جزيرة الظل

في أحدِ شوارع الحي المجاورة وبضعفٍ بدا على جسدٍ لم يتجاوز العاشرة, ووجهٍ خُطفت معالم الحياة منه قسراً فما عاد يلهو فيها فتلهو هي به, في منتصف يوم صيفٍ حار, يخطو بقدمين باردتين على صفحة الرمال الساخنة, تُكسبه الشمس بلونها الذهبي سمرةً, فتمسح ماضٍ عاش فيه مع أبيه, يسير يتحرى ظل بيتٍ أو شجرةٍ في جانب طريق تسطع أرضه متوهجةً ليعمد إليه فيقيه, تستدعي نظره على بعدٍ قطعةٌ لامعة تدفع الفضول لمعرفتها, فيُثيرُ لديه حسابُ المسافة تَركَها, فتغريه من جديد, يتجه نحوها والأفكار تداعبه, تؤمله بمستقبلٍ سعيد, لم يجر مسرعاً إليها كي ما يعيش حلماً قصيراً. وقف أمامها ممعناً ناظريه ليدرك قيمة الحلوى في الحي المجاور على الرمال الساخنة تُناجيه: " مُدَّ يدك إلي لا تخجل, فأنا هدية العيد" فعزم الأخذ ليُنهي معاناتها, وتَكُف عنه الجوع, ينظر حوله, يلتفت يميناً ويساراً, يرقب الطريق, يخاطب نفسه متمتماً: " ما من أحد " فيختطفها من أحضان الرمال ويطير بها إلى جزيرة الظل المجاورة, يجلس إليها, يجمعها بين يديه, يقلبها تارةً ويقبلها أخرى, في لحظةِ شوقٍ لم يعهدها أيام العيد, تدهمه صورة أخيه يبكي وأنهُر عينيه تناديه, فيهجر أحلامه البريئة برهةً, يفز خلالها من مكانه واقفاً, ويثوي الحلوى في جيبه عائداً بالنصر للبيت كي يُحمل على الأعناق بطلاً, طفلاً صغيراً في أحدِ شوارع الحي عاد يمشي.

حامد أبو عجوة