السعدون قبيلة يحرسها البخت


كاظم فنجان الحمامي

سنحت لي الظروف قبل بضعة أيام أن أقوم مع نخبة من أشراف البصرة بزيارة الشيخ جمال بن صبري بن نجم بن عبد الله الفالح السعدون, في ديوانه العامر بمدينة (الزبير), فطلبوا مني التعبير عن المواقف الأخوية المؤازرة لقبيلة السعدون, تلك القبيلة العريقة الرفيعة النسب, التي ارتبط تاريخها ببني هاشم سادة العرب وأشرافهم, وارتبط مصيرها بأديم هذه الأرض المقدسة.
لقد قالت البصرة كلمتها, فأعلنت صمودها بوجه موجات العنف الطائفي, وقالت الناصرية كلمتها في سوق الشيوخ, فأعلنت مؤازرتها لقبيلة السعدون, وكان لميثاق الشرف المعقود فيما مضى تحت خيمة القبائل المتفقة على الولاء الدائم لبعضها البعض, في حلف قوي, هو حلف (المنتفج), الذي كان له الأثر الكبير في تعزيز قوة الترابط الأخوي المتين بين قبيلة السعدون وبين حزمة من القبائل الجنوبية الكبيرة المتآلفة على الحق, وفي مقدمتها قبيلة (بني مالك) بكل تفرعاتها وتشعباتها.
وهكذا تعمقت أواصر التماسك بين القبائل المتفقة, وتعزز إصرارها على العيش بسلام ووئام, فتجاهلت العقبات الطائفية والمذهبية تحت ضمانات (البخت), التي لا تدركها العقول الأجنبية المغرضة, ولا تستطيع الدوائر المخابراتية فك شفرتها الجنوبية المعقدة. .
فالبخت هنا لا يعني الحظ, ولا يعني الطالع, ولا يعني الفرص المؤاتية, إنما يشير إلى كلمة أخرى سومرية الجذر, تعني صفاء النوايا الإنسانية السليمة, وخلوها من المراوغة والمماطلة والعبث, وابتعادها عن المؤثرات العقائدية المتطرفة, فإذا أقسم الرجل لصاحبه بالبخت, فأنه قطع على نفسه وعداً أن لا يغدر به, ولا يخونه, ولا يخذله, ولا يتخلف عن نجدته.
نحن هنا في جنوب العراق لن تفرقنا الفوارق, ولن تمزقنا معاول الطوابير المخابراتية المدسوسة مهما تمادت وتوسعت في تنفيذ مخططاتها الغاشمة, وسنحافظ على لحمتنا وتكاتفنا ووحدتنا الوطنية رغم الأهوال والويلات, ورغم حجم التضحيات الجسيمة, ورغم قسوة المصائب التي صُبت فوق رؤوسنا, ولن تقدر الدوائر المخابراتية على اختراق تماسكنا, رغم محاولاتها المتواصلة منذ عام 1920 وحتى يومنا هذا, فاعترفت بفشلها الذريع أكثر من مرة, وأيقنت أن ليس من السهل تغيير بوصلة أبناء الجنوب نحو خنادق التنافر الطائفي, وليس من السهل تجنيدهم في هذه الفوضى الشرق أوسطية العارمة, وليس من السهل شراء ذممهم وتوظيفهم في تنفيذ مشاريع تمزيق نسيج التلاحم الاجتماعي الفطري المتأصل في وجدان هذه الأمة. .
ما الذي تريده الأوكار المخابراتية مننا ؟, وما الذي تخطط له ؟, أنها وبكل بساطة تسعى لزرع الفتن, وتسعى لبث الفرقة, وهي الآن تحث الخطى نحو تقسيمنا وتجزئتنا بمعاولها الطائفية الرخيصة, أو بخناجرها البغيضة المسمومة.
قديماً قال عنترة العبسي: اضرب رأس الضعيف فيطير صواب القوي, بينما تفكر تلك الأوكار العدوانية اليوم بتسديد ضربات قوية موجعة وقاصمة تستهدف الإطاحة بنا كلنا, حتى يطير صوابنا ونتخبط في خضم الفوضى التي يقودها الأشرار, فتكون الفرصة سانحة لهم لإعادة تقسيمنا من جديد على وفق المخططات الخبيثة التي رسمها لهم الشيطان (برنارد لويس). .
وهذا هو السر الخفي لكل العمليات الإرهابية والتخريبية والتدميرية والترويعية والتهجيرية, التي نفذتها الأوكار الخبيثة ومازالت تنفذها في المدن العراقية المسالمة, فهي التي تمسك بخيوط التآمر, وهي التي تستعدي هذه الفئة ضد تلك, وهي التي تسلح هذه الطائفة ضد تلك, وتشحن هذا ضد ذاك, وتحرضنا ضد بعضنا البعض, فالممول واحد, والمحرض واحد, والمضلل واحد, والمتربص واحد, والمستفيد واحد مهما اختلفت المصادر, ومهما دُفنت السرائر, وتغيرت واجهات المنابر, لكن (بخت) الشعب العراقي بعزم الله أقوى من خبث الأشرار, وسيهزم الجمع ويولون الدبر, بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر, ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا, هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون. .