ((نجوم صغيرة في قصص قصيرة))للكاتب –أحمد حسين حميدان- في جسه لنبض الجديد السردي للدكتور –أحمد زياد محبك- وأيضاً بالمقابل نجد المقالة التي تعنى بالتذوق والتتبع لما صدر عن أعمال من التراث كما عند مقالة الكاتب- محمد خالد النائف- في ((شرح الشعر القديم)) وإسهابه في عرض محتويات هذا الكتاب على عموم تقييمه لهكذا نتاج بحثي أيضاً نلمس هذا الشغف في مقالة ((إطلالة على المكتبات والكتب في الحضارة الاسلامية)) -لعيسى علي العاكوب -ومقالة ((للكتب حظوظ)) للكاتب –محمود فاخوري- وهاتين المقالتين تتطرقان لدور الكتب في المعرفة والتطور الحضاري للأمم، إضافة لبروز إبداعات شعرية نستطيع القول أنها كانت انعكاساً جمالياً مفيداً ومثرياً لدورية الشهباء لشعراء ينحون منحى العمق والبروز اللغوي المتين والتداعي النثري السهل والرهيف، كما عند –بهيجة مصري أدلبي- وعصام ترشحاني-وعبد الفتاح قلعه جي- وفي القصة ثمة تنوع وجمال في نمط القصة المقدم كما عند القاص –فيصل خرتشس- في قصة ((الأسطة)) والقاص –محمود الوهب- في قصته المقدمة ((فاطمة أو زينب وربما تالين)) ومدى الاختلاف في كل من نهجهما أعطى المتلقي حيوية التفضيل والتنوع على مستوى المساحة لكل منهما، إضافة إلى كل ذلك كان للمقال المترجم دوراً في هذه المجلة مما أتاح لها أن ألمَّت بإبداعات الأدب وفنونه كمقالة ((نهاية اللعبة)) للكاتب الأمريكي –زكاري ماسون- عن ترجمة –محمد ابراهيم العبد الله- وأيضاً قصيدتان ل-هارولد بنتر- تم نشرهما في الدورية وفي دور آخر يتم التوغل في الحديث عن ((الفرقة التراثية الحلبية)) في مقالة الاستاذ الشاعر – محمد بشير دحدوح- يكشف لنا غنى وأصالة الطرب الإنشادي الحلبي وجماليته كما في مقالة ((الموسيقا والغناء في حلب)) للكاتب الدكتور –محمود كحيل – فقد عبر الكاتب عن الدور الذي أغفله التاريخ في ذكر أهم جهابذة الفن والموسيقا وبتلك المقالة يسبر الكاتب عن الأجيال التي تعاقبت لتواكب الحالة الموسيقية الجلية ولتنعشه على الدوام ، أيضاً كانت لمقالة الكاتب –عدنان كزارة –تحت عنوان(( ثمن الحقيقة))أبلغ مدلول في تجسيده لمفهوم الحقيقة ونسبتها إلى الوهم حيث اتصفت المقالة بقدرتها على أن تحلق في الفضاء القصصي بمشهدية معبرة وعامة لتقدم عدة استنتاجات تلامس رحلة الكاتب عموماً في سياق تجاربه وأنماطه المتعددة في الكتابة ،أيضاً كانت لمقالة ((الغرابة،المفهوم وتجلياته في الأدب))للكاتب –محمد خالد النائف-طاقة من مدلول خاص تطرق لاستعراض مفهوم الغرابة في الأدب من عدة سياقات مختلفة فمن وجهة نظر أبو حيان التوحيدي لها إلى الأدب الغرائبي المستخلص في شخص أدغار آلان بو ،كافكا وديستوفسكي انتهاء بالتطرق لرواية ((رجل الرمال)) ل-هوفمان- ، وأيضاً نستطيع أن نجد في مقالة –سليمان مصطفى السليمان- التي تتحدث عن البناء الروائي في رواية ((حسناء جباليا)) للدكتور –عبد السلام الراغب- وتتبعه لشخوص وأحداث الرواية وتحليله المسهب في الرواية من خلال البحث في الأدب الفلسطيني وملامح تجربته في رحاب الرواية وعوالمها التي توضح أبعاد وتقابلات الزمان والمكان المتجلية بتمامها رغم أن هذه المقالة لم تخرج من كونها لم تتعد التذوق والرؤى الانطباعية العامة في بناء الرواية، ضمن سياقات استعراض الرواية كي تحرك في المتلقي بديهة سرعته لتلقفها وقراءتها، وفي الدراسة التي نشرتها الباحثة الدكتورة –بغداد عبد المنعم- التي تتحدث عن المخطوطات والمسارح دور مفصلي في التعريف بمدى تجاوز البحوث المناخ الأفضل الذي يلم بالتاريخ ويتصل بالأماكن والمواقع الاستراتيجية في طشقنط وكذلك كان الحديث عن واقع المسرح بحلب للدكتور عبد الفتاح قلعه جي معالم وشجون نحو الانطلاق بالمسرح رغم التعثر إلى مصاف المسرح العالمي عموماً ،أيضاً تطرق لذلك الكاتب -جوزيف ناشف - ليقدم لمحة نموذج عن ما يقدم بحلب ولعل في مقالة –أحمد محسن- ((المرأة وأبجدية الخصب)) كانت تمثل تداعياً على مستوى تذوقي يعكس فيها الكاتب حرارة الفكر المتصل بالمشاعر الرقراقة التي تفوح بالأنثى الملاذ لحظة يكون الحديث عن الخصوبة المنبثقة عن التأمل الفني الذي يحيط بالمرأة برهافة كلية وفي النهاية نستطيع القول أن رحلة الشهباء الثقافية مكللة بالعديد من الابداعات التي تخرج لتتجلى يانعة في حلب ولتكون صلة وصل كل ما له في الإبداع شأن أو باع ،فهو يعكس أضواء متجلية تترجم غبار الرحلة التي يسلكها المبدعون في غمرة عطاءاتهم وابتكاراتهم التي تعكس الفطرة الانسانية الخيرة من رؤية جديدة للحياة واستنهاض من سياق يدعو للعطاء والاستمرار في الانجاز نحو الأفضل دوماً ففي مقالة -خيري الذهبي- تحت عنوان ((حلب منذ شكسبير وحتى الكواكبي)) إشارة جلية على هذا التواصل المعرفي الحضاري العريق بين الشرق والغرب وفي تناولنا للإبداع كما عند القاصة-ضياء قصبجي- والقاص –غسان كامل ونوس- جنوح نحو حدس مفعم بالجمال والأصالة والفن والحكمة ونحن هنا نجد أن الشهباء الثقافية تسير نحو مسارات الابداع متماهية مع عمق حلب ورقيها الغابر وجغرافيتها وابداعاتها التي تزداد تألقاً نحو الأفضل دوماً...