آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: المجاهد البحري عروج/د. محمد موسى الشريف

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي المجاهد البحري عروج/د. محمد موسى الشريف

    المجاهد البحري عروج

    الدكتور محمد موسى الشريف

    القسم الأول



    لله – تعالى – جنود عظماء يبرزون عندما يأذن الله سبحانه ، في الوقت الذي يشاء ويريد ، لا في الوقت الذي نشاؤه نحن ونريده ، وهؤلاء الجنود يعملون أعمالاً جليلة عظيمة ، وينفع الله – تعالى وجل وعز - بهم نفعاً يتعدى مأمول العباد ، ويكون وراء مطالبهم ، وأكثر من أمانيهم ، وأعظم من طموحاتهم ، ومن هؤلاء الجنود المجاهد البحري العظيم عَرَوج العثماني الذي يعد من أهم القادة البحريين في القرن العاشر الهجري زمن السلطان بايزيد الثاني وابنه سليم الأول ، وإليه الفضل - بعد الله تعالى وجل وعز – في تنظيم حركة الجهاد البحري بعد أن كانت جهوداً فردية مبعثرة.

    ولد عَرَوج سنة 875/1470 في جزيرة ميديلي ، وتتبع اليونان اليوم ، واسمها لسبوس ، وقد فتحها السلطان محمد الفاتح رحمه الله تعالى ، وكان أبوه أحد الفرسان الذين استجابوا لأمر السلطان محمد الفاتح للأتراك بالاستيطان في الجزيرة عقب فتحها ، ويسمى يعقوب أغا ، وتزوج امرأة رومية من الجزيرة أنجبت له أربعة أبناء هم إسحق ، وعروج ، وخضر ، وإلياس ، وخضر هذا هو الذي اشتهر بعد ذلك بخير الدين برباروس ، وسآتى على قصته في حلقة أخرى إن شاء الله تعالى.
    وحُبب إلى عروج ركوب البحر والتجارة بين البلاد ، واقتنى سفينة تساعده في رحلاته ، فقصد مرة طرابلس الشام مع أخيه الأصغر إلياس فاعترضته سفن فرسان رودس ، وعلى إثر معركة جرت بينهما قتل أخوه إلياس ، وأسر هو وأُخذ إلى رودس مقيداً بالسلاسل فمكث في السجن بضع سنين ، وحاول أخوه بارباروس أن يخلصه من الأسر فأرسل أحد التجار الأوروبيين إلى رودس ليفتديه لكن آسريه لما علموا منزلته بين أهله رفضوا قبول الفدية وضاعفوا من عذابه والأغلال التي تقيده ورموه في زنزانة تحت الأرض ، وفي إحدى الليالي أكثر من مناجاة الله تعالى وبكى ودعا في زنزانته بأن يخلصه الله تعالى حتى غلبه النوم فرأى شيخاً مشرق الوجه قال له :
    "يا عروج : لا تحزن بسبب ما أصابك من الأذى في سبيل الإسلام فإن خلاصك قريب".
    وفي اليوم التالي أشار أحد قباطنة رودس عليهم بأن يخففوا من تعذيب عروج وخوفهم من العواقب بسبب غضب الأتراك ، فأخرجوه ليعمل في إحدى السفن في البحر ، وفي تلك الأثناء كان الأمير كوركوت أميراً على أنطاليا ، وهو ابن للسلطان بايزيد وأخ للسلطان سليم الأول العثماني ، وكان من عاداته كل سنة أن يفك أسر مائة أسير تركي في سبيل الله وذلك من فرسان جزيرة رودس خاصة ، فاختار الروديسيون مائة أسير لم يكن عروج من بينهم لكنه كان يعمل في التجديف مقيداً في السفينة التي نقلتهم ، فلما رست السفينة في مكان قريب من أنطاليا نزل الأسرى المائة ومعهم مبعوث الأمير كوركوت ، فهبت ريح معاكسة لم تمكن الروديسيين من الإبحار وعم الظلام وانشغل عنه الرديسيون بصيد السمك فاستطاع عروج أن يحل قيوده ويقفز من السفينة ويسبح ناجياً إلى البر فلما وصل سجد شكراً لله تعالى ، ثم استطاع الوصول إلى أنطاليا ، وهنالك وجد بحاراً يملك سفينة يتاجر بها بين الإسكندرية ، وأنطاليا فاشترك معه في إدارة السفينة ووصل إلى الإسكندرية ، وأرسل إلى أخيه خير الدين يبشره بالخلاص من الأسر ، ثم اجتمع به بعد ذلك بعد فراق طويل.

    وفي أحد الأيام قال عَرَوج لأخيه :
    "لقد رأيت في الليلة الماضية رؤيا صالحة ، رأيت ذلك الشيخ ذا اللحية البيضاء الذي بشرني بالنجاة عندما كنت أسيراً في رودس يقول لي : "يا عروج : توجه إلى الغرب ، إن الله قد كتب لك هناك كثيراً من الغزو والعز والشرف" وهذه الرؤيا جددت عزمه على الجهاد فأوقع بالكفار في مواطن عديدة ، ولما وصل خبر جهاده وجهاد أخيه خير الدين إلى السلطان سليم دعا لهما قائلاً : اللهم بيض وجهي عبديك عَرَوج وخير الدين في الدنيا والآخرة ، اللهم سدد رميتهما ، واخذل أعداءهما ، وانصرهما في البر والبحر" ، وأرسل لهما هدايا كثيرة وسفينتين.

    كان البرتغاليون في تلك الأثناء يفسدون المسالك البحرية للمسلمين إلى الهند فيعتدون على سفنهم التجارية ، ويتعرضون للحجاج فيأسرونهم ويقتلونهم ، ويعتدون على السواحل الإسلامية في الهند وشرق افريقيا ، فأراد سلطان المماليك في مصر قانصوه الغوري أن يدرء خطرهم فعين عروج قائداً للأسطول المملوكي لشهرة عروج آنذاك ، وأرسل عروج في ست عشرة سفينة إلى ميناء باياس في خليج الاسكندرون ليحمل من هنالك أخشاباً تساعده على صنع أربعين سفينة تكون نواة للأسطول المملوكي ، لكن الروديسيين علموا بذلك فحاصروا عروج بأسطول كبير دمر سفنه لكنه تمكن من الهرب ، ومن أجل أن ينتقم منهم صنع سفينة متوسطة الحجم صار يغير بها على سواحل رودس ، ولأجل معرفة مدى التوفيق الذي حالفه في صنيعه أسوق نصاً لرئيس دولة رودس ويلقب الأستاذ الأعظم :
    "لقد ظهر قرصان يُدعى عَروج رئيس يملك سفنية ذات ثمانية عشر مقعداً لا يكاد ينجو منه أحد ، إنه يقوم بالاستيلاء على أموالنا وإحراق بلادنا ، وكثيراً ما يأسر أطفالنا ويأخذهم إلى طرابلس الشام حيث يبيعهم في أسواقها حتى صرنا لا نقدر على ركوب البحر خوفاً من شره ، لقد كنت حذرتكم وقلت لكم : لا تخرجوا هذا التركى من الزنزانة من تحت الأرض لكنكم لم تسمعوا قولي فأخرجتموه وجعلتموه جدافاً في السفينة ، هيا اذهبوا وتخلصوا منه بسرعة" ، فبحث عنه الروديسيون في كل مكان إلى أن وجدوا سفينته راسية في أحد المراسي فأحرقوها ، لكن عروج تمكن من الهرب إلى أنطاليا ، وأخذوا سفينة عروج إلى ميناء رودس وأعلنوا فرحين أنها سفينة عروج ، لكن الأستاذ الأعظم صرخ بغيظ : "نعم هذه السفينة لعروج لكنه ليس موجوداً فيها".

    كان لعروج صديق يُدعى بيالة بيه فشفع له لدى الأمير كوركوت أخي السلطان سليم أن يعوضه سفينة أخرى ففعل الأمير ، وأعطاه بيالة سفنية ثانية هدية ، وأسوق النص المبين لجهاد عروج فقد قال بيالة للأمير :
    "إن عروج رئيس عبد من عبيدكم المجاهدين ، وهو يقوم بمجاهدة الكفار ليلاً ونهاراً. لقد انتصر عليهم في معارك كثيرة غير أنه فقد سفينته وهو يرغب في أن تتفضلوا عليه بسفينة يغزو عليها" استلم عروج السفينتين وصار يجاهد بهما الكفار في البحر الأبيض المتوسط ، وتعرض لسفن البندقية فاستفاد منها غنائم كثيرة من الأموال والأسرى والطعام ومواد البناء والحيوانات ، وجدد صلته بسلطان مصر واعتذر له عن احتراق المراكب فعذره السلطان وأكرمه.

    وصار عروج يبيع الغنائم في موانئ تونس واتصل بملكها الذي أكرمه وأخاه خير الدين وسمح لهما ببيع غنائمها في موانئ تونس على أن يكون للدولة ثمن الغنائم وجعلا ميناء حلق الوادي في تونس مقرهما الرئيس ، واستمر الأخوان في جهادهما البحري يذيقان الكفار الألم الموجع وقد عبر عن ذلك بعضهم بقوله :
    "لقد ظهر تركيان اسمهما عَرَوج وخير الدين خضر ، يجب أن نسحق هاتين الحيتين قبل أن تتحولا إلى تنين ، علينا أن نمحو اسميهما من على وجه الأرض ، إننا إذا أتحنا لهما الفرصة سوف يسببان لنا متاعب كثيرة" وانتشر جهاد عروج في سواحل اسبانيا والبندقية وجنوة وفرنسا ، وتعرض لسفن كل دولة لا تربطها معاهدة مع الدولة العثمانية.

    ويكفي عروج شرفاً أنه استطاع بغزواته تلك في البحر أن يؤمن كثيراً من سفن الحجاج البحرية ويردع الأوروبيين المجرمين الذين كانوا كثيراً ما يعترضون سفن الحجاج ويأسرونهم ويبيعونهم رقيقاً ، أو يقتلونهم ، واستمر أخوه على هذا المسار بعد استشهاد عروج فحمى الله - تعالى - بهما الحجاج إلى بيت الله الحرام.

    ومما صنعه عروج ويكتب له بمداد من نور – إن شاء الله تعالى – أنه وأخاه خير الدين وبعض رؤساء البحر العثمانيين نقلوا مئات الآلاف من مسلمي الأندلس سراً إلى سواحل شمال افريقيا ، وأنقذوهم من استعباد الاسبان لهم ومنعهم إياهم من إظهار شعائر دينهم وشرائعه ، واستطاع بفضل الله تعالى أن ينقل قرابة 70 ألف مسلم من الأندلس إلى الجزائر ، فازدهرت الجزائر لمهارة الأندلسيين المنتقلين إليها في فنونهم وصناعاتهم.

    والمؤرخون الصليبيون يسمون عروج وأخاه ومن معهم قراصنة ، وحاشاهم فما كانوا قراصنة ، فالقراصنة يسرقون ويقتلون لأجل المال ، بل كانوا غزاة مجاهدين ، سعوا لتخليص بلاد المسلمين في شمال أفريقيا من الاحتلال الإسباني ، وتخليص الأندلسيين المضطهدين من الأسر ، فهل هذه الأفعال أفعال قراصنة ، لكن القراصنة الحقيقين كانوا من الأوروبيين الذين ملأوا البحر الأبيض المتوسط شراً وسرقة ونهباً وقتلاً ، ولكن ما الحيلة في المؤرخين الصليبيين وإخوانهم المستشرقين الذي يحرصون على أن يصفونا بما هو بهم ألصق وأولى ، ولا ننسى المثل العربي : "رمتني بدائها وانسلت".

    يتبع

    عن موقع التاريخ


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي المجاهد البحري عروج/د. محمد موسى الشريف/ق2والأخير

    المجاهد البحري عروج

    الدكتور محمد موسى الشريف

    القسم الثاني والأخير



    الجهاد في الجزائر :
    كان لعروج أياد بيضاء في الجزائر ، وعمل على تخليصها من الاحتلال الإسباني ، والذي جعله يبدأ هذا الجهاد رسالة وصلته من أهل بجاية جاء فيها :
    "إن كان ثمة مغيث فليكن منكم أيها المجاهدون الأبطال ، لقد صرنا لا نستطيع أداء الصلاة أو تعليم أطفالنا القرآن الكريم لما نلقاه من ظلم الإسبان ، فها نحن نضع أمرنا بين أيديكم ، جعلكم الله سبباً لخلاصنا بتسليمه إيانا إليكم ، فتفضلوا بتشريف بلدنا ، وعجلوا بتخليصنا من هؤلاء الكفار" فابتدأ عروج وأخوه سلسلة من الهجمات على ميناء بجاية ، وفعلوا بالاسبان الأفاعيل حتى فتحها أخوه خير الدين بعد ذلك ، وبداية تلك الغزوات أنه هاجم بجاية وقتل ثلاثمائة أسباني وأسر مائة وخمسين ، واستولى على عشر سفن ، وكاد يستولي على القلعة لكنه أصيب في ذراعة بقذيفة ففقد وعيه وحُمل إلى تونس ، فلما رأى أهل تونس ما حل به بكوا عليه ، وعرض أخوه خير الدين على الأطباء العرض التالي :
    "من يقوم بإنقاذ ذراع عروج فإني سأكافئه بوزنه ذهباً ، وأهب له عشرة أسرى يختارهم من أيهم شاء" لكن الأطباء قرروا قطع ذراعه فقطعوها ، فلما بكى عليه أخوه قال : "لماذا تبكي ؟ هذا قضاء الله وقدره. إني أحمد الله على أني فقدت ذراعي في الغزو ، تكفيني هذه النعمة" وهذا النص دال على صبر عروج وتسليمه ، رحمه الله تعالى ، وهكذا ينبغي للمؤمن الصادق أن يكون.

    وبعد هذه الحملة على بجاية عمد عروج إلى فتح جيجل ، وكانت تحت حماية حامية إيطالية من جنوة منذ قرنين ونصف تقريباً ، وتبعد 120 كيلاً غرب بجاية ، واستطاع عروج بفضل الله تعالى ثم بمساعدة أهالي المدينة أن يدخل جيجل سنة 919/1514 ، وحررها من أعداء الإسلام ، ووطد أقدامه في المدينة ، ثم في السنة التالية حاصر بجاية للمرة الثانية بجيش يبلغ عشرين ألف مجاهد لمدة ثلاثة أشهر لكنه لم يستطع تحريرها ، ثم في السنة التي تلتها سنة 920/1515 حاصر بجاية للمرة الثالثة براً وبحراً ، وجرت معركة عنيفة جداً قُتل فيها كثير من جنود عروج ، ونفد البارود فأرسل إلى سلطان تونس الحفصي يطلب البارود فرفض وتجاهله !! وإنا لله وإنا إليه راجعون فاضطر للانسحاب ،
    (ولمعرفة سبب موقف السلطان الحفصى التونسي ،راجع سيرة خير الدين بارباروس أخي عروج).

    واتصل عروج بعد انسحابه بالسلطان سليم الأول العثماني بأن أرسل له رسالة يشرح فيها ما يتعرض له هو وأخوه من الصعوبات بسبب جهادهما النصارى ، وأرسل له بعض الهدايا ، فكافأه السلطان سليم بإرسال أربع عشرة سفينة محملة بالرجال الأشداء المجاهدين والذخائر والمعدات ، فساعدت هذه المعونة المجاهدين على استعادة قوتهم وكان هذا الاتصال بين عروج والسلطان سليم بداية قوية لتعاون طويل بين العثمانيين والأخوين عروج وخير الدين.

    دخول الجزائر العاصمة :
    كانت الجزائر العاصمة تحكم من قبل رجل يسمى سالم التومي ، وكان أمامها في البحر جزيرة قريبة جداً من ساحلها فيها حامية إسبانية تخوف منها أهل الجزائر ، وتسمى حصن البنيون ، وطلب الأهالي من عروج أن يأتي إلى الجزائر لحمايتهم ، وفعلاً خف عروج وخير الدين في قوات برية وبحرية ودخلا الجزائر وسط ترحيب الأهالي ، وسار عروج فوراً إلى بدلة شرشال وطرد الاسبان منها ، ثم رجع إلى الجزائر ، فاجتمع زعماء الجزائر وأهل الحل والعقد وقرروا تنصيب عروج أميراً للجهاد في الجزائر ، وذلك سنة 922/1516.

    وهنا تخوف حاكم الجزائر سالم التومي من عروج وقام بالاتصال بالاسبان فعلم عروج فقتله ونشر سلطانه في المدينة ، فقام يحيى بن سالم التومي بالاتصال بالاسبان وخوفهم من عروج ، فبادر الاسبان إلى تنظيم حملة على الجزائر شاركهم فيها الخونة من الأعرب ويحيى بن سالم التومي ومن معه ، فحاصره الإسبان من البحر بجنود كثيرة ، فبات ساجداً يدعو الله تعالى أن يمن عليه بالنصر ، وأنزل العدو عشرة آلاف إلى الساحل ، وأبقى جنوداً في سفنه الأربعين التي حاصرت الجزائر ، وفي ليلة من الليالي خرج عروج خفية من قلعة الجزائر في ثلاثة آلاف مجاهد ، والتف خلف العدو ، وكانت ليلة عاصفة مظلمة ففوجئ به الإسبان ، فاستعانوا عليه بإنزال الجنود الذين بقوا في السفن فصار عددهم حوالي خمسة وعشرين ألف جندي ، فخرج من قلعة الجزائر ألفان من المجاهدين عاونوا عروج ، وأنزل الله - تعالى – نصره ، وأُبيد جُل جنود الكفر ، وأسر ألفان وسبعمائة بحمد الله – تعالى - وهكذا نشر عروج سلطانه على الجزائر العاصمة وجيجل وشرشال ومستغانم ، وكلف أخاه خير الدين بإدارة شرق الجزائر وأدار هو غربها.
    كان بعض أمراء العرب في الجزائر من الخونة المتعاونين مع الإسبان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، وكان حكام تلمسان على رأس هؤلاء ، فقام ابن أخ حاكم تلمسان بالاستيلاء على مدينة تنس في الجزائر بمعاونة الإسبان والأعراب ، فغاظ ذلك عروج فاستفتى علماء الجزائر قائلاً : "أيها السادة : ما حكم الشرع فيمن تمالأ مع الكفار الإسبان وبايع ملك إسبانيا الذي سار لقتل إخواننا في الدين وقابل نصحنا بالكنود؟" فأفتاه العلماء بأن قتله واجب ، ودمه هدر ، وماله مباح ، فسار عروج إلى تنس واستطاع دخلوها سلماً بعد أن قام السكان بتقييد ابن أخ حاكم تلمسان وسلموه إلى عروج فقتله جزاء خيانته ، وقتل بعض رؤساء العرب المتمالئين معه وذلك سنة 923/1517.

    ثم قرر أن يمضي إلى تلمسان ليقضي على رأس الحية هنالك ، وقد كانت تلمسان مدينة داخلية ليست على ساحل البحر ، وفيها آلاف من الأعراب والإسبان يعاونون حاكمها ، وتعد أكبر مدينة في الجزائر وأقواها ، وفي أثناء تفكير عروج بغزو تلمسان ثار أهلها على سلطانها أبو حمو الثالث ففر منهم ، فأرسل الأهالي إلى عروج يدعونه إليها وبايعوه سلطاناً عليهم ، ودخل عروج المدينة وأقام بها في فصل الشتاء ، ولم ينس حاكم تلمسان ما جرى فجمع حوله قطاع الطرق من الأعراب ، وأرسل إلى حاكم وهران – وكان فيها الإسبان – قائلاً : "لقد وقعت في أيدي القراصنة الأتراك ولم أتمكن من استخلاص أموالي من أيديهم فأين شوكة وعظمة مَلككم ؟ هل يعقل أنكم صرتم لا تستطيعون أن تخرجوا رؤوسكم خوفاً من حفنة من القراصنة؟" وهذه خيانة لله ولرسوله والمؤمنين ، واستجاب حاكم وهران لطلب الخائن وأرسل له عشرة آلاف جندي بقيادة مارتين دي أرغوت ، وجمع الخائن حوله عشرين ألفاً من الأعراب والبربر فصاروا ثلاثين ألفاً وتوجهوا إلى تلمسان ، وهنا قرر عروج أن يخلي المدينة ويعتصم بالقلعة ، وأرسل له أخوه خير الدين ألف جندي تركي وألفي فارس عربي ، وجعلهم تحت إمرة أخيهما إسحاق ، فلما علم عروج بذلك خرج من القلعة لجمع قوته إلى القوة القادمة فسقطت تلسمان بيد حاكمها المخلوع لكن بقيت القلعة بيد عروج ، فحارب عروج الخائن ومن معه من الجنود الإسبان والعرب فانتصر عليهم ، لكن ملك إسبانيا أرسل رسالة إلى حاكم وهران يقول فيها : "إذا كنت تريد أن تحتفظ برأسك فعليك أن تقضي على عروج رئيس وجميع من معه من الأتراك ، يجب أن ترسل إليَ عَرَوج حيا إلى إسبانيا وأنا أعرف القتلة التي أذيقه إياها" وبناء على ذلك أرسل حاكم وهران جيشاً عدده أكثر من ثلاثين ألفاً إلى تلمسان ووقعت معارك صعبة دامت قرابة ثلاثة أشهر ، ثم عرضوا على عروج أن يكون له ولجنده الأمان ويسلم القلعة ، فاستشار جنوده فأشاروا إليه أن يخرج ويسلم القلعة ويعود إلى الجزائر ثم يعود لقتالهم ، ففعل عروج ، لكنهم ما إن ساروا قليلاً إلا واجتمع عليهم قرابة عشرين ألف جندي إسباني ثاكثين بوعدهم ، وكان مَن معه من الأتراك أقل من ألف وكانوا منهكين من الجراح والتعب ، وحانت لعروج فرصة للهرب لكنه لم يطق أن يسمع استغاثات جنده به ويدعهم ويهرب فعاد وغمس نفسه في الاعداء وقتل منهم مائة قبل أن يسقط شهيداً في ميدان الشرف والعز والجهاد ، وذلك سنة 924/1518 عن أقل من خسمين سنة من عمره المبارك

    فلله در عروج فقد وهب حياته لله فلم يتزوج لانشغاله في الجهاد في سبيل الله تعالى ، وكان يوزع الغنائم على بحارته وجنده ، ويوزع جزءاً كبيراً منها على الفقراء والمساكين ، وخرج من الحياة بعد أن أبلى بلاء حسناً عظيماً ، وخلص عدداً من مدن الجزائر من الاحتلال الإسباني ، وثبت سيطرة العثمانيين على البحر الأبيض المتوسط ، وأنشأ قوة جهادية بحرية كبرى ، ومن أحسن ما صنعه أنه أحيى الجهاد في الشمال الافريقي بعد أن استولى البرتغاليون والاسبان على جُل المدن الساحلية في المغرب العربي الكبير وسط توانٍ وضعف وهوان من أهل الإسلام وخيانة من قبل عدد من حكام بلاد الإسلام وضعف عقيدة الولاء والبراء في قلوبهم ، والعياذ بالله ، فما أعظم ما قام به عروج رحمه الله تعالى(1).


    1- مصدر هذه الدراسة الرئيس هو كتاب مذكرات خير الدين بارباروس ، ترجمة د.محمد دراج ثم كتاب "أمير الجهاد : خير الدين بارباورس" للأستاذ بسام العسلي ، وهناك مصادر أخرى اعتمدت في هذه الدراسة.

    عن موقع التاريخ


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •